صفحة :75-84   

الفصل الثالث

التشكيك في فضائل الزهراء وإنكارها.. 

بـدايـة:

لقد دأب هذا البعض على إثارة الشبهات حول الكثير من فضائل أئمة أهل البيت «عليهم السلام» والزهراء أيضاً «عليها السلام».. كما يثير الشبهات حول كثير من كرامات الأنبياء ومقاماتهم، وما تفضل الله سبحانه به عليهم..

ونحن نشير هنا إلى بعض من ذلك، مع الالتزام بعدم التعدي عن ما ذكره حول سيدة النساء الصديقة الطاهرة ـ «صلوات الله وسلامه عليها» ـ حيث سنكتفي ببعض ما قاله عنها، لأن هذا القسم مخصص لإعطاء لمحة عن مقولاته فيها، من دون أن يكون هدفنا استقصاء ذلك..

فنقول:

596 ـ تفضيل فاطمة على مريم سخافة.

597 ـ تفضيل الزهراء على مريم تخلف ورجعية.

598 ـ تفضيل فاطمة على مريم لا ينفع من علمه ولا يضر من جهله.

599 ـ تفضيل فاطمة على مريم ترف فكري.

600 ـ لا خلاف بين فاطمة ومريم، فلماذا نختلف نحن..

يجيب البعض على سؤال:

أيهما أفضل فاطمة بنت محمد «صلى الله عليه وآله»، أم مريم بنت عمران؟!

فيقول: «هذا علم لا ينفع من علمه، ولا يضر من جهله، بل هو مجرد ترف فكري».

ويقول مرة أخرى:

«هو سخافة، ورجعية، وتخلف».

ويقول: «إذا كان لا خلاف بين مريم، وفاطمة حول هذا الأمر، فلماذا نختلف نحن في ذلك، لفاطمة فضلها، ولمريم فضلها، ولا مشكلة في ذلك».

ونحن نقول:

1 ـ إن النبي نفسه «صلى الله عليه وآله» والأئمة الطاهرين «عليهم السلام» هم الذين تحدثوا عن فضل فاطمة على نساء العالمين، وعن أنها سيدة نساء العالمين جميعاً، أما مريم فإنها سيدة نساء عالمها.

ولا يمكن أن تكون أقوال النبي «صلى الله عليه وآله» والأئمة «عليهم السلام».. في جملة العلوم التي لا ينفع علمها، ولا يضر جهلها.. فإن همهم «صلوات الله وسلامه عليهم» هو هداية الناس، ودلالتهم على كل ما يقربهم من الجنة، ويبعدهم عن النار.. وليسوا بالذين يمارسون الثرثرة غير المفيده أبداً..

2 ـ إن ما يصدر عن النبي وعن أهل بيته الطاهرين «صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين» لا يجوز أبداً أن يوصف بالرجعية وبالتخلف والسخافة، والكل يعلم حكم من يصف المعصومين بأمثال هذه الاوصاف!!

3 ـ وهل قول الله تعالى لمريم ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ([1]) هو الآخر من الترف الفكري، أو أنه من مفردات الرجعية والتخلف؟!

4 ـ إن معرفة الأفضل: مريم أم فاطمة، لا يعني وجود اختلاف فيما بين الناس الى درجة يحتاج معها الى حله، أو الى تجنبه، أو الى القيام بعملية مصالحة أو تهدئة.. فإن هذا النوع من الإختلاف لا يحتاج الى أكثر من بيان الحقيقة، وإزالة الجهل بمقام أولياء الله وأصفيائه.

5 ـ إن هذا العلم ينفع من علمه بالتأكيد، لأنه يزيده معرفة بالأسوة والقدوة، ويزيده تعلقا بها، وحباً لها، واهتماما بالتواجد في مواقع رضاها، وتجنب كل ما يسخطها، خصوصا إذا كانت شاهدة على الناس حسبما أقر به هذا البعض..

وهذه المعرفة تزيد في رسوخ الإيمان، وتعميق الارتباط بالزهراء القدوة، ويعرفنا ذلك بمدى سوء وقبح بشاعة وفظاعة الإجرام الذي ارتكبه الظالمون في حقها.

6 ـ واللافت: أن ابن تيمية لم يزل يؤكد في كتابه «منهاج السنة» على مقولة: أن لاداعي للاختلاف فيما بيننا فقد مات علي «عليه السلام» ومات أبو بكر وعمر، وأصبحوا في ذمة التاريخ. وهذه المقولة بالذات لم يزل هذا البعض يرددها في أجوبته المكتوبة وغيرها، وتجد في هذا الكتاب بعضاً من ذلك.

601 ـ لا حاجة فيما يفيض التاريخ فيه حول زواج الزهراء.

602 ـ لا حاجة لنا فيما يذكر من جوانب غيبية واحتفالات السماء في ذلك الزواج.

603 ـ ماذا ينفع أو يضر أن نعلم أن الزهراء نور أو ليست بنور.

604 ـ ليس في التاريخ ما يشير الى نشاط اجتماعي إلا في رواية أو روايتين.

يقول البعض:

«إن التاريخ يفيض فيما لا حاجة لنا فيه في مسألة زواج الزهراء «عليها السلام»، والجوانب الغيبية في ذلك الزواج، فيما تحتفل به السماء، وغير ذلك مما يتعلق بهذا الأمر».

كما أن هذا البعض يتحفظ على الحديث الذي يقول بوجود عناصر غيبية أو خصوصيات غير عادية في شخصية الزهراء «عليها السلام».

«وماذا ينفع أو يضر ـ على حد تعبيره ـ أن نعرف أو نجهل، أن الزهراء «عليها السلام» نور أو ليست نوراً؟! فإن هذا علم لا ينفع من علمه، ولا يضر من جهله»([2]).

ويقول:

«المفارقة: أننا نجد التاريخ قد افاض فيما لا يرتبط بالناحية العملية من حياتها، مثل قضية احتفالات السماء في قصة زواجها»([3]).

وهذه هي نفس العبارة السابقة، لكن أجريت عليها تعديلات، بهدف التخفيف من حدة ردة الفعل.

ويقول:

«لا نجد في التاريخ ما يشير الى نشاط اجتماعي للسيدة فاطمة في داخل المجتمع الإسلامي إلا في رواية أو روايتين..»([4]).

وقفة قصيرة:

ونقول إننا نسجل على ما تقدم ما يلي:

1 ـ إنه لا يصح تسخيف أمور غيبية، والتقليل من أهميتها بهذه الطريقة، ما دام أن النبي «صلى الله عليه وآله» والأئمة الطاهرين «عليهم السلام» هم الذين تصدوا لبيانها، أو يحتمل ذلك على الأقل..

فإن كل ما قاله الأئمة المعصومون والأنبياء المكرمون لنا أو يحتمل أنهم قالوه، لا يمكن تسخيفه، أو التقليل من أهميته لا بهذه الطريقة، ولا بغيرها..

خصوصاً، وأن فتح هذا الباب سيؤدي الى انحسار الثقافة الغيبية، فيما يرتبط بالله سبحانه، وبمعرفة أنبيائه، وأوليائه وأصفيائه، وبكثير من حقائق الدين والإيمان.

ولسوف يؤثر ذلك بطريقة أو بأخرى في إضعاف الارتباط بهذه المواقع الإيمانية، ويضعف من ثم حوافز كثيرة ذات مناح مختلفة تؤثر في السلوك وفي المواقف، وفي مستوى وعي الحقائق الإيمانية بصورة عامة.

والخلاصة:

إن النصوص التي تتحدث عن زواج السيدة الزهراء، وعن جوانبه الغيبية، وعن احتفالات السماء بزواجها وعن خصوصيات غير عادية في شخصيتها، وعن أنها «عليها السلام» كانت نوراً معلقاً في ساق العرش أو نوراً محدقاً بالعرش قبل خلق الخلق، وغير ذلك.. هي من العلوم التي تنفع من يعلمها، ويضر جهلها من جهلها، ولولا ذلك لم يبادر المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى إلى تعليمنا إياها.. فإنه ليس بالذي يلعب معنا في مثل هذه الأمور، ولا في غيرها.

2 ـ إن النصوص التي تتحدث عن امتياز الزهراء «عليها السلام» بأمور ليست لسواها هي من الكثرة بحيث تثبت هذا الامتياز لها «عليها السلام» ـ حتى ليكون إنكار ذلك جريمة كبيرة في مستوى إنكار حقيقة جاء بها رسول الله «صلى الله عليه وآله».

ومهما يكن من أمر، فإن كل هذه الغيوب المرتبطة بالزهراء «عليها السلام» هي كغيرها من مفردات الغيب الكثيرة، جزء من هذا الدين، ولها دورها وأهميتها البالغة في صياغة الشخصية الإيمانية، والإنسانية، والرسالية بما لها من خصائص تتبلور من خلالها الشخصية الإسلامية الحقيقية..

وللمزيد من التوضيح راجع كتاب مأساة الزهراء([5])، فقد ضمّناه بحثاً حول الإيمان بالغيب، يحسن الرجوع إليه، والوقوف عليه.

605 ـ عدم العادة الشهرية للزهراء حالة مرضية.

606 ـ عدم العادة نقص في الأنوثة، وفي شخصيتها كامرأة.

607 ـ عدم العادة ليس فضيلة ولا كرامة للزهراء.

608 ـ القول بعدم العادة من السخافات.

ويقول أيضاً:

«إن عدم رؤية السيدة الزهراء للعادة الشهرية يعتبر حالة مرضية تحتاج الى العلاج، أو هي على الأقل نقص في أنوثتها، وفي شخصيتها كامرأة، ولا يمكن عد ذلك من كراماتها وفضائلها، وكذا الحال بالنسبة لدم النفاس».

بل يصف هذا البعض:

«القول بتنزه الزهراء عن الطمث والنفاس بأنه من السخافات».

وقفة قصيرة:

1 ـ لقد تحدثنا في كتاب مأساة الزهراء «عليها السلام» عن هذا الأمر، وذكرنا أربعة وعشرين حديثاً مروياً في كتب الشيعة أو السنة أو هما معا، تثبت كلها: أن الزهراء «عليها السلام» منزهة عن هذا الأمر، فمن أرادها فليراجعها.

2 ـ إن الآية الشريفة قد قررت: أن المحيض للمرأة هو من جملة الأذى، واعتبرته بعض الروايات اعتلالاً.

كما أن بعض الروايات اعتبرت هذا التنزه من مفردات الطهارة.

وقالت روايات أخرى: إن ذلك من خصوصيات بنات الأنبياء.

3 ـ وبعد.. فإن من يكون مسلّماً لأقوال رسول الله «صلى الله عليه وآله»، والأئمة «عليهم السلام» لا يمكن أن يعتبر القول بتنزيه الزهراء عن الحيض والنفاس من السخف، بل عليه أن يقبل بذلك، ويسلم به، وإن لم يدرك عقله السبب في ذلك.. ولا يمكن أن يكون شيء مما يقوله المعصوم سخيفا، أو خاطئا أو غير مفيد لمن علمه.

4 ـ إنه قد يحدث لبعض النساء أن لا ترى دم نفاس ولا حيض أبداً، أو أنها ترى منه الشيء اليسير، ولا يعد ذلك نقصاً في أنوثتها، ولا في شخصيتها كامرأة..

بل نجد ذلك يقع موقع الاستحسان والغبطة من مثيلاتها ورفيقاتها.

5 ـ إن حالة الحيض والنفاس حدث يقعد المرأة عن الصلاة، وعن الصوم، وعن دخول المساجد، وذلك يحجزها عن أن تعيش الأجواء الروحية بكل حيويتها وصفائها وقوتها..

6 ـ إن الله قادر على أن يخلق المرأة التي لا تحيض دون أن ينقص ذلك من أنوثتها، ودون أن يغير في طبيعتها.

7 ـ وبعدما تقدم، فإن اختصاص السيدة الزهراء «عليها السلام» بهذه الخصوصية تمييزاً لها عمن سواها، يعتبر تكريماً وتشريفا لها، واهتماما بها، فهو إذن كرامة لها منه تعالى، وفضل لها على من سواها.

8 ـ وأخيراً، فإن اعتبار عدم الطمث في المرأة نقصاً إنما هو من جهة ما يصاحبه من العقم وعدم القدرة على الإنجاب، وأما إذا قدّر الله لامرأة ـ كالزهراء «عليها السلام» ـ أن تتنزه عن الطمث مع كمال القدرة على الإنجاب، خصوصاً انجاب أولاد كالحسنين وزينب «عليهم السلام» جميعاً فإن ذلك يكون الغاية في كمال المرأة وطهارتها وسلامتها.


([1]) الآية 42 من سورة آل عمران.

([2]) الزهراء القدوة 120.

([3]) راجع كتاب: مأساة الزهراء ج1 ص83.

([4]) راجع: مأساة الزهراء ج1 ص49.

([5]) مأساة الزهراء ج1 ص85 ـ 92.

 
   
 
 

موقع الميزان