صفحة : 110  

العقد النفسية.. وبذل المستحيل:

وبعد أن تحدث المعترض عن أن القضية تحولت عندنا إلى أزمة عقد نفسية، ثم تأسف لوقوعنا تحت طائلة هذا الوهم، مع أننا أجلّ وأكبر من أن يقهرنا الشذوذ، وإن تمثَّلَ في آيات الله، وحجج للإسلام([1]).

ثم رجا من الله أن نتخلى عن هذا الشك في نسب السيدات، فإننا أحق من دافع عن أعمامنا وخالاتنا المظلومات، اللواتي ظلمتهن أمة أبيهن، كما ظلمت أمنا الزهراء «عليها السلام»، لا أن نبذل المستحيل في دفع هذا النسب الشريف، اتباعاً لذلك المخمس، الدعي المرتفع([2]).

وقال: «فعجب أمر السيد الجليل حين تهمه نفسه أكثر من اهتمامه بالحقيقة، فينهض للرد، لا لجلائها لمن خفيت عليه، بل ليبعد عن نفسه نسبة التغفيل، والسذاجة الشديدة، أو يتهم بعدم الفهم المفرط، والبالغ حداً عجزنا معه عن إدراك أبده البديهات، وأوضح الواضحات([3]).

من هنا نعلم: أن أساس رده علينا إنما هو ثأر للنفس، وليس لبيان الحقيقة([4]).

ونقول:

أولاً: إن حديث المعترض عن أننا تهمنا أنفسنا، وأننا نريد الثأر لها، ولا تهمنا الحقيقة. وحديثه عن وجود عقد نفسية وتوهمات، لا يفيد في إثبات الحقيقة العلمية ولا في نفيها، فالمعيار هو الدليل والحجة، سواء أكانت هناك عقد نفسية، أم لم تكن..

ثانياً: أما الحديث عن الشذوذ، فهو أيضاً يحتاج إلى توضيح، فإن الشذوذ إن كان شذوذاً عن الحق الثابت بالأدلة القاطعة، والبراهين الساطعة، أو شذوذاً عن الطريق الوسطى، وعن الجادة الواضحة، وسلوك السبل المختلفة التي يوجب سلوكها الضياع عن الحق، والدخول في متاهات الباطل، فهو مرفوض ومدان..

وأما إن كان الشذوذ بمعنى ترك الكثرة، والإنفراد عنها متابعة للدليل، وكيف ما مال نميل، فلا نستوحش في طريق الهدى لقلة سالكيه، ولا نهتم لكثرة أهل الباطل. فهو نعم الشذوذ، فكيف إذا آنس وحشتنا في طريق الحق بعض آيات الله، وحجج للإسلام؟!.

ثالثاً: ما ذكره من أن أمة محمد «صلى الله عليه وآله» قد ظلمت البنات الكريمات، كما ظلمت الزهراء «عليها السلام»، لم نعرف له وجهاً.. فان البنات الكريمات لم يظلمن من قبل الأمة كما ظلمت الزهراء «عليها السلام».

إلا أن يقصد أن أزواجهن قد ظلموهن، وأن فريقاً من الأمة قد حاول أن يتستر على هذا الظلم ويخفيه.. أو أنه يقصد ما ذهب إليه جمع من العلماء فيما يرتبط بإثبات أنهن بنات لرسول الله «صلى الله عليه وآله» بالتربية!! أو يقصد حادثة تعرض زينب لترويع هبار بن الأسود حين هجرتها..

رابعاً: بالنسبة لكوننا أحق بالدفاع عن أعمامنا وخالاتنا المظلومات، فهو صحيح، ولكن لا بد من معرفة هؤلاء الخالات، والتأكد من كونهن خالات على الحقيقة، ليمكن العمل بهذا الواجب.

خامساً: إذا كنا أحق بالدفاع عن الخالات والعمات، فالمعترض نفسه كان أحق بالدفاع عن أمه الصديقة الطاهرة «عليها السلام»، حين أنكر البعض مظلوميتها.. ولكنه لم يفعل.

سادساً: أما عن قول المعترض اننا قد بذلنا المستحيل لدفع النسب الشريف، اتباعاً لذلك المخمس المدعي المرتفع.. فهو غير دقيق.. بل هو مجرد تهويل في غير موقعه، لاننا لم نبذل المستحيل في هذ السبيل، بل قدمنا بعض الأدلة على ما رأيناه حقاً وصدقاً..

فإن كان الإستدلال على أمر بالأدلة المرضية لدى العلماء والعقلاء بذلاً للمستحيل عند المعترض.. فبها.. وإن كان بذلاً للموجود والميسور، فلماذا المبالغة في هذا الأمر؟!

والدليل على أنه كان بذلاً للميسور، أننا اقتصرنا في استدلالنا على هذا الأمر على بعض الأدلة، ولم نذكرها جميعها.. كما سيتضح إن شاء الله تعالى..

سابعاً: اننا لم نردَّ النسب الشريف اتباعاً للكوفي، بل رددناه اتباعاً للأدلة التي توافرت لدينا. وان صادف ذلك موافقة قولنا لقوله..

ويشهد على ذلك: أن أدلتنا اختلفت عن أدلته كما أشرنا إليه.. وقد ذكرنا طائفة من هذه الأدلة في كتابينا: بنات النبي «صلى الله عليه وآله» أم ربائبه، والقول الصائب في إثبات الربائب، وظهر وسيظهر في ثنايا ردنا هذا ما يؤكد صحة ما جاء في ذينك الكتابين أيضاً..


 

([1]) راجع: بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 49.

([2]) راجع: بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص49 و50.

([3]) مقتبس من القول الصائب ص 13 و14.

([4]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 53.

 
   
 
 

موقع الميزان