صفحة :387   

هجرة أم كلثوم مرة أخرى:

وعلق المعترض على قولنا: لو كانت أم كلثوم بنتاً لرسول الله «صلى الله عليه وآله» لطلب أن يأتي بها من مكة، بقوله:

«من أين لك نفي اللازم هذا؟! فهل رويت عن رسول الله أنه قال لعليّ: جئني بفاطمة وحدها، وحينئذ كيف جاء معها بغيرها، كفاطمة بنت الحمزة، وفاطمة أمه، وهل سمّاها رسول الله «صلى الله عليه وآله» له؟

لا ريب بأن النبي أمره بالإتيان بمن تخلّف من نساء أهل البيت، من غير أن ينصّ على واحدة بعينها، وإلّا لاقتصر عليها أمير المؤمنين «عليه السلام»، ولكنّا نراه أقبل بالفواطم الأربع، وفيهنّ فاطمة ابنة الزبير ـ عمّه ـ الرابعة، وثلاث منهنّ لسن بناته، فكيف أمر بحملهنّ، وهل يقبل السيد أن يدع رحمة الله للعالمين ربيبته بين أنياب المشركين، ويقتصر على حمل قريباته فقط؟ إنّ هذا لا يصحّ قبوله في حقه، ولا معروفاً عن خلقه العظيم.

وقولنا لم يقترن بحادثة مهمة نظراً لما جرى لزينب ابنته، وقد ذكرنا ذلك، ولو لم يؤذها هبار بن الأسود لما ذكرها المؤرخون، وهل ذكر المؤرخون كل حوادث التاريخ، ليت شعري»؟([1]).

ونقول:

أولاً: إن مجمل القول هنا: أن ابن عساكر يقول عن أم كلثوم: «وهاجرت إلى المدينة حين هاجر رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وخرجت مع عيال رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة، فلم تزل بها الخ..»([2]).

ولكن هذا الكلام غير دقيق، فإن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يذكر أم كلثوم في كلامه لعلي «عليه السلام»، بل اقتصر على ذكر ابنته فاطمة، فقد ورد أنه قال حين الهجرة: «فأدِّ أمانتي على أعين الناس ظاهراً، ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي، ومستخلف ربي عليكما، ومستحفظه فيكما، فامره أن يبتاع رواحل له وللفواطم، ومن أزمع الهجرة معه من بني هاشم»، إلى أن ذكر أن أبا بكر أراده على دخول المدينة وألاصه في ذلك، فقال:

«فما أنا بداخلها حتى يقدم ابن أمي، وأخي، وابنتي: علياً وفاطمة «عليها السلام»..»([3]).

ومن جهة أخرى، فإنّ نص ابن عساكر ـ لو صح ـ فهو لا يدل على مطلوب المعترض، لأنه لم يذكر أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد طلب من علي «عليه السلام» أن يستصحب أم كلثوم معه.. فيبدو: أنها كانت من ضعفاء المؤمنين، فإنه «عليه السلام» آذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين، فأمرهم أن يتسللوا ويتخفوا ـ إذا ملأ الليل بطن كل واد ـ إلى ذي طوى.

وخرج علي بفاطمة بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب ـ وقد قيل: هي ضباعة ـ وتبعهم أيمن ابن أم أيمن، ومولى رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأبو واقد([4]).

كما أنه «عليه السلام» لما بلغ ضجنان تلوّم بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين، وفيهم أم أيمن، إلخ.. ([5])

فإن كانت أم كلثوم قد انضمت إلى ذلك الركب، كغيرها من ضعفاء المؤمنين الذين انضموا إليه، ومن دون أن تحظى بأية إشارة من رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى علي في شأنها، فذلك يدل على أحد أمور:

أولها: أن يكون النبي «صلى الله عليه وآله» غاضباً عليها إلى حدٍ مخيف.. وهذا ما لا نتوقع من المعترض وغيره أن يرضوا به..

الثاني: أنها لم تكن ابنته على الحقيقة، وكانت قد استقلت عنه في أمرها، وفي قرارها..

الثالث: أن تكون قد أصرت على البقاء على الشرك، فلم يسغ للنبي «صلى الله عليه وآله» أن يرفق بها. ولو بأن يوصي بها علياً. وهذا ما يأباه تصريحهم بأنها أسلمت قبل الهجرة.

ثانياً: عرفت أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمر علياً بأن يبتاع رواحل له، وللفواطم، ومن أزمع الهجرة معه من بني هاشم، مصرحاً باسم علي «عليه السلام» وفاطمة، حسبما أسلفناه، فمجيء علي «عليه السلام» بأمه فاطمة بنت أسد، وبفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب إنما كان بعد تصريح الرسول له بهنّ. فلا معنى لقول المعترض.

«كيف جاء معها بغيرها، كفاطمة بنت الحمزة، وفاطمة أمه» وهل سماها رسول الله «صلى الله عليه وآله» له؟

وعلى تقدير عدم صحة القول بالتصريح باسم الفواطم، فإن هؤلاء النساء مشمولات لقوله: «ومن أزمع الهجرة معه من بني هاشم».

ثالثاً: لم يرد في النص المتداول هنا اسم فاطمة بنت الحمزة؟ فلماذا ذكرها المعترض؟!

رابعاً: قول المعترض «لا ريب بأن النبي أمره بالإتيان بمن تخلف من نساء أهل البيت «عليهم السلام»، من غير أن ينص على واحدة بعينها» غير مقبول، فإنه «صلى الله عليه وآله» قد ذكر فاطمة ابنته بالإسم، ونصّ على الفواطم، إما بالصراحة، أو بالإجمال وفي قوله: «من أزمع للهجرة معه من بني هاشم».

ونلاحظ في الجملة الأخيرة: أن قوله: من أزمع للهجرة معه، يشير إلى أن قرار الهجرة وعدمها تابع لرأي أولئك الناس، ولم يتخذه النبي «صلى الله عليه وآله» من موقع ولايته ورئاسته عليهم.. ولا من موقع أبوته للبنات الثلاث..

خامساً: قول المعترض: «لا ريب بأن النبي «صلى الله عليه وآله» أمره بالإتيان بمن تخلف من نساء أهل البيت» لا يجدي ـ حتى لو صح وجود نص يصرح بذلك ـ في إثبات صدور أمره بالنسبة لأم كلثوم. لأن ذلك يتوقف وجود دليل يثبت بنوتها الحقيقية له، وهذا الدليل غير موجود بل الدليل يدل على أنها كانت ربيبة له، ومن الواضح أن الحكم لا يثبت موضوعه..

سادساً: قول المعترض عن الفواطم: كيف يأمر النبي «صلى الله عليه وآله» بحمل الفواطم وقريباته، ويدع ربيبته بين أنياب المشركين.. لا وقع له، فقد تكون الربيبة قد استقلت عن مربيها، وتبقى القريبة ملتزمة بدالة القرابة، منصاعة لما تقتضيه المصلحة، معتبرة أنها مطالبة بذلك أكثر من كل أحد.. فالتقصير في الالتزام قد جاء من قبل الربيبة، لا من قبل مربيها.

سابعاً: إن تعليق ذكر المؤرخين لهجرة هذه أو تلك على اقتران ذلك، بحادثة مهمة غير دقيق، فإن النبي «صلى الله عليه وآله» قد ذكر فاطمة وهجرتها، وذكر هجرة سائر الفواطم، دون أن يقترن ذلك بأية حادثة. ولم يحصل لها ولا لهن ما حصل لزينب من هبار بن الأسود.


 

([1]) بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه، ص130 و131.

([2]) أعيان الشيعة، ج13، ص486. وتاريخ دمشق، ج3، ص154.

([3]) أمالي الشيخ الطوسي، ص468. والبحار، ج19، ص62. وحلية الأبرار ج1 ص147. وراجع سائر المصادر في القول الصائب، ص127.

([4]) البحار، ج19، ص65 والأمالي للطوسي، وحلية الأبرار، ج1.

([5]) البحار، ج19، ص66 والأمالي للطوسي، وحلية الأبرار، ج1.

 
   
 
 

موقع الميزان