وقال المعترض:
وما زال السيد يحوم حول المجاز، ويركز عليه، ويجعله
أساس حجته، ليدرأ خطر الإستعمال المحرّم الذي حرّمته الآية، ونقول
لسماحته: إنّ المجاز لم يعط هذه الإختيارات الواسعة، بحيث يلبي دعوة
السيد متى ما شاء ليسعفه في المواقف الحرجة.
وإن فرضناه مجازاً فليرشدنا السيد دام ظلّه إلى استعمال
واحد للحقيقة مع هذا المجاز.
نعم، استعمال واحد فقط، وهو في حل من الإثنين والثلاث،
فأي مجاز هذا الذي لم يستعمل في حقيقته ولا مرة واحدة.
ليدلّنا السيد على نص واحد يقول:
تزوّج أبو العاص ربيبة رسول الله، أو عثمان ربيبتيه، لكي نقول بجواز
استعمال البنت في الربيبة.
أليس إطباق الأمة جمعاء على استعمال البنت دون الربيبة
دليلاً
على أن لا مجاز في المسألة؟! بل هي الحقيقة الناصعة التي حمّلت السيد
رهقاً من ثقل المجاز الذي يدّعيه.
وأمّا تمثيله للمجاز بالشيخ الكبير لليافع،
وبأب إبراهيم لآزر وغيرهما فنقول:
أين هذا من ذاك؟ هنا نهي من الله في نسبة الدعي إلى غير
أبيه، ومنع باتّ منه، ولسان الآية الواضح حتى للعميان شاهد عليه.
وهناك لا منع من التسمية. ولو كان
منع لحرم على الشيخ دعوة اليافع بـ: «يا بني»، وحرّم على إبراهيم أيضاً
تسمية آزر بأبي، أو إطلاق لفظ أبيه عليه، ومثله يقال في سائر الأمثال
التي ساقها لأنها قياس مع الفارق»([1]).
ونقول:
أولاً:
إن أساس حجتنا هو الرواية عن النبي «صلى الله عليه وآله»، وعن السيدة
الزهراء «عليها السلام»، وقول ابن عمر، وعروة بن الزبير. وأدلة أخرى
ذكرناها في كتاب: «بنات النبي «صلى الله عليه وآله» أم ربائبه»، وفي
كتاب: «القول الصائب في إثبات الربائب» ثم في كتابنا هذا.. وليس المجاز
من أدلتنا، ولا هو من أسسها كما يقوله المعترض.
ثانياً:
إن الآية الشريفة ـ كما أوضحناه في كتابنا هذا ـ لا تدل على حرمة نسبة
الولد إلى من رباه، إلا إذا كان المقصود رميه بأنه ابن زنا،أو التشكيك
في صحة النسبة إلى أبيه الشرعي، أو نفيه عنه، أو تكريس بنوته لمن
تبناه، بحيث تترتب عليها آثار البنوة الحقيقية، من حيث الإرث، واعتباره
من المحارم بالنسبة لأهل ذلك البيت. وتحريم تزويجه، ممن يعتبرونهم
أخوته أو أخواته، وما إلى ذلك. وهذا هو مفاد الآية الشريفة.
ثالثاً:
إن عدم وجود من يعيل البنات ويهتم بشأنهن، وانحصار ذلك بمن يربيهن طيلة
حياتهن قد ألغى الحاجة إلى نسبتهن إلى من ولدهن، وحصرها بمن رباهن..
ولا يصح التعبير عنهن بكلمة بنت وبنات بالنسبة لمن رباهن إلا على معنى
التربية، وكم من مجاز مشهور كان هو المتداول دون المعنى الحقيقي، كما
في كلمة دابة، التي يراد منها الفرس باستمرار، مع أن معناها الحقيقي هو
كل ما يدب على الأرض.
رابعاً:
إن أحداً لا يستطيع أن ينفي استعمال كلمة بنت على نحو الحقيقة في ذلك
الزمان، حين كان يراد الحديث عن آبائهن المفقودين، لسبب أو لآخر.. وإن
كان الذي وصلنا ـ وهو في غاية القلة ـ هو خصوص نسبتهن إلى من رباهن،
ولعل تلك الموارد التي كان البنات ينسبن فيها إلى آبائهن لم تكن تحمل
من المعنى أو الخصوصية، ما يجعلها تستحق التداول والتناقل.. فعدم وجدان
هذه الاستعمالات الآن لا يعني أنها لم تكن موجودة في وقت ما في زمان
رسول الله «صلى الله عليه وآله».
خامساً:
إن نفس الرواية التي وردت عن مطالبة الإمام السجاد «عليه السلام» لعروة
بن الزبير بما قاله عن زينب. واعتذار عروة: بأنه إنما قال ذلك. بلحاظ
ما قبل نزول قوله تعالى: ﴿ادْعُوهُمْ
لِآَبَائِهِمْ﴾..
تدل على أن نسبة البنات الكريمات إلى أبيهن الحقيقي بعد نزول هذه الآية
قد حصلت.. وإن لم تصل إلينا.
سادساً:
لماذا يريد المعترض أن يفرض علينا وعلى الناس طريقته في التعبير، ونهجه
في الإستدلال؟! أليس هو نفسه قد رفض ذلك منا في أوائل كتابه الذي نحن
بصدد مناقشة ما أورده فيه؟!
فلماذا يريد منا نصاً يصرح بأن النبي «صلى الله عليه
وآله» قد زوج عثمان ربيبتيه؟! مع أن الروايات المتقدمة تصرح: بأن ختن
النبي «صلى الله عليه وآله» الوحيد هو علي «عليه السلام»، وبمعناه
روايات عديدة أخرى، أليست النتيجة واحدة؟! فلماذا يريد المعترض أن يفرض
علينا رأيه وطريقته؟!
سابعاً:
إن المعترض يعتبر استعمال كلمة «بنت» في حق البنات دون كلمة «ربيبة»
دليلاً على أن لا مجاز في المسألة..
مع أن من الواضح: أن المراد هو تكريم البنات بنسبتهن
إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»، من خلال إظهار معاملته «صلى الله
عليه وآله» لهن كما يعامل بناته، ويهتم بشأنهن إلى هذا الحد، فلماذا
يريد المعترض استبعاد هذا التكريم، واستبداله بما هو أدنى منه؟!
ثامناً:
يقول المعترض: إن آية ﴿ادْعُوهُمْ
لِآَبَائِهِمْ﴾
قد أمرت بنسبة الناس إلى آبائهم.. ولا يوجد نهي عن تسميته آزر بالأب
بالنسبة لإبراهيم، ولا يوجد نهي للشيخ الكبير عن أن يقول للفتى اليافع:
«يا بني».
ونقول:
إن لنا أن نسأل المعترض:
ألف:
هل هذا التشريع خاص بهذه الأمة، فلم يشمل الأمم السالفة؟! فإن كان
كذلك، فلم جاز أن يقول الشيخ الكبير للشاب اليافع: «يا بني»؟! وإن لم
يكن التشريع مختصاً بهذه الأمة، فلم جاز لإبراهيم أن يصف آزر بالأبوة؟!
ب:
ما الدليل على استثناء الشيخ الكبير، من عموم الآية الشريفة؟!
ج:
قد ذكرنا: أن آية ﴿ادْعُوهُمْ
لِآَبَائِهِمْ﴾
لا تشمل ما نحن فيه، إذ لا يتضمن وصفهن ببنات النبي نفياً لهن عن
آبائهن الحقيقيين، وترتيب الآثار على ذلك.. والذي أرادت الآية أن تنهى
الناس عنه هو هذا، لا البنوة بالتربية.. كما أوضحناه أكثر من مرة.
د:
إن الحديث عن إبراهيم وأبيه آزر لم يكن في الأمم
السالفة وحسب، بل هو في هذه الأمة أيضاً، فقد ورد في القرآن الكريم
ليتداوله البشر، ويريد الله منا أن نعتبر آزر أباً لإبراهيم، وأن نصفه
بهذا الوصف كلما قرأنا القرآن. أو كلما خطر على بالنا..
والمعيار هو وقت استعمال اللفظ في معناه، لا وقت حصول
الأمر. ولذلك سعى المعترض لتحريم ذلك علينا، فلا ننسب البنات بالتربية
إلى النبي «صلى الله عليه وآله»، مع أنهن عشن ومتن في عهده «صلى الله
عليه وآله».
([1])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 138 و139.
|