صفحة : 151  

الإجماع على البنوة الحقيقة:

وقد تحدث المعترض في لقائه الرابع عن قيام الاجماع على ان البنات الكريمات هن بنات رسول الله «صلى الله عليه وآله» على الحقيقة..فقرر ما لخصناه فيما يلي:

«لا يوجد إجماع قط خال من قول أو قولين لا يعتد بهما يخالفانه، فهؤلاء الشيعة أجمعوا على بطلان القياس في الفقه، وأجمعوا على عدم الأخذ به، ولكن منهم من أجازه، كابن الجنيد مثلاً، فلم يقدح ذلك بإجماع الأمة.

وهذه بيعة أمير المؤمنين «عليه السلام» أجمعت عليها الأمة، مع وجود جماعة مغرضة أعرضت عنها، مثل سعد بن ابي وقاص، وعبد الله بن عمر، واسامة بن زيد..

«وكل إجماع على هذه الشاكلة. وإلا فليدلني السيد على إجماع ليس بإزائه قول أو قولان ينافيانه».

«ومسألتنا من هذا القبيل، حيث أجمعت الأمة قاصيها وداينها على أن السيدات بنات النبي «صلى الله عليه وآله»، ولكن نجم بينهم قول من هنا وهناك، وسماه المفيد شاذاً، ولم يعبأ به، ومثله فعل سائر العلماء.

والذين تابعوا الكوفي كالعنقاء، أسماؤهم معلومة، ومسمياتهم مجهولة. نظير الكتب التي أشار إليها سيدنا الجليل، فإنها كتب ملحقة بالوهم، لأنها غير موجودة من رأس..وحتى رأي المرتضى المزعوم لم نعثر عليه في كتاب، إنما توجد الحكاية عنه، فكيف تقوم معارضة كهذه بنقض الإجماع..»؟!([1]).

ونقول:

أولاً: إن نفيه وجود إجماع خال عن قول أو قولين.. لا يمكن قبوله، فهناك الكثير من الإجماعات السليمة من ذلك، مثل الإجماع على تشريع غسل الجنابة، وعلى أن صلاة الصبح ركعتان، وعلى طهارة الماء، وعلى حرمة قتل النفس المحترمة، وعلى حرمة الكذب على الله ورسوله، وعلى حرمة أكل الربا، وعلى نجاسة الكلب والخنزير، والبول والغائط والدم. وعلى وجوب صلة الرحم.. إلى غير ذلك مما يتعذر حصره..

ثانياً: كيف يمكن تحديد ما يعتدُّ به، وتمييزه عما لا يعتد به من الأقوال..

ولماذا اعتدَّ المعترض بقول من ذكرهم، من القائلين بأن البنات بنات النبي «صلى الله عليه وآله» على الحقيقة، ولم يعتد بما نقله ابن شهرآشوب، ولا بخطبة الزهراء «عليها السلام» في المهاجرين والأنصار، ولا بما روي عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» حول انحصار الصهر بعلي «عليه السلام»، ولا بسائر الأدلة، ولا بقول عروة، وابن عمر، ولا بقول القزويني، والمقدسي، والكوفي، والجزائري، والدلفي، وتاج الدين الأصفهاني، والطريحي، وكاشف الغطاء، والشيخ محمد حسن آل يس، والكاظمي، والخاقاني، والمقدس الأردبيلي، والكراجكي، وربما الكركي.. ومن سماهم المفيد شذاذاً.. و.. و..

ثالثاً: بالنسبة لحرمة القياس نقول:

«إن نسبة الجواز إلى ابن الجنيد مشكوك فيها، كما أنه إذا كان يريد بالقياس الجائز.. ما كان منصوص العلة، أو ما هو من قبيل الأولوية القطعية، فلا إشكال..

وإن كان يريد به القياس الظني، فهو غير مقبول منه وقد يقال: إن ابن الجنيد كان في بداية أمره على غير مذهب الشيعة، فلعله بقي متأثراً بما كان عليه في سالف الأيام في خصوص هذه المسألة.

رابعاً: بالنسبة لما ذكره من الإجماع على بيعة أمير المؤمنين «عليه السلام» نقول:

إن الإمامة ثابتة بالنص، لا بالإجماع، ولم يستدل به الشيعة.. فلا يضر في ثبوتها مخالفة أهل الأهواء..

خامساً: بالنسبة لمسألة البنات، ومن سماهم المفيد شذاذاً..نقول:

إن المفيد قد ذكر أن قولهم شاذ، لكن ذلك لا يعني بطلانه، إذا اظهرت الشواهد والأدلة من الروايات صحته، وعلم أن الذين أخذوا بالقول الشائع لم يتنبهوا إلى تلك الأدلة..

سادساً: قول المعترض: إن سائر العلماء فعلوا مثل فعل المفيد غير ظاهر الوجه، إذا لم نجد من عبر عن هذه الجماعة، أو عن القول الذي ذهبت إليه بما عبر به الشيخ المفيد رحمه الله تعالى، إلا إن كان على سبيل نقل العبارة التي أوردها المفيد، ونسبتها إلى قائلها..

بل قد وجدنا عدداً من كبار العلماء قد ذهب في الإتجاه الآخر، مثل المقدس الأردبيلي، والشيخ جعفر كاشف الغطاء، والشيخ الطريحي، والجزائري، والمقريزي، والكراجكي.. وغير هؤلاء..

سابعاً: ما ذكرناه يدل على عدم صحة قول المعترض: إن الذين تابعوا الكوفي كالعنقاء، أسماؤهم معلومة، ومسمياتهم مجهولة.. بل هم من الكبار، ومن الأعيان..

ثامناً: قول المعترض: إن الكتب التي أشار إليها ابن شهرآشوب ملحقة بالوهم، لأنها غير موجودة من رأس، يتضمن:

ألف: رجماً بالغيب ممن لم يظهره الله تعالى على غيبه.

ب: اتهاماً خطيراً لأحد كبار علمائنا ـ وهو ابن شهرآشوب ـ بالتزوير والإفتراء، وادعاء وجود كتب وهمية غير موجودة.

تاسعاً: إن عدم عثور المعترض على قول المرتضى والطوسي في كتابيهما، لا يدل على عدم وجود هذين القولين من الأساس، ليصح وصف هذا القول بـ «المزعوم»، فإن عدم وجدان هذا القول في الكتاب قد يكون لأكثر من سبب، ومنها أن النساخ قد أسقطوه سهواً، أو حرفوه عمداً، ويكون النقل عنه قرينة على حدوث هذا الأمر.. إذا كان الناقل ثقة وضابطاً..

عاشراً: إن المعيار في هذا المورد لا ينحصر بالإجماع، بل الأدلة كثيرة ومتنوعة، وقد ذكرنا شطراً منها في كتبنا المتعددة، ومنها هذا الكتاب..


 

([1]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 61.

 
   
 
 

موقع الميزان