الصفحة 127

إنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة مرجعه من حجة الوداع وكلاهما لا يصح(1). وقول ابن كثير في تفسيره بعد ذكر الحديث بطريقيه: لا يصلح لا هذا ولا هذا(2). وقول السيوطي: أخرج ابن مردويه وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم(3). وأخرج ابن مردويه والخطيب وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: لما كان غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه فأنزل الله: اليوم أكملت لكم دينكم(4).

اقول:

اولا: إذا كان مرادهم من عدم الصحة لضعف او غمز في الاسناد نقول:

1-الرواية لم تختص بأبي سعيد وأبي هريرة بل أنها رواها جابر بن عبد الله، والمفسر التابعي مجاهد المكي والإمامان الباقر والصادق صلوات الله عليهما ووافقهم العلماء على ذلك.

2-ان فيه أن رواية أبي هريرة صحيحة الاسناد عند أساتذة الفن، منصوص على رجالها بالتوثيق.

3-حديث أبي سعيد له طرق كثيرة كما مر في كلام الحمويني في فرائده.

4- إنها لم تختص روايتها من العلماء والحفاظ الحديث بابن مردويه وعن السيوطي نفسه في دره المنثور رواية الخطيب وابن عساكر، وهناك جمعا آخرين أخرجوها بأسانيدهم وفيها مثل الحاكم النيسابوري، والحافظ البيهقي، والحافظ ابن أبي شيبة، والحافظ الدارقطني، والحافظ الديلمي، والحافظ الحداد وغيرهم. كل ذلك من دون غمز فيها عن أي منهم.

____________

1- الاتقان: 1 \ 31.

2- راجع تأريخ الكامل 2 ص 134، وإمتاع المقريزي ص 548، وتاريخ ابن كثير 6 ص 332 وعده مشهورا، والسيرة الحلبية 3 ص 382.

3- الدر المنثور 2 ص 259.

4- وروى عنه في الاتقان ج 1 ص 31 " ط سنة 1360 " بطريقيه.


الصفحة 128
5- هذه الأحداث حصلت على مرأى ومسمع الغالبية المطلقة من الصحابة ونزلت آية تأمر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بتبليغ ما أنزل الله إليه.. وبعد أن بلغه النبي نزلت آية الإكمال وكأن إكمال الدين متوقف على هذا الأمر؟!

ثانيا: إذا كانوا يقصدون من عدم الصحة من ناحية معارضتها لما روي من نزول الآية يوم عرفة.

نقول: أن حديث نزولها يوم الغدير يؤكده ما قدمناه عن الرازي وأبي السعود وغيرهما من أن النبي صلى الله عليه وآله لم يعمر بعد نزولها إلا أحدا أو اثنين وثمانين يوما.

حوار مع العقل:

ان العقل يقول بغض النظر على ما اوردنا من شواهد النقل ان الرسول ص لم يمنع تلك الألوف المؤلفة يومئذ عن المسير؟ وحبسهم في تلك الرمضاء بهجير؟ وإرجاع من تقدم منهم وإلحاق من تأخر؟ ثم خطبهم عن الله في ذلك المكان الذي منه يتفرقون ليبلغ الشاهد منهم الغائب لم يكن ابلغهم ان عليا ناصرهم وبيان محبته لان ذلك معلوم من البديهيات ولا لا ينكر احد ان علي صاحب الحرب والمحراب والمنبر، وان حبه علامة الايمان, ان العقل يقول ان الرسول ص لم يفعل كل ذلك الا لاهمية الامر خصوصا وذلك الامر امر سماوي وكانت اخر وصيته لامته وليس بدايتها ليقول له المولى تعالى: بلغ هذا الامر وان لم تفعل فكانك ما بلغت شي من رسالتي) فان الرسول قد بلغ كل شي والامر الذي لابد ان يوصي به امته هي الولايه إذ قال: " يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني لمسؤول وإنكم لمسؤولون فقال: ياأيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وفسر كلمته - وأنا أولى المؤمنين - بقوله: وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ وقال بعد هذا التفسير: فمن كنت مولاه، فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله " فخصه بهذه الدعوات التي لا يليق لها إلا أئمة الحق، وخلفاء الصدق؟... وقرن العترة بالكتاب، وجعلهم قدوة لأولي الألباب؟

الصفحة 129
وأي مهمة استوجبت من الله التأكيد، واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه التهديد؟ وانه أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه ويحتاج إلى عصمة الله من الناس؟

وقول أبو بكر وعمر لعلي: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وتبع الصحابة أبا بكر وعمر ببيعة علي فقولهما: (أصبحت مولاي) يدل على أمر جديد؟!؟ فما بال العلماء يشرقون ويغربون في معنى المولى؟ وما لنا لا نفهم الواقعة كما فهمها الصحابة؟ هذا حسان بن ثابت الشاعر الفصيح فهم منها ولاية الأمر فأنشد:

فقال له قم يا علي فإنني *** رضيتك من بعدي إماما وهاديا

هذا ما قاله حسان، فهل أخطأ بفهمه للحديث؟! فالعجب ممن لم يحضر الحادثة ويفهم منها ما لم يفهمه حسان والصحابة! وقول الرسول بعد نزول آية الإكمال: " الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي والولاية لعلي " فيه دلالة واضحة على ما نقول، فالنبي قرن النبوة بولاية علي، فالنبوة بالإضافة إلى محبة علي، لا تستقيم المعادلة ولكن النبوة بالإضافة إلى إمامة علي، تستقيم المعادلة ولو افترضنا أن الحديث يدعو لحب علي ونصرته، فهل امتثل السلف لهذه الوصية النبوية؟ سل الجمل وصفين والنهروان و... و.. احتجاج علي بحديث الغدير: في مسجد الكوفة وبعد أن عادت الخلافة لعلي (عليه السلام) خطب بالناس: " أنشد الله من سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، لما قام فشهد. فقام اثنا عشر بدريا فقالوا: نشهد أنا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجي أمهاتهم؟. فقلنا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

وكتم الشهادة بعض الصحابة فدعا عليهم فأصابتهم دعوته(1)". هذا الإمام علي (عليه السلام) يعيد ذكرى الغدير على الناس. فماذا أراد من ذلك؟ هل أراد بيان

____________

1- مسند أحمد: 1 / 119. مجمع الزوائد، الهيثمي: 9 / 11 وقال: اسناده حسن. فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: 2 / 585. أسدالغابة: 2 / 233. خصائص النسائي: ص 22 - 25. الإصابة: 4 / 182. السيرة الحلبية: 3 / 302 و 337. تاريخ بغداد: 14 / 236. صفوة الصفوة: 1 / 313. تاريخ الخلفاء: 134. حلية الأولياء: 5 / 26.


الصفحة 130
نصرته ومحبته للمسلمين؟! لا وربي ليس ذلك هو الأمر، بل إنه أمر أكبر من ذلك، فما طلب شهادتهم إلا ليؤكد حقه في الخلافة، وما أصابت منكري الشهادة دعوته إلا لإنكارهم لأمر عظيم.

والعقل يقول: لماذا ينكرون الولاية وماعلامهم في كل القرون يقرون بذلك هذا الغزالي يعترف: بأن حديث الغدير كان تنصيبا لعلي خليفة على المسلمين قال: " ولكن أسفرت الحجة بوجهها وأجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم غدير خم، باتفاق الجميع وهو يقول: " " من كنت مولاه فعلي مولاه " فقال عمر بخ بخ لك يا أبا الحسن، اصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة فهذا تسليم ورضا وتحكيم ثم بعد هذا غلب الهوى بحب الرئاسة وحمل عود الخلافة وعقود البنود، وخفقان الهواء في قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصار، سقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوا الحق وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون "(1).

وقد نقلنا اقوال واعترافات كثيرة من الصحابة والتابعين وتابعيهم, فما زال ولن يزال العقل يقول بغض النظر على ما اوردنا من شواهد النقل ان الرسول ص لم يمنع تلك الألوف المؤلفة يومئذ عن المسير؟ وحبسهم في تلك الرمضاء بهجير؟ وإرجاع من تقدم منهم وإلحاق من تأخر؟ ثم خطبهم عن الله في ذلك المكان الذي منه يتفرقون ليبلغ الشاهد منهم الغائب لم يكن الا لاهمية الامر خصوصا وذلك الامر امر سماوي وكانت اخر وصيته لامته وليس بدايتها ليقول له المولى تعالى: " بلغ هذا الامر وان لم تفعل فكانك ما بلغت شي من رسالته " فان الرسول في حجة الداع قد بلغ كل شي فلماذا هدده المولى بانه ان لم يبلغ هذا الامر فكأنه لم يبلغ شي؟؟!!! والامر الذي لابد ان يوصي به امته هي الولايه فخصه بولاية كل مؤمن بعده ودعاء الرسول (ص) وهو الرحمة للعالمين بهذه الدعوات ان الله يخذل كل من خذل علي (ع) وينصر من نصره ويوالي من والاه وهذه الدعوات لا تليق الا بالمعصوم لانه لا يخطي اما غير المعصوم فيجوز خذلانه اذا

____________

1- سر العالمين، المقالة الرابعة.


الصفحة 131
اخطاء والدعاء مطلق لم يقيده الرسول فالعصمة ثابته للامام ع اذ لا يليق بهذا الدعاء إلا أئمة الحق، وخلفاء الصدق وو... وأي مهمة استوجبت من الله التأكيد، واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه التهديد؟ وانه أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه ويحتاج إلى عصمة الله من الناس الا اذا كان امر سقط لسببه ابليس وقد كان طاووس الملائكة وذلك الامر هو خلافة الله في ارضة والتسليم الكامل لمن اراد الله الانقياد لهم.


الصفحة 132

الدليل الحادي عشر ان علي خير البرية بالنص القراني

قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ"(1).

أخرج الطبري في تفسيره بإسناده عن أبي الجارود عن محمد بن علي: أولئك هم خير البرية. فقال قال النبي صلى الله عليه وآله أنت يا علي وشيعتك(2). وروى الخوارزمي في مناقبه عن جابر قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فأقبل علي بن أبي طالب فقال رسول الله: قد أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ثم قال: إنه أولكم إيمانا معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزية، قال: وفي ذلك الوقت نزلت فيه: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البرية(3). وروى ايضا من طريق الحافظ ابن مردويه عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي عليه السلام قال: سمعت عليا يقول: حدثني رسول الله وأنا مسنده إلى صدري فقال: أي علي؟ ألم تسمع قول الله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية؟ أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين(4). وأخرج الكنجي حديث يزيد بن شراحيل. وأرسل ابن الصباغ المالكي في فصوله ص عن ابن عباس قال: لما نزلت هذه الآية قال (النبي صلى الله عليه وآله) لعلي: أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة أنت وهم راضين مرضيين، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين(5). وروى الحموي في فرايده بطريقين عن جابر: إنها نزلت في علي، وكان أصحاب محمد إذا أقبل علي قالوا: قد جاء خير البرية. وقال ابن

____________

1- البينة: 7.

2- تفسير الطبري: 30 ص 146.

3- مناقب الخوارزمي ص 66.

4- مناقب الخورزمي ص 178.

5- الكفاية ص 119.


الصفحة 133
حجر في الصواعق في عد الآيات الواردة في أهل البيت: الآية الحادية عشرة قوله تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية(1). وأخرج الحافظ جمال الدين الزرندي عن ابن عباس رضي الله عنهما: إن هذه الآية لما نزلت قال صلى الله عليه وآله لعلي: هو أنت وشيعتك، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، ويأتي عدوك غضابا مقمحين، قال: ومن عدوي؟ قال: من تبرأ منك ولعنك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ومن قال: رحم الله عليا، رحمه الله. وقال جلال الدين السيوطي في الدر المنثور: أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد الله قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وآله فأقبل علي فقال النبي صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة. ونزلت إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، فكان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله إذا أقبل على قالوا: جاء خير البرية(2). وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: لما نزلت إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات. الآية: قال رسول الله صلى الله عليه وآله. لعلي: أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين، وأخرج ابن مردويه عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله. وذكر حديث يزيد بن شراحيل المذكور، وذكر الشبلنجي في نور الأبصار(3). عن ابن عباس باللفظ المذكور عن ابن الصباغ المالكي.نلاحظ من هذه الاية وتفسيرها ان الامام علي ع خير من كل من صدق عليه انه من البرية أي من الخلق, بل هناك حديث يؤكد ذلك وهو قول الرسول ص: " علي خير البشر فمن أبى فقد كفر"(4).

____________

1- الصواعق ص 96.

2- الدرر المنثور: 6 ص 379.

3- نور الابصار: ص 78 و 112.

4- كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 245 ط الحيدرية وص 119 ط الغري، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر الشافعي ج 2 / 444 ح 995 و 956 و 957 و 958، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 246 ط اسلامبول وص 293 ط الحيدرية و ج 2 / 71 ط العرفان صيدا، / صفحة 86 / منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 / 35، ميزان الاعتدال للذهبي ج 2 / 271، كنوز الحقائق ص 98 ط بولاق، إحقاق الحق للتستري ج 4 / 254، تاريخ بغداد للخطيب ج 3 / 154 و ج 7 / 421، فرائد السمطين ج 1 / 154.


الصفحة 134
فثبت انه عليه السلام افضل الخلق بعد رسول الله (ص) وأن الرسول الكريم(ص) قد بين لأصحابه بأنه ستكون لعلي بن أبي طالب شيعة خاصة به، وأن عليا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة، ومع أنه صادق إلا أنه قد أقسم على صحة قوله ليكون اليقين في قلوب سامعيه (والذي نفسي بيده) وفي موقف آخر، بين الرسول لأصحابه أن عليا بن أبي طالب وشيعته هم قطعا ممن عناهم الله تعالى بقوله: " أولئك هم خير البرية " وفي موقف ثالث أكد الرسول لعلي بن أبي طالب بأنه سيقدم على الله وشيعته راضين مرضيين وقد تلفظ الرسول بذلك قبل وقوع تلك الأحداث، وقبل أن يزداد أعداء علي بن أبي طالب وقد روى هذه الأحاديث رجال كثيرون من كبار علماء أهل السنة وليسوا من شيعة الإمام، في وقت كانت فيه محبة الإمام أو رواية أي فضيلة من فضائله أو فضائل أهل بيت النبوة تعد من جرائم الخيانة العظمى في نظر الدولة التاريخية التي كانت تحكم المسلمين باسم الإسلام وقد اقتنع الرواة بصحة صدور هذه الأحاديث عن الرسول، وإلا لما تجشموا عناء روايتها وما يعنينا هو أن الرسول الأعظم قصد بشيعة علي أعوانه ومؤيديه والقائلين بولايته، وعدهم بمثابة فرقة أو جماعة من الناس متميزة من غيرها من الفرق والجماعات وهذا المعنى اللغوي والاصطلاحي عينه الذي أبرزه القرآن الكريم استعمله رسول الله, وكلمة (شيع) وهو الحالة التي ينقسم المجتمع فيها على نفسه وينقسم إلى مجموعة من الأحزاب أو الجماعات أو الفئات المتناقضة والمتصارعة.

ومن القسمة الضيزى ان يسمى مخالفين اهل البيت ع باهل السنة!! لان اهل البيت ع هم اهل السنة لانهم من امر الله ورسوله باتباعهم فلابد ان تقسم الفرق الاسلامية الى: شيعة اهل البيت وشيعة السقيفة, او ان يقسموا باهل سنة اهل البيت واهل سنة السقيفة هذا هو التقسيم الصحيح لان انقسام الناس الى شيعة علي وشيعة السقيفة منذ يوم السقيفة, واهل البيت هم نفس رسول الله وسنتهم سنته وشيعتهم شيعته, بل ان اتباع معاوية الذي

الصفحة 135
سمى فرقته باسنة والجماعة(1) يدعوا ان الشيعة مغالين وانهم هم اتباع اهل البيت الحقيقين!!! وهذا خطاء فادح لانهم يوالون من اغضب الزهراء واخذ حقها وقتل ابناءها واسر بناتها اما الشيعة فهم ليس مغالين بل ان ما تعتقدة الشيعة في اهل البيت ع وارد فيهم ع حقا من القران الكريم والسنة الصحيحة واوردة العام والخاص, وان المغالي ماهو الا من قال فيهم مالا يستحقون وبالغ في حقهم مما ليس في الكتاب الكريم ولا في السنة الشريفة والشيعة تتبراء من الغلاة وتلعنهم.

ومن التحريف المنكر قول البعض ان شيعة اهل البيت هم الذين قتلوهم!! كما يردد ذلك في الكتب والانترنت وغيرها وخاصة في كتاب (لله ثم للتاريخ(2)) فنجيبهم ان من خرج على اهل البيت بسيفة فقد خرج عن التشيع ولو كان شيعيا لان الشيعة ليس قبيلة فلان انما هي نسبة لمن اتبع اهل البيت ع كما في اللغة والمصطلحات العربية, ولعل أقدم نص في التاريخ السياسي الإسلامي، تضمن كلمة (شيعة) ينسب للخليفة الثاني عمر بن الخطاب، فمن المعروف أن هذا الخليفة عارض بشدة صلح الحديبية الذي ارتضاه الله للمسلمين ووقعه رسوله وكان يرى أن هذا الصلح (دنية في الدين)، حاول جهده لإلغاء تلك المعاهدة حتى لا يعطي (الدنية في دينه)، ولكن محاولاته لم تنجح وفي ما بعد عبر عن ذلك بقوله: (لو وجدت ذلك اليوم شيعة تخرج عنهم رغبة بالقضية لخرجت(3)) وفي رواية ثانية ذكرها ابن أبي الحديد: (أن عمر قد قام مغضبا وقال: لو أجد أعوانا ما أعطيت الدنية أبدا(4)) وما يعنينا أن عمر بن الخطاب استعمل كلمة (شيعة)

____________

1- أصل لقب أهل السنة والجماعة قد وضع في زمن معاوية بن أبي سفيان! وأرادوا بالسنة سنة معاوية في سب علي عليه السلام على المنابر، ونحوه من الكفر والبدعة! وبالجماعة ما روي في باب خلافة الحسن عليه السلام من قولهم: وكان نزول الحسن عن الخلافة في ربيع الآخر سنة إحدى وأربعين، فسمي هذا العام عام الجماعة، لاجتماع الأمة على خليفة واحد! ثم لما ظهرت دولة بني العباس ومعاداتهم لبني أمية وأتباعهم خافوا عن الحمل على ذلك وقالوا: مرادنا بالسنة سنة النبي، وبالجماعة جماعة أصحابه! فقد ظهر أنهم في الحقيقة أهل السنة والجماعة لا أهل سنة النبي وجماعته!.

2- هذا كتاب الفة مجهول وسمى نفسة المرجع الشيعي الموسوي , لكن تصدى له ابناء الدليل من الشيعة وفضحوا كذبه وتزويرة واثبتوا انه متناقض وكذاب وشخصية موهومة فمن اراد فاليراجع الكتب التي الفت للرد عليه.

3- راجع: المغازي للواقدي، 2 / 607.

4- راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، تحقيق حسن تميم، 3 / 790.


الصفحة 136
وقصد بها جماعة ترى رأيه وتسعى معه لتحقيق هدف مشترك, وبعبارة أخرى إن عمر قد عنى بكلمة (الشيعة) معناها اللغوي المستقر لغة والمتفق مع خطاب القرآن وخطاب الرسول, واستعملت كلمة (شيعة) في صك التحكيم الذي كتب بين الإمام علي بن أبي طالب وبين معاوية بن أبي سفيان وقد وردت لتدل دلالة كاملة على المعنى اللغوي المستقر في اللغة والمعبر عنه في القرآن والحديث, وجاء في هذا الصك: (هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب... ومن كان معه من شيعته قاض معاوية بن أبي سفيان... ومن كان معه من شيعته) كما قال نصر بن مزاحم برواية محمد بن علي بن الحسين والشعبي، وروى جابر عن زيد بن الحسين رواية أخرى، ولكنها تتفق مع الأولى بذكر (ومن كان معه من شيعته عند ذكرها للإمام علي، وعند ذكرها لمعاوية(1)).

وقال الإمام علي في إحدى خطبه "... حتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة). وقال عن أهل البصرة (... وأفسدوا علي جماعتي ووثبوا على شيعتي(2)". وعندما زار معاوية بعد أن استبد بالحكم، بيت عثمان بن عفان، رأته عائشة ابنة عثمان صاحت وندبت أباها، كأنها تقول لمعاوية: (إن معاقبة قتلة عثمان كان هو الشعار الذي رفعته للخروج على الإمام علي بن أبي طالب، وها أنت قد قبضت على مقاليد الأمور فما الذي يمنعك من معاقبة قتلة أبي!) وفهم معاوية المغزى، فقال لها: (يا بنت أخي إن الناس أعطونا سلطاننا فأظهرنا لهم حلما تحته غضب، وأظهروا لنا طاعة تحتها حقد... إلى أن قال: ومع كل إنسان منهم شيعة، فإن نكثناهم نكثوا بنا..) الخ(3). فمعاوية يعبر عن واقع الحال المتمثل بانقسام المجتمع إلى شيع، ويستعمل كلمة شيعة لتدل على معناها اللغوي والاصطلاحي والتاريخي كما جاء في القرآن الكريم.

وبعد انتصار معاوية ومبايعته ليكون خليفة، أو ملكا، على المسلمين استهل عهده بسلسلة من المراسيم الملكية التي وجهها لعماله، وجاء في بعضها: (لا تجيزوا لأحد من

____________

1- راجع: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، تحقيق حسن تميم 1 / 437.

2- راجع نهج البلاغة خطبة 139 , و المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة، دار الأضواء بيروت ص 767.

3- راجع البداية والنهاية لابن الأثير، 8 / 133 نقلا عن معالم الفتن، 2 / 188.


الصفحة 137
شيعة علي وأهل بيته شهادة وجاء في آخر: (أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته(1)) وقال معاوية للحسين بن علي عليه السلام يوما: (يا أبا عبد الله، أعلمت أنا قتلنا شيعة أبيك فحنطناهم وكفناهم وصلينا عليهم ودفناهم؟ فقال الحسين: لكنا والله إن قتلنا شيعتك ما كفناهم ولا حنطناهم ولا صلينا عليهم ولا دفناهم(2)) وكتب معاوية إلى واليه على الكوفة، المغيرة بن شعبة، يوصيه بشتم علي بن أبي طالب وذمه والعيب على أصحابه، وإقصائهم وعدم الاستماع إليهم إلى أن قال: (وبإطراء شيعة عثمان... الخ(3)).

ان الفقرات التي أوردناها نماذج مختارة من الاستعمالات التاريخية لكملة شيعة، فإذا أضيفت إلى ما سقناه من النصوص الشرعية الواردة في القرآن والسنة التي اشتملت على كلمة شيعة وشيع، وتبينا المعنى ; لا يبقى لدينا أدنى شك في أن كلمة شيعة تعني، لغة واصطلاحا (فرقة أو جماعة من الناس متجانسة ومتميزة عن غيرها من الفرق والجماعات، بأساليبها ورأيها وفكرها الخاص بها الذي تسعى إلى تعميمه، وبهدفها الذي تسعى إلى تحقيقه وتلتف، بالضرورة حول، قائد مميز بفكره أو برأيه أو بقدرته أو بموقعه أو بما يرتجى منه حسب مقاييس أفراد تلك الفرقة أو الجماعة، وقائد هذه الجماعة مع فكرها يشكلان نقطة جذب واستقطاب وتجمع، ومن الطبيعي أن يتناصر أفراد هذه الجماعة وأن يوالي بعضهم بعضا، ويتبع بعضهم بعضا وأن يكون لهم موقف موحد وأمر واحد ما دامت هذه الفرقة أو الجماعة قائمة).

والفرقة التي تتصف بهذه الصفات تعرف باسم (شيعة)، ويسمى التفافها حول فكرها وقيادتها وموالاتها لهما التفاف أفراد هذه الشيعة.

أما تعدد الشيع فيعود إلى تضارب مصالح الأفراد والجماعات، واختلاف الآراء والأفكار والوسائل والتفاوت في الثقافات واليقين، وما في النفس من نوازع الحسد والرغبة بالتسلط، وممارسة الشر، ومن تقديم العاجلة على الآجلة، ومن الإصرار على تجاهل

____________

1- راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ابن أبي الحديد، 3 / 595، كما نقلها عن المدائني في كتابة الأحداث.

2- راجع الكامل لابن الأثير، 2 / 231.

3- راجع تاريخ الطبري، 4 / 188، حوادث سنة 51 هـ.


الصفحة 138
الأمر الإلهي، وإرغام أنف الشيعة المؤمنة القائمة عليه، ومن نفور الشيع من فكرة الجزم واليقين التي تنادي بها قيادة الشيعة المؤمنة، وارتياحها لفكرة الظن والتخمين المنبع الوحيد لتصوراتها وعقائدها. ويمكن القول، وبكل ارتياح، إن ظاهرة الشيع وتعددها تعطي معنى ظاهرة الحزبية لتشابه التركيبة والأهداف والبنى وقد لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن التاريخ السياسي البشري ما هو إلا ثمرة الصراع بين الشيع، وكل الشيع تطمع في الاستيلاء على السلطة وحيازتها لهم هذا الصراع لصالحها، ولم ينته هذا الصراع طوال التاريخ ولم يبرح المجتمع مكانه، فكأنه يدور في حلقة مفرغة لا تشهد إلا نشوء الشيع وقيامها وتبعثرها وتعاقبها على السلطة وإصرارها على استبعاد الشيعة المؤمنة التي تمثل الخط الإلهي، والتي لم يخل منها مجتمع قط عبر التاريخ بغض النظر عن القلة والكثرة والشيع نشاء في المجتمع الإسلامي وأخذ صورته النهائية عندما نجح الرسول في توحيد العرب سياسيا لأول مرة في التاريخ، ونقلهم من دوائر الشرك وأديانه إلى دائرة التوحيد ودينها الإسلام، وقيادتهم والمجتمع الإسلامي لم يكن أبدا بمنجاة من ظاهرة الشيع وإن كان جميع أفراد المجتمع الإسلامي قد ادعوا أنهم شيعة الرسول فإن الواقع يتناقض مع شمول هذا الادعاء, فكذلك من يدعي انه من شيعة اهل البيت وهو على خط معاكس لخطهم فانه ليس ممن يشمله القسم النبوي الصادق بالنباء بالفوز والنجاة مع سفينة النجاة يوم يوم يتبراء معاووية من شيعته "وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ".


الصفحة 139

الدليل الثاني عشر سورة الدهر

بسم الله الرحمن الرحيم

هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا * إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا * إنا أعتدنا للكافرين سلاسلا وأغلالا وسعيرا * إن الابرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا * عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا * يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا * ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا * إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا * إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا....إلى اخر السورة المباركة.

سبب النزول:

جاء في تفسير الزمخشري: عن ابن عباس إن الحسن والحسين مرضا، فعادهما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك، فنذر علي وفاطمة، عليهما السلام - وفضة جارية لهما - إن برآ مما بهما، أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا، وما معهم شئ، فاستقرض علي من شمعون اليهودي ثلاثة أصوع من شعير فطرزت فاطمة صاعا، واختبزت خمسة أقراص، على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني، أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه، وباتوا لم يذوقوا، إلا الماء، وأصبحوا صياما، فلما أمسوا، ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم فآثروه، ثم وقف عليهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك، فلما أصبحوا أخذ علي، رضي الله عنه، الحسن والحسين، وأقبلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع، قال: ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها، قد التصق ظهرها ببطنها،

الصفحة 140
وغارت عيناها، فساءه ذلك، فأنزل الله جبريل، وقال: يا محمد، هنأك الله في أهل بيتك، فاقرأ السورة(1).

وروى الواحدي في أسباب النزول في قوله تعالى: "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا " قال: قال عطاء عن ابن عباس: وذلك أن علي بن أبي طالب أجر نفسه يسقي نخلا بشئ من شعير ليلة، حتى أصبح، وقبض الشعير، وطحن ثلثه، فجعلوا منه شيئا ليأكلوا يقال له: (الخزيرة)، فلما تم إنضاجه، أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام، ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه، ثم عمل الثلث الباقي، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه، وطووا يومهم ذلك، فأنزلت فيهم هذه الآية(2). وروى ابن الأثير في أسد الغابة في ترجمة (فضة) النوبية - جارية فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم - بسنده عن ليث عن مجاهد عن ابن عباس قال: في قول الله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا). قال: مرض الحسن والحسين، فعادهما جدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعادهما عامة العرب، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك نذرا، فقال علي: إن برآ مما بهما، صمت لله عز وجل ثلاثة أيام شكرا، وقالت فاطمة كذلك، وقالت جارية يقال لها فضة نوبية: إن برأ سيداي، صمت الله عز وجل شكرا، فألبس الغلامان العافية، وليس عند آل محمد قليل ولا كثير، فانطلق علي إلى شمعون الخيبري، فاستقرض منه ثلاثة آصع من شعير، فجاء بها فوضعها، فقامت فاطمة إلى صاع فطحنته واختبزته، وصلى علي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب، فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من أولاد المسلمين، أطعموني أطعمكم الله عز وجل، على موائد الجنة، فسمعه علي، فأمرهم فأعطوه الطعام، ومكثوا يومهم وليلتهم، لم يذوقوا، إلا الماء, فلما كان اليوم الثاني قامت فاطمة

____________

1- تفسير الكشاف 2 / 511 - 512.

2- أسباب النزول ص 296.


الصفحة 141
إلى صاع وخبزته، وصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ووضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم يتيم فوقف بالباب، وقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، يتيم بالباب من أولاد المهاجرين، استشهد والدي، أطعموني، فأعطوه الطعام، فمكثوا يومين لم يذوقوا، إلا الماء فلما كان اليوم الثالث، قامت فاطمة إلى الصاع الباقي فطحنته واختبزته، فصلى علي مع النبي صلى الله عليه وسلم، ووضع الطعام بين يديه، إذ أتاهم أسير، فوقف بالباب وقال: السلام عليكم أهل بيت النبوة، تأسروننا، وتشدوننا، ولا تطعموننا، أطعموني فإني أسير، فأعطوه الطعام، ومكثوا ثلاثة أيام ولياليها لم يذوقوا إلا الماء، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى ما بهم من الجوع، فأنزل الله تعالى: (هل أتى على الإنسان حين من الدهر) - إلى قوله تعالى: (لا نريد منهم جزاء ولا شكورا)(1). وروى المحب الطبري في الرياض النضرة: عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) قال: أجر علي نفسه يسقي نخلا بشئ من شعير ليلة حتى أصبح، فلما أصبح قبض الشعير فطحن منه، فجعلوا منه شيئا ليأكلوه يقال له (الخزيرة) (دقيق بلا دهن)، فلما تم إنضاجه أتى مسكين فسأل، فأطعموه إياه، ثم صنعوا الثلث الثاني، فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه إياه، ثم صنعوا الثلث الثالث، فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فأطعموه إياه وطووا يومهم، فنزلت(2). وفي نور الأبصار: أن عبد الله بن العباس قال في قول الله تعالى: (يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا) مرض الحسن والحسين رضي الله عنهما، وهما صبيان، فعادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك نذرا، فقال علي: إن برآ مما بهما صمت لله عز وجل ثلاثة أيام شكرا، قالت فاطمة: وأنا أيضا أصوم ثلاثة شكرا، وقال الصبيان: ونحن نصوم ثلاثة أيام، وقالت جاريتهما فضة: وأنا أصوم ثلاثة أيام شكرا، فألبسهما الله العافية، فأصبحوا

____________

1- أسد الغابة 7 / 236 - 237.

2- الرياض النضرة 2 / 302 - 303 ورواه المحب الطبري في ذخائر العقبى ص 102.


الصفحة 142
صياما، وليس عندهم طعاما فانطلق علي إلى جار له من اليهود - يقال له شمعون - يعالج الصوف، وقال له: هل لك أن يعطيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمد بثلاثة آصع من شعير، فأعطاه فجاء بالصوف والشعير فأخبر فاطمة فقبلت وأطاعت، ثم غزلت ثلث الصوف، وأخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزته خمسة أقراص لكل واحد قرص وصلى علي المغرب مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أتى منزله فوضع الخوان فجلسوا، فأول لقمة كسرها علي رضي الله عنه، إذا مسكين واقف على الباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني مما تأكلون، أطعمكم الله من موائد الجنة، فوضع علي رضي الله عن، اللقمة من يده، ثم قال:

فاطمة ذات المجد واليقين *** يا بنت خير الناس أجمعين
أما تري ذا البائس المسكين *** جاء إلى الباب له حنين

..... فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ضمها إليه، وقال: واغوثاه، فهبط جبريل عليه السلام، وقال: يا محمد، خذ ضيافة أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبريل، قال: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) - إلى قوله تعالى: (وكان سعيكم مشكورا). وروى السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) قال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا) - الآية - قال: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا وقد جاءت القصة في تفسير القرطبي مطولة.وألف المرحوم الشيخ عبد الله السبيتي كتابا بعنوان المباهلة ط في النجف قصة الاطعام قوله تعالى: (إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا - إلى قوله - إنهذه الآيات نزلت في: علي وفاطمة والحسن والحسين هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا) بمناسبة قصة صيامهم ثلاثة أيام وتصدقهم في تلك الثلاثة بطعامهم على المسكين واليتيم والأسير.