الفصل الرابع
يعقوب ويوسف

364 ـ يعقوب والصدمة وتأثيرها المؤلم
فيه.
365 ـ يعقوب لم يفعل أي شيء يؤذي جسده.
366 ـ العوارض الطبيعية هي التي أوجبت
عمى يعقوب.
367 ـ كان يعقوب يعيش الحزن الهادئ دون
أن يؤثر على حياته.
368 ـ ظنوا أن أباهم قد نسي يوسف..
يقول البعض:
«ولكن يوسف أصر على موقفه، وعادوا إلى أبيهم من دون
أخيهم، وكم كان وقع الصدمة قاسياً على يعقوب «عليه السلام»، واجه
الصدمة فأثرت به تأثيراً مؤلماً، لأنها أيقظت أحزانه وأثارت أشجانه
وذكرياته، فتولى ﴿عَنْهُمْ
وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ
الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾([1])،
وهنا ربما يتساءل البعض ويقول: كيف يجزع يعقوب، وهو نبي؟ نجيب على ذلك
بأنه «عليه السلام» لم يفعل أي شيء يؤذي جسده، ولكن كان يعيش الحزن
الهادئ حيث ابيضت عيناه من البكاء كنتيجة طبيعية للعوارض التي أوجبت
فقدان بصره، لذلك عندما قالوا له: ﴿قَالُوا
تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ
تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾([2])،
أجابهم: بأنه لا يشكو لهم، ولا يسبب أي مشكلة معهم ﴿إِنَّمَا
أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ﴾([3])،
فلست إنساناً يشكو أمره للعباد، فالقادر على قضاء حاجتي، وتفريج همي
وكربي هو الله، فيعقوب «عليه السلام» كان يملك الإحساس العميق بعدم
اليأس، فوهبه الله معرفة أن يطل على المستقبل، لذلك على الرغم من مرور
السنوات الطوال على غياب يوسف ومحاصرته بكثيٍر من المشاكل بقي منفتحاً
الخ..([4]).
ويقول البعض أيضاً:
«..﴿وَابْيَضَّتْ
عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾([5])،
ورغم كل شيء فهو يحبس غيظه وحزنه في نفسه، ولم يتصرف تصرف الجازعين
الذين يتمردون على إرادة الله، ولكنه يعطي للحزن دوره الهادئ في قلبه
وإحساسه وشعوره، من دون أن يترك الحزن تأثيره على حياته وعلى دوره في
رسالته وحركته في الحياة ﴿قَالُوا
تَاللهِ﴾،
لقد فوجئوا بذكره ليوسف الذي يقال بأنه غاب عنهم مدة ثمانية عشر عاماً،
وظنوا أن أباهم قد نسيه، لأن الذكريات الماضية تذوب وتزول وتذهب ﴿قَالُوا
تَاللهِ تَفْتَأُ﴾
أي لا تفتأ ولا تزال ﴿تَذْكُرُ يُوسُفَ
حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴾
أي مشرفاً على الهلاك قريباً من الموت ﴿أَوْ
تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾([6]).
أو يؤدي بك ذلك إلى الهلاك ﴿قَالَ
إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ﴾
أنا لا أشكو بثي وحزني إليكم، فأنا لا أشكو لبشر، وأنا عندما أتذكر
يوسف وآسف على غيابه، فإنما أجلس في حالة مناجاة مع الله، ولذا فإني
أرجع شكواي إلى الله وأقدم حزني بين يديه سبحانه، فهو الذي يملك إزالة
حزني عني ويبدله إلى فرح، وعندما أعبر عن حزني فليس لإثارة الإشفاق علي
من الناس، أو لأفرض حزني عليهم ﴿وَأَعْلَمُ
مِنَ اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾([7])
أعلم من الله أنه رحيم بعباده، فهو يعطي الأمل من قلب اليأس وهذا ما
أعلمه من خلال معرفتي به تعالى، لذلك لم أفقد ثقتي بربي أو إيماني به،
ولا أرى أن التعبير عن الحزن يتنافى مع استسلامي له، فالتعبير عن الحزن
حالة إنسانية، والإستسلام إلى الله هو حركة هذه الحالة بين يدي الله
حتى تعين الإنسان على أن ينفتح على المستقبل أكثر من خلال الله، لا من
خلال غيره([8]).
ونلاحظ:
1 ـ من الواضح: أن الجزع المذموم والمرفوض من قبل
الشارع هو الذي يستبطن الإعتراض على الله سبحانه حين يعتبر الجازع أن
ما حدث يمثل ظلماً، وتعدياً وتصرفاً غير سديد.. كما أن من الواضح
أيضاً: أن إظهار الحزن الشديد لا يستبطن الإعتراض على الله بحيث لا
ينفك هذا الإظهار عن ذلك الإعتراض، إذ كثيراً ما ينطلق الجزع من حب
الله ومن شدة الإهتمام بالحفاظ على الدين ورموزه الكبرى، وهذا يكون
جزعاً ممدوحاً، ومحبوباً له تعالى، ومندوباً إليه، وقد ورد في الحديث
عن الإمام الصادق «عليه السلام»: «كل الجزع والبكاء مكروه سوى على
الحسين»([9]).
وقد روي عن الإمام الرضا «عليه السلام» أنه قال: «إن
يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا الخ..»([10]).
وذلك يدل على أنهم «عليهم السلام» قد بكوا على الحسين
حتى تقرحت جفونهم.. والقرح هو الجرح وذلك معناه: أنهم «عليهم السلام»
قد فعلوا أمراً قد نشأ عنه أمر لم يكن ليجوز لهم في الحالات العادية
تماماً كما بكى يعقوب على فراق يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن.
وفي زيارة الناحية المقدسة:
«ولأبكينك بدل الدموع دماً».
وذلك يدل على جواز فعل ما يؤدي إلى مثل الجرح والعمى،
فلا معنى للمنع من ضرب الرأس بما يدميه تفجعاً على الحسين «عليه
السلام»..
فإن عمى يعقوب وتقرح جفون الأئمة أعظم ضرراً من إدماء
الرأس أو اللطم على سيد الشهداء «عليه السلام».
وعن اللطم بالخصوص نجد الإمام الرضا «عليه السلام» لا
يعترض على دعبل حينما أنشد قصيدته. وقد جاء فيها:
أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً وقد مات عطشاناً
بشط فرات
إذن للطمت الخد فاطـم عنده وأجـريت دمع العين
في الوجنات
فلم يقل له:
إن فاطمة لا تفعل ذلك، لأنه حرام. بل نجده ـ كما تذكر
بعض الروايات ـ قد زاد له بيتين في قصيدته يؤكد: أن الحزن العظيم
والمستمر إلى يوم القيامة عليه هو «عليه السلام». والبيتان هما:
وقبر بطوس يا لها مـن مصيبة الحت على
الأحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قائماً يفـرج عنا الهم
والكـربات
كما أن النساء حين رأين جواد الحسين خرجن من الخدور..
على الخدود لاطمات، كما جاء في زيارة الناحية المقدسة.
وقد لطم النسوة خدودهن ليلة العاشر أمام الحسين «عليه
السلام»، فقال الحسين «عليه السلام»: يا أختاه، يا أم كلثوم، يا فاطمة،
يا رباب، انظرن إن انا قتلت فلا تشققن علي جيباً ولا تخمشن وجهاً ولا
تنطقن هجراً([11])،
فهو إنما نهاهن عن ذلك بعد موته.
وعن الإمام الصادق «عليه السلام» أنه قال: وقد شققن
الجيوب ولطمن الخدود الفاطميات على الحسين بن علي وعلى مثله تلطم
الخدود وتشق الجيوب.
كما أن الحديث عن الأئمة «عليهم السلام» قد عد يعقوب من
البكائين الخمسة، أو الثمانية([12]).
ويروى: أن الإمام الصادق «عليه السلام» جزع على ابنه
إسماعيل جزعاً شديداً
([13])،
وأن آدم «عليه السلام» جزع على ابنه هابيل([14]).
2 ـ إن من الواضح: أن حبس الإنسان غيظه وحزنه في قلبه
لا يوجب عمى عينيه، كما زعم هذا البعض.. ولم نسمع، ولم نر إنساناً حبس
غيظه وحزنه في قلبه قد أصيب بالعمى رغم الكثرة الكاثرة في كل هذا
التاريخ الطويل، لمن يصابون بأفدح المصائب ثم يكظمون غيظهم وحزنهم..
3 ـ ما معنى قوله: «إن يعقوب قد أعطى الحزن دوره الهادئ
في قلبه وإحساسه وشعوره، من دون أن يترك تأثيره على حياته ودوره في
رسالته وحركته في الحياة..».
ألم يصب يعقوب بالعمى في عينيه من شدة حزنه، وهل العمى
ليس له تأثير سلبي على حياة الإنسان؟!
4 ـ ما معنى قول أبناء يعقوب له ﴿تَاللَّهِ
تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا﴾.
أليس معنى الحرض هو: الإشراف على الهلاك قريباً من الموت. حسب تفسير
هذا البعض نفسه؟! ثم قولهم له: ﴿أَوْ
تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ﴾([15]).
ألا يدل ذلك على أن حزن يعقوب كان ظاهراً قوياً، وليس هادئاً، ولا
محبوساً في داخل نفسه ـ حسبما يدعيه هذا البعض ـ؟!
وهل ثمة من جزع أكبر من أن يشرف الإنسان على الهلاك من
شدة الحزن، أو أن يهلك بالفعل بسبب ذلك؟!
وإذا كان يعقوب قد حزن على يوسف إلى درجة العمى، أو حتى
أشرف على الهلاك، فما بال البعض ما فتئ يقبح الجزع على الإمام الحسين
«عليه السلام» رغم ورود الرواية الصحيحة عن أهل بيت العصمة في أنه لا
محذور فيه؟!
ولماذا يعتبر أن مظاهر الحزن واللطم في عاشوراء غير
حضارية ولا واعية؟! بل هي من مظاهر التخلف، ومن دواعي السقوط، كما أن
بعض مفرداتها محرمة لأنها بنظره من مصاديق الإضرار بالنفس؟!
5 ـ ما معنى قول هذا البعض عن يعقوب ـ مجيباً على سؤال
ـ: كيف يجزع يعقوب، وهو نبي؟!:
«إنه لم يفعل أي شيء يؤذي جسده، ولكن كان يعيش الحزن
الهادئ حتى ابيضت عيناه من البكاء، كنتيجة طبيعية للعوارض التي أوجبت
فقدان بصره».
فهل إن البكاء الذي صدر من يعقوب لا يدخل في دائرة
الفعل أصلاً أم أنه فعل لكنه لم يكن من فعل يعقوب؟!
وإذا كان العمى قد نشأ عن البكاء الذي هو من فعل يعقوب،
فكيف يقول: إنه لم يفعل أي شيء يؤذي جسده؟! وهل العمى بسبب البكاء لا
يعد أذى للجسد؟!
ألم يكن العمى نتيجة لفعل البكاء؟!
وكيف يمكن الجمع بين قوله: «إن العمى كان نتيجة العوارض
الطبيعية».
وقوله: «إنه قد عمي من البكاء»؟!
6 ـ إن التعبير بالصدمة بالنسبة لنبي الله يعقوب غير
سديد جزماً، فإن هذا النبي المجاهد الصابر لم يفاجأ بما حدث، وقد حكى
الله عنه: أنه أخبر أبناءه بخوفه على ولده، وأخذ عليهم المواثيق أن
يأتوه به إلا أن يحاط بهم، وهم لم يأتوا بجديد عما كان يتوقعه، بل
اقتصروا على شرح ما جرى لهم، وإنما تكون الصدمة في أمر لم يكن متوقعاً.
7 ـ من أين علم أن أبناء يعقوب «عليه السلام» قد ظنوا
أن أباهم قد نسي يوسف «عليه السلام» فإن قولهم له: ﴿تَاللهِ
تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾([16]).
يدل على أنه كان مستمراً على ذكره، مثابراً عليه، وأنهم كانوا يعلمون
ذلك وينكرونه عليه فمن أين جاء ظنهم ذاك.. إن قوله هذا يحتاج إلى إثبات
قطعي ـ حسبما يقرر هذا البعض نفسه ـ وإن أي إثبات يأتي به سيكون
مخالفاً للقرآن، فلا بد من رده عليه..
369 ـ النبي يعقوب يحب ولده لجماله.
370 ـ النبي يحب ولده لذكائه ووداعته.
يقول البعض:
«..وجاء يوسف إلى أبيه.. وكان أثيرا عنده حبيبا
إليه، لجماله ووداعته وصفاء روحه.. وجلس عنده يقص عليه رؤياه الغريبة
التي أثارت في نفسه القلق لما تشتمل عليه من جو يوحي بالسمو ولكنه حافل
بالغموض»([17]).
ويقول أيضاً:
«..ولكن يعقوب يعرف أن أولاده الآخرين يحسدون يوسف على
ما تميز به عنهم من جمال وذكاء ووداعة وصفاء.. وعلى ما له من المنزلة
عند أبيه، كنتيجة لما يملكه من هذه الصفات وغيرها مما يجعله أهلاً
للمعاملة المميزة»([18]).
ونقول:
ألف:
إننا لا نريد أن نرهق القارئ بالتعليق على هذه الفقرات،
لكننا نلفت نظره إلى أننا ما كنا نحسب أن علاقة نبي الله يعقوب «عليه
السلام» بولده النبي يوسف «عليه السلام» كانت بسبب جمال صورة ولده، أو
بسبب ذكائه، ووداعته، فنحن نجل الأنبياء عن أمر كهذا.
وإنما نعتقد أنه ينطلق في حبه له مما يلمسه فيه من معان
إنسانية، وصلاح وهدى، واستقامة على طريق الخير والرشاد.
ب:
وإذا كان الله سبحانه قد أعطى يوسف «عليه السلام»
جمالاً خصه به، ولم يعط سائر إخوته، فإن ذلك لم يكن بسوء اختيارهم
ليستحقوا هم ذلك الإبعاد، ويستحق يوسف «عليه السلام» هذا القرب.
وإنما هي مشيئة الله سبحانه التي ليس لهم أو ليوسف
«عليه السلام» معها أي اختيار، أو خيار.
ج:
ولو أردنا أن نفسح المجال لموضوع الانجذاب للجمال، بحجة أن هذا يعبر عن
الذوق الرفيع، ليكون هذا الأمر من المعايير والضوابط التي يعتمدها
الأنبياء في حبهم وفي ارتباطهم العاطفي بالأشياء وبالأشخاص لا سيما بعد
ملاحظة ما يذكره هذا البعض عن يوسف وامرأة العزيز، فإن ذلك قد يدفع من
لا تقوى لديه من أعداء الإسلام أمثال سلمان رشدي إلى كتابة «آيات
شيطانية»جديدة تهدف إلى طرح وتسويق مثل أكذوبة زوجة أوريا، حينما رآها
النبي داود في حالة مثيرة كما يزعمون، وكذلك الحال بالنسبة لقضية زينب
بنت جحش وما افتروه من أن النبي قد عشقها بعدما رآها بصورة مثيرة..
وغير ذلك.
وهذا باب خطير، لا يمكن فتحه، ولا مجال للقبول به.
371 ـ عذاب يوسف «عليه السلام» في
مقاومة الإغراء.
372 ـ الإنجذاب إلى الحرام والقبيح لا
ينافي العصمة.
373 ـ جسد يوسف «عليه السلام» تأثر
بالجو (الجنسي).
374 ـ عزم على أن ينال منها ما أرادت
نيله منه.
375 ـ همّ بها، ولكنه توقف، ثم تراجع.
376 ـ إيمان يوسف( النبي) يستيقظ.
377 ـ إستنفد كل طاقاته في المقاومة.
وأما حديث ذلك البعض عن يوسف «عليه السلام» فهو أشهر من
أن يذكر، ونقتصر هنا على قوله في بيان ما جرى لهذا النبي «عليه السلام»
مع امرأة العزيز:
«التفسير الذي نميل إليه ونستقربه، هو الإنجذاب
اللاشعوري، تماماً كما ينجذب الإنسان إلى الطعام».
إلى أن قال:
«فالعصمة لا تعني عدم الإنجذاب إلى الطعام المحرم،
والشراب المحرم، أو الشهوة المحرمة، ولكنها لا تمارس هذا الحرام،
فالإنجذاب الغريزي الطبيعي هنا لا يتحول إلى ممارسة، وتتضح الصورة أكثر
عندما جمعته مع النسوة، اللاتي قلن: ﴿حَاشَ
لِلهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾([19])،
عند ذلك شعر أن الطوق بدأ يضيق ويحاصره إلى درجة لا يستطيع فيها أن
يتناسى، على اعتبار أنه إستنفد كل طاقاته في المقاومة».
«وهذا يجعلنا نشعر بالعذاب الذي كان يعيشه يوسف في
مقاومته لإغراء هذه المرأة».
ويقول:
«خلاصة الفكرة: إن يوسف «عليه السلام» لم يتحرك نحو
المعصية، ولم يقصدها، ولكنه انجذب إليها غريزياً، بحيث تأثر جسده
بالجوّ، دون أن يتحرك خطوة واحدة نحو الممارسة»([20]).
وذكر في بعض ما بثته بصوته إذاعة تابعة له:
«عزم على أن ينال منها ما كانت تريد نيله منه»([21]).
ويقول:
«..﴿وَهَمَّ
بِهَا﴾([22])
في حالة لاشعوريّة، فيما يتحرك فيه الإنسان غريزيا بطريقة عفوية من دون
تفكير.. لأن من الطبيعي لأي شابٍّ يعيش في أجواء الإثارة أن ينجذب
إليها، تماماً، كمن يتأثر بالروائح الطيبة أو النتنة التي يمر بها، أو
كمن تتحرك غريزة الجوع في نفسه بكل إفرازاتها الجسدية عندما يشم رائحة
الطعام».
إلى أن قال:
«وهكذا نتصور موقف يوسف، فقد أحس بالإنجذاب في إحساس
لاشعوري وهمّ بها استجابة لذلك الإحساس، كما همّت به، ولكنه توقف ثم
تراجع.. ورفض الحالة بحزم وتصميم، لأن المسألة عنده ليست مسألة تصور
سابق، وموقف متعمد، وتصميم مدروس، كما هي المسألة عندها، ليندفع نحو خط
النهاية، كما اندفعت هي، ولكنها كانت مسألة انجذاب جسدي يشبه التقلص
الطبيعي، والإندفاع الغريزي.. إنها لحظة من لحظات الإحساس، عبّرت عن
نفسها ثم ضاعت وتلاشت أمام الموقف الحاسم، والعقيدة الراسخة، والقرار
الحازم.. المنطلق من حساب دقيق لموقفه من الله، فيما ينطلق فيه من
عقيدة، وفيما يتحرك فيه من خط، وفيما يقبل عليه من عقاب الله، لو أطاع
إحساسه.. وهذا ما عبر عنه قوله تعالى: ﴿لَوْلَا
أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ..﴾([23])،
فيما تعنيه كلمة «البرهان» من الحجة في الفكرة التي تقوده إلى وضوح
الرؤية، فتكشف له حقيقة الأمر، فيحس، بعمق الإيمان، أنه لا يملك أية
حجة فيما يمكن أن يقدم عليه، بل الحجة كلها لله.. وربما كان جوّ هذه
الآية هو جوّ قوله تعالى: ﴿إِنَّ
الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ
تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾([24])
وقد نستوحي ذلك من مقابلة كلمة: ﴿وَهَمَّ
بِهَا﴾،
لكلمة ﴿وَهَمَّتْ بِهِ﴾([25]).
فقد اندفعت إليه بكل قوة وضراوة واشتهاء، فحركت فيه قابلية الإندفاع..
وكاد أن يندفع إليها لولا يقظة الحقيقة في روحه، وانطلاقة الإيمان في
قلبه.. وبذلك كان الموقف اليوسفي، فيما هو الإنجذاب، وفيما هو التماسك
والتراجع والإنضباط، مستوحى من الكلمة، ومن الجوّ الذي يوحي به السياق
معاً»([26]).
إن آيات القرآن الكريم لا تؤيد ما ذكره هذا البعض، إن
لم نقل: إنها تدل على عدم صحته. ونحن نبين المراد من الآيات الشريفة
بمعزل عما ذكره ذلك البعض، فنقول:
1 ـ إننا قبل كل شيء هنا نذكر سؤالا وجه إلى ذلك البعض،
وأجاب عليه.. والسؤال والجواب هما كما يلي:
سؤال: إذا نوى الإنسان أن يفعل فعلاً سيئاً مثلاً، وصمم
أن يرتكب فاحشة الزنا فهل يحاسب هذا الإنسان وكيف يمكن أن نتخلص من
مقولة: «إنما الأعمال بالنيات» إذا كان الجواب بالنفي؟!
«جواب: المعروف أن الإنسان لا يحاسب على نيته إذا لم
يحولها إلى واقع فالإنسان تخطر في باله أعمال يعبرون عنها في علم
الأصول بالقول: «فعل قبيحٌ وفاعل قبيحٌ». بمعنى: أن هذا يدل على قبح
الفاعل، أي أنه إنسان سيئ ذاك الذي يفكر بالجريمة لكنه لم يفعل»([27]).
فهل يلتزم هذا البعض بنسبة القبح إلى نبي الله يوسف
«عليه السلام»؟! وهل يجوز أن يقول عنه: إنه «إنسان
سيئ»
أو إنه
«فاعل قبيح»؟!
لا سيما وأن هذا القائل قد صرح في مورد آخر بأن يوسف «عليه السلام» قد
عزم على أن ينال منها، ما كانت تريد هي أن تناله منه([28]).
2 ـ إن قوله تعالى: ﴿لَوْلَا
أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ..﴾([29])،
يفيد: أنه لم يحصل منه أي شيء مما ذكره هذا البعض، فإنك إذا قلت: لولاي
لوقع الطفل عن السطح، فمعناه أن الطفل لم يقع، فيوسف «عليه السلام» ـ
إذن ـ لم ينو هذه المعصية، ولم تدخل في دائرة اهتماماته.. فالله سبحانه
ينفي أن يكون قد صدر عن النبي يوسف أي فعل قلبي، ويقول: إن هذا الأمر
قد كان خارج دائرة نواياه..
3 ـ أضف إلى ما تقدم: أن الشيطان قد استثنى عباد الله
المخلصين من إمكانية تأثيره فيهم، فقال: ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ
أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾([30]).
وقال تعالى: ﴿إِنَّ
عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾([31]).
وقد صرحت الآية هنا:
بأن
بُعْدَ يوسف عن هذا الأمر، وإبعاده له عن دائرة نواياه، إنما هو لأنه
كان من عباد الله المخلصين. فقد قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ
لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا
الْمُخْلَصِينَ﴾([32]).
حيث ظهر من الآية: أن سبب صرف ذلك عنه هو كونه مخلَصاَ.
4 ـ إن وجود نوايا قبيحة مرفوضة ستكون نتيجتها سقوط
الإنسان عن درجة الإعتبار وأنه سينظر إليه بعين الإحتقار والنقص، فلو
أنّ إنسانا نوى الفاحشة مع امرأة محصنة، فإنه لن يكون محترما عند الذين
يعلمون منه ذلك، فكيف إذا كانت هذه النية من أحد الأنبياء المخلصين،
فإنها تكون أشنع وأقبح، وقد تقدّم تصريح البعض: بأنّ من ينوي ذلك، فهو
إنسان سيء، وأن ذلك من مصاديق القبح الفاعلي على حد تعبيره، وفقا لما
عند علماء الأصول.
5 ـ إن المخلَص ـ بالفتح ـ هو الخالص لله، بحيث لا
يكون فيه أية شائبة لغيره، فمن ينجذب نحو الفاحشة انجذاب الجائع إلى
الطعام، ومن عزم على أن يفعل ما طلبته منه امرأة العزيز، ومن تتحرك فيه
قابلية الإندفاع نحو الفعل الحرام، هل يكون خالصاً لله، وصافياً بحيث
لا تكون فيه أية شائبة؟!.
6 ـ هذا مع العلم: أن الله سبحانه قد قرر قبل ذلك
مقام يوسف، وعلوّ درجته حيث قال: ﴿وَلَمَّا
بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾([33]).
ولم يُشِرْ بعد ذلك، لا من قريب ولا من بعيد ولو حتى بالعتاب، إلى ما
ربما يتوهم منه عزمه على أن ينال منها ما كانت تريد نيله منه كما يدعيه
ذلك البعض.
7 ـ ومع غض الطرف عن ذلك كله، فإن كلمة
(همّ به)
ليس معناها همّ بنكاحه، بل معناها: همّ بضربه وإيصال
الأذى إليه، حيث يقال: جاء فلان وتكلم بكلام سيء، فهممت به، أي هممت
بإيصال الأذى إليه أو بضربه.
وقد ذكر هذا المعنى في الروايات عن الأئمة الطاهرين
«عليهم السلام»، وأن المراد: همّ يوسف «عليه السلام» بضربها.
قال المرجع الديني سماحة الشيخ التبريزي وهو يرد على
مقولات ذلك البعض: «إن لفظ (لولا) دال على امتناع همّه بالمعصية لرؤية
برهان ربه»..
فردّ عليه ذلك البعض بقوله: «..إن التعبير الصحيح أو
البليغ لهذا المعنى هو: لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها، لتفيد معنى
حصول الفعل الذي يحصل بالمستقبل، فلا يصح أن نقول: «جاء زيد لولا
القوم»، بل الصحيح أن نقول: «لولا القوم لجاء زيد»..»([34]).
ونقول:
إننا نسجل هنا ما يلي:
إن السيد المرتضى هو ممن لا يُشكّ في تضلعه في علوم
اللغة والبيان والفقه حتى قيل فيه: «لو قيل: إن المرتضى أعلم العرب
بلغتهم لم نتجاوز». وهو من أبرز أعلامنا.. منذ مطلع القرن الخامس وإلى
يومنا هذا.. وقد ذكر هذا العلم هنا عدة أجوبة([35]).
الأول: إن الآية قد علقت ـ في ظاهرها ـ كلمة (همّ)
بذاتيهما، فقالت: ﴿هَمَّتْ
بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾([36])،
ولا يجوز تعلق الهمّ بالذات بمعنى الإرادة والعزم، فلا بد من تقدير
محذوف، وليس بعض الأفعال أولى بالتقدير من بعضها الآخر، فهل همّ
بالضرب؟! أو الإكرام؟! أو أي شيء آخر؟! ويترجح أن يكون يوسف قد همّ
بالضرب، كقولك: همّ فلان بفلان، أي بأن يوقع به ضرباً أو مكروهاً..
أما من ناحيتها، فالمحذوف هو الفعل القبيح، وإنما
فرّقنا بينها وبينه في هذا الأمر، لما ظهر من أنها قد راودته عن نفسه،
فجاز عليها فعل القبيح فهمّت به، أما يوسف «عليه السلام» فلا يجوز ذلك
عليه، لأنه رفض واستعصم، حسبما دل عليه القرآن..
والسبب في أن برهان ربه قد صرفه عن ضربها: هو أنه لو
فعل ذلك لأهلكه أهلها وقتلوه، أو أنها تدعي عليه المراودة على القبيح،
وتقذفه به، وأنه إنما ضربها لامتناعها، وسيصدق الناس عليه ذلك.
وعلى هذا التفسير لا يكون جواب (لولا) متقدما عليها، بل
هو مقدر ومتأخر عنها، والتقدير: همّت به وهمّ بدفعها أو ضربها، ﴿لَوْلَا
أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ..﴾([37])،
لفعل ذلك.
وحذف الجواب هنا كحذفه في قوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا
فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾
([38])،
والتقدير: لهلكتم.
أضف إلى ما تقدم:
أن من يقول: المراد أنه «عليه السلام» قد همّ بالقبيح
كما همت هي به، يحتاج هو الآخر أيضاً إلى تقدير جواب، كأن يقال: همت
بالقبيح وهم به لولا أن رأى برهان ربه لفعله..
الثاني:
أن يحمل الكلام على التقديم والتأخير، أي: لقد همّت به،
ولولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها، وهذا كقولك: قد كنت هلكت لولا أني
تداركتك، وقتلت لولا أني خلصتك، أي لولا تداركي لك لهلكت، ولولا تخليصي
لك لقتلت، وقال الشاعر:
فلا يدعني قومي ليوم كريهـة لئن لم أعجل طعنه
لم أعجـل
وقال الآخر:
ولا يدعني قومي صريحا لحرة لئن كنت مقتولا ويسلم
عامر
فقدم جواب (لئن) في كلا البيتين.
ومما يشهد على ذلك أنهم يقولون: قد كان زيد قام لولا
كذا كذا (و) قد كنت قمت لولا كذا (و) قد كنت قصدتك لولا أن صدني فلان.
وإن لم يقع قيام ولا قصد، وهذا هو الذي يشبه الآية.
وخلاصة الأمر:
أن في الآية شرطاً، ويحتاج إلى جواب، وليس تقديم جواب
(لولا) بأبعد من حذف الجواب من الأساس..
وإذا جاز عندهم الحذف ـ لئلا يلزمهم تقديم الجواب ـ
جاز لغيرهم تقديم الجواب حتى لا يلزم الحذف.
إن الملفت للنظر هنا: أن أبا علي الجبائي المعتزلي ـ
تبعاً لغيره ـ هم أصحاب مقولة: أن معنى هم بها اشتهاها، ومال طبعه إلى
ما دعته إليه.. وقد روي هذا التأويل عن الحسن البصري، من علماء العامة
أيضاً.
قال المرتضى رحمه الله: «ويجب على هذا الوجه أن يكون
قوله تعالى: ﴿لَوْلَا
أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾([39])،
متعلقا بمحذوف، كأنه قال: لولا أن رأى برهان ربه لعزم أو فعل» انتهى([40]).
هذا مع أن قوله تعالى: ﴿وَأَصْبَحَ
فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا
أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾([41])،
يدل على صحة تقديم لولا عليها.
378 ـ لعل يوسف نسي أهله بعد انقطاع أخبارهم.
379 ـ لعل أهل يوسف قد نسوه بعد انقطاع أخباره.
380 ـ رؤية يوسف لإخوته كانت بمثابة الصدمة له.
381 ـ ضغط الأحداث على يوسف، جعل ذكر أهله يغيب عن
فكره.
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَجَاءَ
إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ
مُنْكِرُونَ﴾([42]).
يقول البعض:
«..ومرت الأيام.. وابتعد يوسف عن أهله.. وابتعدوا عنه..
وربما نسيهم بعد انقطاع أخبارهم عنه، وربما نسوه بعد انقطاع أخباره
عنهم.. وتحول الجميع لدى بعضهم البعض إلى ذكرى تغيب عن الفكر أمام ضغط
الأحداث المتلاحقة»([43]).
ويقول:
«أما بالنسبة ليوسف، فقد كانت ملامحهم في ذهنه، لأنهم
كانوا كباراً عندما فارقهم، ولم يحدث في حياتهم تغيير يذكر، يبعد
الصورة البارزة لديه. لهذا كانت رؤيته لهم، بمثابة الصدمة التي أعادته
إلى الماضي، وربما يكون قد ساهم في ذلك أنهم كانوا قد ذكروا أسماءهم،
ومواقع بلادهم عند قومهم، فمن المتعارف لدى الناس، سؤال الغرباء عن
هويتهم وبلادهم»([44]).
ونقول:
1 ـ ما المبرر لطرح احتمال نسيان يوسف لأهله.. وطرح
احتمال نسيان أهله له، حتى تحولوا لدى بعضهم البعض إلى ذكرى تغيب عن
الفكر أمام ضغط الأحداث المتلاحقة؟!.
وإذا كانت الذكرى للأهل تغيب عن الفكر أمام ضغط الأحداث
المتلاحقة فهل يصح اعتبار الأهل قد نسوا ولدهم، والولد قد نسي أهله في
حالات الإنصراف الذهني حين الإنشغال بالعمل، وذلك يكون حتى حين يكون
الولد جالساً إلى جنب أبيه وأمه؟!.
وهل الأنبياء كانوا يعانون من ضعف الذاكرة إلى هذا
الحد؟! وما معنى أن ينسب مثل هذا الأمر إليهم؟!
2 ـ ما معنى تصويره لحالة يوسف حينما رأى إخوته، فعرفهم
وهم له منكرون.. على أنها كانت بمثابة الصدمة له؟!! وهل يصح استعمال
أمثال هذه التعابير في حق أنبياء الله سبحانه؟!
3 ـ من أين استنبط هذا الحدث حتى أخبر عنه على أنه
حقيقة واقعة؟! ومن أين عرف أن ملامحهم لم يحدث فيها تغيير يذكر؟! وما
هو الدليل القطعي الذي يثبت له ذلك؟! أو فقل: ما هي الأخبار المتواترة
أو غير المتواترة التي تثبت هذا؟
4 ـ إننا نعتقد أن يوسف الذي كان يعيش آفاق النبوة لا
يمكن أن ينشغل عن أهله، وأن ينساهم مهما طال الزمن، خصوصاً بالنسبة
لأبيه النبي العظيم([45])
الذي يرتبط به روحياً وإيمانياً، ـ قبل أن يرتبط به جسدياً ـ وبصورة
أعمق وأوثق من أي رباط آخر بنحو يتناسب مع الآفاق التي يعيشها
الأنبياء، والمسؤوليات التي يحملونها.
كما أن يعقوب لا يمكن أن ينسى ولده لنفس السبب الذي
اشرنا إليه، وقد طال حزنه عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن. وقد صرح
القرآن بأنه لم يكف عن ذكر يوسف طيلة تلك المدة، حتى قال له ابناؤه:
تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين.. فمن كانت
هذه حاله كيف يقال: إن أهله نسوه.. وإذا كان بعضهم يوشك أن ينساه فإن
حزن يعقوب وبكاءه عليه يمنع من حدوث هذا النسيان.
5 ـ قد صرح هذا البعض:
«بأن يوسف قد عرف أسماء اخوته ومواقع بلادهم من خلال
أسئلته التي وجهها لهم، فساهم ذلك في تذكره لهم».
فهل يريد هذا البعض أن يقول: إن يوسف الذي أصبح على
خزائن الأرض، وصار له هذا الشأن العظيم، إنما لم يستخدم موقعه ونفوذه،
والوسائل المتوفرة لديه في السؤال عن أهله، ومعرفة أخبارهم، وكذلك لم
يأت بهم من البدو بسبب النسيان الذي طرأ عليه بسبب ضغط الأحداث
المتلاحقة؟!
وهل يعقل أن لا يخطر له على بال أبداً طيلة سنين، وسنين
أن له أباً وأماً، وأن له إخوة وأنهم قريبون منه.. وأنهم هم الذين
أوقعوه بالمصائب، والبلايا؟!.
ألم يمر في وهمه أي خاطر من هذا القبيل ولو حين يأوي
إلى فراشه فيدفعه ذلك إلى السؤال عن منطقتهم، وعن أحوالهم، وعن
مصيرهم؟! إن ذلك لغريب حقاً، وأي غريب!!
إننا نبادر إلى القول بأن يوسف الذي هو نبي اصطفاه الله
لا يمكن أن ينسى مسؤوليته الشرعية تجاه أبويه على الأقل، ولزوم التعرف
على أخبارهما، لأداء واجب البر بهما وصلة رحمهما، التي هي من
الواجبات..
وإن ما جرى لم يكن يجري في صراط النسيان والغفلة ـ
وحاشاه من ذلك وهو نبي الله سبحانه ـ ثم التذكر حين مواجهة الصدمة (!!)
على حد تعبير البعض بل كانت الأمور تجري في نطاق الخطة الإلهية،
والرعاية الربانية لأنبيائه ورسله، وتسديدهم فيما يعملون له من نشر
راية الحق والهدى، والفلاح والصلاح بنجاح. وهكذا كان..
([1])
الآية 84 من سورة يوسف.
([2])
الآية 85 من سورة يوسف.
([3])
الآية 87 من سورة يوسف.
([4])
حركة النبوة في مواجهة الإنحراف: ص 253.
([5])
الآية 86 من سورة يوسف.
([6])
الآية 85 من سورة يوسف.
([7])
الآية 87 من سورة يوسف.
([8])
حركة النبوة في مواجهة الانحراف ص341.
([9])
بحار الأنوار ج45 ص 313 وراجع: علل الشرائع ص 264 ومصباح
المتهجد، وغير ذلك.
([10])
الأمالى للصدوق ص 11 المجلس 27 ح 2 والبحار ج44 ص 284.
([11])
مقتل الحسين للمقرم ص 264 و 265 عن الإرشاد، وتهذيب الأحكام
للشيخ الطوسي ج8 ص 325 والذكرى (طبعة حجرية) ص 72.
([12])
بحار الأنوار ج 11 ص 204 وج 12 ص 311 وراجع ص 244 و 264 و 305
وج 79 ص 86 وج 43 ص 35.
([13])
بحار الأنوار ج 47 ص 249 و 250.
([14])
بحار الأنوار ج 11 ص 240 و 264.
([15])
الآية 85 من سورة يوسف.
([16])
الآية 85 من سورة يوسف.
([17])
من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج12ص178.
([18])
من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج12ص179.
([19])
الآية 24 من سورة يوسف.
([20])
دنيا الشباب ص36 وراجع الندوةج1ص304.
([21])
هذا الكلام مسجل بصوته، والشريط موجود لدينا.
([22])
الآية 31 من سورة يوسف.
([23])
الآية 31 من سورة يوسف.
([24])
الآية 201 من سورة الأعراف.
([25])
الآية 31 من سورة يوسف.
([26])
من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج 12 ص 206 ـ 208.
([28])
هذا القول قد جاء على لسان هذا البعض في شريط مسجل بصوته،
والشريط موجود أيضاً لدى مؤلف هذا الكتاب.
([29])
الآية 24 من سورة يوسف.
([30])
الآيتان 82 و 83 من سورة ص.
([31])
الآية 42 من سورة الحجر.
([32])
الآية 24 من سورة يوسف.
([33])
الآية 14 من سورة القصص.
([34])
راجع رد ذلك البعض على المرجع الديني الشيخ التبريزي ـ الرد
على السؤال السابع.
([35])
هذه النقاط مقتبسة مما ذكره علم الهدى في كتابيه تنزيه
الأنبياء (ط الأعلمي) ص80 ـ 85 وأمالي المرتضى ج1ص477 ـ 481.
([36])
الآية 14 من سورة القصص.
([37])
الآية 31 من سورة يوسف.
([38])
الآية 20 من سورة النور.
([39])
الآية 31 من سورة يوسف.
([40])
أمالي المرتضى ج1 ص481.
([41])
الآية 10 من سورة القصص.
([42])
الآية 58 من سورة يوسف.
([43])
من وحي القرآن (الطبعة الثانية ـ دار الملاك) ج 12 ص 234.
([44])
من وحي القرآن (الطبعة الثانية ـ دار الملاك) ج 12 ص 235.
([45])
وكذلك بنيامين، بناء على كونه نبياً.
|