علي
ختن النبي
وصهره:
وقال المعترض:
قوله عن ابن عمر:
«إنّه استدلّ بكون عليّ ختناً لرسول الله أي صهراً له،
لا بكونه زوجاً للزهراء روحي فداها» [القول الصائب: 141].
أقول:
لوأراد ابن عمر مجرّد تسجيل منقبة للإمام لكان قوله: «صهراً» يحمل هذا
المعنى، ولم يقل: «ختناً»، لأنّ كلمة الصهر أوضح في الدلالة على
المعنى.
ثمّ المعروف عنه وعن غيره من الصحابة التلهّف على أن لا
يكونوا حظوا بالصدّيقة بضعته، ونالوا شرف مصاهرته، فهذا سعد بن أبي
وقّاص يقول لمعاوية لعنه الله: أُعطي عليّ ثلاثاً، وجعل منها زواجه من
الزهراء «عليها السلام»، وبهذا ينجلي للسيد ما رمى إليه ابن عمر فيما
قاله عن الإمام «عليه السلام».
واعجب ثمّ اعجب من سماحة هذا العالم الجليل حيث يقول ما
معناه، وقد تقدّم في الكتاب له أن يستدلّ على خصمه بأقواله، ويجعلها
حجّة عليه.
فإذا جاز هذا لسماحته فهو جائز لنا أيضاً،
ونحن ما استشهدنا بقول الكوفي رواية عن النبيّ في أبي العاص: «وقد
صاهرنا فحمدنا مصاهرته» إلّا لندينه من فمه، وقد
جعل سيّدنا هذا الفصل كلّه تحت عنوان: من فمك أُدينك ـ بكسر الكاف
طبعاً ـ وليس معنى هذا الكيل بمكيالين، كما أفصح عنه سماحته.
ونرجع أيضاً إلى معنى كلمة الصهر، فقد حاول السيّد
جاهداً في أن يحرّفها عن معناها الحقيقيّ،
فتارة يصيّرها مجازاً، وأُخرى يجريها على المعنى
المرادف للقرابة.
وتناسى سماحته حكم التبادر عن الإطلاق.
أمّا في المجاز إذا خفيت قرينته أو فقدت، فإنّ الذهن
ينصرف إلى الحقيقة، أو الإشتراك، فإنّه ينصرف إلى أظهر الأفراد.
والنبي «صلى الله عليه وآله» لم يرد بإطلاق الصهر على
أبي العاص بأنه قرابة لنا من جهة خديجة، أو رحمنا من جهة أخرى، لأنّ
قوله: «صاهرنا» يّدل على اختيار الرجل في هذه المفاعلة. والقرابة
والرحم، لا اختيار للرجل فيهما، وهذه القرينة تؤكد المعنى المشهور
للصهر.
ثم هذه القرابة لا تنحصر في أبي العاص، فهناك للنبيّ
ولخديجة عليهما الصلاة والسلام وآلهما أقارب
كثيرون، فما اختصاص أبي العاص بذلك؟
وأما قول الإمام لعثمان: نلت من صهره ما لم ينالا، فنحن
على قولنا من
حرمة إطلاق ذلك عليه قبل نزول
الآية، حقيقة أو مجازاً، لاسيما إذا أُخفيت قرينة المجاز، أو خفيت»([1]).
ونقول:
أولاً:
ما الدليل على أن كلمة «الصهر» أوضح دلالة على الفضيلة من كلمة
«الختن»، مع أن كلمة «الختن» نص في المطلوب.. وكلمة «الصهر» مجملة
محتملة له ولغيره. فإن مقصود ابن عمر هو حصر الختن به، بل قال ابن
منظور حسبما تقدم: «الأصهار أهل بيت المرأة، ولا يقال لأهل بيت الرجل
إلا الأختان».
ثانياً:
علينا أن ننظر إلى ما قصده المعترض من خلال دلالات كلامه، وليس لنا أن
نفترض أو أن نرتأي له مقاصد من عند أنفسنا، بحسب ما نراه نحن مناسباً..
وإذا نظرنا إلى كلام ابن عمر، فسنجد أنه اقتصر على بيان
أن علياً «عليه السلام» كان ختن رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولم
يذكر ذلك لغيره، مع أن ذلك الغير كان بأمس الحاجة إلى ذلك، فأفاد أن
غيره لا يملك مثل هذه الفضيلة، وذكر أنه خلطه بنفسه، فجعل بيته ضمن
بيوته، وهذه خصوصية أخرى تميزه عن غيره أيضاً..
ولم يذكر ما يدل على أنه يريد أن يستدل بحظوته بالزواج
من شخص الزهراء «عليها السلام»، فلماذا نقوِّله ما لم يقل؟!
ثالثاً:
إن كلام سعد بن أبي وقاص، لا يحدد ما قصده ابن عمر، إذ قد يقصد سعد
الإستدلال على معاوية بحظوة علي بفاطمة «عليهما السلام»، ويستدل ابن
عمر على سائله بكون علي «عليه السلام» ختن رسول الله «صلى الله عليه
وآله» دون كل أحد.
رابعاً:
ما ذكره المعترض من أننا استدللنا على خصمنا بأقوالنا، وجعلناها حجة
عليه، غير مقبول إلا أن يأتي على مدعاه هذا بشاهد صريح، و نقلٍ صحيح.
واللافت:
أن المعترض يعترف هنا بأنه يجيز ذلك لنفسه!!
خامساً:
إذا كان يقصد باستشهاده برواية الاستغاثة هو إدانة الكوفي، على قاعدة
من فمك أدينك، فما معنى أن يذكر ذلك في سياق الاحتجاج علينا نحن، فإننا
لم نحلف له ولا لغيره على أننا نلتزم بكل ما قاله الكوفي، كلمة كلمة،
وحرفاً حرفاً.
سادساً:
بالنسبة لمعنى الصهر نقول:
ألف:
قد فسرنا كلمة «الصهر» الواردة في كلام النبي «صلى الله عليه وآله»
لعلي «عليه السلام»: «أوتيت صهراً مثلي..» بأن المراد بها هو أبو
الزوجة هنا، وكذا الحال في الشعر المنسوب إلى أمير المؤمنين «عليه
السلام»: «محمد النبي أخي وصهري».
ولكنها في قوله «صلى الله عليه وآله» لأبي ذر «رحمه
الله»: علي أخي وصهري. قد جاءت بمعنى زوج البنت.
وقد يراد به زوج الربيبة أيضاً، كما هو الحال في قول
علي «عليه السلام» لعثمان: «وقد نلت من صهره مالم ينالا».
أما قولهم عن النبي «صلى الله عليه
وآله»:
إنه حمد مصاهرة أبي العاص فلا يصح، ولو صح، فيراد به
مصاهرته على ربيبته، لقيام القرينة الحالية على ذلك وهي علم الناس
بأنها ربيبة.
ولا مانع من استعمال الكلمة الواحدة في معانيها
المختلفة، سواء أكانت تلك المعاني حقيقية أو حقيقية ومجازية.. وذلك مع
القرينة المعينة للمعنى الحقيقي عن سائر المعاني الحقيقية، أو مع
القرينة الصارفة عن المعنى الحقيقي إلى المجازي، سواء أكانت تلك
القرينة حالية أو مقالية.
وإنما يرجع إلى التبادر حيث يشك في ذلك. وليس ما نحن
فيه من هذا القبيل.
سابعاً:
إن تخصيص أبي العاص بأن النبي قد حمد مصاهرته ـ لو صح ـ فهو ناظر إلى
مقايسته بعثمان، من حيث أن كلا منهما قد تزوج بربيبة النبي «صلى الله
عليه وآله».. وقد فعل عثمان بزوجته ما هو معروف: ولم يصدر مثل ذلك عن
أبي العاص بن الربيع. ولتكن هذه المقابلة قرينة أخرى على إرادة
المصاهرة على الربيبة.
ثامناً:
بالنسبة لقول علي «عليه السلام»: «نلت من صهره ما لم ينالا» نقول:
إنه أيضاً أريد به نفس هذا المعنى، ولا يحرم نسبة
الربيبة إلى من يربيها لأنها نسبة صحيحة، وليس فيها إنكار لنسبها
الحقيقي،بل هو اعتراف بنسبها الحقيقي، واعتراف بتربية مربيها لها..
وليس في ذلك قذف، ولا انتقاص..
تاسعاً:
قول المعترض: «ولاسيما إذا أخفيت قرينة المجاز أو خفيت» قد يشير: إلى
تراجع المعترض عن الحكم بالحرمة.
إلا إذا كان يقصد حرمة ذلك مطلقاً، وتشتد الحرمة مع
خفاء القرينة، أو إخفائها.
وقد قلنا:
إن القرينة في هذا المورد موجودة، ولا يمكن إخفاؤها،
لأنها قرينة حالية هي معرفة الناس آنئذٍ بواقع الحال.
([1])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 137 و138.
|