وبعد أن ذكر المعترض:
أننا نشك ولا نقطع بنفي السيدات، قال:
«وقد استفتينا سماحته، إن كان قاطعاً بكونهنّ
ربائب، فليفت بجواز زواج النبي منهنّ، فانظر بماذا أفتانا، فقد
قال: إنّ حرمة الزواج وحليّته تابعة للبنوة! فإن كنّ بنات له، فإنه
لا يجوز
له الزواج منهن، وإن لم يكن بنات له فإنه يجوز له
الزواج منهن.
وهذه الشرطية من أغرب القضايا، لأنه إذا كان قاطعاً
بالنفي، فلا مجال للترديد بينه وبين الإثبات،
وهذا نظير قول من قيل له:
قل لا إله إلّا الله.
فقال:
إن كان الله موجوداً فلا إله إلّا هو، وإلّا فلا. فهل يسمى قول
كهذا إيماناً؟ وهل يعتبر السيد قائله مسلماً؟!
إنّ السيد لا يملك إزاء هذا التحدي إلا قولاً
واحداً، جازماً به، قاطعاً بصحته وهو قوله: نعم أفتي بجواز زواجه
منهنّ، أي زواج رسول الله من السيّدات الثلاث: زينب، ورقية وأُم
كلثوم.
ولا مجال للشرطية هنا، لأنها
تدل على عدم القطع بنفيهن»([1]).
وقال:
فهو إذن شك، وليس فيه راحة اليقين، ولا رائحته، كما
كان يعدنا به في كتابيه. وقد جعله في الصحيح من السيرة احتمالاً
قوياً أن يكونا ربيبتيه، والحمد لله الذي أظهر الحق وأزهق الباطل،
ونصر ابنتي رسول الله على الكوفي ومن سانده.
وإلى هنا يحق لي أن أسأل صاحب السماحة، مع عتب شديد
ممزوج بحب كريم، واحترام كبير، فأقول له:
«حيف والله أن تنفق هذا الوقت الثمين، والجهد
الثمين، والعلم الثمين، والمال الكثير على شك كبير، كنّا أغنياء
عنه، وعن آلامه وأوجاعه، وإلى الله المشتكى، ربّنا احكم بيننا وبين
الكوفي وأنت خير الحاكمين»([2]).
ونقول:
أولاً:
قد قلنا أكثر من مرة: إن الشك يكفي لعدم صحة نسبتهن إلى رسول الله
«صلى الله عليه وآله» بصورة جازمة.. فإن من لا يعلم علم اليقين
بهذه النسبة لا يجوز له أن يلتزم ويلزم غيره بها.
ثانياً:
إن الشرطية التي ذكرها صحيحة في نفسها، غير أن الحكم بجواز زواج
النبي «صلى الله عليه وآله» منهن يتوقف على العلم بكونهن ربائب..
لكن عدم جواز نسبتهن إلى النبي يتوقف على مجرد الشك في انتسابهن
إليه.. فمن حصل له العلم بكونهن ربائب، فإنه يحكم بجواز زواج النبي
«صلى الله عليه وآله» منهن.. ومن بقي لديه أدنى شبهة في ذلك فلا
يجوز له الحكم بذلك، ولكنه لا يستطيع أن ينسبهن إلى رسول الله «صلى
الله عليه وآله» إذا وجد ما يوجب الشبهة لديه في ذلك.
ثالثاً:
إننا نرد السؤال السابق على المعترض نفسه، ونقول له: مع وجود هذه
الأدلة التي ذكرناها له على أنهن ربائب، ومع اعترافه فيما سبق
بتكافؤ الأدلة المثبتة والنافية، وحتى لو كانت المثبتة هي الراجحة،
فهل يستطيع أن يفتي بحرمة زواج النبي «صلى الله عليه وآله» منهن،
مع وجود الشبهة والشك في انتسابهن إلى رسول الله، واحتمال كونهن
ربائب له صلى الله عليه وآله؟!
إن المعترض إذا وجدت لديه الشبهة والشك في ذلك،
فسيجد نفسه غير قادر على الفتوى بحرمة زواج النبي «صلى الله عليه
وآله» من البنات.
فاتضح أنه لا يصح قياس ما نحن فيه على من قال: إن
كان الله موجوداً فلا إله إلا هو.. وأن قول المعترض: لا مجال
للشرطية هنا.. غير مقبول.
رابعاً:
إننا نستطيع أن نجيب على سؤال المعترض بالقول: إن الأدلة التي
أقمناها تدل على كون البنات ربائب.. فمن أخذ بمضمونها واعتبرها
حجة، فعليه أن يلتزم بمفادها..
([1])
بنات النبي «صلى الله عليه وآله» لا ربائبه ص 139و140.
([2])
المصدر السابق ص 140و141