لكن في حديث النسائي وحديث أبي يعلى: إنه جاء أبو بكر فرده، جاء عمر فرده، وأضاف صاحب المسند فقال: بأن عثمان أيضا جاء ورده؟! فهؤلاء كانوا في المدينة المنورة, وحتى لو فرضنا غيابهم فالرسول ص اطلق الصفة فجعلة احب انسان اليه والى الله تعالى ورسول الله يعلم انه لن ياتي الا علي وانما اراد تسجيل فضيلة له مدى التاريخ وكأن الله ملهم عليا ان ياتي ويذهب عدة مرات ويرده انس فلماذا يرجع لولاان الحكمة الالاهية تريد ذلك, ثم ان هناك احاديث كثيرة تكررت فيها عبارات بها لفظ: (احب الناس الله ورسوله, وان حب علي فريضه,وعلامة للمؤمن ووو...) منها: ما وروى المسعودي عن كتاب الأخبار لأبي الحسن علي بن محمد بن سليمان النوفلي بإسناده عن العباس بن عبد المطلب قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أقبل علي بن أبي طالب فلما رآه أسفر في وجهه فقلت: يا رسول الله! إنك لتسفر في وجه هذا الغلام. فقال: " يا عم رسول الله والله لله أشد حبا له مني، ولم يكن نبي إلا وذريته الباقية بعده من صلبه وإن ذريتي بعدي من صلب هذا، إنه إذا كان يوم القيامة دعى الناس بأسمائهم وأسماء أمهاتهم إلا هذا وشيعته فإنهم يدعون بأسمائهم وأسماء آبائهم لصحة ولادتهم"(1). وقوله ص " عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب(2)" وروى الحاكم عن ابن عباس (رضي الله عنه) قال نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي فقال: " يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي"(3). ومنها قوله (ص) "...لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار.. وفي الصباح نادى على علي بن أبي طالب وكان أرمدا لا يرى فتفل بعينه وأعطاه الراية"(4).
____________
1- مروج الذهب للمسعودي ج 2 ص 51.
2- أخرجه الحافظ الخطيب البغدادي في تأريخه: ج 4 ص 410 (غ 1 / ط).
3- المستدرك ج 3 ص 128.
4- راجع المغازي للواقدي ج 2 ص 653 , و راجع مسند الإمام أحمد ج 1 ص 99 وخصائص النسائي ص 5 وكنز العمال ج 6 ص 394 كما نقله عن ابن شيبة وابن حنبل، وابن ماجة، والبزار وابن جرير وصححه والطبراني في الأوسط والحاكم، والبيهقي في الدلائل ومستدرك الصحيحين ج 3 ص 437.
وأخرج الحافظ الدارقطني وشيخ الاسلام الحموي في فرائده بإسنادهما عن أنس مرفوعا قال: إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر ثم ينادي مناد من بطنان العرش: أين محمد! فأجيب: فيقال لي: ارق. فأكون أعلاه ثم ينادي الثانية: أين علي! فيكون دوني بمرقاة فيعلم جميع الخلايق أن محمدا سيد المرسلين وأن عليا سيد المؤمنين قال أنس: فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله: من يبغض عليا بعد؟! فقال: يا أخا الأنصار لا يبغضه من قريش إلا سفحي، ولا من الأنصار إلا يهودي، ولا من العرب إلا دعي، ولا من ساير الناس إلا شقي.
هذا الحديث ضعفه السيوطي لمكان إسماعيل بن موسى الفزاري في سنده. وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال مطين: كان صدوقا. وقال النسائي: لا بأس به. وعن أبي داود:
____________
1- مسند أحمد ج 1 - ص 77، سنن الترمذي ج 5 - ص 599 - ح 3733، تاريخ بغداد ج 13 - ص 288، كنز العمال ج 13 - ص 639 ح 37613.
2- أخرج هذا الحديث عن عمر بن الخطاب وغيره من الصحابة ورواه جماعة من علماء السنة، منهم: الخوارزمي في كتابه (مقتل الحسين ع) فإنه أخرج هذا الحديث بسنده عن ابن عباس و محمد صالح الحنفي في كتابه (الكوكب الدري) عن عمر بن الخطاب الكوكب الدري: 122, وراجع إحقاق الحق: 7 / 149 - 151، و ج 17 / 240.
3- المناقب: 43 (ط. تبريز) ورواه أيضا في مقتل الحسين (ع): 40 ط. الغري والحديث مروي في العديد من مصادر العامة بأسانيد معتبرة.
4- مناقب الخوارزمي و المناقب لابن المغازلي ص 46 ح 68.
وعن أبي بكر الصديق قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله خيم خيمة وهو متكئ على قوس عربية وفي الخيمة علي وفاطمة والحسن والحسين فقال: معشر المسلمين! أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ المولد(1). وعن أبي مريم الأنصاري عن علي عليه السلام قال: لا يحبني كافر ولا ولد زنا(2) وروى أحمد عن زر بن حبيش عن علي (رضي الله عنه) قال: " عهد إلي النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق"(3). وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري قال: إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم على بن أبي طالب(4). وروى الحاكم سمعت عمار بن ياسر (رضي الله عنه) يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي: يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك(5). هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروى الحاكم أن النبي (صلى الله عليه وآله) أخبر عليا بأن الأمة ستغدر به من بعده، قال: عن حيان الأسدي سمعت عليا يقول قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا، يعني لحيته من رأسه(6).
وأخرج الخطيب عن ابن عباس قال: قلت للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله للنار جواز؟! قال: نعم. قلت: وما هو؟! قال: حب علي بن أبي طالب(7).
____________
1- الرياض النضر للحافظ محب الدين الطبري 2 ص 189.
2- شرح ابن أبي الحديد ج 1 ص 373.
3- مسند احمد ج 1 ص 95 و ص 128 و ص 292.
4- سنن الترمذي ج 5 ص 306 , و 298.
5- المستدرك ج 3 ص 135.
6- المستدرك ج 3 ص 142.
7- التاريخ 3 ص 161.
وفي فتح الباري: وفي كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه يقول: " لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجمانها على المنافق على أن يحبني ما أحبني! وذلك أنه قضي فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه و(آله) وسلم أنه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق"(3).
والروايات حول حب علي كثيرة جدا لم نحصيها مراعاة للاختصارواعترف بها الخاص والعام حتى انهم اظطروا يبرروا حروب القوم ضد الامام علي ع انها ليست ناشئة عن بغضا له كي لا يثبت نفاقهم, قال صاحب المفهم: وأما الحروب الواقعة بينهم، فإن وقع من بعضهم بغض فذاك من غير هذه الجهة، بل للأمر الطارئ الذي اقتضى المخالفة! ولذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام، للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد!! والله أعلم. وقال في فتح الباري في شرح رواية البخاري: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله:
____________
1- صحيح مسلم: 1 / 60، ورواه ابن ماجة: 1 / 42 والنسائي في سننه: 8 / 115 و 117 وفي خصائص علي: 1375 وأحمد في مسنده: 1 / 84 و 95 و 128 وفي فضائل الصحابة: 2 / 264 وابن أبي شيبة في المصنف: 12 / 56 وعبد الرزاق في المصنف: 11 / 55 وابن أبي عاصم في السنة: 5842 وابن حبان في صحيحه: 9 / 40 والخطيب في تاريخ بغداد: 2 ص 255 و: 14 / 426 وابن عبد البر في الإستيعاب: 3 / 37 وأبو نعيم في حلية الأولياء: 8 / 185 وابن حجر في الإصابة: 2 / 503 والحاكم في المستدرك: 3 / 139 والبيهقي في سننه: 5 / 47 وابن حجر في فتح الباري: 7 / 57.
2- مسند أبي يعلى: 1 / 237.
3- فتح الباري: 7 / 72.
وقد حاول ابن حجر أن يميع شهادة النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) في خيبر بأن حبه وبغضه ميزان الإيمان ويجعلهما شهادتين عامتين لكل الصحابة! يفعل ابن حجر ذلك وهو يعلم أن غرض الإسلام من التأكيد على حب علي (عليه السلام) أن يضع للأمة خطا ومقياسا ليعرف به هدى المهتدين به، وكذب المنافقين في ادعائهم الإسلام, وكيف يعقل ابن حجر أن يكون الصحابة جميعا مقياسا لذلك، وعددهم عنده أكثر من مئة ألف، وقد كانوا في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) مختلفي المشارب والاتجاهات والمستويات، وصاروا بعده أكثر اختلافا وعداوة وبغضاء, حتى انقسمت الأمة بسببهم إلى محب لهم ومبغض، وقامت بينهم الحروب!! فلو جعلنا بغضهم مقياسا للنفاق، فقد نفينا وجود منافقين في الأمة! لأن المنافقين في زمنه وبعده، إما صحابة أو يحبون أحدا من الصحابة! وذلك تكذيب للقرآن حيث أخبرا بوجود منافقين في حياة التبي (ص)كما أن مقياس ابن حجر يسبب مشكلة عقيدية على الصحابة أنفسهم لأنه لا يكاد يوجد صحابي إلا وأبغض صحابيا آخر كما حصل بين ابن مسعود وعثمان وبين ابا عبيده واه السقيفة وبين الزهراء وابي بكر ووو... فيكونون جميعا بهذا المقياس (الحجري) منافقين!! وقد حاول ابن حجر أن يخلص من هذه الورطة فنقل عن صاحب المفهم كلاما غير مفهم، مفاده أن الصحابة قد أبغضوا بعضهم [هذا اعتراف منه شاهد على نفسه مناقض لقوله ] وقد اشتهر بغض معاوية لعلي، ولكن هذا البغض بزعمه ليس نفاقا! لأن قصد النبي (ص) أن علامة النفاق هو بغض علي بسبب نصرته للنبي فقط, وأما
____________
1- فتح الباري: 7 / 72 و 1 / 525.
____________
1- الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص 14، فدك في التاريخ ص 92 وأخرجه الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير بالإسناد إلى أبي هريرة.تاريخ الخلفاء ص12-13اعلام النساء 4\123. وقد بينا في محله عن غضب الزهراء ع فراجع.
2- قد ذكرنا ذلك كله في محلة فراجع.
الدليل الخامس عشر حديث الثقلين
قال رسول الله ص: " إني تارك فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما(1)".
والثقل في اللغة كما في القاموس: والثقل - محركة بفتح الثاء - متاع المسافر وحشمه وكل شئ نفيس مصون، ومنه الحديث: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي(2).
وبعضهم قراء الثقلين بانه تثنية للثقل والظاهر ان الكلمة محركة بفتح الثاء والقاف لانه بمعنى متاع المسافر وهو الارجح لان المسافر من بلد إلى بلد وخاصة مع العزم على عدم العود إلى بلده السابق، يأخذ معه متاعه, ورسول الله (ص) يقول في حديث الثقلين: إني قد دعيت فأجبت، أو: يوشك أن أدعى فأجيب. فيخبر رسول الله عن دنو أجله وقرب رحيله عن هذه الحياة، وحينئذ يقول: وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ثم يوصيهم بقوله: ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا، فالغرض من إبقاء هذين الأمرين بين الأمة، والهدف من تركهما فيهم هو أن لا يضلوا من بعده فبهذه القرائن الموجودة في داخل الحديث، والظروف المحيطة بهذا الحديث، نرجح أن تكون الكلمة الثقلين - بالفتح -.
____________
1- صحيح الترمذي ج 5 ص 329 ح 3876 ط دار الفكر و ج 2 ص 308 ط بولاق بمصر و ج 13 ص 200 ط الصاوي، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 231، الدر المنثور للسيوطي ج 6 ص 7 و 306، ذخائر العقبى ص 16، الصواعق المحرقة ص 147 و 226 ط المحمدية وص 89 ط الميمنة بمصر، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 33 و 40 و 226 و 355 ط الحيدرية وص 30 و 36 و 191 و 296 ط اسلامبول، المعجم الصغير للطبراني ج 1 ص 135، أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير الشافعي ج 2 ص 12، تفسير بن كثير ج 4 ص 113، عبقات الأنوار ج 1 من حديث الثقلين ص 25 ط أصفهان و ج 1 / 36 و 93 و 113 و 135 و 173 و 193 و 215 و 237 و 241 و 253 و 271 ط قم، كنز العمال ج 1 ص 154 ط 2، الفتح الكبير للنبهاني ج 1 ص 451، تفسير الخازن ج 1 ص 4، مصابيح السنة للبغوي ص 206 ط الخيرية بمصر، و ج 2 ص 279 ط محمد علي صبيح بمصر، الجمع بين الصحاح للعبدرى مخطوط، جامع / صفحة 14 / الأصول لابن الأثير ج 1 ص 187 ح 66، المنتقى في سيرة المصطفى للشيخ سعيد الشافعي مخطوط، علم الكتاب للسيد خواجه الحنفي ص 264 ط دهلي، منتخب تاريخ ابن عساكر ج 5 ص 436 ط دمشق، مشكاة المصابيح للعمري ج 3 ص 258 ونقله في إحقاق الحق ج 9 عن: تيسير الوصول لابن الديبع ج 1 ص 16 ط نور كشور، التاج الجامع للأصول ج 3 ص 308 ط القاهرة، رفع اللبس والشبهات ص 52 ط مصر، أرجح المطالب للشيخ عبيد الله الحنفي ص 336 ط لاهور، السيف اليماني المسلول ص 10 ط الترقي بالشام.
2- القاموس المحيط 3 / 342 - ثقل - دار الفكر - بيروت - 1403 هـ.
ويقول القاري في شرح الحديث: (معنى التمسك بالعترة محبتهم والاهتداء بهداهم وسيرتهم). ويقول الزرقاني المالكي: (وأكد تلك الوصية وقواها بقوله: فانظروا بم تخلفوني فيهما بعد وفاتي، هل تتبعونهما فتسروني أو لا فتسيئوني). ويقول ابن حجر المكي: (حث (صلى الله عليه وسلم) على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم)(1). وحينئذ، يكون من دلالات حديث الثقلين انهم مع القران وان كل الصحابة كانوا مأمورين بالرجوع إلى أهل البيت، والاقتداء بهم، والتعلم منهم، وإطاعتهم والانقياد لهم كما يرجعوا للقران بل والناس كلهم مامورين بذلك الى ان يردوا الحوض على رسول الله ص, فالرسول قال فانظروا بما تخلفوني فيهما وقال اني سائلكم عنهما وليس عن القران
____________
1- فيض القدير في شرح الجامع الصغير 3 / 15 , المرقاة في شرح المشكاة 5 / 600 , شرح المواهب اللدنية 7 / 5.
وقد جاء في بعض ألفاظ حديث الثقلين - كما هو عند الطبراني ووالهيثمي وابن الأثير وغيرهم: قال رسول الله بعد: "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما... قال: فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، ففي نفس حديث الثقلين توجد هذه الفقرة في رواية القوم"(1). والشراح يوضحون هذه الناحية أيضا، مثلا يقول القاري في المرقاة: الأظهر هو أن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته، الواقفون على طريقته، العارفون بحكمه وحكمته، وبهذا يصلح أن يكونوا عدلا لكتاب الله سبحانه، كما قال تعالى: (يعلمهم الكتاب والحكمة). وفي الصواعق هذه العبارة بالنص يقول: وفي قوله (صلى الله عليه وسلم): فلا تقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم في قوله هذا دليل على أن من تأهل منهم للمراتب العلية والوظائف الدينية كان مقدما على غيره. فتكون هذه الفقرة الدالة على وجوب التعلم منهم دالة على إمامتهم وتقدمهم على غيرهم.
وفي قران أهل البيت بالقرآن دلالة على عصمة أهل البيت، وعلى وجود الإمام من أهل البيت في كل زمان، يصلح للإمامة، ولأن يكون قدوة للناس، ولأن يتعلم منه الناس جميع يكون موجودا في كل زمان ما دام القرآن موجودا.واقتران حديث الثقلين بحديث الغدير المتواتر الدال على إمامة أمير المؤمنين ومجيؤهما في سياق واحد، يدل على دلالة حديث الثقلين أيضا على نفس مدلول حديث الغدير، والسياق كما قلنا قرينة يؤخذ بها ما لم يكن في مقابلها نص قاطع، وليس هنا في المقابل نص قاطع يمنعنا من الأخذ بهذا السياق, واقتران حديث الغدير وحديث الثقلين في مصادر موثوقة في كتب القوم(2).
____________
1- الصواعق المحرقة: 231 - دار الكتب العلمية - بيروت - 1414 هـ , المعجم الكبير 5 / 186 - 187 , مجمع الزوائد، عن الطبراني , أسد الغابة 1 / 490 - دار الفكر - بيروت - 1409 هـ , الصواعق المحرقة: 90.
2- المعجم الكبير 5 / 195 رقم 5070 , مسند ابن راهويه: مخطوط , مستدرك الحاكم 3 / 109، 174 , نوادر الأصول، كما في غير واحد من المصادر عنه , الإصابة 7 / 78 رقم 4767 - دار الكتب العلمية - بيروت , أسد الغابة 3 / 605 , السيرة الحلبية 3 / 274 - دار إحياء التراث العربي - بيروت , الفتاوي الفقهية 2 /122.
المورد الأول: عند انصرافه (صلى الله عليه وآله وسلم) من الطائف، وهذا الحديث أخرجه ابن أبي شيبة، وعنه ابن حجر المكي في الصواعق المحرقة(1).
المورد الثاني: في حجة الوداع، وفي عرفة بالذات، وقد أخرج هذا الحديث ابن أبي شيبة.، والترمذي والطبراني، وابن وغير هؤلاء(2).
المورد الثالث: في يوم غدير خم، وفي الخطبة، وقد أخرج هذا الحديث أحمد والدارمي والبيهقي وابن كثير وغيرهم.
المورد الرابع: في مرضه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي توفي فيه، قاله وقد امتلأت الغرفة أو الحجرة بالناس، أخرجه ابن أبي شيبة والبزار وابن حجر المكي وغيرهم(3).
والحديث قد جاء بعدة الفاظ كلها تصب مصب واحد وهو وجوب التمسك بالقران والعترة ففي بعضها (ما ان اخذتم, وبعضها مان تمسكتم وبعضها اعتصمتم وهكذا) ففي صحيح الترمذي بإسناده عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما(4). وفي صحيح الترمذي ايضا بالاسناد الى جابر بن عبد الله الانصاري: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي"(5).
____________
1- الصواعق المحرقة: 64.
2- كنز العمال: 1\48 ط 1., صحيح الترمذي 5 / 621 , المعجم الكبير 3 / 63 رقم 2679 , جامع الأصول 1 / 277.
3- مسند أحمد 3 / 17 , سنن الدارمي 2 / 310 , سنن البيهقي 2 / 148 , البداية والنهاية 5 / 209 , رواه عنه العصامي في سمط النجوم العوالي 2 / 502 رقم 136 , كشف الأستار عن زوائد البزار 3 / 221 رقم 2612 , الصواعق المحرقة: 89.
4- صحيح الترمذي 5 / 663 رقم 3788.
5- صحيح الترمذي: 5 / 662 رقم 3786 - دار إحياء التراث العربي - بيروت.
ولفظ التمسك في مسند عبد بن حميد وفي الدر المنثور، وغيرهما من المصادر(2). ومعنى الأخذ في اللغة في مثل هذا المقام، ومعنى التمسك في مثل هذا المقام هو الاتباع وكلمة الاتباع أيضا من ألفاظ حديث الثقلين، كم في رواية ابن أبي شيبة, وفي رواية الخطيب البغدادي(3). ولفظ الاعتصام بدل لفظ التمسك والأخذ، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " إني تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به كتاب الله وعترتي"(4). والاعتصام في اللغة العربية في الكتاب والسنة وفي الاستعمالات الفصيحة هو التمسك. ولذا نرى في الحديث المتفق عليه عن الإمام الصادق (عليه السلام) بتفسير قوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): نحن حبل الله(5). وفي تفسير التفاسير يذكرون حديث الثقلين في تفسير الآية المباركة كما في تفسير الرازي وغيره(6). والاعتصام هو التمسك، والتمسك يرجع إلى الاتباع أيضا كما في مستدرك الحاكم بسند صحيح(7).
وإذا وجب الاتباع بدون قيد ولا شرط أي في كل شي ثبتت العصمة واذا ثبتت العصمة ثبتت احقية مذهب الشيعة في الامامة اذ لا يقول بالعصمة ووجوب الاتباع مطلقا الا هم فتثبت الإمامة بلا نزاع، فيكون الامام علي وأهل البيت (عليهم السلام) خلفاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بعده, وابطال كل من سواهم بل اثبات اغتصاب الخلفاء لما ليس لهم بحق وهذا قد ثبت بالعقل والنقل وذلك لما ورد من ايات وروايات في
____________
1- مسند أحمد 5 / 492 رقم 18780 , أنظر: المطالب العالية لابن حجر العسقلاني، رقم 1873 , طبقات ابن سعد 1 / 194 , صحيح الترمذي 2 / 219 , كتاب مفتاح النجا للعلامة البدخشي ,المعجم الكبير للطبراني 3 / 62 رقم 2678 - دار إحياء التراث العربي , مصابيح السنة 4 / 190 رقم 4816 - دار المعرفة - بيروت - 1407 هـ , جامع الأصول 1 / 278 رقم 66 - دار الفكر - بيروت - 1403 هـ.
2- منتخب مسند عبد بن حميد: 265 ,الدر المنثور، الجامع الصغير، إحياء الميت: 12 , مصنف ابن أبي شيبة 10 / 505 رقم 10127 - الدار السلفية - الهند - 1401 هـ.
3- مفتاح النجا للعلامة البدخشي عن المتفق والمفترق للخطيب.
4- مفتاح النجا للعلامة - البدخشي عن المتفق والمفترق للخطيب.
5- تفسير الثعلبي , الصواعق المحرقة: 233 - دار الكتب العلمية - بيروت - 1414 هـ.
6- تفسير الرازي 8 / 173 , تفسير الخازن 1 / 277 - دار الكتب العلمية - بيروت - 1415 هـ.
7- المستدرك على الصحيحين 3 / 109.
شبهه ورد:
اولا: قد نسب الى احمد بن حنبل انه قال في حديث عبد الملك عن عطية عن أبي سعيد قال النبي (صلى الله عليه وسلم): تركت فيكم الثقلين قال: أحاديث الكوفيين هذه مناكير.
والجواب: ان نسبة هذا الكلام إلى أحمد نسبة كاذبة، لأن أحمد يروي هذا الحديث في مسنده، وفي كتاب فضائل الصحابة، بأسانيد كثيرة عن عدة من الصحابة، وأين قال أحمد هذا؟ ومتى قال؟. وأما دعوى: أن هذا الحديث منكر، فنقول: إنه منكر عند البخاري، لأنه يدل على إمامة أمير المؤمنين وأهل البيت ولكن يكفي في صحته ما ذكرنا من المصادر التي اوردته ومن رواه من الصحابة واعلام القوم في مسانيدهم وسننهم وصحاحهم.
____________
1- أخرجه الطبراني في الكبير وهو الحديث 2625 من الكنز ص 157 من جزئه السادس، وهو الخبر العاشر في ص 450 من المجلد الثاني , شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 9 \ 170 ط مصر بتحقيق أبو الفضل، حلية الأولياء لأبي نعيم ج 1 \ 63 ط السعادة، مجمع الزوائد ج 9 \ 132، كفاية الطالب للكنجي الشافعي ص 210 ط الحيدرية وص 91 ط الغري، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 313 ط اسلامبول، كنز العمال ج 15 \ 126 ح 363 ط 2، الرياضة النضرة ج 2 \ 233 ط 2، فضائل الخمسة ج 2 \ 98، مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي ج 1 \ 60 ط النجف، فرائد السمطين ج 1 \ 197 ح 154.
والجواب عليهم يكون من نفس المصادر التي روت هذا الحديث ناقصا في حجة الوداع، روته تاما في غيرها، فيحمل الناقص على التام! فقد روى مسلم والبيهقي وابن ماجة والهيثمي بروايات متعددة، وصية النبي صلى الله عليه وآله بالقرآن والعترة معا، وتأكيداته المتكررة على ذلك.. ففي صحيح مسلم: (عن زيد بن أرقم: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي. فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد، أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم(2)).
ورواه البيهقي في سننه وفي مجمع الزوائد: عن زيد بن ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إني تركت فيكم خليفتين: كتاب الله، وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض(3). رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات). ورواه بنحوه: وقال: رواه أحمد وإسناده جيد(4). والذي يؤكد ما ذهبنا إليه من أن الوصية بالعترة حذفت من خطب حجة الوداع: أن الكلام النبوي الذي هو جوامع الكلم، له خصائص عديدة يتفرد بها ومن خصائصه أنه يستعمل تراكيب معينة لمعان معينة، لا يستعملها لغيرها، فهو
____________
1- صحيح مسلم: 4 / 41 وغيره.
2- ففي صحيح مسلم: 7 / 122.
3- سننه 7 / 30 و 10 / 114. وفي مجمع الزوائد: 1 / 170.
4- رواه الطبراني في الكبير: 9 / 162.