الفصل الثاني
إبراهيم..
ولوط

260 ـ التأكيد على سذاجة إبراهيم عدة
مرات.
261 ـ خشوع إبراهيم للكوكب، وقناعته
بربوبيته.
262 ـ إبراهيم «عليه السلام» في وهم
كبير.
263 ـ إبراهيم يعبد القمر ويتصوف له.
264 ـ ضياع إله إبراهيم في الأجواء
الأولى للصباح.
265 ـ ﴿لَا
أُحِبُّ﴾..
﴿هَذَا أَكْبَرُ﴾
صرخة طفولية.
يقول عن إبراهيم «عليه السلام»، في ما قصه الله تعالى،
من خطابه «عليه السلام» للكوكب ثم للقمر والشمس: إن هناك احتمالين في
تفسير الآيات التي تعرضت لذلك:
أحدهما: أن يكون ظاهر الآيات هو حقيقة موقفه، فيكون
إبراهيم قد صدق بأن الكوكب والقمر والشمس آلهة..
الثاني: أن يكون إبراهيم «عليه السلام» قد قام بحالة
استعراضية أمام قومه ليقنعهم بالحقيقة.
وقد ذكر لكلا الاحتمالين ما يقربه.. ولكنه شرح الآيات
شرحاً مسهباً على أساس الاحتمال الأول، ثم بعد أن ذكر ما يؤيد كل واحد
من الإحتمالين، وذكر ما يمكن استفادته من الآيات، عاد وختم كلامه وفق
الاحتمال الأول..
ومن الواضح: أننا وإن كنا نستظهر من ذلك ميله إلى ذلك
الاحتمال الفاسد، ولم يذكره لمجرد كونه احتمالا، إلا أن مجرد توهم أن
يكون نبي الله إبراهيم «عليه السلام» قد عبد غير الله، أو اعتقد
بألوهيته وربوبيته، هو توهم واحتمال باطل في حق الأنبياء، ويلزم
التصريح بتسخيفه وبطلانه، فضلا عن تأييده بالشواهد، ثم شرح الآيات بما
يناسبه، ثم إنهاء الكلام والخروج من الموضوع من خلاله..
ونحن نذكر فيما يلي كلماته كلها.. فنقول:
يقول البعض:
«وتطالعنا ـ في هذا المجال ـ شخصية إبراهيم ـ النبي..
التي يقدمها لنا القرآن في أجواء الصفاء الروحي، والبساطة الإنسانية..
والطبيعة العفوية.. التي تلامس في الإنسان طفولته البريئة فيما تلتقي
به من حقيقة الأشياء.. ليفكر من خلال براءة النظرة في عينيه، وسلامة
الحس في أذنيه ويديه، فيما يرى أو يسمع أو يلمس، فيما لديه من أدوات
الحس الواقعي..
فنحن لا نرى فيه ـ من خلال الصورة القرآنية ـ شخصية
الإنسان الذي يتكلف الكلمات التي يقولها للآخرين، ولا نلمح لديه روحية
الشخص المشاكس الذي يبحث عن المشاكل في أفعاله وعلاقاته.. بل نشاهد فيه
الشخصية البسيطة الواقعية التي ترتبط بالأشياء من جانب الإحساس، فتسمي
الأشياء بأسمائها بعيداً عن تزويق الألفاظ، وزخرفة الأساليب، بقوةٍ
وصدقٍ وواقعيةٍ وإيمان.
ففي الصورة الأولى، نلتقي به في موقفه من أبيه الذي
يعبد الأصنام التي يعبدها قومه.. فيواجهه بالإنكار القوي الرافض للموقف
من الأساس، لرفضه الفكرة التي يرتكز عليها.. فهذه الأصنام، هي أحجار
جامدة، كبقية الأحجار الموجودة في العراء.. ولا ميزة لها إلّا أنّ يد
الإنسان قد أعطتها بعض ملامح الصورة، فحولتها إلى تماثيل.. فإذا كان
الإنسان هو الذي أعطاها تلك الميزة التي تختلف بها عن سائر الأحجار..
فهي صنع يده، فكيف تكون آلهة له.. ومن الذي أودع فيها سر الألوهة؟! وهل
الألوهة شيء يصنع ويخلق، أو هي قوة تصنع وتخلق؟!
ثم إن الألوهة تعني القدرة والعلم والحياة والغنى
المطلق فيما تعنيه من ملامحها الحقيقية.. فما هي ملامح ذلك كله في هذه
التماثيل؟! ولكنها الأوهام التي حولت الأشياء غير المعقولة.. إلى عقائد
وتصورات ورموز قداسةٍ في مستوى الآلهة.. فكيف تتخذ هذه الأصنام آلهة؟!
وكيف؟!
..إن فكري لا يلمح أيّة إشراقة للحقيقة فيما تسير
عليه.. ولو من بعيد بعيد.. بل كل ما هناك الظلام والتيه والضياع.. وهنا
يتحول التساؤل.. إلى حكم قاطع في مستوى وعيه للحقيقة المنطلقة من خط
الهدى.. التي تحدد ملامح الضلال في خطوط الآخرين..
إني
أراك وقومك في ضلال مبين:
إنه الموقف الصلب الذي لا يهادن ولا يجامل.. ولا
يغلف الأشياء بغلاف سحري، بل يدفع الموقف إلى الأمام، بكل وضوح
وصراحة.. بعيداً عن المجاملة واللياقة التي تفرضها علاقة الابن بأبيه..
لأن قضية العقيدة لا تخضع للجانب العاطفي للعلاقات لأن علاقة الإنسان
بالحقيقة التي تربطه بالله أقوى من أية علاقة بأي إنسان كان.
وفي الصورة الثانية نشاهد إبراهيم يتطلع إلى السماء،
كما لو كان شاهدها أول مرة، فهو ـ فيما توحيه الآية ـ يواجهها كتجربة
جديدة لم يلتق بها من قبل، وذلك فيما تعنيه التجربة من المعاناة في
حركة الحس البصري كمادة للتفكير، للانتقال من المحسوس إلى المعقول، ومن
المادة إلى المعنى.. فقد كان يشاهدها سابقاً، في رؤية جامدة، لا تعني
له شيئاً، إلا بمقدار ما يعنيه انعكاس الصورة في العين، لمجرد تجميع
الصور في الوجدان.. فيما يلتقي به الإنسان من مألوفاته العادية في
حياته اليومية.. وهكذا نجد أن الرؤية التي يتحدث عنها القرآن في قوله
تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ
نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾.
هي الرؤية الواعية الفاحصة المدققة التي تثير في الداخل المزيد من
التأمل والحوار والاستنتاج.. بدليل قوله تعالى: ﴿وَلِيَكُونَ
مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾([1])،
مما يوحي: بأنها الرؤية التي تبعث على القناعة من خلال اليقين.. وبدأ
يفكر في استعراض عقلي للعقائد التي يعتقدها قومه في عبادتهم للكواكب
والقمر والشمس.. ومحاكاة ذاتية تتحرك من أجل إثارة التساؤل.. وهكذا
التقى بالكواكب المتناثرة في السماء، في صورة بديعة في روعة التنسيق
والتكوين.. فما أن لمح كوكباً يتلألأ ويشع في قلب هذا الظلام
المترامي.. حتى سيطرت عليه أجواء الروعة، واستولى على فكره الخشوع
الروحي أمام هذا الشعاع الهادئ في الأفق البعيد.. فخيل إليه أن هذا هو
الإله العظيم الذي يتعبد الناس إليه.. لأن الفكرة الساذجة تجعله في
الأفق الأعلى البعيد، الذي تتطلع إليه الأبصار برهبة وخشوع ولا تستطيع
الخلائق أن تصل إليه أو تدرك كنهه.. ﴿فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي..﴾([2])..
في صرخة الإنسان الطيب الساذج الذي خيل إليه أنه اكتشف السر الكبير
الذي يبحث عنه كل الناس، كما لو لم يكتشفه أحدغيره.. وكأنه أقبل إليه
في خشوع العابد، وفي لهفة المسحور.. وفي اندفاعة الإيمان.. وربما ردد
هذه الكلمة ﴿هَذَا
رَبِّي﴾
في سره كثيراً.. ليوحي لنفسه بالحقيقة التي اكتشفها ليؤكدها في ذاتها..
بعيدا عن كل حالات الشك والريب.. وبدأ الليل يقترب من نهايته.. وبدأت
الكواكب تشحب وتفقد لمعانها.. ثم بدأت تبهت.. وتبهت حتى غابت عن
العيون.. وحاول أن يلاحقها هنا وهناك.. لقد ضاع الإله في الأجواء
الأولى للصباح.. وانكشفت له الحقيقة الصارخة.. فقد كان يعيش في وهم
كبير.. فقد أفل الكوكب.. ولكن الإله لا يأفل لأنه القوة التي تمثل
الحضور الدائم في الحياة كلها فلا يمكن أن تبتعد عن حركتها المتنوعة
لأن ذلك يتنافى مع الرعاية المطلقة للكون ولما فيه من موجودات حية وغير
حية..
واهتزت قناعاته من جديد.. وبدأ يسخر بالفكرة والعقيدة
في عالمه الشعوري الصافي.. ﴿فَلَمَّا
أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ﴾([3]).
﴿فَلَمَّا
رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا﴾.
في صفاء الليل، ووداعة السكون.. وكان الشعاع الفضي الساحر يلقي على
الكون دفقا من النور الهادئ الذي يتسلل إلى العيون فيوحي إليها بالخدر
اللذيذ ويخترق القلوب فيوحي إليها بالأحلام اللذيذة الساحرة.. ويطل على
الطبيعة فيغلفها بغلافه الشفاف الوادع الذي يثير في آفاقها الكثير
الكثير من اللذة والأحلام.. وبدأت المقارنة بين ذلك النور الكوكبي الذي
يأتي إلينا متعبا واهنا في جهد كبير.. وبين هذا النور القمري الذي
يتدفق كشلال في قلب الأفق.. فأين هذا من ذاك؟! فهذا هو السر الإلهي
الذي كان يبحث عنه.. ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي﴾.
وعاش معه في حالة روحية من التصوف والعبادة لهذا الرب
النوراني الذي يتمثل في السماء قطعة فضية من النور الهادئ الساحر..
وفجأة بدأ الشعاع يبهت.. ثم يغيب.. وانطلقت الحيرة في وعيه من جديد..
أين ذهب الإله وأين غاب؟! وهل يمكن للإله أن يغيب ويأفل؟! وضجت علامات
الاستفهام في روحه تتساءل من هو الإله؟! وأين هو؟! وعاش في التصور
الضبابي المبهم الغارق في الغامض.. يتوسل بالرب الذي لا يعرف كنهه، أن
يهديه سواء السبيل لئلا يضل ويضيع.. ﴿فَلَمَّا
أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ
الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾([4]).
وما زال ينتظر وضوح الحقيقة.. وفجأة أشرقت الشمس بأشعتها الذهبية
الدافئة فأخذت عليه وجدانه.. ﴿فَلَمَّا
رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ﴾.
فأين حجم الشمس.. من حجم القمر والكواكب؟! فلا بد أن تكون هي الإله
الذي يبحث عنه، لأنها تتميز عنهما بصفات كثيرة.. وبدأ يتابعها وهي
تتوهج وتشتعل.. وتملأ الكون كله دفئاً وحياة وإشراقاً وجمالاً.. فإذا
به يهتز ويتحرك في قوة وامتداد وحيوية دافقة.. ولكن.. ماذا؟! وبدأ
يفكر.. فها هي تبهت وتبرد وتكاد تتضاءل.. ثم تغيب وتأفل.. وتترك الكون
في ظلام دامس.. فكيف يمكن أن تكون إلهاً تعيش الحياة في قدرته وقوته..
ما دامت تغيب مع المجهول تاركة الكون كله في ظلام وفراغ؟!
..وأطلق الصرخة فيمن حوله من هؤلاء الناس الذين يعبدون
الكواكب والقمر والشمس.. فيما خيل له، في وقت من الأوقات، أنه الحقيقة
المطلقة التي لا يعتريها شك ولا ريب.. ﴿فَلَمَّا
أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ﴾([5]).
من هذه المخلوقات التي انطلقت من العدم، ولا يزال العدم يعشش في كل
حركة من حركاتها، أو خطوة من خطواتها.. وتمرد على كل هذه الاتجاهات
الإشراكية لأن الله لا يمكن أن يكون هذه الأشياء المحدودة.. بل لا بد
أن يكون شيئاً أعظم من ذلك وأكبر.. في القوة والقدرة.. لا في الحجم.. ﴿إِنِّي
وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ
حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾([6]).
وهكذا تدفقت إشراقة الإيمان في وعيه وفي قلبه، فأحس
بأن الله هو شيء لا كالأشياء لأن الأشياء نتاج قدرته.. وأدرك أن الله
لا يحس كما تحس الموجودات الأخرى بالسمع والبصر واللمس، ولكنه يدرك
بالعقل وبالقلب وبالشعور.. من خلال كل هذه المخلوقات التي تحيط
بالإنسان في الكون الكبير.. من السماوات والأرض وما فيهن وما بينهن..
فتترك لديه انطباعاً بأن الله هو الذي فطرها وأوجدها.. ومن خلال هذه
الإنطلاقة الإيمانية الرائعة التي أحس معها بالراحة والطمأنينة
والإنفتاح.. وقف بكل كيانه ـ ليحول كل وجهه ـ والوجه هنا كناية عن
الذات بجميع التزاماتها وعلاقاتها وتطلعاتها ـ إلى الله، حنيفاً،
مخلصاً مائلاً عن خط الإنحراف.. فهو وحده الذي تتوجه إليه العقول
والقلوب والوجوه بالخضوع والطاعة المطلقة.. بإحساس العبودية.. وحركة
الإيمان.. الذي يعلن هذا التوحيد بما يشبه الصرخة الهادرة الرافضة لكل
الوجودات المحدودة، التي تتأله أو التي يحسبها الناس في عداد الآلهة..
وما أنا من المشركين..
وماذا
بعد ذلك؟!:
هل هي الرحلة الأولى في طريق الإيمان، لدى إبراهيم؟!
أو هي محاكاة استعراضية للأجواء المحيطة به، فيما يعتقده الناس من
ألوهية الكواكب والقمر الشمس.. في محاولة إيحائية لمن حوله بسخافة هذه
العقائد وتفاهتها وضعفها أمام المنطق الوجداني الصافي، وذلك من موقع
ابتعاده عنها بعد اقترابه منها، مما يعطي لموقفه بعض القوة في الإيحاء،
باعتباره الموقف الذي عاش التجربة وعاناها.. ثم تمرد عليها؟!
ربما كان هذا هو الرأي الأقرب الذي يلتقي مع شخصية
إبراهيم فيما حدثنا القرآن عن حياته.. فنحن لم نلمح ـ في غير هذه الآية
ـ حالة تأثر بالجو المحيط به.. بل ربما نرى الأمر ـ بالعكس من ذلك ـ
حالة تمرد على البيئة حتى فيما يتعلق بالجو العائلي المتمثل في أبيه
الذي نقل لنا القرآن موقف إبراهيم منه.. وقد نستطيع استيحاء الآية
السابقة التي حدثنا القرآن فيها عن كلام إبراهيم لأبيه حول الأصنام
التي يعبدها أن هذا الموقف سابق لموقفه من هذه العقائد..
هذا بالإضافة إلى أن الرؤية التي حدثنا الله عنها
لملكوت السماوات والأرض.. لا بد أن تكون الرؤية الوجدانية الواعية التي
تحاول أن تثير التفكير من خلالها وليست الرؤية البصرية الساذجة، لأنها
تبدأ مع الإنسان منذ اللحظة التي يفتح فيها عينيه على الحياة ليتطلع
إلى ما فيه من موجودات يدركها البصر.. وربما كانت كلمة ﴿وَلِيَكُونَ
مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾([7]).
إشارة إلى ذلك، لتلتقي بكلمة: ﴿رَبِّ
أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ
بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾([8]).
مما يوحي بأن إبراهيم كان يعيش حالة الفكر الذي يريد أن ينمي من خلاله
معلوماته وأفكاره، بكل الأشياء التي تركز قوتها وفاعليتها وثباتها
وحركتها أمام التحديات التي تواجهها.. حتى فيما يشبه الأوهام.. ليواجه
الصراع الذي يعيشه بانفتاح وقناعة وقوة لا تعرف الضعف ولا التراجع في
كل المجالات..
أما الإحتمال الأول، فقد يقربه: أن تكون الحادثة قد
حدثت في بداية طفولته، عندما بدأ يتطلع للأشياء، ويفكر في الإله.. في
عملية تأمل وتدبر.. في مستوى ذهنية الطفل..
ولعل هذا هو الذي نستوحيه من الجو النفسي الساذج الذي
توحي به الآية.. فهذا هو إبراهيم يواجه الكوكب الذي يبدو عاليا عاليا،
بعيدا بعيدا.. ولكنه يشرق في قلب الظلام.. فيشعر بالرهبة والروعة..
فيصرخ ـ في مثل اللهفة ـ ﴿هَذَا
رَبِّي﴾..
انطلاقا مما كان يسمعه بأن الإله بعيد بعيد عن الإنسان، فلما أفل.. أحس
بالإنقباض وقال: ﴿لَا أُحِبُّ
الْآَفِلِينَ﴾،
فقد نجد في كلمة ﴿لَا أُحِبُّ﴾
بعض كلمات الطفولة البريئة، التي تحب أو لا تحب من خلال مشاعرها
الساذجة إزاء الأشياء.. وتتكرر التجربة مع القمر.. وتنطلق الصرخة
الطفولية من جديد.. تماماً كمثل الهتاف الذي يهتف به الطفل عندما يجد
شيئاً قد أضاعه، أو شيئاً قد طلبه.. وتتكرر خيبة الأمل من جديد.
ولكن الوعي يتنامى هنا، فلا نجد ردّ الفعل طفولياً..
بل نلاحظ في ردّة الفعل حالة حيرة وذهول وتوسل إلى هذا الرب الغامض
الذي يتمثله في وعيه هاديا لعباده، أن يهديه إلى الحق لئلا يكون من
القوم الضالين.. وتشرق الشمس في هذا الدفق اللاّهب من النور الذهبي في
إطار هذا الوجه الواسع الذي يتفايض بالشعاع كما يتفايض الينبوع بالماء
الصافي الرقراق.. فتكبر الصرخة في طفولية بارزة: ﴿هَذَا
رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ﴾
وينطلق الحجم ليؤكد الفكرة، فيما لا توحي به إلا أفكار الطفل، أو ما
يشبه الطفل، لأن الأشياء الكبيرة توحي للفكر الساذج بالهيبة والعظمة..
بما لا توحي به الأشياء الأقل حجماً.. وتتجدد خيبة الأمل بالأفول..
ولكن تلك الإشراقة الساطعة للشمس استطاعت أن تبعث في قلبه إشراقة
الإيمان الرافض لكل هذه الأوهام والظنون.
وفي كلا الاحتمالين.. يمكن للعاملين في حقل التوجيه،
إستيحاء الفكرة العملية في أسلوب التربية.. من خلال الأسلوب
الإستعراضي، فيما يتمثل فيه من مناجاة ذاتية تجعل الإنسان يواجه
الأفكار المطروحة في الساحة، مواجهة المؤمن بها.. ثم يقوم بمناقشتها
بالطريقة التي توحي باكتشاف مواطن الضعف والخلل فيها، بالمستوى الذي
يجعلها بعيدة عن الحقيقة، وعن إمكان اعتبارها عقيدة ترتبط بها قضية
المصير.. ولا يختص الأمر بالأفكار المتصلة بالعقيدة الإلهية بل يمتد
إلى جميع المجالات التي تمثل الخط العملي للحياة.. ويمكن لنا ممارسة
هذا الأسلوب في القصة والمسرح والسينما وغيرها من الأساليب التي تخاطب
الجمهور لتوجيه قناعاته..
وقد لا نحتاج إلى التأكيد على ضرورة دراسة المستوى
العقلي والروحي للناس من أجل تركيز هذا الاتجاه على قاعدة متحركة في
الفكرة والأسلوب.. كما يمكن استيحاء القصة في مدلولها الرسالي في عدم
خضوع الإنسان للبيئة فيما تحمل من أفكار وعادات ومشاعر، بل يعمل على
ممارسة دوره الذاتي المستقل، كإنسان يفكر بحرية.. ويقتنع على أساس
الدليل.
وتبقى لنا ـ في هذا المجال ـ هذه البراءة الفكرية من
إبراهيم.. حيث نتمثله إنساناً يواجه العقيدة من موقع البساطة
الوجدانية، والعفوية الروحية، التي تلتقي بالقضايا من وحي الفطرة لا من
وحي التكلف والتعقيد.. ثم هذه اللهفة الحارة المنفتحة على الله ـ
سبحانه ـ عند اكتشافه للحقيقة في توحيده في كل شيء، وفي الإقبال عليه
بكل وجهه، وبكل فكره، وبكل روحه وانطلاقه العملي في الحياة، لأن توجيه
الوجه لله.. لا يعني ـ في مدلوله العميق ـ هذا الموقف الساذج الذي
يتطلع فيه الإنسان نحو الأفق الممتد في السماء بنظرة حائرة بلهاء.. بل
يعني انطلاقة حياة الإنسان وكيانه مع الله فيما يحمل من عقيدة، وفيما
يرتبط به من فكر، وفيما يتحرك معه من خط، وفيما يستهدفه من أهداف..
وفيما يعيشه من علاقات وأوضاع وتطلعات.. إنه الاندماج في الحقيقة
الإلهية، بأن تكون الحياة كلها لله.. وفي خدمة الله..
ولعل قيمة هذه الفكرة: هي أنها لا توحي إلينا
بآفاقها وخطواتها العملية، من وحي التجريد لنعيش معها في متاهات
النظريات التجريدية.. بل هي حركة الإنسان ـ النبي الذي يعيش حركة
الإيمان والفكر في حياته من موقع إنسانيته البسيطة، ليوحي إلينا بأن
دور الإنسان الذي يريد أن يحقق إنسانيته، هو أن ينعزل عن كل الحدود
المادية الضيقة التي تشده إلى الأرض في استسلام ذليل، ويرتبط بالحقيقة
المطلقة التي يحلق من خلالها مع الله»([9]).
ونقول:
إن احتمال عبادة إبراهيم «عليه السلام» للكوكب وغيره،
مناف للعصمة، ولا يصح إبداؤه في حق المعصومين عموما، ولا يمكن أن
يقرّبه شيء، لا في الطفولة ولا فيما بعدها، على ما هي عليه عقيدة علماء
المذهب القطعية، المأخوذة عن أهل بيت العصمة «عليهم السلام»، ونحن نشير
هنا إلى بعض ما يوضح ذلك، وعدم صحة تفسير الآيات بما فسرها به ذلك
البعض.
إننا نستفيد من الآيات الكريمة، ما يدل على عدم صحة ما
ذكره هذا البعض، فلاحظ ما يلي:
1 ـ إننا لا نجد أي دليل على أن هذه القضية قد حصلت
لإبراهيم في زمان طفولته، بل في الآيات ما يشير إلى خلاف ذلك، وأن ذلك
كان في مقام الاحتجاج على قومه.
2 ـ إن ما يلفت نظرنا أنه حين طلع الصباح على إبراهيم
«عليه السلام»، ورأى أفول الكوكب وانحسار نوره، لم يتوجه إلى الشمس
التي ظهرت له، بل انتظر إلى الليل، ليتوجه إلى القمر، ليخاطبه بذلك
الخطاب: ﴿هَذَا
رَبِّي﴾!!
فلما أفل، وطلع الفجر مرة أخرى، وأشرقت الشمس، توجه إليها ليعتقد أنها
هي ربه الحقيقي. حسبما شرحه لنا ذلك البعض (!!).
فلماذا تركها في اليوم الأول حين أفول النجم، وانتظر
إلى الليل ليعتقد بألوهية القمر دونها؟!. أم أنه قد نام النهار كله من
شروق الشمس إلى غروبها، فلم ير الشمس، حتى ولو في ساعة من نهار؟!. أو
أنه قد دخل كهفاً مظلماً، ولم يتذكر وجود الشمس، ولا التفت إليه؟!
3 ـ إن نفس ذلك البعض يقر بأن إبراهيم «عليه السلام»
كان يرى الشمس قبل ذلك في سنوات طفولته، وكان يرى القمر والكواكب أيضاً
ـ فلماذا لم يعتقد بربوبيتها منذئذٍ؟!. أو لماذا لم يتساءل عن هذا
الأمر؟!. ولماذا لم يدرك أن الشمس أكبر من القمر والكواكب فور رؤيته
لها طالما أنه قد رآها؟. أم أنه يريد تأكيد طفولة وبراءة إبراهيم من
خلال عبارة ﴿هَذَا
أَكْبَرُ﴾
أو ﴿لَا أُحِبُّ﴾؟!
4 ـ لماذا التزم إبراهيم بربوبية هذا الكوكب بعينه، دون
سائر الكواكب الطالعة وما أكثرها؟!.
5 ـ إن ذلك البعض يصرح: بأن الظاهر أن قصة إبراهيم
«عليه السلام» مع أبيه آزر، كانت أسبق من هذه القضية، فكيف كان مؤمنا
هناك، ويدعوه للإيمان بالله وترك الأصنام؟! وكافرا ومشركا هنا يعبد
الكواكب والنجوم تارة ولا يعرف إلهه تارة أخرى؟!، فهل كان يدعوه إلى
إله لا يعرفه؟! أم أن إبراهيم «عليه السلام» كفر بعد إيمانه؟!. وهل يصح
منه بعد هذا أن يحتمل في حقه «عليه الصلاة والسلام» أن يكون قد عبد
الكوكب حقيقة؟!. علما أن عبادة الكواكب خروج عن الفطرة، ومعصية ما
بعدها معصية، والأنبياء معصومون عنها قبل البعثة وبعدها.
6 ـ ثم إن إبراهيم «عليه السلام» استدل على بطلان
ألوهية الكوكب بالأفول، لان الله لا يأفل. فالذي يدرك مثل هذا الأمر
الدقيق في ما يتعلق بصفات الإله، كيف لا يدرك صفة أوضح منها وهي
استحالة الجسمية على الله؟! مع أنه كان يعرف هذا الأفول قبل ذلك لأنه
كان قد رأى الكواكب سابقا، وعرف أنها تطلع وتغيب باعتراف القائل نفسه.
7 ـ إن إبراهيم «عليه السلام» بعد أن استدل بالأفول
على بطلان ألوهية الكوكب، كيف عاد واعتقد بألوهية القمر؟! مع علمه بأنه
يأفل ويغيب، ثم كيف عاد ليعتقد بألوهية الشمس مع علمه بأنها تغيب
أيضا؟!.
8 ـ أما التعليل بـ ﴿هَذَا
أَكْبَرُ﴾،
فلا ينفع مع الاستدلال بـ ﴿لَا أُحِبُّ
الْآَفِلِينَ﴾،
لان الآفل لا يصلح للألوهية سواء كان كبيرا أو صغيرا.
أضف إلى ذلك كله أن القمر قد كان اكبر من الكوكب
أيضاً فلماذا لم يلتفت إبراهيم إلى ذلك في حينه؟!
9 ـ إن ذلك البعض لم يذكر لقارئه ما روي عن الإمام
الرضا «عليه السلام»، من أنه قد رفض أن يكون إبراهيم «عليه السلام» قد
أشرك بالله، وقرر أن إبراهيم «عليه السلام» إنما قال ذلك على سبيل
الإنكار على قومه لتسخيف معتقدهم. والرواية هي التالية:
ابن بابويه قال: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي
رضي الله عنه، قال: حدثنا أبي عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي
بن محمد بن الجهم، قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا «عليه السلام»،
فقال له المأمون: يا ابن رسول الله، أليس من قولك: إن الأنبياء
معصومون؟!
قال: بلى.
قال: فسأله عن آيات من القرآن في الأنبياء، فكان فيما
سأله أن قال له: فأخبرني عن قول الله عز وجل في إبراهيم: ﴿فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي..﴾([10]).
فقال الرضا «عليه السلام»: إن إبراهيم وقع إلى ثلاثة
أصناف، صنف يعبد الزهرة، وصنف يعبد القمر، وصنف يعبد الشمس، وذلك حين
خرج من السرب الذي أخفى فيه، فلما جن عليه الليل رأى الزهرة قال: هذا
ربي على الإنكار والإستخبار، فلما أفل الكوكب قال: ﴿لَا
أُحِبُّ الْآَفِلِينَ﴾،
لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القديم.
﴿فَلَمَّا
رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي﴾
على الإنكار والإستخبار، ﴿فَلَمَّا
أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ
الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾([11]).
فلما أصبح ﴿رَأَى
الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ﴾
من الزهرة والقمر على الإنكار والإستخبار، لا على الإقرار والإخبار..
﴿فَلَمَّا
أَفَلَتْ﴾
قال للأصناف الثلاثة، من عبدة الزهرة، والقمر، والشمس: ﴿يَا
قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ
لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ﴾([12]).
وإنما أراد إبراهيم بما قال: أن يبين لهم بطلان
دينهم، ويثبت عندهم: أن العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر
والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السماوات والأرض. وكان ما
احتج به على قومه مما ألهمه الله عز وجل وآتاه، كما قال عز وجل: ﴿وَتِلْكَ
حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ﴾([13])،
فقال المأمون: لله درّك يا ابن رسول الله([14]).
10 ـ إن قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ
نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾([15])،
قد فرع عليه قوله: ﴿فَلَمَّا
جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي..﴾([16]).
فهذا التفريع على إراءته ملكوت السماوات والأرض، وعلى كون إبراهيم
«عليه السلام» من الموقنين، يشير إلى أنه لم يقل: هذا ربي عن اعتقاد،
بل قاله عن إنكار واستهزاء.
11 ـ هذا غيض من فيض مما ورد في النص المنقول عن «من
وحي القرآن»، ونترك الكثير الكثير من المداليل والملاحظات الموجودة
لقارئنا الكريم، ليستخلصها بنفسه بعد أن عرف الضابطة في الفرق بين
أوصاف الأنبياء وأحوالهم، وأوصاف الأشقياء وخصالهم.
266
ـ أنا أقول: إن آدم ساذج.
267
ـ أنا لا أقول: إن إبراهيم ساذج.
268
ـ قلنا: إن آدم لم يكن عنده تجربة.
سئل البعض:
نريد منكم توضيحاً من أجل أن نطمئن، فالعلم حاصل والحمد
لله، ولكننا نريد توضيحاً للبعض، والأمور التي نأمل توضيحها، والتي
ينسبونها إليكم: أن إبراهيم ساذج؟!
فأجاب:
«أنا أصحح، إنّا نقول: إن آدم ساذج، وليس إبراهيم، ولكن
هم يقولون إني قلت: إن إبراهيم كان كافراً في بداية حياته، وأما عن آدم
كان ساذجاً، فنحن قلنا: إن آدم لم يكن عنده تجربة بعد، فقد خلقه الله
بعلم أولي لكن بدون تجربة ميدانية يختبر فيها قوته، وقدرته وعزيمته
الخ..»([17]).
ونقول:
1 ـ إن تصحيح هذا البعض غير صحيح، فإنه قد اتهم إبراهيم
بالسذاجة أكثر من ثلاث مرات، بل خمس مرات، فراجع كتابه (من وحي القرآن
«الطبعة الأولى» ج9 ـ ص115 و 120 و 121) فهل نسي هذا البعض ما كتبته
يداه؟!
2 ـ إن تأويله لمعنى السذاجة غير مقبول وذلك لما يلي:
أولاً: إنه هو نفسه قد طلب من الناس أن لا يكونوا
ساذجين ـ يضحك الناس عليهم ـ وذلك في بعض خطبه التي بثت من إذاعة تابعة
له.
كما أنه قد فسر السذاجة التي يقصدها في حديثه عن شيخ
الأنبياء إبراهيم «عليه السلام»: بأنها النظرة الحائرة البلهاء([18]).
وثانياً: لنفترض جدلاً: أن تفسيره للسذاجة بالنسبة
للنبي آدم «عليه السلام» يمكن غض النظر عنه، باعتبار أنه لم يكن لديه
اطلاع على مكر إبليس.. فما هو مراده منها حين أطلقها خمس مرات على شيخ
الأنبياء إبراهيم «على نبينا وآله، وعليه الصلاة والسلام».
وثالثاً: لو أردنا أن نصف هذا البعض نفسه بالسذاجة، بأي
معنى أراد، وبغير ذلك من أوصاف أطلقها على أنبياء الله وعلى الأوصياء،
فضلاً عما وصف به مراجع الأمة وأساطين العلم فيها، ثم نثبت ذلك في
مؤلفاتنا، لتقرأه الأجيال، وليتدارسوه ويتناقلوه، فهل سيكون راضياً هو
ومحبوه ومناصروه؟ أم أنهم سوف يقيمون الدنيا ثم لا يقعدونها؟!!
وقد ذكر البعض في الفقرة السابقة والتالية: أننا قلنا
عنه: إنه يقول:
269 ـ إن إبراهيم كان كافراً في بداية
حياته..
فيجيب:
«إنه لم يقل ذلك، بل ذكر احتمالين..» وقال:
270 ـ الأقرب: أن فعل إبراهيم كان طريقة ذكية للإقناع.
ونقول:
نعم.. إن هذا البعض يذكر بالنسبة لإبراهيم «عليه
السلام» احتمالين اثنين:
«أحدهما: أنه لما رأى الكوكب بازغاً اعتقد أنه ربه على
الحقيقة، ثم لما رأى القمر بازغاً غيّر رأيه، واعتقد أنه هو الإله،
وعاش معه حالة روحية من التصوف والعبادة لهذا الرب، فلما أفل غيّر رأيه
ثالثة، فاعتقد أن الشمس هي ربه، فلما أفلت اتضحت له الحقيقة..
الثاني: أن إبراهيم قد قال ذلك على سبيل المحاكاة
الاستعراضية، ليؤكد لقومه فساد آرائهم واعتقاداتهم».
ثم اعتبر: أن الاحتمال الثاني ربما يكون أقرب من
الإحتمال الأول([19]).
وهذا يعنى: أن الاحتمال الأول لا يزال موجوداً وقائماً.
وذلك يتنافى مع اليقين والقطع، والإعتقاد بالعصمة، وعدم
كفر الأنبياء، ولو قبل البعثة..
والغريب:
أنه وهو ينكر علينا ما نقلناه عنه قد عاد فقرر نفس ما
أخذناه عليه، فقال:
«يأتي الثاني ويقول: إن السيد يقول: إن إبراهيم كان
يعبد الكواكب في بداية حياته. أنا أقول في تفسيري «من وحي القرآن» وهو
مطبوع من 15 سنة، وهو ليس جديداً. أنا أقول: هناك تفسيران:
بعض الناس يفسرون أن إبراهيم «عليه السلام» كان يسمع
أناساً يعبدون الكواكب، فتدور الأفكار في رأسه وتحيره، فهو قد أراه
الله ملكوت السموات والأرض. رأى كوكباً، قال: هذا ربي، رأى قمراً، قال:
هذا ربي، وبعدها انتهى إلى نتيجة تلتقي بالدين الصحيح.
وهنا فكرة ثانية تقول: إن إبراهيم «عليه السلام» حاول
أن يواجه قومه بطريقة ذكية، وبأسلوب منفتح. كيف ذلك؟! بأن يصور نفسه
وكأنه واحد منهم، أي أنه يعبد الكواكب، ثم يجلس أمامهم وهم قاعدون
ويقول: ﴿هَذَا
رَبِّي﴾،
فيرتاحون لقوله.
﴿فَلَمَّا
أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ﴾،
لا يمكن أن يكون الرب كوكباً، فالرب يجب أن يكون موجوداً دائماً، ولما
رأى القمر بازغاً.. كذلك، لما رأى الشمس.. كذلك.. فهو حاول أن يرد على
أفكارهم كما لو كان ممن يتبنى هذا الفكر ليحصل على فرصة مناقشته دون
إثارة حساسياتهم.
أنا ذكرت هذين الإحتمالين في تفسير «من وحي القرآن» قبل
خمسة عشر عاماً، وكل منكم يمكن أن يعود إلى هذا التفسير ويراجعه. أنا
قلت: الأقرب من هذين الاحتمالين: هو أن هذا أسلوب من أساليب النبي
إبراهيم «عليه السلام» من أجل أن يهدم هذه الفكرة بالطريقة الذكية.
حتى أني قلت: يجب أن نستفيد من هذا الأسلوب في مجال
الرواية والقصة والمسرح.. إذا أردنا أن نثبت هذا المعنى.
فجاء من يقول: إن السيد يقول: بأن إبراهيم «عليه
السلام» كان كافراً، ونحن نعرف أن الأنبياء «عليهم السلام» لا بد من أن
يكونوا معصومين. وأنا قلت: إن إبراهيم «عليه السلام»، من الأساس تمرد
على بيئته، تمرد على أبيه أو عمه»([20]).
وسئل البعض أيضاً في قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ
نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾([21])،
فهل كان إبراهيم «عليه السلام» غير مقتنع بظواهر الكون الدالة على وجود
خالق منظم؟! أم هي واردة بمثابة الحجة؟!
فأجاب:
«الأقوى: أن إبراهيم كان يستعرض العقائد الباطلة
الموجودة في زمانه.. وكان يحاول أن يطرحها كما لو أنها كانت متبناة من
قبله حتى يستمع الناس اليه وهو يناجي نفسه الخ..»([22]).
وإننا ننبه القارئ العزيز إلى أنه إذا كان يقصدنا
بقوله: «يقولون: ..»، فإننا نعلن: أننا لم نقل: إنه قال عن إبراهيم:
إنه كان كافراً..
بل قلنا: إنه يقول: يحتمل أن يكون إبراهيم قد عبد
الكوكب والشمس والقمر.. فراجع عباراتنا حول هذا الموضوع تجد صحة ذلك.
وخلاصة القول:
إنه قد أنكر شيئاً لم يتهمه به أحد.
ثم إنه عاد وقرر نفس مقولته التي اعتبرناها خروجاً على
الإعتقاد بعصمة الأنبياء عن الكفر والشرك، لما تتضمنه من احتمال ذلك في
حق إبراهيم «عليه السلام»، فإن احتمال عبادة الشمس والقمر والكوكب لا
ينسجم مع اليقين بالعصمة عن ذلك. وها هو نفسه هنا يعترف بما قلناه، وإن
كان يمكن القول بأنه قد عاد وناقض نفسه من جديد في آخر كلامه الذي
نقلناه عن: «الزهراء المعصومة»، ويمكن رفع هذا التناقض ببيان: أن كلمة
الأقوى لا تزال تستبطن وجود الإحتمال الآخر الذي هو قوي أيضاً، لكن هذا
الإحتمال أقوى منه.
271 ـ النبي يخاف لأنه يعيش الضعف
البشري.
272 ـ لا مشكلة في الإستسلام للخوف.
273 ـ الملائكة لم يأتوا ليخلقوا عقدة
الخوف والقلق لدى إبراهيم.
274 ـ الحالة فاجأت إبراهيم بما يشبه
الصدمة.
يقول البعض:
«..﴿وَأَوْجَسَ
مِنْهُمْ خِيفَةً﴾
نظراً للغموض الذي لف الموقف، فهو لا يعرفهم بأشخاصهم، والإمتناع عن
الأكل يوحي ـ في عرف الناس آنذاك ـ بالعداوة وبإضمار الشر للمضيف، مما
جعله يحس بالخوف والقلق، ولا مانع من حدوث مثل ذلك للأنبياء الذين
يعيشون الضعف البشري الذي تخضع له المشاعر الذاتية، ولكن بالمستوى الذي
لا يؤدي إلى السقوط في المعصية، ولا يوحي بالانسحاق، ولا يمنع من
العصمة.
ولعل سر عظمتهم في تمثلهم خط التوازن بين نقاط الضعف
التي تؤكد بشريتهم، ونقاط القوة التي تنطلق من حركة الإيمان والرسالة
في روحيتهم، فلا مشكلة في إحساس الإنسان بالخوف، بل في الاستسلام له،
وليس الخوف حالة سلبية في ذاته، بل قد يكون حالة إيجابية بما يشكله من
حماية للإنسان من الأخطار المهلكة التي تحيط به. ولذا كان إبراهيم
خاضعاً لتأثير هذه الحالة الطبيعية من الإحساس بالخوف أمام ظاهرة غامضة
فاجأته بما يشبه الصدمة، ولكن الملائكة لم يأتوا ليخلقوا عقدة الخوف،
وليثيروا في داخله القلق، ﴿قَالُوا
لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾([23])،
فلسنا من البشر، ولا نريد بك شراً، بل نحن مرسلون إلى قوم لوط لأداء
مهمة إلهية، تستهدف إهلاكهم بالطريقة التي أمرنا الله بها»([24]).
ونقول:
1 ـ لو قبلنا جدلاً: أن الضعف البشري الذي تخضع له
المشاعر الذاتية هو الذي يتسبب بحدوث الخوف لدى الأنبياء.. فإننا نسأل:
من أين عرف هذا البعض: أن هذا الخوف لا يصل إلى درجة يؤدي إلى السقوط
في المعصية، ولا يوحي بالانسحاق، ولا يمنع من العصمة؟! فهل هذا إلا رجم
بالغيب، وحديث في أمور لا سبيل للإطلاع على مقاديرها إلا لعلام
الغيوب؟!
ويزيد الأمر إشكالاً: أن هذا البعض نفسه يشترط الدليل
المفيد للقطع في كل أمر هو من هذا القبيل، فأين هو هذا الدليل الذي
قدمه على أن الخوف يكون بهذا المقدار أو ذاك؟!
2 ـ من أين عرف هذا البعض: أن منشأ خوف نبي الله
إبراهيم «عليه السلام» هو ضعفه البشري. ولماذا لا يقول: إن التكليف
الإلهي لإبراهيم «عليه السلام» هو أن يقف موقف الحذر، وأن يحتاط لنفسه
كما يحتاط الخائف في المواقع المماثلة.. حتى وإن لم يكن قد اختلج في
نفسه أي خاطر؟!
3 ـ من أين عرف: أنهم قد امتنعوا عن الأكل.. فإن الآية
الشريفة تقول: ﴿فَلَمَّا
رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ
مِنْهُمْ خِيفَةً..﴾([25])،
فإن ظاهر الآية: أنه رآهم يتظاهرون بأنهم يأكلون، ويمدون أيديهم إلى
الطعام بحسب الظاهر. ولكن أيديهم لا تصل إلى ذلك الطعام، فكان أمراً
غير طبيعي، وهو يدعو إلى الحذر.. وذلك هو الواجب الشرعي، وهو الحزم في
مثل هذه الحالة.
4 ـ من أين عرف هذا البعض: أن ما جرى قد فاجأ إبراهيم
بما يشبه الصدمة. وربما نجد في قوله تعالى: ﴿وَأَوْجَسَ
مِنْهُمْ خِيفَةً..﴾،
والخيفة هي نوع من الخوف.. ـ ربما نجد فيه ـ اشارة إلى أنها خيفة ضعيفة
استحقت الإشارة إليها بتنوين التنكير المفيد للضعف والوهن، نظير قوله
تعالى عن اليهود: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ
أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ..﴾([26])،
أو أنها كانت خيفة خاصة، وهي ذلك الإدراك لأمر خفي يدعو إلى الحذر
الحازم الذي هو واجب شرعاً..
5 ـ وأما قوله: «ولكن الملائكة لم يأتوا ليخلقوا عقدة
الخوف..».
فهو مما لا يمكن الموافقة عليه، لأن ذلك يستبطن إمكانية
ابتلاء أنبياء الله بالعقد النفسية، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلاً،
بالنسبة لأي نبي كان، فكيف بشيخ الأنبياء الذي هو من أولي العزم، وأفضل
رسل الله بعد نبينا الأكرم «صلى الله عليه وآله».
6 ـ ونلفت النظر أخيراً.. إلى أن ثمة عدة آيات تحدثت عن
خوف حصل لبعض الأنبياء في بعض المواقع الحساسة، كقول الله سبحانه: ﴿فَأَوْجَسَ
فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾،
وقوله تعالى: ﴿قُلْنَا لَا تَخَفْ
إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾([27]).
ونحو ذلك..
فمن الواضح:
أن خوفهم «عليهم السلام» ليس خوف الضعفاء والجبناء،
وإنما هو خوف المسؤولية، حيث يخاف النبي على الرسالة، وعلى الدين، وعلى
مستقبل الدعوة إلى الله سبحانه، فيحزن لذلك، ويتألم، وهو يرى بطش
الجبارين وكيد المبطلين، وقد تحدثنا عن ذلك في مكان آخر من هذا الكتاب.
7 ـ وأما بالنسبة لقول هذا البعض: «إن إبراهيم أحس
بالخوف أمام ظاهرة فاجأته بما يشبه الصدمة..»، فهو كلام مرفوض، لأن
الصدمة تعبير يختزن معنى العجز عن التصرف، والإستئسار للمفاجأة، وفقدان
البصيرة تحت وطأة الحدث الصاعق، ولو للحظات، ولا يمكن قبول ذلك بالنسبة
للأنبياء الذين يعيشون حالة اليقظة التامة، والتوازن في جميع الأحوال
فلا تأسرهم المفاجآت، ولا تذهب بأحلامهم([28])
مهما عظمت.
275 ـ إبراهيم يتحير في أمر نزول
العذاب على القوم ولوط فيهم.
276
ـ إبراهيم لا يعرف أن الله ينجي أنبياءه من عذاب
الإستئصال.
277 ـ إبراهيم تصرف انطلاقاً من النظرة
السريعة للموقف.
278 ـ التسرع سبب الإعلان المفاجئ عن
تعذيبهم.
279 ـ إبراهيم تسرع في البشارة فاستغرب
ذلك واستبعده.
280 ـ لا يستحضر في نفسه كل ما يتصل
بالاحداث.
281 ـ قد تكون فكرة هلاك لوط مع قومه
واردة عند إبراهيم.
282 ـ الرواية تؤيد الرأي المخالف..
الذي ناقشه ولا يأخذ بها.
يقول البعض:
«..﴿قَالَ
إِنَّ فِيهَا لُوطًا﴾،
فإذا كانوا ظالمين، فإن لوطاً ليس منهم، فكيف ينزل العذاب عليها وهو
فيها، فإن عذاب الله إذا نزل على أهل بلد شمل الجميع، فلا ينجو منه أحد
﴿قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا﴾،
فقد عرفنا وجود لوط، وقد خططنا لإخراجه منها مع أهله ـ ما عدا امرأته ـ
قبل إنزال العذاب، فإن الله قد أنزل العذاب عليهم لإستحقاقهم ذلك
ولتمردهم على لوط واستخفافهم به، ولاستجابة دعائه بالنصرة عليهم، فكيف
يناله العذاب و ﴿لَنُنَجِّيَنَّهُ
وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾([29])
الهالكين الذين يضمهم غبار الموت لأنها كانت مؤيدة لقومها ضد لوط.
هل
كان إبراهيم يعلم أن لوطاً يعذب؟!:
وهناك لفتة جيدة، ذكرها صاحب تفسير الميزان في تفسير
كلام إبراهيم للملائكة ﴿إِنَّ
فِيهَا لُوطًا﴾
قال: «إن إبراهيم «عليه السلام»، لم يكن ليجهل أن الله سبحانه لا يعذب
لوطاً وهو نبي مرسل، وإن شمل العذاب جميع من سواه من أهل قريته، ولا
أنه يخوفه ويذعره ويفزعه بقهره عليهم، بل كان «عليه السلام» يريد
بقوله: «..﴿إِنَّ فِيهَا لُوطًا﴾:
أن يصرف العذاب عن أهل القرية كرامة للوط لا أن يدفعه عن لوط، فأجيب:
بأنهم مأمورون بإنجائه وإخراجه من بين أهل القرية ومعه أهله إلا امرأته
كانت من الغابرين.
والدليل على هذا الذي ذكرنا قوله تعالى في سورة هود في
هذا الموضع من القصة: ﴿فَلَمَّا
ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى
يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ
مُنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ
أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾([30])»([31]).
وقد نلاحظ على ذلك:
أن الآية لا يظهر فيها ما ذكره، ولهذا كان جواب
الملائكة بياناً لمصير لوط، لا لمناقشة مصير قومه، كما ذكر في سورة
هود. ولا مانع من أن يكون إبراهيم «عليه السلام» قد أثار مصير قوم لوط
معهم كما أثار مصير لوط، انطلاقاً من النظرة السريعة للموقف على أساس
الإعلان المفاجئ عن تعذيبهم، تماماً كما كان رد فعله السريع على
البشارة، باستغراب ذلك واستبعاده، وليس من الضروري أن يكون النبي
مستحضراً في نفسه لكل الأمور المتصلة بالأحداث، بحيث يفقد عنصر
المفاجأة في كل شيء، فقد تكون فكرة هلاك لوط مع قومه واردة على أساس أن
الأمور التكوينية لا تفرق في بلاء الدنيا بين الصالحين، وغيرهم، والله
العالم.
وقد جاء في الكافي ما ربما يؤيد التفسير السابق الذي
ناقشناه، بإسناده عن أبي زيد الحماد، عن أبي عبدالله جعفر الصادق «عليه
السلام» في حديث نزول الملائكة على إبراهيم بالبشرى قال: فقال لهم
إبراهيم: لماذا جئتم؟!
قالوا: في إهلاك قوم لوط.
فقال لهم: إن كان فيها مائة من المؤمنين أتهلكونهم؟!
فقال جبرئيل: لا.
قال: فإن كان فيها خمسون؟!
قال: لا.
قال: فإن كان فيها ثلاثون؟!
قال: لا.
قال: فإن كان فيها عشرون؟!
قال: لا.
قال: فإن كان فيها عشرة؟!
قال: لا.
قال: فإن كان فيها خمسة؟!
قال: لا.
قال: فإن كان فيها واحد؟!
قال: لا.
قال: فإن كان فيها لوطاً؟!
قالوا: ﴿نَحْنُ
أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا
لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا
امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾([32]).
قال الحسن بن علي «عليه السلام»: لا أعلم هذا القول إلا
وهو يستبقيهم، وهو قول الله تعالى: ﴿يُجَادِلُنَا
فِي قَوْمِ لُوطٍ﴾([33])»([34]).
ونقول:
إننا نلاحظ الأمور التالية:
1 ـ قوله: «..إن قلق إبراهيم «عليه السلام» إنما كان
على مصير النبي لوط «عليه السلام» وذلك استناداً إلى قول إبراهيم
للملائكة: ﴿إِنَّ
فِيهَا لُوطًا﴾..»
غير صحيح، فإن هذا القول لا يدل إلا على توقعه أن وجود لوط سيمنع من أن
ينالهم العذاب.. ولا يدل على اعتقاده أن العذاب ـ لو نزل ـ سيحيق بلوط
أيضاً.
2 ـ إن الله سبحانه قد صرح: بأن جدال إبراهيم إنما كان
في قوم لوط، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا
ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى
يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ
مُنِيبٌ يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ
أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾([35]).
3 ـ هذا بالإضافة إلى الرواية المروية عن الإمام
الصادق، والتي أوردها هذا البعض نفسه حيث تدل ـ كما اعترف هو نفسه ـ
على أن إبراهيم كان مهتماً برفع العذاب عن قوم لوط، وأنه اتخذ من وجود
لوط فيما بينهم ذريعة إلى ذلك فلماذا يصر هذا البعض على مخالفة
الرواية، بل الآية أيضا؟!
ولماذا أشار إلى دلالة الرواية على خلاف ما يذهب إليه،
مع مزيد من التضعيف، وإثارة الشك والإرتياب في تلك الدلالة، حيث قال:
«ما ربما يؤيد».
4 ـ لماذا يتهم إبراهيم «عليه السلام» شيخ الانبياء،
وأفضلهم بعد نبينا محمد «صلى الله عليه وآله» بأنه كان متسرعاً في
موقفه، وواقعاً تحت تأثير المفاجأة، حتى إنه حينما جاءته الملائكة
بالبشرى استغرب ذلك واستبعده..
كما أنه قد عرّض به «عليه السلام» حين اعتبر أن ليس من
الضروري أن يكون إبراهيم «عليه السلام» مستحضراً في نفسه لكل الأمور
المتصلة بالأحداث بحيث يفقد عنصر المفاجأة في كل شيء.
فإن هذا التعريض مرفوض جملة وتفصيلاً، إذ مهما كان وقع
المفاجأة على إبراهيم «عليه السلام» قوياً، فإنه لا يمكن أن لا يمر في
وهمه: أن الله سبحانه رحيم بالعباد، ولا يفعل إلا الحق، ولا ينزل
العذاب إلا بمن يستحق.
ولا يمكن أيضاً أن تختلط عليه الأمور فيظن أن الله
سبحانه ينزل العذاب بحيث يشمل حتى نبيه الذي أرسله.. فإن غضب الله
سبحانه ليس عشوائياً بحيث لا تبقى ثمة ضوابط أو معايير لما يصدر عنه
ومنه، وحاشا إبراهيم أن يظن بالله ذلك.
5
ـ وإذا كان هذا البعض قد أدرك هذه الحقيقة، وهي إساءة
القوم واستحقاقهم نزول العذاب عليهم، ثم نزوله بالفعل، ونبي الله فيهم
معناه هلاك ذلك النبي الأمر الذي لا بد أن يمنع من نزول العذاب.
نعم.. إذا أدرك هذا البعض ذلك، فكيف لم يدركه ابراهيم
النبي «صلوات الله وسلامه عليه»؟!
6 ـ وقد كان من المفروض: أن يثور احتمال لدى إبراهيم،
إن يخرج الملائكة لوطاً من بين قومه، ثم يهلكونهم بما فعلت أيديهم.
7 ـ ومن الواضح: أن إبراهيم كان يعلم: أن للشفاعة
تأثيراً في رفع العذاب، وهي من أسباب غفران الذنوب حتى الكبيرة..
وقد كان الموقف يحتاج إلى إظهار وتجسيد حقيقة أن عذاب
قوم لوط قد اصبح من المحتوم، وأن جرائمهم هي من الخطورة إلى درجة أنها
حجبت حتى عنصر الشفاعة عن التأثير في رفع العذاب عنهم.. وقد كان من
واجب إبراهيم أن يبادر إلى ذلك الموقف من أجل أن تستنفد جميع الأسباب،
من جهة، ومن أجل إظهار وتجسيد هذه الحقيقة بالذات من جهة أخرى..
8 ـ إن هذا البعض قد ادعى أن إبراهيم خاف على لوط، ولم
يكن يعرف أن الله ينجي أنبياءه من عذاب الإستئصال.
ونقول:
إن العقل يرفض أخذ البريء بذنب المجرم، كما أن النصوص
القرآنية قد ألمحت وصرحت مراراً وتكراراً بأن الله لا يظلم أحداً، ولا
يعامل البريء والمذنب على حد سواء، ﴿أَفَنَجْعَلُ
الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾([36]).
وصرحت الآيات أيضاً: بأنه تعالى إنما يهلك أهل القرى
بظلمهم، ويأخذهم بذنوبهم..([37]).
بل صرحت: بأن الله ينجي المؤمنين، ويهلك من عداهم فقد
قال تعالى:
﴿وَاسْأَلْهُمْ
عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ
فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ
شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ
نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ
مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ
مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ
وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ
أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ
ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾
([38]).
وبعدما تقدم نقول:
صحيح أن السنة الإلهية جارية على أن عذاب الإستئصال إذا
نزل، فإنه يعم كل من نزل عليهم..
ولكن من الواضح أيضاً:
أن العذاب إنما ينزل على خصوص المجرمين، إما لارتكابهم
الجرائم فعلاً، أو لأجل رضاهم بها وعدم قيامهم بواجبهم في رفعها، وعدم
تحريكهم ساكناً في مواجهتها.
فيأخذهم الله بذنوبهم نفسها.. فهل يمكن اتهام لوط: بأنه
مقصر في واجباته، أو أنه مرتكب للجرائم أو راض بارتكابها؟! أو هل يمكن
اتهام إبراهيم: بأنه يجهل هذه الحقيقة، أعني حقيقة: أن الله لم يكن
ليعذب نبيه بعذاب الاستئصال، بل ينجيه منه وينجي من آمن معه؟!
ولأجل ذلك نجد:
أن الله سبحانه لم يغرق قوم نوح حتى صنع نوح السفينة،
وحمل بها كل من آمن معه، فلماذا لم يتعلم إبراهيم «عليه السلام» من هذه
القضية بالذات؟!
وقد سئل الرضا «عليه السلام»: «لأي علة أغرق الله عز
وجل الدنيا كلها في زمن نوح «عليه السلام» وفيهم الأطفال، وفيهم من لا
ذنب له؟!
فقال «عليه السلام»: ما كان فيهم الأطفال، لأن الله ـ
عز وجل ـ أعقم أصلاب قوم نوح «عليه السلام»، وأرحام نسائهم أربعين
عاماً، فانقطع نسلهم، فغرقوا ولا طفل فيهم، وما كان الله ـ عز وجل ـ
ليهلك بعذابه من لا ذنب له.
وأما الباقون من قوم نوح «عليه السلام»، فأغرقوا
لتكذيبهم نبي الله نوحاً «عليه السلام»، وسائرهم أغرقوا برضاهم بتكذيب
المكذبين.
ومن غاب عن أمر، فرضي به كان كمن شهده وأتاه»([39]).
وسأل سدير أبا جعفر «عليه السلام»: أرأيت نوحاً «عليه
السلام» حين دعا على قومه، فقال: ﴿رَبِّ
لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ
تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا
كَفَّارًا﴾؟!([40]).
قال «عليه السلام»: علم أنه لا ينجب من بينهم أحد، قال:
قلت: وكيف ذلك؟! قال: أوحى الله إليه: ﴿أَنَّهُ
لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ﴾([41])،
فعند هذا دعا عليهم بهذا الدعاء([42]).
وعن ابن عباس: قال عزير: يا رب، إني نظرت في جميع أمورك
وإحكامها، فعرفت عدلك بعقلي، وبقي باب لم أعرفه، إنك تسخط على أهل
البلية، فتعمهم بعذابك، وفيهم الأطفال!
فأمره الله تعالى: أن يخرج إلى البرية، وكان الحر
شديداً، فرأى شجرة فاستظل بها ونام، فجاءت نملة فقرصته، فدلك الأرض
برجله، فقتل من النمل كثيراً، فعرف أنه مثل ضرب، فقيل له:
«يا عزير، إن القوم إذا استحقوا عذابي قدرت نزوله عند
قضاء آجال الأطفال، فماتوا أولئك بآجالهم، وهلك هؤلاء بعذابي»([43]).
قال المجلسي: «إن الله تعالى كما أنه يميت متفرقاً، إما
لمصلحتهم، أو لمصلحة آبائهم، أو لمصلحة النظام الكلي، كذلك قد يقدر
موتهم جميعاً في وقت واحد لبعض تلك المصالح.
وليس ذلك على جهة الغضب عليهم، بل رحمة لهم، لعلمه
تعالى بأنهم يصيرون بعد بلوغهم كفاراً، أو يعوضهم في الآخرة، ويميتهم
لردع سائر الخلق عن الإجتراء على مساخط الله، أو غير ذلك.
مع أنه ليس يجب على الله تعالى إبقاء الخلق أبداً، فكل
مصلحة تقتضي موتهم في كبرهم، يمكن جريانها في موتهم عند صغرهم، والله
تعالى يعلم»([44]).
وعن الإمام الباقر «عليه السلام»: «إن الله أوحى إلى
يونس حين دعا على قومه: إن فيهم الحمل، والجنين، والطفل، والشيخ
الكبير، والمرأة الضعيفة، والمستضعف المهين، وأنا الحكم العدل سبقت
رحمتي غضبي، لا أعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك، وهم يا يونس عبادي،
وخلقي، وبريتي، في بلادي، وفي عيلتي، أحب أن أتأناهم، وأرفق بهم،
وأنتظر توبتهم الخ..»([45]).
وهذه الرواية، وإن كان فيها مواضع مشكلة، ولكن هذه
الفقرة فقط هي موضع الحاجة، وليس في الأخذ بها محذور.. لأنها آتية وفق
القواعد والأصول العامة العقلية وغيرها، كما أنها مؤيدة بسائر الروايات
الآنفة الذكر.
وقد رأينا: أن العذاب لم ينزل على قوم يونس حتى خرج
«عليه السلام» من بينهم مغاضباً لهم، فرأوه قد دنا منهم، ثم رفع عنهم
بسبب توبتهم.
وأخيراً، فقد قال الله تعالى مخاطباً نبيه الكريم :﴿وَمَا
كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ﴾
أي
أهل مكة ﴿وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾.
قال ابن عباس: إن الله لم يعذب قومه حتى أخرجوه منها، ﴿وَمَا
كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾([46])،
أي وفيهم بقية المؤمنين بعد خروجك من مكة.
وذلك أن النبي «صلى الله عليه وآله» لما خرج من مكة
بقيت فيها بقية المؤمنين لم يهاجروا لعذر، وكانوا على عزم الهجرة، فرفع
الله العذاب عن مشركي مكة لحرمة استغفارهم، فلما خرجوا أذن الله في فتح
مكة.
وقيل: معناه: وما يعذبهم الله بعذاب الإستيصال في
الدنيا، وهم يقولون: غفرانك ربنا. وإنما يعذبهم على شركهم في الآخرة([47]).
8 ـ بقي أن نشير إلى أن ثمة آية ورواية، قد يتوهم
متوهم: أنهما تدلان على خلاف ذلك.
ألف: أما الآية فهي:
قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا
فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾
([48]).
ولكن الحقيقة هي: أن هذه الآية ليست ناظرة إلى عذاب
الاستئصال، بل المقصود بالفتنة هو البلاء الناشئ عن المعاصي في الدنيا،
كالفتن والحروب، والأمراض، وما أشبه ذلك، فإن ضررها لا يقتصر على من
يثيرها.
ب: وأما الرواية فهي: ما روي عن الإمام الصادق «عليه
السلام»: أنه قال: ما عذب الله قرية فيها سبعة من المؤمنين..([49]).
فالجواب: أنها لا يمكن الإستدلال بها على أن عذاب
الاستئصال يمكن أن ينال المؤمنين، إذ لا تأبى أن يكون المراد: أن
القرية لا تستحق العذاب ما دام فيها سبعة من المؤمنين يقومون بواجبهم
في إنكار المنكر، والأمر بالمعروف.. فإذا قلّ عدد المؤمنين عن هذا
استحقت عذاب الاستئصال.. فيؤمر هؤلاء بالخروج منها، ويمهلون من أجل
ذلك، فإذا خرجوا نزل عليها العذاب، تماماً كما جرى لقوم نوح، ولوط،
ويونس، ومشركي مكة أعزها الله تعالى. وإن كان الله قد رفع العذاب عن
قوم يونس بعد أن دنا منهم ورأوه رأي العين، فكان ذلك سبب توبتهم.
283 ـ جبرائيل لم يكن ينزل على لوط «عليه السلام».
284 ـ لوط «عليه السلام» يتلقى الأوامر من إبراهيم
«عليه السلام».
وقد أعلن البعض في إذاعة محلية تابعة له، إنكاره نزول
جبرائيل «عليه السلام» على نبي الله لوط «عليه السلام».. وأنه إنما كان
ينزل على إبراهيم «عليه السلام»، وهو الذي كان يصدر الأوامر إلى لوط
«عليه السلام»، وذكر أن ذلك يعطي أسلوبا تنظيميا جيداً، واعتبر ذلك
كشفا مهمّا منّ الله به عليه!!
مع أن الله سبحانه يقول: ﴿وَإِنَّ
لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾([50])،
فهل يكون لوط مرسلاً ولا ينزل عليه الوحي؟! ومن أين صحّ له أن الوحي لم
يكن ينزل على لوط؟!
فاستمع إليه يقول ـ ونحن نعتذر للقارىء الكريم لأنّا
سنورد كلامه، الذي جاء باللغة العامية، ولم نتدخل في صياغة عبارته ـ:
«إن إبراهيم من أولي العزم، يعني هو رسول الله إلى
الناس جميعاً، وكان يرسل ذاك الزمن مثلاً إبراهيم «عليه السلام»، مثلاً
يرسل أشخاص أنبياء محليين، يعني مثلاً أرسل لوط إلى هذه القرية التي
انتشر فيها الفساد والشذوذ الجنسي المذكر (اللواط) على أساس أن يذكرهم
بالله، وأن يركز لهم القاعدة الإيمانية، وأن يواجه هذا الإنحراف الشاذ
عندهم، فهناك أنبياء محليون. هؤلاء الأنبياء المحليون لا يرتبطون
بالوحي مباشرة، وإنما يرتبطون بالوحي العام.
ما تسمعوا بأولي العزم؟! أولي العزم يعني هم: إبراهيم،
وموسى، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد «صلى الله عليه وآله»
وسلم، هؤلاء أولياء.. أنبياء أولي العزم. هؤلاء هم كأن الأنبياء
الموجودين، في أنبياء ضيع، في أنبياء قرى مثلاً، فكأن لوط.. إبراهيم هو
مسؤول لوط، كأنه لوط ليس نبياً بشكل مباشر، ولكن نبوته من خلال أنه
وكيل إبراهيم «عليه السلام» في هذا المجال، فاستئذانهم من لوط من
إبراهيم باعتبار أنه يتحمل مسؤولية لوط، فمن الناحية التنظيمية، الله
سبحانه وتعالى راعى الناحية التنظيمية، إنه يستأذن إذا أراد أن..
العذاب على الجماعة أولئك فيستأذن إبراهيم بعدما إبراهيم يفهم القضية
يذهبون إلى لوط ويحدثونه ويتولوا المهمة ويدبروا الوضع مع لوط هذا.
وهذا المعنى إذا صح، هذا الفهم من هذه المسألة، هذا
نفهم من عندها الجانب التنظيمي: أنه عندما يكون هناك مسؤولية لإنسان عن
إنسان آخر فما يجوز، إحنا نتصل بالإنسان الآخر بشكل مباشر، إذا كان أي
شخص يعني أي عمل يتصل بالشخص الثاني سواء فيما يوكل إليه من مهمات أو
فيما يوكل إليه من مهمات للقاعدة التي يعيش فيها لازم يتصل حتى القيادة
لا تتصل بالأشخاص الثانويين بشكل مباشر تتصل بالأشخاص الأساسيين حتى
تتحدث معهم حول القضية فهنّي يذهبون هذا.. وبعد ذلك عندما يفهم يروحوا
إلى تلك الديار، هذا الجانب التنظيمي جدا مهم يعني لما الواحد.. أنا
مثلاً مكلف واحد.. أستوحي هذا المعنى من هذا الجوّ ولم أجد أحداً
استوحى هذه القضية فيما قرأت من تفاسير.. حتى أنني لم أذكرها في
تفاسيري، لكن كما يقولون: العلم يزكو على الإنفاق»([51]).
وحاصل كلامه ـ كما هو ظاهر ـ: أنه ينكر نبوة لوط «عليه
السلام» بالمعنى المعروف للنبوة، وجعله له نبياً بمعنى من المعاني ـ
وهو كونه نبياً بالمعنى العام بهذا المقدار ـ وهذا المعنى يصدق في حق
الكثيرين ممن سبق، ممن يصدق في حقهم أنهم وكلاء للأنبياء ومتعاونون
معهم، وينفذون أوامرهم.. فلا بد على هذا التقدير من عدِّهم في جملة
الأنبياء، كما أنه ينبغي ـ بناءً على هذه المقولة ـ أن يصح القول في
وكلاء الإمام صاحب الزمان «عليه السلام» بأنهم أئمة أيضاً، فهل يلتزم
هذا البعض بذلك؟!!.
([1])
الآية 75 من سورة الأنعام.
([2])
الآية 75 من سورة الأنعام.
([3])
الآية 76 من سورة الأنعام.
([4])
الآية 77 من سورة الأنعام.
([5])
الآية 78 من سورة الأنعام.
([6])
الآية 79 من سورة الأنعام.
([7])
الآية 75 من سورة الأنعام.
([8])
الآية 260 من سورة البقرة.
([9])
من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج9 ص112 ـ 123.
([10])
الآية 75 من سورة الأنعام.
([11])
الآية 77 من سورة الأنعام.
([12])
الآيتان 78 و 79 من سورة الأنعام.
([13])
الآية 83 من سورة الأنعام.
([14])
تفسير البرهان ج1 ص531.
([15])
الآية 75 من سورة الأنعام.
([16])
الآية 76 من سورة الأنعام.
([17])
الزهراء المعصومة: ص 48.
([18])
من وحي القرآن (الطبعة الثانية ـ دار الملاك) ج9 ص 122 و 123
وراجع: خلفيات: ج1 ص 80.
([19])
راجع من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج9 ص112 ـ 123.
([20])
الزهراء المعصومة: ص 50 ـ 52.
([21])
الآية 75 من سورة الأنعام.
([22])
نشرة فكر وثقافة: عدد 167 ص3.
([23])
الآية 70 من سورة هود.
([24])
من وحي القرآن (الطبعة الثانية ـ دار الملاك) ج12 ص97.
([25])
الآية 70 من سورة هود.
([26])
الآية 96 من سورة البقرة.
([27])
الآيتان 67 و 68 من سورة طه.
([29])
الآية 32 من سورة العنكبوت.
([30])
الآية 74 ـ 76 من سورة هود.
([31])
تفسير الميزان: ج16 ص 128.
([32])
الآية 32 من سورة العنكبوت.
([33])
الآية 74 من سورة هود.
([34])
من وحي القرآن (الطبعة الثانية ـ دار الملاك) ج18 ص 46 و 47 و
48.
([35])
الآية 74 ـ 76 من سورة هود.
([36])
الآية 35 من سورة القلم، والآية 40 من سورة النساء.
([37])
الآية 59 من سورة القصص، والآيات 31 و 34 و 40 من سورة
العنكبوت، والآية 100 من سورة الأعراف، والآيتان 112 و 113 من
سورة النحل، والآية 16 من سورة الإسراء، والآية 11 من سورة
الأنبياء، والآيتان 45 و 48 من سورة الحج.
([38])
الآيات 163 ـ 166من سورة الأعراف.
([39])
علل الشرائع: ص22 وعيون أخبار الرضا: ج1 ص231 والبحار ج5 ص283.
([40])
الآيتان 26 و 27 من سورة نوح.
([41])
الآية 36 من سورة هود.
([42])
علل الشرائع ص22 والبحار ج5 ص283.
([43])
بحار الأنوار ج5 ص286 عن قصص الأنبياء.
([44])
المصدر السابق: ج5 ص 286 و 287.
([45])
البحار: ج 14 ص 393 عن تفسير العياشي، والبرهان ج2 ص200 و 202.
([46])
الآية 33 من سورة الأنفال.
([47])
بحار الأنوار ج18 ص 159.
([48])
الآية 25 من سورة الأنفال.
([49])
بحار الأنوار ج70 ص 383 عن الاختصاص ص 30.
([50])
الآية 133 من سورة الصافات.
([51])
النص الحرفي لكلام البعض مسجلاً بصوته على شريط موجود عندنا
برقم 32 وقد بثتها إذاعة محلية تابعة لذلك البعض.
|