الصفحة 172

لكن في حديث النسائي وحديث أبي يعلى: إنه جاء أبو بكر فرده، جاء عمر فرده، وأضاف صاحب المسند فقال: بأن عثمان أيضا جاء ورده؟! فهؤلاء كانوا في المدينة المنورة, وحتى لو فرضنا غيابهم فالرسول ص اطلق الصفة فجعلة احب انسان اليه والى الله تعالى ورسول الله يعلم انه لن ياتي الا علي وانما اراد تسجيل فضيلة له مدى التاريخ وكأن الله ملهم عليا ان ياتي ويذهب عدة مرات ويرده انس فلماذا يرجع لولاان الحكمة الالاهية تريد ذلك, ثم ان هناك احاديث كثيرة تكررت فيها عبارات بها لفظ: (احب الناس الله ورسوله, وان حب علي فريضه,وعلامة للمؤمن ووو...) منها: ما وروى المسعودي عن كتاب الأخبار لأبي الحسن علي بن محمد بن سليمان النوفلي بإسناده عن العباس بن عبد المطلب قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أقبل علي بن أبي طالب فلما رآه أسفر في وجهه فقلت: يا رسول الله! إنك لتسفر في وجه هذا الغلام. فقال: " يا عم رسول الله والله لله أشد حبا له مني، ولم يكن نبي إلا وذريته الباقية بعده من صلبه وإن ذريتي بعدي من صلب هذا، إنه إذا كان يوم القيامة دعى الناس بأسمائهم وأسماء أمهاتهم إلا هذا وشيعته فإنهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحة ولادتهم"(1). وقوله ص " عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب(2)" وروى الحاكم عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي فقال: " يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي"(3). ومنها قوله (ص) "...لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار.. وفي الصباح نادى على علي بن أبي طالب وكان أرمدا لا يرى فتفل بعينه وأعطاه الراية"(4).

____________

1- مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 51.

2- أخرجه الحافظ الخطيب البغدادي في تأريخه: ج 4 ص 410 (غ 1 / ط).

3- المستدرك ج 3 ص 128.

4- راجع المغازي للواقدي ج 2 ص 653 , و راجع مسند الإمام أحمد ج 1 ص 99 وخصائص النسائي ص 5 وكنز العمال ج 6 ص 394 كما نقله عن ابن شيبة وابن حنبل، وابن ماجة، والبزار وابن جرير وصححه والطبراني في الأوسط والحاكم، والبيهقي في الدلائل ومستدرك الصحيحين ج 3 ص 437.


الصفحة 173
وفي مسند أحمد بن حنبل ان رسول الله ص قال وقد أخذ بيد حسن وحسين وقال: " من أحبني وأحب هذين وأحب أباهما أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة(1)". وقال رسول الله (ص) لو اجتمع الناس على حب علي بن أبي طالب (ع) لم يخلق الله النار"(2). وفي المناقب لخطيب خوارزم عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): " من أحب عليا قبل الله منه صلاته وصيامه وقيامه واستجاب دعائه ألا ومن أحب عليا أعطاه الله بكل عرق في بدنه مدينة في الجنة ألا ومن أحب آل محمد أمن الحساب والميزان والصراط ألا ومن مات على حب آل محمد فأنا كفيله بالجنة مع الأنبياء ألا ومن أبغض آل محمد (ص) جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة ال"(3). وفي مناقب الخوارزمي عن أبي ذر قال قال رسول الله (ص): "من ناصب عليا الخلافة بعدي فهو كافر وقد حاب الله تعالى ورسوله"(4).

وأخرج الحافظ الدارقطني وشيخ الاسلام الحموي في فرائده بإسنادهما عن أنس مرفوعا قال: إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر ثم ينادي مناد من بطنان العرش: أين محمد! فأجيب: فيقال لي: ارق. فأكون أعلاه ثم ينادي الثانية: أين علي! فيكون دوني بمرقاة فيعلم جميع الخلايق أن محمدا سيد المرسلين وأن عليا سيد المؤمنين قال أنس: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله: من يبغض عليا بعد؟! فقال: يا أخا الأنصار لا يبغضه من قريش إلا سفحي، ولا من الأنصار إلا يهودي، ولا من العرب إلا دعي، ولا من ساير الناس إلا شقي.

هذا الحديث ضعفه السيوطي لمكان إسماعيل بن موسى الفزاري في سنده. وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال مطين: كان صدوقا. وقال النسائي: لا بأس به. وعن أبي داود:

____________

1- مسند أحمد ج 1 - ص 77، سنن الترمذي ج 5 - ص 599 - ح 3733، تاريخ بغداد ج 13 - ص 288، كنز العمال ج 13 - ص 639 ح 37613.

2- أخرج هذا الحديث عن عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة ورواه جماعة من علماء السنة، منهم: الخوارزمي في كتابه (مقتل الحسين ع) فإنه أخرج هذا الحديث بسنده عن ابن عباس و محمد صالح الحنفي في كتابه (الكوكب الدري) عن عمر بن الخطاب الكوكب الدري: 122, وراجع إحقاق الحق: 7 / 149 - 151، و ج 17 / 240.

3- المناقب: 43 (ط. تبريز) ورواه أيضا في مقتل الحسين (ع): 40 ط. الغري والحديث مروي في العديد من مصادر العامة بأسانيد معتبرة.

4- مناقب الخوارزمي و المناقب لابن المغازلي ص 46 ح 68.


الصفحة 174
إنه صدوق في الحديث روى عنه البخاري في كتاب خلق أفعال العباد، وأبو داود والترمذي، وابن ماجة، وابن خزيمة، والساجي، وأبو يعلى وغيرهم. ولم يذكر غمز فيه عن أحد من هؤلاء الأعلام، نعم: ذنبه الوحيد أنه شيعي علوي المذهب.

وعن أبي بكر الصديق قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: معشر المسلمين! أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد(1). وعن أبي مريم الأنصاري عن علي عليه السلام قال: لا يحبني كافر ولا ولد زنا(2) وروى أحمد عن زر بن حبيش عن علي (رضي الله عنه) قال: " عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق"(3). وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم على بن أبي طالب(4). وروى الحاكم سمعت عمار بن ياسر (رضي الله عنه) يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي: يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك(5). هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروى الحاكم أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر عليا بأن الأمة ستغدر به من بعده، قال: عن حيان الأسدي سمعت عليا يقول قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا، يعني لحيته من رأسه(6).

وأخرج الخطيب عن ابن عباس قال: قلت للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله للنار جواز؟! قال: نعم. قلت: وما هو؟! قال: حب علي بن أبي طالب(7).

____________

1- الرياض النضر للحافظ محب الدين الطبري 2 ص 189.

2- شرح ابن أبي الحديد ج 1 ص 373.

3- مسند احمد ج 1 ص 95 و ص 128 و ص 292.

4- سنن الترمذي ج 5 ص 306 , و 298.

5- المستدرك ج 3 ص 135.

6- المستدرك ج 3 ص 142.

7- التاريخ 3 ص 161.


الصفحة 175
وعن أبي ذر أن النبي (ص) قال: علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي. حبه إيمان، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة ومودة عبادة. وفي صحيح مسلم تحت عنوان: باب حب علي من الإيمان. عن زر بن حبيش قال قال علي (عليه السلام): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلي، أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق(1). وفي مسند أبي يعلى: عن الحارث الهمداني قال: رأيت عليا جاء حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قضاء قضاه الله على لسان نبيكم النبي الأمي صلى الله عليه و(آله) وسلم إلي: إنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق، وقد خاب من افترى(2).

وفي فتح الباري: وفي كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه يقول: " لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجمانها على المنافق على أن يحبني ما أحبني! وذلك أنه قضي فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه و(آله) وسلم أنه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق"(3).

والروايات حول حب علي كثيرة جدا لم نحصيها مراعاة للاختصارواعترف بها الخاص والعام حتى انهم اظطروا يبرروا حروب القوم ضد الامام علي ع انها ليست ناشئة عن بغضا له كي لا يثبت نفاقهم, قال صاحب المفهم: وأما الحروب الواقعة بينهم، فإن وقع من بعضهم بغض فذاك من غير هذه الجهة، بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة! ولذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام، للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد!! والله أعلم. وقال في فتح الباري في شرح رواية البخاري: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله:

____________

1- صحيح مسلم: 1 / 60، ورواه ابن ماجة: 1 / 42 والنسائي في سننه: 8 / 115 و 117 وفي خصائص علي: 1375 وأحمد في مسنده: 1 / 84 و 95 و 128 وفي فضائل الصحابة: 2 / 264 وابن أبي شيبة في المصنف: 12 / 56 وعبد الرزاق في المصنف: 11 / 55 وابن أبي عاصم في السنة: 5842 وابن حبان في صحيحه: 9 / 40 والخطيب في تاريخ بغداد: 2 ص 255 و: 14 / 426 وابن عبد البر في الإستيعاب: 3 / 37 وأبو نعيم في حلية الأولياء: 8 / 185 وابن حجر في الإصابة: 2 / 503 والحاكم في المستدرك: 3 / 139 والبيهقي في سننه: 5 / 47 وابن حجر في فتح الباري: 7 / 57.

2- مسند أبي يعلى: 1 / 237.

3- فتح الباري: 7 / 72.


الصفحة 176
وقوله في الحديثين إن عليا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله: أراد بذلك وجود حقيقة المحبة، وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفةوفي الحديث تلميح بقوله تعالى: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، فكأنه أشار إلى أن عليا تام الاتباع لرسول الله (ص) حتى اتصف بصفة محبة الله له، ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق، كما أخرجه مسلم من حديث علي نفسه، قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي (ص) أن لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق. وله شاهد من حديث أم سلمة عند أحمد(1).

وقد حاول ابن حجر أن يميع شهادة النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) في خيبر بأن حبه وبغضه ميزان الإيمان ويجعلهما شهادتين عامتين لكل الصحابة! يفعل ابن حجر ذلك وهو يعلم أن غرض الإسلام من التأكيد على حب علي (عليه السلام) أن يضع للأمة خطا ومقياسا ليعرف به هدى المهتدين به، وكذب المنافقين في ادعائهم الإسلام, وكيف يعقل ابن حجر أن يكون الصحابة جميعا مقياسا لذلك، وعددهم عنده أكثر من مئة ألف، وقد كانوا في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) مختلفي المشارب والاتجاهات والمستويات، وصاروا بعده أكثر اختلافا وعداوة وبغضاء, حتى انقسمت الأمة بسببهم إلى محب لهم ومبغض، وقامت بينهم الحروب!! فلو جعلنا بغضهم مقياسا للنفاق، فقد نفينا وجود منافقين في الأمة! لأن المنافقين في زمنه وبعده، إما صحابة أو يحبون أحدا من الصحابة! وذلك تكذيب للقرآن حيث أخبرا بوجود منافقين في حياة التبي (ص)كما أن مقياس ابن حجر يسبب مشكلة عقيدية على الصحابة أنفسهم لأنه لا يكاد يوجد صحابي إلا وأبغض صحابيا آخر كما حصل بين ابن مسعود وعثمان وبين ابا عبيده واه السقيفة وبين الزهراء وابي بكر ووو... فيكونون جميعا بهذا المقياس (الحجري) منافقين!! وقد حاول ابن حجر أن يخلص من هذه الورطة فنقل عن صاحب المفهم كلاما غير مفهم، مفاده أن الصحابة قد أبغضوا بعضهم [هذا اعتراف منه شاهد على نفسه مناقض لقوله ] وقد اشتهر بغض معاوية لعلي، ولكن هذا البغض بزعمه ليس نفاقا! لأن قصد النبي (ص) أن علامة النفاق هو بغض علي بسبب نصرته للنبي فقط, وأما

____________

1- فتح الباري: 7 / 72 و 1 / 525.


الصفحة 177
بغضه لسبب آخر فهو حلال زلال، لا يوجب نفاقا ولا هم يحزنون!! وهي حيلة وجدها علماء الخلافة القرشية قبل ابن حجر، فحللوا بها بغض علي، وزعموا أن التأكيد النبوي المطلق مخصوص بمن أبغضه لنصرته للنبي (صلى الله عليه وآله) فقط! فلا يشمل الذين يبغضونه لأسباب أخرى غير النصرة!! وقد تشبثوا بتلك الحيلة لرفع حكم النفاق عن معاوية، وتبرير أمره بلعن علي (عليه السلام) على منابر الإسلام في خطب الجمعة عشرات السنين، وتشريد أهل بيت النبي ومطاردتهم في كل صقع، وتقتيل شيعتهم وهدم بيوتهم، وتقريب مبغضيهم ولاعنيهم، وإعطائهم مناصب الدولة!! وقد تمسك بهذه الحيلة بعض فقهاء النواصب في عصر ابن حجر، ودافعوا بها أمام القضاة السنيين، الذين أصدروا حكمهم على ابن تيمية، بأنه ناصبي منافق مبغض لعلي (عليه السلام)! فقال المدافعون: إن بغضه لعلي الذي ليس بسبب نصرته للنبي! (صلى الله عليه وآله) فهو مثل معاوية يبغض عليا لأسباب أخرى، فبغضه له حلال لا يصير بسببه من المنافقين، كما أن معاوية لم يصر من المنافقين!! ولكن منطقهم متهافت باطل لا يصدقة عاقل لان من البديهي ان محب الانسان لاياخذ حقه المنصوص له كما هو حال الخلافة وارث فدك ولايغضبه كما قالت الزهراء ع لأبي بكر وعمر: " نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: رضى فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي فمن أحب ابنتي فاطمة فقد أحبني ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني. قالوا: نعم سمعناه من رسول الله. قالت فإني أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه... الخ(1). ولا يشهر في وجهه سيفا ولا يامر بلعنه على كل منبر خلال فترة خلافته ولا يقتل محبية وشيعته كما فعل معاوية بمحمد بن ابي بكر وحجر بن عدي وامثالهم ولا يحاول طمس فضائله وتكذيبها كما هو حال ابن تيمية(2), بل يحاول ان يثبتها بكل جهد ويحاول ان يتقرب اليه بكل وسيلة لارضائة هذا هو منطق المحبة سواء محبة في الله او غيرها فالحب طبيعته حب

____________

1- الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص 14، فدك في التاريخ ص 92 وأخرجه الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير بالإسناد إلى أبي هريرة.تاريخ الخلفاء ص12-13اعلام النساء 4\123. وقد بينا في محله عن غضب الزهراء ع فراجع.

2- قد ذكرنا ذلك كله في محلة فراجع.


الصفحة 178
التقرب لا التنفر و... ومن دافع عن معاوية فهو ممن رضي بعملة وهو امامه نسال الله ان يحشره معه يوم يدعي كل اناس بامامهم امين.


الصفحة 179

الدليل الخامس عشر حديث الثقلين

قال رسول الله ص: " إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما(1)".

والثقل في اللغة كما في القاموس: والثقل - محركة بفتح الثاء - متاع المسافر وحشمه وكل شئ نفيس مصون، ومنه الحديث: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي(2).

وبعضهم قراء الثقلين بانه تثنية للثقل والظاهر ان الكلمة محركة بفتح الثاء والقاف لانه بمعنى متاع المسافر وهو الارجح لان المسافر من بلد إلى بلد وخاصة مع العزم على عدم العود إلى بلده السابق، يأخذ معه متاعه, ورسول الله (ص) يقول في حديث الثقلين: إني قد دعيت فأجبت، أو: يوشك أن أدعى فأجيب. فيخبر رسول الله عن دنو أجله وقرب رحيله عن هذه الحياة، وحينئذ يقول: وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ثم يوصيهم بقوله: ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، فالغرض من إبقاء هذين الأمرين بين الأمة، والهدف من تركهما فيهم هو أن لا يضلوا من بعده فبهذه القرائن الموجودة في داخل الحديث، والظروف المحيطة بهذا الحديث، نرجح أن تكون الكلمة الثقلين - بالفتح -.

____________

1- صحيح الترمذي ج 5 ص 329 ح 3876 ط دار الفكر و ج 2 ص 308 ط بولاق بمصر و ج 13 ص 200 ط الصاوي، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 231، الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 7 و 306، ذخائر العقبى ص 16، الصواعق المحرقة ص 147 و 226 ط المحمدية وص 89 ط الميمنة بمصر، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 33 و 40 و 226 و 355 ط الحيدرية وص 30 و 36 و 191 و 296 ط اسلامبول، المعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 135، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الشافعي ج 2 ص 12، تفسير بن كثير ج 4 ص 113، عبقات الأنوار ج 1 من حديث الثقلين ص 25 ط أصفهان و ج 1 / 36 و 93 و 113 و 135 و 173 و 193 و 215 و 237 و 241 و 253 و 271 ط قم، كنز العمال ج 1 ص 154 ط 2، الفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 451، تفسير الخازن ج 1 ص 4، مصابيح السنة للبغوي ص 206 ط الخيرية بمصر، و ج 2 ص 279 ط محمد علي صبيح بمصر، الجمع بين الصحاح للعبدرى مخطوط، جامع / صفحة 14 / الأصول لابن الأثير ج 1 ص 187 ح 66، المنتقى في سيرة المصطفى للشيخ سعيد الشافعي مخطوط، علم الكتاب للسيد خواجه الحنفي ص 264 ط دهلي، منتخب تاريخ ابن عساكر ج 5 ص 436 ط دمشق، مشكاة المصابيح للعمري ج 3 ص 258 ونقله في إحقاق الحق ج 9 عن: تيسير الوصول لابن الديبع ج 1 ص 16 ط نور كشور، التاج الجامع للأصول ج 3 ص 308 ط القاهرة، رفع اللبس والشبهات ص 52 ط مصر، أرجح المطالب للشيخ عبيد الله الحنفي ص 336 ط لاهور، السيف اليماني المسلول ص 10 ط الترقي بالشام.

2- القاموس المحيط 3 / 342 - ثقل - دار الفكر - بيروت - 1403 هـ.


الصفحة 180
قال المناوي بشرح كلمة عترتي يقول: (وهم أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا). فهنا تاكيد ان الحديث فيهم عليهم السلام. ويؤكد ذلك اكثر ان رواة حديث الثقلين من الصحابة هم أكثر من ثلاثين شخص، على رأسهم: أمير المؤمنين (عليه السلام) والإمام الحسن السبط (عليه السلام) وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي وجابر بن عبد الله الأنصاري وحذيفة بن اليمان وأبو سعيد الخدري وفاطمة الزهراء بضعة الرسول صلوات الله عليها وأم سلمة أم المؤمنين وأم هاني أخت الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ووو.... ورواة الحديث من مشاهير الأئمة في مختلف القرون يبلغون المئات منهم: سعيد بن مسروق الثوري ومحمد بن إسحاق، صاحب السيرة ومحمد بن سعد، صاحب الطبقات وابن راهويه، صاحب المسند وأحمد بن حنبل، صاحب المسند وعبد بن حميد، صاحب المسند ومسلم بن الحجاج، صاحب الصحيح وابن ماجة القزويني، صاحب السنن الذي هو أحد الصحاح الستة والترمذي، صاحب الصحيح والنسائي، صاحب الصحيح ومحمد بن جرير الطبري، صاحب التاريخ والتفسير وأبو القاسم الطبراني، صاحب المعاجم والفخر الرازي، صاحب التفسير الكبير. وأبو زكريا النووي، صاحب شرح مسلم والمناوي، شارح الجامع الصغير وووو... فهاؤولاء من أعلام أهل السنة في القرون المختلفة.

ويقول القاري في شرح الحديث: (معنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهداهم وسيرتهم). ويقول الزرقاني المالكي: (وأكد تلك الوصية وقواها بقوله: فانظروا بم تخلفوني فيهما بعد وفاتي، هل تتبعونهما فتسروني أو لا فتسيئوني). ويقول ابن حجر المكي: (حث (صلى الله عليه وسلم) على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم)(1). وحينئذ، يكون من دلالات حديث الثقلين انهم مع القران وان كل الصحابة كانوا مأمورين بالرجوع إلى أهل البيت، والاقتداء بهم، والتعلم منهم، وإطاعتهم والانقياد لهم كما يرجعوا للقران بل والناس كلهم مامورين بذلك الى ان يردوا الحوض على رسول الله ص, فالرسول قال فانظروا بما تخلفوني فيهما وقال اني سائلكم عنهما وليس عن القران

____________

1- فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3 / 15 , المرقاة في شرح المشكاة 5 / 600 , شرح المواهب اللدنية 7 / 5.


الصفحة 181
فقط وقال من تمسك بهما لن يضل فالضمير مثنى أي لابد منهما فلا يكفي القران وحده كما في الحديث الشريف.

وقد جاء في بعض ألفاظ حديث الثقلين - كما هو عند الطبراني ووالهيثمي وابن الأثير وغيرهم: قال رسول الله بعد: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما... قال: فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، ففي نفس حديث الثقلين توجد هذه الفقرة في رواية القوم"(1). والشراح يوضحون هذه الناحية أيضا، مثلا يقول القاري في المرقاة: الأظهر هو أن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته، وبهذا يصلح أن يكونوا عدلا لكتاب الله سبحانه، كما قال تعالى: (يعلمهم الكتاب والحكمة). وفي الصواعق هذه العبارة بالنص يقول: وفي قوله (صلى الله عليه وسلم): فلا تقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم في قوله هذا دليل على أن من تأهل منهم للمراتب العلية والوظائف الدينية كان مقدما على غيره. فتكون هذه الفقرة الدالة على وجوب التعلم منهم دالة على إمامتهم وتقدمهم على غيرهم.

وفي قران أهل البيت بالقرآن دلالة على عصمة أهل البيت، وعلى وجود الإمام من أهل البيت في كل زمان، يصلح للإمامة، ولأن يكون قدوة للناس، ولأن يتعلم منه الناس جميع يكون موجودا في كل زمان ما دام القرآن موجودا.واقتران حديث الثقلين بحديث الغدير المتواتر الدال على إمامة أمير المؤمنين ومجيؤهما في سياق واحد، يدل على دلالة حديث الثقلين أيضا على نفس مدلول حديث الغدير، والسياق كما قلنا قرينة يؤخذ بها ما لم يكن في مقابلها نص قاطع، وليس هنا في المقابل نص قاطع يمنعنا من الأخذ بهذا السياق, واقتران حديث الغدير وحديث الثقلين في مصادر موثوقة في كتب القوم(2).

____________

1- الصواعق المحرقة: 231 - دار الكتب العلمية - بيروت - 1414 هـ , المعجم الكبير 5 / 186 - 187 , مجمع الزوائد، عن الطبراني , أسد الغابة 1 / 490 - دار الفكر - بيروت - 1409 هـ , الصواعق المحرقة: 90.

2- المعجم الكبير 5 / 195 رقم 5070 , مسند ابن راهويه: مخطوط , مستدرك الحاكم 3 / 109، 174 , نوادر الأصول، كما في غير واحد من المصادر عنه , الإصابة 7 / 78 رقم 4767 - دار الكتب العلمية - بيروت , أسد الغابة 3 / 605 , السيرة الحلبية 3 / 274 - دار إحياء التراث العربي - بيروت , الفتاوي الفقهية 2 /122.


الصفحة 182
وقد كرر الرسول ص الوصية بالكتاب والعترة، في موارد عديدة:

المورد الأول: عند انصرافه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الطائف، وهذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة، وعنه ابن حجر المكي في الصواعق المحرقة(1).

المورد الثاني: في حجة الوداع، وفي عرفة بالذات، وقد أخرج هذا الحديث ابن أبي شيبة.، والترمذي والطبراني، وابن وغير هؤلاء(2).

المورد الثالث: في يوم غدير خم، وفي الخطبة، وقد أخرج هذا الحديث أحمد والدارمي والبيهقي وابن كثير وغيرهم.

المورد الرابع: في مرضه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي توفي فيه، قاله وقد امتلأت الغرفة أو الحجرة بالناس، أخرجه ابن أبي شيبة والبزار وابن حجر المكي وغيرهم(3).

والحديث قد جاء بعدة الفاظ كلها تصب مصب واحد وهو وجوب التمسك بالقران والعترة ففي بعضها (ما ان اخذتم, وبعضها مان تمسكتم وبعضها اعتصمتم وهكذا) ففي صحيح الترمذي بإسناده عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما(4). وفي صحيح الترمذي ايضا بالاسناد الى جابر بن عبد الله الانصاري: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي"(5).

____________

1- الصواعق المحرقة: 64.

2- كنز العمال: 1\48 ط 1., صحيح الترمذي 5 / 621 , المعجم الكبير 3 / 63 رقم 2679 , جامع الأصول 1 / 277.

3- مسند أحمد 3 / 17 , سنن الدارمي 2 / 310 , سنن البيهقي 2 / 148 , البداية والنهاية 5 / 209 , رواه عنه العصامي في سمط النجوم العوالي 2 / 502 رقم 136 , كشف الأستار عن زوائد البزار 3 / 221 رقم 2612 , الصواعق المحرقة: 89.

4- صحيح الترمذي 5 / 663 رقم 3788.

5- صحيح الترمذي: 5 / 662 رقم 3786 - دار إحياء التراث العربي - بيروت.


الصفحة 183
فلفظة ما إن أخذتم موجودة في مسند أحمد وغيره(1).

ولفظ التمسك في مسند عبد بن حميد وفي الدر المنثور، وغيرهما من المصادر(2). ومعنى الأخذ في اللغة في مثل هذا المقام، ومعنى التمسك في مثل هذا المقام هو الاتباع وكلمة الاتباع أيضا من ألفاظ حديث الثقلين، كم في رواية ابن أبي شيبة, وفي رواية الخطيب البغدادي(3). ولفظ الاعتصام بدل لفظ التمسك والأخذ، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إني تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به كتاب الله وعترتي"(4). والاعتصام في اللغة العربية في الكتاب والسنة وفي الاستعمالات الفصيحة هو التمسك. ولذا نرى في الحديث المتفق عليه عن الإمام الصادق (عليه السلام) بتفسير قوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): نحن حبل الله(5). وفي تفسير التفاسير يذكرون حديث الثقلين في تفسير الآية المباركة كما في تفسير الرازي وغيره(6). والاعتصام هو التمسك، والتمسك يرجع إلى الاتباع أيضا كما في مستدرك الحاكم بسند صحيح(7).

وإذا وجب الاتباع بدون قيد ولا شرط أي في كل شي ثبتت العصمة واذا ثبتت العصمة ثبتت احقية مذهب الشيعة في الامامة اذ لا يقول بالعصمة ووجوب الاتباع مطلقا الا هم فتثبت الإمامة بلا نزاع، فيكون الامام علي وأهل البيت (عليهم السلام) خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعده, وابطال كل من سواهم بل اثبات اغتصاب الخلفاء لما ليس لهم بحق وهذا قد ثبت بالعقل والنقل وذلك لما ورد من ايات وروايات في

____________

1- مسند أحمد 5 / 492 رقم 18780 , أنظر: المطالب العالية لابن حجر العسقلاني، رقم 1873 , طبقات ابن سعد 1 / 194 , صحيح الترمذي 2 / 219 , كتاب مفتاح النجا للعلامة البدخشي ,المعجم الكبير للطبراني 3 / 62 رقم 2678 - دار إحياء التراث العربي , مصابيح السنة 4 / 190 رقم 4816 - دار المعرفة - بيروت - 1407 هـ , جامع الأصول 1 / 278 رقم 66 - دار الفكر - بيروت - 1403 هـ.

2- منتخب مسند عبد بن حميد: 265 ,الدر المنثور، الجامع الصغير، إحياء الميت: 12 , مصنف ابن أبي شيبة 10 / 505 رقم 10127 - الدار السلفية - الهند - 1401 هـ.

3- مفتاح النجا للعلامة البدخشي عن المتفق والمفترق للخطيب.

4- مفتاح النجا للعلامة - البدخشي عن المتفق والمفترق للخطيب.

5- تفسير الثعلبي , الصواعق المحرقة: 233 - دار الكتب العلمية - بيروت - 1414 هـ.

6- تفسير الرازي 8 / 173 , تفسير الخازن 1 / 277 - دار الكتب العلمية - بيروت - 1415 هـ.

7- المستدرك على الصحيحين 3 / 109.


الصفحة 184
وجوب التمسك باهل البيت ع وانهم الامان من الضلال كما في حديث الثقلين والسفينة وقد ثبتت اعترافات الصحابة بان بيعتهم فلته, وحصل بينهم من الاختلاف والنزاع ما يثبت ان التمسك بهم محال لانهم مفترقين الى فرق واحزاب بجهل لا بعلم وقد ذكرنا وقد ذكرنا جهل الخلفاء في ابسط المسائل فراجع, وقد بين رسول الله (ص) لاصحابة ان ما يامرهم به هو امر الهي كما في قوله (ص لاصحابة): " يا معشر الأنصار ألا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا، هذا علي فأحبوه بحبي، وأكرموه بكرامتي، فإن جبرائيل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز وجل(1)".

شبهه ورد:

اولا: قد نسب الى احمد بن حنبل انه قال في حديث عبد الملك عن عطية عن أبي سعيد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): تركت فيكم الثقلين قال: أحاديث الكوفيين هذه مناكير.

والجواب: ان نسبة هذا الكلام إلى أحمد نسبة كاذبة، لأن أحمد يروي هذا الحديث في مسنده، وفي كتاب فضائل الصحابة، بأسانيد كثيرة عن عدة من الصحابة، وأين قال أحمد هذا؟ ومتى قال؟. وأما دعوى: أن هذا الحديث منكر، فنقول: إنه منكر عند البخاري، لأنه يدل على إمامة أمير المؤمنين وأهل البيت ولكن يكفي في صحته ما ذكرنا من المصادر التي اوردته ومن رواه من الصحابة واعلام القوم في مسانيدهم وسننهم وصحاحهم.

____________

1- أخرجه الطبراني في الكبير وهو الحديث 2625 من الكنز ص 157 من جزئه السادس، وهو الخبر العاشر في ص 450 من المجلد الثاني , شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 9 \ 170 ط مصر بتحقيق أبو الفضل، حلية الأولياء لأبي نعيم ج 1 \ 63 ط السعادة، مجمع الزوائد ج 9 \ 132، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 210 ط الحيدرية وص 91 ط الغري، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 313 ط اسلامبول، كنز العمال ج 15 \ 126 ح 363 ط 2، الرياضة النضرة ج 2 \ 233 ط 2، فضائل الخمسة ج 2 \ 98، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج 1 \ 60 ط النجف، فرائد السمطين ج 1 \ 197 ح 154.


الصفحة 185
ثانيا: ان عددا من المصادر السنية روت وصية النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع بالكتاب وحده، بدون العترة! ففي صحيح مسلم وغيره: (وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله(1)).

والجواب عليهم يكون من نفس المصادر التي روت هذا الحديث ناقصا في حجة الوداع، روته تاما في غيرها، فيحمل الناقص على التام! فقد روى مسلم والبيهقي وابن ماجة والهيثمي بروايات متعددة، وصية النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن والعترة معا، وتأكيداته المتكررة على ذلك.. ففي صحيح مسلم: (عن زيد بن أرقم: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم(2)).

ورواه البيهقي في سننه وفي مجمع الزوائد: عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إني تركت فيكم خليفتين: كتاب الله، وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض(3). رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات). ورواه بنحوه: وقال: رواه أحمد وإسناده جيد(4). والذي يؤكد ما ذهبنا إليه من أن الوصية بالعترة حذفت من خطب حجة الوداع: أن الكلام النبوي الذي هو جوامع الكلم، له خصائص عديدة يتفرد بها ومن خصائصه أنه يستعمل تراكيب معينة لمعان معينة، لا يستعملها لغيرها، فهو

____________

1- صحيح مسلم: 4 / 41 وغيره.

2- ففي صحيح مسلم: 7 / 122.

3- سننه 7 / 30 و 10 / 114. وفي مجمع الزوائد: 1 / 170.

4- رواه الطبراني في الكبير: 9 / 162.