وقيل لعمر: استخلف عبد الله بن عمر، ورفض عمر ذلك لسبب بسيط جدا وهو أن عبد الله بن عمر عجز عن طلاق امرأته كما قال عمر (2).
وتصور بربك أن عمر (رضي الله عنه) فكر أخيرا بأن يعهد بالخلافة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) ولكن رهقته غشية (3). ألا ترى أن صلاحيات الخليفة القائم بتسمية ولي عهده أو إمام المستقبل من بعده في نظر أهل السنة صلاحيات مطلقة. ويجدر بالذكر أن ولاية العهد أصبحت جائزة ومشروعة في نظر علماء أهل السنة بسبب عهد أبي بكر لعمر وعهد عمر للستة أو عمليا لعثمان. وبعد أن تولى الأمويون رئاسة الدولة أصبح العهد هو الطريقة المتبعة على الأغلب في تولية الخليفة (1) راجع مرض عمر وموته في تاريخ الطبري وفي طبقات ابن سعد وراجع ص 15 من الإمامة والسياسة.
(2) راجع على سبيل المثال شرح النهج ج 1 ص 64 لعلامة المعتزلة وراجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام.
(3) راجع على سبيل المثال شرح النهج ج 1 ص 64 لعلامة المعتزلة وراجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام.
وأصبحت التسمية أو ولاية العهد أو مرجعية المستقبل أمرا شرعيا وذلك حرصا على مصلحة المسلمين. أنظر لقول أم المؤمنين: استخلف عليهم ولا تدعهم بعدك هملا، ثم انظر إلى رد عمر عليها: ومن تأمرني أن أستخلف ؟ فلو أمرته أم المؤمنين أن يستخلف أي شخص لفعل.
المرجعية الجماعية عند أهل السنة
قال ابن خلدون: إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا، ولا كان الدين يؤخذ عن جميعهم، وإنما كان مختصا بالحاملين للقرآن العارفين بناسخه ومنسوخه ومتشابهه ومحكمه وسائر أدلته، بما تلقوه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو ممن سمعه منهم وعن عليتهم، وكانوا يسمون (القراء) أي الذين يقرأون الكتاب لأن العرب كانوا أمة أمية، فاختص من كان قارئا للكتاب بهذا الاسم لغرابته يومئذ وبقي الأمر كذلك صدر الملة (2).
وبحلول العهد الأموي تكونت المقاطع الأساسية لنظرية عدالة كل الصحابة بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي، فأصبح الصحابة جميعا وبدون استثناء وبدون مقدمات كلهم عدول، وكلهم من أهل الجنة ولا يدخل أحد منهم النار (3)، ولا يجوز عليهم الكذب، وتحولوا لمراجع دينية كل واحد منهم مرجع قائم بذاته ومستقل عن سواه، وإن أخذت من أي واحد منهم جاز.
فرأي أبي بكر شرع لأنه صحابي بالدرجة الأولى شأنه شأن كل الصحابة، فهو من العدول وكذلك رأي عمر، وكذلك رأي أي صحابي على الاطلاق.
____________
(1) راجع نظام الحكم للقاسمي ص 187 - 198.
(2) راجع طبقات ابن سعد ج 4 ص 168 وراجع آراء علماء المسلمين ص 50 وما فوق.
(3) وقد نقلنا تعريف ابن حجر الذي أجمع عليه أهل السنة وحللناه في الباب الأول من هذا البحث.
وجاء في " أعلام الموقعين " لابن القيم: إن أصول الأحكام عند الإمام أحمد خمسة: الأول النص، والثاني فتوى الصحابة، فعمل الصحابي على خلاف عموم القرآن دليلا على التخصيص وقول الصحابي بمنزلة عمله (2).
وبالمناسبة نذكر ثانية بأن سنة الرسول (صلى الله عليه وآله) تعني القول والفعل والتقرير. وأنت تلاحظ أن لكل صحابي سنة قول وفعل وتقرير. أنظر إلى قوله " وقول الصحابي بمنزلة عمله ". فقول الصحابي يخصص عموم الكتاب (القرآن) ويقيد مطلقاته، وعمل الصحابي يخصص عموم الكتاب ويقيد مطلقاته. فأنت تلاحظ أن قول الصحابي يعامل كأنه وحي من السماء لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه - والكارثة أي صحابي بالمعنيين اللغوي والاصطلاحي -.
فأبو بكر صحابي ومعاوية صحابي ومروان بن الحكم صحابي و عبد الله بن أبي سرح صحابي، والأربعة كما يتصور أهل السنة مراجع ونجوم، وبأي واحد منهم يجوز الاقتداء به والاهتداء.
والخلاصة أن لدى أهل السنة مرجعية جماعية. فكل واحد من الصحابة بلا استثناء مرجع قائم بذاته منزه، ممتنع عليه الكذب، ينطق بالحق المبين لأنه من أهل الجنة. ومن يشك بهؤلاء المراجع جميعا أو بأي واحد منهم فهو زنديق لا ينبغي أن يواكل أو يشارب أو يصلى عليه. وبعد أن انتقل الصحابة كلهم إلى جوار ربهم حل محلهم التابعون، وبانتقال التابعين إلى جوار ربهم حل محلهم العلماء من أهل السنة، والأحزاب التي تكونت عندهم.
____________
(1) راجع المستصفي للغزالي ص 135 - 136 وراجع آراء علماء المسلمين للسيد الرضوي ص 88.
(2) راجع المدخل إلى علم أصول الفقه لمعروف الدواليبي وراجع ص 87 من آراء علماء المسلمين للسيد مرتضى الرضوي.
كيف تعمل المراجع عند أهل السنة
بعد وفاة النبي وفي زمن الخلفاء الراشدين كان الخليفة هو المرجع الأعلى للمسلمين، فهو صحابي ومن العدول حقيقة وبنفس الوقت هو الخليفة، يسأل من يشاء من الصحابة ويأخذ برأيه أو برأي من يشاء. وغالبا ما كان يسأل أبو بكر وعمر القراء كعلي، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت... ولا تثريب عليه لو أخذ برأيه لأن المطلوب هو معرفة الحكم الشرعي. وفكرة عدالة الصحابة بالمعنى الذي طرحه الأمويون وروجوا له وأقروه لم تكن موجودة، والأكثرية الساحقة من الصحابة كانت أدوارهم بالمرجعية محدودة جدا بمعنى أنهم لم يكونوا مراجع.
ولم يختلف الأمر كثيرا في العهد الأموي، فمعاوية بوصفه صحابي " ومن العدول بعد أن تكرست نظرية عدالة الصحابة " أصبح هو المرجع الأعلى للمسلمين، ويمارس مرجعيته كما مارسها من سبقه بالخلافة، فله أن يسأل من يشاء ويأخذ برأي من يشاء وقد أفادته فكرة عدالة كل الصحابة لأنها جعلته من أهل الجنة وبررت له الجلوس محل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي مع أنه الطليق ابن الطليق، وبررت له أن يتمتع بنفس الصلاحيات بوصفه خليفة. وإذا تعددت آراء الذين سألهم معاوية أو الذين عرضوا عليه آراءهم فلمعاوية الحق بأن يأخذ ما يشاء ممن يشاء.
أما بالنسبة لطلاب العلوم فهم أحرار بقبول ما يرونه من آراء الصحابة في المسألة الواحدة إذا تعددت. وتتكرر الحالة مع التابعين، وتتكرر الحالة مع علماء المسلمين بعد التابعين، وتتكرر فيما يتصل بالأحزاب. وبعد زوال الخلافة الإسلامية أصبح كل عالم من علماء أهل السنة مرجعا قائما بذاته يفتي لنفسه ولأتباعه وأصبح كل حزب من الأحزاب العربية خاصة مرجعا قائما بذاته ومهمته منصبة على إثبات أنه على الحق، وتكثيف الجهود ليستحوذ وحده على السلطة في أي مصر يتواجد فيه.
الفصل الخامس
المرجعية البديلة
اجتهد البعض في مورد النصوص الشرعية (مع أنه لا اجتهاد في مورد النص)، وقادهم هذا الاجتهاد إلى نتيجة أن المرجعية الشرعية التي عينتها وحددتها العقيدة الإلهية ليست في مصلحة الإسلام ولا في مصلحة المسلمين لاعتقادهم أن النصوص المتعلقة بتحديد وتعيين المرجعية الإلهية هي من التحليل العقلي للنبي وليست أوامر إلهية، وأن النبي عندما وضع مرتكزات هذا التحليل كان لا يعرف توجهات الرأي العام الإسلامي، وأنه يرفض رفضا قاطعا أن يجمع لبني هاشم النبوة والخلافة، وعز على هذا البعض أن يواجهوا النبي صراحة بما في نفوسهم.
وتلاحقت الأحداث سريعا، ووضعت المرجعية البديلة على عجل، وتصور الذين وضعوها أنهم يحسنون صنعا، ويخدمون الإسلام والنبي بفعلتهم هذه، وتصوروا أنهم وحدهم الذين أناطت بهم العناية الإلهية أمر التخطيط لبناء مستقبل الإسلام، لأنه برأيهم لا يوجد في صفوف المسلمين من هو أكثر أهلية منهم للقيام بهذا العمل الخطير، فحزموا أمرهم وشرعوا بترجمة ما بيتوه.
الشروع بوضع معالم المرجعية البديلة
النبي على فراش الموت، وجبريل الأمين لا ينقطع عن زيارته، وأكثر ما كان يأتيه جبريل في مرضه، النبي على علم بمستقبل هذه الأمة، وقد أدى النبي دوره كاملا وبلغ رسالات ربه، وبين لهم كل شئ على الاطلاق، وهو على علم تام بما يجري حوله ومدرك أنه السكون الذي يسبق الانفجار فينسف الشرعية السياسية والمرجعية، وبنسف الشرعية السياسية والمرجعية يتجرد الإسلام من سلاحه الجبار ويتعطل المولد الأساسي للدعوة والدولة.
المواجهة الصاخبة
النبي على فراش المرض، وبيته المبارك يغص بأكابر الصحابة، وقد أصر النبي على تلخيص الموقف والتذكير بالخط المستقبلي لمسيرة الإسلام فقال النبي: قربوا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا. ما هو الخطأ بهذا العرض النبوي ؟ من يرفض التأمين ضد الضلالة ؟ ولماذا ؟ ولمصلحة من ؟ ثم إن من حق أي مسلم أن يوصي، ومن حق أي مسلم أن يقول ما يشاء قبل موته، والذين يسمعون قوله أحرار في ما بعد بإعمال هذا القول أو إبطاله، هذا إذا افترضنا أن محمدا مجرد مسلم عادي وليس نبيا وقائدا للأمة.
فتصدى الفاروق عمر بن الخطاب ووجه كلامه للحضور وقال: " إن النبي قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله " فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله كتابا لا تضلوا بعده أبدا، ومنهم من يقول ما قاله عمر. فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي قال لهم رسول الله: قوموا عني (1).
وفي رواية ثانية أن الرسول عندما قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا تنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا هجر رسول الله. قال النبي:
____________
(1) صحيح بخاري كتاب المرضى باب قول المريض: قوموا عني ج 7 ص 9 وراجع صحيح مسلم في آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75 وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95 ومسند الإمام أحمد ج 4 ص 356 ح 2992 وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 6 ص 51.
وفي رواية رابعة للبخاري: أن النبي قال: ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. قال عمر بن الخطاب: إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا، فاختلفوا وأكثروا اللغط. قال النبي: قوموا عني ولا ينبغي عندي التنازع. (3) رواية بلفظ خامس للبخاري: قال النبي: ائتوني أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر ؟ إستفهموه فذهبوا يرددون عليه، فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه (4).
رواية بلفظ سادس للبخاري: قال النبي: ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا، فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع فقالوا: ما له أهجر استفهموه، فقال النبي ذروني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه. (5) رواية بلفظ سابع للبخاري قال النبي: هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده قال عمر: إن النبي غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي قال: قوموا عني (6).
____________
(1) راجع صحيح بخاري ج 4 ص 31 وصحيح مسلم ج 3 ص 16 ومسند الإمام أحمد ج 1 ص 222 و ج 3 ص 286.
(2) راجع صحيح مسلم ج 2 ص 16 و ج 11 ص 94 - 95 بشرح النووي ومسند الإمام أحمد ج 1 ص 355 وتاريخ الطبري ج 2 ص 193 والكامل لابن الأثير ص 320.
(3) راجع صحيح بخاري ج 1 ص 37.
(4) راجع صحيح بخاري ج 5 ص 137 وتاريخ الطبري ج 3 ص 192 - 193.
(5) صحيح بخاري ج 2 ص 132 و ج 4 ص 65 - 66.
(6) صحيح بخاري ج 8 ص 161.
تحليل المواجهة
أطراف المواجهة
الطرف الأول: هو محمد رسول الله وخاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم) وإمام الدولة الإسلامية (رئيسها) الطرف الثاني: هو عمر بن الخطاب أحد كبار الصحابة ووزير من أبرز وزراء دولة النبي والخليفة الثاني من خلفاء النبي فيما بعد.
مكان المواجهة: بيت النبي شهود المواجهة: كبار الصحابة رضوان الله عليهم.
النتائج الأولية للمواجهة
1 - الانقسام
إن الحاضرين قد انقسموا إلى قسمين: - القسم الأول: يؤيد الفاروق فيما ذهب إليه من الحيلولة بين الرسول (ص) وبين كتابة ما يريد. وحجة هذا الفريق أن الفاروق من كبار الصحابة وأحد وزراء النبي ومشفق على الإسلام، وأن النبي مريض وبالتالي فلا داعي
____________
(1) راجع تذكرة الخواص للسبط الجوزي الحنفي ص 62 وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21.
(2) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد ج 3 ص 114 سطر 27 طبعة أولى مصر وأوفست بيروت و ج 12 ص 79 سطر 3 بتحقيق محمد أبو الفضل و ج 3 ص 803 دار مكتبة الحياة و ج 3 ص 167 دار الفكر.
القسم الثاني: يرفض المواجهة أصلا بين التابع والمتبوع، وبين نبي ومصدق به وبين رسول يتلقى تعليماته من الله، وبين مجتهد يعمل بما يوحيه له اجتهاده، وبين رئيس دولة ونبي بنفس الوقت، وبين واحد من وزرائه. ويرى هذا القسم أن تتاح الفرصة للنبي ليقول ما يريد، ولكتابة ما يريد لأنه نبي وما زال نبيا حتى يتوفاه الله، ولأنه رئيس الدولة وما زال رئيسا للدولة حتى يتوفاه الله ويحل رئيس آخر محله.
ثم على الأقل لأنه مسلم يتمتع بالحرية كما يتمتع بها غيره، ومن حقه أن يقول ما يشاء وأن يكتب ما يشاء. ثم إن الأحداث والمواجهة تجري في بيته، فهو صاحب البيت، ومن حق أي إنسان أن يقول ما يشاء في بيته.
2 - بروز قوة هائلة جديدة
برز الفاروق كقوة جديدة هائلة استطاعت أن تحول بين النبي وبين كتابة ما يريد، واستطاعت أن تستقطب لرأيها عددا كبيرا من المؤيدين بمواجهة مع النبي نفسه وبحضور النبي نفسه (1). واستطاع أن يحرك الأحداث وأن يقودها بكفاءة. ولحد الآن: لا أحد يدري على وجه اليقين من الذي أوصى للأنصار بفكرة الاجتماع بسقيفة بني ساعدة ولا كيف التم شمل هذا الاجتماع ولا من الذي دعا إليه. ولا أحد يدري كيف علم به عمر من دون كل المهاجرين. فالثابت أن الذين حضروا هذا الاجتماع من المهاجرين ثلاثة فقط هم: أبو بكر الصديق وعمر وأبو عبيدة. والثابت أيضا أن أبا بكر (رضي الله عنه) كان يساعد العترة الطاهرة بتجهيز النبي. والثابت أيضا أن عمر (رضي الله عنه) هو الذي دعا أبا بكر وأخبره بحادث اجتماع السقيفة. والثابت أيضا أن أبا بكر وعمر وجدا وهما في طريقهما إلى السقيفة أبا عبيدة بالصدفة (2).
____________
(1) راجع مراجع يوم الرزية وكيف أجمعت على أن الفاروق هو الذي قال حسبنا كتاب الله.
(2) راجع على سبيل المثال الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص 5 وما فوق.
____________
(1) راجع على سبيل المثال الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص 5 وما فوق.
(2) راجع مراجع التمريق الذي ذكرناها أكثر من مرة.
(3) الإمامة والسياسة ص 13.
(4) راجع شرح النهج لعلامة المعتزلة لابن أبي الحديد ج 1 ص 306 - 307 تحقيق حسن تميم مكتبة الحياة.
(5) راجع تاريخ الطبري ج 3 ص 209 - 210 وتاريخ الحكم للقاسمي ص 152.
(6) راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3 ص 24 وراجع شرح النهج لعلامة المعتزلة لابن أبي الحديد مجلد 3 ص 107.
3 - بروز فكرة التغلب وترجيح التابع على المتبوع
نبتت بهذه المواجهة فكرة التغلب وترجيح التابع على المتبوع أو المساواة بين التابع والمتبوع وخلق حالة من الشبهات والحيرة مع من يكون الصواب هل هو مع التابع أو مع المتبوع ؟
فحجة الفاروق أن النبي قد اشتد به الوجع، وكتابة الكتاب بمثل هذه الحالة قد تشكل خطرا. وشايع الفاروق بذلك مجموعة من الصحابة، وهذا شك.
وحجة الطرف الآخر أن محمدا ما زال نبيا وسيبقى نبيا حتى تصعد روحه الطاهرة إلى بارئها، وأنه لا ينطق عن الهوى وهذا يقين. فترك اليقين إلى الشك غير معقول والمرض ليس مانعا من القول.
حادثتان متشابهتان
الأولى: لقد مرض الصديق واشتد به الوجع كما يجمع على ذلك كل أتباع الملة.
فلما تم لأبي بكر ما أراد من المشورة دعا عثمان خاليا - أي وحده - وقال له: اكتب أما بعد، ثم أغمي عليه من شدة الوجع، فكتب عثمان:
فإني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيرا. فلما أفاق أبو بكر من إغمائه قال لعثمان: اقرأ علي فقرأ عليه ما كتب، فقال أبو بكر: أراك خفت أن يختلف الناس إن اقتتلت نفسي في غشيتي ؟ قال عثمان: نعم. قال أبو بكر: جزاك الله خيرا عن الإسلام وأهله وأقرها أبو بكر (1). تلك حقيقة بالإجماع.
الثانية: مرض عمر نفسه. قال طبيبه لا أرى أن تمسي، فما كنت فاعلا ؟ فقال لابنه عبد الله: عبد الله ناولني الكتف فمحاها، وقال من شدة الوجع:
" والله لو كان لي ما طلعت عليه الشمس لافتديت به من هول المطلع "
____________
(1) راجع تاريخ الطبري ج 3 ص 429 و ص 176 من نظام الحكم للقاسمي و ص 37 من سيرة عمر لابن الجوزي و ج 2 ص 85 من تاريخ ابن خلدون و ص 120 من كتابنا النظام السياسي في الإسلام.
وبالرغم من شدة وجع أبي بكر فقد أوصى وكتب ما أراد، وبالرغم من شدة وجع عمر فقد أوصى وكتب ما أراد ورتب أمر الشورى واطمأن أن عثمان سيكون الخليفة، واطمأن أنه لا يسلط هاشمي على رقاب الناس حتى ولو كان ذا قوة وذا أمانة. ونفذت بدقة وصية الاثنين وسمح لهما بقولها وسمح لهما بالتوجيه بالرغم من اشتداد الوجع بكل واحد منهما. فعندما كتب كل واحد منهما وصيته كان ما زال رسميا على رأس عمله (خليفة للمسلمين) ومن حقه أن يمارس عمله ما دام حيا أو لم يعزل.
تلك حقيقة مسلم بها بالإجماع وقولا واحدا لا خلاف عليه. فكيف يسمح لأبي بكر ولعمر بالتوصية وكتابة ما أرادا، مع أن المرض قد اشتد بكل واحد منهما أكثر من اشتداده برسول الله ويحال بين الرسول (ص) وبين كتابة ما أراد.
ألا يحق لمحمد (صلى الله عليه وآله) ما يحق لأبي بكر وعمر (رضي الله عنهما) ؟ هذا مع الافتراض أن محمدا على قدم المساواة مع أبي بكر وعمر، وهذا افتراض مرفوض شكلا وموضوعا، لأن محمدا نبي مرسل من الله وإمام بينما أبو بكر وعمر من الأتباع، ومحمد يوحى إليه، وقد أكد وقال أكثر من مرة أن أكثر ما كان يأتيه الوحي كان كان يأتيه وهو مريض. (2) والله يقول: * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) * ويقول: * (وما صاحبكم بمجنون) * * (ما ضل صاحبكم وما غوى) * * (إن هو إلا وحي يوحى) * فكيف يتحول بطرفة عين من كانت هذه صفاته وملكاته إلى رجل حاشا له أن يهجر!! ؟ ولا يؤمن على كتابة وصية!!.
ومع أن هذه حقائق دامغة لا قوة في الأرض تستطيع أن تنكرها أو تدافع عنها،
____________
(1) راجع الإمامة والسياسة ص 21 - 22 والطبقات لابن سعد و ص 120 - 121 من كتابنا النظام السياسي على سبيل المثال.
(2) راجع الطبقات لابن سعد ج 2 ص 193.
وهكذا وعمليا رجح قول التابع على قول المتبوع، فأصبح التابع مرجعا والمتبوع متفرجا، وتم للتابع ما أراد، وغلبت مشيئته، واستقطب الناس لها، فوجدت واقعيا فكرة الغلبة وأثمرت واعتبرت الغلبة فيما بعد مبدأ شرعيا وأجيز للأمة أن تتفرج على الصراع بين متغالبين ثم تقف في النهاية مع الغالب مهما كانت صفاته ومهما كان دينه (1)، فطمع المتبوع بالتابع وتقدم المفضول على الأفضل.
ومن هنا فلا ينبغي أن ندهش إذا رأينا معاوية بن أبي سفيان يعتلي سدة الخلافة وهو الطليق ابن الطليق ومن المؤلفة قلوبهم وينازع بالخلافة أول من أسلم وولي الله بالنص، ومولى كل مؤمن ومؤمنة بالنص، ويحاول أن يقنع المسلمين بأنه أفضل من علي وأصلح للأمة منه. ولا ينبغي أن نندهش إذا وجدنا في عصور الإسلام من يقول هذا مجتهد وهذا مجتهد وكلاهما في الجنة.
ولا ينبغي أن ندهش عندما يطالب مروان بن الحكم بالخلافة وهو ابن الحكم بن العاص الذي كان محظورا عليه أن يدخل المدينة في زمن الرسول وأبي بكر وعمر حتى تولى الخلافة عثمان فأدخله معززا مكرما واتخذ ابنه مروان رئيسا لوزرائه وزوجا لابنته.
لقد تداعت الفوارق بين التابع والمتبوع، وبين المتقدم عند الله وفي الإسلام والمتأخر في موازين الله والإسلام. فالوليد بن عقبة يتأمر على الحسين بن علي والوليد يعظ وعلى الحسين أن يسمع وعظ هذا الواعظ، والوليد يصلي بالناس صلاة الصبح أربعا وهو سكران ويسأل المأمومين إن كانوا يرغبون بالزيادة، وبعد ذلك فإنه لا حرج أن يكون هذا الرجل إماما للحسين بن علي بن أبي طالب وأميرا عليه ومرجعا يمكن للحسين إذا أراد أن يسأله في أمور دينه ودنياه!!!.
____________
(1) راجع نظام الحكم للقاسمي ص 344 - 245 وكتابنا النظام السياسي في الإسلام ص 153.
4 - ظفر الغالب ونجاحه
أصبح الغالب - أي غالب وأيا كان - هو الظافر، وهو سيد الموقف، وهو إمام المسلمين ورئيس دولتهم، وهو مرجعهم في كل الأمور الدينية والدنيوية، وهو الحائز لكل وسائل القوة، بيده السيطرة الكاملة على كل موارد الدولة يعطي لمن يشاء ويمنع العطاء عمن يشاء، لا رقيب عليه إلا الله ومقدار دينه، وهو القائد العام لجيوش الإسلام يستعملها لتحقيق الأمنين الخارجي والداخلي ولتطويع الرعية رغبة ورهبة، وهو المسيطر سيطرة تامة على وسائل الإعلام، فلو شاء جعل الأبيض أسود، ولو شاء جعل الأسود أبيض، ويمكنه بسيطرته على وسائل الإعلام أن يجعل القزم عملاقا وأن يحول العملاق إلى قزم، وتحول مؤيدوه إلى واجهة له بيدهم الحل والعقد، ومع الأيام أصبحوا مراجع. فهم يتبنون وجهة نظر الغالب ويستعملون وسائله بالمرجعية، فهم سادات المجتمع، وهم الفراقد المتألقة، وإذا سار معهم أي واحد قادوه إلى نقطة الارتكاز ومحور الهداية - أي عين ما يراه الغالب. وعزف العامة على ذات الوتر واتحدت الأمة على هذه الشاكلة، وكلما مضت سنة ترسخت هذه السنة وتوطدت، وكلما مر عقد ضربت جذورها في الأرض وأصبحت رأيا عاما وقناعة وعقيدة سياسية.
5 - عزل العترة الطاهرة
بهذا المناخ نادت العترة الطاهرة بالشرعية، وقالت إن لها حقا وتطالب به، ولكن الناس يحولون بينها وبين حقها الشرعي. كانت معارضة أبي الحسن لأبي بكر معارضة متحضرة وشرعية ومنطقية جدا بشهادة بشير بن سعد أول من بايع أبا بكر حيث قال عندما سمع حجة الإمام: " لو كان هذا الكلام سمعته منك الأنصار يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلف عليك اثنان " (1).
ولكن تبقى السلطة سلطة، وتبقى المعارضة معارضة، ولا يمكن بالفطرة للقائمين على السلطة أو للسلطة بأي مقياس أن تثق سياسيا بالمعارضة ولا أن تسلم للمعارضة مكتسباتها. ولكن لأن فاطمة بنت محمد بجانب الإمام علي، فقد رؤي
____________
(1) الإمامة والسياسة ص 12 على سبيل المثال.
ولم تتخذ أية إجراءات فعالة ضد الإمام وزوجته الزهراء عندما كانا يطوفان ليلا في مجالس الأنصار ويسألان النصرة، فكان الأنصار يقولون: يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به، فيقول علي: أفكنت أدع رسول الله في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه ؟ فتقول فاطمة: ما صنع أبو حسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم عليه وطالبهم (1).
ومع هذا فالنتيجة المنطقية كانت عزل الإمام بعد وفاة فاطمة وعزل شيعته.
وتجلت الرغبة بعزل الإمام عن بني هاشم خاصة بمحاولة السلطة اجتذاب العباس إليها بإغرائه ببعض الأمر له ولعقبه. ولكن العباس رفض ذلك رفضا قاطعا ورد ردا حاسما على السلطة (2).
وبالمعيار الموضوعي، فإنه إذا قدر للشخص العادي أن يختار بين السلطة وبين خصومها، فإنه سيختار جانب السلطة لأنها هي الجانب الأقوى، خاصة وأن معارضات أهل البيت تتابعت، وكاد حبل الود أن ينقطع نهائيا بينهم وبين السلطة عندما هم عمر بإحراق بيت فاطمة على من فيه، ولكن الله سلم (3).
ولقد بلغ من حجم القناعة لدى السلطة أنها اقتنعت بأنه لا يجوز لبني هاشم أن يجمعوا مع النبوة الخلافة كوسيلة لمنع الاجحاف الهاشمي، وآمنت السلطة أن قريش قد اهتدت عندما أخذت بهذا المبدأ (4). والأهم من ذلك أنه قد وضع شرط بأنه لا
____________
(1) الإمامة والسياسة ص 12 على سبيل المثال.
(2) الإمامة والسياسة ص 15 - 16.
(3) راجع مراجع التمريق.
(4) راجع الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3 ص 24 آخر سيرة عمر من حوادث سنة 23 وراجع علامة المعتزلة ابن أبي الحديد شرح النهج وراجع كتابنا النظام السياسي في الإسلام ص 149 وما فوق.
وبعد فترة من استلام عثمان للخلافة، بدأ الصحابة يتراجعون من حوله، وبدأ الأمويون ينزون في بلاطه، فانفض الصحابة جميعا من حوله، والتف الأمويون عليه، وغص بهم بلاطه.
ولم يأت الأمويون بجديد، فآل البيت وشيعتهم الذين حرموا الأعمال في زمن الشيخين غير وارد أن يتولوها في زمن عثمان، ولأن الإمام وشيعته لا يمكن أن يسكتوا على أخطاء بني أمية وهم حاشية عثمان وعماله، اعتبروا أن أمر أهل البيت بالمعروف ونهيهم عن المنكر معارضة للأمويين لأنهم أمويون. فلذلك ضاقوا ذرعا بعلي وبشيعته، وتراكمت هذه المعارضة مع تركات الماضي بين الهاشميين والأمويين وما زالت تكبر وتكبر حتى حدثت المواجهة المسلحة بين الأمويين برئاسة معاوية والي الشام وبين الأمة برئاسة إمامها ووليها علي، وانتصرت القوة على الشرعية وتوج معاوية ملكا حقيقيا علي الأمة وسمي العام بعام الجماعة. وبدأ عهد جديد لمطاردة آل محمد ملئ بالدمع والدم، فأبيدوا إلا من كتبت له الحياة، وفرضت مسبتهم وشتمهم في الأمصار، ورددت الأمة المسبات والشتائم وراء الحكام، وطوردت شيعة آل محمد، ولم يجيزوا لأحد من أهل البيت أو لأحد من شيعتهم شهادة، ومحوا من الديوان كل من يظهر حبه لعلي وأولاده وأسقطوا عطاءهم ورزقهم (2).
____________
(1) مروج الذهب ج 2 ص 353 للمسعودي.
(2) راجع تاريخ ابن عسكر ج 3 ص 407 وراجع معاوية في الميزان للعقاد ص 16 وراجع شيخ المضيرة للشيخ محمود أبو رية ص 180.
طاقم المرجعية الجديد
الخليفة الغالب - كائنا من كان - هو المرجع للأمة في كل شؤونها الدنيوية والأخروية بدلا من ولي الأمة وعميد أهل بيت النبوة.
والصحابة الكرام كلهم وبلا استثناء هم المرجعية الجماعية للأمة لأنهم عدول ومن أهل الجنة، وهم البديل لأهل بيت النبوة المطهرين بالنص، فأهل البيت عارضوا، والصحابة والوا.
وإذا انقرض جيل الصحابة يأتي التابعون فيكونوا هم المرجعية الجماعية التي تساعد الخليفة مرجع الأمة الأعلى، فإذا انقرض جيلهم يأتي تابعو التابعين.
ثم يأتي بعدهم العلماء، فالعلماء ورثة الأنبياء وهم يقومون بدور المرجعية بالتعاون مع الحكام، وبالنتيجة فإن وجود أهل البيت ثانوي جدا أمام هذا الطاقم.
أثر المعارضة
تحولت توجهات الأكثرية وأفعالها إلى قناعات عامة ترسخت في الأذهان واستقرت نهائيا، وضاق صدرها بمن يعارض هذه القناعات وتم عزله والتضييق عليه، والتقليل من شأنه، والتشهير به، واعتباره خارجا على الجماعة، ومتوليا غير سبيل المؤمنين، وشوهت سمعة المعارضين وحرفت وجهات نظرهم حتى أصبحت تهمة الكفر أخف من تهمة التشيع لأهل البيت، فمن يكفر بالله ويرتد عن دينه يستتاب، فإذا عاد عن كفره ولو بلسانه قابلوه بالترحاب، أما المتشيع لأهل البيت فلا توبة له، وموالاة الكافرين أهون من موالاة آل محمد، وتحولت هذه القناعات إلى تركة ترثها الأمة كما ترث المتاع، فقد ورثت - كما أرث المتاع عن آبائي وأجدادي - أن الشيعة كفار، لأنهم يؤلهون عليا، ولأنهم يطعنون بالصحابة الكرام ولأنهم.... الخ وأنا ورثت هذه الأفكار لأولادي، لكن لا أنا ولا أجدادي ولا آبائي ولا أولادي قد سمعوا وجهة نظر الشيعة بهذه التهم، ولا تأكدنا من صحة هذه الاتهامات، وليس بأيدينا أي دليل على صحتها سوى التقليد، وكل ما نعرفه بالتقليد أن الشيعة هم أعداء الأمة، وحتى علماء أهل السنة المعاصرين الذين يدرسون علماء
الفصل السادس
من هو المرجع بعد وفاة النبي (ص) ؟
رأي الشيعة
أ - ضرورة المرجعية
هم يقولون: ليس صحيحا أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد ترك هذه الأمة بدون ولي ولا مرجع، لأن الولاية والمرجعية أمران جوهريان لا غنى للأمة عنهما وفي كل زمان، والقول بترك الأمة بدون ولي ولا مرجع يناقض كمال الدين، وتمام النعمة، وتغطية البيان لكل شئ " تبيانا لكل شئ " فكيف يكون التبول شيئا ويبين النبي للناس كيف يتبولون ولا تكون الولاية والمرجعية شيئا ويتركها الرسول (ص) دون بيان ؟ وبالتناوب، فإن عدم بيان الولاية والمرجعية من بعده يناقض رحمة النبي ورأفته بهذه الأمة وحرصه على مستقبلها لأن الله قذف في قلبه الكبير المحبة والرحمة والرأفة بهذه الأمة كما هو ثابت في القرآن الكريم. ثم من يقوم بوظائفه الدينية والدنيوية من بعده. فمن يبين القرآن ؟ ومن يحدد دائرة الشرعية ؟
ومن سيكون سفينة النجاة للأمة ؟ ومن يقود الناس للهدى ؟ ومن يكون أمانا لها ؟ هذه اختصاصات فنية كالطب والهندسة وعلم الذرة ؟ وهذه أمور لا يعلمها على وجه الجزم واليقين إلا الأعلم بالعقيدة والأفضل والأنسب بجمع الولاية مع المرجعية وهذه صفات لا يعلمها على وجه الجزم واليقين إلا الله، ومن المحال بالشرع والعقل أن يتركها لأهواء الناس، ثم إنها من ضرورات الدين ومن المستلزمات الأساسية للدعوة وللدولة وللأمة معا. وأكبر دليل على ضرورتها أن الذين أنكروها وأنكروا أن يكون النبي قد بنيها عادوا وأوجدوا ولاية وضعية، واستقرت هذه الولاية الوضعية لمن غلب بعد أن قتل مئات الآلاف من أبناء الأمة في سبيل تحقيق الغلبة للغالب الذي
ب - البيان الإلهي للمرجعية
الله تبارك وتعالى هو الذي أنزل القرآن كرسالة إلهية لبني البشر، وكعقيدة إلهية تقدم لهم تصورا يقينيا لحركة كل شئ وتنظم أمور دينهم ودنياهم في الحياة الدنيا، وتستكشف لهم المعالم الأساسية للحياة الآخرة، وتربط الحياتين برباط عضوي محكم، وكضرورة من ضرورات الكتاب أنزله على عبده محمد ليبينه للناس بيانا نظريا وعمليا على صعيدي الدعوة والدولة معا، فقاد النبي الدعوة بنفسه وترأس الدولة بنفسه عندما تمخضت الدعوة عن دولة وخلال مرحلتي الدعوة والدولة بين العقيدة بيانا كاملا، وبينت العقيدة كل شئ للذين تلقوا الذكر. فمحمد هو المرجع ببيان العقيدة لأنه الأعلم بها والأفهم لأحكامها والأفضل بين أتباعها والأنسب لقيادة هؤلاء الأتباع وتطبيق أحكام العقيدة عليهم. فلا أحد في الدنيا ينوب عن محمد بهذه المهمة، ولا أحد يغني ويسد مسده أثناء حياته المباركة، وصاحب الإختصاص بانتداب محمد لهذه المهمة هو الله، لأنه لا أحد يعرف على وجه الجزم واليقين الأعلم بالعقيدة والأفهم لأحكامها والأفضل بين أتباعها والأنسب لقيادة هؤلاء الأتباع وتطبيق أحكام العقيدة عليهم إلا الله، لذلك حصر بنفسه حق اختيار هذا المرجع والولي، وطرحه أمام البشر وشهد له بأنه الأعلم والأفهم والأفضل والأنسب، وخوله صلاحية بيان العقيدة للناس، وصلاحية المرجعية وصلاحية الجمع بين الولاية على الأتباع والمرجعية في الدين والحكم بين الناس على ضوء أحكام هذا الدين.
فإذا قبلت الأمة المرجعية والولاية التي طرحها الله " قدمها " لهم وبايعت بالرضا يصبح المرجع والولي هو محمد.
ولأن الدعوة مستمرة إلى يوم الدين والدولة المؤمنة تدعم دعوة الإيمان ولأن الغاية هداية البشرية كلها ولأن محمد بشر، وميت لا محالة، ولأن الله وحده هو الذي يعلم على وجه الجزم واليقين من هو من أتباع محمد الأعلم والأفهم بالعقيدة والأفضل بين الأتباع في ذلك الزمان والأنسب لقيادة هؤلاء الأتباع، فإنه أيضا قد
فالحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) هو إمام بالنص، وولي بالنص، ومرجع بالنص وهو القدوة في زمانه بالنص.
ولكن الأمة رغبة أو رهبة بايعت يزيد بن معاوية، فأصبح يزيد هو الحاكم والحسين هو المرجع، والأصل أن يكون الحسين هو الإمام (الحاكم) وهو المرجع معا، ولكن لأن الأمة بايعت يزيدا تم الفصل بين الولاية (الحكم) وبين المرجعية فأصبح يزيد هو الحاكم الواقعي، ولأن المرجعية تابعة للولاية فلن يهنأ الحاكم قبل أن يجرد المرجع من اختصاصاته المرجعية ليجمع بيده الولاية، والمرجعية وهذا ما حدث فلا وسيلة لتجريد الحسين من مرجعيته تبعا لتجريده من الولاية إلا بقتله فقتله يزيد.
وتقول الشيعة إن حالة المسلمين ومستقبلهم يتوقف على توحيد المرجعية مع الحكم أو الولاية بحيث يكون الولي هو المرجع وبحيث يكون الولي والمرجع هو بنفسه المعين من قبل الله.
والخلاصة أن المختص ببيان الإمام أو الولي والمرجع هو الله، لأنه وحده يعلم من هو الأعلم والأفهم بأحكام العقيدة ومن هو الأفضل والأنسب من الأتباع للقيادة وفق أحكام الإسلام، وأنه تعالى قد اختار للأمة الإسلامية وليها ومرجعها قبل أن ينتقل الرسول (ص) إلى الرفيق الأعلى، وأن الله قد أمر النبي بإعلان ذلك فأعلن أمام مائة ألف مسلم في حجة الوداع، وتكرر إعلان النبي لهذا الأمر الإلهي عشرات المرات، ولكن الأمة بايعت غير هذا الولي والمرجع فحدثت عملية الانفكاك بين الولاية (الحكم) وبين المرجعية ثم زحف الحكام وجردوا الولي في كل زمان من المرجعية وجمعوا بأيديهم (كحكام) الولاية والمرجعية معا بسند الغلبة.
من هو هذا الولي والمرجع الذي عينه الله ؟
تقول الشيعة إنه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد اختاره الله ليخلف نبيه بالولاية والمرجعية وكلف الله نبيه بأن يعلن هذا الاختيار الإلهي فأعلنه النبي أمام مائة ألف مسلم في حجة الوداع، وإنه تعالى أعلن إمامة الحسن من بعده، وإمامة الحسين من بعد الحسن، ورتبت الأمور بحيث يتعين كل واحد من الأئمة بنص من سبقه عليه ووصلوا إلى اثني عشر إماما، والإمام الثاني عشر هو المهدي عجل الله فرجه وهو الحاكم الشرعي لجمهورية إيران الإسلامية حسب منطوق المادة الخامسة من الدستور الإيراني، والإمام الفعلي في إيران ما هو إلا نائب للإمام الشرعي، يمارس أعمال الإمام والمرجعية نيابة عن صاحبها الشرعي حتى يظهره الله.
وكقاعدة، فإن عميد أهل بيت النبوة في كل زمان هو الإمام وهو الولي وهو المرجع حسب الشرع، وعمادة أهل البيت قائمة إلى يوم الدين، ولا تنقطع الذرية المباركة بالرغم من محاولات الحكام طوال التاريخ لإبادة هذه الذرية الطاهرة.
ما هو سبب عداء أهل السنة للشيعة ؟
طالما أن أهل الشيعة على حق، فلماذا عاداهم أهل السنة ؟ لأن ما تقول به
الشيعة يسحب البساط من تحت أقدام الحكام، ويزيل مبرر وجودهم ويخلق المبرر
لأعداء الحكام بأن يحلوا محلهم، ولأن الحكام لهم السيطرة الكاملة واقعيا على
موارد الدولة وتتصرف بهذه الموارد كما تشاء من الناحية العملية، ولأن الحكام تحت
إمرتهم جيوش تتقاضى رواتبها من الناحية العملية من الحكام وتتبع إرادة هذه الجيوش
لإرادة الحكام، ولأن الحكام يملكون فعلا السيطرة على وسائل الأعلام، ولأن
الشيعة كانوا حزب معارضة طوال التاريخ، لذلك نقم منهم الحكام وطاردوهم
وصوروهم كأنهم شياطين وعصاة وخارجون على إجماع الأمة، ولم يكن أمام
الأكثرية الساحقة من الأمة بديل سوى مجاراة الحكام، ولأن الشيعة لم تتح لهم
الفرصة لعرض وجهة نظرهم بحرية، فقد قام الحكام بعرض وجهات نظر الشيعة
بشكل محرف ومزور، وتناقلت الأمة وجهات النظر التي ذكرها أعداء الشيعة نيابة
عنهم ولغايات تنفير الناس من الشيعة جيلا بعد جيل. واستقرت مزاعم الحكام عن