إنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة مرجعه من حجة الوداع وكلاهما لا يصح(1). وقول ابن كثير في تفسيره بعد ذكر الحديث بطريقيه: لا يصلح لا هذا ولا هذا(2). وقول السيوطي: أخرج ابن مردويه وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم(3). وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: لما كان غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه فأنزل الله: اليوم أكملت لكم دينكم(4).
اقول:
اولا: إذا كان مرادهم من عدم الصحة لضعف او غمز في الاسناد نقول:
1-الرواية لم تختص بأبي سعيد وأبي هريرة بل أنها رواها جابر بن عبد الله، والمفسر التابعي مجاهد المكي والإمامان الباقر والصادق صلوات الله عليهما ووافقهم العلماء على ذلك.
2-ان فيه أن رواية أبي هريرة صحيحة الاسناد عند أساتذة الفن، منصوص على رجالها بالتوثيق.
3-حديث أبي سعيد له طرق كثيرة كما مر في كلام الحمويني في فرائده.
4- إنها لم تختص روايتها من العلماء والحفاظ الحديث بابن مردويه وعن السيوطي نفسه في دره المنثور رواية الخطيب وابن عساكر، وهناك جمعا آخرين أخرجوها بأسانيدهم وفيها مثل الحاكم النيسابوري، والحافظ البيهقي، والحافظ ابن أبي شيبة، والحافظ الدارقطني، والحافظ الديلمي، والحافظ الحداد وغيرهم. كل ذلك من دون غمز فيها عن أي منهم.
____________
1- الاتقان: 1 \ 31.
2- راجع تأريخ الكامل 2 ص 134، وإمتاع المقريزي ص 548، وتاريخ ابن كثير 6 ص 332 وعده مشهورا، والسيرة الحلبية 3 ص 382.
3- الدر المنثور 2 ص 259.
4- وروى عنه في الاتقان ج 1 ص 31 " ط سنة 1360 " بطريقيه.
ثانيا: إذا كانوا يقصدون من عدم الصحة من ناحية معارضتها لما روي من نزول الآية يوم عرفة.
نقول: أن حديث نزولها يوم الغدير يؤكده ما قدمناه عن الرازي وأبي السعود وغيرهما من أن النبي صلى الله عليه وآله لم يعمر بعد نزولها إلا أحدا أو اثنين وثمانين يوما.
حوار مع العقل:
ان العقل يقول بغض النظر على ما اوردنا من شواهد النقل ان الرسول ص لم يمنع تلك الألوف المؤلفة يومئذ عن المسير؟ وحبسهم في تلك الرمضاء بهجير؟ وإرجاع من تقدم منهم وإلحاق من تأخر؟ ثم خطبهم عن الله في ذلك المكان الذي منه يتفرقون ليبلغ الشاهد منهم الغائب لم يكن ابلغهم ان عليا ناصرهم وبيان محبته لان ذلك معلوم من البديهيات ولا لا ينكر احد ان علي صاحب الحرب والمحراب والمنبر، وان حبه علامة الايمان, ان العقل يقول ان الرسول ص لم يفعل كل ذلك الا لاهمية الامر خصوصا وذلك الامر امر سماوي وكانت اخر وصيته لامته وليس بدايتها ليقول له المولى تعالى: بلغ هذا الامر وان لم تفعل فكانك ما بلغت شي من رسالتي) فان الرسول قد بلغ كل شي والامر الذي لابد ان يوصي به امته هي الولايه إذ قال: " يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني لمسؤول وإنكم لمسؤولون فقال: ياأيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وفسر كلمته - وأنا أولى المؤمنين - بقوله: وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ وقال بعد هذا التفسير: فمن كنت مولاه، فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله " فخصه بهذه الدعوات التي لا يليق لها إلا أئمة الحق، وخلفاء الصدق؟... وقرن العترة بالكتاب، وجعلهم قدوة لأولي الألباب؟
وقول أبو بكر وعمر لعلي: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وتبع الصحابة أبا بكر وعمر ببيعة علي فقولهما: (أصبحت مولاي) يدل على أمر جديد؟!؟ فما بال العلماء يشرقون ويغربون في معنى المولى؟ وما لنا لا نفهم الواقعة كما فهمها الصحابة؟ هذا حسان بن ثابت الشاعر الفصيح فهم منها ولاية الأمر فأنشد:
هذا ما قاله حسان، فهل أخطأ بفهمه للحديث؟! فالعجب ممن لم يحضر الحادثة ويفهم منها ما لم يفهمه حسان والصحابة! وقول الرسول بعد نزول آية الإكمال: " الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي " فيه دلالة واضحة على ما نقول، فالنبي قرن النبوة بولاية علي، فالنبوة بالإضافة إلى محبة علي، لا تستقيم المعادلة ولكن النبوة بالإضافة إلى إمامة علي، تستقيم المعادلة ولو افترضنا أن الحديث يدعو لحب علي ونصرته، فهل امتثل السلف لهذه الوصية النبوية؟ سل الجمل وصفين والنهروان و... و.. احتجاج علي بحديث الغدير: في مسجد الكوفة وبعد أن عادت الخلافة لعلي (عليه السلام) خطب بالناس: " أنشد الله من سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، لما قام فشهد. فقام اثنا عشر بدريا فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجي أمهاتهم؟. فقلنا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.
وكتم الشهادة بعض الصحابة فدعا عليهم فأصابتهم دعوته(1)". هذا الإمام علي (عليه السلام) يعيد ذكرى الغدير على الناس. فماذا أراد من ذلك؟ هل أراد بيان
____________
1- مسند أحمد: 1 / 119. مجمع الزوائد، الهيثمي: 9 / 11 وقال: اسناده حسن. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 2 / 585. أسدالغابة: 2 / 233. خصائص النسائي: ص 22 - 25. الإصابة: 4 / 182. السيرة الحلبية: 3 / 302 و 337. تاريخ بغداد: 14 / 236. صفوة الصفوة: 1 / 313. تاريخ الخلفاء: 134. حلية الأولياء: 5 / 26.
والعقل يقول: لماذا ينكرون الولاية وماعلامهم في كل القرون يقرون بذلك هذا الغزالي يعترف: بأن حديث الغدير كان تنصيبا لعلي خليفة على المسلمين قال: " ولكن أسفرت الحجة بوجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم غدير خم، باتفاق الجميع وهو يقول: " " من كنت مولاه فعلي مولاه " فقال عمر بخ بخ لك يا أبا الحسن، اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة فهذا تسليم ورضا وتحكيم ثم بعد هذا غلب الهوى بحب الرئاسة وحمل عود الخلافة وعقود البنود، وخفقان الهواء في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار، سقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوا الحق وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون "(1).
وقد نقلنا اقوال واعترافات كثيرة من الصحابة والتابعين وتابعيهم, فما زال ولن يزال العقل يقول بغض النظر على ما اوردنا من شواهد النقل ان الرسول ص لم يمنع تلك الألوف المؤلفة يومئذ عن المسير؟ وحبسهم في تلك الرمضاء بهجير؟ وإرجاع من تقدم منهم وإلحاق من تأخر؟ ثم خطبهم عن الله في ذلك المكان الذي منه يتفرقون ليبلغ الشاهد منهم الغائب لم يكن الا لاهمية الامر خصوصا وذلك الامر امر سماوي وكانت اخر وصيته لامته وليس بدايتها ليقول له المولى تعالى: " بلغ هذا الامر وان لم تفعل فكانك ما بلغت شي من رسالته " فان الرسول في حجة الداع قد بلغ كل شي فلماذا هدده المولى بانه ان لم يبلغ هذا الامر فكأنه لم يبلغ شي؟؟!!! والامر الذي لابد ان يوصي به امته هي الولايه فخصه بولاية كل مؤمن بعده ودعاء الرسول (ص) وهو الرحمة للعالمين بهذه الدعوات ان الله يخذل كل من خذل علي (ع) وينصر من نصره ويوالي من والاه وهذه الدعوات لا تليق الا بالمعصوم لانه لا يخطي اما غير المعصوم فيجوز خذلانه اذا
____________
1- سر العالمين، المقالة الرابعة.
الدليل الحادي عشر ان علي خير البرية بالنص القراني
قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ"(1).
أخرج الطبري في تفسيره بإسناده عن أبي الجارود عن محمد بن علي: أولئك هم خير البرية. فقال قال النبي صلى الله عليه وآله أنت يا علي وشيعتك(2). وروى الخوارزمي في مناقبه عن جابر قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فأقبل علي بن أبي طالب فقال رسول الله: قد أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثم قال: إنه أولكم إيمانا معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية، قال: وفي ذلك الوقت نزلت فيه: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البرية(3). وروى ايضا من طريق الحافظ ابن مردويه عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي عليه السلام قال: سمعت عليا يقول: حدثني رسول الله وأنا مسنده إلى صدري فقال: أي علي؟ ألم تسمع قول الله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية؟ أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين(4). وأخرج الكنجي حديث يزيد بن شراحيل. وأرسل ابن الصباغ المالكي في فصوله ص عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية قال (النبي صلى الله عليه وآله) لعلي: أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيين، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين(5). وروى الحموي في فرايده بطريقين عن جابر: إنها نزلت في علي، وكان أصحاب محمد إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البرية. وقال ابن
____________
1- البينة: 7.
2- تفسير الطبري: 30 ص 146.
3- مناقب الخوارزمي ص 66.
4- مناقب الخورزمي ص 178.
5- الكفاية ص 119.
____________
1- الصواعق ص 96.
2- الدرر المنثور: 6 ص 379.
3- نور الابصار: ص 78 و 112.
4- كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 245 ط الحيدرية وص 119 ط الغري، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 2 / 444 ح 995 و 956 و 957 و 958، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 246 ط اسلامبول وص 293 ط الحيدرية و ج 2 / 71 ط العرفان صيدا، / صفحة 86 / منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 35، ميزان الاعتدال للذهبي ج 2 / 271، كنوز الحقائق ص 98 ط بولاق، إحقاق الحق للتستري ج 4 / 254، تاريخ بغداد للخطيب ج 3 / 154 و ج 7 / 421، فرائد السمطين ج 1 / 154.
ومن القسمة الضيزى ان يسمى مخالفين اهل البيت ع باهل السنة!! لان اهل البيت ع هم اهل السنة لانهم من امر الله ورسوله باتباعهم فلابد ان تقسم الفرق الاسلامية الى: شيعة اهل البيت وشيعة السقيفة, او ان يقسموا باهل سنة اهل البيت واهل سنة السقيفة هذا هو التقسيم الصحيح لان انقسام الناس الى شيعة علي وشيعة السقيفة منذ يوم السقيفة, واهل البيت هم نفس رسول الله وسنتهم سنته وشيعتهم شيعته, بل ان اتباع معاوية الذي
ومن التحريف المنكر قول البعض ان شيعة اهل البيت هم الذين قتلوهم!! كما يردد ذلك في الكتب والانترنت وغيرها وخاصة في كتاب (لله ثم للتاريخ(2)) فنجيبهم ان من خرج على اهل البيت بسيفة فقد خرج عن التشيع ولو كان شيعيا لان الشيعة ليس قبيلة فلان انما هي نسبة لمن اتبع اهل البيت ع كما في اللغة والمصطلحات العربية, ولعل أقدم نص في التاريخ السياسي الإسلامي، تضمن كلمة (شيعة) ينسب للخليفة الثاني عمر بن الخطاب، فمن المعروف أن هذا الخليفة عارض بشدة صلح الحديبية الذي ارتضاه الله للمسلمين ووقعه رسوله وكان يرى أن هذا الصلح (دنية في الدين)، حاول جهده لإلغاء تلك المعاهدة حتى لا يعطي (الدنية في دينه)، ولكن محاولاته لم تنجح وفي ما بعد عبر عن ذلك بقوله: (لو وجدت ذلك اليوم شيعة تخرج عنهم رغبة بالقضية لخرجت(3)) وفي رواية ثانية ذكرها ابن أبي الحديد: (أن عمر قد قام مغضبا وقال: لو أجد أعوانا ما أعطيت الدنية أبدا(4)) وما يعنينا أن عمر بن الخطاب استعمل كلمة (شيعة)
____________
1- أصل لقب أهل السنة والجماعة قد وضع في زمن معاوية بن أبي سفيان! وأرادوا بالسنة سنة معاوية في سب علي عليه السلام على المنابر، ونحوه من الكفر والبدعة! وبالجماعة ما روي في باب خلافة الحسن عليه السلام من قولهم: وكان نزول الحسن عن الخلافة في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين، فسمي هذا العام عام الجماعة، لاجتماع الأمة على خليفة واحد! ثم لما ظهرت دولة بني العباس ومعاداتهم لبني أمية وأتباعهم خافوا عن الحمل على ذلك وقالوا: مرادنا بالسنة سنة النبي، وبالجماعة جماعة أصحابه! فقد ظهر أنهم في الحقيقة أهل السنة والجماعة لا أهل سنة النبي وجماعته!.
2- هذا كتاب الفة مجهول وسمى نفسة المرجع الشيعي الموسوي , لكن تصدى له ابناء الدليل من الشيعة وفضحوا كذبه وتزويرة واثبتوا انه متناقض وكذاب وشخصية موهومة فمن اراد فاليراجع الكتب التي الفت للرد عليه.
3- راجع: المغازي للواقدي، 2 / 607.
4- راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، تحقيق حسن تميم، 3 / 790.
وقال الإمام علي في إحدى خطبه "... حتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة). وقال عن أهل البصرة (... وأفسدوا علي جماعتي ووثبوا على شيعتي(2)". وعندما زار معاوية بعد أن استبد بالحكم، بيت عثمان بن عفان، رأته عائشة ابنة عثمان صاحت وندبت أباها، كأنها تقول لمعاوية: (إن معاقبة قتلة عثمان كان هو الشعار الذي رفعته للخروج على الإمام علي بن أبي طالب، وها أنت قد قبضت على مقاليد الأمور فما الذي يمنعك من معاقبة قتلة أبي!) وفهم معاوية المغزى، فقال لها: (يا بنت أخي إن الناس أعطونا سلطاننا فأظهرنا لهم حلما تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد... إلى أن قال: ومع كل إنسان منهم شيعة، فإن نكثناهم نكثوا بنا..) الخ(3). فمعاوية يعبر عن واقع الحال المتمثل بانقسام المجتمع إلى شيع، ويستعمل كلمة شيعة لتدل على معناها اللغوي والاصطلاحي والتاريخي كما جاء في القرآن الكريم.
وبعد انتصار معاوية ومبايعته ليكون خليفة، أو ملكا، على المسلمين استهل عهده بسلسلة من المراسيم الملكية التي وجهها لعماله، وجاء في بعضها: (لا تجيزوا لأحد من
____________
1- راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، تحقيق حسن تميم 1 / 437.
2- راجع نهج البلاغة خطبة 139 , و المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، دار الأضواء بيروت ص 767.
3- راجع البداية والنهاية لابن الأثير، 8 / 133 نقلا عن معالم الفتن، 2 / 188.
ان الفقرات التي أوردناها نماذج مختارة من الاستعمالات التاريخية لكملة شيعة، فإذا أضيفت إلى ما سقناه من النصوص الشرعية الواردة في القرآن والسنة التي اشتملت على كلمة شيعة وشيع، وتبينا المعنى ; لا يبقى لدينا أدنى شك في أن كلمة شيعة تعني، لغة واصطلاحا (فرقة أو جماعة من الناس متجانسة ومتميزة عن غيرها من الفرق والجماعات، بأساليبها ورأيها وفكرها الخاص بها الذي تسعى إلى تعميمه، وبهدفها الذي تسعى إلى تحقيقه وتلتف، بالضرورة حول، قائد مميز بفكره أو برأيه أو بقدرته أو بموقعه أو بما يرتجى منه حسب مقاييس أفراد تلك الفرقة أو الجماعة، وقائد هذه الجماعة مع فكرها يشكلان نقطة جذب واستقطاب وتجمع، ومن الطبيعي أن يتناصر أفراد هذه الجماعة وأن يوالي بعضهم بعضا، ويتبع بعضهم بعضا وأن يكون لهم موقف موحد وأمر واحد ما دامت هذه الفرقة أو الجماعة قائمة).
والفرقة التي تتصف بهذه الصفات تعرف باسم (شيعة)، ويسمى التفافها حول فكرها وقيادتها وموالاتها لهما التفاف أفراد هذه الشيعة.
أما تعدد الشيع فيعود إلى تضارب مصالح الأفراد والجماعات، واختلاف الآراء والأفكار والوسائل والتفاوت في الثقافات واليقين، وما في النفس من نوازع الحسد والرغبة بالتسلط، وممارسة الشر، ومن تقديم العاجلة على الآجلة، ومن الإصرار على تجاهل
____________
1- راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد، 3 / 595، كما نقلها عن المدائني في كتابة الأحداث.
2- راجع الكامل لابن الأثير، 2 / 231.
3- راجع تاريخ الطبري، 4 / 188، حوادث سنة 51 هـ.
الدليل الثاني عشر سورة الدهر
بسم الله الرحمن الرحيم
هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا * إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا * إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا....إلى اخر السورة المباركة.
سبب النزول:
جاء في تفسير الزمخشري: عن ابن عباس إن الحسن والحسين مرضا، فعادهما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك، فنذر علي وفاطمة، عليهما السلام - وفضة جارية لهما - إن برآ مما بهما، أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا، وما معهم شئ، فاستقرض علي من شمعون اليهودي ثلاثة أصوع من شعير فطرزت فاطمة صاعا، واختبزت خمسة أقراص، على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني، أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه، وباتوا لم يذوقوا، إلا الماء، وأصبحوا صياما، فلما أمسوا، ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم فآثروه، ثم وقف عليهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك، فلما أصبحوا أخذ علي، رضي الله عنه، الحسن والحسين، وأقبلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها، قد التصق ظهرها ببطنها،
وروى الواحدي في أسباب النزول في قوله تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا " قال: قال عطاء عن ابن عباس: وذلك أن علي بن أبي طالب أجر نفسه يسقي نخلا بشئ من شعير ليلة، حتى أصبح، وقبض الشعير، وطحن ثلثه، فجعلوا منه شيئا ليأكلوا يقال له: (الخزيرة)، فلما تم إنضاجه، أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه، وطووا يومهم ذلك، فأنزلت فيهم هذه الآية(2). وروى ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة (فضة) النوبية - جارية فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - بسنده عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال: في قول الله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا). قال: مرض الحسن والحسين، فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعادهما عامة العرب، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك نذرا، فقال علي: إن برآ مما بهما، صمت لله عز وجل ثلاثة أيام شكرا، وقالت فاطمة كذلك، وقالت جارية يقال لها فضة نوبية: إن برأ سيداي، صمت الله عز وجل شكرا، فألبس الغلامان العافية، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فانطلق علي إلى شمعون الخيبري، فاستقرض منه ثلاثة آصع من شعير، فجاء بها فوضعها، فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزته، وصلى علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من أولاد المسلمين، أطعموني أطعمكم الله عز وجل، على موائد الجنة، فسمعه علي، فأمرهم فأعطوه الطعام، ومكثوا يومهم وليلتهم، لم يذوقوا، إلا الماء, فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة
____________
1- تفسير الكشاف 2 / 511 - 512.
2- أسباب النزول ص 296.
____________
1- أسد الغابة 7 / 236 - 237.
2- الرياض النضرة 2 / 302 - 303 ورواه المحب الطبري في ذخائر العقبى ص 102.
..... فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضمها إليه، وقال: واغوثاه، فهبط جبريل عليه السلام، وقال: يا محمد، خذ ضيافة أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبريل، قال: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) - إلى قوله تعالى: (وكان سعيكم مشكورا). وروى السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا) - الآية - قال: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا وقد جاءت القصة في تفسير القرطبي مطولة.وألف المرحوم الشيخ عبد الله السبيتي كتابا بعنوان المباهلة ط في النجف قصة الاطعام قوله تعالى: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا - إلى قوله - إنهذه الآيات نزلت في: علي وفاطمة والحسن والحسين هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) بمناسبة قصة صيامهم ثلاثة أيام وتصدقهم في تلك الثلاثة بطعامهم على المسكين واليتيم والأسير.