ويبدو ان اصحاب الخطر قد فطنوا لمقصد الرسول فتباطووا بالخروج، وثبطوا الناس عن الخروج، ومالوا دون ليتمكنوا من الحضور فى العاصمه عند موت النبى ومن تنفيذ خططهم المبيته ضد الشرعيه الالهيه.

الامام الاعظم على فراش مرض الموت بعد ان قام رسول اللّه بما اسلفنا، مرض كما اخبر الناس، وقعد على فراش مرض الموت، والملائكه فى صعود وهبوط، وجبريل مع النبى واهل السماء فى شغل شاغل لاستقبال وتغطيه نبا موت اعظم الخلق واحبهم الى اللّه تعالى.

تلخيص الموقف والتوجيهات النهائيه لان محمدا رسول اللّه ونبى وامام وقائد امه، ولانه محب ورحيم ومشفق وناصح اراد ان يلخص الموقف لامته وان يكتب ويوثق توجيهاته النهائيه بحضور جبريل والملائكه المقربين، لانه على يقين بالفتن التى تتربص بالامه وتنتظر موت النبى، لذلك ضرب موعدا لتلخيص الموقف وكتابه توجيهاته النهائيه.

وهذا عرف معروف عند قاده الامم وهو حق مكرس لكل انسان على الاطلاق.

انتشار الخبر لان الرسول قد مرض فى بيت عائشه، فقد ثبت لدينا ان عائشه قد علمت بموعد كتابه التوجيهات النهائيه، ومضمون هذه التوجيهات وعائشه ام المومنين هى ابنه ابى بكر، وكانت حليفه لحفصه ام المومنين وابنه عمر مثلما كان ابوهما حليفين، وقد تظاهرت الزوجتان على رسول اللّه (196)، وكانت عائشه طويله اللسان، وجريئه على رسول اللّه فقد قالت للنبى يوما (انت الذى تزعم انك رسول اللّه؟) (197)، واذا تذكرنا ان رسول اللّه قد قام خطيبا واشار نحو مسكن عائشه قائلا: (هاهنا الفتنه وكررها ثلاثا) (198)، وقوله عند بيت عائشه: (راس الكفر من هاهنا) (199)، واذا اخذنا بعين الاعتبار اتفاق اهل المله على مرض الرسول فى بيت عائشه، وعلى ان عائشه كانت تكره الامام على وتحقد عليه ولا تطيق ان تلفظ حتى اسمه (200) لذلك حاربته (201).

ولما مات الامام على سجدت للّه شكرا وطوال حياتها وهى تناصب الامام على وذريته العداء ونظرا للدور البارز الذى كان لها فى اداره شوون دوله الخلافه فى عهد ابيها وعمر فاننا نجزم انها هى التى اخبرت والدها وعمر بموعد ومضمون التوجيهات الالهيه التى ضرب الرسول موعدا لكتابتها، ومن عمر ومن ابيها شاع الخبر بين حزبهما.

اقتحام عمر وحزبه للحجره المقدسه المفترض ان ابا بكر وعمر وحزبهما فى جيش اسامه لان الرسول عباهم بهذا الجيش باجماع المسلمين، ومن المفترض ان لا يتخلفا عن هذا الجيش، ولا يرجعا من معسكرهما حتى لا تنالهما لعنه اللّه ورسوله ولكن محمد كان يعرف ما يريد، ويتابع الاحداث دقيقه بدقيقه فما ان سمع بخبر كتابه التوجيهات حتى جمع ثله كبيره من حزبه الذى كان بحاله استنفار تام، وتوجه بهم الى بيت رسول اللّه، ومع الموعد المحدد لكتابه التوجيهات كانت غرفه النبى المقدسه تغص بعمر وحزبه كان دخولهم مفاجاه لمن حول النبى، ولا يملك النبى ان يتراجع عن كتابه توجيهاته النهائيه على ضوء هذه التطورات، فتجاهل النبى وجود عمر وحزبه وقال لمن اعدهم لهذا الغرض (قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا).

فتجاهل عمر وجود النبى وقوله وقال للحاضرين (ان النبى يهجر وعندكم القرآن حسبنا كتاب اللّه) (202).

وما ان اتم عمر كلامه حتى قال اعوانه بصوت واحد متجاهلين وجود النبى، وموجهين كلامهم للحضور، القول ما قال عمر (هجر رسول اللّه، ان رسول اللّه يهجر، ما شانه اهجر! استفهموه ماله اهجر! ومع كل جمله ردد حزب عمر قافيه القول ما قاله عمر!

الحضور من غير حزب عمر صعق الحضور من غير حزب عمر من هول ما سمعوا، وطالبوا بان تتاح الفرصه لرسول اللّه لكتابه توجيهاته، ولكن عمر ردد ما قاله وردد حزبه من خلف العاقبه التى علمهم اياها.

النسوه يتدخلن فى الامر قال ابن سعد: (قالت النسوه الا تسمعون رسول اللّه قربوا.. فقال عمر: انكن صويحبات يوسف.. فقال الرسول: انهن خير منكم). (203) نتيجه تصرفات عمر وحزبه كثر اللغط، وكثر اللغو، وكثر الاختلاف، وارتفعت الاصوات، وتنازع الفريقان (اكثريه ساحقه احضرها عمر مع اقليه كانت موجوده عند رسول اللّه، وصارت الكتابه بهذا الجو مستحيله، لان عمر وحزبه كانوا على استعداد لفعل اى شى‏ء للحيلوله بين رسول اللّه وبين كتابه ما اراد وقد ادرك الرسول ذلك، وراى الكثره التى اعدها عمر لهذه الغايه.

ولو اصر الرسول على كتابه ما اراد لاصر عمر وحزبه على اثبات الهجر، مع ما يجره هذا الادعاء من عواقب مدمره للتشكيك بكل ما قاله الرسول، لذلك راى ان يصرف النظر عن كتابه توجيهاته النهائيه معتمدا على عهوده وتاكيداته السابقه.

فقال النبى قوموا عنى ما انا فيه خير مما تدعونى اليه (204).

لماذا استمات عمر وحزبه ليحولوا بين الرسول وكتابه ما اراد؟ لقد اعترف عمر فى ما بعد بانهم لم يحولوا بين الرسول وبين كتابه ما اراد لانه قد هجر كما زعموا، او لان المرض قد اشتد به كما حاول اولياوهم ان يلطفوا من الكارثه او لان القرآن يكفى ولا حاجه للرسول ولا لكتبه وتوجيهاته!! انما صدوا رسول اللّه عن كتابه ما اراد حتى لا يجعل الامر لعلى بن ابى طالب! (205).

اسوا وداع لاعظم امام عرفته البشريه لم يصدف طوال التاريخ البشرى ان عومل ولى الامر سواء اكان خليفه او ملكا وهو مريض بالقسوه والجلافه التى عومل بها رسول اللّه، ولم يصدف ان اعترض المسلمون خليفه اذا اراد ان يكتب توجيهاته النهائيه او يستخلف من بعده بل على العكس.

قال ابن خلدون فى مقدمته: ان الخليفه ينظر للناس حال حياته وتبع ذلك ان ينظر لهم بعد وفاته ويقيم لهم من يتولى امورهم (206)، لقد مرض ابو بكر مرضا شديدا قبل ان يموت وقبل وفاته بقليل دعى عثمان ليكتب له توجيهاته النهائيه واصغى المسلمون لابى بكر ونفذوا توجيهاته النهائيه بدقه، وعاملوه بكل الاحترام والتوقير، ولم يقل احد منهم ان ابا بكر قد هجر، ولا قالوا ان المرض قد اشتد به، ولا قالوا حسبنا كتاب اللّه!! (207).

وعندما كتب ابو بكر توجيهاته النهائيه كان عمر يقول (ايها الناس اسمعوا واطيعوا قول خليفه رسول اللّه..) (208) فقاربه بين موقف عمر وحزبه من ابى بكر وموقفهم من رسول اللّه!!

فهل لابى بكر قيمه وقداسه عند عمر وحزبه اكثر من قيمه الرسول وقداسته! اجب كما يحلو لك فانه الدافع المر، ثم انظر الى موقف المسلمين عند طعن عمر واراد ان يكتب توجيهاته النهائيه وقد اشتد به المرض اكثر مما اشتد برسول اللّه (209)، ومع هذا كتب عمر توجيهاته وعهد للسته نظريا وعهد لعثمان عمليا، وامر بضرب عنق من يخالف تعليماته النهائيه (210)، وصارت توجيهات ابى بكر وعمر شرعا سياسيا نافذا لم يقل احد ان عمر قد هجر، ولم يقل احد حسبنا كتاب اللّه انما عومل عمر بكل التقديس والاحترام، ونفذت توجيهاته النهائيه حرفيا كانها كتاب منزل من عند اللّه واكثر!! فهل لابى بكر وعمر قداسه عند المسلمين اكثر من رسول اللّه وباى كتاب قد انزل بانهما اولى بالاحترام والطاعه من رسول اللّه؟!! اجب كما يحلو لك فانك لن تغير الحقيقه المره!

لقد قالوها بصراحه فى ما بعد بان الخليفه اعظم من الرسول (211).

الجنازه والعرس معا!؟ لقد صدم الانقلابيون خاطر النبى الشريف، واعلنوا صراحه وضمنا خروجهم على الشريعه الالهيه، واهانوا رسول اللّه ولم يقدروه حق قدره وحالوا بينه وبين كتابه ما اراد، واثبتوا له بانهم قد هدموا الجانب السياسى من الشريعه الالهيه فامتلا قلبه الشريف بالحزن والالم، وانفض الناس من حوله ولم يبق عنده الا آله الكرام ونفر قليل من المومنين، وجموع غفيره من الملائكه المقربين وناجى رسول اللّه عليا، ثم صعدت الروح الطاهره الى بارئها، وفجعت الضمائر البشريه النقيه باعظم مخلوق على الاطلاق فغسله اقاربه وجهزوه ودفنوه (212).

عرس اثناء الجنازه!؟ ابو بكر وعمر وحزبهما لم يشهدا دفن الرسول ولا تغسيله ولا تجهيزه كان فى شغل شاغل (213)، وعائشه كانت مشغوله معهم لقد حرصت فى ما بعد قائله (ما علمنا بدفن النبى حتى سمعنا صوت المساجى..) (214)!ونجح حزب البطون بالاستيلاء على منصب الخلافه بالقوه والتغلب واقبلت الجماعه التى بايعت ابا بكر تزفه زفا الى مسجد رسول اللّه فبايعه الناس حتى امسى وشغلوا عن دفن رسول اللّه) (215).

تقديم التعازى والحريق!؟ بعد ان نجحت البطون بالاستيلاء على منصب الخلافه تذكروا محمدا واهل بيت محمد، وقد علموا ان آل البيت ولفيف من المومنين قد دفنوا محمدا!! وعادوا الى بيت على بن ابى طالب، فرات الخلافه الجديده ان الفرصه مناسبه لتقديم التعازى، فاصدر الخليفه الجديد امرا الى نائبه عمر (لياتيه بال محمد باعنف العنف..) (216).

فجهز عمر سريه قادها بنفسه وساعده عبد الرحمن بن عوف، وخالد بن الوليد، واسيد بن حضير (217) فحمل عمر معه قبس من النار ليحرق بيت آل محمد على من فيه فلقيته فاطمه بنت رسول اللّه فقالت: يا ابن الخطاب اجئت لتحرق دارنا؟ قال عمر نعم (218).

قال اليعقوبى فى تاريخه: (فهجموا على الدار، وكسروا سيف على ودخلوا الدار) واخرجوا المومنين بالقوه وساقوه ليبايعوا الخليفه الجديد، اما آل محمد فقد قاوموا وامتنعوا عن الخروج، وهكذا قدمت السلطه الجديده التعازى لاهل بيت محمد بمناسبه وفاه محمد بن عبداللّه الهاشمى (219)!

لقد صارت النبوه والرساله طريقا لملك البطون، وقد تحقق الملك فعلا، فليكن موقف ابناء البطون من النبوه بالقدر الذى يخدم الملك!

الباب الثالث
الامامه والولايه من بعد النبى

الفصل الاول: الامامه من بعد النبى ‏امامان ووليان

معا بعد يوم واحد من انتقال الرسول الاعظم الى جوار ربه وجدت الامه الاسلاميه نفسها امام حاله فريده من نوعها تتمثل بوجود امامين ووليين حقا، كل منهما يرى انه الاحق بالامامه.

1- امام وولى وقائد شرعى على شاكله امام ابراهيم، والائمه الذين من بعده، وامامه محمد رسول اللّه، يستند حقه بالامامه والولايه الى الاختيار الالهى، والاعداد الالهى ولكونه الاعلم والافهم بالدين والاتقى، والاقرب للّه، والافضل وهو على بن ابى طالب.

2- امام وولى وقائد مسلم، ولكن لم يختره اللّه ولا رسوله، انما استند حقه بالامامه والولايه والقياده الى التغلب والقهر وقدرته على توحيد بطون قريش والمنافقين والمرتزقه من الاعراب خلفه، وسيطرته بهذا التحالف على المال والنفوذ والاعلام، وهو يعلن بكل صراحه انه ليس الافضل، ولا الاعلم، وهو ينفى ان يكون اللّه او رسوله قد اختاراه لهذا المنصب، لانه لا علاقه لهما باختيار الامام، فاختيار الامام حق لاغلبيه الامه، واغلبيه الامه معه، فكافه بطون قريش مهاجرها وطليقها معه، والمنافقون معه، والمرتزقه من الاعراب معه، وليست هنالك معارضه جديه له من المومنين، والمعارضون الوحيدون لامامته وولايته هم آل محمد بزعامه عميدهم الامام والولى على بن ابى طالب، هذا الامام والولى والقائد هو ابو بكر الخليفه الاول.

وبنفس الوقت والد عائشه زوجه الرسول بدعمه عمر بن الخطاب، والد حفصه زوجه الرسول الثانيه، وعثمان بن عفان صهر الرسول وزوج احدى بناته، وعبد الرحمن بن عوف، قطب المال، وسادات بطون قريش، ورووس المنافقين، وقاده المرتزقه، واصحاب الحظر، كاسيد بن حفير، وخالد بن الوليد، ويزيد ومعاويه ابنا ابى سفيان وعمرو بن العاص... الخ. بالاضافه الى ابنته وزوجه الرسول عائشه، وابنه عمر وزوجه الرسول الثانيه حفصه... وسنفرد بحثا للامامتين الشرعيه، والواقعيه من بعد النبى، متجنبين السرد التاريخى.

الامامه الشرعيه امامه على بن ابى طالب خلال مرحلتى الدعوه والدوله اعلن رسول اللّه وبكل وسائل الاعلام، واكد وبكل طرق التاكيد، ووضح وبكل طرق التوضيح ان اللّه تعالى الذى اختار محمدا للنبوه والرساله والامامه، اختار عليا بن ابى طالب ليكون وصى النبى، وخليفته، والولى والامام، والقائد والسيد وامير المومنين من بعده، وقد اعلن هذا النبا بنفس اليوم الذى اعلن فيه ابناء النبوه والرساله، ولكن بطون قريش لم تحمل هذا النبا على محمل الجد، لانها استبعدت ان ينجح الرسول فضلا عن ان تكون له خلافه وبين الرسول بكل طرق البيان بان اللّه تعالى قد اعد عليا وهياه ليكون الاعلم والافهم بالدين والاقرب للّه وللرسول والافضل او بمعنى ادق ليكون اوحد زمانه بعد وفاه النبى، وتتابعت اعلانات النبى بهذا الخصوص، خلال مرحلتى الدعوه والدوله واثبت على بن ابى طالب انه معد الهيا بالفعل والموهل الوحيد، وفى حجه الوداع نصبه رسول اللّه اماما ووليا للمومنين من بعده، فى غدير خم وبايعه على ذلك الناس وقدموا له التهانى باماره المومنين، ومن جمله المهنئين ابو بكر وعمر واسيد بن حضير، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف ويزيد ومعاويه ابنا ابى سفيان وعثمان، وطلحه والزبير، وسعد بن ابى وقاص...!! وبعد ذلك نزل قوله تعالى (اليوم اكملت لكم دينكم...) «المائده/3» واعلن الرسول انه قد خير فاختار، وانه سيمرض وسيموت من مرضه، وحذرهم من مغبه الخروج على الشرعيه، ولخص لهم الموقف بشكل لا ينسى، فالقرآن هو الثقل الاعظم، واهل بيت النبوه هم الثقل الاصغر، وكبدايه فان على بن ابى طالب هو الولى وهو القائم مقام النبى، فمن كان النبى وليه فعلى وليه، ومن كان النبى مولاه فعلى مولاه.

وانفض اجتماع الغدير على هذا الاساس وقبل الناس بكل هذه الترتيبات او تظاهروا بالقبول ومن اوائل الذين قبلوا بهذه الترتيبات او تظاهروا بقبولها ابو بكر وعمر وابو عبيده وعبد الرحمن بن عوف... الخ.

نماذج من النصوص الشرعيه عندما اعلن رسول اللّه النبوه والرساله قال بنفس الاجتماع، عن على بن ابى طالب.

1- (ان هذا اخى ووصيى وخليفتى فيكم فاسمعوا له واطيعوا) (220).

2- وقال الرسول لاصحابه: اوحى اللّه الى فى على ثلاث (انه سيد المسلمين، وامام المتقين وقائد الغر المحجلين) (221).

3- وقال الرسول لاصحابه مره اخرى (اوحى اللّه الى فى على انه سيد المسلمين وولى المتقين، وقائد الغر المحجلين) (222).

4- ودخل على يوما على الرسول وهو جالس بين اصحابه فقال الرسول لعلى (مرحبا بسيد المسلمين، وامام المتقين) (223).

5- وبينما كان الرسول يجلس مع اصحابه قال لهم: (اول من يدخل هذا الباب امام المتقين، وسيد المسلمين، ويعسوب الدين، وخاتم الوصيين) ولا احد منهم كان يعرف من سيدخل وبعد فتره دخل على بن ابى طالب فنهض الرسول وعانقه.

تلك آيه، ودليل قاطع بان الرسول لا يلقى الكلام على عواهنه كما يزعمون (224).

6- قال الرسول لاصحابه يوما (ان اللّه عهد الى فى على عهدا فقلت يا رب بينه لى، قال اللّه سبحانه وتعالى (ان عليا رايه الهدى بعدى، وامام اوليائى، ونور من اطاعنى وهو الكلمه التى الزمتها المتقين فمن احبه احبنى، ومن ابغضه ابغضنى، فبشره بذلك) (225).

7- واعلن الرسول امام اصحابه مره قائلا: (ان لكل نبى وصيا ووارثا وان عليا وصيى ووارثى) (226).

8- وكقوله لاصحابه: (ان وصيى وموضع سرى، وخير من اترك بعدى، ينجز عدتى ويقضى دينى على بن ابى طالب) (227).

9- وكقوله لفاطمه الزهراء ابنته: (يا فاطمه اما علمت ان اللّه عز وجل اطلع على اهل الارض فاختار منهم اباك فبعثه نبيا، ثم اطلع ثانيه فاختار بعلك فاوحى الى فانكحته واتخذته وصيا) (228).

10- وقال الرسول يوما لاصحابه: (انا مدينه العلم وعلى بابها) (229).

11- وقال الرسول لعلى امام الصحابه: (انت تبين لامتى ما اختلفوا فيه من بعدى) (230).

12- وكقوله لفاطمه: (اما ترضين انى زوجتك اقدم امتى سلما واكثرهم علما، واعظمهم حلما) (231).

13- جاء النبى الى فاطمه فوجدها تبكى فقال لها مالك تبكين؟ لقد انكحتك اكثرهم علما وافضلهم حلما... (232) 14- وكقول النبى لاصحابه: (اعلم امتى من بعدى على بن ابى طالب) (233).

15- وكقوله(ص) لاصحابه: (على بن ابى طالب اعلم الناس باللّه وبالناس) (234).

16- وكقوله لاصحابه: (على باب علمى، وبين من بعدى لامتى ما ارسلتما به، حبه ايمان وبغضه نفاق) (235).

17- قال النبى يوما: (... واقضاهم على بن ابى طالب) (236).

وقال(ص): (واقضاها على)، اى اقضى الامه (237)، وكقوله(ص): (كفى وكف على فى العدل سواء) (238).

18- وقال الرسول لاصحابه: (انا المنذر، وعلى الهادى بك يا على يهتدى المهتدون) (239).

19- قال الرسول امام اصحابه: (النظر الى وجهك يا على عباده، انت سيد فى الدنيا وسيد فى الاخره، من احبك احبنى، وحبيبى حبيب اللّه، وعدوك عدوى، وعدوى عدو اللّه، الويل لمن ابغضك) (240).

20- وكقوله امام الصحابه: (انا وهذا -يعنى عليا- حجه على امتى يوم القيامه) (241).

21- النص القاطع: قال الرسول لاصحابه: (على منى وانا من على ولا يودى عنى الا انا او على) (242).

22- وفى يوم من الايام قال الرسول لمن حوله: (ادعوا لى سيد العرب، فقالت عائشه الست سيد العرب؟ فقال النبى انا سيد ولد آدم وعلى سيد العرب) (243).

23- وكقوله لاصحابه: (على مع الحق، والحق مع على، لن يفترقا حتى يردا على الحوض يوم القيامه) (244).

الولى 24- قال الرسول لعلى امام الصحابه: (انت ولى فى الدنيا والاخره) (245).

25- قال الرسول يوما لعلى امام الصحابه: (انت ولى كل مومن بعدى) (246).

26- قال الرسول يوما امام اصحابه فى معرض رده على انتقاد على باخذ جاريه: (ان لعلى اكثر من الجاريه التى اخذ، انه وليكم من بعدى) (247).

27- وكقوله لاحد اصحابه: (لا تقع فى على فانه منى وانا منه وهو وليكم بعدى) (248).

28- وكقوله للصحابه: (على منى وانا منه وهو ولى كل مومن بعدى) (249).

الحدث الاعظم فى غدير خم تدرج الرسول باعلانه لولايه على بن ابى طالب وامامته من بعد النبى، فاعلنها امام الافراد، واعلنها امام الجماعات، ثم اعلنها امام مائه الف او يزيدون فى حجه الوداع وفى منطقه يقال لها (غدير خم).

نص قرار الولايه بروايه حذيفه بن ابى اسيد الغفارى خطب رسول اللّه فى الجمع العائد معه فى حجه الوداع وقال فى مقطع من خطبته (ايها الناس ان اللّه مولاى، وانا مولى المومنين، وانى اولى بهم من انفسهم، فمن كنت مولاه فهذا -يعنى عليا- مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) (250) .نص قرار الولايه بروايه زيد بن ارقم قال الرسول: (كانى دعيت فاجبت... ثم قال: ان اللّه عز وجل مولاى وانا مولى كل مومن، ثم اخذ بيد على فقال (من كنت مولاه فهذا على وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) (251).

نص قرار الولايه بروايه البراء بن عازب خطب النبى فى غدير خم فقال... الستم تعلمون انى اولى بالمومنين من انفسهم؟ قالوا بلى قال الستم تعلمون انى اولى بكل مومن من نفسه؟ قالوا بلى، فاخذ بيد على فقال: (من كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) (252).

نص قرار الولايه بروايه سعد بن ابى وقاص اخذ رسول اللّه بيد على وخطب فى غدير خم.. الى ان قال (ايها الناس انى وليكم، قالوا صدقت ثم رفع يد على فقال، هذا وليى، ويودى عنى دينى، وانا موالى من والاه، ومعاد من عاداه) (253).

نص قرار الولايه بروايه ثانيه لسعد بن ابى وقاص (كنا مع رسول اللّه، فلما بلغ غدير خم وقف الناس، ثم رد مع من تبعه ولحق من تخلف، فلما اجتمع الناس اليه قال: (ايها الناس من وليكم؟ قالوا اللّه ورسوله ثلاثا، ثم اخذ بيد على فاقامه ثم قال: (من كان اللّه ورسوله وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) (254).

التهانى بالامامه والولايه واماره المومنين بهذا الاعلان امام هذا الجمع الكبير، وفى حجه الوداع اصبح على بن ابى طالب رسميا امام المسلمين، ووليهم، وامير المومنين وتوافد الحاضرون ليقدموا التهانى للولى من بعد النبى، وكان من جمله المهنئين عمر وابو بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وابو عبيده، وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص، واسيد بن حضير.. الخ، وعبر بعضهم عن تهانيه للامام على بجمل مختصره شاعت وتناقلها الناس، مثل الجمله التى هنا فيها عمر بن الخطاب اذ خاطب الامام على بقوله: (بخ بخ لك يا ابن ابى طالب اصبحت مولاى ومولى كل مسلم ومسلمه) (255).

وكقول عمر بن الخطاب الذى ذهب مثلا: (هنيئا لك يا ابن ابى طالب اصبحت وامسيت مولى كل مومن ومومنه) (256).

آيه الاكمال نزلت بعد تنصيب الامام على ابن ابى طالب وليا واماما مباشره بعد ان تم تنصيب الامام على بن ابى طالب فى غدير خم خليفه للنبى واماما ووليا للمومنين والمسلمين من بعد النبى انزل اللّه سبحانه وتعالى آيه الاكمال، واعلن رسول اللّه كمال الدين، وتمام النعمه، والرضى بالاسلام وتلى قوله تعالى فى الايه(3) من سوره المائده: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا) (257).

لا ينوب عن الرسول الا على بن ابى طالب اقامه للحجه، وقياما بواجب البيان، وتوضيحا للحكم الشرعى، وتثبيتا لامامه على بن ابى طالب وولايته وخلافته للنبى اعلن الرسول امام الصحابه، بانه لا ينوب عنه ولا يودى عنه الا هو بالذات او على بن ابى طالب، فقال للصحابه بوضوح وجزم (على منى وانا من على ولا يودى عنى الا انا او على) (258).

وتعميما للحكم الشرعى وايضاحا له، ذكر رسول اللّه اصحابه بانه كان قد ارسل ابا بكر اميرا على الحج ومعه سوره براءه، ولما سار ابو بكر هبط جبريل بامر من ربه وامر رسول اللّه ان يلحق عليا بابى بكر لياخذ منه سوره براءه، ويبلغها للناس نيابه عن الرسول لانه لا احد ينوب عن الرسول ويودى عنه الا هو بالذات او على بن ابى طالب!

الطاعه وليحكم الرسول طوق الشرعيه، وليسد الطرق امام الطامعين ويغلق منافذ التلاعب بعواطف المسلمين وافكارهم اعلن الرسول امام اصحابه بان طاعه الرسول هى طاعه اللّه، ومعصيه الرسول هى معصيه للّه، وان طاعه على هى طاعه للرسول ومعصيه على هى معصيه للرسول فقال: (من اطاعنى اطاع اللّه، ومن عصانى عصى اللّه، ومن اطاع عليا اطاعنى، ومن عصى عليا عصانى) (259).

فراق على فراق للّه واعلن الرسول امام اصحابه قائلا لعلى: (يا على من فارقنى فقد فارق اللّه، ومن فارقك فقد فارقنى) (260).

الرسول يقطع دابر المزاوده، ويعلن بان عليا مع الحق دائما وقطعا لدابر المزاوده، وتطويقا للطامعين، وامعانا بالتضييق على الذين كرهوا ما انزل اللّه، وابطنوا التصميم على الغاء الترتيبات الالهيه بعد موت النبى تحت شعارات الحق الباطل اعلن الرسول امام الصحابه قائلا: (على على الحق فمن تبعه فهو على الحق، ومن تركه ترك الحق عهدا معهودا) (261).

وهكذا حشر رسول اللّه اعداء الشريعه بزاويه ضيقه لتكون معصيتهم للّه ولرسوله ثابته ومع سبق الاصرار، وبدون عذر ولا شبهه (262).

الفهم العام والقبول العام بولايه وامامه على بن ابى طالب فهمت الامه الاسلاميه بان الامام والولى والقائد والخليفه من بعد النبى هو على بن ابى طالب، وقبلت الامه الاسلاميه بهذه الترتيبات التى اعلنها النبى، واعتبرتها الهيه وقدر لا مفر منه، واقتنعت الامه او تظاهرت بالاقتناع بان اهل بيت محمد وآل محمد احق بميراث محمد وسلطانه من غيرهم، واعتبروا امامه على بن ابى طالب وولايته وولايه الائمه من ولده قدر لامر منه كالنبوه تماما، ولم يندهش المسلمون من جمع الهاشميين للنبوه والملك معا، (وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيره) «القصصر68».

(وما كان لمومن ولا مومنه اذا قضى اللّه ورسوله امرا ان يكون لهم الخيره من امرهم) «الاحزاب/36» ثم ان اللّه اعط‏ى آل ابراهيم النبوه والملك والكتاب كما ورد فى التنزيل، ولم يثر هذا الجمع حفيظه احد، خاصه وان المسلمين قد سمعوا بان رسول اللّه خير من ابراهيم عليهما وعلى آلهما السلام، كما وانهم قد احيطوا علما بالدور المميز لبنى هاشم عامه، ولاهل بيت النبوه خاصه فى نصره قضيه الاسلام طوال عهدى النبوه فى مرحلتى الدعوه والدوله، واحيط المسلمون علما بالدور المميز الذى قام به على على بن ابى طالب فى مرحله الصراع المسلح، وبالمكانه التى يتمتع بها على بن ابى طالب واهل بيت النبوه من الناحيه الدينيه، فالتمسك بهم ثقل ى‏ى‏ى‏ى‏والتمسك بالقرآن ثقل آخر، ويقوم الدين من بعد النبى على التمسك بهذين الثقلين.

فلبدت بطون قريش امام حالتى الفهم العام والقناعه والقبول العام بالترتيبات الالهيه المتعلقه بالامامه او الولايه او الخلافه من بعد النبى، وتظاهرت بقبولها، لان البطون موقنه بتعذر تغييرها او تبديلها بذلك الوقت ولانها مهزومه نفسيا ويائسه من الانتصار على محمد فى اى مواجهه، ثم انها بحاجه الى رجل مناسب (يعلق الجرس) ثم انها كغيرها تفهم او تتفهم بان محمدا رجل واقارب الرجل ورهطه الاقربون اولى به.

الادله على التفهم العام والقبول العام بولايه على لم يعترض احد عندما كان رسول اللّه يعلن النصوص الشرعيه المتعلقه بالولايه او الامامه من بعده، ولم يعترض احد عندما اعلن رسول اللّه فى حجه الوداع ولايه على وامامته وخلافته للنبى، على العكس لقد تقدم المسلمون فى غدير خم وبايعوه، وقدموا له التهانى، ومن جمله المهنئين عمر وابوبكر وابو عبيده وعبد الرحمن بن عوف، وعثمان بن عفان، ويزيد ومعاويه ابنا ابى سفيان وخالد بن الوليد، واسيد بن حضير وغيرهم.

شهاده معاويه بن ابى سفيان معاويه بن ابى سفيان طليق وابن طليق قاد وابوه الشرك والمواجهه ضد النبى طوال 21 عاما، وقتل على بن ابى طالب اخا معاويه وجده وخاله وابن خاله وسادات بنى اميه الاحدى عشر بيوم واحد، ومع هذا يعترف بحصول الفهم العام لقرار تنصيب الامام على اماما ووليا من بعد الرسول وخليفه له.

وجاء هذا الاعتراف فى رساله وجهها معاويه بن ابى سفيان لمحمد بن ابى بكر اذ جاء فيها وبالحرف: (قد كنا وابوك معنا فى حياه من نبينا نرى حق بن ابى طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا، فلما اختار اللّه لنبيه ما عنده واتم له ما وعده، واظهر دعوته، وافلج حجته، قبضه اللّه اليه فكان ابوك وفاروقه اول من ابتزه وخالفه، على ذلك اتفقا واتسقا...الخ) (263).

شهاده عمر بن الخطاب ومع ان عمر هو الذى قاد الانقلاب على الشرعيه، ونسف الترتيبات الالهيه المتعلقه بالقياده والتى اعلنها الرسول وبينها بيانا كاملا، الا ان اللّه تعالى قد اظهر الحقيقه بفلتات لسانه، فقال فى سقيفه بنى ساعده مخاطبا الانصار (... ولكن العرب لا ينبغى ان تولى هذا الامر الا من كانت النبوه فيهم... لنا بذلك على من خالفنا من العرب الحجه الظاهره والسلطان المبين، من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن اولياوه وعشيرته الا مدل بباطل (264)، انت تلاحظ ان حجه عمر هى حجه اهل بيت النبوه، وقد وظفها عمر لصالحه، مع انه من بنى عدى، ومحمد من بنى هاشم، ولكن عمر يقر صراحه بان اهل محمد اولى بميراثه وسلطانه، وقد نقلت اقرار عمر هذا بصيغته الاكثريه من المورخين.

اعتراف ثان لعمر بن الخطاب وعمر يجلس على كرسى الخلافه والولايه قال لابن عباس (اماو اللّه يا بنى عبد المطلب لقد كان على بن ابى طالب فيكم اولى بهذا الامر منى ومن ابى بكر..) (265).

اعتراف ثالث لعمر بن الخطاب قال عمر لابن عباس يوما (يا ابن عباس واللّه ان صاحبك لاولى الناس بالامر بعد رسول اللّه ولكننا خفنا...) (266).

اعتراف رابع لعمر بن الخطاب قال عمر لابن عباس (... ما اظن صاحبك الا مظلوما..) (267).

اعتراف صريح خامس لعمر (اعترف عمر يوما بصراحه بان الولايه والامامه كانت لعلى فزحزحت عنه حيث قال: (ان الامر كان لعلى بن ابى طالب فزحزوه عنه لحداثه سنه والدماء التى عليه) (268).

فهذا اقرار واضح بان عمر بن الخطاب كان يعلم علم اليقين بان الامر كان لعلى بن ابى طالب، وكيف ينسى ذلك، وقد قدم له التهانى فى غدير خم كما اسلفنا.

اقرار سادس من عمر كان عمر بن الخطاب يقف على المنبر فقال له الحسين بن على: انزل عن منبر ابى، فقال «عمر»: من علمك هذا؟ قلت «الحسين‏»: ما علمنيه احد، قال «عمر»: منبر ابيك واللّه، منبر ابيك واللّه... (269).

عامه المهاجرين والانصار قال علامه المعتزله بن ابى الحديد نقلا عن ابن اسحاق (كان عامه المهاجرين وجل الانصار لا يشكون بان عليا بن ابى طالب هو صاحب الامر بعد رسول اللّه).

شهاده قيس بن سعد قال قيس بن سعد بن عباده بعد بيعته لعلى (ايها الناس انا قد بايعنا خير من نعلم بعد نبينا) (270).

شهاده المقداد بن عمر قال المقداد بن عمر (واعجبا لقريش ودفعهم هذا الامر عن اهل بيت نبيهم وفيهم اول المومنين، وابن عم رسول اللّه، واعلم الناس وافقههم فى دين اللّه، واعظمهم عناء فى الاسلام، وابصرهم فى الطريق واهداهم الى الصراط المستقيم، واللّه لقد زوروها عن الهادى المهتدى الطاهر التقى، واللّه ما ارادوا اصلاحا فى الامه، ولا صوابا فى المذهب ولكنهم آثروا الدنيا على الاخره، فبعدا وسحقا للقوم الظالمين) (271).

الانصار باسرها الانصار باسرها قد تخلفت عن بيعه ابى بكر وقالت: لا نبايع الا عليا او قالت: منا امير ومنكم امير (272).

ابو بكر نفسه بعد ان اقيمت الحجه على ابى بكر، قال: (اقيلوا بيعتى) وقال مره: (اقيلونى بيعتى (273) فلست بخيركم وعلى فيكم) وانظر الى قوله: (انى قد وليت عليكم ولست بخيركم).

مفاعيل البيان النبوى عندما جلس النبى على فراش الموت كانت الامه كلها على علم بالبيان النبوى لعصر ما بعد النبوه، وحتى قيام الساعه، وكانت على علم بان عليا بن ابى طالب هو الامام والولى والخليفه من بعد النبى وان ابنه الحسن هو الامام من بعد ابيه على، وان الحسين هو الامام من بعد اخيه الحسن، وكانت على علم بالدور المميز لاهل بيت النبوه فى قياده الامه من بعد النبى.

وكانت على علم من عمق الارتباط والتصورات الشرعيه بين اللّه ورسوله والقرآن من جهه، وبين الولى والامام على واهل بيت النبوه من جهه اخرى.

كان من غير المتصور نجاح اى قوه بتقطيع شبكه الترابط هذه، او تعكير شاشه هذا التصور، ولم تكن تدرى ان الانقلابيين، وخصوم الامس قد دبروا امرهم بليل بهيم.

الفصل الثانى: الامامه والولايه الشرعيه‏ من بعد على بن ابى طالب

ليضفى الاسلام على منصب الامامه والولايه طابع الموسسه والاستقرار ادراكا منه لخطورتها، لم يكتف الرسول ببيان بان الامام والولى من بعده هى على بن ابى طالب، بل بين للمسلمين اسماء الائمه الاثنى عشر الى يوم الدين، فبين ان اول الائمه وولاه الامر من بعده هو على بن ابى طالب، يخلفه ابنه الامام الحسن، ويخلف الحسن اخوه الامام الحسين، ولا خلاف بين اثنين من ابناء المله بان رسول اللّه قد سمى الحسن اماما وسمى الحسين اماما خلال حياته، والجميع يرسلون هذه الحقيقه ارسال المسلمات، ثم من بعد الحسين ابنه على بن الحسين عن عبداللّه بن جعفر الطيار قال: (سمعت رسول اللّه يقول: انى اولى بالمومنين من انفسهم، ثم اخى على بن ابى طالب اولى بالمومنين من انفسهم، فاذا استشهد فابنى الحسن اولى بالمومنين من انفسهم، ثم ابنى الحسين اولى بالمومنين من انفسهم، فاذا استشهد فابنه على اولى بالمومنين من انفسهم) (274).

وفى حديث طويل ان جابر بن عبداللّه الانصارى قال: (قلت يا رسول اللّه ومن الائمه من ولد على بن ابى طالب؟ فقال الرسول: الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنه، ثم على زين العابدين، ثم الباقر...الخ) حتى يكتمل عددهم 12 اثنا عشر اماما.

وقال عبداللّه بن جابر الانصارى: لما انزل اللّه على نبيه (يا ايها الذين آمنوا اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولى الامر منكم..)«النساء/59» قلت: يا رسول اللّه، عرفنا اللّه ورسوله، فمن هم اولى الامر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟ فقال الرسول: هم خلفائى يا جابر وائمه المسلمين بعدى، اولهم على بن ابى طالب ثم الحسن، ثم الحسين، ثم على بن الحسين... الخ حتى يكتمل عددهم اثنا عشر اماما.

وعن ابن عباس قال: سمعت رسول اللّه يقول: (انا وعلى والحسن والحسين وتسعه من ولد الحسين مطهرون معصومون) (275).

وفى هذا السياق وحين حضرت الوفاه امير المومنين على بن ابى طالب كانت وصيته للامام الحسن بالنص التالى... (يا بنى انه امرنى رسول اللّه ان اوصى اليك وادفع اليك كتبى وسلامى كما اوصى الى ودفع الى كتبه وسلامه، وامرنى ان آمرك اذا حضرك الموت ان تدفعها الى اخيك الحسين، ثم اقبل على ابنه الحسين فقال وامرك رسول اللّه ان تدفعها الى ابنك هذا، ثم اخذ بيد على بن الحسين وقال وامرك رسول اللّه ان تدفعها الى ابنك محمد بن على فاقرئه من رسول اللّه ومنى السلام).

الاتفاق على عدد الائمه الامه الاسلاميه متفقه على ان عدد الائمه الشرعيين من بعد النبى اثنى عشر اماما، وان هولاء الائمه الاثنى عشرهم الصفوه (276)، هذا على صعيد اهل السنه، ولا خلاف بين اثنين من شيعه اهل بيت النبوه الصادقه حول هذا العدد، فالى هذا العدد اشارت النصوص الشرعيه، والى هذا العدد اشارت احاديث الائمه الاطهار.

الاختلاف على من هم الائمه بعد ان اجمعت الامه على ان الائمه من بعد النبى اثنى عشر اماما، وانهم هم الصفوه، اختلفت على من هم الائمه.

فالحكام وشيعتهم قالوا ان الائمه الاثنى عشر من بعد النبى هو الحكام الذين حصلوا على منصب الخلافه والولايه من بعد النبى بالقوه والتغلب او بعهد من قوى متغلب، حسب تسلسلهم الزمنى بدءا من الخلفاء الاربعه الذين عرفوا بالراشدين ومرورا بمعاويه بن ابى سفيان، وولده يزيد، ومروان بن الحكم واولاده، وعندما اكتشفت شيعه الحكام فضائع وفضائح بعض الخلفاء، وانه لا يمكن الاقتناع بان من تصدر عنهم هذه الفضائح والفضائع، صفوه، لذلك انتقوا اثنى عشر خليفه اعتقدوا بانهم الاصلح وقالوا انهم هم الاثنى عشر اماما الذين عناهم رسول اللّه، ونفوا نفيا قاطعا بان يكون احد آخر غيرهم، فهم ملتصقون بالواقع التاريخى، يتشبثون بكل شى‏ء ويحرفون كل شى‏ء عن مواضعه حتى يضفوا ستر الشرعيه والمشروعيه على ذلك الواقع التاريخى، لانهم لو سلموا بالشرعيه الالهيه لانهار الكهف على من فيه.

اما دعاه الشرعيه ائمه اهل بيت النبوه وشيعتهم المخلصون فيرون ان رسول اللّه هو الامام الاعظم وهو القدوه، وهو الاعلم والافهم بالدين، والاقرب الى اللّه، واصلح الخلق وافضلهم للقياده والامامه والولايه، وهو الموتمن على الدين والدنيا ومن هنا كان اماما لعلم اللّه اليقينى بامتلاك النبى لهذه الصفات وخليفته والامام من بعده يجب ان يكون معدا اعدادا الهيا وموهلا وممتلكا لهذه الصفات حتى يكون موتمنا على مصالح المعاد والعباد ومميزا عن غيره بها.

ومن المهازل حقا ان يكون معاويه، احد الائمه مع كل ما فعله، وان يكون ابنه يزيد المشهور بفجوره وعهره ان لم يكن بكفره احد الائمه، مع انه قد هدم الكعبه، واشرف على قتل الحسين ابن رسول اللّه واباد ذريه محمد وآله فى كربلاء، وقتل عشره آلاف صحابى يوم الحره بيوم واحد، وختم اعناق وايدى من تبقى من الصحابه امعانا باذلالهم! ومن المدهش بالفعل ان يكون مروان بن الحكم اماما مع انه الملعون وابوه وما فى صلبهما على لسان رسول اللّه!

ولكن العجب والدهشه يزولان اذا عرفنا ان وسائل الاعلام كانت مملوكه للخليفه الغالب طوال التاريخ، ومفاتيح الاموال كانت بيده، والسلطه والنفوذ رهن اشارته وهذه اسلحه فتاكه لها القدره على تصوير الاسود بلون الابيض، وقلب الابيض الى اسود، ومع الايام والتكرار، وبحكم العاده وسنن الخلفاء ونتيجه لاختلاط الاوراق، القى بروع العامه والخاصه من شيعه الحكام ان كل ما بثته وروجت له وسائل الاعلام كان صحيحا، وان الخلفاء ومن والاهم لا يكادون ينطقون الا حقا! ولم لا؟ اليس هم خلفاء الرسول! وللّه عاقبه الامور.

الائمه الشرعيون من بعد النبى اثنا عشر اماما لا خلاف بين اثنين من ابناء المله على ان الامامه تعنى القدوه، وتعنى المثال، وتعنى المسووليه والمرجعيه، فامام كل شى‏ء قيمه والمصلح له، تلك مسلمات لغويه لا مجال لانكارها.

ولا خلاف بين اثنين من ابناء المله بان الامامه تعنى شرعيا خلافه الرسول فى امور الدين والدنيا.

وقد اجمعت الامه على صحه النص الشرعى القائل (بان الائمه من بعد النبى اثنى عشر اماما.

وقد فشلت كل محاولات علماء الخلافه التاريخيه لتفصيل هذا العدد على واقع الخلافه التاريخى، لمجموعه اسباب منها ان العدد 12 لا يستغرق تاريخ الخلافه، وان الخلفاء لم يكونوا قدوه، ولا كانوا مراجع وانهم جميعا وبلا استثناء قد حصلوا على منصب الخلافه بالقوه والتغلب والقهر او بعهد من خليفه متغلب قاهر فسلطتهم جميعا اساسها الغصب والقهر، ولبعض الخلفاء اعمال تخجل الشياطين منها، ولعن بعضهم رسول اللّه، وبعضهم تجبر وهدم الكعبه وجاهر بمعاصيه وكفره، وقتل ابناء الرسول،.

الخ ومن كانت هذه صفاتهم لا يمكن عقلا ان يكونوا ائمه شرعيين! بالمعنى السامى النبيل اللائق بخلافه النبى، وتبليغ الدين وبيانه نيابه عن رسول اللّه! والمتفق مع حقيقه ان محمدا آخر الرسل وخاتم النبيين وانه ليس بعد الاسلام دين.

ويبقى بالضروره الاعتماد على اهل بيت النبوه بوصفهم احد الثقلين لمعرفه الحقائق الشرعيه المتعلقه بهذه الناحيه، لانهم ورثه العلم النبوى، ولانهم سفينه نوح، وباب حطه، ونجوم الهدى وقد اكد عمداء اهل بيت النبوه (الائمه) بان الائمه من بعد النبى اثنى عشر اماما اولهم على بن ابى طالب، والثانى عشر منهم هو المهدى عجل اللّه فرجه، وعلى الرغم من موالاه علماء دوله الخلافه للخلفاء، وعلى الرغم من ملكيه دوله الخلافه التاريخيه لوسائل الاعلام، ومفاتيح الاموال، ونفوذ السلطه، الا انهم قد اوردوا آلاف النصوص الشرعيه التى توكد صحه بيان اهل بيت النبوه لهذه الناحيه وهو بيان قائم على الجزم واليقين فالائمه الشرعيون من بعد النبى هم اثنا عشر وبالتفصيل التالى:

الامام الشرعى الاول: على بن ابى طالب (277) جاءت امامه الامام على من الاختيار الالهى، فعلى بن ابى طالب احد الخيرتين الالهيتين فقد اختار اللّه رجلين من اهل الارض فجعل اولهما نبيا ورسولا وهو محمد(ص)، وجعل ثانيهما وصيا واماما ووليا وخليفه للمسلمين من بعد النبى.

وجاءت امامه الامام على من البيان النبوى للمسلمين طوال عهد النبوه بمرحلتى الدعوه والدوله، ومن المستحيل عقلا ان ينفرد الرسول بقرار تعيين خليفته والامام والولى من بعده، او لا يصحح هذا القرار او يصادق عليه بالوقت الذى كان فيه الوحى الامين يرافق الرسول كظله! وقد تدخل الوحى بامور اقل اهميه فنظم الصيد، ونظم السفر، كما تدخل الوحى بامور شخصيه جدا، فكشف زوجتى الرسول اللتين تظاهرتا عليه وحتى ان زواج ابنته الزهراء تم بامر من اللّه، وتدخل الوحى حتى فى اسماء اولاد النبى، فاللّه تعالى هو الذى سمى الحسن والحسين، فهل بعد هذا يعقل ان يعين النبى خليفته من تلقاء نفسه وبدون الموافقه الالهيه؟ وهل يعقل ان تصدر عن النبى مئات النصوص المتعلقه بالامامه والولايه والخلافه من بعده بدون الموافقه الالهيه؟ بل وهل يعقل ان يتوج رسول اللّه عليا بن ابى طالب فى غدير خم وليا واماما للمومنين من بعده وامام مائه الف مسلم، وان يتلقى الامام على بن ابى طالب التهانى بدون علم اللّه وموافقته ورضاه؟ وكيف نوفق بين مئات النصوص التى تتضمن ولايه على وامامته وخلافته للنبى وبين قوله تعالى: (ان اتبع الا ما يوحى الى) «الانعامر50»!! كل هذا يوكد بان اللّه تعالى الذى اختار محمدا للنبوه والرساله والامامه قد اختار عليا ى‏ى‏ى‏ى‏بن ابى طالب للامامه والولايه والخلافه من بعد النبى ورتب امور قياده الامه حتى قيام الساعه، وامر اللّه الرسول ان يصدع بما يومر، وان يبين للناس ما اوحى من ربهم ومن هنا جاءت امامه الامام على من اختيار اللّه تعالى له، ومن بيان الرسول لهذا الاختيار الالهى، ومن الموهلات الفريده التى كانت تتوفر بالامام على ولم تتوفر باقرانه، فقد اعلن رسول اللّه ان وصيه، وخليفته من بعده هو على بن ابى طالب. وقياما بواجب البيان اعلن رسول اللّه ان عليا بن ابى طالب هو الامام وهو القائد وهو سيد المسلمين ولم يكتف الرسول بذلك انما بين للمسلمين ان عليا بن ابى طالب هو ولى المسلمين من بعده، وهو ولى كل مسلم ومسلمه، ومن لم يقبل بولايه على بن ابى طالب فليس بمومن، وان ولايه على كولايه الرسول وولايه الرسول كولايه اللّه، (وان طاعه على كطاعه الرسول وطاعه الرسول كطاعه اللّه، ومعصيه على كمعصيه الرسول، ومعصيه الرسول معصيه للّه) (278) وحتى لا تنسى الامه ذلك جمع الناس بعد حجه الوداع وفى مكان يدعى غدير خم، واعلن امامه على بن ابى طالب وولايته من بعد النبى، وطلب من المسلمين ان يقدموا له التهانى بالامامه والولايه واستجاب المسلمون له ومن جمله الذين قدموا التهانى ابو بكر وعمر وعثمان وسعد بن ابى وقاص، وعبد الرحمن بن عوف وابو عبيده وطلحه والزبير ومعاويه وعمرو بن العاص وخالد بن الوليد، واسيد بن حضير واركان السقيفه فى ما بعد (279).

وليغلق الرسول دائره الخلاف، وليضع الامه امام الحقيقه اعلن بانه لا احد فى الدنيا يودى عن الرسول الا الرسول بالذات او رجل منه وعلى بن ابى طالب هو الوحيد الذى يودى عنه (280).

ولقد لقن رسول اللّه هذا الاعلان لابى بكر تلقينا كى لا ينساه، فقد ارسله الرسول اميرا على الحج وطلب منه ان يبلغ سوره براءه، وما ان سار ابو بكر حتى هبط جبريل بامر من ربه وطلب من رسول اللّه ان يلحق عليا بابى بكر لياخذ منه سوره براءه ويبلغها للناس، لان ابا بكر او غيره لا يودون عن النبى.

وبالفعل لحق على بابى بكر واخذ منه سوره براءه وبلغها للناس نيابه عن الرسول، ولما عاد ابو بكر سال رسول اللّه عن اسباب اخذ السوره منه فاخبره رسول اللّه ان جبريل قد نزل عليه وامره بما فعل، اذ لا احد فى الدنيا يودى عن رسول اللّه الا الرسول نفسه او رجل منه، فكانت موعظه خاصه لابى بكر وتلقين محدد له لو وعاه لتغير مجرى التاريخ، وواقعه اخذ سوره براءه من ابى بكر حقيقه اجمعت الامه على صحه حدوثها.

وهكذا اعلن رسول اللّه امامه وخلافه على بن ابى طالب له بكل وسائل الاعلان، وبكل الالفاظ والمصطلحات التى تدل على منصب الامامه او القياده او الولايه من بعد النبى، ومن المحال ان تتم هذه الاعلانات بدون علم اللّه او رضاه، او موافقته.

ى‏ى‏ى‏ى‏ولم ينطلق هذا الاختيار الالهى من فراغ، فعلى بن ابى طالب هو ابن عم النبى الشقيق، وقد تربى رسول اللّه فى بيت عمه ابى طالب وبقى عنده حتى تزوج رسول اللّه، وبعد فتره من ولاده على بن ابى طالب كفل رسول اللّه ابن عمه على ورباه وبقى على فى بيت رسول اللّه حتى تزوج ابنته الزهراء، وبعد زواجه المبارك بقى مقيما هو وزوجته فى بيت رسول اللّه حتى فرق الموت بينه وبين رسول اللّه مما يعنى ان عليا كان اقدم اتباع النبى والصقهم به، واقربهم اليه، فقد ضمه النبى ورباه كابن له، واعده اعدادا خاصا ليخلفه، وزقه بالعلم زقا ليكون بجداره الاعلم والافهم والاقدر ولما بلغ على اشده زوجه الرسول ابنته الزهراء، فكان على للرسول بمثابه ابن العم الشقيق، والابن والاخ والصاحب والصديق والوزير، يتبع رسول اللّه اتباع الفصيل لاثر امه ويرفع له الرسول يوميا من سمو اخلاقه، ويغدق عليه من ينابيع علمه اللدنى.