الصفحة 68
أيديهم) (ومكروا ومكر الله) (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض) (ولو شاء الله ما اقتتلوا) وغير ذلك. يجب تأويله ورده إلى ما حكم به العقل أو يكال علمه إليه تعالى (1).

إن الشيعة ينفون التشبيه والتجسيم والرؤية ونسبة القبح إلى الله كما ينفون الجهة والتكلم..

يقول الإمام علي عن الرؤية: " لم تره العيون بمشاهدة الأبصار. ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان " (2).

وقال الصادق عليه السلام: " لا جسم ولا صورة.. ولا يحس ولا يجس. ولا يدرك بالحواس الخمس. لا تدركه الأوهام، ولا تنقصه الدهور ولا تغيره الأزمان..

إن الله تعالى لا يشبه شيئا. ولا يشبهه شئ. وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه " (3).

وقال: " هو سميع بصير. سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه " (4).

وقال الرضا عليه السلام: " كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق. ولا يلفظ بشق فم ولسان " (5).

وقال الإمام علي عليه السلام حين سمع رجلا يقول والذي احتجب بسبع طباق.

فعلاه بالدرة. ثم قال: " يا ويلك، إن الله أجل من أن يحتجب عن شئ سبحان الذي لا يحويه مكان، ولا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السماء (6).

____________

(1) أعيان الشيعة، المجلد الأول، ق 2 ص 3: 4.

(2) العقائد الإسلامية.. محمد مهدي الشيرازي.

(3) المرجع السابق.

(4) المرجع السابق.

(5) المرجع السابق.

(6) المرجع السابق.

الصفحة 69
وقال الصادق عليه السلام: " إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بزمان. ولا مكان. ولا حركة. ولا انتقال. ولا سكون. بل هو خالق الزمان. والمكان. والحركة.

والسكون والانتقال " (1).

وقال الكاظم عليه السلام: " إن الله تبارك وتعالى أجل وأعظم من أن يحد بيد. أو رجل. أو حركة أو سكون. أو يوصف بطول أو قصر. أو تبلغه الأوهام. أو تحيط بصفته العقول " (2).

وهذه الأقوال الواردة على لسان الأئمة إنما تحدد موقف الشيعة من النصوص التي تتحدث عن أسماء وصفات الله سبحانه، وهو موقف على ما هو واضح يختلف مع موقف أهل السنة اختلافا جذريا..

يقول الشيخ محمد جواد مغنية: وأما قوله تعالى: (إلى ربها ناظرة) فالمراد به النظر بالعقل والبصيرة لا بالعين البصر.. إن الله سميع بصير. ولكن لا بآلة، ولا جارحة. ومعنى سمعه وبصره أنه محيط بما يصلح أن يسمع ويبصر.. وأن التكلم من صفات الله الإضافية كالخلق والرزق. لا من الصفات الذاتية القديمة كالعلم والقدرة والحياة.. والإمامية ينكرون التجسيم أشد الإنكار ويؤولون اليد في الآيات بالقدرة والعرش بالاستيلاء والوجه بالذات ومجئ الله بمجيئ أمره.. (3).

إن صفاته عين ذاته فالله قادر بالذات لا بقدرة زائدة. وعالم بالذات لا بعلم زائد. وحي بالذات لا بغيرها. وعلى هذا قياس سائر الصفات الذاتية..

ولو افترض أن صفاته غير ذاته فإما أن تكون قديمة. وإما حادثة. وعلى الأول يلزم تعدد القديم. وعلى الثاني يلزم أن يكون الله قد وجد في الأزل بدون علم ولا حياة ولا قدرة. ولا شئ أبدا، لأن المفروض أن هذه الصفات قد حدثت

____________

(1) المرجع السابق.

(2) المرجع السابق.

(3) معالم الفلسفة الإسلامية.. محمد جواد مغنية..

الصفحة 70
بعده. وكلاهما محال، فتعين أن صفاته عين ذاته ونفس حقيقته ولا شئ زائد عليها وقائم بها.. (1).

- العدل:

جعل الشيعة العدل أصلا من أصول الاعتقاد وإن كان هناك خلاف على جعل العدل أصلا مستقلا وإدخاله ضمنا في التوحيد لتعلقه به..

والعدل يدخل فيه بحث القضايا المتعلقة بالجبر والاختيار ونسبة الظلم إلى الله سبحانه وتعالى والقضاء والقدر والحسن والقبح..

وسئل الإمام علي عليه السلام عن العدل والتوحيد فقال: " التوحيد أن لا تتوهم.

والعدل أن لا تتهم " (2).

وسئل الإمام الصادق عليه السلام عن العدل فقال: " أما العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه. ولا أمره - أي العبد - بشئ إلا وقد علم أنه لا يستطيع فعله.

لأنه ليس من صفته العبث والجور والظلم. وتكليف العباد ما لا يطيقون " (3).

وأفعال العبد نوعان: نوع تتعلق به إرادة واختيار كالذهاب والاياب والكتابة والقراءة. ونوع لا إرادة للعبد فيه ولا اختيار كالتنفس والنمو والحركة الدموية. والانسان مخير غير مسير في النوع الأول. ومسير غير مخير في النوع الثاني (4).

وأفعال العبد الحسنة يأمر بها الله والقبيحة ينهى عنها وهو يعلمها. والعبد باختياره إن شاء فعل وإن شاء ترك.. (5) . والأفعال منها ما هو حسن بحكم العقل لا باعتبار حكم الشرع كالصدق النافع وما إليه ومنها ما هو قبيح كذلك كالكذب الضار. ومنها ما لا يستقل

____________

(1) المرجع السابق.

(2) المرجع السابق.

(3) المرجع السابق.

(4) معالم الفلسفة الإسلامية..

(5) العقائد الإسلامية..

الصفحة 71
العقل بالحكم عليه سلبا وإيجابا فنحتاج حينئذ إلى الشرع كوجوب الوفاء بعقد البيع وأكل لحم الميتة.. (1).

والشيعة لكونها تعتقد أن الله عادل حكيم لا يفعل قبيحا ولا يخل بواجب تقول إنه لو لم يكن كذلك لنسب إليه النقص سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا. وأيضا لو جاز عليه فعل الكذب فيرتفع الوثوق بوعده ووعيده وترتفع الأحكام الشرعية وينقض الغرض المقصود من بعث الأنبياء والرسل (2).

وحول القضاء والقدر يقول الإمام عليه السلام: " إن الله عز وجل كلف تخييرا.

ونهى تحذيرا. وأعطى على القليل كثيرا. ولم يعص مغلوبا. ولم يطع مكرها.

ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا. ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار " (3).

  • توحيد العبادة:

    يقول الإمام الرضا في دعائه: " اللهم إني برئ من الحول والقوة ولا حول ولا قوة إلا بك.

    اللهم إني أعوذ بك وأبرأ إليك من الذين ادعوا لنا ما ليس لنا بحق..

    اللهم إني أبرأ إليك من الذين قالوا فينا ما لم نقله في أنفسنا..

    اللهم لك الخلق ومنك الرزق وإياك نعبد وإياك نستعين..

    اللهم أنت خالقنا وخالق آبائنا الأولين وآبائنا الآخرين..

    اللهم لا تليق الربوبية إلا بك. ولا تصلح الإلهية إلا لك فالعن النصارى الذين صغروا عظمتك والعن المضاهئين لقولهم من بريتك..

    ____________

    (1) معالم الفلسفة الإسلامية..

    (2) النكت الاعتقادية.. الشيخ المفيد..

    (3) العقائد الإسلامية..

    الصفحة 72
    اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا..

    اللهم من زعم أرباب فنحن منه براء.. ومن زعم أن إلينا الخلق وعلينا أو إلينا الرزق فنحن براء منه كبراءة عيسى ابن مريم عليه السلام من النصارى..

    اللهم إنا لم ندعهم إلى ما يزعمون فلا تؤاخذنا بما يقولون.. واغفر لنا ما يدعون ولا تدع منهم على الأرض ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا " (1).

    إن هذا الدعاء الوارد على لسان إمام من أئمة الشيعة إنما يحدد صورة العبودية الخالصة وينفي كل صور الشرك التي تعلق بها البعض ونسبها إلى آل البيت. وهي الصورة التي يعرضها الدعاء إنما تلخص مفهوم العبادة عند الشيعة غير أن الشيعة لا تربط بين العبادة وبين مسألة التوسل وتعتقد أن التوسل أمر لا يتناقض مع العبودية لله.. وأن تعظيم الأنبياء وأولياء الله بينه بين العبادة بون شاسع وفرق جد كبير (2).

    ولا خلاف بين الشيعة والسنة في عدم جواز عبادة غير الله إنما الخلاف يكمن في بعض الأعمال التي اعتبرتها بعض الاتجاهات داخل أهل السنة من الشرك وتعد عبادة لغير الله..

    ____________

    (1) معالم التوحيد في القرآن الكريم.. الشيخ جعفر السبحاني نقلا عن الاعتقادات للصدوق..

    (2) المرجع السابق.

    الصفحة 73

    النتائج:

  • تخلص من عرض قضية التوحيد عند أهل السنة إلى ما يلي:

    - إن عقيدة التوحيد عند أهل السنة عبارة عن رد فعل في مواجهة الاتجاهات المختلفة..

    - إن تباين الاتجاهات حول قضية التوحيد يساوي فرقة أهل السنة ببقية الفرق ويفقدها عنصر القيمومة على هذه الفرق..

    - إنه ليست هناك قاعدة ثابتة للتعامل مع الآيات المتشابهة..

    - إن السياسة تدخلت في صياغة ماهية التوحيد عندهم..

    - إن توحيد ابن تيمية يمثل مدرسة شاذة في دائرة.. أهل السنة..

    - إن التوحيد السائد بين المسلمين اليوم هو التوحيد الوهابي..

    وإن صور التوحيد الأخرى لا مكان لها إلا في صفحات الكتب..

  • ونخلص من عرض قضية التوحيد عند الشيعة إلى ما يلي:

    - إن التوحيد عند الشيعة ابتعد عن متاهة التجسيم والتشبيه..

    - إن التوحيد عند الشيعة أكثر ارتباطا بالقرآن والعقل..

    - إن التوحيد عند الشيعة ثابت المعالم لا خلاف عليه في حدود المذهب..

    - إن الشيعة لا ترى أن التوسل بالأنبياء والصالحين يتناقض مع التوحيد.


    الصفحة 74

    الصفحة 75

    الفصل الثاني
    النبوة


    الصفحة 76

    الصفحة 77

    تمهيد

    الإيمان بالنبي هو الركن الثاني من أركان الإسلام. وهو ركن لا خلاف فيه بين الفرق الإسلامية، إنما الخلاف يكمن في نظرة كل فرقة إلى النبي كشخصية تؤدي دورها في محيط الرسالة..

    وسوف نعرض هنا لمجمل الخلاف حول هذا الأمر ثم نستعرض موقف كل من السنة والشيعة.

    يقول فخر الرازي: إن الاختلاف في هذه المسألة واقع في أربعة مواضع.

    الأول: ما يتعلق بالاعتقادية. واجتمعت الأمة على أن الأنبياء معصومون عن الكفر والبدعة إلا الفضلية من الخوارج فإنهم يجوزون الكفر على الأنبياء.

    وذلك لأن عندهم يجوز صدور الذنوب عنهم. والروافض فإنهم يجوزون عليهم إظهار كلمة الكفر على سبيل التقية..

    الثاني: ما يتعلق بجميع الشرائع والأحكام من الله تعالى، وأجمعوا على أنه لا يجوز عليهم التحريف والخيانة في هذا الباب لا بالعمد ولا بالسهو. وإلا لم يبق الاعتماد على شئ من الشرائع..

    الثالث: ما يتعلق بالفتوى. وأجمعوا على أنه لا يجوز تعمد الخطأ. فأما على سبيل السهو فقد اختلفوا فيه.

    الرابع: ما يتعلق بأفعالهم وأحوالهم. وقد اختلفوا فيه على خمسة مذاهب.

    1 - الحشوية: وهو أنه يجوز عليهم الإقدام على الكبائر والصغائر..

    2 - إنه لا يجوز منهم تعمد الكبيرة البتة. وأما تعمد الصغيرة فهو جائز.

    بشرط أن لا تكون منفرة. وأما إن كانت منفرة فذلك لا يجوز عليهم..


    الصفحة 78
    3 - إنه لا يجوز عليهم تعمد الكبيرة والصغيرة. ولكن يجوز صدور الذنب منهم على سبيل الخطأ في التأويل..

    4 - إنه لا يجوز عليهم الصغيرة ولا الكبيرة لا بالعمد ولا بالسهو ولا بالتأويل الخطأ.

    أما السهو والنسيان فجائز ثم إنهم يعاتبون على ذلك بالسهو والنسيان. كما أن علومهم أكمل، فكان الواجب عليهم المبالغة في التيقظ..

    5 - إنه لا يجوز عليهم الكبيرة ولا الصغيرة لا بالعمد ولا بالتأويل ولا بالسهو ولا بالنسيان.. واختلفوا أيضا في وقت وجوب العصمة:

    فقال بعضهم: إنها من أول الولادة إلى آخر العمر..

    وقال الأكثرون: هذه العصمة إنما تجب في زمان النبوة. أما قبلها.. فهي غير واجبة وهو قول أكثر أصحابنا.. (1).

    وما يجب التركيز عليه هنا من بين هذه الأقوال هو ما يتعلق بالسنة والشيعة منه.

    ____________

    (1) عصمة الأنبياء، ط. بيروت. وانظر تفسير قوله تعالى: (لا ينال عهدي الظالمين) في تفسير الرازي..

    الصفحة 79

    النبوة عند أهل السنة

    يعتقد أهل السنة أن إرسال الرسل إنما هو بمحض فضل من الله تعالى وواجب في حقهم الأمانة أي حفظ ظواهرهم وبواطنهم من التلبس بمنهي عنه.

    أما المحرم فلك يقع منهم إجماعا ومأواهم المعصية فمؤول..

    وواجب في حقهم الصدق والفطانة والتبليغ ويستحيل في حقهم ضد هذه الصفات.. أما السهو فممتنع عليهم في الأخبار البلاغية وغير البلاغية.

    وجائز عليهم في الأفعال البلاغية أما النسيان فهو ممتنع في البلاغيات قبل تبليغها قولية كانت أو فعلية. أما بعد التبليغ فيجوز نسيان ما ذكر الله تعالى أما نسيان الشيطان فمستحيل عليهم. ويجوز على ظواهرهم ما يجوز على البشر مما لا يؤدي إلى نقص وأما بواطنهم فمنزهة عن ذلك متعلقة بربهم.. (1).

    ويقول ابن حزم: والسهو منهم قد ثبت بيقين وأيضا فإن ندب الله تعالى لنا إلى التأسي بهم لا يمنع من وقوع السهو منهم لأن التأسي بالسهو لا يمكن إلا بسهو منا.. إننا مأمورون إذا سهونا أن نفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله إذا سها.. (2).

    ويعتبر ابن تيمية أن إنكار السهو من الغلو في عصمة الأنبياء وأن هذا القول لم يوافق عليه أحد من أهل السنة.. (3) وقال الأشاعرة: يجوز على الأنبياء الكبائر والصغائر سهوا. إلا الكفر والكذب وعلى هذا طوائف أخرى من أهل السنة.

    ____________

    (1) شرح البيجوري على الجوهرة..

    (2) الفصل في الملل والنحل، ج 4 / 2..

    (3) ابن تيمية ليس سلفيا..

    الصفحة 80
    وهذا التصور الذي يطرحه أهل السنة بالنسبة لقضية العصمة إنما هو مرتبط بفترة ما بعد البعثة. أما قترة ما قبل البعثة فقد جوزوا عليهم الكبائر والصغائر عمدا وسهوا.. (1).

    وقال القاضي عياض: وأما عصمتهم من هذا الفن قبل النبوة فللناس فيه خلاف. والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته والتشكك في شئ من ذلك.

    وقال القشيري: والذي صار إليه المعظم أن الله ما بعث نبيا إلا كان مؤمنا به قبل البعثة.. وإجماع أهل السنة على جواز وقوع النسيان من الرسول صلى الله عليه وآله لكنهم اختلفوا فيما يكون النسيان. هل ينسى في التبليغ عن الله ما يتعلق بالأحكام والأفعال..؟

    قال القاضي عياض: عامة العلماء والأئمة النظار كما هو ظاهر القرآن والحديث.

    لكن شرط الأئمة أن الله تعالى ينبه على ذلك ولا يقره عليه وقال البعض:

    من شرط التنبيه اتصاله بالحادثة على الفور.

    وقال آخرون: يجوز في ذلك التراخي ما لم ينخرم العمر وينقطع تبليغه.. (2)..

    يقول ابن تيمية:.. والعصمة فيما يبلغونه عن الله ثابتة فلا يستقر في ذلك خطأ باتفاق المسلمين.. وأما العصمة في غير ما يتعلق بتبليغ لرسالة فللناس فيه نزاع هل هو ثابت بالعقل أو بالسمع؟ ومتنازعون في أن العصمة من الكبائر والصغائر أو من بعضها. أم هل العصمة إنما في الإقرار عليها لا في فعلها؟ أم لا يجب القول بالعصمة إلا في التبليغ فقط؟ وهل تجب العصمة من الكفر

    ____________

    (1) أنظر عظمة الأنبياء وكتب العقائد..

    (2) (الجامع لأحكام القرآن ج 7 / تفسير قوله تعالى: (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين).

    الصفحة 81
    والذنوب قبل المبعث أم لا؟ والكلام في هذا مبسوط في غير هذا الموضع.

    والقول الذي عليه جمهور الناس وهو الموافق للآثار المنقولة عن السلف إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقا. والرد على من يقول إنه يجوز إقرارهم عليها. وحجج القائلين بالعصمة إذا حررت إنما تدل على هذا القول. وحجج النفاة لا تدل على وقوع الذنب أقر عليه الأنبياء فإن القائلين بالعصمة احتجوا بأن التأسي مشروع وذلك لا يجوز إلا من تجويز كون الأفعال ذنوبا. ومعلوم أن التأسي بهم إنما هو مشروع فيما أقروا عليه دون ما نهوا عنه. كما أن الأمر والنهي إنما تجب طاعتهم فيما لم ينسخ منه، فأما ما نسخ من الأمر والنهي فلا يجوز جعله مأمورا به ولا منهيا عنه، فضلا عن وجوب اتباعه والطاعة فيه.

    وكذلك ما احتجوا به من أن الذنوب تنافي الكمال أو أنها ممن عظمت عليه النعمة أقبح أو أنها توجب التنفير أو نحو ذلك من الحجج العقلية فهذا إنما يكون مع البقاء على ذلك وعدم الرجوع. وإلا فالتوبة النصوح التي يقبلها الله يرفع بها صاحبها إلى أعظم مما كان عليه. كما قال بعض السلف كان داود عليه السلام بعد التوبة خيرا منه قبل الخطيئة..

    وقال: لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه.. (1).

    وشن ابن تيمية كعادته هجوما شديدا على المتأولين الذين يؤولون النصوص المتعلقة بالعصمة فيقول: والرادون لذلك - يقصد رأيه وما ينسب للسلف - تأولوا ذلك بمثل تأويلات الجهمية والقدرية والدهرية لنصوص الأسماء والصفات ونصوص القدر ونصوص المعاد. وهي من جنس تأويلات القرامطة والباطنية التي يعلم بالاضطرار أنها باطلة وأنها من باب تحريف الكلم عن مواضعه.. (2).

    ____________

    (1) فتاوى ابن تيمية: ج 2 / 282 وما بعدها..

    (2) المرجع السابق.. وتأمل هجومه على المتأولين. كأن ابن تيمية يغيظه الدفاع عن الرسل ورفع مكانتهم..

    الصفحة 82
    ويرفض ابن تيمية فكرة العصمة قبل البعثة ويرد على أصحاب هذا الاتجاه قائلا:.. وبهذا يظهر جواب شبهة من يقول: إن الله لا يبعث نبيا إلا من كان مؤمنا قبل النبوة فإن هؤلاء توهموا أن الذنوب تكون نقصا وإن تاب التائب منها وهذا منشأ غلطهم فمن ظن أن صاحب الذنوب مع التوبة النصوح يكون ناقصا فهو غالط غلطا عظيما فإن الذم والعقاب الذي يلحق أهل الذنوب لا يلحق التائب منها شئ أصلا لكن إن قدم التوبة لم يلحقه شئ وإن أخر التوبة فقد يلحقه ما بين الذنوب والتوبة من الذم والعقاب ما يناسب حاله والأنبياء كانوا لا يؤخرون التوبة بل يسارعون إليها ويسابقون إليها لا يؤخرون ولا يصبرون على الذنب بل هم معصومون من ذلك، ومن أخر ذلك زمنا قليلا كفر الله ذلك بما يبتليه به كما فعل بذي النون هذا على المشهور أن إلقاءه كان بعد النبوة. وأما من قال إن إلقاءه كان قبل النبوة فلا يحتاج إلى هذا والتائب من الكفر والذنوب قد يكون أفضل ممن لم يقع في الكفر والذنوب.. بل من عرف الشر وذاقه فقد تكون معرفته بالخير ومحبته له ومعرفته بالشر وبغضه له أكمل ممن لم يعرف الخير والشر ويذوقهما كما ذاقهما. بل من لم يعرف إلا الخير فقد يأتيه الشر فلا يعرف أنه شر. فإما أن يقع فيه. وإما أن لا ينكره كما أنكره الذي عرفه.. (1).

    يقول الأستاذ منصور عويس: وهكذا منطق ابن تيمية العجيب في شأن الأنبياء عليهم السلام وكأنهم بشر عاديون ونسي أن الأنبياء لا يليق أن يطبق على شخصياتهم أمثال تلك الأقيسة التي جاء بها. ولا يصح أن يتحدث في أمرهم بتلك البساطة وهذا الأسلوب. لأنهم صفوة عباد الله الذين اصطفاهم الله واختارهم. فمع إيماننا ببشريتهم نؤمن بما أضفاه الله عليهم من اصطفاء. إننا نؤمن بسمو اجتباء الله لهم واختياره إياهم (2).

    ____________

    (1) المرجع السابق..

    (2) ابن تيمية ليس سلفيا..

    الصفحة 83

  • أهل السنة والقرآن:

    إن الحديث عن النبوة يفرض علينا الحديث عن القرآن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله ما هي ملامحه، وكيف ينظر أهل السنة إلى كتاب الله..؟

    يروي البخاري كيف بدأ الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله..؟

    .. إن الحارث بن هشام سأل رسول الله فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي..؟

    فقال الرسول: أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت لما قال.. وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول..

    وقالت عائشة: أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم.. ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو في غار حراء..

    وكان يتعبد الليالي ثم يعود إلى خديجة ويتزود ثم يرجع ويكرر ذلك حتى جاءه الحق وهو في الغار..

    ورجع الرسول إلى خديجة يرجف فؤاده قائلا: زملوني.. زملوني..

    وزملوه حتى ذهب عنه الروع..

    وأخبر خديجة بالأمر فأخذته إلى ورقة بن نوفل النصراني.. وقال ورقة هذا الناموس الذي نزل على موسى..

    وتنبأ بإخراج الرسول من مكة ومعاداة قومه له..

    وقابل الرسول هذه النبوات بالدهشة..

    ثم ظهر الوحي مرة أخرى بعد انقطاع ينادي الرسول من السماء..

    ورفع الرسول بصره فوجد الملك الذي جاءه بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض فرعب منه ورجع إلى خديجة قائلا: زملوني..

    وأنزل الله تعالى: (يا أيها المدثر * قم فأنذر).


    الصفحة 84
    ثم حمى الوحي وتتابع..

    وكان الرسول يعالج من التنزيل شدة..

    كان الوحي يلقاه في كل ليلة في رمضان..

    هذه قصة الوحي كما وردت في البخاري وهي تعكس لنا صورة تحمل الكثير من الملاحظات حول الوحي وحول شخصية الرسول وحول دور ورقة..

    الملاحظة الأولى: هذا الوحي الذي يأتي تارة كصلصلة الجرس ويكون شديدا على الرسول. وتارة يأني صورة رجل فيعي الرسول كلامه..

    في الصورة الأولى لا يعي الرسول منه شيئا إلا بعد معاناة..

    وفي الثانية يعي منه كل شئ..

    في الأولى يكون عنيفا..

    وفي الثانية يكون لينا..

    والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يأتي الوحي بهذه الصورة المتناقضة إن الإجابة على هذا السؤال تقودنا للخوض في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج.. تقودنا للخوض في مسألة الروايات ومدى تأثيرها في العقيدة وكيف أن العقيدة أصبحت تصاغ وتتشكل حسب الروايات وليس حسب نصوص القرآن القطعية..

    تقودنا للخوض في قضية الاسرائيليات ومدى الاختراق اليهودي لعقائد المسلمين. وهي قصية شائكة وليست محور بحثنا هذا. فقط ما أردنا بيانه هو أن هذه الملاحظات ليست إلا دعوة لإعمال العقل في هذه النصوص.

    الملاحظة الثانية: هذه الرؤى المنامية التي كانت أول صورة من صور الوحي يراها الرسول كيف تتواءم مع خروجه إلى الخلاء وخلوته في غار حراء..؟

    إذا كان ما يراه في المنام وحيا. فمعنى هذا أن خروجه وخلوته صورة من صور العبث. وهي توحي بأنه لم يكن يثق فيما يرى ويضطر إلى الخروج والخلوة بحثا عن الحقيقة. فهل كان الرسول عابثا. وهل كان شاكا..؟


    الصفحة 85
    ثم كيف لرسول يتحرك لإبلاغ أمته رسالة ربه عن طريق الرؤى والمنام..؟

    وهو لم يخبر حتى ماذا رأى في المنامات من أمر الوحي..

    أليست قضية المنامات هذه ثغرة للخصوم والمناوئين لدعوته كي ينفذوا منها لضرب الدعوة والتشكيك فيها..؟

    الملاحظة الثالثة: ذهاب الرسول المتكرر إلى غار حراء. ما هي دوافعه..؟

    هل كان الرسول يأمل أن يختاره الله ويهيئ نفسه لهذا الدور؟

    ومن أين أتاه الأمل؟

    ولماذا اختار غار حراء ليكون ميدان تحقيق رغبته..؟

    وإذا كان الأمر كذلك لماذا فر الرسول مرعوبا من الوحي..؟

    هل اعتبره مفاجأة له..؟

    أم لم يكن يتوقعه من الأصل..؟

    وما معنى أن يفر نبي من أمام الوحي هارعا نحو زوجته مرتين..؟

    والاجابة على هذه التساؤلات تضع الرسول بين أمرين: إما أن يكون هذا الرسول مهزوزا ضعيفا ليس على مستوى الرسالة.

    وإما أن يكون جاهلا أقحم نفسه فيما لا شأن له به وكلا الأمرين يدفعان إلى التشكيك بالوحي وبالرسول..

    وكان لا بد من هذه الوقفة مع قضية الوحي قبل استعراض رؤية أهل السنة للقرآن.

    يقول القرطبي في تفسيره: كان القرآن في مدة النبي صلى الله عليه وآله متفرقا في صدور الرجال. وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وفي لخاف وظرر وغير ذلك.. (1).

    ____________

    (1) الجامع لأحكام القرآن..

    الصفحة 86
    فلما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة في زمن أبي بكر.. وقتل منهم في ذلك اليوم فيما قيل سبعمائة. أشار ابن الخطاب على أبي بكر بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراء كأبي وابن مسعود وزيد. فندبا زيد بن ثابت إلى ذلك، فجمعه غير مرتب السور بعد تعب شديد.. (1).

    وروى البخاري عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر يوم مقتل أهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال أن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس. وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن. فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه. وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: فقلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله..؟ فقال هو والله خير. فلم يزل يراجعني حتى شرح الله لذلك صدري. ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد: وعنده عمر جالس لا يتكلم. فقال لي أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك.

    كنت تكتب الوحي لرسول الله. فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله. فقال أبو بكر هو والله خير. فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبو بكر وعمر. فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدر الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري ولم أجدهما مع غيره. (لقد جاءكم رسول من أنفسكم..) إلى آخرها. فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر..

    وقال الترمذي: فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت..

    وفي البخاري عن زيد بن ثابت قال: لما نسخنا الصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله يقرؤها. لم أجدها إلا مع خزيمة الأنصاري (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه).. وروى الترمذي نفس الكلام.

    ____________

    (1) المرجع السابق. وانظر تاريخ القرآن للزنجاني..

    الصفحة 87
    يقول القرطبي عن الجمع الثاني للقرآن الذي قام به عثمان. أرسل إلى أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك.. وكان سبب ذلك أن القوم اختلفوا وعظم اختلافهم وتشبثهم وأظهر بعضهم إكفار بعض والبراءة منه وتلاعنوا.. (1).

    وكان أن قام عبد الله بن الزبير وزيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام بنسخ القرآن في المصاحف ورد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سوى ذلك من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن تحرق. وكان هذا من عثمان بعد أن جمع المهاجرين والأنصار وجلة أهل الإسلام وشاورهم في ذلك فاتفقوا على جمعه بما صح وثبت في القراءات المشهورة عن النبي وإطراح ما سواها..

    ونقل القرطبي عددا من الروايات التي تشير إلى أن هناك خلافات وقعت بين الصحابة حول مسألة جمع القرآن..

    ومن هذه الروايات رواية تقول إن ابن مسعود كره لزيد نسخ المصاحف.

    وقال يا معشر المسلمين: أعزل عن نسخ المصاحف ويتولاه رجل - يريد زيد بن ثابت - والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر.. (2).

    ونقل الترمذي أن ابن مسعود خطب في أهل العراق يقول: يا أهل العراق اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها. فإن الله عز وجل يقول: ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة.. فالقوا الله بالمصاحف.. (3).

    ودافع أبو بكر الأنباري عن موقف أبو بكر وعمر تجاه زيد وتقديمه على ابن مسعود في جمع القرآن.. (4).

    ____________

    (1) الجامع لأحكام القرآن..

    (2) المرجع السابق، وانظر رفض ابن مسعود الاعتراف بمصحف عثمان في البخاري. كتاب فضل القرآن.

    (3) أنظر الترمذي، وكتب تاريخ القرآن.

    (4) أنظر تاريخ القرآن لعبد الصبور شاهين والزنجاني وغيرهما..

    الصفحة 88
    وقال يزيد بن هارون: المعوذتان بمنزلة البقرة وآل عمران. من زعم أنهما ليستا من القرآن فهو كافر بالقرآن العظيم. فقيل له: فقول ابن مسعود فيهما..؟

    فقال: لا خلاف بين المسلمين في أن عبد الله بن مسعود مات وهو لا يحفظ القرآن كله.. (1).

    وقال أنس بن مالك جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب. ومعاذ بن جبل. وزيد بن ثابت.

    وأبو زيد.. (2).

    ويبدو من خلال استقراء تاريخ القرآن أن هناك طعونا كثيرة وجهت لمصحف عثمان من الصحابة والسلف. فمن المعروف أن الإمام عليا كان له مصحف يبدأ بسورة العلق وكان لابن عباس مصحف فيه كلمات لا توجد في مصحف عثمان وكذلك أبي بن كعب.. (3).

    وروى مسلم: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن. فقال أنتم أخيار أهل البصرة وقراؤهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم. وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى واديا ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب.. (4).

    وقال عمر: لولا أن يقول الناس زاد عمر بن الخطاب في كتاب الله لكتبتها: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة.. (5).

    ____________

    (1) أنظر المراجع السابقة..

    (2) المراجع السابقة.

    (3) المرجع السابقة.

    (4) مسلم: ج 3 / 100 باب الزكاة.. وانظر موطأ مالك ومسند أحمد.

    (5) أنظر مستدرك الحاكم، والاتقان في علوم القرآن للسيوطي والمراجع السابقة.

    الصفحة 89
    وروى الحاكم وابن جرير: أن عمر قال لما نزلت - آية الرجم - أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت اكتبها. فكأنه كره ذلك. وقال عمر ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم.. (1).

    وعن أ بي بن كعب قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن. قال: فقرأ (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب فقرأ فيها (لو أن ابن آدم سأل واديا من مال فأعطيه لسأل ثانيا. فلو سأل ثانيا فأعطيه لسأل ثالثا. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب. وأن ذلك الدين القيم عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يعمل خيرا فلن يكفره).. (2).

    وفي مسند أحمد عن أبي واقد الليثي قال كنا نأتي النبي صلى الله عليه وآله إذا أنزل عليه فيحدثنا. فقال لنا ذات يوم إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان. ولو كان له واديان لأحب أن يكون لهما ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ثم يتوب الله على من تاب..) (3).

    وروى الطبراني والبيهقي أن من القرآن سورتين. الأولى منهما: (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك..).

    والثانية منهما: (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكفار ملحق..) (4).

    ____________

    (1) المراجع السابقة..

    (2) أنظر مسند أحمد والمراجع السابقة..

    (3) المراجع السابقة..

    (4) المراجع السابقة..

    الصفحة 90
    ويروي ابن عباس أن عمر قال وهو على المنبر: إن الله بعث محمدا بالحق. وأنزل عليه الكتاب. كان مما أنزل الله آية الرجم. فقرأناها وعقلناها ووعيناها فلذا رجم رسول الله صلى الله عليه وآله ورجمنا بعده. فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله. والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال.. ثم إنا كنا نقرأ من كتاب الله: (إن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم. أو كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم..) (1).

    ومثل هذه الرويات كثير تكتظ بها كتب القوم..

  • أهل السنة والحديث:

    ما هو موقف أهل السنة من الروايات النبوية.. وكيف يتناولونها..؟

    إن أهل السنة يعتبرون أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله هي المصدر الثاني من مصادر الفقه والتشريع، ويعرفون الحديث بأنه الرواية الواردة عن الرسول، والتي تتناول كل ما صدر عنهم بشكل عام فيما يخص عصر النبي حتى ولو كان منسوخا فيما لا يخص التشريع..

    ويعرفون السنة بأنها ما ورد عن النبي من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خلقية..

    فالحديث هو الجانب النظري من أقوال الرسول..

    والسنة في الجانب العملي منها.. (2).

    من هنا فإن الأساس الذي ترتكز عليه الرواية هو الصحابي، والصحابة عندهم متفاوتون في الرواية عن الرسول صلى الله عليه وآله، ومرجع هذا التفاوت يعود إلى

    ____________

    (1) أنظر البخاري: ج 8 / 26. ومسلم: ج 5 / 116. وللتوسع في هذا الأمر انظر المراجع السابقة والبيان في تفسير القرآن للخوئي، وآلاء الرحمن في تفسير القرآن للبلاغي ومجمع البيان للطبرسي لترى كيف جنى القوم على القرآن برواياتهم..

    (2) يعرف أهل السنة السنة بأنها ما ورد عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير أو صفة وما عدا قول الرسول فهو سنة عملية..

    الصفحة 91
    الفترة التي عاصر فيها هذا الصحابي رسول الله ومدى تفرغه لمجالسته بالإضافة إلى قوة حفظه..

    وعلى هذا الأساس اعتبر أبو هريرة وعائشة من ا لمكثرين في الرواية عن الرسول لملاصقتهم به وتفرغهم له.

    يروي أبو هريرة عن نفسه: وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق (البيع) بالأسواق. وإن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم . وكنت امرءا مسكينا ألزم رسول الله صلى الله عليه وآله على ملء بطني. فأحضر حين يغيبون.

    وأوعى حين ينسون.. (1).

    ويروي أيضا: وكنت أكثر مجالسة لرسول الله صلى عليه وآله أحضر إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا.. (2).

    أما عائشة فلأنها كانت زوجة النبي وأحب نسائه إليه كما يروون.. (3).

    ومن المعروف أن السنة دونت في فترة متأخرة، والسبب في ذلك يعود إلى أن الرسول نهى عن كتابة شئ غير القرآن.. (4).

    إلا أن أهل السنة يروون ما يفيد الإذن بالكتابة من الرسول، وذلك في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص قوله: كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله أريد حفظه فنهتني قريش. وقالوا: أتكتب كل شئ تسمعه ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا..؟

    فأمسكت عن الكتابة، فذكرت لرسول الله، فأومأ بإصبعه إلى فيه. فقال:

    " اكتب فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق " (5).

    ____________

    (1) البخاري: ج 3: 135 بهامش فتح الباري..

    (2) مسند أحمد: ج 14 / 122.

    (3) أنظر كتب علوم الحديث وكتب السنن وتلقيح فهوم الأثر..

    (4) يروي مسلم وأحمد أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لا تكتبوا عني. ومن كتب عني غير القرآن فليمحه. وحدثوا عني ولا حرج.. وقد دونت السنة في عهد عمر بن عبد العزيز حين أمر الزهري بجمع الأحاديث..

    (5) رواه أبو داوود: ج 4 / 60.. وفي معالم السنن: يشبه أن يكون النهي متقدما وآخر

    =>