وحول آية ﴿لَئِنْ
أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾،
نقول:
أولاً:
إن
المعترض وإن قال: إنه ليس لنا في الآيات التي استشهدنا بها حتى شاهد
واحد، ولكنه اعترف في أول آية ذكرها، وهي قوله: ﴿لَئِنْ
أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾
بأن الخطاب فيها للنبي «صلى الله عليه وآله» على الحقيقة، ولا جرم، فهو
قاعدة عامة للمسلمين: لأنه الأسوة له. ونحن لم ندَّعِ في الآية أكثر من
ذلك. وهو كاف في ما نرمي إليه.
ثانياً:
لا مبرر للإصرار على هذا الوجه، إذ يحتمل أيضاً أن تكون
الآية واردة على طريقة «إياك أعني وإسمعي يا جارة»، بأن يكون النبي
«صلى الله عليه وآله» مقصوداً بالخطاب ليعرِّف الناس بأنه تعالى إذا
كان يخاطب نبيه بهذه الشدة والحدة، وإذا كان هذا الأمر من الفظاعة
والبشاعة، بحيث لا مجال للتساهل فيه حتى مع أقرب المقربين، وأعظم
المجاهدين والمضحيِّن، والعاملين في سبيل الله، فهل يمكن أن يتساهل فيه
مع غيرهم؟!!
ثالثاً:
ما معنى أن ينسب المعترض المعصية للملائكة، إذا كان الله تعالى يقول: ﴿لَا
يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ﴾([1])»([2]).
رابعاً:
ليس في القرآن دليل على أن هاروت وماروت قد عصيا الله تبارك وتعالى،
فقد قال تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا
تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ
سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ
السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ
وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا
نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا
يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ
بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا
يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ
مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ
أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾([3])
الآية..
فالآية تقول:
إن الملكين كانا يعلمان الناس السحر، لكي يدفعوا به عن
أنفسهم سحر الشياطين، ويقولان للناس: لا تستعملوا ما نعلمكم إياه في
غير موضعه، فإن ذلك من الكفر..
ولكن الناس كانوا يتعلمون منهما ما يفسدون به ما صلح،
ويفرقون به بين المرء وزوجه، ابتغاء للشر والفساد..
وقد أوضحت الرواية عن الإمام الرضا
«عليه السلام» ذلك، فقد روي عنه «عليه السلام» أنه قال: «وأما هاروت
وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر، ليتحرزوا به من سحر السحرة،
ويبطلوا كيدهم.. وما علما أحداً من ذلك شيئاً إلا قالا له: إنما نحن
فتنة فلا تكفر. فكفروا باستعمالهم لما أُمروا بالإحتراز عنه، وجعلوا
يفرقون بما يعلمونه بين المرء وزوجه([4]).
وعن أبي بصير عن الإمام الباقر
«عليه السلام» قال:
لما هلك سليمان وضع إبليس السحر، ثم كتبه في كتاب فطواه، وكتب على
ظهره: هذا ما وضع آصف بن برخيا للملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز
العلم: من أراد كذا وكذا، فليقل كذا وكذا، ثم دفنه تحت السرير، ثم
استئثاره لهم.
فقال الكافرون:
ما كان يغلبنا سليمان إلا بهذا.
وقال المؤمنون:
بل هو عبد الله ونبيه..
فقال الله جل ذكره:
﴿وَاتَّبَعُوا
مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ
﴾([5]).
([1])
الآية 6 من سورة التحريم.
([2])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله»
لا ربائيه ص40.
([3])
الآية
102 من سورة البقرة.
([4])
عيون أخبار الرضا ج2 ص245 والبحار ج56 ص323 والوسائل (ط مؤسسة
آل البيت) ج17 ص147 و (ط دار الإسلامية) ج12 ص107.
([5])
تفسير العباسي ج1 ص52 عن البحارج5 ص336 وعن الصافي ج1 ص125
والبرهان ج1 ص138.
|