صفحة : 107-156  

الفصل الثالث

موسى وهارون

285 ـ موسى «عليه السلام» ينكث العهد.

286 ـ موسى «عليه السلام» غير منضبط.

287 ـ خطأ موسى «عليه السلام» في موقفه.

288 ـ موسى «عليه السلام» لا يستفيد من التجربة الخاطئة الأولى.

289 ـ موسى «عليه السلام» لم يفهم الحدث ولم يفكر.

290 ـ علم الأنبياء والأئمة «عليهم السلام» محدود بحدود مسؤولياتهم.

291 ـ نسيان موسى «عليه السلام».

292 ـ النسيان حالة اضطرارية.

293 ـ موسى «عليه السلام» في دورة تدريبية.

294 ـ عدم أهلية موسى لمرافقة الخضر.

ويقول عن موسى والخضر :

«..وأحس موسى بالحرج الشديد لمخالفته للمرة الثانية، ونكثه بالعهد، قال: ﴿إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي﴾([1])، لأنني لن أكون أهلاً لمرافقتك فيما يمثله ذلك من عدم الإنضباط أمام الكلمة المسؤولة التي التزمت بها أمامك»([2]).

وقال عنه: «وها هو يعود إلى الإخلال بكلمته من جديد»([3]).

ويقول حكاية لقول العبد الصالح لموسى «عليه السلام»: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾([4])، ولماذا لم تستفد من التجربة الأولى التي عرفت فيها خطأ موقفك في اهتزاز مشاعرك أمام الحدث الذي لم تفهمه، ولم تفكر بأن من الممكن أن يكون له وجه آخر»([5]).

«ففي قصة الخضر هو العبد الصالح، هي أن الله أراد أن يدخل موسى في دورة تدريبية، حتى يفهم الجانب الثاني من الصورة»([6]).

وعن علم الأنبياء «عليهم السلام» والأئمة «عليهم السلام» ببعض مفردات علوم الحياة والإنسان، أو ببعض خفايا الأمور البعيدة عن عالم المسؤولية يقول:

«أما هذه الجوانب فلا دليل على ضرورة إحاطته بها، ولا يمنع العقل أن يكون لشخص حق الطاعة في بعض الأمور التي يحيط بها على الناس الذين يملكون إحاطة في أشياء أخرى لا يحيط بها، ولا تتعلق بحركة المسؤولية وربما كانت هذه القصة دليلا على صحة هذا الرأي الذي نميل إليه»([7]).

ويقول:

«..قال لا تؤاخذني بما نسيت، من عهدي لك، هذا موقف ثان للنسيان يعيشه موسى في ذاته، لأن النسيان حالة اضطرارية، لا يملك الإنسان معها عنصر الاختيار»([8]).

وقفة قصيرة:

ونقول:

قال الله تعالى حكاية لما جرى بين موسى «عليه السلام» والعبد الصالح:

﴿قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ..﴾([9]).

تفسير الآيات:

   قد قلنا: إنه إذا كان ثمة وجه صحيح ومعقول، ومنسجم مع دلالات الآيات القرآنية، فلماذا اللجوء إلى تفسير الآيات بطريقة توجب الشبهة، وتوقع في المحذور.

   ونحن نذكر فيما يلي عرضاً موجزاً لما ترمي إليه الآيات، دون أن يكون ثمة أي محذور عقائدي، فنقول:

   1 ـ إن المراد بالقصة المشار إليها في كلام هذا البعض هي قصة العبد الصالح وموسى «عليه السلام»، ومن الواضح: أن نسبة النسيان ـ بهذا المعنى ـ إلى موسى تعني نفي العصمة عنه من هذه الجهة، كما أن موسى لم ينكث العهد، لأنه لم يكن قد عاهد الخضر «عليه السلام» على السكوت على ما يراه مخالفاً لأحكام الشريعة، وحقائق الدين، وقد كان تكليفه الإلهي أن يعترض وأن يسأل.. وأن يظهر حساسية بالغة لصالح الإلتزام بالحكم الشرعي، ولو لم يعترض «عليه السلام» لم يكن أهلا لمقام النبوة والرسالة.

   2 ـ إن قول موسى «عليه السلام»: لا تؤاخذني بما نسيت، لايعني: أن المبرر لاعتراضه على الخضر هو النسيان وأنه يعتذر له منه، ولأجل ذلك لم يقل له: لا تؤاخذني بنسياني، بل قال: ﴿بِمَا نَسِيتُ﴾([10])، أي: بتركي العمل في المورد الذي كان علي أن أهمل الوعد فيه، وأزيحه عن ذاكرتي، لكي أبادر لمواجهة ما أراه من مخالفة للشرع، إذ لا يجوز لي في هذا الموقف إلاّ أن أبادر للردع عن المنكر الظاهر، فالمراد بالآية الإعتذار بالإنشغال بالأهم عن غيره..

3 ـ وحين أكّد له الخضر «عليه السلام» بصورة ضمنية على أن عمله ليس فيه مخالفة للحكم الشرعي، وأنه سيعرف باطن الأمر في الوقت المناسب، قبل منه ذلك، فلما تكرر ما ظاهره المخالفة كان لا بد من تكرار الإعتراض، عملا بالتكليف الإلهي، ولم يستعجل الحكم، ولا نكث العهد، ولا كان ذا فضول كما يقوله البعض.. ولا هو يعاني من عدم الإنضباط أمام الكلمة المسؤولة..

وأما بالنسبة للمرة الثالثة، فلم تكن امتداداً لما سبقها، بل كانت نتيجة اتفاق جديد بين العبد الصالح وبين موسى «عليه السلام»، حيث توافقا على الإلتزام بمضمون قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا﴾([11]

   حيث قد أصبح بإمكان موسى «عليه السلام» أن يعترض على العبد الصالح إن شاء، فتكون المفارقة بينهما، وبإمكانه أن يستمر معه.

   فاختار موسى الإنفصال، لا عن نسيان للوعد، بل عن معرفة به، والتفات إليه..

والمراد بالنسيان في الآية هو: الترك والإهمال، ولو ظهر بصورة العمل الذي يصفه الناس ـ عادة ـ بأنه نسيان، ولم يكن في واقعه وحقيقته كذلك، وهذا العمل هو وضع هذا الوعد جانبا، والمبادرة لإنجاز التكليف الشرعي الحاضر، الذي هو الأهم.

فالتعبير بالنسيان لا يراد به الإخبار عن حدوثه، بل الإخبار عن العمل الذي يراه الناس كذلك، وإن لم يكن في واقعه كذلك.

4 ـ ولعل نجاح موسى «عليه السلام» الباهر في هذا الإمتحان هو الذي أظهر أهليته لمقام النبوة والرسالة، وعرّفنا على سر اصطفاء الله له من بين سائر قومه ليكون نبياً من أولي العزم.

5 ـ كما أنه لا ربط لهذه الآية بموضوع علم الأنبياء والأئمة، وإنما هي ترتبط بموضوع تنجز التكليف في ما يرتبط بالمعذرية أمام الله سبحانه، لكي يكون العمل عن حجة ظاهرة لكي لا يصبح ذريعة للجبارين والظالمين.

295 ـ إحتمال ارتكاب النبي موسى «عليه السلام» جريمة دينية.

296 ـ الآلام النفسية لموسى «عليه السلام» بسبب عملية القتل.

297 ـ جريمة موسى «عليه السلام» في مستوى الخطيئة.

298 ـ الخطأ غير المقصود لموسى «عليه السلام».

299 ـ موسى«عليه السلام» يستجيب للوسوسة الخفية بالقتل.

ثم إن هذا البعض يقرر أن النبي قد يكون مجرما، ويحتمل أن يكون قد ارتكب جريمة قتل نفس بريئة، فهو يقول عن موسى:

«ولكن هل كان يشعر بالذّنب لقتله القبطي، باعتبار أن ذلك يمثل جريمة دينية في مستوى الخطيئة التي يطلب فيها المغفرة من الله؟! أو أن المسألة هي أنه يشعر بالخطأ غير المقصود الذي كان لا يجب أن يؤدي إلى ما انتهى إليه مما يجعله يعيش الألم الذّاتي تجاه عملية القتل..».

إلى أن قال:

«إننا نرجح الإحتمال الثاني»([12]).

وهذا يعني أن الإحتمال الأول لا يزال واردا، ولكنه مرجوح!!

ويقول عن وسوسة الشيطان لموسى «عليه السلام» بقتل القبطي:

«أما حديث التأثير الشيطاني في الأشياء من خلال آية المائدة فلا يدل على المقصود، فإن الظاهر إرادة الإرتباط بهذه الأشياء في الجانب العملي من خلال وسوسته للإنسان في الأخذ بها بالطريقة المضادة لمصلحته، وهذا هو الذي نفهمه من آية موسى «عليه السلام» لأن قتله للقبطي قد يكون ناشئا من الوسوسة الخفية فيما تصنعه من حالة الإثارة التي تقود إلى ذلك»([13]).

   ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ ([14]).

وإذا قرأنا هذه الآيات الشريفة، فإننا نذكر القارئ بما يلي:

1 ـ إن الاحتمال الأول باطل جزما، إذ لا يحتمل في حق نبي أو وصي أن يكون قاتلا أو مرتكبا لجريمة دينية.. لأن احتمال المعصية الكبيرة في حق المعصوم كالقول ـ بوقوعها ـ مناف للقول بالعصمة.

فلو أن ذلك البعض قد ذكر هذا الإحتمال وبادر إلى ردّه وإبطاله بصورة حاسمة، لم يكن ثمّة إشكال.. ولكنه لم يفعل ذلك، بل أبقاه احتمالا واردا، وله درجة من المقبولية، إلى درجة أنه بعد التأمل يكتفي بترجيح الإحتمال الآخر عليه، ولا يمكن قبول هذا الأمر في حق الأنبياء ولو على مستوى الإحتمال.

2 ـ إن من البديهي: أن الآيات الكريمة لا تؤيد ما ذكره، بل فيها ما يدل على خلافه، وأن الشيطان لم يوسوس لموسى «عليه السلام»، ولا ارتكب موسى «عليه السلام» جريمة دينية، ولا أخطأ، ولا غير ذلك مما احتمله هذا البعض. وذلك لأن هذه الآيات بدأت بذكر إعطاء موسى «عليه السلام» حكما وعلما جزاءً على إحسانه، ثم ذكرت ما جرى له مع ذلك الرجل الذي هو من عدوه، فهي تقول: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾([15]).

3 ـ ثم ذكرت الآية التي بعدها هذه القصة، وصرحت بأن المقتول كان رجلا من الأعداء، فهي تقول: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾([16]).

والمراد بالعداوة عداوة الدين والإيمان.

4 ـ وقوله: ﴿هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ يقصد به: أن الإقتتال بين الرجلين قد نشأ من وسوسة الشيطان، الذي حرّض على الفتنة، حتى انتهى الأمر إلى القتال بين الرجلين، اللذين أغاث موسى «عليه السلام» أحدهما، الذي كان من شيعته على الذي من عدوّه، ولا يقصد به أن موسى «عليه السلام» نفسه قد تأثر بالشيطان، فإن كلمة هذا ليست إشارة إلى القتل، وإنما هي إشارة إلى القتال الذي بدأه العدو، وانتهى بمبادرة موسى «عليه السلام» لنصرة ذلك المظلوم.

5 ـ إن موسى «عليه السلام» بنصرته لذلك المظلوم، لم يكن مجرما ولا مخطئا، وإنما كان يطيع أمر الله، ويعمل بتكليفه وواجبه الشرعي في دفع الكافر الظالم عن المؤمن المظلوم ولو أدى ذلك إلى قتل هذا الكافر.

    وقد روي عن الإمام الرضا «عليه السلام» قوله: «فقضى على العدوّ بحكم الله تعالى ذكره، فوكزه موسى فقضى عليه »، وحينما قال له فرعون: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾([17]). أجابه هازئاً ومستنكراً مردداً قول فرعون بصيغة السؤال: ﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾([18]). ﴿فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾؟!([19]).

   ولو لم يكن ذلك، فلا معنى لإقحام كلمة (إذا) التي يراد بها ردّ الكلام على قائله، على سبيل الإنكار عليه.

   6 ـ ومما يشير إلى ذلك أيضاً: أن موسى «عليه السلام» حين قتل الذي من عدوه لم يكن من الضالين.. بل كان الله قد آتاه حكما وعلما.. كما ذكرت الآيات.

   كما أنه «عليه السلام» قد كان من عباد الله المحسنين، فاستحق المكافأة على إحسانه، فلم يكن ليظلم غيره، فيقتل نفساً بريئة ويرتكب جريمة دينية!!!

   7 ـ فما حكاه الله سبحانه عن موسى «عليه السلام» بعد تلك الحادثة بقوله: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ﴾([20])، يراد به: أنه قد انتهى به الأمر بدخوله المدينة، ثم بقتله للذي من عدوّه، إلى أن يحتاج إلى تدخل إلهي ليستره عن عيون الفراعنة، الذين يطلبونه.. فقد صدر منه فعل له عواقب تعود على النفس بالمشقة والمتاعب، ويحتاج إلى ستر الله سبحانه، وإلى معونته، وقد روي عن الإمام الرضا «عليه السلام» في تفسير هذا الموضع قوله: ﴿فَاغْفِرْ لِي﴾، أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي، فيقتلوني، ﴿فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، ومعنى الغفران: الستر، وسمي المِغفَر ـ الذي يستعمل في الحرب ـ مغفراً لأنه يستر الرأس، ويقيه ضرب السيوف.

ولو صح منه «عليه السلام» طلب المغفرة من الذنوب، فقدعرفت أنها إنما تكون من المعصومين بمعنى دفع المعصية عنهم، لا رفع آثارها بعد وقوعها منهم.

8 ـ ثم إن موسى «عليه السلام» يصر على مواصلة الطريق في نصرة المظلومين، ويقطع على نفسه عهدا بذلك فيقول: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ أي بهذه الحماية والستر، ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾([21]) وسوف أستمر.. يقول الإمام الرضا «عليه السلام»: رب بما أنعمت علي من القوة حتى قتلت رجلاً بوكزة، فلن أكون ظهيراً للمجرمين بل أجاهدهم بهذه القوة حتى ترضى.

9 ـ ثم وجد موسى «عليه السلام» ذلك الرجل الذي استنصره بالأمس يستصرخه اليوم على آخر، فعاتبه على دخوله في هذا النزاع الجديد بقوله: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾([22])، لا تسلك سبيل الرشد ولماذا لا تتفادى المشكلات مع أعداء الله بحكمة وروية؟ ثم بادر موسى «عليه السلام» ليبطش بعدوّ الله، فظن المؤمن أنه يريد البطش به هو، لأنه كان قد أنّبه قبل ذلك، لا البطش بعدوّه، فقال له: ﴿أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾([23])، فسمعها الذي من عدوّه وذهب إلى فرعون وأخبره بالأمر.

وهكذا يتضح: أن الآيات المذكورة بعيدة عن إفادة تلك القضايا التي حاول البعض استفادتها منها، حتى احتمل بحق نبي من أولي العزم ما لا يصح نسبته إلى من رتبته دون ذلك بكثير، والإستيحاء من الآيات إذا كان على هذا النحو، فهو غير مقبول، لا عقلاً ولا شرعاً.

300 ـ خطأ الأنبياء في تقدير الأمور.

301 ـ العصمة إنما هي فيما يعتقد أنه معصية.

302 ـ الجهل المركب عند الأنبياء.

303 ـ نقاط ضعف الأنبياء في حياتهم العملية.

304 ـ الضعف البشري عند الأنبياء.

305 ـ جهل النبي بتكليفه الشرعي.

ثم هو يتحدث عن خطأ الأنبياء في تقدير الأمور، فيقول:

«وتبقى لفكرة العصمة بعض التساؤلات: كيف يخطئ هارون «عليه السلام» في تقدير الموقف وهو نبي؟! أو كيف يخطئ موسى «عليه السلام» في تقدير موقف هارون «عليه السلام»، وهو النبي العظيم؟‍! وكيف يتصرف معه هذا التصرف؟!

ولكننا قد لا نجد مثل هذه الأمور ضارة بمستوى العصمة، لأننا لا نفهم المبدأ بالطريقة الغيبية التي تمنع الإنسان من مثل هذه الأخطاء في تقدير الأمور، بل كل ما هناك: أن لا يعصي الله فيما يعتقد أنه معصية، أما أنه لا يتصرف تصرفاً يعتقد أنه صحيح ومشروع، فهذا ما لا نجد دليلاً عليه.

   بل ربما نلاحظ في هذا المجال: أن أسلوب القرآن في الحديث عن حياة الأنبياء «عليهم السلام»، في نقاط ضعفهم في حياتهم العملية قد يؤكد الحاجة إلى الإيحاء بأن الرسالة لا تتنافى مع بعض نقاط الضعف البشري في الخطأ في تقدير الأمور»([24]).

ونقول:

إذا جوّزنا على النبي أن يقع في التصرف الخاطئ، وإن اعتقد أنه صحيح ومشروع، فلازم ذلك: أن لا يكون فعل النبي حجة، مع أن من المسلّم به: أن سيرة المعصومين بأجمعهم حجة وطريق إلى أحكام الله تعالى.. هذا كله عدا عما تقدم في مختلف العناوين التي استخلصناها من كلمات ذلك البعض فلتراجع.

   وسنتحدّث بإيجاز بعد الفقرة التالية عن حقيقة موقفي هارون «عليه السلام» وموسى «عليه السلام»، حيث سيظهر: أن الآيات تدل على خلاف ما ينسبه هذا البعض إلى أنبياء الله سبحانه، فانتظر.

306 ـ إختلاف نبيَّين في الرأي في مسألة واحدة.

307 ـ موسى «عليه السلام» يغضب لله سبحانه على هارون «عليه السلام».

308 ـ موسى «عليه السلام» يحمّل هارون مسؤولية ضلال قومه.

309 ـ هارون «عليه السلام» يتساهل مع قومه وموسى يعنف.

310 ـ موسى «عليه السلام» يشعر بالحرج مما صدر منه.

311 ـ لو احتاط موسى وهارون لكانت النتائج أفضل.

312 ـ خطأ موسى أو هارون «عليهما السلام» في تقدير الموقف.

313 ـ مرة أخرى العصمة لا تمنع من الخطأ في تقدير الأمور.

314 ـ الجهل المركّب لدى الأنبياء «عليهم السلام».. ثانية.

315 ـ لا يفهم العصمة بالطريقة الغيبية.

316 ـ هارون «عليه السلام» مقصر لكنّه ليس بعاصٍ.

ويقول ذلك البعض:

«وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، في تعبير صارخ عن الحالة النفسية التي كان يعيشها موسى إزاء ما حدث.. وربما تحدّث الكثيرون عن مبدأ العصمة في شخصيته كنبيّ.. وعن التساؤل الإيماني، في مدى انسجام هذا التصرف الغاضب مع هذا المبدأ.. ولكننا لا نجد هناك تنافياً بينهما إذا أردنا أن نأخذ القضية ببساطة تحليلية بعيداً عن التعقيد والتكلف.. فموسى بشر يغضب كما يغضب البشر، ولكن الفرق بينه وبينهم: أن لغضبه ضوابط في التصرفات، فلا يتصرف بما لا يرضي الله، وفي الدوافع فلا يغضب إلا لما يرضاه الله.. وقد غضب على قومه لله.. وعلى أخيه هارون لنفس الغرض.. لأنه اعتبره مسؤولاً عما حدث، من خلل التساهل معهم، وعدم ممارسة الضغط الشديد عليهم، ومنعهم من ذلك. فقد كان تقديره: أن رفع درجة الضغط يمكن أن تساهم في منع ما حدث.. ما لم يقم به هارون.. فكان موسى منسجماً مع نفسه، ومع دوره، وصفته.. فيما اتخذه من إجراء مع هارون.. ولكن هارون كان له رأي آخر.. فقد وقف ضدّهم، وواجههم بكل الوسائل التي يملكها في الضغط عليهم.. ولكنهم كانوا لا يهابونه كما يهابون موسى من خلال شخصيته القوية، فيما عاشه من عنف المواجهة مع فرعون، حتى قهره».

إلى أن قال:

«..﴿قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ..﴾. فلم أفعل ما أحاسب عليه، لأن الظروف كانت أقوى من قدرتي.. فقاومت حتى لم يعد هناك مجال للمقاومة.. وجابهت.. حتى كدت أن أقتل.. فإذا تصرّفت معي بهذه الطريقة.. فإن ذلك سوف يكون دافعاً لشماتة الأعداء بي.. لأنني قاومتهم وجابهتهم.. وها هم يرونني أمامك واقفاً وقفة المذنب من دون ذنب.. فلا تفعل بي ذلك ﴿وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾([25])، لأني قمت بما اعتقدت أنه مسؤوليتي من دون تقصير..

   وشعر موسى بالحرج.. وسكن غضبه.. فرجع إلى الله يستغفره، لنفسه ولأخيه، لا لذنب ارتكباه.. ولكن للجوّ الذي ابتعد فيه القوم عن الله، من خلال الفكرة التي كانت تلح عليهما.. فيما لو كان الإحتياط للموقف أكثر، فقد تكون النتائج أفضل..».

إلى أن يذكر هنا ما تقدم قوله آنفاً من قوله:

«وتبقى لفكرة العصمة.. بعض التساؤلات».

إلى قوله: «في الخطأ في تقدير الأمور»([26]).

   ويقول البعض أيضاً:

«ربما كانت القضية على أساس أنه اعتبر أن هارون قصّر، وليس من الضروري أن يكون تقصيره معصية..».

   إلى أن قال:

«هارون عنده تقييم معين للمسألة، وانطلق فيها من حالة أنه قال: ﴿إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾([27])، ولهذا واجه القضية بطريقة لينة.

   وكان موسى «عليه السلام» يعتقد على أنه لازم تواجه القضية بقوة، لأن بني إسرائيل لا يفهمون إلاّ بلغة القوة الخ..»([28]).

وقفة قصيرة:

إن من الواضح: أن مخالفة هارون لموسى، الذي هو إمام لهارون، إنما تعني التأسيس لتجويز مخالفة كل مأموم لإمامه، وتبرير خروجه عليه. أضف إلى ذلك أن الإختلاف في الرأي هنا يستبطن وجود مخطئ ومصيب، فبأيهما تكون الأسوة والقدوة للناس والحالة هذه، والمفروض أن كلاً منهما نبي ومعصوم!!؟

وأضف إلى ذلك أيضاً: أنه إذا كان اختلاف الرأي يرتبط بالدعوة وأسلوبها، فذلك يعني أن هذا النبي يجهل تكليفه الشرعي، فكيف يمكنه تبليغه للناس، وإعلامهم به؟! ألا يلزم من ذلك تبليغ حكم خاطئ لا واقع له؟!

والذي نقوله نحن هنا هو:

إنه لم يكن ثمة اختلاف في الرأي، فيما بين موسى وهارون «عليهما السلام»، ولا كان ثمّة جهل بالتكليف الشرعي، ولا غير ذلك مما تقدم، فإن الإختلاف في الموقف تجاه الواقعة الواحدة، ينبئ عن جهل بالحكم الشرعي، في كيفية التعاطي مع بني إسرائيل.

كما أن اتهام نبي بالتساهل في القيام بمهماته، وتسببه في ما حصل للناس، من انحراف وضلال تعتبر تهمة خطيرة على مستوى الإعتقاد في الأنبياء وفي النبوات بصورة عامة، بل في هذا اتهام صريح لحكمة الله تعالى، حيث أرسل مع موسى من ينقض غرضه في تبليغ الرسالة، ويكذب توقعاته فيه، كما جاء في الآية الكريمة: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ ([29]).

   ومهما يكن من أمر، فإن الآيات الشريفة قد فسرت على غير وجهها الصحيح، إذ إنّ ما أظهره موسى «عليه السلام» تجاه أخيه هارون «عليه السلام» لم يكن سببه الإختلاف في الرأي بينهما في كيفية المعاملة، بل كان من أجل إظهار خطر ما صدر منهم، ومدى بشاعة الجريمة التي ارتكبوها.. ثمّ من أجل إظهار براءة هارون «عليه السلام»، وتحصينه من نسبة القصور أو التقصير إليه.

وقد بين موسى «عليه السلام»: أنه لم يتهمه بمعصية أمره ليستحق ـ بزعم البعض ـ هذه المواجهة القاسية، وهذا العتاب والتوبيخ بهذه القوة، بل وجّه إليه سؤالا عن ذلك ليسمع الناس جوابه الذي يتضمن برهانا إقناعيّا يدل على دقّته، وحسن تقديره للأمور، وقد قبل موسى منه ذلك بمجرد تفوهه به، ودعا لنفسه وله، كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾([30]).

﴿..رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾([31]).

وأما ما زعمه هذا البعض من أن هارون «عليه السلام» كان يرى لزوم معاملتهم باللين، وكان موسى «عليه السلام» يرى لزوم الشدة في ذلك، فهو لا يصح، وذلك لما ذكرناه آنفا، ولأن هارون قد وصل معهم إلى درجة المواجهة، حتى لقد قال لأخيه موسى: ﴿إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي﴾([32]).

وأما القول: بأن موسى «عليه السلام» قد غضب على أخيه هارون «عليه السلام»، وكان غضبه لله سبحانه وتعالى، فذلك يعني: أنه «عليه السلام» كان يتهم أخاه النبي هارون «على نبينا وآله، وعليهما صلوات الله سلامه» بارتكاب المعصية، ويحمّله مسؤولية ما جرى، ويتهمه بالتساهل والتخلف عن أن يكون عضداً له، يشد أزره، ويشركه في أمره، وذلك مما لا يمكن قبوله في حق الأنبياء.

وهكذا يتضح: أن كل ما ذكره ذلك البعض أجنبي عن دلالة الآيات.

317 ـ أصول العقيدة تعرف بالسمع لا بالعقل.

318 ـ لا دليل يصرف معنى الرؤية عن الرؤية الحسية.

319 ـ النبي موسى «عليه السلام» لا يعرف: أن الله لا يرى.

320 ـ الله يعلّم أنبياءه أصول العقيدة بالتدريج.

321 ـ لا يبعد أن سؤال موسى عن رؤية الله الحسية.

322 ـ وأيضاً.. نقاط الضعف لدى الأنبياء.

323 ـ الله يسلط نوره على الجبل فكيف لو تسلط عليه بنفسه؟!

324 ـ موسى والتحاليل الفلسفية والمعادلات العقلية في استحالة تجسد الإله وإمكانه.

ويقول ذلك البعض:

«﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ..﴾([33]).. ووصل موسى إلى الموعد الذي أعطاه الله له.. وكلمه ربه.. فيما يريد أن يوحي به إليه.. واندمج موسى في الجوّ الإلهي.. وشعر بالسعادة الغامرة تغمر قلبه.. ففاضت روحه بالأشواق الروحية، فيما توحيه كلمات الله إليه.. وفيما تمثله من معاني القرب من الله، والوصول إلى الدرجة العليا من رضوانه.. وبما توهج في كيانه من إشراق النور الإلهي في لحظة روحية حالمة.. فطلب من ربه أن ينظر إليه.. فقال: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ﴾([34]). فقد خيل إليه: أن من يسمع كلام الله، يستحق أن يراه.. أو يمكن له أن يطلب رؤيته..

وهنا يقف المفسرون وقفة حيرة فلسفية كلامية.. فكيف يمكن لهذا النبي العظيم أن يطلب مثل هذا الطلب المستحيل من ربه.. وهو يعرف من خلال سموّ درجته، ورفعة منزلته في عالم المعرفة بالله: أن الله ليس جسداً مادياً محسوساً لتمكن رؤيته.. فهو ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾؟!([35])..

وأجاب بعضهم: أن المراد بالنظر: الرؤية القلبية التي هي كناية عن العلم الواسع بالحقيقة الإلهية..

وأجاب آخرون: بأنه لم يسأل انطلاقاً من قناعة بالسؤال، أو انسجام(اً) معه.. بل كان سؤاله استجابة لسؤال قومه الذين رافقوه إلى الموعد الإلهي.. فأراد أن يجعلهم وجهاً لوجه أمام الجواب الصاعق على هذا السؤال..

ولكننا لا نستبعد أن يسأل موسى هذا السؤال.. فقد لا نجد من البعيد في مجال التصور والإحتمال أن لا يكون قد مرّ في خاطر موسى مثل هذا التصور التفصيلي للذات الإلهية.. لأن الوحي لم يكن قد تنزل عليه بذلك.. ولم يكن هناك مجال للمزيد من التحاليل التأملية للجانب الفلسفي من المعادلات العقلية التي تتحدث عن استحالة تجسد الإله أو إمكانه.. لأن ذلك قد لا يكون مطروحاً لدى موسى «عليه السلام».. ونحن نعرف، تماماً، معنى التكامل التدريجي للتصور الإيماني في شخصية الرسول الفكرية..

ولهذا، فإننا نحاول هنا: أن نسجل تحفظنا على الكثير من الأحكام المسبقة التي تحاول تطويق النص القرآني ببعض الإستبعادات الذاتية.. كما في مثل هذه الآية.. فإننا نلاحظ: أن تصورنا لشخصية الأنبياء، يبدأ من القرآن، فيما يحدثنا عنهم من أحاديث، ويسبغه عليهم من صفات. فهو المصدر الأساس الأمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..

ونحن نرى: أن الحديث القرآني يركز في بعض نقاطه على نقاط الضعف لدى الأنبياء كما يركز على نقاط القوة عندهم.. من موقع البشرية التي يريد القرآن أن يركزها في التصور القرآني في أكثر من اتجاه.. فهل نريد أن ندخل في مزايدة كلامية على القرآن، فيما يتعلق بمثل هذه الأمور.. فنفرض لأنفسنا تصورات معينة للأنبياء، ثم نحاول تأويل كلام الله بطريقة لا يتقبلها النص في بعض الأحيان..

إننا نفهم التأويل حملاً للفظ على خلاف الظاهر، على أساس المجاز أو الكناية أو ما يقترب منهما.. ولا بد للخروج من الظاهر: أن يكون هناك دليل لفظي أو عقلي حتى نصرف اللفظ عن الظاهر من خلاله.. ولا نجد شيئاً من هذين في موضوع هذه الآية، فليس هناك مانع من إرادة النظر بالمعنى الحسي فيما طلبه موسى. بل هو الظاهر الواضح جداً في أجواء الآية من خلال التجربة التي قدمها الله أمامه، فيما تعطيه كلمة التجلي من أجواء استحالة الرؤية البصرية فيما وجّهه الله للجبل من نوره الذي لا يستطيع الجبل أن يتماسك معه.. فكيف لو كان التجلي له ـ سبحانه ـ.. ثم لو كان المراد الرؤية القلبية لما كان هناك وجه قريب لهذه التجربة في انهيار الجبل، فيما تعطيه من معنى مادي للمسألة.. لأن الجبل لا يحمل أي جوّ للجانب القلبي في الموضوع في تأثره بنور الله.. ﴿قَالَ لَنْ تَرَانِي﴾([36]).. لأن الرؤية لا تكون إلا للمحدود الذي يحمل خصائص مادية، فيما يستحيل فرضه بالنسبة إلى الله الذي ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾([37]).. و ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾([38]) ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾([39]). إنها التجربة التي تعطي لموسى فكرة توضيحية للمسألة المطلوبة.. ولكن من جانب آخر.. فقد أراد الله له أن ينظر إلى هذا الجبل العظيم.. وهو يتهاوى قطعة قطعة حتى يتحول إلى رميم أمام التجلي الإلهي الذي قد يكون كناية عن تسليط نوره عليه.. فكيف يمكن لمخلوق مثله أن يواجه نور الله.. فضلاً عن أن يواجه الله بذاته ـ لو كان ذلك أمراً ممكناً»؟!([40]).

وقفة قصيرة:

إن موضوع رؤية الله سبحانه، وصفاته، وأصول العقيدة، هي من الأمور التي يدركها العقل، وبه تعرف، وليست مما يعرف بالسمع، إلا من حيث تأكيد حكم العقل، والإرشاد إليه.

إذن.. كيف لم يكن موسى النبي «عليه السلام»، الذي سبق له مواجهة فرعون، المدعي للربوبية، كيف لم يكن يعرف ـ على حد قول البعض ـ إلى مضي زمن طويل من نبوته أن الله سبحانه لا يرى؟!

فهل يعقل أنه لم يخطر في بال موسى أن يستعد لمواجهة طلب محتمل جدا من فرعون ومن بني إسرائيل رؤية هذا الإله الذي كان يأتيه جبرئيل بالأوامر والتوجيهات والتوجهات من قبله، ولم يطلب من جبرئيل أن يجمعه به ويتحدث إليه!!

ويقول:

«لذلك فإن الله تعالى لم يعرِّف موسى حتى ذلك الوقت أنه لا يرى»([41]).

«ولا ندري لماذا لم يكن قد مر في خاطر موسى هذا التصور التفصيلي للذات الإلهية؟! وكيف خيّل إليه ذلك في هذا الوقت بالذات، ولم يخيل ذلك قبل هذا الوقت؟! ولماذا لم يعرفه الله ذلك في بدايات نبوته وانتظر إلى أن مضت هذه المدة كلها؟! وهل يمكن أن يرسل تعالى نبياً لا يعرفه حق المعرفة؟! وهل يمكن أن نقبل ممن لا يعرف أصول الدين وصفات الباري تعالى أن يكون مرشداً دينياً في قرية؟! فكيف نرتضي أن يكون نبياً لله سبحانه ـ فضلاً عن أن يكون نبياً من أولي العزم ـ أرسله الله إلى فرعون مدعي الربوبية؟! وكيف نسي فرعون، ومن معه، أن يسألوه عن هذا الإله الذي أرسله، من هو، وأين وكيف هو؟!.

وكيف يمكن أن نفهم تعليل ذلك البعض وتوضيحه لهذا الأمر بقوله: إن الله كان يعرِّف أنبياءه أصول العقيدة وصفاته بالتدريج»([42]).

ومن أين عرف هذا البعض، هذا الأمر التاريخي المرتبط بالتعاطي التعليمي لله سبحانه مع أنبيائه؟!!

وهل صحيح أن أصول العقيدة تعرف بالسمع؟! وبالتدريج؟! أَوَلا يوجد دليل عقلي يمنع عن الأخذ بظاهر الآية ويصرف الرؤية عن ظاهرها؟!

   وهل كان هذا الطلب اقتراحاً من موسى مباشرة؟! أم كان استجابة لطلب قومه منه، ليؤكد لهم بصورة عملية عدم صحة طلب كهذا؟!

325 ـ ربما كان القبطي مستحقاً للقتل. (أي وربما كان لا يستحق القتل، فيكون قتله جريمة).

326 ـ موسى يفعل أمراً محرّماً بغير قصد.

327 ـ موسى «عليه السلام» يقر على نفسه بالضلالة وعدم الهدى.

328 ـ موسى يعترف بجهله بالنتائج السلبية لقتله القبطي.

329 ـ كان موسى حين قتل القبطي ضالاً، لم يحدد لنفسه الطريق المستقيم المنطلق من قواعد الشريعة.

330 ـ الضعف البشري قبل النبوة بسبب فقد الهداية التفصيلية.

331 ـ موسى ارتكب ما لو كان في الموقع الذي هو فيه بعد النبوة لما فعله.

332 ـ لم يكن قتل القبطي ضرورياً.

يقول البعض:

«..كيف اعترف موسى على نفسه بالضلال؟!         ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا﴾. أي حينئذ ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ ([43]). أي الجاهلين بالنتائج السلبية التي تترتب عليّ فيما أدى إلى أكثر من مشكلة اعترضت حياتي وأبعدتني عن أهلي وبلدي، مع أن القضية كانت تحل بغير ذلك.. فلم أفعلها في حال الرسالة لتكون تلك نقطة سوداء تسجلها علي في موقعي الرسالي، بل فعلتها قبل أن يلهمني الله الهدى المتحرك في خط الرسالة، عندما كنت ضالاً لم أحدّد لنفسي الطريق الواضح المستقيم المنطلق من قواعد الشريعة المنزلة القائمة على التوازن فيما يصلح الإنسان أو يفسده..

وبذلك نستوحي من الفقرة في الآية: أن الضلال ليس بالمعنى الوجودي المضاد الذي يعبر عن الإنحراف، بل بالمعنى السلبي المعبر عن عدم معرفة طريق الهدى، الذي يضيء عمق الأمور على أساس المصلحة الحقيقية للإنسان.

القرآن يثير نقاط الضعف البشري في الأنبياء..      وفي ضوء ذلك، نفهم كيف يقدّم لنا القرآن شخصية النبي من نقاط الضعف البشري قبل النبوة، عندما كان بعيداً عن الإهتداء التفصيلي بالشريعة والمنهج، خلافاً للفكرة المعروفة لدى الكثيرين من العلماء الذين لا يوافقون على أن النبي يمكن أن يضعف أمام عوامل الضعف الذاتي قبل النبوة أو بعدها، حتى فيما لا يشكّل معصية، أو انحرافاً خطيراً عن الخط المستقيم.

   وهكذا واجه موسى الموقف بشجاعة الإعتراف بما فعله قبل أن يُبعث بالرسالة، ويهتدي بالحق من خلال الوحي النازل من الله.. فلم يسقط أمام التحدي الذي وجهه فرعون للرسالة على أساس ما وجهه لشخصه من عمل سابق.. بل أكده في مواقعه الذاتية قبل الرسالة قبل أن ينزل عليه الهدى الذي يدعو إليه الناس الآن، فارتكب ما ارتكبه في الجوّ الذي لو كان في الموقع الذي هو فيه الآن لما فعله، لا لأنه فعل حراماً، فلم يكن متعمداً للمسألة، وربما كان الشخص يستحق القتل، بل لأنه لم يكن ضرورياً بالمستوى الذي وصلت إليه القضية في نتائجها السلبية على مستوى حياته الشخصية فيما أدت إليه من إرباك وتعقيد..»([44]).

وقفة قصيرة:

   إن ما ذكره هذا البعض قد تضمن عدة نقاط لا يمكن قبولها وهي التالية:

1 ـ قلنا فيما تقدم من هذا الكتاب: إن جواب موسى «عليه السلام» لفرعون، حين ذكر فعلته بقتله للقبطي: ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾([45]). يراد به السخرية من كلام فرعون بقرينة كلمة (إذن).

وقد شرحنا ذلك هناك بما يناسب المقام، فليراجع.

ولم يكن موسى «عليه السلام» بصدد الإعتراف بالجهل بالنتائج السلبية لما فعله، فإنه حتى الإنسان الغبي يدرِك النتائج المترتبة على قتل إنسان مّا من أيّ فئة كانت، فكيف إذا كان يعلم أن وراء هذا المقتول أمة بأسرها، بما فيها حاكمها المستكبر المدعي للألوهية؟!

2 ـ ولا ندري كيف حكم هذا البعض على موسى «عليه السلام» أنه حين قتل القبطي كان ضالاً لا يعرف قواعد الشريعة؟!

مع أن هذا البعض قد فسر قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا﴾([46]) ـ في مسألة قتل الغلام مع العبد الصالح بحضور موسى ـ بأنه قتل النفس أمر ينكره العقل والشرع والعرف، الأمر الذي يبطل كلامه هنا.

   ألم يكن موسى «عليه السلام» على علم بشريعة إبراهيم التي كان البشر كلهم مطالبين بالعمل بها؟!

   ولنفترض: أنه لم يكن على علم بتفاصيل أحكام الشريعة الربانية، فهل كان ما فعله من الأمور الغامضة، التي تحتاج في الإقدام عليها إلى معرفة تفاصيل الشريعة؟!

    وهل كان يحتمل أحد: أن تأبى الشريعة قتل هذا الكافر المحارب المتعدي على الأبرياء، والذي يحاول قتلهم؟!

   3 ـ كيف عرف هذا البعض: أن موسى «عليه السلام» قد ارتكب قبل النبوة ما لا يفعله بعدها؟! فإن هذا الحكم الجازم ليس له ما يبرره! كما أن هذا مخالف لما عند الشيعة الامامية من أن النبي معصوم مطلقاً قبل البعثة وبعدها.

   4 ـ ومن أين عرف: أن موسى «عليه السلام» لم يكن نبياً من أول أمره؟!

   5 ـ ومن أين عرف أيضاً: أن قتل القبطي لم يكن ضروريا حتى أدركه هو، ولم يدركه موسى آنذاك؟!.

   6 ـ ومن أين استنتج: أن قتل القبطي عائد إلى وجود ضعف بشري لدى موسى «عليه السلام» قبل نزول النبوة، ثم استنتج من ذلك بطلان ما يذهب إليه البعض من تنزيه الأنبياء عن أي ضعف بشري قبل النبوة وبعدها؟!

   وهل هذه إلا دعوى ليس لها ما يبررها، لا من عقل ولا من نقل؟!

   كما أنه هو نفسه يصرح في نفس كتابه  «من وحي القرآن» بأن كل ما كان يريده موسى هو أن يدافع عن الذي من شيعته، ويخلصه من بين يدي القبطي، فحصل القتل منه من دون قصد.

إذن، فلم يكن في الأمر جريمة ناتجة عن ضعف بشري ولا غيره..

   7 ـ وأخيراً، فإن هذا البعض يجوّز على الأنبياء أن يرتكبوا جرائم قبل النبوة حتى بمستوى قتل النفس البريئة، وفقاً لما احتمله في كتابه في هذا المورد بالذات، وهذا أمر مرفوض في عقائد الشيعة الإمامية كما هو معلوم، إذ قتل النفس المحترمة هو من الكبائر التي توعّد الله فاعلها بالنار؟!

333 ـ غريزة الفضول لدى موسى «عليه السلام».

334 ـ لا دليل على ضرورة علم النبي بما لا يتصل بمسؤولياته من علوم الحياة والإنسان.

335 ـ يمكن أن يكون لمن لا يعلم بعض الأمور حق الطاعة على العالم بأمور أخرى.

336 ـ القرآن لا يتحدث عن الأنبياء، من خلال الكمال القريب من المطلق.

337 ـ القرآن لا يتحدث عن الأنبياء من خلال الأسرار الخفية.

338 ـ موسى استعجل المعرفة قبل توفّر عناصر النضوج لديه.

339 ـ استعجال موسى من شأنه أن يحوّله إلى إنسان سطحي في تفكيره.

يقول البعض:

   «..ولكنّ هنالك رأياً، يقول: إن العقل لا يفرض، في مسألة القيادة والإمامة والطاعة، إلا أن يكون الشخص الذي يتحمل هذه المسؤوليات محيطاً بالجوانب المتصلة بمسؤولياته، فيما لا يحيط به الناس إلا من خلاله.. أما الجوانب الأخرى من جزئيات حياتهم العامة، أو من مفردات علوم الحياة والإنسان، أو من خفايا الأمور البعيدة عن عالم المسؤولية، أمَّا هذه الجوانب فلا دليل على ضرورة إحاطته بها.. ولا يمنع العقل أن يكون لشخص حق الطاعة في بعض الأمور التي يحيط بها، على الناس الذين يملكون إحاطة في أشياء أخرى لا يحيط بها ولا تتعلق بحركة المسؤولية..

   وربما كانت هذه القصّة دليلاً على صحة هذا الرأي الذي نميل إليه، كما يميل إليه بعض العلماء القدامى.. لأنه يلتقي بالجو القرآني الذي يتحدث عن الأنبياء بطريقة معينة بعيدة عما اعتاده الناس في نظرتهم إليهم من خلال الأسرار الخفيّة، والكمال القريب من المطلق.»

إلى أن قال:

   «..﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾([47]) مما قد ترى فيه انحرافاً عن الموازين التي تزن بها الأمور على أساس ما تراه قاعدة للشرعية أو فيما تتصوره منسجماً مع طبيعة الواقع الذي تخضع في تقييمك له، لرؤية معينة.. الأمر الذي يجعلك تنتفض وتحتج وتستثير فضولك لتطرح السؤال تلو السؤال لتتعرف طبيعة المسألة، لأن الإنسان الذي رُكّب تكوينه على أساس غريزة الفضول، فيما أراده الله من إثارة قلق المعرفة في ذاته كسبيل من سبل الحصول عليها، أو الذي يملك قاعدة معينة للتفكير، قد تختلف عن غيره، لا بد له أن يعبّر عن موقفه بطريقة متوترة لا تملك الصبر على ما يواجهه من علامات الاستفهام، أو على ما يراه من مظاهر الإنحراف.. ولكن موسى يصرّ على الحصول على شرف مرافقته، لأن الله يريد له ذلك، فهو مأمور باتباعه.

   ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا﴾ فيما يصبر عليه طالب المعرفة من الجهد النفسي والعملي الذي يتحمله في سبيل الحصول عليها.. إنه العزم الذي يتحرك في إرادتي التي لا أضمن امتدادها في خط الإلتزام العملي إلا بمشيئة الله، فيما يقدّره من أسباب، وفيما يخلقه من ظروف، وفيما يثيره في حياتي من أفكار ومشاعر، قد تغير العزم، وتسقط الالتزام، إن القضية هي أني أعدك بالصبر، فسأكون صابراً، أتحمل كل النوازع الذاتية الصعبة ﴿وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾([48]) كما هو دور التلميذ مع أستاذه الذي يثق بكفاءته وحسن تقديره للأمور، وإخلاصه في سبيل رفع مستواه.

   ولكن العبد الصالح يريد أن يحدد المسألة في دائرة محددة في خط الأسلوب العملي للمعرفة.. فهو لا يريد أن يبادر تلميذه بالمعرفة، ولا يريد له أن يبادره بالسؤال.. بل يريد له أن يتأمل، ويثير الفكرة في داخله، ويحاول أن يحصل على طبيعة التعمّق في القضايا من خلال المعاناة الفكرية التي تمنحه قوّة عقلية متقدمة، كما يريد له أن يحصل على ملكة الصبر في مواجهة المشاكل الفكرية المعقدة، فلا يستعجل الوصول إليها قبل توفر عناصر النضوج لديه فيتحول إلى إنسان سطحي في تفكيره..

   ﴿قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ﴾ مما لم تعرف وجهه، ولم تحط بخفاياه ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾([49])، وأبدأ حواري معك، عندما تحين اللحظة المناسبة، التي أرى فيها المصلحة للحديث عن الموضوع معك.. وهذا هو شرطي الوحيد الذي أضعه أمامك للموافقة على أن تصاحبني في هذا الطريق»([50]).

  وقفة قصيرة:

ونقول:

   1 ـ إن موسى «عليه السلام» لم يسأل العبد الصالح انطلاقاً من غريزة الفضول لديه، بل انطلاقا من الإحساس بالتكليف الشرعي القاضي بعدم السكوت على ما يخالف أحكام العقل والفطرة والدين. ولو بحسب الظاهر، فبادر إلى السؤال ليستطيع على ضوء ذلك أن يحدد موقفه الشرعي.

وهذا الأمر هو الذي أعطى موسى «عليه السلام» وسام الإستحقاق لمقام النبوة، فإنه قد نجح في الامتحان الذي استهدف تجسيد مدى حساسيته تجاه قضايا الحق والدين.

   2 ـ إن اتهام نبي من أنبياء الله بأنه يتخذ مواقفه من خلال تحرّك غريزة الفضول لديه ناشئ عن عدم الاهتمام باحترام مقام الأنبياء في مقام الخطاب والحديث عنهم، وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا.

   3 ـ إن ما استقربه من أنه لا دليل على لزوم معرفة النبي بأكثر مما يتصل بمسؤولياته في القيادة والإمامة والطاعة.

   وأنه يمكن أن يكون هناك من هو أعلم من النبي في مفردات علوم الحياة والإنسان.

   إن ذلك مما لا مجال لقبوله منه، وذلك لوجود أحاديث متواترة في مجالات مختلفة تدل على خلاف هذا الكلام. ففي الكافي (كتاب الحجة)، وفي بصائر الدرجات، وفي البحار طائفة كبيرة جداً من هذه الأحاديث فليراجعها من أراد، وتلك هي الدليل القاطع على عدم صحة هذه المقولة.. وسيأتي حين الحديث عن الولاية التكوينية للمعصوم ما يفيد في هذا المجال..

4 ـ أما قوله: «إن استعجال موسى «عليه السلام» بالسؤال يحوله إلى إنسان سطحي في تفكيره».

فلو صح لمنع من مبادرة الأنبياء والأوصياء والأولياء والعلماء وغيرهم إلى طرح أسئلتهم في مختلف المجالات، لأن ذلك يحولهم إلى سطحيين، مع أن من يراجع آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة يجد أن الأمر قد جرى منهم على خلاف هذا التوجيه، حيث نراها زاخرة بالأسئلة منهم «عليهم السلام» في مختلف الشؤون، ولم يتحولوا بسبب ذلك إلى أناس سطحيين.

   5 ـ لا ندري من أين عرف هذا البعض: أن موسى «عليه السلام» قد استعجل المعرفة قبل توفّر عناصر النضوج لديه. فهل دله على ذلك آية أو رواية؟ أم أنه كان حاضراً وناظراً آنذاك؟! أم هو الاستيحاء، والتظني الذي لا يقوم به حجة، ولا يستند إلى برهان؟ أم ماذا؟!.

   هذا مع الإغماض عما ذكرناه آنفاً من أن تكليف موسى «عليه السلام» كان هو المبادرة إلى السؤال، ولولا ذلك، لم ينل «عليه السلام» هذا المقام العظيم..

   ولعل هذه هي الحكمة في إرساله «عليه السلام» إلى العبد الصالح، أو أنها أحد عناصر حكمة ذلك.

340 ـ شخصية موسى غير متوازنة.

341 ـ موسى «عليه السلام» يعاني من عقدة نفسية ذاتية.

342 ـ موسى ارتكب ذنبا أخلاقياً.

343 ـ قتل القبطي خطأ أخلاقي مبرر بطريقة ما.

344 ـ مغفرة الله لموسى لطف في توازن الشخصية لا عفو عن ذنب.

ويقول عن موسى «عليه السلام» في موضوع قتله القبطي:

   «..كان كل همه أن يدافع عن الإسرائيلي ويخلّصه من بين يدي القبطي الذي كان يريد أن يقتله، فيما يبدو.. وبهذا لم يكن في الأمر جريمة، بل كان الدخول شرعياً، ولم تكن النتيجة مقصودة له.. ولكنه كان يفضّل أن لا يحدث ما حدث.. وبذلك كان يرى في ذلك نوعاً من الذنب الأخلاقي، أو الاجتماعي الذي يحسّ بالعقدة الذاتية منه.. وعلى ضوء هذا كان التعبير بأنه ظلم للنفس، تعبيراً عن الحالة الشعورية أكثر مما كان تعبيراً عن حالة المسؤولية وربما كان تعبيراً عن القلق من النتائج الواقعية السلبية التي يمكن أن تترتب على ذلك في علاقاته الاجتماعية بمحيطه فيما يحمله من أخطار مستقبلية على شخصه بالذات. أما طلب المغفرة من الله، فقد يكون ناشئاً من الرغبة الروحية العميقة للإنسان المؤمن، أن يضع أعماله بين يدي الله، حتى التي لا تمثل انحرافاً عن أوامره ونواهيه.. بل تمثل نوعاً من الخطأ الأخلاقي المبرر بطريقة ما، ليحصل على لمسة الرحمة الإلهية العابقة بالحنان والعطف، فيبلغ ـ من خلال عصمته له ـ الكمال في سلوكه، والتوازن في أخلاقه.. مما يجعل من المغفرة لطفا في توازن الشخصية لا عفواً عن ذنب.. وهكذا كان اللطف الإلهي بموسى.. فيما يعلمه الله من حاله في ظرفه الواقعي مما يحقق له الكثير من العذر في حساب المسؤولية ﴿فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾([51])، الذي تتحرك مغفرته من عمق رحمته لتفيض على الإنسان الراجع إليه بكل خير وإحسان»([52]).

وقفة قصيرة:

إن ما ذكره هذا البعض لا يحتاج إلى تعليق، ولكننا نرشد القارئ الكريم إلى ما شرحنا به الآيات التي تحدثت عن قتل القبطي فيما تقدم من هذا الكتاب فليراجع.

غير أن ما يحزّ في النفس ألمه، ويدمي كَلْمُه أمور:

1 ـ أن ينسب إلى موسى «عليه السلام» وهو كليم الله ونبي من أولي العزم يقول تعالى في حقه ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾([53]) ـ ينسب إليه ـ أنه ارتكب ذنباً أخلاقياً.

2 ـ وأنه كان يحس بالعقدة الذاتية منه!!.

3 ـ والأغرب من ذلك: أن يصرح في كلامه: أن شخصية هذا النبي العظيم غير متوازنة فاحتاج إلى اللطف الإلهي لتتوازن شخصيته.

4 ـ ويبقى هنا سؤال حول الطريقة المجهولة التي أشار إليها والتي تبرر وقوع موسى «عليه السلام» في الخطأ الأخلاقي المتمثل في قتله للقبطي.

5 ـ وأي خطأ أخلاقي في قتل الإنسان لرجل يهاجمه ويحاربه ويبطش بالناس ليقتلهم، لا لشيء إلا لأنهم مؤمنون، وهو كافر وعدو؟!.

6 ـ بل إن هذا البعض نفسه قد صرح في كلامه بأن موسى «عليه السلام» لم يقصد قتل القبطي، فأي خطأ أخلاقي صدر عن موسى «عليه السلام» إذن؟!.

345 ـ خوف موسى كان بسبب الضعف البشري الذي كان يعيشه في حالات الغفلة.

346 ـ كاد موسى أن يتأثر بسحرهم من خلال طاقته البشرية.

ويقول البعض:

   «..وكانوا يملكون الفن العظيم الذي يسحر العيون ويخلب الألباب حتى كاد موسى أن يتأثر بها من خلال طاقته البشرية.. وطاف به خيال الإنسان الذي يتأثر بسرعة، بما يحيط به فخيل ﴿إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾([54]) في صورة سريعة متلاحقة، ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾([55]) من خلال الضعف البشري الذي يعيشه الإنسان في حالات الغفلة.. لا سيما أن موسى لا يعرف ماذا يحدث له من خلال التفاصيل الجزئية لأن المسألة ليست اختيارية له، بل هي مسألة التدبير الإلهي الذي يثق بحصوله، ولكنه لا يعرف طبيعته.. ولذا فانه كان ينتظر نداء الله وتعليماته »([56]).

وقفة قصيرة:

إن من الواضح: أن موسى «عليه السلام» لم يخف على نفسه، فإنه كان يعلم أنها حبال وليست حيات حقيقية، كما أنها احتيالات وتخييلات لا واقع لها. ﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾([57]).

وإنما خاف «عليه السلام» على الناس أن يتأثروا بسحرهم، وأن يتسبب ذلك بضلالهم عن الحق، وابتعادهم عن سبيل الرشاد والهدى.

ولذلك نجد الآيات القرآنية تشير إلى أن الله تعالى قد طمأن موسى إلى حقيقة أن الله سيبطل سحرهم وكيدهم، ويكون موسى «عليه السلام» هو الغالب، حيث قال الله تعالى له: ﴿لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾([58]).

إذن، فموسى «عليه السلام» قد خشي من أن تكون الغلبة لهم، وأن يكون لهم العلوّ الذي سينشأ عنه غواية الناس عن طريق الحق والهدى.

وبذلك يتضح أيضاً: أن خوف موسى «عليه السلام» لم يكن ناشئاً عن ضعف طاقته البشرية، بل كان خائفاً على الناس كما قلنا.

   وعن علي «عليه السلام»: «لم يوجس موسى «عليه السلام» خيفة على نفسه، بل أشفق من غلبة الجهال، ودول الضلال»([59]).

347 ـ نقاط ضعف طبيعية ونقاط ضعف انفعالية أيضاً.

348 ـ بشرية النبي قد تدفعه إلى نقاط الضعف الطبيعية.

349 ـ قد يغفل النبي عن يعض المناسبات الشكلية أو المعنوية.

350 ـ موسى «عليه السلام» ينساق مع نقاط الضعف الانفعالية.

ويقول البعض:

   «لنا ملاحظة في موقف موسى من هارون:

   ولنا ملاحظة، في هذا الموقف الذي انطلق فيه موسى ضد أخيه، من موقع غضبه لله وانفعاله بالوضع الجديد الذي عاش فيه بنو إسرائيل مبدأ الصنمية..

   إننا لا نجد في موقفه هذا ابتعاداً عن خط الطاعة لله ليكون منافياً للإستقامة الشرعية في دائرة العصمة، ولكننا نجد فيه انسياقا مع نقاط الضعف الإنفعالية التي توحي بأن بشرية النبي قد تدفعه إلى نقاط الضعف الطبيعية التي قد يغفل فيها عن بعض المناسبات الشكلية أوالمعنوية ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ﴾؟!([60]). كيف فعلت ما فعلته من هذا الأمر الخطير الذي جئت به؟! وهذا هو معنى الخطب الذي هو الأمر الخطير الذي يهمك ﴿قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا﴾([61])»([62]).

وقفة قصيرة:

قد تحدثنا فيما مضى من هذا الكتاب عن أن غضب موسى «عليه السلام» لم يكن على أخيه هارون صلوات الله وسلامه عليه، بسبب جرم ارتكبه، أو تقصير منه في القيام بالواجب، وإنما كان من أجل أن يعرّف بني إسرائيل بخطر ما أقدموا عليه، وبمدى بشاعة الجريمة التي ارتكبوها.. ثم هو قد أراد أن يسمع الناس إجابة هارون «عليه السلام» من أجل إظهار براءته وتحصينه من نسبة القصور أو التقصير إليه، وتكون النتيجة هي التالية:

1 ـ لم يكن موسى «عليه السلام» يقف ضد أخيه.

2 ـ إن موسى «عليه السلام» لم يغفل عن بعض المناسبات الشكلية ولا المعنوية ـ كما يقول هذا البعض ـ بل كانت الأمور واضحة لديه وضوحا تاما، لا سيما ان المسألة هي من جملة ما يتعلق بأمر التبليغ الذي ليس لمسلم أن يشكك في القول بعصمة الأنبياء فيه.

3 ـ إن موسى «عليه السلام» قد انساق مع نقاط القوة، وحقق الهدف الإلهي، ولم يكن لديه نقاط ضعف انفعالية لينساق معها.

وإن نسبة ذلك كله وسواه إلى هذا النبي العظيم هي مجرد تبرّع من هذا البعض لا مستند له فيه، فضلا عن كونه مخالفاً للقواعد العقلية الصحيحة، وليست الآيات ظاهرةً ولا ناظرة في شيء من معانيها إلى شيء مما ذكره.

351 ـ رأي موسى «عليه السلام» يخالف ما قرره الله له.

352 ـ موسى «عليه السلام» يقول لربه: لا فائدة من إرسالي لأن النتيجة معلومة.

353 ـ إحتباس كلام موسى «عليه السلام» يمنعه من الحوار والجدال بالكلمات القوية.

354 ـ إحتباس كلام موسى «عليه السلام» يمنعه من الأسلوب اللبق.

355 ـ موسى «عليه السلام» يعاني من نقص في الصفات التي يحتاج إليها.

ويقول هذا البعض:

   «..﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾([63])، لأنني أعرف فيهم الطغيان الذي يمنعهم من الإذعان بالرسالة ويدفعهم إلى احتقار الناس من حولهم، ممن هم دونهم في الطبقة الاجتماعية، الأمر الذي يدعوهم إلى تكذيبي فيما أبلّغهم من رسالاتك.. فلا فائدة من إرسالي إليهم لأن النتيجة معلومة بالرفض ﴿وَيَضِيقُ صَدْرِي﴾ في مواجهة الضغط الذي أتعرض له منهم، مما لا أستطيع تحمّله في قدرتي الذاتية ﴿وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي﴾ فيما أعانيه من حالات احتباس الكلام، مما لا يسمح لي المجال معه بالحوار والجدال، وإدارة الصراع بالكلمات القوية، والأسلوب اللبق ﴿فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ﴾([64])، ليكون عوناً لي على أداء الرسالة، لما يتميز به من صفات تسد النقص الذي يعاني منه كفصاحة اللسان ونحوها ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ﴾ فقد قتلت شخصا منهم ﴿فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾([65]) ثأراً له»([66]).

وقفة قصيرة:

إن هذا البعض قد لا يكون الوحيد الذي فسر الآيات بهذه الطريقة. ولكننا نسجل عليه وهو داعية دراسة الأمور بعقلانية وموضوعية، ما يلي:

1 ـ إن هذا البعض يقول: إن احتباس الكلام لدى موسى كان إلى درجة لا يسمح له بإدارة الصراع بالأسلوب اللبق.

كما أن هذا الإحتباس قد بلغ حداً لا يسمح له بالحوار والجدال.

ولا ندري كيف استطاع «عليه السلام» أن يحاور فرعون حينما واجهه بالدعوة التي انتهت بجمع السحرة في يوم الزينة؟! وكيف استطاع أن يحاور بني إسرائيل في شأن البقرة وغيرها؟! بل كيف استطاع تأدية الرسالة التي بعث من أجلها لا سيما إن هارون الذي أرسل ليسد النقص الموجود عند موسى ـ كما يزعم هذا البعض ـ قد توفي قبل موسى «عليه السلام»، فماذا صنع موسى «عليه السلام» بنقصه الذي يعاني؟! ومن الذي قام مقام هارون في هذا الأمر؟!

2 ـ هذا بالإضافة إلى أن هذا البعض يتحدث عن موسى «عليه السلام» ويصوره لنا كأنه يعترض على الله، ويدلّه على أنه غير مصيب في إرساله، لأن ذلك سيكون أمراً عقيماً، وعبثياً، ومن دون فائدة. فانظر إلى قول هذا البعض:

«إنني أعرف فيهم الطغيان.. مما يوحي: بأن سبب مبادرة موسى باقتراح إرسال أخيه معه هو معرفته بطغيانهم ».

وكأن الباري تعالى لا يعرف ذلك.

3 ـ مع أن موسى «عليه السلام» حين تحدث عن خوفه من تكذيبهم، وعن أن صدره يضيق بهذا التكذيب، وأن لسانه لن ينطلق معهم في البيان لأنهم سيتعاملون معه من موقع المعادي والحاقد، الذي لا يصغي إلى الحجة، ولا يخضع للدليل..

نعم.. إن موسى «عليه السلام» حين تحدّث عن ذلك، فإنما أراد به أن يعرف من الله سبحانه أوجه معالجة الموقف في هذه الحالات والظروف الصعبة، ولا يريد أن يعرّف الله ـ والعياذ بالله ـ أن إرساله لا فائدة منه، لأن النتيجة معلومة على حد زعمه.

   4 ـ أما بالنسبة لاحتباس لسان موسى «عليه السلام»، إن المراد ليس هو اللكنة في اللسان، التي تمثل عائقا عن الإفصاح في الكلام، بل المراد هو أن قتل القبطي، وكونه قد تربى عندهم سيجعلهم يتعاملون معه بطريقة حاقدة وغير عقلانية تمنعه من الإفصاح عن مراده ولذا فهو يطلب من الله أن يهديه إلى الطريقة المثلى في التعامل مع هذا الواقع الذي يواجهه.

على أن هذا الإحتباس، لا ربط له باللباقة، وبالأسلوب، كما هو معلوم.

وسيأتي المزيد من توضيح هذا الأمر فيما يرتبط بالعقدة في لسان موسى «عليه السلام» في تعليقنا على الفقرة التالية.

356 ـ القرآن يوحي بما لا يتفق مع كون النبي أعلم الناس وأشجعهم وأكملهم في المطلق.

357 ـ الرسالة تتصل بحركة الكلام في لسانه، وطريقة التعبير في كلامه.

358 ـ ضعف موسى في طبيعة الكلمة، والمنهج، والأسلوب، وقوة هارون في ذلك.

359 ـ لكنة في لسان موسى تؤدي إلى ضعف موقفه.

360 ـ نقاط ضعف بشري تتحرك بشكل طبيعي في شخصية النبي، حتى في مقام حمل الرسالة.

361 ـ لكنة موسى تمنعه عن إفهام ما يريد للناس.

362 ـ الجانب الغيبي لا يتدخل في تضخيم شخصية النبي على حساب بشريته العادية.

363 ـ اللكنة في لسان موسى تثير السخرية ونحوها.

وبعد ما تقدم نقول:

   يتحدث البعض عن طلب موسى من الله أن يشد عضده بأخيه هارون، فكان مما لاحظه في هذه القصة ما أجمله بقوله:

«..﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([67])، فقد كان يعيش حبسا في لسانه بحيث يمنعه من الطلاقة التي تفصح الكلمة بحيث يفهم الناس ما يريد أن يقوله.. لأن الرسالة تتصل بحركة الكلام في لسانه، وطريقة التعبير في كلامه.

   وتلك هي مشكلته الخاصة التي أراد الله أن يساعده في حلها وترويضها وتيسيرها وتسهيل صعوباتها.. فيما يريد أن يمارسه بجهده الذاتي ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾([68]). لأن المهمة تحتاج إلى جهد آخر يشترك مع جهده في الدعوة والحركة والانطلاق.. ليعاون أحدهما الآخر فيما يمكن أن يواجههما من مشاكل وقضايا وصعوبات، خصوصا في جانب الدعوة في طبيعة الكلمة والمنهج والأسلوب، الذي يتمتع هارون بمميزات جيدة لأن لسانه أفصح من لسان موسى، كما جاء في سورة أخرى.. وتلك هي الروح المتواضعة الجادة التي تدرس حجم المسؤولية، وحجم إمكاناتها فإذا رأت بعضا من الخلل الذي قد يصيب المسؤولية أمام ضعف الإمكانات، فإنها لا تتعقد ولا تهرب من الواقع لتلجأ إلى الذات في عملية استغراق في الإيحاء بالقدرة الشاملة غير الموجودة لينعكس ذلك سلباً على حركة الموقف العملي، بل تعمل على أن تستكمل القوة من جانب آخر لمصلحة العمل المسؤول.. وهذا هو ما فعله النبي موسى «عليه السلام» عندما أراد من الله أن يضيف إليه شريكاً في أمره، لأنه يعيش بعض نقاط الضعف التي يملك فيها هارون نقاط قوة..

   وهذا هو الذي يوجب على العاملين في سبيل الله، أن يواجهوه فيما يتحملونه من مسؤوليات ليعملوا على الإخلاص للدور العملي في استكمال كل الإمكانات التي يحتاجها، ولو كانت لدى الآخرين.. لأن ما نعانيه في ساحة العمل، هو أن بعض العاملين قد يدفعهم الشعور الأناني بالعظمة الفارغة، فيسيئون إلى مسؤولياتهم للحفاظ على ذواتهم لأنهم لا يريدون الاعتراف بالحجم المحدود لقدراتهم، وبالإمكانات المتوفرة لدى الآخرين»([69]).

ويقول البعض أيضاً:

«وقد نلاحظ في هذه القصة: أن النبوة لا تتنافى مع الضعف البشري الذي يعيشه النبي ويعترف به، فيطلب إلى الله أن يقويه بإنسان آخر في أداء مهمته لا بواسطة تنمية قدراته الذاتية.. مما يوحي: بأن الجانب الغيبي لا يتدخل في تضخيم شخصية النبي على حساب بشريته العادية، بل يترك المسألة للطبيعة البشرية لتتكامل بطريقة عادية..

وهذا ما قد يحتاج إلى مزيد من الدراسة فيما يطلقه علماء الكلام فيما يتصل بصفات النبي، بأن يكون أعلم الناس وأشجعهم وأكملهم في المطلق.. فإن تأكيد القرآن على نقاط الضعف البشري في شخصية الأنبياء، لا سيما في شخصية موسى «عليه السلام» قد توحي بما لا يتفق مع ذلك»([70]).

ويقول أيضاً:

   «..وهناك نقطة أخرى: وهي أن الرسالة تفرض الدخول في جدل مرير مع هؤلاء القوم يمكن أن يثيروه من شبهات، أو يطالبوه بالحجة، فيحتاج إلى التحدث بطريقة مقنعة حاسمة، بلسان فصيح.. وهذا ما لا يملكه موسى لِلَكْنة كانت في لسانه، مما يؤدي إلى ضعف موقفه الذي ينعكس سلباً، على موقف الرسالة فيما قد يثيره ذلك من سخريةٍ ونحوها..

لذلك كان بحاجة إلى شخص آخر يشاركه المسؤولية، ليواجه مثل هذا الموقف الطارئ معه، أو ليكون بديلا عنه في مقارعة الحجة بالحجة.. ولهذا فقد أراد أن يكون أخوه هارون معه ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾. أي ناصراً ينصرني ويشد ظهري «يصدقني» ويشرح بفصاحته مواقع الصدق في رسالتي، ومواطن القوة في موقفي، ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾([71])، فيفرض ذلك عليّ الدفاع والجدال حول مفاهيم الرسالة ومواقعها»([72]).

   ونجد هذا البعض يقول أيضاً في موضع آخر في تفسير قوله تعالى ﴿إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى﴾([73]):

   «ونلاحظ في هذه الآية الإشارة إلى ما يعيشه النبي من نقاط الضعف البشري التي تتحرك في شخصيته بشكل طبيعي، حتى في مقام حمل الرسالة.. فيتدخل اللطف الإلهي من أجل أن يمنحه القوة الروحية التي تفتح قلبه، بعمق على التأييد الإلهي في أوقات الشدة الأمر الذي يعطي الفكرة بأن النبي يتكامل في وعيه وقوته وحركته في الرسالة..»([74]).

وقفة قصيرة:

ونقول:

إننا رغم أننا لم نذكر في العناوين المستخرجة من كلام هذا البعض ما ذكره عن الضعف البشري في شخصية الأنبياء، فإننا نذكّر القارئ الكريم بما يلي:

   1 ـ إن هذا البعض قد فسّر الآيات بطريقة أوصلته إلى أن ينسب إلى الأنبياء ما ألمحنا إليه في العناوين التي صدّرنا بها كلامه هذا الأخير..

   ونحن نذكر هنا ما يشير إلى المراد من أفصحية هارون «عليه السلام»، ليظهر للقارئ: أن الآية ليست ناظرة إلى موضوع طلاقة اللسان من الأساس..

   ولو سلمنا أنها ناظرة إلى طلاقة اللسان من حيث البلاغة والفصاحة الكلامية، فذلك لا يستلزم ما ذكره ذلك البعض.

   ونحن نشرح ذلك ضمن النقاط التالية، فنقول:

ألف: لقد طلب موسى «عليه السلام» من الله أن يشد عضده بأخيه هارون «عليه السلام». وهو طلب طبيعي، ليس فيه أية مشكلة، وهو لا يعني وجود نقص في شخصية النبي موسى «عليه السلام» يحتاج إلى رفعها بواسطة الاستعانة بهارون «عليه السلام»، ويدل على ذلك: ما روي من أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد طلب أيضاً مثل ذلك من الله تعالى فقال «صلى الله عليه وآله»: واجعل لي وزيرا من أهلي، علياً أخي، أشدد به أزري..

وقد صحت الرواية بذلك من طريق الفريقين على حد تعبير صاحب الميزان([75]).

«..وعن أسماء بنت عميس قالت: رأيت رسول الله «صلى الله عليه وآله» بإزاء ثبير وهو يقول: أشرق ثبير، أشرق ثبير، اللهم إني أسألك بما سألك أخي موسى: أن تشرح لي صدري، وأن تيسر لي أمري، وأن تحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، وأن تجعل لي وزيراً من أهلي، علياً أخي. أشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيراً، ونذكرك كثيراً، إنك كنت بنا بصيراً»([76]).

فالمراد من الأمر في قول موسى «عليه السلام»: ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾([77]). غير النبوة، بدليل أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» دعا الله بأن يشرك علياً «عليه السلام» أمره مع أن علياً ليس نبياً قطعاً، بل المراد هو آثار النبوة، كافتراض الطاعة وغير ذلك والله العالم.

ب: كما أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد طلب من الله سبحانه حل العقدة من لسانه حيث قال: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾([78]). مع أن ذلك لم يكن لقلة فصاحة فيه، ولا لعقدة أو لكنة في لسانه، ولا لكون علي «عليه السلام» أفضل منه، وهو القائل «صلى الله عليه وآله»: «أنا أفصح من نطق بالضاد».

وهذا يشهد بأن المراد من الفصاحة في دعاء موسى «عليه السلام» ليس هو المعنى الذي يذكرونه في علم المعاني والبيان، وإلا لما صح أن يدعو به أفصح من نطق بالضاد، فالمراد إذن، شيء آخر: وهو أنه أكثر انطلاقاً في الحديث معهم حيث لم يقتل منهم رجلاً من عدوه كما فعله أخوه موسى «عليه السلام»، بالإضافة إلى جدالهم في أمر إحسانهم لموسى وتربيتهم له «عليه السلام» وليداً كما ذكر الله تعالى حكاية ذلك في قوله: ﴿..أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾([79]).

وهكذا يتضح: أن ذلك لا ينافي كون موسى «عليه السلام» أعلم الناس وأكملهم وأشجعهم كما يقول هذا البعض.

   2 ـ وحتى لو سلمنا ـ جدلاً ـ بأفصحية هارون من الناحية الكلامية، ولم نحمل كلامه على ما ذكرناه آنفاً، أو على أن ذلك كان منه تواضعاً وهضماً للنفس، فلا مشكلة في ذلك، لأن هذه الآية نفسها تثبت صفة الفصاحة لموسى «عليه السلام» أيضاً غير أنه يمهد للحصول على مطلوبه وهو أن يكون أخوه هارون وزيراً له. وأين هذا مما ذكره هذا البعض من كون لكنة موسى تمنعه من إفهام ما يريده للناس، الأمر الموجب للنقص في الصفات التبليغية المتوجب توفرها في المبلغ لدين الله.

فأفصحية هارون «عليه السلام» كمال له، وفصاحة موسى «عليه السلام» لا تعتبر نقصاً، ولا تضر في أفضلية موسى «عليه السلام»، حيث إن ملاك الأفضلية هو التقوى الناشئة عن العلم والتي تقترن بالعمل.

وأما بالنسبة للصفات الجسدية ونحوها فقد ذكر العلماء أن المطلوب هو الكمال وعدم النقص، وهذا متحقق في موسى «عليه السلام».

ثم إن هذه الأفصحية قد حازها نبي بالقياس إلى نبي آخر، لا أنها ثابتة لشخص عاديّ بالقياس إلى النبي، ليقال: لا بد أن يكون النبي أكمل من سائر الناس. فموسى وهارون «عليه السلام» أكمل أهل زمانهما لكن موسى أفضل عند الله وأكمل من أخيه في كثير من الصفات. فكما أن أكملية موسى «عليه السلام» لا تضر في نبوة هارون. كذلك أفصحية هارون ـ مع كون الفصاحة الكاملة موجودة عند موسى ـ لا تضر في نبوة موسى، ولا في أفضليته عند الله بمعرفته بالله سبحانه حتى على هارون نفسه. وإلا لكان الدعاء من الرسول «صلى الله عليه وآله» بدعاء موسى «عليه السلام» بلا معنى.

هذا كله، لو سلمنا ـ جدلاً ـ بأفصحية هارون «عليه السلام». فيتضح مما تقدم: أن ما ذكره ذلك البعض من ضعف بشري لدى الأنبياء، وأن موسى «عليه السلام» كان يعانى من حبس في لسانه يمنعه من الطلاقة المفهمة لمراده غير صحيح.

ملاحظة:

واللافت للنظر هنا: أن الله سبحانه قد اتخذ موسى كليماً، وأعطاه الكرامة عن سائر الأنبياء، فهل اختاره كليماً لأجل لكنته هذه تعويضاً له عما فيه من نقص؟! إن هذا الأمر عجيب حقاً، وأي عجيب!! وإذا كان هناك من احتمال آخر فليطلعنا عليه.

   2 ـ إنه إذا كانت مشكلة موسى «عليه السلام» هي في احتباس لسانه المانع له من الطلاقة المفهمة لمراده كما يقول البعض، فما هو ربط ذلك بالمنهج واللباقة في الأسلوب؟! ومن أين عرف أن منهج هارون «عليه السلام» وأسلوبه، كان أحسن من منهج وأسلوب موسى «عليه السلام»؟! ومن أين علم أن موسى استعان بهارون كي لا يهزأ ولا يسخر منه قومه لعدم قدرته على افهامهم؟!

مع أن القرآن سجل لنا في تساؤل بني إسرائيل عند أمره لهم بذبح البقرة موقفاً معاكساً حيث اتهموه بأنه يهزأ بهم ﴿قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾([80]).

   3 ـ إن قول موسى وهارون عن فرعون: ﴿إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى﴾([81]) لا يستلزم وجود نقاط ضعف بشري تتحرك في شخصية النبي بشكل طبيعي، حتى في مقام حمل الرسالة، كما يقوله ذلك البعض.

   فإن معرفتهما بشخصية فرعون، ثم ذكرهما لما يحتمل أن يواجهاه معه، ليس معناه أنهما يعانيان من وجود ضعف في شخصيتهما. بل ذلك يعني: أنهما وهما يتحسبان لما سيواجههما به فرعون إنما يريدان إعداد العدّة لمواجهة أي احتمال.. وهذا هو غاية القوة في مقام حمل الرسالة..

   فما هو نقاط قوة في الحقيقة أصبح ـ بنظر هذا البعض ـ نقاط الضعف في شخصية النبي التي تتحرك بشكل طبيعي حتى في مقام حمل الرسالة!!.


([1]) الآية 76 من سورة الكهف.

([2]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج 14 ص 393 ـ 394.

([3]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج14 ص395.

([4]) الآية 75 من سورة الكهف.

([5]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج14 ص393.

([6]) فكر وثقافة عدد 3 بتاريخ السبت 29/6/1996م.

([7]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج14 ص387.

([8]) من وحي القرآن ج14 ص 391 و 392.

([9]) الآيات 66 ـ 79 من سورة الكهف.

([10]) الآية 73 من سورة الكهف.

([11]) الآية 76 من سورة الكهف.

([12]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج17 ص310.

([13]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج19 ص301 و 302.

([14]) الآيات 13 ـ 19 من سورة القصص.

([15]) الآية 14 من سورة القصص.

([16]) الآية 14 من سورة القصص.

([17]) الآية 19 من سورة الشعراء.

([18]) الآية 19 من سورة الشعراء.

([19]) الآية 20 من سورة الشعراء.

([20]) الآية 16 من سورة القصص.

([21]) الآية 17 من سورة القصص.

([22]) الآية 18 من سورة القصص.

([23]) الآية 19 من سورة القصص.

([24]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج10 ص 178 و 179.

([25]) الآية 150 من سورة الأعراف.

([26]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج10 ص 176 ـ 179.

([27]) الآية 150 من سورة الأعراف.

([28]) مجلة الموسم عدد21 ـ 22 ص321.

([29]) الآيات 29 ـ 31 من سورة طه.

([30]) الآيات 29 ـ 31 من سورة طه.

([31]) الآية 151 من سورة الأعراف.

([32]) الآية 150 من سورة الأعراف.

([33]) الآية 143 من سورة الأعراف.

([34]) الآية 146 من سورة الأعراف.

([35]) الآية 11 من سورة الشورى.

([36]) الآية 143 من سورة الأعراف.

([37]) الآية 103 من سورة الأنعام.

([38]) الآية 11 من سورة الشورى.

([39]) الآية 143 من سورة الأعراف.

([40]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج10 ص165 ـ 167.

([41]) نشرة بينات 21/2/1997.

([42]) نفس المصدر السابق.

([43]) الآية 20 من سورة الشعراء.

([44]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج17ص108 و 109.

([45]) الآية 20 من سورة الشعراء.

([46]) الآية 74 من سورة الكهف.

([47]) الآية 68 من سورة الكهف.

([48]) الآية 69 من سورة الكهف.

([49]) الآية 70 من سورة الكهف.

([50]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج14 ص386 ـ 389.

([51]) الآية 16 من سورة القصص.

([52]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج17ص311.

([53]) الآية 41 من سورة طه.

([54]) الآية 66 من سورة طه.

([55]) الآية 67 من سورة طه.

([56]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج15ص135 و 136

([57]) الآية 66 من سورة طه.

([58]) الآية 68 من سورة طه.

([59]) نهج البلاغة، الخطبة رقم 4

([60]) الآية 95 من سورة طه.

([61]) الآية 96 من سورة طه.

([62]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج15 ص156.

([63]) الآية 12 من سورة الشعراء.

([64]) الآية 13 من سورة الشعراء.

([65]) الآية 14 من سورة الشعراء.

([66]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج17ص102 و 103.

([67]) الآيتان 27 و 28 من سورة طه.

([68]) الآيات 29 ـ 32 من سورة طه.

([69]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج 15 ص108 ـ 110

([70]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج 15ص 110 و 111.

([71]) الآية 34 من سورة القصص.

([72]) من وحي القرآن (الطبعة الأولى) ج17 ص 326 ـ 328.

([73]) الآية 45 من سورة طه.

([74]) من وحي القرآن ج15 ص119.

([75]) تفسير الميزان ج14ص147.

([76]) تفسير البرهان ج3ص31 وتفسير الثقلين ج3ص376.

([77]) الآية 32 من سورة طه.

([78]) الآيتان 27 و 28 من سورة طه.

([79]) الآيتان 18 و 19 من سورة الشعراء.

([80]) الآية 67 من سورة البقرة.

([81]) الآية 45 من سورة طه.

 
   
 
 

موقع الميزان