صفحة :11-64   

الفصل الأول

آدم ونوح

198 ـ معصية آدم كمعصية إبليس.

199 ـ الفرق بين آدم وإبليس هو في الإصرار والتوبة.

200 ـ آدم ينسى ربّه وينسى موقعه منه.

201 ـ آدم استسلم لأحلامه الخيالية وطموحاته الذاتية.

202 ـ آدم طيب وساذج.. لا وعي لديه.

203 ـ آدم يعيش الضعف البشري أمام الحرمان.

204 ـ آدم يمارس الرغبة المحرمة.

205 ـ الدورة التدريبية لآدم «عليه السلام».

إن جميع النقاط السابقة قد سجلها البعض في كلماته المكتوبة، وليست مجرد استنتاجات أو افتراضات.. فتلك هي ملامح صورة آدم النبي المبعوث من قبل الله سبحانه باعتراف وتصريح ذلك البعض نفسه. فلنقرأ معاً كلماته التالية، لنجد كل هذه المعاني تتحدث عنها الكلمات بصراحة ووضوح. إنه يقول:

«..وغفر لهما وتاب عليهما، ولكنه أمره بالخروج من الجنة، كما أمر إبليس بالخروج منها، لأنهما عصياه كما عصاه، وإن كان الفرق بينهما: أنه ظل مصراً على المعصية، ولم يتب، فلم يغفر له الله، بينما وقف آدم وزوجته في موقف التوبة إلى الله، فغفر لهما»([1]).

ويقول:

«فانطلقا إليها بكل شوق ولهفة، وأطبقت عليهما الغفلة عن مواقع أمر الله ونهيه، لأن الإنسان إذا استغرق في مشاعره، وطموحاته الذاتية، واستسلم لأحلامه الخيالية، نسي ربّه، ونسي موقعه منه».

   ويقول:

«كيف نسيا تحذير الله لهما؟! كيف أقبلا على ممارسة الرغبة المحرمة»؟!([2]).

   ويقول عنه: «كان يعيش الضعف البشري أمام الحرمان»([3]).

206 ـ كان عاصياً ولم يكن مكلفاً؟!

ويقول:

«فالله أراد أن يدخل آدم في دورة تدريبية، ولذلك لم يكن أمراً جدياً. ولكنه كان أمراً امتحانياً، اختبارياً تجريبياً. وكان أمراً تدريبياً، تماماً كما يتم تدريب العسكري، ولذلك فالجنة لم تكن موضع تكليف وما يذكر لا يرتبط بالعصمة أبداً.

نعم.. إن الأنبياء من البشر وهم يعيشون نقاط الضعف، ولكن نقاط الضعف التي لا تدفعهم إلى معصية الله، أما مسألة الجنة وقصة آدم في الجنة فهذا خارج عن نطاق التكليف. لقد أراد الله أن يدخله في دورة تدريبية حتى يستعد للصراع القادم عندما ينزل هو وإبليس إلى الأرض ليكون بعضهم لبعض عدوا حتى يتحرك في مواجهة العداوة التاريخية»([4]).

ويقول:

«الله أراد لآدم أن يمر في دورة تدريبية في مواجهة إبليس، لأن آدم طيب وساذج، ولم يدخل معترك الحياة»([5]).

وقفة قصيرة:

تلك هي الصورة التي قدمها ذلك البعض عن النبي آدم «عليه السلام» في بعض جوانب شخصيته، فهل ذلك كله يليق نسبته إلى نبي من أنبياء الله؟! بل هل يرضى أحد من الناس بأن ينسب إليه بعض من ذلك، كأن يقال عنه: إنه ساذج، أو يمارس الرغبة المحرمة، أو غير ذلك مما تقدم؟!

ونحن قبل أن ننتقل إلى الحديث عن موارد أخرى نسجل ما يلي:

إن الموافق لأصول العقيدة أن يقال: إن معصية آدم ليست كمعصية إبليس، وإن تصرف آدم «عليه السلام» لم يكن تمرداً على إرادة الله سبحانه.. وهو المروي عن أئمة أهل البيت «عليهم السلام».

كما أن الفرق بين آدم «عليه السلام» وإبليس (لعنه الله) ليس هو في التوبة وعدمها، وإنما هو في خصوصيات ذاتية، وملكات وحوافز لا تدع مجالاً لقياس أحدهما بالآخر..

كما أننا لا نوافق على التعبير: بأن آدم «عليه السلام» قد نسي ربه سبحانه وتعالى، ونسي موقعه منه، فلم يكن آدم النبي لينسى ربّه، بل كان دائم الحضور معه، وفي غاية الإنقياد والإستسلام له.. كما هو حال الأنبياء والأولياء «سلام الله عليهم».

تفسير الآيات:

ونرى: أن المناسب لأصول العقيدة، هو تفسير الآيات التي تحكي قصة آدم على النحو التالي:

1 ـ إن آدم «عليه السلام» حين نهاه الله سبحانه عن الأكل من الشجرة، قد عرف من خلال ذلك وجود مضرة من أكلها يصعب عليه تحملها، لكن إبليس قال له: إن هذا الضرر وإن كان صعباً، ولكن لو تحملت ذلك الضرر فثمة نفع عظيم ستحصل عليه وهو الخلود.

وليس من حق آدم أن يكذّب أحداً لم تظهر له دلائل كذبه، فكان من الطبيعي أن يقبل آدم منه ما أخبره به، ورضي أن يتحمل هذه الصعوبة البالغة من أجل ذلك النفع، وكانت له الحرية في أن يقرر ويختار هذا النفع في مقابل ذلك الضرر، وتلك الصعوبة البالغة، أو لا يختار ذلك.

وهذا كما لو أخبرك طبيب بأن جلوسك في الشمس قد يتسبب لك بآلامٍ حادة في الرأس، ولكنه سيضفي أثراً جمالياً على لون البشرة، أو يشفيك من مرض جلدي معين.

أو كما لو أجريت لك عملية زرع شعر، أو عملية تجميلية، أو أعطاك الطبيب دواء مراً، للتخلص من وجع معين، فلم تطعه، أو ما إلى ذلك.. مما يتوقف على الألم والعناء الشديدين، فإن فعلت هذا الأمر تحصل على ذاك الامتياز، وإن أردت السلامة وعدم التعرض للأوجاع والمتاعب، فلن تحصل على شيء.

2 ـ إنك حين تفعل ذلك الأمر لا تكون متمرداً على إرادة الذي نهاك عن الفعل ليرشدك إلى مشقته، وليجنبك التعب والشقاء.. ولا تكون بذلك خارجاً عن زي العبودية والانقياد، ولا مخلاً بمولوية سيدك وآمرك.

وهذا كما لو قال السيد لعبده، أو الأب لولده: لا تركض حتى لا تتعب، ثم قال له رفيقه: أركض لتصبح أقوى. فإذا علم بالتعب، وعلم بالقوة، فإن اختياره العمل بقول رفيقه لا يعني التمرد على إرادة أبيه.

3 ـ في هذه الصورة الأخيرة يصح أن يقال: عصيت أبي، فتعبت وعرقت. ولو أنك لم تقبل بشرب الدواء المر، أو لم تبادر إلى إجراء عملية التجميل، فإنه يصح أن يقال: إنك عصيت أمر الطبيب.

4 ـ وحين لا يتحقق ذلك الهدف الذي توخى الفاعل الحصول عليه، وهو الحصول على الخلد، أو الحصول على بعض المنافع، فمن الصحيح أن يقال: إنه عصى فغوى. أي لم يحقق مراده ولم يصل إلى هدفه، بل غوى عنه ومال.

5 ـ أما سذاجة آدم، فلا ندري كيف يكون هذا النبي ساذجاً وبسيطاً، مع أن المفروض بأي مؤمن أن يكون كيّساً فطناً، فهل هي سذاجة من أصل الخلقة؟! أم هي ناشئة عن نقص في إيمان آدم؟!

ولعل هذا البعض قد حسب: أن عدم معرفة آدم «عليه السلام» بأمر خفي، لم يجد السبيل إلى معرفته، نوعٌ من السذاجة والبساطة.. مع أن هناك فرقاً بين السذاجة التي تعني التطلع إلى الأمور بنظرة حائرة بلهاء كما سيأتي في كلام نفس هذا البعض عن إبراهيم (أبي الأنبياء) «عليه السلام»، أو تعني نوعاً من القصور في الوعي والفهم، كما يقول عن آدم «عليه السلام»، وصرح به في خطبة ليلة الجمعة بتاريخ (29 ـ جمادى2 ـ 1418هـ) وبين عدم الإطلاع على الواقع لسبب أو لآخر.

وكيف يكون آدم ساذجاً وقد خلقه الله تعالى بيديه وعلمه الأسماء كلها، وباهى به ملائكته، وأثبت لهم أنه أوسع علماً ومعرفة منهم، وأمرهم أن يجعلوه قبلة في سجودهم لله سبحانه، وذلك تكريماً منه تعالى لآدم وتعظيماً له؟! أم يعقل أن الله سبحانه ـ بالرغم من ذلك كله ـ لم يتقن خلق آدم، ولم يتدارك مواقع الخلل فيه، وهو الذي يقول: ﴿فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾؟!([6]).

6 ـ أما الدورة التدريبية التي تحدث عنها بالنسبة لآدم، ولغيره من الأنبياء، فنحن نخشى أن يكون ثمة رغبة في الحديث عن دورات مماثلة لعيسى، وللإمامين الجواد والهادي والإمام المهدي «عليهم السلام»!! حيث إن تصديهم للمقامات الإلهية لم تسبقه دورة تدريبية فيها أوامر امتحانية وعسكرية.

إلا أن يقال: إن إمامتهم لم تبدأ في ذلك السن، وبقي مقام النبوة والإمامة شاغراً إلى أن انتهت دوراتهم التدريبية. ولعل ما يعزز هذا الاحتمال ما قالوه: من «أن غيبة الإمام المهدي «عليه السلام» إنما هي ليكتسب خبرة قيادية».

فلما أوردنا عليهم الإشكال قالوا: «إن الشهيد الصدر هو الذي قال ذلك..».

فراجعنا كلام الشهيد الصدر، فوجدناه يقول:

«وعلى هذا الأساس نقطع النظر مؤقتاً عن الخصائص التي نؤمن بتوفرها، في هؤلاء الأئمة المعصومين..»([7]).

أي: من أجل تقريب الفكرة لمن لا يعتقد بما نعتقده، كذا وكذا..

   وهكذا يتضح: أن آيات القرآن لا تريد أن تنسب لآدم «عليه السلام»، ما ينسبه إليه البعض من هنات ونقائص.

207 ـ استسلم آدم ولم يشعر أن استسلامه يمثل تمرداً على الله وعصياناً لإرادته.

208 ـ آدم يسقط إلى درك الخطيئة.

209 ـ آدم أصبح منبوذاً من الله .

210 ـ أراد الله تدريب آدم في مواجهة حالات السقوط ليتنبه لأمثالها.

211 ـ أراد الله تدريب آدم ليعي كيف تتحرك الخطيئة في نفسه في المستقبل.

212 ـ آدم لا يحمل أية فكرة فطرية عن التوبة فتلقاها من الله .

213 ـ الأقرب أن الكلمات التي تلقاها آدم ليست هي أسماء الأئمة.

214 ـ الله يتحدث عن آدم في كل مورد للإيحاء بالضعف الإنساني.

215 ـ آدم يسقط أمام تجربة الإغراء فيتعرض للحرمان الأبدي.

216 ـ آدم وتجربة الإنحراف بتسويل إبليس.

217 ـ آدم لم يأخذ الموضوع مأخذ الجدية والإهتمام ولم يتعمق في وعيه.

218 ـ آدم انحرف من موقع الغفلة وأجواء الحلم لا من موقع الوعي.

219 ـ آدم لم يفكر جيداً.

220 ـ آدم استسلم للجو الخيالي المشبع بالأحاسيس الذاتية المتحركة مع الأحلام.

221 ـ آدم ابتعد عن خط الرشد.

222 ـ معصية آدم معصية تكليف (لا إرشاد).

223 ـ كان أمراً إرشادياً (لا تشريعياً).

224 ـ شعور آدم وحواء بالخزي والعار.

225 ـ آدم غير متوازن.

226 ـ يخصفان من ورق الجنة للتخلص من العار.

227 ـ إبليس أسقط آدم لئلا يبقى هو الساقط الوحيد في عملية التمرد على الله.

228 ـ جريمة آدم تمثّلت له في مستوى الكارثة.

229 ـ إبليس نجح في إثارة الضعف في شخصية آدم.

230 ـ آدم عاد إلى الله في عملية توبة وتصحيح.

231 ـ آدم أساء إلى نفسه بانحرافه عن خط المسؤولية في طاعة الله.

232 ـ إبليس أوصل آدم وحواء إلى مرحلة السقوط، بسبب الغرور الذي أوقعهما فيه.

233 ـ سقط آدم في الامتحان، وأخفق في التجربة.

234 ـ إبليس قاد آدم إلى الموقف المهين.

235 ـ خطيئة آدم أبعدته عن الله .

236 ـ آدم والشجرة المحرمة، والرغبة المحرمة .

237 ـ إبليس هبط بقيمة هذا المخلوق الذي كرمه الله .

238 ـ إنحراف آدم طارئ بسيط.

239 ـ آدم ثاب إلى رشده ودخل عالم الإستقامة من جديد.

يقول البعض:

   «..وتبدأ الآيات من جديد في هذه السورة، لتضع الإنسان أمام بداية الخلق، ليعيش التصور الإسلامي عن تكريم الله للإنسان، وعن شخصية إبليس في خصائصه الذاتية، وفي طريقته في التفكير، وفي مخططاته من أجل إغواء الإنسان وإضلاله من خلال عقدة الكبرياء المتأصلة فيه.. ثم في محاولاته الناجحة، في البداية ـ فيما قام به من إثارة نقاط الضعف في شخصية آدم ـ حتى أخرجه وزوجه من الجنة.. ثم.. في عودة آدم إلى الله في عملية إنابة، وتوبة، وانطلاقة تصحيح، وموقف قوة في حركة الصراع مع إبليس، وذلك من أجل أن يعيش الانسان الوعي لدوره المتحرك في آفاق الصراع مع الشيطان في كل مجالات حياته.. فكيف عالجت هذه الآيات القصة..»؟!([8]).

ويقول أيضاً:

«وأراد الله أن يوحي إلى آدم بكرامته عليه، فيما يمهد له من سبل رضوانه ونعمه.. فقال له: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ وخذا حريتكما في التمتع بأثمارها فيما تختاران منها ممّا تستلذانه أو تشتهيانه.. ﴿فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا﴾ لا يمنعكما منه مانع ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ([9]). فهي محرمة عليكما.. هذه هي إرادة الله التي انطلقت من موقع حكمته في توجيهكما إلى أن تواجها المسؤولية من موقع الالتزام والإرادة، في الامتناع عن بعض ما تشتهيانه من أجل إطاعة الله فيما يأمر به أو ينهى عنه، فلا بد من تجربة أولى لحركة الإنسان في عملية الإرادة.. فلتبدأ تجربتكما الأولى.. في هذه الأجواء الفسيحة التي منحكما الله فيها كل شيء.. مما يجعل من النهي الصادر منه إليكما، تكليفاً ميسراً لا صعوبة فيه ولا حرج.. فبإمكانكما السير في نقطة البداية من أيسر طريق.. فـ ﴿لَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ([10]). الذين يظلمون أنفسهم، ويسيئون إليها بالانحراف عن خط المسؤولية في طاعة الله.. ولم يكن لديهما أي حافز ذاتي يدفعهما إلى المعصية، لأنهما لا يشعران بالحاجة إلى هذه الشجرة بالذات.. ما دامت الشجرة لا تمثل شيئاً مميزاً في شكلها وثمرها.. فليست هناك أية مشكلة في ذلك»([11]).

ويقول أيضاً:

   «ولم يكن عندهما أية تجربة سابقة في مخلوق يحلف بالله ويكذب، أو يؤكد النصيحة ويخون، أو يغش.. فصدقاه، وأقبلا على تلك الشجرة المحرمة يذوقان من ثمرتها ما شاءت لهما الرغبة أن يذوقا.. ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ([12]). أي أنزلهما عن درجتهما الرفيعة فأوصلهما إلى مرحلة السقوط بسبب الغرور الذي أوقعهما فيه، فيما استعمله من أساليب الخداع ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا﴾. وشعرا بالعري.. الذي بدأ يبعث في نفسيهما الشعور بالخزي والعار، في إحساس جديد لم يكن لهما به عهد من قبل.. وقيل: إنهما كانا يلبسان لباس أهل الجنة فسقط عنهما بسبب المعصية.. ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾. ليستراها في إحساس بالحاجة إلى ذلك، بطريقة غريزية من خلال شعورهما بالدور الخجول للعورة.. أو لأمر آخر يعلمه الله.. وسقطا في الامتحان وأخفقا في التجربة.. وبدأ هناك شعور خفي بالخيبة والمرارة.. فيما بدا لهما أنهما ارتكبا ما لا يجب أن يرتكباه.. وربما تذكرا نهي الله لهما عن الأكل من الشجرة.. وربما يكونان قد عاشا بعض الحيرة فيما يفعلانه في موقفهما هذا.. فهذا أمر جديد لا يعرفان كيف يتصرفان فيه.. وهنا جاءهما النداء من الله مذكرا ومؤنباً ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾. فكيف خالفتما هذا النهي وعصيتماني؟! ما هي حجتكما في ذلك؟! هل هي وسوسة الشيطان؟! وكيف لم تنتبها إلى وسوسته؟! ألم أحذركما منه، ﴿وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ([13]). يضمر لكما الحقد والعداوة والحسد.. منذ رفض السجود مع الملائكة وخالف أمر الله بذلك.. ووقف وقفة التحدي للإنسان ليغويه ويضره ويقوده إلى عذاب السعير.. وها أنتما تريان كيف قادكما إلى هذا الموقف المهين.. وتمثلت لهما الجريمة في مستوى الكارثة.. كيف نسيا تحذير الله لهما.. كيف أقبلا على ممارسة الرغبة المحرمة وغفلا عن عداوة الشيطان لهما.. وكيف خالفا أمر الله الذي خلقهما وأنعم عليهما.. وبدءا يعيشان الندم كأعمق ما يكون.. في إحساس بالحسرة والمرارة والذعر.. ولكنهما لم يستسلما لهذه المشاعر السلبية طويلاً، ولم يسقطا في وهدة اليأس.. فلهما من الله أكثر من أمل»([14]).

ويقول مشيراً إلى إحساس آدم بالخزي والعار:

«..﴿يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا﴾.  الذي يستر عورتيهما.. فيما ألقى الله عليهما من ألوان الستر ﴿لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا﴾. ليعيشا الإحساس بالخزي والعار»([15]).

   ويقول أيضاً مشيراً إلى نفس الموضوع:

   «..وجاءت هذه الآيات التي تبدأ النداءات بكلمة ﴿يَا بَنِي آَدَمَ([16])، للإيحاء إليهم بالتجربة الحيّة التي عاشها آدم مع إبليس.. لئلا يكون التفكير في المسألة في المطلق.. بل يكون من موقع التاريخ الحي.. وقد استوحت الآيات قصة العري الذي شعر به آدم بسبب معصيته، في حالة من الإحساس بالخزي والعار.. لتوجه بنيه إلى النعمة التي أنعم الله بها عليهم، فيما خلق لهم من اللباس الذي يصنعونه من أصواف الأنعام وأوبارها وشعورها»([17]).

ويقول أيضاً:

   «..كانت أول تجربة لهما في الوجود.. وانسجما مع التجربة في بساطة وعفوية.. وكان الشيطان لهما بالمرصاد. فقد عرف أن الفكر الذي يملكه الإنسان لا يقوى على مواجهة التحديات إلا من خلال التجارب المريرة التي يتعرف من خلالها أن الحياة لا تتمثل في وجه واحد، فهناك عدة وجوه وألوان.. ولم تكن لهذين المخلوقين الجديدين أية تجربة سابقة مع الغش والكذب والخداع واللف والدوران.. كان الصدق.. وكانت البساطة في مواجهة الأشياء، وكانت العفوية في تقبل الكلمات.. هي الطابع للشخصية البريئة الساذجة التي تتمثل في كيانهما..

   وبدأت العملية من موقع حقده وحسده وعداوته.. فمشى إليهما في صورة الملاك الناصح ليقول لهما: إن هذا النهي عن الأكل من الشجرة لا يلزمهما، بل سيحصلان ـ من خلال تجاوزه ـ على لذة الخلود والانطلاق في أجواء الملائكة.. وبدأت الكلمات الجديدة المغلفة بغلاف من البراءة والنصح تأخذ مفعولها في نفسيهما، فهما لم يتصورا أن هناك غشاً في النوايا، وخداعاً في الأساليب.. بل كل ما عندهما الصفاء والنقاء والنظر إلى الحياة من وجه واحد، هو الحقيقة بعينها.. فاستسلما للكلمات من دون أن يشعرا بأن ذلك يمثل تمرداً على الله وعصياناً لإرادته فقد كان لأساليبه فعل الساحر في نفسيهما تماماً كما هي الأحلام عندما تغرق الإنسان في أجواء روحية لذيذة فتبعده عن واقعه وعن حياته.

   وسقطا أمام أول تجربة.. ونجح إبليس في التحدي الأول للإنسان، فأهبطه من عليائه وأسقطه من مكانته.. لئلا يبقى الساقط الوحيد في عملية التمرد على الله.. فها هو يشعر بالزهو والرضا، لأنه استطاع أن يهبط بقيمة هذا المخلوق الذي كرمه الله عليه، إلى درك الخطيئة ليصبح منبوذا من الله.. وجاء الأمر من الله إليهم جميعاً.. آدم وحواء وإبليس أن يهبطوا جميعاً.. وان يعيشوا في الأرض إلى المدى الذي يريد لهم أن يعيشوا فيه، ويتمتعوا فيما هيأه الله لهم من صنوف المتع واللذات.. وان يواجهوا الموقف بين الفريقين، فريق الإنسان الخ..»([18]).

ويقول أيضاً في مورد آخر:

   «..ويعود القرآن إلى حديث الإنسان الأول آدم في كل مورد للإيحاء بالضعف الإنساني الذي قد يسقط أمام تجربة الإغراء حتى يخيّل إليه أنه يمثل الفرصة السانحة السريعة التي إذا لم يستفد منها وينتهزها فإنه يتعرض للحرمان الأبدي.. ولذلك فإنه يبادر إلى انتهازها مدفوعا بهذا التصور الوهمي.. ثم يكتشف ـ بعد الوقوع في المشكلة ـ بأن المسألة ليست بهذه السرعة، وأن النتائج الإيجابية الموعودة ليست بهذا الحجم، فقد كان بإمكانه أن يصبر ويحصل على نتائج جيّدة أفضل وأكثر دواماً وثباتاً».

إلى أن قال:

   «..﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ([19]) وأوصيناه وحذرناه مما قد يواجهه من تجربة الانحراف بتسويل إبليس الذي يحمل له أكثر من عقدة منذ إبعاده عن رحمة الله بابتعاده عن الاستجابة لأمره بالسجود لآدم.. في الوقت الذي لم يحمل له آدم أي شعور مضاد.. ولكن آدم لم يتعمق في وعي الموضوع، ولم يأخذ مأخذ الجدّية والاهتمام، وبقي مستمراً على خط العفوية والبساطة الصافية في مواجهته للأشياء ﴿فَنَسِيَ﴾ ما ذكرناه به، فترك الامتثال للنصيحة الإلهية التي لم تكن أمراً تشريعياً يستتبع عقاباً جزائياً، بل كان أمراً إرشادياً يتحرك من المنطق الطبيعي للأمور فيما ترتبط به النتائج بمقدماتها».

إلى أن قال:

    «..﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ﴾، التي إذا أكلت منها أعطتك خلود الحياة التي لا فناء فيها ﴿وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى([20])، فيما يشتمل عليه من سلطنة دائمة مطلقة لا تسقط أمام عوامل الاهتزاز والسقوط.

   وهكذا حاول الالتفاف على أحلامهما الإنسانية في الخلود والملك الباقي من دون أن يثير فيهما عقدة الخوف من المعصية لله، ولهذا كان أسلوبه هو أسلوب التحذير الذاتي، والغفلة الروحية عن النتائج السلبية التي تنتظرهما، إذا استسلما إليه.

   وهذا هو الذي يجب أن ينتبه إليه الإنسان في مواقفه العملية، فيما قد يوسوس إليه الشيطان من التأكيد على حركة الحلم الوردي في مشاعره بطريقة غير واقعية، مستغلاً حالة الاسترخاء الروحي، والغفلة الفكرية التي يخضع لها في وجدانه، مما يجعله مشدوداً إلى الجانب الخيالي من أفكاره من دون مناقشة لها في قليل أو كثير فينحرف من موقع الغفلة لا من موقع الوعي، ومن أجواء الحلم لا من أجواء الواقع، كما حدث تماماً لآدم وحواء عندما كانا ينعمان بسعادة الجنة ونعيمها في ظلال عفو الله ورحمته ورضوانه، يتبوءان من الجنة حيث يشاءان، فليس لديهما مشكلة هناك.. فلم يكن من إبليس إلا أن وسوس إليهما مستغلاً جانب الغفلة، فعزلهما عن الواقع، ودفعهما إلى التفكير بالخلود والملك الباقي من خلال الأكل من الشجرة التي نهاهما الله عنها.. ولو فكرا جيداً لعرفا أن الخلود والملك ليسا من الأشياء التي تحصل بفعل الأكل من شجرة، بل هما نتيجة الإرادة الإلهية التي تملك أمر الموت والحياة، والملك الباقي أو الفاني، ولكنهما استسلما للجو الخيالي المشبع بالأحاسيس الذاتية المتحركة مع الأحلام.

   إن الموقف المتوازن هو الموقف الذي ينطلق من القرار المبني على الدراسة الموضوعية للأشياء، وعلى النظرة الواقعية لموقعها من المستقبل مما يفرض على الإنسان أن يتخفف كثيراً من أحلامه، لمصلحة الكثير من أفكاره ومواقفه الثابتة في الحياة.

﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا([21])،        فيما يعنيه ذلك من الإحساس بالعري الذي لا يغطيه شيء، فيما يعيشان الشعور معه بالعار والخزي في الوقت الذي كانا يتحركان ببساطة من دون مراعاة لوجود شيء في جسديهما يوحي بالستر، لأن مسألة الخطيئة في أفكارها وأحلامها لم تكن واردة في منطقة الشعور لديهما.. ولهذا كانا لا يشعران بوجود عورة.. لأن ذلك هو وليد الشعور بالمنطقة الخفية من شخصية الإنسان فيما يختزنه في داخله من أفكار وأحاسيس كامنة في الذات. ﴿وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾ في عملية تغطية وإخفاء وتخلص من العار ﴿وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى([22])، وابتعد عن خط الرشد الذي يقود الإنسان إلى ما فيه صلاحه في حياته المادية والمعنوية ولكن هذا الانحراف الطارئ البسيط لم يكن حالة معقدة في عمق الذات تفرض عليه الاستسلام للخطيئة كعنصر ذاتي لا يملك الإنفكاك منه بل هو حالة إنسانية تستغرق في الغفلة لحظة ثم تثوب إلى رشدها لتدخل في عالم الاستقامة من جديد..

إلى أن قال:     

   ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾، واصطفاه إليه واختاره لنفسه فلم يتركه ضائعا حائراً في قبضة فرعون.. ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾،  ورضي عنه ﴿وَهَدَى([23]). وفتح له أبواب رحمته، ودله على الطريق المستقيم، وأراده أن يواجه الحياة من مواقع قوة الإرادة في ساحة الصراع مع الشيطان، ولعل الله سبحانه أراد أن يجعل له من تجربة العصيان في الجنة، فترة تدريبية يمارس فيها حركة الوعي للجو الشيطاني الذي يتحرك فيه الكذب والغش والدجل والخيانة والرياء.. ليختزن الفكرة قبل أن ينزل إلى الأرض التي أعده الله ليكون خليفة له فيها، فيستفيد من تجربة سقوطه وخروجه من الجنة على أساس ذلك، كيف يعمل على أن يتفادى السقوط في الأرض أمام الشيطان الذي غره من موقع العقدة الشيطانية المستعصية، وكيف يجعل من دوره الرسالي، موقع قوة للحياة وللإنسان لا موقع ضعف. وهكذا أراد الله له أن يعيش الشعور برضا الله عنه وهدايته له فيما يريد له أن يتحرك فيه..»([24]).

   ويقول أيضاً:

   «..قد يثور أمامنا سؤال: إننا نعرف في قصة خلق آدم، في حوار الله مع الملائكة، ان الله قد خلقه للأرض ولم يخلقه ابتداء ليعيش في الجنة، فكيف نفسر هذا الأمر الذي يوحي بأن الجنة كانت المكان الطبيعي له لولا العصيان؟!

والجواب عن ذلك: هو أن الأمر الإلهي كان جزءاً من عملية التدريب الإلهي المرتكزة على فكرة الربط بين الجنة والطاعة في وعي الإنسان مع علم الله بأنه لن ينجح في الامتحان، فكان تقديره في خلقه للأرض من اشتراط البقاء في الجنة بشرط غير متحقق، فلا منافاة بين الأمرين.

   وقد نستوضح الصورة في إطار الفكرة الأصولية التي يبحثها علماء الأصول في موضوع صيغة الأمر.. وهي أن دوافع الأمر قد تختلف، فقد يكون الدافع له هو إرادة حصول الفعل من المأمور وقد يكون الدافع هو امتحان إخلاص المأمور وطاعته، أو إظهار قوة إيمانه وإخلاصه، من دون أن يكون هناك أي غرض يتعلق بالفعل، كما نلاحظه في أمر الله لإبراهيم بذبح ولده، لا لأن الله يريد ذلك (ولذلك رفعه قبل حصوله) بل ليظهر عظمة التسليم المطلق لله في سلوك الأب والابن ليكونا مثلاً وقدوة للناس، وقد يكون الداعي أمرا آخر، وهو تدريب الإنسان على مواجهة حالات السقوط بتعريضه لتلك التجربة ليتنبه إلى أمثالها في المستقبل كما في حالة آدم «عليه السلام». ونحن لا نجد أي مانع عقلي في ذلك بل هو واقع كثيراً في أفعال العقلاء وأساليبهم في الأوامر والنواهي..

   ولا مجال للاعتراض هنا بأن الله كلف آدم بما يعلم أنه لا يمتثل من خلال الظروف الموضوعية المحيطة به، أولا، لان العلم بعدم الامتثال لا يمنع من التكليف أساسا باعتبار أن العلم معلول للمعلوم وليس الأمر بالعكس.. وثانياً: أن التكليف لم يستهدف حصول الفعل، بل استهدف وعي التجربة المستقبلية من خلال التجربة الحاضرة وعلى ضوء هذا نجد أن الأمر هنا يشبه الأمر في قصة إبراهيم ولكن بطريقة متعاكسة في الموضعين».

التوبة ومدلولها في حياة الإنسان:

   «..﴿فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ([25]). إنه هو لعل في هذه الآية بعض الدلالة على أن الموقف كله في قضية آدم كان تدريباً من أجل أن يعي الإنسان في مستقبل حياته كيف تتحرك الخطيئة في نفسه وكيف تدفعه بعيدا عن الله.. فقد عالجت هذه الآية قضية التوبة، ووضعها في نطاق الأشياء المتلقاة من الله مما يوحي بأن آدم لا يحمل أية فكرة فطرية عنها، فكان الإيحاء والإلهام من الله من أجل أن يتعلم كيف يتراجع عن الخطأ، فلا يستمر عليه.. أما طبيعة الكلمات فقد اختلف المفسرون فيها، ولكن الأقرب إلى الذهن هو ما حدثنا عنه القرآن في سورة الأعراف في قوله تعالى: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ([26]).

   إنه الشعور العميق بطبيعة الخطأ وعلاقته بنفس الخاطئ وحياته وانعكاساته على قضية مصيره فليست القضية متصلة بالله باعتبارها شيئاً يسيء إليه أو يمس سلطانه، ولكنها متصلة بالموقف الإنساني من الله بقدر علاقته بموقفه من مصلحة نفسه، مما يجعل من بقاء الذنب في موقعه خسارة كبيرة للإنسان في الدنيا والآخرة، ويكون طلب المغفرة والرحمة منطلقا من الرفض الكبير للمصير الخاسر. فلا خسارة اعظم من خسارة الإنسان علاقة القرب إلى الله لأنه يخسر بذلك امتداده الإنساني في الطريق المستقيم»([27]).

وقفة قصيرة:

1 ـ إننا لا نريد أن نعلق على كل ما ورد في الصفحات المتقدمة حول آدم «عليه السلام»، ولا سيما قوله: إن شخصية آدم بريئة وساذجة. وهو الأمر الذي أكده من جديد في محاضرته في قاعة الجنان بتاريخ 20 جمادى الثانية 1418 هـ. وطبعت بعنوان: الزهراء المعصومة النموذج للمراة العالمية، ط سنة 1997 ص 50. وليعلم القارئ الكريم: أن ما تركناه من أقاويل هذا الرجل المشتملة على أمثال ما ذكر هنا، هو اكثر مما أوردناه في هذا الموضع من الكتاب.

2 ـ إن هذا البعض قد ذكر في ما نقلناه عنه: أن الله سبحانه أراد أن يضع الإنسان أمام بداية الخلق، ليعيش التصور الإسلامي عن تكريم الله للإنسان.

   ولكن ليت شعري أي تكريم هذا الذي يتحدث عنه هذا البعض، وهو نفسه يقدم لنا في كتابه  «من وحي القرآن» بل وسائر كتبه ـ التي جدد التزامه بكل ما اورده فيها في محاضرته المشار اليها في قاعة الجنان ـ أوصافاً وأفعالاً ينسبها إلى الأنبياء ما يقزز النفس، ويثير الغثيان، ويبعث على القرف، حتى ليتمنى أي إنسان عادي لو أن الله خلق شيئاً آخر بدلاً عن هذا الإنسان الأضحوكة والمسخرة والساقط والمهان. وإن ما ذكرناه هنا، وفي مواضع أخرى من هذا الكتاب يكفي للدلالة على نوع الأفكار التي يقدمها هذا البعض عن أنبياء الله وأصفيائه، فهي إلى التوراة أقرب منها إلى القرآن.

وليس ثمة مجال للاعتذار عن ذلك، بكونه ظاهر القرآن، لأننا قد شرحنا فيما تقدم من الآيات الكريمة المرتبطة بقضية النبي آدم «عليه السلام» كيفية عدم انطباق ما يقوله هذا البعض على تلك الآيات.

وسيأتي عند الحديث عن الآيات المتعلقة بسائر الأنبياء «عليهم السلام»: ما يقطع العذر عن مثل هذا الوهم.

3 ـ على أن من الطريف: أن نشير هنا إلى أن الحديث عن شعور آدم وحواء بالخزي والعار، لا موقع له، إذ إنهما كانا وحدهما في الجنة، ولم يكن ثمة ناظر لهما غيرهما، وهما زوجان لا محذور من نظر أحدهما إلى الآخر..

إلا أن يقال: إن الجن والملائكة، وحتى الشيطان كان أيضاً موجوداً، ولا يريدان أن ينظر أحد ـ خصوصاً هذا المخلوق الشرير ـ إليهما، أو يقال: إن إحساسهما بظهور عورتيهما كان هو المرفوض من قبلهما.

وعلى أي حال، فإننا لا نتفاعل!! مع تعبيره عن آدم النبي «عليه السلام»: أنه شعر «بالخزي والعار»([28])، فإن ذلك غير لائق في حقه «عليه السلام».

   كما أن ذلك مجرد دعوى بلا دليل، ولم يكن هذا البعض حاضراً ولا ناظراً، ولا مطلعاً على آثار هذا الخجل الناشئ عن الشعور بالخزي والعار، ولا رأى عليهما آثار الاضطراب ولا شاهد حمرة الخجل في وجهيهما، ولا غير ذلك من علامات.

   وبعد، فإن من الواضح: أن آدم «عليه السلام»، قد أكل من الشجرة، فواجه آثاراً سلبية في جسده لم تكن قد مرت به من قبل. وقد كانت هذه الآثار متعددة عبّر عنها القرآن الكريم بكلمة «سوءات» التي هي صيغة جمع، وقد نسب هذا الجمع إلى آدم وحواء كل على حدة.

ومعنى ذلك: أنه قد ظهرت سوآت عديدة لكل واحد منهما، لا سوءة واحدة لينحصر الأمر بموضوع ظهور العورة منهما، إذ لو كان المراد هو خصوص ذلك، لكان الأنسب أن يقول: بدت لهما سوأتاهما. وتبديل المثنى بالجمع إنما يصار إليه في الموارد التي يقطع فيها بإرادة المثنى، بحيث يكون العدول غير موهم.

   4 ـ إن العناوين التي ذكرناها في بداية كلام هذا البعض، والمأخوذة من كلماته وتعابيره، تعطينا فكرة عن طبيعة اللغة واللهجة التي يتحدث بها عن أنبياء الله سبحانه وتعالى؛ فإنها ليست لغة سليمة ولا مقبولة، مهما حاولنا التبرير والتوجيه، والالتفاف على الكلمات بالتأويل أو بغيره.

فهل يصح أن يقال: إن آدم «عليه السلام» وهو النبي المعصوم قد سقط أمام التجربة، أو أنه أساء إلى نفسه بانحرافه عن خط الرشد والمسؤولية في طاعة الله؟!

أو إن آدم قد تعرض للحرمان الأبدي حين سقط في تجربة الإغراء؟‍‍!

أو إن الله حذر هذا النبي من تجربة الانحراف بتسويل إبليس؟!

وهل يصح وصف آدم بالمنحرف؟! وما جرى له بالإنحراف؟!

أم يصح أن يقال عن نبي: إنه لم يفكر جيداً؟!

أو يقال: إنه لم يشعر أن ذلك يمثل تمرداً على الله وعصياناً لإرادته؟!

أو إنه لم يأخذ الموضوع ـ فيما يرتبط بالأمر الإلهي ـ مأخذ الجدية والاهتمام؟!

أو إن جريمة آدم تمثلت له في مستوى الكارثة؟!

وماذا يعني: أن ينسب إلى آدم استسلامه للجو الخيالي المشبع بالأحاسيس المتحركة مع الأحلام؟!

أو أن يقال: إن الله تعالى أراد تدريبه ليعي كيف تتحرك الخطيئة في نفسه في المستقبل؟! وكيف تبعده عن الله؟!

وهل يصح أن يقال عن نبي من الأنبياء «عليهم السلام»: إنه سقط إلى درك الخطيئة؟!

أو أن يقال: إن إبليس قاد آدم إلى الموقف المهين؟! 

أو إن هذا النبي قد أصبح منبوذاً من الله سبحانه؟!

ألا ترى معي أنها عبارات تستعمل عادة لأقل الناس وأحطهم؟!

5 ـ وهل يمكن أن يقبل أحد مقولة: أن هذا النبي لا يحمل فكرة فطرية عن التوبة، فاحتاج إلى أن يتلقاها من الله سبحانه وتعالى؟! وأية آية دلّته على هذا النفي؟! فإن تلقي الكلمات من الله، وتعليم الله سبحانه لآدم كلمات (هي أسماء أصحاب الكساء) أو دعاءً مخصوصاً، لا يعني أنه كان لا يدرك حسن التوبة، ومطلوبيتها، فإن وجوب التوبة أمر عقلي، ثابت في الشرع، والعقل يدرك حسنها كما هو معلوم لدى العلماء.

إذن.. فالذي علمه الله إياه من الكلمات ـ كما ورد في روايات أهل البيت «عليهم السلام» ـ هو الدعاء، والإستشفاع بأهل البيت من أجل أن يتوسل بذلك إلى الله في توبته التي يدرك بعقله حسنها ومطلوبيتها لله سبحانه، وليس في الآية أنه تعالى علّمه أن يتوب.

   6 ـ كما أننا نلاحظ: أنه يستقرب أن تكون الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه، هي خصوص قوله تعالى ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ([29]).

   فإن هذه الكلمات تفيد: أن آدم «عليه السلام» قد دعا بها ربه، طالباً أن يغفر له ويرحمه حتى لا يكون من الخاسرين. وليس هناك ما يدل على أنها هي الكلمات التي علمها الله لآدم.

   7 ـ إن الأنسب والأوفق بسياق الآيات هو: أن تكون الكلمات التي علمها الله لآدم هي تلك التي وردت في الروايات الكثيرة عن اهل بيت العصمة «عليهم السلام»، وهي أسماء الأئمة والحجج على الخلق «عليهم أفضل السلام»، لأنها هي الكلمات التي تحتاج إلى تعليم في مقام كهذا لكي يستشفع آدم «عليه السلام» بمسمياتها لما لهم «عليهم السلام» من كرامة على الله.

   وتكون هذه مناسبة جليلة يتعرف فيها آدم وذريته أكثر فأكثر على مقام هؤلاء الصفوة، ليكون تعلقهم بهم أقوى، ومحبتهم لهم أشد، وتقربهم منهم ومن خطهم ونهجهم أولى وأتم..

   ولا ندري لماذا لم يشر هذا البعض إلى هذه الأحاديث الكثيرة جداً التي صرحت: بأن الكلمات التي علمها الله لآدم هي أسماء هؤلاء؟! وكيف ولماذا استقرب أنها ـ أي الكلمات ـ: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا..([30]). مع أنه لا إشارة إلى ذلك أصلاً لا في الآية ولا في الرواية. بل إن ما ورد في هذه الآية هو الموقف الطبيعي والعفوي الذي ينتظر صدوره من آدم «عليه السلام» من دون حاجة إلى أي تعليم([31]).

   8 ـ على أن لنا أن نتوقف قليلاً عند قصة سجود إبليس لآدم، التي سبقت قضية الأكل من الشجرة، لأنها كانت في بدء خلقة آدم، فهل بقي آدم غافلاً عن حقيقة موقف إبليس منه؟! ألم يطلعه الله سبحانه على سوء سريرة إبليس، وعلى أنه عدو لهما ﴿وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ([32]).

   أليس في قول الله سبحانه هذا لهما إشارة إلى أن هذا المخلوق ليس مأموناً، وغير مرضي الطريقة، ولا يسير في الصراط المستقيم؟!

   وألا يكفي آدم التوجيه الإلهي الصريح والواضح، حتى يحتاج إلى التدريب والتجربة؟! ولماذا اقتصرت تجربة آدم على الكذب والغش، ولم تتعد ذلك إلى سائر أنواع الفواحش؟!

   أم أن هذا البعض يلتزم بأن آدم في نطاق دورته التدريبية قد واجه إبليس وعاينه حين ارتكابه لسائر الفواحش وممارسته لها عمليا؟!

   وما هو السر في أن التجربة قد اقتصرت على الكذب والغش ولم تتجاوزه إلى الفتنة والغيبة والنميمة وغير ذلك، بل اكتفى في الباقي بالتوجيه والتعليم؟! ولماذا لم يستغن عن هذه الدورة التدريبية أيضاً بتعليم مناسب بالنسبة إلى الغش والكذب، يتفادى معه حصول ما حصل؟! أم أن الأساليب الإلهية قد استنفدت مع آدم «عليه السلام» ولم يفد معه إلا هذا الأسلوب الصعب والقاسي؟!

ولعل قوله: «الظاهر: أنه استمر في الخط المستقيم»([33]) يشير إلى صحة هذا الاحتمال الأخير، لأنه ألمح إلى أنه حتى هذا الأسلوب لم يكن مجدياً إلى درجة يقطع معها باستقامة آدم على الطريق المستقيم.

240 ـ الظاهر: أن آدم استمر في الخط المستقيم.

241 ـ عدم حديث الله عن خطأ آخر لآدم دليل عدم وقوعه من بعد ذلك.

ويقول البعض:

   «..وانتهت قصة إبليس مع آدم.. واستطاع آدم بعد نزوله إلى الأرض أن يعي ـ تماماً ـ معنى الدور الشيطاني لإبليس في الإضلال والإغواء، من موقع العقدة المستحكمة في نفسه ضدّه.. وأن يحفظ نفسه منه فلم يحدّثنا الله عن خطأ آخر في مخالفة أوامر الله ونواهيه..

بل الظاهر: أنه استمر في الخط المستقيم الذي ترتبط فيه كل ممارسات حياته وتطلعاته بالله، بعيداً عن وساوس الشيطان وأضاليله..»([34]).

وقفة قصيرة:

   1 ـ لا ندري كيف نعتذر عن هذا البعض في نسبة الخطأ في مخالفة أوامر الله ونواهيه إلى النبي آدم «عليه السلام». وقد تحدثنا عن المراد من الآيات فيما تقدم من الفصل، فنذكره..

   2 ـ كما أننا لا ندري كيف لم يجزم بعصمة آدم «عليه السلام» عن الخطأ في مخالفة أمر الله ونهيه، بل احتاط، وحمله على الأحسن!! فاعتبر أن الظاهر من أمر آدم: أنه استمر على الخط، ولم يقطع بذلك وأبقى باب احتمال المعصية، والانحراف عن خط الرشد مفتوحاً، مع أنه يقول: إن العصمة عن الخطأ في الأنبياء تكوينية!! إلا أن يريد: أن ذلك في خصوص العصمة عن الذنوب، أما الخطأ فلا عصمة عنه، وهو الظاهر من كلماته التي نقلناها وننقلها.

   3 ـ والذي لفت نظرنا: أنه اعتبر عدم حديث الله سبحانه عن خطأ آخر لآدم «عليه السلام» دليلاً على عدم وقوع أي خطأ منه.. فهل هذا الدليل يصلح للإعتماد عليه في ذلك يا ترى؟!

242 ـ إهبطا أنتما وإبليس لفشلكم في الإستقامة على خط أوامر الله ونواهيه.

243 ـ إهبطا أنتما وإبليس لعصيانكم الله.

244 ـ أدرك آدم الهول الكبير الذي يواجهه في البعد عن رحمة الله.

245 ـ أدرك آدم الهول الكبير في الخروج من مواقع القرب لله.

246 ـ التحول الإنساني لآدم في الإعتراف بالذنب.

247 ـ التحول الإنساني لآدم في العزم على التصحيح.

248 ـ التحول الإنساني لآدم في الرجوع إلى الله بالعودة إلى طاعته.

249 ـ الأوامر الإرشادية تتصل بمحبة الله لعبده كي لا يقع في قبضة الفساد.

250 ـ الكلمات التي تلقاها آدم هي: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾([35]).  الخ..

251 ـ الحديث المروي يؤكد تفسيره للكلمات المتلقاة ويستبعد أسماء أهل البيت.

252 ـ آدم وحواء سقطا في التجربة الصعبة.

253 ـ السقوط في التجربة كان بعد التحذير الإلهي من الشجرة، ومن الشيطان.

ويقول البعض:

«..﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا([36]). إلى الأرض أنتما وإبليس لعصيانكم الله، وفشلكم في الإستقامة على خط أوامره ونواهيه، ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾. بفعل الحرب المفتوحة بينكما وذريتكما وبينه، وجنوده، لأنه يستهدف إبعادكم عن رحمة الله، وعن جنته، بينما تعملون على التمرد عليه والخروج من سلطته والسعي إلى دخول الجنة والبعد عن النار. ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾. أي مقام ثابت لأن الله جعلها قراراً، ﴿وَمَتَاعٌ﴾ تستمتعون فيه في حاجاتكم الوجودية العامة والخاصة، ﴿إِلَى حِينٍ([37]). إلى الأجل الذي جعله الله لكم في مدة العمر التي حددها لكم في هذه الدنيا.

وهكذا عرف آدم، ومعه زوجته معنى الشيطان في وسوسته، وقسوة التجربة في نتائجها، وأدرك الهول الكبير الذي يواجهه في البعد عن رحمة الله، وفي الخروج من مواقع القرب إليه، ومقامات الروح في رحابه.

آدم يتوب إلى الله تعالى:

﴿فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ([38]). ترتفع إلى الله من روح خاشعة خاضعة، وقلب نابض بالحسرة، والندم ولسان ينطق بالتوبة، وكيان يرتجف بالتوسل، وذلك بالإلهام الإلهي من خلال الفطرة التي توحي بالمعرفة في علاقة النتائج بالمقدمات، وفي طريقة تغيير الموقف من دائرة السلب إلى دائرة الإيجاب، ليكون التحول الإنساني في الإعتراف بالذنب والإستسلام للندم، والعزيمة على التصحيح، والرجوع إلى الله بالعودة إلى طاعته في ما يكلفه به من مهمات، وفي ما يرشده إليه من إرشادات، لأن أوامر الله الإرشادية تتصل بمحبته لعبده، لئلا يقع في قبضة الفساد، كما تتصل أوامره المولوية بحرصه عليه في البقاء في خط الإستقامة، وابتعاده عن خط الإنحراف الذي يؤدي إلى الزلل ويقوده إلى الهلاك.

ولكن ما هي هذه الكلمات؟!:

إن الرجوع إلى القصة في سورة الأعراف يوحي بأن آدم الذي انطلق نحو التوبة في عملية تكامل مع حواء، وقف معها ليقولا في توبتهما: ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ([39]). ويبدو من خلال هذه الآية: أن التوبة كانت قبل الهبوط إلى الأرض، بعد التوبيخ الإلهي، والتذكير لهما: بأن سقوطهما في التجربة الصعبة لم يحصل من حالة غفلة، لا تعرف الطريق إلى الوعي، بل كان حاصلاً بعد التحذير الإلهي من الأكل من الشجرة، ومن الشيطان، باعتباره عدواً لهما، وذلك قوله تعالى:

﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ([40]).

ويؤكد هذا التفسير للكلمات: الحديث المروي في قوله تعالى: ﴿فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ([41]). وقال: ﴿لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي وأنت خير الغافرين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسي فارحمني وأنت خير الراحمين، لا إله إلا أنت سبحانك اللهم وبحمدك عملت سوءاً وظلمت نفسي فاغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم. ﴾.

وهذا ما ينسجم مع الآية في أصل الفكرة، ولكنه يختلف عنها في التفاصيل»([42]).

وقفة قصيرة:

ونقول:

1 ـ قد تحدثنا فيما مضى من هذا الفصل بما فيه الكفاية عن قصة آدم «عليه السلام»، ولأجل ذلك، فإننا سوف نصرف النظر عن الإعادة، ولعل نفس العناوين التي استخرجناها من طيات كلام هذا البعض توضح لنا مدى جرأته على أنبياء الله وأوليائه.

2 ـ قد أشرنا حين الحديث عن تفسيره لقوله تعالى: ﴿عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ([43]). وذلك عند الحديث عن كلام البعض حول نبينا محمد «صلى الله عليه وآله»، إلا أن مخالفة الأولى لا مجال لقبولها في حق الأنبياء، بأي وجه، لأنها تنتهي إلى الطعن بهم، أو الطعن في عظمة الله وجلاله، جل وعز..

3 ـ إننا لم نستطع أن نفهم السبب في استبعاده أسماء أهل البيت «عليهم السلام»، وحصره الكلمات التي تلقاها آدم من ربه في خصوص هذا الدعاء، فإن التجاء الإنسان إلى الله، والإعتراف أمامه بالقصور، وبالتقصير، وطلب العون والستر والمغفرة، لا يحتاج إلى التلقي من الله سبحانه، وإلى التعليم، إذ إن ذلك هو ما تسوق إليه طبيعة الإنسان الذي يعرف الله، ويقف أمام جلاله، وعظمته، مدركاً عجزه في مقابل قدرته، وضعفه في مقابل قوته، وفقره، وحاجته في مقابل غناه، فكان من الطبيعي أن يدعو آدم ربه، وقد نقلت الروايات لنا ذلك.

ثم تفضل الله عليه بتعليمه أسماء أهل البيت «عليهم السلام»، ليكونوا شفعاءه ووسيلته. فيكون قد جمع بين الدعاء وبين التوسل.

ولماذا يستبعد الروايات التي تحدثت عن أن الكلمات هي: «محمد، وفاطمة، وعلي، والحسنان»؟! فإن بإمكانه أن يجمع بين الروايات، باعتبار أنه «عليه السلام» قد جمع بين الدعاء وبين التوسل فيكون دعاؤه «عليه السلام» قد اشتمل على الأمرين معاً.

4 ـ من قال: إن هبوط آدم «عليه السلام» وحواء من الجنة كان قد جاء على سبيل العقوبة لهما.. فلعله قد جاء من خلال الحالة التي استجدت لهما بسبب الأكل من الشجرة، من خلال تبلور الطبيعة البشرية بما لها من عوارض في شخصيتهما، حيث أصبحا يشعران بالحر والبرد، وبالقوة والضعف، وبالصحة والمرض، وبالجوع والشبع، وبالري والعطش.

وأصبح الواحد منهما يعرق، ويبول، ويتغوط، وينام إلى غير ذلك من حالات تعرض للبشر العاديين.

فلم يعد يمكنهما البقاء في الجنة من أجل ذلك، فكان لا بد من التوجيه الإلهي لهما باختيار المكان المناسب، دون أن يكون ذلك إبعاداً لهما عن ساحة الرحمة والقرب، والزلفى.

أما إبليس، فإن خروجه كان عقوبة له.. فإن طبيعة كينونته، وتكوينه لا تقتضي أن يحصل له ما كان يحصل لآدم من العطش والجوع والحر والبرد والمرض وما إلى ذلك. فإذا طرد من الجنة، فإن طرده يمثل إبعاداً عن ساحة القرب والزلفى والرحمة الإلهية، وحرماناً من مقام الكرامة الربانية.

وسيتضح الفرق بين الموقفين، الذي يبرر اعتبار هذا عقوبة وذاك كرامة.

5 ـ وقد روي عن (أحدهما) الإمام الصادق أو الإمام الباقر «عليهما السلام» قوله عن آدم «عليه السلام»: «إنه لم ينس وكيف ينسى وهو يذكره، ويقول له إبليس: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ([44])»([45]).

وذلك يفيد: أن المراد بالنسيان من قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا([46]) ـ إن كانت الآية تتحدث عما جرى بين آدم وإبليس ـ هو أنه قد عمل عمل الناسي، بأن ترك الأمر وانصرف عنه، كما يترك الناسي الأمر الذي يطلب منه.

لكن الظاهر من الرواية المتقدمة: هو أن آدم «عليه السلام» لم ينس نهي الله عن الشجرة، كما أنه قد روي عن الإمام الصادق «عليه السلام» ما يدل على أن نسيان العهد في هذه الآية لا يرتبط بالنهي عن الشجرة، بل هو يرتبط فيما أخذ عليه في الميثاق.. وللبحث في هذه الآية مجال آخر.

6 ـ قد ذكرنا: أن ما فعله آدم لم يكن تمرداً على إرادة الله ولا كسراً لهيبته، بل ما فعله «عليه السلام» يشبه مخالفة المريض لأمر الطبيب الذي نهاه مثلاً عن المشي لمدة ساعة وأعطاه دواء، فظن المريض المشي دواء له كما أن الدواء يقوم بمهمة المشي ويؤدي وظيفته، لكن المشي ساعة هو الأسرع في تحقيق الغرض من الدواء الذي يحتاج إلى عشرة أيام، فآثر المريض أن يتحمل مشقة المشي ليحقق غرض الطبيب وليفرح بالشفاء العاجل. وإذ بالنتيجة تكون عكسية حيث يظهر للمريض أن المشي ليس هو الدواء بل هو سبب الداء.

فيصح القول: بأنه عصى أمر الطبيب، وإن لم يكن الطبيب سيداً له، ولا نشأ أمره من موقع السيادة، بل من موقع الإرشاد والنصيحة، ولا تستحق مخالفة النصيحة، ولا مخالفة أمر الناصح أية عقوبة.

7 ـ إن إقدام آدم «عليه السلام» على الأكل من الشجرة، وكل ما جرى له «عليه السلام»، قد جاء ليثبت أهلية آدم «عليه السلام» للنبوة، وامتلاكه للمواصفات التي تحتاجها في أعلى درجاتها، تماماً كما حصل لموسى «عليه السلام» مع الخضر «عليه السلام». إذ إن ما كان يطمح إليه آدم «عليه السلام» ويطمع به لم يكن أمراً دنيوياً، ولذة عاجلة، كالسلطة، والمال، والجاه، والنساء، والمأكل، والملبس، وما إلى ذلك، بل كان طموحه منسجماً مع شخصيته الإيمانية والنبوية، وهو أن يعيش مع الله سبحانه وتعالى، وأن يكون خالصاً له. وأن يستأصل من داخله حتى ميوله وغرائزه الذاتية التي من شأنها أن تشده إلى أمور أخرى، ليصبح تماماً كما هو الملاك الذي يكون الخير طبيعته وسجيته، ولا يحمل في داخله أي شهوة أو غريزة يمكن أن يكون لها أدنى أثر في صرفه عن وجهته، أو أدنى أثر في وهن عزيمته.

كما أنه حين أراد الحصول على ملك لا يبلى، فإنه لم يرده حباً في الدنيا وإيثاراً لها.. وإنما ليكون قوة له في طاعة الله سبحانه، ووسيلة لإقامة العدل المحبوب لله فيما استخلفه سبحانه وتعالى فيه.

أضف إلى ذلك: أن طموح آدم «عليه السلام» وسعيه هو أن يبقى يعيش مع الله، وأن يكون عمره مديداً ومديداً جداً يصرفه كله في عبادته سبحانه، وفي رضاه، فهو لا يريد الخلود لأجل الدنيا، أو استجابة لشهوة حب البقاء..

نعم.. هذه هي أهداف وطموحات آدم «عليه السلام» النبي العاقل والحكيم، وهذا هو كل همّه، وغاية سعيه، ولو أنه لم يرد ذلك، لكان فيه نقص، ولما استحق مقام النبوة، لأنه بذلك يريد أن يبقى بعيداً عن الله، مستجيباً لغرائزه وشهواته..

وفوق ذلك كله، فإنه إذا كان قادراً على التصرف في الأمور وكان ملكاً فإنه سيكون قادراً على التقلّب في طاعة الله في مختلف الحالات، وينال بذلك أعظم مواقع القرب والزلفى منه تعالى.

ولأجل ذلك نجد أن إبليس اللعين قد ضرب على هذا الوتر الحساس بالذات، حين قال لهما وهما لا يريانه ـ كما روي عن الإمام العسكري «عليه السلام» ـ أو على الأقل لا دليل على رؤيتهم له ولا على معرفتهم به([47]).

نعم، لقد ضرب إبليس اللعين على هذا الوتر فقال: ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾؟!([48]).

وقال لهما أيضاً: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ([49])، فوعدهما بثلاثة أمور هي:

ـ الملك الباقي.

ـ والخلود.

ـ ونيلهما صفة الملائكية.

ولعل هذا الذي ذكرناه هو السر في أن إبليس لم يتحدّث لحواء وآدم «عليه السلام» عن الملذات التي يندفع إليهما الإنسان بدافع غريزي أو شهواني، كالطعام والشراب والنكاح وما إلى ذلك. بل تحدث لهما عن الملك الذي لا يبلى، وعن الحصول على صفة الملائكية وعن الخلود في كنف الله سبحانه وتعالى.

8 ـ إن من يراجع الآيات يجد: أن الله سبحانه حين نهاهما عن الاقتراب من الشجرة، ولم يقل لهما إني أعذبكما عذاباً أليماً، أو فتكونا من العاصين، ليكون في ذلك إشارة إلى أن في الاقتراب منها هتكاً لحرمة المولى، وجرأة على مقامه وتعدّياً عليه وتمرداً على إرادته، وكسراً للهيبة الإلهية، بل قال لهما: ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ([50]). وهو تعبير يمكن فهمه على أن المقصود منه: صورة ما لو كان الظلم للنفس، ولو بأن يحملها فوق ما تطيقه، بحسب العادة، كأن يحملها خمسين كيلو بدلاً من عشرين مثلاً وهذا بطبيعة الحال سيرهقها ويشق عليها، ويتعبها.

ويمكن فهمه أيضاً في صورة الظلم للناس. والمعنى الأول هو الذي أراده الله سبحانه حين خاطب آدم «عليه السلام» بهذه الكلمة.

فلا يلام آدم «عليه السلام» إذن إذا حمله على معنى ظلم النفس، بإرهاقها في أمر تكون نتيجة المعاناة فيه محققة لا محالة لآماله وطموحاته ـ كنبي ـ وهي التخلص من كل الغرائز والدواعي التي قد يجد فيها عائقاً عن الوصول إلى الله، ثم الخلود على صفة الملائكية في طاعته وعبادته سبحانه، لا الخلود من حيث هو شهوة بقاء خصوصاً إذا حصل على القدرات، والملك الذي لا يبلى الذي من شأنه أن يوصله إلى الطاعات بصورة أيسر وأكبر وأكثر.. وإلى الأبد، وليس إلى مدة محدودة.

9 ـ ثم إن الله سبحانه قد قال لآدم وزوجه: ﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ([51]). و ﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ([52]). فكلمة هذه وتلكما.. تشيران إلى أن ثمة عناية إلهية في بيان أن المنهي عنه أمر محدود وخاص وجزئي بعينه، ولم يتعلق النهي بالطبيعة الكلية، ولا كان الحكم الصادر من قبيل الأحكام الشرعية العامة.

ولأجل ذلك ورد في الحديث الشريف عن الرضا «عليه السلام» أنه قال للمأمون: «..﴿وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ([53]). وأشار لهما إلى شجرة الحنطة، ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ([54])، ولم يقل لهما: لا تقربا هذه الشجرة ولا ما كان من جنسها. ولم يقربا تلك الشجرة، وإنما أكلا من غيرها لما أن وسوس الشيطان إليهما، وقال: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ﴾، وإنما نهاكما عن أن تقربا غيرها، ولم ينهكما عن الأكل منها ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ([55])، ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ([56])، ولم يكن آدم وحواء شاهدا من قبل ذلك من يحلف بالله كاذباً، ﴿فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ([57]) فأكلا منها ثقة بيمينه بالله»([58]).

والنتيجة هي:

أولاً: إن الشجرة المنهي عنها هي شجرة مخصوصة ومحددة، ولم ينههما عن جنسها، وهما إنما أكلا من غير التي حددت لهما.

ثانياً: وجود القسم ـ كما سنرى.

ثالثاً: وجود التعليل الذي ينسجم مع طموح آدم كنبي، كإنسان كامل.

10 ـ لقد كان الله سبحانه قد أعطاهما حياة تناسب الجنة، وتحمل الخصائص التي تحقق السعادة الواقعية ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا([59]).

ومن الواضح: أن الإنسان المتوازن والمدرك والعاقل، الذي هو في مستوى نبي، ويليق بأن يكون اباً للبشرية ويكون النموذج للكمال البشري، حين جعله الله في الجنة فإنه أهّله بما يناسب الجنة من حالات وخصائص ومواصفات ولكنه حين أكل هو وزوجه من الشجرة ظهرت صفاتهما البشرية وغيّر من حالهما بصورة أساسية ما فاجأهما، حيث صارا يحسان بالجوع وبالعطش وبالصحة، وبالمرض والخوف والحزن والتعب والحرّ والبرد، واحتاجا إلى النكاح وغير ذلك، مع أن الله سبحانه حين أسكن آدم «عليه السلام» في الجنة قال له: ﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى([60])، فهذه الآية الشريفة ـ فيما يظهر ـ لا تريد حصر الوعد الإلهي بهذه الأربعة، بل هي تشمل كل ما هو من هذا السنخ، حتى الصحة والمرض والخوف والحزن و.. و.. الخ.. ولعل هذه الأربعة قد خصصت بالذكر.. لتكون مثالاً، أو لتكون هي الأصول التي ينشأ عنها كل ما يدخل في هذا السياق فإن الله حين يتعهد بأن يمنع عن الإنسان حتى ما يضايقه من حر الشمس، فهل يرضى له بالحزن والخوف والمرض.. وما إلى ذلك؟!

والحاصل: أنه بعد أن ظهرت عليهما هذه الأعراض لم تعد الجنة هي المكان المناسب لحياتهما. فكان لا بد لهما من الهبوط إلى مكان آخر يناسب الجسد، وحالاته، حيث أضحى بحاجة إلى ما يسد الجوع ويشفي من المرض، ويرفع العطش، ويقي من الحر والبرد، ويؤمن من الخوف، ويدفع أسباب الحزن والتعب، وما إلى ذلك.

ولعل بعض الروايات قد قصدت هذا المعنى حيث أشارت إلى أمر الخلقة وتحولاتها، فقد روي عن الإمام الصادق «عليه السلام» قوله:

«فلما أسكنه الله الجنة، وأتى جهالة إلى الشجرة، أخرجه الله، لأنه خلق خلقة، لا يبقى إلا بالأمر والنهي، والغذاء، واللباس، وإلا.. والنكاح ولا يدرك ما ينفعه مما يضرّه إلا بالتوفيق من الله..»([61]).

ثم تذكر الرواية تفاصيل ما جرى له مع إبليس..

وفي نص آخر عن أبي جعفر «عليه السلام»، عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»: أن آدم «عليه السلام» قال مخاطباً ربّه:

«وبدت لنا عوراتنا، واضطرنا ذنبنا إلى حرث الدنيا، ومطعمها، ومشربها»([62]).

وعن الإمام الصادق «عليه السلام»: «لما هبط بآدم «عليه السلام» إلى الأرض احتاج إلى الطعام والشراب، فشكا إلى جبرئيل إلخ..»([63]).

فتجد أن هذه الروايات تشير إلى أن أكلهما من الشجرة هو الذي اضطرهما إلى الطعام والشراب واللباس.. وأيقظ غرائزهما، فاحتاجا إلى النكاح..

وربما يكون في قوله تعالى: ﴿يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا([64]). إشارة أخرى إلى ذلك أيضاً.

11 ـ وأما بالنسبة لمعنى توبتهما التي تحدث عنها الكتاب الكريم، فلعلنا لا نبعد إذا قلنا: إن المقصود بها هو عودتهما إلى الله سبحانه بعد أن أحسّا أنهما الآن بأمس الحاجة إلى عونه، وإلى تدبيره فالتجأا إلى الله، وعادا إليه يطلبان منه أن يعود عليهما بإحسانه وفضله، وعونه في مواجهة هذه المشكلات الجديدة، ورفع تلك الحاجات، وخشعا إليه وخضعا، وابتهلا، فاستجاب لهما لأنه هو مصدر اللطف والرزق والشفاء وستر جميع النواقص، وسد سائر الثغرات.

ومن مظاهر هذه الاستجابة ما تجلى في قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ([65]).

فهي إذن ليست على حد توبة العصاة والمتمردين، بل هي بمعنى الالتجاء من موقع الإحساس العميق بالحاجة إلى اللطف والعون.

12 ـ وبعد أن اتضح لزوم أن يبادر آدم «عليه السلام» إلى الأكل من سنخ الشجرة، وفقاً للمعطيات التي توفرت لديه.. فإنه يبقى سؤال آخر يلح بطلب الإجابة، وهو: أن الله قد حذره من إبليس، ومن أن يخرجه من الجنة. فكيف قبل منه قوله؟!

ونقول في الجواب:

أولاً: إننا نجد في الروايات، ما يدل على أن آدم وحواء «عليهما السلام» لم يعرفا أن مخاطبهما هو إبليس، لأن إبليس كان قد خاطبهما من بين لحيي حيّة وكان آدم «عليه السلام» وحواء يظنان أن الحية هي التي تخاطبهما، وأن إبليس قال لهما: إن الله قد أحل لهما تلك الشجرة بعد تحريمها عليهما، لما عرف سبحانه من حسن طاعتهما، وتوقيرهما إياه. وجعل لهما علامة على صحة قوله: أن الملائكة الموكلين بالشجرة لا يدفعونهما عنها كما يدفعون غيرهم عنها. ولم تدفعهما الملائكة عنها لأنهم كانوا موكلين بدفع من لا يملك اختياراً وعقلاً([66]). فإذا صحت هذه الرواية فلا يبقى إشكال في القضية بمجملها.

ويلاحظ هنا: أنه تعالى قد قال لهما: ﴿إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ([67]). فحدّد له العدو، وأراه إياه، وجسّده له. ولم يقل له: إن إبليس عدو له. وحين تخفّى عنه، فإن آدم «عليه السلام» لم يخاطب الذي أخبره الله بعداوته، بل خاطب مخلوقاً آخر هو الحية.

وربما يؤيد ذلك: أن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ..﴾، فإن الآية تشير إلى وجود التفاف وتمويه في أسلوب التعاطي، ليصبح التعبير بالوسوسة التي تعني إلقاء الكلام من طرف خفي.. وليس الخفاء إلا في إخفاء إبليس لنفسه عنه بطريقة أو بأخرى.. ليصبح كلامه معه، وكأنه لا يحس بأن أحداً يدفعه إلى الأكل من الشجرة، فإن الحية بحسب الظاهر قد أخبرته بأن في هذه الشجرة ثلاث خصوصيات، ولم تطلب من آدم «عليه السلام» أن يأكل منها بصراحة. وقد جاءت هذه الخصوصيات بحسب نتيجة التحليل الذي انطلق منه آدم «عليه السلام» من موقع إيثاره رضى الله سبحانه، وشوقه إلى مقامات القرب منه ـ حسبما أوضحناه ـ جاءت لتمثل العناصر التي ارتكز إليها قرار آدم «عليه السلام» بالأكل من سنخ الشجرة المنهي عنها.

وثانياً: إنه إنما أكل من شجرة أخرى تشبه الشجرة التي نهي عنها بالإشارة الحسية إلى الخارجي، فلا يرى أنه قد عصى أمر الله الذي انصب على شجرة محددة بكلمته هذه. ولأجل ذلك جاء تعبير إبليس بكلمة تلكما التي أشارت إلى الشجرة البعيدة عنها والمحددة لها بشخصها، والوصف، والإغراء، إنما وقع بهذه الشبيهة لا بتلك التي نهاه الله عنها مباشرة.

وثالثاً: يقول الله عز وجل عن إبليس: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ([68])، وقد صرحت روايات عديدة عن الأئمة «عليهم السلام»، بأن آدم «عليه السلام» إنما تقبل قول إبليس لأنه أقسم له، قال آدم «عليه السلام»: إن إبليس حلف بالله أنه لي ناصح، «فما ظننت أن أحداً من خلق الله يحلف بالله كاذباً». وهذا المعنى قد ورد في عدة روايات([69]).

ولعل السر في ذلك هو: أن الحلف بالله معناه إيكال الأمر إلى الله، وجعله في عهدته، والقبول بأن يكون سبحانه هو المتولي للتوفيق للصادق، ولإنزال العقوبة بالكاذب والتعويض على من يلحقه الضرر نتيجة ذلك..

وقد جاء التعبير بـ: ﴿وَقَاسَمَهُمَا﴾ ربما ليشير بذلك من خلال إيراده بصيغة المفاعلة إلى مشاركة من قبل آدم «عليه السلام» وحواء في الوصول إلى هذا القسم ولو عن طريق اشتراطهما للعمل بالنصيحة أن يقسم لهما على صدقه وصحة ما يقول.. ولعلهما قد أقسما أن لا يعملا بنصيحته إلا إذا أقسم لهما على أن يقول الحق والصدق في محاولة منهما لإلجائه إلى جعل الأمر بين يدي الله سبحانه، والقبول بتحمل كامل المسؤولية أمام العزة الإلهية القادرة على ملاحقة المجرم في صورة ظهور زيف ما جاء به.

فأقسم هو لهما على ذلك أيضاً، فصح التعبير بقاسمهما.

13 ـ وعن دخول إبليس إلى الجنة فعلاً، قد يرجح بعض الأعلام، أن لا يكون إبليس ممنوعاً من الاقتراب منها فاقترب منها وبقي في خارجها، وألقى الكلام إلى آدم «عليه السلام» وهو ـ أي آدم ـ في داخلها قرب الباب، فلما كان منه في حق آدم «عليه السلام» ما كان، أهبطه الله عن هذا المقام أيضاً، وحرمه حتى من الإقتراب من الجنة عقوبة له.

كما أنه قد أهبط آدم «عليه السلام» وزوجه منها، لكن لا على سبيل العقوبة لهما، وإنما بسبب عدم ملائمة حالهما لها بعد أن ابتليا بما ابتليا به، من ظهور حالات البشر في طبيعة التكوين، حسبما أوضحناه.

كما أن هناك من يقول: إن آدم «عليه السلام» إنما كان في جنة من جنان الدنيا، ولعلها هي المكان الذي تكون فيه أرواح المؤمنين، ولم يكن دخولها حتى ذلك الوقت ممنوعاً على إبليس، فلما كان منه ما كان في حق آدم «عليه السلام» حرمه الله سبحانه حتى من دخول جنان الدنيا.

14 ـ ويتضح من جميع ما ذكرناه هنا وفيما تقدم من هذا الكتاب أن تفسير الآيات التي تحدثت عما جرى لآدم «عليه السلام» لا يفرض نسبة المعصية الحقيقية إليه.. وأن ثمة إشارات في الروايات وفي الآيات نفسها إلى وجوه من التفسير الصحيح، والمنسجم مع قداسة هذا النبي الكريم ومع الضوابط العقلية والإيمانية.. فلماذا الإصرار إذن على نسبة النقائص له صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا وآله؟!

254 ـ لا طريق إلا تزويج الإخوة بالأخوات.       

255 ـ لا مناعة جنسية حتى بين الأم وولدها.

256 ـ بامتداد النسل يحصل الجو النظيف جنسيًا.

وفي إجابة له عن كيفية توالد أولاد آدم «عليه السلام» نجده يقول:

«يمكن القول ـ كما نتبنى نحن هذا الرأي وثابت بالأدلة الشرعية ـ: بأن الإخوان تزوجوا الأخوات».

ثم يذكر أن ذلك لم يكن حراماً، فيقول:

«أول الخلق كان هذا الشيء حلال، لماذا؟! لأن هذا هو الذي يفسح المجال لانطلاقة البشرية، ولا يوجد طريق غيره»([70]).

   ثم يفلسف هذا الموضوع فيقول:

«فنظام العائلة مكون من أب وأم وأخوة وأخوات، وهو إنما يتوازن ويستقيم عندما تكون هناك مناعة عند الأب وعند الأم وعند الأخ وعند الأخت ضد أي إحساس جنسي تجاه الآخر، لأنه لو فرضنا أن الأحاسيس الجنسية كانت موجودة في حياة الأب والأم تجاه أولادهما، أو في حياة الأولاد تجاه بعضهما البعض فلن تستقر حياة عائلية ولن تنسجم في خصوص الجو العائلي المغلق، حيث يفسح المجال لهذه الأمور بشكل فوق العادة. لذلك فإن الله سبحانه وتعالى بعد أن صار هناك أبناء عم أو أبناء خال وخالة، أي عندما امتد التناسل وأصبحت هناك علاقات طبيعية، حرم الله ذلك ليستقيم نظام العائلة ولتنمو العائلة في جو طاهر نظيف من الناحية الجنسية، وبعد ذلك تنطلق لينشئ كل واحد منهم عائلة»([71]).

 وقفة قصيرة:

1 ـ إن هذا الكلام معناه: أن عائلة آدم «عليه السلام» أو العائلة في عهد آدم لم تكن تعيش في جو طاهر نظيف من الناحية الجنسية.. ولم يكن ثمة مناعة عند الأب والأخ والأخت والأم ضد أي إحساس جنسي تجاه الآخر. فهل يفترض هذا البعض وجود انفلات جنسي إلى هذا الحد فيما بين عائلة آدم، بحيث كان الكل لديه أحاسيس جنسية تجاه بعضهم البعض حتى الأم تجاه ولدها.. ثم لما تكاثرت العائلة وأصبح هناك أبناء عم وأبناء خالة حصلت المناعة؟! وكيف حصلت؟!

2 ـ إن هذا البعض يقول، إن تزويج الأخ بأخته في أولاد آدم ثابت بالأدلة الشرعية، ويزعم أنه لم يكن ثمة طريقة يمكن بواسطتها حل هذه المشكلة وانطلاقة البشرية من خلالها..

ونقول له:

أليس من الممكن أن يخلق لكل ولد زوجته، كما خلق آدم وحواء من قبل؟‍‍!

وقد روى الصدوق «رحمه الله» في العلل عن الصادق «عليه السلام» في حديث له ينكر فيه «عليه السلام» حديث زواج الأخ بأخته:

«..سبحان الله عن ذلك علواً كبيراً، يقول من يقول هذا: إن الله تعالى جعل أصل صفوة خلقه، وأحبائه وأنبيائه، ورسله، وحججه، والمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات من حرام!! ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من الحلال، وقد أخذ ميثاقهم على الحلال والطهر الطاهر الطيب»؟! ([72]).

   وأما خبر «الإحتجاج» و «قرب الإسناد» حول تزويج الإخوة بالأخوات، فيضعفه مطابقته في هذا الأمر لمذهب غير الشيعة([73]).

257 ـ الله يؤنب ويوبخ نبيه.

258 ـ نوح لم يلتفت إلى ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾([74]).

259 ـ كلمة ﴿مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ لم تكن واضحة.

وعن عدم التفات نوح «عليه السلام» إلى ما قاله الله تعالى حين أوحى إليه بشأن ولده، نجد البعض يقول في سؤال وجواب:

«كيف يمكن له أن يعيش لحظة الضعف أمام عاطفة البنوة، ليقف بين يدي الله ليطلب منه إنقاذ ولده الكافر، من بين كل الكافرين؟!

   وكيف يخاطبه الله بكل هذا الأسلوب الذي يقطر بالتوبيخ والتأنيب؟! ويتراجع نوح، ليستغفر، ويطلب الرحمة لئلا يكون من الخاسرين.

   ويمكن لنا أن نجيب عن ذلك: أن المسألة ليست مسألة عاطفة تتمرد، ولكنها عاطفة تتأمل وتتساءل، فربما كان نوح يأمل أن يهدي الله ولده في المستقبل.

   وربما كان يجد في وعد الله له بإنقاذ أهله ما يدعم هذا الأمل لأنه من أهله ولم يلتفت إلى كلمة: ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾، لأنها لم تكن واضحة»([75]).

ويقول في موضع آخر عن نوح الذي كان السؤال يلح على قلبه:

«والحسرة تأكل قلبه على ولده أن الله وعده أن ينقذ أهله»

إلى أن قال:

«ولم ينتبه إلى كلمة: ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ([76]). فأقبل إلى ربه بالنداء الخ..»([77]).

وقفة قصيرة:

   إننا نسجل هنا ما يلي:

   أولاً: إنه ليس ثمة من دليل ملموس يدل على أن نوحا صلوات الله وسلامه عليه كان يعلم بكفر ولده، فلعله كان قد أخفى كفره عن أبيه، فكان من الطبيعي أن يتوقع «عليه السلام» نجاة ذلك الولد الذي كان مؤمنا في ظاهر الأمر، وذلك لأنه مشمول للوعد الإلهي، فكان أن سأل الله سبحانه أن يهديه للحق، ويعرفه واقع الأمور، فأعلمه الله سبحانه بأن ولده لم يكن من أهله المؤمنين، وأنه من مصاديق ﴿مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾. فتقبل نوح ذلك بروح راضية([78]).

   ثانياً: إنه ليس ثمة ما يدل على أن نوحاً «عليه الصلاة والسلام» قد عاش الحسرة على ولده، من حيث إنه ولده.. فإن الأنبياء يعيشون الحسرة على الكافرين لما يفعلونه بأنفسهم، لا لقرابتهم منهم.

   والشاهد على ذلك ما حكاه القرآن عن نبينا الأكرم «صلى الله عليه وآله»، حيث خاطبه الله بقوله: ﴿فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ([79]).

ويقول: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا([80]).

ويقول: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ([81]).

غير أننا إن تأكد لدينا أن نوحاً «عليه السلام» كان واقفاً على كفر ولده، فإن من المعقول والمقبول جدا فهم موقف نوح، على أنه «عليه السلام» قد أراد أن يفهم الناس الذين نجوا وهلك أبناؤهم وآباؤهم وإخوانهم وأحباؤهم، أراد أن يفهمهم من خلال الوحي الإلهي: أن لا خصوصية لمن نجا من أهل نوح، كما لا خصوصية لمن هلك منهم ومن غيرهم، إلا ما يدخل في دائرة الإيمان، فلهم النجاة، أو في دائرة الكفر فلهم الهلاك..

وأراد أن يفهمهم أيضاً أن القضية قد نالت فيمن نالت حتى نبي الله نوحا في ولده.. وأن هلاك ذلك الولد لم يكن فيه خلف للوعد الإلهي، لأن المقصود بالأهل الذين صدر الوعد بنجاتهم هم أهله المؤمنون.

ثالثاً: إذا راجعنا الآيات نفسها، فلا نجد فيها أنه «عليه السلام» يطلب من ربه نجاة ولده، بل فيها أنه «عليه السلام» قد اعتبر رحمة الله ومغفرته هي الربح الأكبر، وبها تكون النجاة من الخسران.

ولأجل ذلك نجده «عليه السلام» قد قال: ﴿إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي([82]). توطئة للرد الإلهي الذي سيحدد خصوصية الأهل الموعود بنجاتهم، وهم المؤمنون، دون الكافرين.. حيث قد سبق القول بإهلاك الكافرين سواء أكانوا من أهل نوح أو من غيرهم.

رابعاً: بالإضافة إلى ما تقدم نقول:

إن نوحاً «عليه السلام» قد طلب من ولده أن يركب معهم، فقال: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ([83]).

وهذا ـ أعني قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ﴾ ـ يشير إلى أنه يراه مؤمناً، وأنه هو الذي رفض الركوب معهم، وعرض نفسه للهلاك مع علم نوح بأن التخلف عن ركوب السفينة معناه التعرض للهلاك المحتم، وكان هذا هو خيار ولده نفسه..

   ثم أشار «عليه السلام» إلى ما يفيد: أنه لم يكن بصدد طلب نجاة ولده، ولا كان يتهم الله تعالى بخلف وعده، حيث صرح «عليه السلام»: أن وعد الله هو الحق..

وقبل أن يتقدم بأي طلب من الله كان التعليم الإلهي له: أن لا يسأله ما ليس له به علم.

إذن، فهناك شيء لم يكن نوح مطلعاً عليه، حسب دلالة الوحي الإلهي، فجاءت استجابة نوح لتؤكد على أنه «عليه السلام» لم يسأله، ولن يسأله في المستقبل:

﴿فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ([84]).

ثم جاء قوله «عليه السلام»: ﴿وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ([85])، ليؤكد هذه الحقيقة، حيث إنه قد استعمل كلمة (لا) ولم يستعمل كلمة (لم)، ليفيد أنه لا يتحدث عن الماضي، حيث لم يصدر منه ما يحتاج إلى ذلك، بل هو يتحدث عن المستقبل.

ويتضمن هذا التعبير إشارة إلى أن طلب الأنبياء للمغفرة، إنما يراد منه طلب دفع المعصية عنهم، لا رفعها، كما هو معلوم عند أهله..

خامساً: إنه ليس ثمة ما يدل على أن نوحاً «عليه السلام»، لم يلتفت إلى كلمة ﴿إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ([86]). أو أن هذه الكلمة لم تكن واضحة حين الوحي، علما أن ذلك يخالف العصمة في البلاغ وفي التبليغ، وهي أمر عقلي، مسلّم وقطعي، عند جميع المسلمين، وليس في الآيات أيضاً: أن نوحا قد عاش الحسرة على الكافر، حتى لو كان ذلك الكافر هو ولده بالذات.

سادساً: وأخيراً، هناك الكثير من الاحتمالات التي تتحملها الآيات بحيث تكون بعيدة عن وصم الأنبياء «عليهم السلام» بهذه النقائص، ولا تتنافى مع (بلاغة القرآن)، فلماذا اختيار التفاسير التي تظهر أو تنسب نقيصة للنبي أو الولي، دون غيرها من التفاسير التي تنزههم عن مثل هذه النقائص؟!


([1]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج 10 ص 34.

([2]) نفس المصدر ص 32.

([3]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج 15 ص 171.

([4]) الندوة ج1 ص 315.

([5]) الموسم عدد 21 ـ 22 ص293 ـ 294 وعن كونها دورة تدريبية وكيف ذلك.. راجع: من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج15 ص 176 ـ 177 والندوة ج1 ص 314 ـ 315.

([6]) الآية 14 من سورة المؤمنون.

([7]) راجع كتاب بحث حول المهدي ص42 وما بعدها.

([8]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج 10 ص 22 و 23.

([9]) الآية 19 من سورة الأعراف.

([10]) الآية 19 من سورة الأعراف.

([11]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج 10 ص 28 و 29.

([12]) الآية 22 من سورة الأعراف.

([13]) الآية 22 من سورة الأعراف.

([14]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج10ص32 و 33.

([15]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج10ص39

([16]) الآية 27 من سورة الأعراف.

([17]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج10ص37.

([18]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج1ص181 و 182

([19]) الآية 115 من سورة طه.

([20]) الآية 120 من سورة طه.

([21]) الآية 121 من سورة طه.

([22]) الآية 121 من سورة طه.

([23]) الآية 121 من سورة طه.

([24]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج 15 ص 169 ـ 177

([25]) الآية 37 من سورة البقرة.

([26]) الآية 23 من سورة البقرة.

([27]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج1ص188 ـ 191.

([28]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج10 ص 37 و 38.

([29]) الآية 23 من سورة الأعراف.

([30]) الآية 23 من سورة الأعراف.

([31]) تفسير البرهان ج1ص 81 ـ 89عن مصادر كثيرة.

([32]) الآية 22 من سورة الأعراف.

([33]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج 10 ص 36.

([34]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج10 ص 36.

([35]) الآية 23 من سورة الأعراف.

([36]) الآية 36 من سورة البقرة.

([37]) الآية 24 من سورة الأعراف.

([38]) الآية 37 من سورة البقرة.

([39]) الآية 23 من سورة البقرة.

([40]) الآية 22 من سورة الأعراف.

([41]) الآية 37 من سورة البقرة.

([42]) من وحي القرآن (الطبعة الثانية ـ دار الملاك) ج1 ص 250 ـ 252.

([43]) الآية 43 من سورة التوبة.

([44]) الآية 20 من سورة الأعراف.

([45]) البحار ج11 ص187 عن العياشي وتفسير البرهان ج2 ص6.

([46]) الآية 115 من سورة طه.

([47]) وقد يحجب الله سبحانه عن آدم «عليه السلام» معرفته بمن يخاطبه حين يخاطبه من وراء الحجاب، وذلك لكي يظهر آدم «عليه السلام» على حقيقته السامية التي استحق بها مقام النبوة، تماماً كما كان الحال بالنسبة لموسى «عليه السلام» مع الخضر «عليه السلام» حسبما أشرنا إليه، إذ قد كان يمكن أن يعرّف الله نبيه موسى «عليه السلام» بالكنز الذي تحت الجدار، وبالملك الغاصب للسفن، وبحقيقة معاملة ذلك الشاب مع أبويه.

([48]) الآية 120 من سورة طه.

([49]) الآية 20 من سورة الأعراف.

([50]) الآية 19 من سورة الأعراف.

([51]) الآية 19 من سورة الأعراف.

([52]) الآية 22 من سورة الأعراف.

([53]) الآية 19 من سورة الأعراف.

([54]) الآية 19 من سورة الأعراف.

([55]) الآية 20 من سورة الأعراف.

([56]) الآية 21 من سورة الأعراف.

([57]) الآية 22 من سورة الأعراف.

([58]) البرهان في تفسير القرآن ج3 ص46 وج1 ص83 والبحار ج11 ص64 عن عيون أخبار الرضا «عليه السلام» ص108 و 901.

([59]) الآية 35 من سورة البقرة.

([60]) الآيتان 118 و 119 من سورة طه.

([61]) راجع تفسير القمي ج1 ص43 وتفسير البرهان ج1 ص80 وج2 ص80 وج2 ص6 والبحار ج11 ص161.

([62]) تفسير البرهان ج1 ص84 والبحار ج11 ص183 عن تفسير العياشي.

([63]) البحار ج11 ص217 عن الكافي.

([64]) الآية 27 من سورة الأعراف.

([65]) الآية 26 من سورة الأعراف.

([66]) تفسير الإمام العسكري ص 222 و 223 وتفسير البرهان ج1 ص80 والبحار ج11 ص190 و 191 وراجع: تعليق العلامة المجلسي ص193 ومستدرك الوسائل ج2 ص 286 ح607.

([67]) الآية 117 من سورة طه.

([68]) الآية 21 من سورة الأعراف.

([69]) تفسير البرهان ج1 ص81 و 83 وراجع تفسير القمي ج1 ص44 والبحار ج11 ص161 و 163 و 188 و 206 و 164 وعيون أخبار الرضا ص108 و 109 وعلل الشرائع ص148 وعن الكافي (الفروع) ج1 ص215.

([70]) الموسم العددان21 و 22 ص319.

([71]) الندوة ج1 ص 737.

([72]) تنزيه الصفوة ص15 و 7 و 8 و 23 و 5 و 17 ـ 19.

([73]) تنزيه الصفوة ص 21 و 22 و 10 و 11.

([74]) الآية 27 من سورة المؤمنون.

([75]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج12 ص79 و 80.

([76]) الآية 27 من سورة المؤمنون.

([77]) الحوار في القرآن ص230 ط سنة 1399هـ ق.

([78]) راجع تفسير الميزان ج10ص232.

([79]) الآية 8 من سورة فاطر.

([80]) الآية 6 من سورة الكهف.

([81]) الآية 3 من سورة الشعراء.

([82]) الآية 45 من سورة هود.

([83]) الآيتان 42 و 43 من سورة هود.

([84]) الآيتان 46 و 47 من سورة هود.

([85]) الآية 47 من سورة هود.

([86]) الآية 27 من سورة المؤمنون.

 
   
 
 

موقع الميزان