ولو تغاضينا عما ورد من تفسير اية الذكر في أهل البيت فلا يمكن أن تنطبق إلا عليهم فالافتراض هنا أن يتأرجح معنى أهل الذكر بين علماء الأمة وأئمة آل البيت، ولا يجوز الأول لأن علماء الأمة مختلفون إلى مذاهب أربعة ظاهرية وسلفية وماتريديه وو... فهل يأمرنا الله بسؤال المختلفين؟! الحق لا يعقل هذا لأن الله ذم الاختلاف والفرقة في قرآنه كما بينا سابقا وأئمة آل البيت متفقون لا اختلاف بينهم، فتصدق الآية عليهم! ولو افترضنا أن أهل الذكر هم علماء الأمة، فيدخل أئمة آل البيت معهم لأنهم سادة العلماء.
اذن ثبت الامر الالهي بوجوب السؤال (فاسالوا اهل الذكر) من اهل البيت.
الدليل الثامن الامر بالكون مع اهل البيت (ع)
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)(1)
أخرج الثعلبي وموفق بن أحمد الخوارزمي أخرجاه عن أبي صالح عن ابن عباس الحديث وروى ابن مسعود وجابر والبراء وأنس وأم سلمة رضي الله عنهم قالوا: نزلت في الخمسة من أهل العباء(2).
وروى نزولها فيهم عليم السلام عدة من أعلام القوم عن ابن عباس وغيره قال ابن عباس رض في هذا الآية: اتقوا الله وكونوا مع الصادقين: مع علي بن أبي طالب وأصحابه(3). قال سبط الجوزي: (وقال علماء السير معناه كونوا مع علي عليه السلام وأهل بيته، قال ابن عباس: علي عليه السلام سيد الصادقي(4).
وروى عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن جابر الجعفي عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالى: كونوا مع الصادقين أي مع محمد وآل محمد. ورواه أيضا الثعلبي في تفسيره. وروى عن أنس بن مالك عن النافع عن ابن عمر في قوله تعالى: كونوا مع الصادقين أي محمد وأهل بيته. العلامة أخطب خوارزم في فضائل علي(5).
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: اتقوا الله وكونوا مع الصادقين قال مع علي بن أبي طالب.و أخرج ابن عساكر عن أبي جعفر في قوله: وكونوا مع الصادقين،
____________
1- التوبة: 119.
2- الثعلبي في تفسيره ص 219 مخطوط.
3- العلامة الگنجي في (كفاية الطالب) ص 111 ط الغري.
4- سبط ابن الجوزي في (التذكرة) ص16وص 20 ط النجف.
5- كما في كفاية الخصام ص 347 ط طهران)ونحوه في الدرر المنثور ,العلامة السيوطي: ج 3 ص 290 ط مصر. وكفالة الطالب للكنجي ص236و ترجمة الامام علي لابن عساكر ج2\421ح23وشواهد التنزيل للحسكاني ج1\259ح350-356والصواعق المحرقة ص150.
وفي فرائد السمطين وغيرها ما مضمونه ان الامام علي (ع) احتج على الصحابة وانشدهم بالله انها فيه قالوا نعم(2).
وأخرج موفق بن أحمد الخوارزمي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: الصادقون في هذه الآية محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته. وأخرجه أبو نعيم الحافظ والحمويني أخرجاه عن ابن عباس. وأخرجه أبو نعيم أيضا وصاحب المناقب عن الباقر والرضا رضي الله عنهما قالا: الصادقون هم الأئمة من أهل البيت.
واذا قيل ان المراد من قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله أمر لهم بالتقوى وهذا الأمر إنما يتناول من يصح منه أن لا يكون متقيا، وإنما يكون كذلك لو كان جايز الخطاء فكانت الآية داله على أن من كان جايز الخطاء وجب كونه مقتديا بمن كان واجب العصمة وهم الذين حكم الله تعالى بكونهم صادقين وترتب الحكم في هذا يدل على أنه إنما وجب على جايز الخطاء كونه مقتديا به ليكون مانعا لجايز الخطاء وهذا المعنى قائم في جميع الأزمان فوجب حصوله على كل الأزمان كما قال به الشيعة, فالمراد بالصادقين المعصومين الذين لا يخلو زمان التكليف عن واحد منهم، كما ذهب إليه الشيعة الإمامية لا الاجماع الذي قاله أهل السنة اذ يقولوا ان الامة معصومة لا تجتمع على ضلال بل لا تجتمع على حق ايضا فلابد في كل زمن من حق وباطل وهدى وضلال والثقلين والسفينة هم الامان وهم علامة النجاة.
وإذا كانت الآية دالة على العصمة بطل حمل (الصادقين)فيها على مطلق المهاجرين والأنصار، أو خصوص الثلاثة الذين تخلفوا، أو خصوص أبي بكر وعمر، لعدم عصمة هؤلاء بالإجماع. ومن هنا يظهر، أن لا علاقة للآية بالثلاثة الذين تخلفوا في غزوة تبوك، وإنما جاءت بعد ذكر قصتهم وتوبة الله عليهم.
____________
1- مناقب مرتضوي ص 42 و53ط بمبئي بمطبعة محمدي. وانحوه في تفسير الشوكاني: ج 2 ص 395 ط مصطفى الحلبي بمصر و العلامة الآلوسي في (روح المعاني) ج 11 ص 41 ط المنيرية بمصر , والشيخ سليمان القندوزي في (ينابيع المودة) (ص 119 ط اسلامبول).
2- فرائد السمطين: 1\312ح250.
إذن الآية المباركة لا علاقة لها بالمتخلفين، وليسوا المقصودين من (الصادقين). ثم تعرض لدلالة الآية على العصمة في المسألة الأولى من مسائلها فقال: " وفي الآية مسائل: المسألة الأولى: إنه تعالى أمر المؤمنين بالكون مع الصادقين، ومتى وجب الكون مع الصادقين فلا بد من وجود الصادقين في كل وقت، وذلك يمنع من إطباق الكل على الباطل، ومتى امتنع إطباق الكل على الباطل، وجب إذا أطبقوا على شئ أن يكونوا محقين فهذا يدل على أن إجماع الأمة حجة(1)". فاعترف الفخر الرازي هنا بدلالة الآية على وجود الصادقين في كل وقت، وبدلالة الآية على العصمة إلا أنه نزلها على الأمة فقال بعصمة الأمة!!! فهل قد اجمعت الامة على راي منذ صعود ابي بكر منبر النبي ص؟؟؟ ام انها نشات الاختلافات منذ ذلك اليوم كما في التاريخ فكيف تكون معصومة؟؟؟!!!!؟؟؟
ومحاولة الفخر الرازي إبطال هذا الاستدلال بالاجتهاد مقابل النص انما هو كاجتهادات عمر ومن شاكله امام النص من القران الكريم والسنه النبوية الشريفة, ولم يعلموا ان الاجتهاد لا يكون في الامور التي فيها نص وقد اثبته التاريخ واوردته الصحاح والمسانيد واجمع عليه شيعة ال محمد صلوات الله عليهم.
وهل يكون عجيب او غريب ان يوصي الرسول (ص) بان يكون الناس مع اهل بيته ويصفهم بالصادقين؟؟!! سواء الامام علي ع او الحسنين السبطين الائمة من بعدهما؟؟؟!!! فان ذلك قليل بحقهم اذ هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى و... وقد بين لنا ذلك
____________
1- التفسير الكبير 16 / 220 - 221.
وروي ان الرسول ص أخذ بيد حسن وحسين وقال: من أحبني وأحب هذين، وأباهما، وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة(3). وروى الحاكم عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله ومعه الحسن والحسين، هذا على عاتقه وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة، حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله إنك تحبهما؟ فقال: نعم، من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني(4). والطبراني في الكبير: عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال: من أحب الحسن والحسين، فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني(5). وفي الكبير ايضا: عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين: " من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغى عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله عذاب جهنم، وله عذاب مقيم"(6).
وفي سنن ابن ماجة: عن عبد الله قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلما رآهم النبي صلى الله عليه
____________
1- روى الحمويني في فرائد السمطين (مخطوط) عنه إحقاق الحق: 5 / 56 بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قوله ضمن حديث (الحسن والحسين إماما أمتي بعد أبيها، وسيدا شباب أهل الجنة).
2- الصواعق المحرقة لابن حجر ص 142 و 185 ط المحمدية وص 85 و 112 ط الميمنية بمصر، الإصابة لابن حجر العسقلاني ج 4 / 378، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 229 و 294 و 309 ط اسلامبول، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 232 و 239، مصابيح السنة للبغوي الشافعي ج 2 / 280، مشكاة المصابيح للعمري ج 3 ص 258، ذخائر العقبى للطبري الشافعي ص 23، الرياض النضرة لمحب الدين الطبري الشافعي ج 2 ص وغيرها 249.
3- رواه الترمذي ج4 331 وقال: حديث حسن , مسند أحمد ج 1 ص 77، سنن الترمذي ج 5 ص 599 ح 3733، تاريخ بغداد ج 13 ص 288، كنز العمال ج 13 ص 639 ح 37613.
4- المستدرك 3 / 166 ورواه أحمد في مسنده: 2 / 531، وأبو يعلى في مسنده: 5 / 449. وقد صححه الحاكم والذهبي.
5- الطبراني في الكبير: 3 / 47 ورواه ابن ماجة: 1 / 51 في باب: فضل الحسن والحسين.
6- مستدرك الحاكم في: 3 / 166، وفردوس الأخبار: 4 / 336، وتاريخ بغداد: 13 / 32.
____________
1- سنن ابن ماجة: 2 / 1366 ورواه ابن أبي شيبة ج 15 ص 235 والبيهقي في الدلائل ج 6 ص 515 والحاكم في المستدرك: 4 / 464 والطبراني في الكبير: 10 / 104 و 108 ونحوه في فردوس الأخبار: 5 ص 499 والدولابي في الكنى: 2 / 26 وابن أبي عاصم في السنة: 2 / 619.
2- الكبيرللطبراني: 4 / 192، ومجمع الزوائد: 9 / 194.
3- الطبراني الكبير: 25 / 23 ورواه أحمد: 6 / 339، ومجمع الزوائد: 9 / 34.
4- راجع: تفسير الرازي: 25 / 35 , وفرائد السمطين للحمويني ج 2 / 98 ح 409 و 410 و 428، ترجمة الإمام الحسين من تاريخ دمشق لابن عساكر ص 45 ح 66 - 71، المستدرك للحاكم ج 3 / 167، فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 3 / 215، الفتح الكبير للنبهاني ج 2 / 80، مقتل الحسين للخوارزمي ج 1 / 92، ترجمة الإمام الحسن من تاريخ دمشق لابن عساكر ص 79 ح 138 و 139 و 140 و 141 و 142 و 143 ط بيروت بتحقيق المحمودي، أخبار إصبهان ج 2 / 343، المسند لأحمد ج 3 / 62 و 82 ط 1، الإصابة ج 1 / 255، المعيار والموازنة ص 206 و 151 ط بيروت، الخصائص للنسائي ص 118 ط الحيدرية، كنز العمال ج 6 / 221 ط 1، أسنى المطالب في أحاديث مختلف المراتب للحوت ص 132 ح 589 ط بيروت، ذخائر العقبى ص 92 و 129، الجامع الصغير ح 3822، صحيح الجامع الصغير للألباني ح 3177، الأحاديث الصحيحة للألباني ح 976، المقاصد الحسنة للسخاوي ح 407، تمييز الطيب من الخبيث للشيباني ح 532، كشف الخفا للعجلوني ح 1139، سنن ابن ماجة ح 108، حلية الأولياء ج 5 / 58 و 71 و ج 4 / 139 و 140، الدرر المتناثرة للسيوطي ح 187، تاريخ بغداد للخطيب ج 2 / 185 و ج 4 / 207 و ج 6 / 132 و ج 9 / 232 و ج 11 / 90، الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 / 376، نزل الأبرار للبدخشاني ص 93 عن عدة من الرواة.
5- أخرجه البخاري في التاريخ الكبير 8: 415 / 3536، والترمذي 5: 658 / 3775، وابن ماجة 1: 51 / 144، وأحمد في المسند 4: 4 / 172، والبغوي في مصابيح السنة 4: 195 / 4833، والحاكم في المستدرك 3: 177).
لما قتل الحسين مكث الناس سبعة أيام إذا صلوا العصر نظروا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنها الملاحف المعصفرة، والكواكب كأنها تضرب بعضها ببعض "(4).
لما قتل الحسين عليه السلام مكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنما لطخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس(5)". لما قتل الحسين صار الورس الذي في العسكر رمادا، ونحروا ناقة فكانوا يرون في لحمها المرار(6)". اظلمت الدنيا ثلاثة أيام بعد قتل الحسين، ثم ظهرت هذه الحمرة في السماء، ولم يمس أحد من زعفران قوم الحسين شيئا فجعله على
____________
1- مقتل الحسين 2 / 89، ذخائر العقبى: 144، تاريخ دمشق، الصواعق المحرقة: 116، الخصائص الكبرى: 126، ينابيع المودة: 220، ومصادر أخرى كثيرة.
2- ذخائر العقبى: 144، تاريخ دمشق لابن عساكر، الصواعق: 192 14.
3- المعجم الكبير للطبراني، مجمع الزوائد: 9 / 196، الخصائص الكبرى: 2 / 127. 15.
4- المعجم الكبير، مجمع الزوائد: 9 / 197، تاريخ الإسلام: 2 / 348، سير أعلام النبلاء: 3 / 210، تاريخ الخلفاء: 80. 16.
5- تذكرة الخواص: 284، الكامل في التاريخ: 3 / 301، البداية والنهاية: 8 / 171. 17.
6- مقتل الحسين 2 / 90، تاريخ الإسلام: 2 / 348، سير أعلام النبلاء: 3 / 311، تهذيب التهذيب: 2 / 353، المحاسن والمساوي: 62، تاريخ الخلفاء: 80 - 18.
نعم هذه قطرة من مطرة في فضل اهل البيت(6) ع فان وصية الرسول للاخذ عنهم والكون معهم ووصفهم بالصادقين كما في الاية الشريفة من البديهيات لمن ادرك مقامعم عند الله ورسوله ص.
____________
1- تذكرة الخواص: 283، الصواعق: 192، نظم درر السمطين: 220. 19.
2- تاريخ دمشق لابن عساكر، كفاية الطالب: 289، سير أعلام النبلاء: 3 / 210، تذكرة الخواص: 283، الصواعق: 193. 20.
3- المعجم الكبير للطبراني، كفاية الطالب: 296، مقتل الحسين: 2 / 89، نظم درر السمطين: 220، مجمع الزوائد: 9 / 197. 21.
4- الصواعق المحرقة: 192، تذكرة الخواص: 284، نظم درر السمطين: 220، ينابيع المودة، 356، تاريخ الإسلام: 2 / 349، كفاية الطالب: 295. 22.
5- المعجم الكبير للطبراني، ذخائر العقبى: 145. 23 ونحوه في المعجم الكبير للطبراني، تهذيب التهذيب: 2 / 353، كفاية الطالب: 296، تاريخ الإسلام: 2 / 348، سير أعلام النبلاء: 3 / 212، العقد الفريد: 2 / 220، الخصائص الكبرى: 2 / 126. 24.
6- انني في هذا البحث لم اتطرق كثير للا ئمة من بعد الحسين ع الى الامام الحجة (عج) لاني قد كتبت عنهم في كتابي (وعرفت منهم اهل البيت ع) وتطرقت لعقائد الشيعة بشكل اوسع فراجع.
الدليل التاسع الامر الالهي بتبليغ الولاية:
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ"(1).
أخرج أحمد بن حنبل بسند صحيح عن زيد بن أرقم قال: نزلنا مع رسول الله ص بواد يقال له: وادي خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير، قال: فخطبنا، وظلل لرسول الله (ص) بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فقال رسول الله: ألستم تعلمون؟ ألستم تشهدون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فمن كنت مولاه فإن عليا مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه(2). والاية القرانية تقول: " النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِم ْ(3)" فهذه الولاية التي للنبي ص هي لعلي ع بحكم النص الشريف (من كنت مولاهفعلي مولاه) لانه ص يعلم ان الله قد خاطب الناس بان النبي اولى بهم من انفسهم والنبي ص جعل هذه الولاية لعلي ع بدون استثناء شي من الولاية التي للنبي ص فلو كان هناك استثناء من ولاية النبي لوضحة النبي لانه يعلم بولايته المطلقة للناس ولكنه لم يستثني شي منهابل سال الناس هل هو اولى بهم من انفسهم فلما قالوا نعم اثبت لهم ان علي مولى لمن والى رسول الله ص بدون استثناء شي من معاني الولاية المطلقة للنبي التي هي بمعنى انه اولى بهم من انفسهم. وأخرج النسائي بسند صحيح عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال: لما رجع رسول الله ص من حجة الوداع ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن - أي فكنسن - ثم قال: كأني قد دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن،
____________
1- المائدة: 67.
2- مسند أحمد 5 / 501 رقم 18838 - دار إحياء التراث العربي - بيروت - 1414.
3- الأحزاب: 6.
ان هناك قاعدة في علم الحديث يعبرون عنها بقاعدة الحديث يفسر بعضه بعضا، إن الحديث كالقرآن يفسر بعضه بعضا، ونحن في هذين اللفظين المذكورين المرويين بسندين صحيحين، نرى أحدهما يقول: من كنت مولاه فإن عليا مولاه، والآخر يقول: من كنت وليه فهذا وليه، فلو كان هناك إبهام في معنى كلمة المولى ومجئ هذه الكلمة بمعنى الولي، ومجئ هذه الكلمة بمعنى الأولى، لو كان هناك إبهام، فإن اللفظ الثاني يفسر اللفظ الأول. وكم من شواهد من هذا القبيل عندنا في الحديث الصحيحة سندا تأتي مفسرة للفظ المولى ومسلم بن الحجاج يروي هذا الحديث في صحيحه إلى حد حديث الثقلين، وذلك لأنه كان عندنا في لفظ النسائي أنه قال: كأني دعيت فأجبت وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي إلى آخر هذا الحديث، ثم قال: إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن إلخ(2).
في الاخير مسلم اكرم من البخاري ولو انه لم ياتي بالحديث كاملا لأن البخاري لم يرو منه شيئا أبدا وقد يكون السبب هو الجهود التي بذلت في سبيل إثبات محو هذا الحديث في زمن منع تدوين الحديث ومع تداول الحكم الاموي فالعباسي فالسلفي فالوهابي, ولكن حديث الغدير لا يمكن ان تؤثر فيه هذه الايدي التي تداولته لانه قد نزلت فيه، آيات من القرآن الكريم، آية قبل خطبة الغدير هي قوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ...الخ ونزلت آية بعد خطبة الغدير هي قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) وقوله تعالى: (سأل سائل بعذاب واقع..الخ.
____________
1- فضائل الصحابة: 15 رقم 45 - دار الكتب العلمية - بيروت. خصائص أمير المؤمنين ع: 96 رقم 79 - مكتبة المعلا - الكويت - 1406 هـ.
2- خصائص أمير المؤمنين: 93، ط الغري.
والأسانيد التي نروي بها حديث الغدير لا تحصى كثرة، وهي فوق حد التواتر، والمؤلفين في حديث الغدير من كبار العلماء السابقين والكتب المختصة بجمع الأحاديث المتواترة قد ادرجت هذا الحديث من ضمنها كالسيوطي أكثر من كتاب ألفه في الأحاديث المتواترة وأدرج فيها حديث
____________
1- الحافظ أبو عبيد الهروي المتوفى بمكة 223، في تفسيره (غريب القرآن) و أبو بكر النقاش الموصلي البغدادي المتوفى 351، في تفسيره و أبو إسحاق الثعلبي النيسابوري المتوفى 427، في تفسيره (الكشف والبيان) و الحاكم أبو القاسم الحسكاني في كتاب (أداء حق الموالاة) و أبو بكر يحيى القرطبي المتوفى 567، في تفسيره و شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 في تذكرته, و أبو السعود العمادي المتوفى 982، قال في تفسيره 8 / 292 لفظ سبط ابن الجوزي وشمس الدين الحفني الشافعي المتوفى 1181، قال في شرح الجامع الصغير للسيوطي: 2 / 387، في شرح قوله صلى الله عليه وآله: فعلي مولاه.
ولقد احتج الامام علي ع بحديث الغدير: في مسجد الكوفة عندما خطب بالناس قائلا: " أنشد الله من سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، لما قام فشهد. فقام اثنا عشر بدريا فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم: " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجي أمهاتهم؟. فقلنا: بلى يا رسول الله. قال: " فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
وكتم الشهادة بعض الصحابة فدعا عليهم فأصابتهم دعوته عندما ناشدهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بحديث الغدير فأبى أن يشهد، وكتم الشهادة، وكتمان الشهادة ذنب كبير من كبائر المعاصي، حتى أن أمير المؤمنين دعا عليه، وابتلي بالبرص ومنهم مالك بن انس(3)". فماذا أراد من من مناشدتهم؟ هل أراد بيان نصرته ومحبته للمسلمين؟! لا وربي ليس ذلك هو الأمر، بل إنه أمر أكبر من ذلك، فما طلب شهادتهم إلا ليؤكد حقه في الخلافة، وما أصابت منكري الشهادة دعوته إلا لإنكارهم لأمر عظيم.
نعم قد نقص بعضهم في الفاظه وبعضهم لم ينقله ولكن الحديث يفسر بعضه بعضا اذ اغلب كتب القوم اوردته وكبار علمائهم ومحدثيهم عبر القرون المختلفة والسبب الرئيسي في عدم نقله او نقصه هو الخوف من حكام الجور كما تبينه لنا الروايات فمثلا: يقول
____________
1- البداية والنهاية 5 / 213 , أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب: 3 - 4.
2- محمد بن إسحاق، صاحب السيرة و محمد بن إدريس الشافعي، إمام الشافعية و عبد الرزاق بن همام الصنعاني، شيخ البخاري و أحمد بن حنبل، إمام الحنابلة، صاحب المسند وابن ماجة القزويني، صاحب أحد الصحاح الستة والترمذي، صاحب الصحيح و أبو بكر البزار، صاحب المسند و النسائي، صاحب الصحيح ومحمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ و تفسير البيضاوي الزبيدي، صاحب تاج العروس وغيرهم كثير.
3- راجع مسند أحمد: 1 / 119. مجمع الزوائد، الهيثمي: 9 / 11 وقال: اسناده حسن.
هذا الحديث الوارد في المسند عن زيد بن أرقم لو قارناه مع الحديث الذي قرأناه في أول البحث عن زيد بن أرقم، إنه لم يرو هنا هذه القطعة في ذيل الحديث، لكن هناك قال: نزلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بواد يقال له غدير خم... إلخ قال: فمن كنت مولاه، فإن عليا مولاه، اللهم عاد من عاداه ووال من والاه. وهذا أيضا في المسند فأحمد يروي الحديثين في أحدهما لا يذكر زيد بن أرقم هذه القطعة الأخيرة من الحديث لهذا الشخص، لكن هناك للشخص الآخر يروي هذه الجملة أيضا, وهناك نص اخر عن المعجم الكبير للطبراني أن زيد بن أرقم يروي هذه القطعة أيضا لذلك الراوي الآخر يقول الراوي أيضا: قلت لسعد بن أبي وقاص: إني أريد أن أسألك عن شئ، وإني اتقك.قال: سل عما بدا لك فإنما أنا عمك، قال: قلت مقام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيكم يوم غدير خم، فجعل سعد يحدثه بالحديث(3).
وقول الراوي: وإني أتقيك) يعني ان الظروف المحيطة بقضية حديث الغديرمخيفة إلى حد استعمال التقية, بل ان يحلفوا الصحابي هل سمع كما قال الراوي عندما وقف شخص على حلقة فيها زيد بن أرقم قال: أفي القوم زيد؟ قالوا: نعم هذا زيد، فقال:
____________
1- مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي: 16.
2- مسند أحمد 4 / 368 و 372.