الصفحة 104

أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو يا زيد، أسمعت رسول الله يقول لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: نعم، فانصرف الرجل(1). اذن هذا الحديث قد بلغ حد التواتر وصار قطعي الصدور من الرسول رغم ما بذل في سبيل عدم تدوينه والتحدث به لان الله متم نوره ولو كره الكارهون, وصار بمنزلة اية كما قد نص الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب كتاب التحفة الاثنا عشرية بقوله: (إن الحديث إذا وصل حد التواتر وأصبح قطعي الصدور عن رسول الله كان بمنزلة آية قرآنية، فكما أن القرآن الكريم مقطوع الصدور من الله سبحانه وتعالى، ولا ريب في أن هذا القرآن مقطوع الصدور من الله سبحانه وتعالى، ولا ريب في هذا القرآن وفي ألفاظه ووصول القرآن الكريم إلينا بالتواتر القطعي، فكل حديث يروى عن رسول الله ويصل إلينا بأسانيد تفيد القطع واليقين يكون هذا الحديث بحكم الآية القرآنية وبمثابة القرآن الكريم)(2).

إذن أصبح قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): من كنت مولاه فهذا علي مولاه.. بمثابة آية في القرآن الكريم من حيث أنه مقطوع الصدور عن رسول الله (ص).

دلالة حديث الغدير على إمامة أمير المؤمنين ع:

يتلخص في أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن أخذ منهم الإقرار وأشهدهم على أنه أولى بهم من أنفسهم وو...أثبت (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي ما ثبت له من الأولوية بالناس من الناس سواء امارة او غيرها المهم ان في كل الروايات انه جعل للامام من الامر ما له صلى الله عليه واله، ثم إنهم جميعا بايعوه على هذا وسلموا عليه بإمرة المؤمنين، وهنأوه ومنهم عمر وابي بكر وقال عمر بن الخطاب لعلي يوم الغدير: " بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم(3)". ونظمت فيه الأشعار

____________

1- المعجم الكبير للطبراني.

2- هذا الكتاب الذي طبع مختصره بالعربية بقلم الآلوسي البغدادي، ونشره بعض أعداء الدين مع تعاليق شحنها بالسباب والشتائم وبالشحناء والبغضاء لأهل البيت ولشيعتهم.

3- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 2 / 75 ح 575، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي الشافعي ص 18 ح 24، المناقب للخوارزمي الحنفي ص 94، تاريخ بغداد للخطيب

=>


الصفحة 105
كالشاعر المعروف حسان بن ثابت الذي استاذن الرسول ص بعد اتمام الولاية فاذن له الرسول ص فقال:

يناديهم يوم الغدير نبيهم *** بخم وأسمع بالنبي مناديا
وقد جاءه جبريل عن أمر ربه *** بأنك معصوم فلا تك وانيا
وبلغهم ما أنزل الله ربهم إليك *** ولا تخش هناك الأعاديا
فقام به إذ ذاك رافع كفه *** بكف علي معلن الصوت عاليا
فقال: فمن مولاكم ووليكم؟ *** فقال ولم يبدوا هناك تعاميا:
إلهك مولانا وأنت ولينا *** ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا
فقال له: قم يا علي؟ فإنني *** رضيتك من بعدي إماما وهاديا
فمن كنت مولاه فهذا وليه *** فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم؟ وال وليه *** وكن للذي عادى عليا معاديا
فيا رب؟ انصر ناصريه لنصرهم *** إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا

وقال الكميت:

ويوم الدوح دوح غدير خم *** أبان له الولاية لو أطيعا
ولكن الرجال تدافعوها *** فلم أر مثلها خطرا منيعا

وقال أبو تمام في قصيدته الرائية كما في ديوانه:

ويوم الغدير استوضح الحق أهله *** بفيحاء ما فيها حجاب ولا ستر
أقام رسول الله يدعوهم بها *** ليقربهم عرف وينآهم ،نكر
يمد بضبيعه ويعلم أنه *** ولي ومولاكم فهل لكم خبر

وقال السيد الحميري في ذلك أيضا:

____________

<=

البغدادي ج 8 / 290، شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني الحنفي ج 1 / 158 ح 213، سر العالمين لأبي حامد الغزالي ص 21، إحقاق الحق ج 6 / 256، فرائد السمطين ج 1 / 77.

الصفحة 106

قام النبي يوم خم خاطبا *** بجانب الدوحات أو حيالها
فقال: من كنت له مولى فذا *** مولاه ربي اشهد مرارا قاله(1)

شبهه ورد:

يقول الشيخ عبد العزيز الدهلوي صاحب كتاب التحفة الاثنا عشرية: بأن لفظة مولى لا تجئ بمعنى الأولى بإجماع أهل اللغة.

الجواب:

أولا: الآية الكريمة الموجودة في سورة الحديد في القرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة الموجودة حتى في الصحيحين دالة على مجئ كلمة المولى بمعنى الأولى، وقد ذكر الكثير من كبار علماء اللغة والتفسير والأدب من أهل السنة الذين يصرحون وينصون على مجئ مولى بمعنى الأولى وهم كثير جدا فراجع(2).

وأيضا بعض المحدثين والمعلقين من كبار العلماء والمدرسين في تعاليقهم على تفسير البيضاوي. فنفس كلمة المولى موجودة فيه وقد فسرت بالأولى، في سورة الحديد قوله تعالى: (هي مولاكم) أي النار (وبئس المصير)(3). يفسرون الكلمة ب: هي أولى بكم وبئس المصير.والأحاديث أيضا كثيرة، والأشعار العربية الفصيحة وكلمات اللغويين أ موجودة(4).

____________

1- راجع: الغدير للعلامة الأميني ففقد ذكر الشعراء الذين خلدوا واقعة الغدير في شعرهم ابتداء من القرن الأول حتى القرن الرابع عشر، وقد طبع منه أحد عشر مجلدا وقد ذكر فيه - 105 - من شعراء الغدير وقد انتهى به المطاف إلى القرن الثاني عشر الهجري.

2- أبو زيد الأنصاري، اللغوي المعروف وأبو عبيدة البصري معمر بن المثنى وأبو الحسن الأخفش و أبو العباس ثعلب وأبو العباس المبرد وأبو إسحاق الزجاج وأبو بكر ابن الأنباريوأبو النصر الجوهري، صاحب كتاب صحاح اللغة وجار الله الزمخشري، صاحب الكشاف والحسين البغوي، صاحب التفسير وصاحب مصابيح السنة وأبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي.والبيضاوي، صاحب التفسير المعروف والنسفي، صاحب التفسير المعروف وأبو السعود العمادي، صاحب التفسير المعروف.

3- سورة الحديد: 15.

4- راجع كتاب عبقات الأنوار، ونفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار - في قسم حديث الغدير_ وغيرها.

الصفحة 107
ثانيا: قد لا نستدل بالحديث المشتمل على لفظ المولى، ونستدل بالأحاديث الأخرى التي جاءت بلفظ الولي والأمير ونحو ذلك من الألفاظ اذ الحديث يفسر بعضه بعضا، فالألفاظ الأخرى رافعة للإبهام المدعى وجوده في هذا اللفظ,وكثير ما كرر رسول الله ص الولاية للامام علي ع كما في الصحاح وغيرها من كتب القوم فعن ابن عباس قال: قال رسول الله ص: "أنت ولي كل مؤمن بعدي وهذا لفظ أبي داود الطيالسي في مسنده)(1). أو أنت وليي في كل مؤمن بعدي"(2).

فرسول الله يخاطب عليا بمثل هذا الخطاب: أنت ولي كل مؤمن بعدي ومؤمنة، أو أنت ولي كل مؤمن من بعدي، أو أنت وليي في كل مؤمن بعدي. ووجود كلمة بعدي في جميع الألفاظ الثلاثة,ٍٍٍٍٍٍ.

وعن عمران وبريدة: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): علي مني وأنا من علي وعلي ولي كل مؤمن بعدي.

والرواة لهذا الحديث الصحابة وأعلام المحدثين وأشهر الأئمة الحفاظ من أهل السنة في القرون المختلفة، الذين يروون هذا الحديث، والسندالذي في مسند احمد وابي داود ولحاكم صحيح قطعا، وقد نص على صحته أيضا كبار الأئمة كابن عبد البر صاحب الإستيعاب والمزي صاحب تهذيب الكمال والسيوطي والمتقي وغيرهم(3).

يقول الذهبي حيث يروي عن بريدة: وهو حديث ثابت عن بريدة وهذا نص من الحافظ الذهبي على ثبوت هذا الحديث(4).

وعن عمران بن حصين يقول: بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سرية - السرية قطعة من الجيش - واستعمل عليها عليا، فغنموا، فصنع علي شيئا فأنكروه،

____________

1- مسند أبي داود الطيالسي: 360 رقم 2752 - دار المعرفة - بيروت. ونحوه في مستدرك للحاكم 3 / 134.

2- مسند أحمد 1 / 545 ذيل حديث 3052.

3- الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 1092 ,المزي في تحفة الأشراف 5 / 191 رقم 6316 - دار الكتب العلمية - بيروت، تهذيب الكمال 20 / 481 , القول الجلي في مناقب علي: 60، جمع الجوامع كما في ترتيب كنز العمال 11 / 3294 1 ,كنز العمال 11 / 608.

4- هذا الحديث في رسالته في حديث الغدير , في الرقم (81).

الصفحة 108
وفي لفظ: فأخذ علي من الغنيمة جارية، فتعاقد أربعة من الجيش إذا قدموا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يعلموه، وكانوا إذا قدموا من سفر بدأوا برسول الله، فسلموا عليه ونظروا إليه ثم ينصرفون إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله (ص)، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر أن عليا قد أخذ من الغنيمة جارية، فأعرض عنه رسول الله، ثم قام الثاني فقال مثل ذلك، فأعرض عنه رسول الله، ثم قام الثالث فقال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فأقبل إليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعرف الغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ علي مني وأنا من علي، وعلي ولي كل مؤمن بعدي(1).

هذا لفظ الطبري على ما يرويه عنهما المتقي الهندي في كنز العمال. وكذا الحديث في المسند لأحمد بن حنبل وفي آخره: فأقبل رسول الله على الرابع وقد تغير وجهه فقال: دعوا عليا، دعوا عليا، إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. وفي صحيح الترمذي: فأقبل إليه - أي إلى الرابع - رسول الله، والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي(2).

أخرجه وصححه: ابن أبي شيبة في المصنف شيخ البخاري صاحب الصحيح، روى الحديث في المصنف وعنه في كنز العمال ونص على صحته. ورواه محمد بن جرير الطبري. ونص على صحته أيضا جلال الدين السيوطي ٍوالمتقي الهندي صاحب كنز العمال.

ان الحديث عن عمران بن حصين فيه بعض التفصيل وذكر تلك القضية التي قال فيها رسول الله هذا الكلام, لكن عند بريدة الخبر الصحيح وعند جهينة الخبر الصحيح فلننظر

____________

1- كنز العمال 11 / 608 , القول الجلي في مناقب علي: 60 , كنز العمال 13 / 142 رقم 36444.

2- مسند أحمد 5 / 606 رقم 19426. ونحوه في سنن الترمذي 5 / 632 رقم 3712 - دار إحياء التراث العربي - بيروت , وصحيح ابن حبان 15 / 373 رقم 6929 - مؤسسة الرسالة - بيروت - 1418 هـ. خصائص علي: 75، فضائل الصحابة للنسائي: 14 رقم 43 - دار الكتب العلمية - بيروت , و مستدرك الحاكم 3 / 110 - 111.

الصفحة 109
ماذا يروي بريدة بن الحصيب، فإنه صاحب القضية، وهو الرجل الرابع الذي أقبل إليه رسول الله وقال له كذا وكذا، إلا أنهم لم يذكروا اسمه، إنه ينقل القصة كاملة، والراوي عنه ولده عبد الله يقول بريدة: أرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى اليمن جيشين، على أحدهما علي بن أبي طالب وعلى الآخر خالد بن الوليد، قال (صلى الله عليه وسلم): إذا كان قتال فعلي على الناس كلهم، فالتقى الجيشان، وكان علي (عليه السلام) على الجيشين، وكان خالد تحت إمرة علي بأمر من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فافتتح علي حصنا. يقول بريدة: فغنمنا، فخمس علي الغنائم، وكانت في الخمس جارية حسناء فأخذها علي لنفسه، فخرج ورأسه يقطر. يقول بريدة: كنت أبغض عليا بغضا لم أبغضه أحدا قط، وأحببت خالدا حبا لم أحبه إلا على بغض علي، لأن خالدا كان يبغض عليا [بغض علي علامة النفاق كما في الحديث الصحيح ] فلما أخذ علي الجارية من الخمس، دعا خالد بن الوليد بريدة وقال له: إغتنمها - وكلاهما يبغضان عليا - اغتنمها فأخبر النبي بما صنع. هذا لفظ الطبراني في المعجم الأوسط. وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: فقال خالد بن الوليد: دونك يا بريدة(1).

يقول بريدة: فكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، وأمرني أن أنال منه، وهذا لفظ النسائي أيضا. وفي تاريخ دمشق: فكتب معي خالد يقع في علي وأمرني أن أنال منه، فأعطى الكتاب بيد بريدة وعبأ معه ثلاثة وكأنه يريد بذلك إقامة البينة اللازمة على ما صنع علي عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). يقول بريدة - كما في المعجم الأوسط للطبراني وغيره من المصادر -: فقدمت المدينة، ودخلت المسجد، ورسول الله في منزله، وناس من أصحابه على بابه، فقالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي، قالوا: فأخبره فإنه يسقطه من عين رسول الله، ورسول الله في البيت يسمع الكلام، هذا لفظ الطبراني. فخرج رسول الله من بيته، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر أن عليا صنع كذا وكذا، فأعرض عنه النبي، ثم قال الثاني ما قال الأول، فأعرض عنه رسول الله،

____________

1- المعجم الأوسط 6 / 232 رقم 6085 - دار الحديث - القاهرة - 1417 هـ.

الصفحة 110
ثم قام الثالث فقال ما قال، فأعرض عنه رسول الله. يقول بريدة: أعطيته الكتاب، فأخذه بشماله، فطأطأت رأسي، فتكلمت في علي حتى فرغت فرفعت رأسي. ويقول كما في لفظ آخر: وكنت من أشد الناس بغضا لعلي، فوقعت في علي حتى فرغت فرفعت رأسي. يقول: فرأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) غضب غضبا لم أره غضب مثله إلا يوم قريظة وبني النضير، فقال: ماذا تريدون من علي؟ ماذا تريدون من علي؟ ماذا تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا من علي، وهو ولي كل مؤمن بعدي(1). ثم قال رسول الله - كما في سنن البيهقي، وأيضا في معجم الصحابة لأبي نعيم الإصفهاني، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر، وفي سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، وفي غيرها من المصادر، قال لهم رسول الله: إن له في الخمس أكثر من ذلك. ثم قال (صلى الله عليه وسلم) - كما في المستدرك للحاكم، وفي المختارة للضياء المقدسي، وفي المعجم الأوسط وفي غيرها من المصادر: إنه * (أي علي ] لا يفعل إلا ما يؤمر، أو: إنما يفعل علي بما يؤمر به. ثم التفت إلى بريدة قائلا: أنافقت من بعدي يا بريدة؟ فقال بريدة: يا رسول الله، أما بسطت يدك حتى أبايعك على الإسلام جديدا! قال: فما فارقته حتى بايعته، أي بايعت رسول الله على الإسلام. يقول بريدة: فقمت وما من الناس أحد أحب إلي من علي(2).

لاحظوا، كيف تلاعبوا بالقضية فزاد أحدهم ونقص الآخر، فذكر بعضهم بعض القصة ولم يذكر البعض الآخر، وأحدهم أو آحاد منهم يذكرون القصة مبتورة. والقصة هي القصة كما يرويها بريدة بن الحصيب لانه صاحب القصة.

محور الاستدلال بحديث الغدير:

____________

1- تاريخ ابن عساكر - ترجمة الإمام علي (عليه السلام) 1 / 400 رقم 466 - مؤسسة المحمودي - بيروت. المعجم الأوسط 5 / 217 رقم 4842.

2- سنن البيهقي 6 / 342 - دار الفكر , المعجم الأوسط 5 / 425.

الصفحة 111
1- ان محور الاستدلال هو كلمة مولى، ومجئ هذه الكلمة بمعنى الأولى، والاستدلال يتم على ضوء الكتاب والسنة والاستعمالات العربية الفصيحة وكتب الصحاح، والأشعار العربية, وإذا كان أمير المؤمنين بمقتضى هذا الحديث أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فكل من عدا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان مؤمنا حقيقة أو ادعي له الإيمان، فعلي أولى به من نفسه بالنص الصريح في الحديث الشرف، بما فيهم كبار الصحابة والخلفاء الثلاثة.

2- ان النصوص السابقة(إن عليا لا يفعل إلا ما يؤمر به، أو إنما يفعل ما أمر به) الفاظ تؤيد ان الرسول ص في اكثر من مناسبة كرر لفظ (وليكم بعدي) وهذا يدل ايضا على عصمته,فالرسول (ص) تارة يقول: إن عليا لا يفعل إلا ما يؤمر به، أو إنما يفعل ما أمر به) وهذه الفاظ تؤيد ان الرسول ص في اكثر من مناسبة كرر لفظ (وليكم بعدي) وهذه العبارة مصداق لآية مباركة وهي قوله تعالى: (بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون)(1).

3- يدل على ثبوت الأولوية بالتصرف لعلي (عليه السلام)، وهذه الأولوية مستلزمة للإمامة، وذلك:

أولا: لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حصرها في علي عندما قال: وهو وليكم من بعدي، ومن المعلوم أن المعاني الأخرى من الولاية، كالنصرة والمحبة وغيرهما، ليست بأمور مختصة بعلي (عليه السلام).

ثانيا: وجود كلمة بعدي في ألفاظ الحديث كلها أو أكثرها، فكلمة بعدي صريحة في هذا المعنى، لأن البعدية هذه إما بعدية زمانية أو بعدية رتبية: ربما يستظهر بالدرجة الأولى أن تكون البعدية رتبية، علي وليكم بعدي أي غيري، أي ما عداي في الرتبة علي وليكم. أما إذا كانت كلمة بعدي بمعنى الزمان والظرف، علي وليكم من بعدي، يدل وجود هذه الكلمة على أن أمير المؤمنين ولي المؤمنين بعد رسول الله بلا فصل، وإلا لما أسقط بعضهم كلمة بعدي في الحديث، لما حرفوا هذا الحديث بإسقاط كلمة بعدي.

____________

1- سورة الأنبياء: 26، 27.

الصفحة 112
ثالثا: هذه الرواية واردة بألفاظ أخرى أيضا، وتلك الألفاظ هي الأخرى تدل على إمامة أمير المؤمنين وأولويته فمثلا: لاحظوا المسند لابن حنبل، والمستدرك، وتاريخ دمشق، وغيرها من الكتب، كلهم يروون عن بريدة في نفس هذه القصة يقول: فلما قدمت على رسول الله ذكرت عليا فتنقصته، فرأيت وجه رسول الله يتغير، فقال: يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه. نفس الحديث الذي سيقوله رسول الله يوم الغدير في أخريات حياته، نفس هذا اللفظ وارد في ألفاظ هذه القصة(1). يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه القضية: ما بال أقوام ينتقصون عليا؟ من ينتقص عليا فقد تنقصني، ومن فارق عليا فقد فارقني، إن عليا مني وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. فهذه المناقب جاءت في نفس هذه القصة، مضافا إلى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): إنه لا يفعل إلا ما يؤمر به، وغير ذلك من ألفاظ هذا الحديث(2).

خامسا: ابن عباس يذكر هذه المنقبة، وهذه الفضيلة، ضمن فضائل لأمير المؤمنين يصرح بأنها خاصة بعلي، وحديث عبد الله وقول رسول الله: إن له أكثر من ذلك، وكان خالد يتصور بأنه لو ينتهز هذه الفرصة، ويرسل هؤلاء الجماعة، ويكتب هذا الكتاب، وينسق مع الموجودين في المدينة المنورة، الذين يفكرون تفكيره ويخططون معه، يمكنهم أن يستفيدوا من هذه القضية، لأن يحطوا من منزلة علي عند رسول الله وعند المسلمين، وكأن في القضية مؤامرة مدبرة من هؤلاء المنافقين، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ملتفت إلى جميع القضايا، رسول الله يعلم، رسول الله عالم بنوايا هؤلاء القوم، وهم لا يعلمون أنه يسمع أصواتهم من وراء الباب، من وراء الجدار، وهم جالسون على بابه، فخرج (صلى الله عليه وآله وسلم) والغضب يعرف في وجهه فقال: ما تريدون من علي، ما تريدون من علي، دعوا عليا..الخ

____________

1- مسند أحمد 4 / 502 رقم 18841 هـ، مستدرك الحاكم 3 / 110 - دار الفكر - بيروت - 1398 هـ.

2- تاريخ ابن عساكر - ترجمة الإمام علي (عليه السلام) 1 / 404 رقم 473 - 478., المعجم الأوسط 6 / 232 رقم 6085.

الصفحة 113
وانقلبت المؤامرة عليهم، وأصبحت القضية من جملة موارد إعلان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل الله سبحانه وتعالى، إعلانه عن إمامة أمير المؤمنين، عن ولاية أمير المؤمنين، وعن عصمة أمير المؤمنين، فكان حديث الولاية دالا على إمامة أمير المؤمنين من جهات عديدة, كالاولوية والعصمة ووو.... ولم يكن للمخالف من مناقشة تسمع وتستحق الذكر، إلا مناقشتهم في معنى وليكم، لاحتمال أن يكون المراد: علي ناصركم، علي محبكم من بعدي. لكن الحديث بقرائنه الداخلية وقرائنه الخارجية والقصة بأجمعها تأبى كل هذه التشكيكات وهم أيضا يعلمون بهذا، هم المستشكلون يعلمون ولذا يضطرون إلى اللجوء إلى طريقة أخرى، تلك الطريقة هي تحريف الحديث مثلا: صحيح البخاري ترونه يروي بسنده عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه يقول: بعث النبي (صلى الله عليه وسلم) عليا إلى خالد ليقبض الخمس، يقول بريدة: وكنت أبغض عليا... التحريف هو لم يقل: تنقصت عليا عند النبي، لا يقول: أمرني خالد، ولا، ولا، ولا.. فقال: يا بريدة، أتبغض عليا؟ فقلت: نعم، فقال: لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك(1)).

فأين حديث علي مني وأنا من علي، وهو وليكم من بعدي؟؟!!!!

وقد نقل البعض عن الترمذي بلا لفظة(بعدي) مع أن الحديث موجود في الترمذي مع كلمة (بعدي)!! وكأنهم لا يشعرون أن هناك ناظرا في الكتاب، أن هناك من يقرأ كتابه، أن هناك من يرجع إلى صحيح الترمذي ويطابق بين النقلين وبين اللفظين، لكنهم لا يستحون من الناس اذا لا يخافوا من الله!!!(فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون).

محاولات لرد حديث الغدير:

1- يقول بعضهم: لا نسلم صحة هذا الحديث، ومن هؤلاء الفخر الرازي, وادعى الرازي بأن الامام علي ع لم يكن في حجة الوداع،بل كان في اليمن في ذلك الوقت.

____________

1- صحيح البخاري 5 / 207 - دار إحياء التراث - بيروت.

الصفحة 114
الجواب: ان الرزي كذب كل حديث ورد فيه أن الرسول ص أخذ بيد علي وجعل يعرفه إلى الناس ويقول: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، هذه الأحاديث كلها كاذبة عند الرازي!!! وقد كذبه اهل الصحاح والمسانيد بذكرهم الحديث (ان رسول الله رفع يد الامام علي ع وقال من كنت مولاه...) الخ.

وصححوه وقالوا بتواتره, ورد عليه حتى ابن حجر المكي صاحب الصواعق, وشراح الحديث وعلي القاري وغيرهم الذين نرجع إليهم احتجاجا بكلماتهم وإلزاما للقوم بأقوال علمائهم, يقول علي القاري في المرقاة في شرح المشكاة بأن هذا القول باطل، لثبوت أن عليا رجع من اليمن، وكان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجة الوداع(1).

وفي الصحاح أيضا حديث بقضية الخروج من الإحرام، كلهم يروون هذا الحديث، أصحاب الصحاح الستة وغيرهم، وفيه: إن عليا كان مع رسول الله في حجة الوداع.

2- ويقول ابن حزم الأندلسي وبعض أتباعه، وترون الشيخ سليم البشري المالكي يقوله في مراجعته للسيد شرف الدين، يقول: بأنكم معاشر الإمامية تذهبون إلى أن الإمامة من أصول الدين، ولا ريب أن أصول الدين لا تثبت إلا بالأخبار المتواترة أو الأدلة القطعية، وحديث الغدير لا نوافق على تواتره، فإذن، لا تثبت بحديث الغدير إمامة علي.

والجواب:

1- كما اجبنا على الرازي بلسان قومه فكذلك شان امثاله.

2- ان عدة من أعلام القوم ينصون على تواتر حديث الغدير، ويذكرونه في كتبهم المختصة بالأحاديث المتواترة فالتكذيب لصحاحهم ومسانيدهم واعلامهم قبل غيرهم ونحن نلزمهم بمثل تصريح الذهبي، وابن كثير، وابن الجزري، والسيوطي، والكتاني، والزبيدي، والمتقي الهندي، والشيخ علي القاري، وغيرهم، بتواتر حديث الغدير.

____________

1- المرقاة في شرح المشكاة 5 / 574 , الصواعق المحرقة: 25.