الفصل الثاني
فقه الجنس..
1203ـ نظر الرجال إلى عورات النساء.
1204ـ النظر إلى عورة الرجال جائز في
المزاح.
1205ـ حرمة النظر إلى العورات ليس
تعبديا.
1206ـ من أسقط حرمة نفسه جاز النظر إلى عورته.
1207ـ محاولة تجويز النظر إلى نوادي
العراة.
إن من الواضح بأن حرمة النظر إلى أجساد وعورات الناس
معلومة بالبداهة، وقد روي بسند صحيح عن أبي عبد الله «عليه السلام» في
تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ﴾([1])،
قال «عليه السلام»:
كل آية في القرآن في ذكر الفروج فهي من الزنا، إلاّ هذه
الآية فإنّها من النظر، فلا يحل لرجل مؤمن أن ينظر إلى فرج أخيه، ولا
يحل للمرأة أن تنظر إلى فرج أختها([2]).
وروى الكليني عن الإمام الصادق «عليه السلام» أيضاً في
تفسير الآية السابقة:
فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم، وأن ينظر المرء إلى فرج
أخيه،
ويحفظ
فرجه من أن ينظر إليه، وقال: ﴿وَقُلْ
لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ
فُرُوجَهُنَّ﴾([3])،
من أن تنظر إحداهن إلى فرج أختها وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها الخ..([4]).
وعن أبي جعفر «عليه السلام» قال:
كان علي بن الحسين «عليه السلام» إذا حضرت ولادة
المرأة،
قال:
أخرجوا من في البيت من النساء،
لا يكن أول ناظر إلى عورتها([5]).
وفي حديث المناهي قال:
ونهى المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة([6]).
وفي حديث آخر: «ليس للوالدين أن ينظرا إلى عورة
الولد، وليس للولد أن ينظر إلى عورة الوالد.
وقال: لعن رسول الله «صلى الله عليه وآله» الناظر
والمنظور إليه في الحمّام بلا مئزر»([7]).
وجاء في حديث آخر:
عورة المؤمن على المؤمن حرام([8]).
وراجع أمر النبي «صلى الله عليه وآله» لأم أنس وهو
يعلمها كيف تغسل إحدى النساء غسل الأموات،
حيث أمرها أن تلقي على عورتها ثوبا ستيرا ثم تدخل يدها
من تحت ذلك الثوب لمباشرة غسلها([9]).
ولكن هذا البعض يحلل نظر المرأة إلى عورة المرأة، بل هو
يحلل النظر إلى عورات النساء والرجال على حدّ سواء حتى المسلمين
والمسلمات إذا أسقطوا وأسقطن حرمة أنفسهم وأنفسهن، بل هو يقول:
إذا أراد البعض المزاح وأظهر عورته مصرّا على ذلك جاز
للآخرين النظر إليه.
وذلك استنادا إلى استحسانات عقلية وإلى القياس.
فهلاّ ذكر لنا عالماً واحداً يوافقه في هذه الفتوى؟!
وكيف ثبت له: أن إسقاط الإنسان المسلم لحرمة نفسه يوجب
سقوطها بالفعل؟! وهل حرمته تابعة لإسلامه، وناشئة من الجعل الإلهي أم
أنها تابعة لقرار الشخص نفسه؟!
ويستدل على ذلك بدليل استحساني فيقول:
«عالم النظر هو عالم الإحترام فكل إنسان يسقط احترامه
من هذا الجانب،
جاز
للآخرين النظر إليه،
لأن النظر
ليس حالة أخلاقية تنطلق من تحذير الناس من الوقوع في هذا الفخ،
بل في احترام الإنسان الذي ينظر إليه.
وهذا يختلف باختلاف الأزمان، فلو أن النساء قد
اعتادت الخروج بلباس البحر جاز النظر إليهن بهذا اللحاظ. وعلى هذا فلا
بد من الإقتصار على ما جرت عادتهن على عدم ستره ولا يجوز التلصص على
النساء للإطلاع على ما يخفينه،
وإن كن غير مسلمات.
وهناك نقطة مهمة،
وهي
التعليل بـ: «أنهن لا ينتهين إذا نهين» يشمل كل النساء من المسلمات
والكافرات اللاتي يكشفن بعض أجزاء من الجسد،
مع
الإصرار على ذلك بحيث لا يستجبن لأي نهي عن الموضوع،
وذلك من خلال إلغاء خصوصية المورد.
هذا بالإضافة إلى ما أشرنا إليه من أن حرمة النظر
ناشئة من حرمة الجسد لدى صاحبه،
مما
يخفيه منه،
لا من خلال
حالة تعبدية في مثل هذه الموارد،
ولذلك ورد أنه لا مانع من النظر إلى عورة الكافر فهي
كعورة الحمار، من خلال عدم الإحترام له من قبل الشرع، أو من قبل
صاحبه.
وفي ضوء ذلك قد يشمل الموضوع النظر إلى العورة عندما
تكشفها صاحبتها،
كما في
نوادي العراة،
أو السابحات
في البحر في بعض البلدان،
أو نحو ذلك.
بل قد يستوحي الإنسان جواز النظر إلى عورة الرجل،
إذا
كان ممن لا ينتهي إذا نهي تمرّدا أو مزاحا،
أو نحو
ذلك،
لأنه لا
خصوصية للمرأة في تلك الرخصة،
بل ربما كان التحفظ من المنع بالنسبة إلى المرأة أكثر
من الرجل.
فالقضية ـ من خلال استيحاء التعليلـ هي أن كل إنسان
يهتك حرمة نفسه بكشف ما لا يجوز كشفه في الشرع أو في العرف الإجتماعي،
ولا
يستجيب للردع عن ذلك من الناس،
فإن
الشارع يسقط حرمته،
ولا يجعل منه
مشكلة للآخرين، في
المنع عن النظر إلى ذلك»([10]).
ولا يصح لأحد أن يعترض هنا ويقول إن ذلك بحث علمي،
قد تطابقه الفتوى، وقد لا تطابقه..لأن ذلك البعض يصر على إطلاق الفتوى
بمجرد تمامية الأدلّة عليها، فهو يقول:
«إن الإنسان إذا أراد أن يعيش اجتهاده لنفسه،
من
خلال تحفظاته الذاتية،
فعليه أن لا يبرز للمجتمع كمرجع في الفتوى. بل عليه أن
يحتفظ بفتاواه واحتياطاته لنفسه.
أما إذا كنت الإنسان الذي يقف لينيب عن المجتمع في
اجتهاداته، وفي اكتشاف الحكم الشرعي، فعليك أن تتحمل مسئولياتك
الإجتماعية، فإذا تمت لديك الأدلة الشرعية التي تستطيع أن تقدمها أمام
الله لو حاسبك، فليست هناك مشكلة في أن تطلق الفتوى، ولن يحاسبك الله
على ما لا يد لك فيه،
لو كان هناك خطأ غير مقصود»([11]).
ويقول:
«عندما يثبت عندنا الحكم الشرعي،
من
خلال أدلة،
ونرى أنه يحل
مشكلة للناس،
فإننا نفتي
بذلك،
ولا نحتاط،
لأن
الإحتياط عندما لا يكون واجبا فسوف يعقد حياة الناس،
إلاّ
إذا أردت أن تملأ الرسالة بالإحتياطات اجلس في بيتك واحتط لنفسك،
لأن للناس مشاكلهم وقضاياهم»([12]).
وقد سجل ذلك في كتابه الذي طرحه للتداول، وهو (المسائل
الفقهية) فقد أورد سؤالا يقول:
«النظر إلى النساء اللواتي إذا نهين لا ينتهين هل يجوز
في موضع العورة أيضاً»؟!
فأجاب:
«يجوز ذلك في الأوضاع التي اعتدن كشفها بشكل طبيعي»([13]).
1208ـ ليس للمرأة إلا ما يخرج عند بداية الشهوة.
1209ـ الذهنية الفقهية من خلال بعض
النصوص ـ وجود ماء للمرأة.
1210ـ الذهنية الفقهية ـ من خلال النص
تخالف بديهيات الطب.
1211ـ لا بد من تأويل الأخبار عن ماء
المرأة، أو ردّ علمها إلى أهلها.
1212ـ يرد روايتين تدلان على حرمة
الإستمناء للمرأة.
12133ـ الداعي لتحليل استمناء المرأة نساء سجن أزواجهن
أو غابوا.
1214ـ الإستمناء للمرأة لا يؤدي إلى
أضرار كبيرة توجب التحريم.
1215ـ بعض الروايات هي السبب في فهم
هذا المعنى من الآية.
1216ـ الروايات لا تمثل سنداً قطعياً.
1217ـ الكشف عن أن المرأة لا ماء لها
لا يفيد إلا الظن.
1218ـ قد يكشف العلم أن للمرأة ماءً.
1219ـ لعل الترائب لا تختص بالمرأة.
1220ـ تخصيص الترائب بالإضافة للمرأة
ـ دليل عموم مفهومها.
يقول البعض:
«ربما بعض القضايا نحتاج فيها إلى الرجوع للخبراء،
مثلاً هناك جدل في مسألة، وهذا الجدل ينطلق من فكرة أن الرجل إذا خرج
منه المني فعليه أن يغتسل، كما أنه لا يجوز له الإستمناء، أي ممارسة
العادة السرية لإخراج المني، هذا أمر لا شك فيه، هنا وقع نزاع:
هل حكم المرأة كحكم الرجل؟!
هل المرأة إذا وصلت إلى قمة الشهوة من دون عملية جنسية
كاملة، من دون دخول كما يقولون، عليها الإغتسال أم لا؟!
وهل يحرم على المرأة العادة السرية، بقطع النظر عن
النتائج السلبية النفسية وغيرها؟!
هل يحرم هذا العمل في ذاته بقطع النظر عن النتائج
السلبية التي تجعله حراماً بالعنوان الثانوي؟!
هنا ينطلق البحث من حيث ما كان متوفراً لدى القدماء،
ولكنهم لم يصلوا فيه إلى نتيجة:
هل للمرأة منيّ أم ليس للمرأة منيّ؟!
هل يخرج من المرأة عند وصولها إلى قمة الشهوة ماء كما
الرجل، أم أن المسألة هي مسألة توترات وتشنجات نفسية من دون أن يكون
هناك أي ماء عند وصولها إلى اللحظة الحاسمة؟! هناك ماء يخرج في بداية
الشهوة، ولكن هذا الماء ليس هو المني، هو بمثابة المني، هو مظهر الشهوة
وليس قمتها.
والسؤال عندما تصل إلى منتهى اللذة في شكل سطحي من دون
دخول، هل يخرج منها شيء أم لا؟!
كانت الذهنية الفقهية من خلال بعض النصوص أو غيرها
تقول إن للمرأة ماء كما للرجل. كما أن الرجل إذا خرج منه الماء يحكم
عليه بوجوب الغسل ويحرم عليه إخراجه بطريقة ذاتية، كذلك المرأة.
حاولت أن أرجع إلى أهل الخبرة في هذا المجال، لأننا لا
نملك الوسائل التي تستطيع أن ننهي فيها هذا الجدل.
هل للمرأة ماء أم لا؟!
لأن المسألة متصلة بالجانب التشريعي.
ولذلك حملت أسئلتي هذه إلى بعض المختصين من أصدقائنا في
أميركا ليرجعوا فيها إلى أهل الاختصاص الكبار وجهت سؤالاً إلى عميد
كلية الطب في الجامعة الأميركية سابقاً الدكتور عدنان مروة، وكانت
النتيجة أن المرأة لا منيّ لها.
وأن هناك ماء يخرج في بداية الشهوة يعادل عملية
الانتصاب للرجل، فهو مظهر الشهوة وليس نهايتها، وهذا ليس هو المنيّ.
أما عندما تصل المرأة إلى قمة اللذة، فإنه لا يخرج منها
شيء، وليست هناك غدة تفرز الماء وبعدما وصلت إلى هذه النتيجة، والتي
رأيت أنها من الأمور البديهية لدى الأطباء، تقرّرت لدي الفتوى بأن
المرأة إذا لم تدخل في عملية جنسية كاملة لا تحكم بالجنابة، حتى لو
وصلت إلى قمة الشهوة فليس عليها الغسل.
وهكذا فإن العادة السرية بالنسبة إلى المرأة ليست
محرّمة من هذه الجهة، لأن العادة السرية تحرّم مع حصول الإمناء كما
يقول السيد الخوئي في بعض أجوبة استفتاءاته.
فإذا لم يكن هناك منيّ فليس هناك إمناء.
لكننا في الوقت نفسه لا نشجع على ممارسة هذه العادة،
ليس من ناحية الحرمة الذاتية بل من ناحية الأضرار النفسية وغير النفسية
التي قد تؤثر على الحياة الجنسية للمرأة في المستقبل، وقد تؤدي إلى
أزمات نفسية في ذاتها.
لكننا كنا نعالج الأمر من خلال ذاتية العمل، لا من خلال
العناوين السلبية الأخرى التي يمكن أن تنعكس على العمل، في الجانب
النفسي من حياة المرأة أو في الجانب الجسدي الآخر الذي قد يؤدي إليه
إدمان هذه العادة مثلاً»([14]).
ويقول:
«أما مسألة جواز العادة السرية للمرأة فنلتقي فيه مع
رأي كل الفقهاء الذين يربطون الحرمة للرجل والمرأة بالإستمناء الذي
يتوقف على إخراج المني بالعادة السرية.
وهذا ما صرح به السيد الخوئي في كتابه: منية السائل([15])
جواباً عن السؤال عن حرمة العادة السرية للمرأة فأجاب:
يحرم مع حصول الإمناء هذا مع ملاحظة: أن أهل الخبرة من
الأطباء يقولون:
إن المرأة لا مني لها، مما يفرض تأويل الأخبار الواردة
عن ماء المرأة، أو ردّ علمها إلى أهلها في الحرمة في مثل هذه الأمور
على تقدير ثبوتها مطلقاً.
وهناك وجه للقول بالحرمة على تقدير عدم ثبوت نفي الماء
عن المرأة، بقاعدة اشتراك المرأة والرجل»([16]).
ويقول:
«ولكننا في الوقت نفسه نرجح للمرأة أن لا تأخذ بهذه
العادة، إذا صحّت فرضية عدم وجود مني لها، لأن ممارستها لهذه العادة
القبيحة قد يُسيء إليها عند زواجها، ويسبب لها مضاعفات نفسية، وعصبية،
وطبية جسدية ليست في مصلحة حياتها الطبيعية، أو وضعها الاجتماعي أو
مستقبلها الزوجي.
وقد حاول بعض الفضلاء ـ ردّاً على رأينا من حلية العادة
السرية للمرأة بقطع النظر عن الإمناء ـ أن يستدل بروايتين:
الأولى: رواية «عبيد بن زرارة» قال:
كان لنا جار شيخ له جارية فارهة، قد أُعطي بها ثلاثين
ألف درهم، وكان لا يبلغ منها ما يريد، وكانت تقول: اجعل يدك بين شفريَّ
فإني أجد لذلك لذة، وكان يكره أن يفعل ذلك.
فقال لزرارة: سل أبا عبد الله جعفر الصادق «عليه
السلام» عن هذا، فسأله فقال:
لا بأس أن يستعين بكل شيء من جسده عليها، ولكن لا
يستعين بغير جسده عليها»([17]).
الثانية: روايته الأخرى: قلت لأبي عبد الله «عليه
السلام»:
الرجل يكون عنده جواري فلا يقدر على أن يطأهن، يعمل لهن
شيئاً يلذذهن به؟!
قال: أما ما كان من جسده فلا بأس([18]).
ولكنّ الروايتين ظاهرتان في عدم جواز استعمال وسيلٍة
خارجيةٍ من قبل الرجل لتلبية حاجات زوجته الجنسية، لأنها طلبت منه
الممارسة بيده، أو بشيء من جسده، وليس له أن يفعل ذلك بغيره، ولا إشارة
فيها إلى مسألة ممارستها لذلك بيدها من قريب أو من بعيد.
سؤال: طالما أن هذه الفتوى لا تمثل في موضوعها أية
ضرورة عملية، بل ربما تؤدي إلى بعض الفساد والانحلال الخلقي، عندما
تأخذ النساء بهذه الفتوى فيقعن في السلبيات الأخلاقية، لذلك فإن البعض
قد يتساءل لماذا لا تكون هناك فتوى بالإحتياط عليها؟! أو لماذا هذه
الإثارة بشكل عام؟!
جواب: إن هذا البعض الذي يتحدث بهذه الطريقة لا يعيشٍ
المشاكل الحادّة التي تتحرك في الواقع النسائي، أمام بعض الأوضاع
القاسية الملحّة التي تدفع المرأة إلى معرفة الحكم الشرعي الذي يعمل
على أن يجد الحل لهذه المشاكل من خلال الأدلة الشرعية.
ونحن عشنا، في نطاق دراسة الواقع والإستفتاءات الموجهة
إلينا، عمق هذه المشكلة في عدّة حالات، الحالة التي يكون زوج المرأة في
السجن، ولا تعرف حياته أو موته، أو أنه يقضي فيه مدة طويلة من دون أن
تكون لها ظروف شرعية أو اجتماعية للطلاق، أو الحالة التي غاب فيها
الزوج غيبة منقطعة، والحكم المشهور أنها تصبر أربع سنين، ليطلقها
الحاكم الشرعي بعد ذلك، فإذا كان وليه ينفق عليها فتبقى ـ على حالها ـ
إلى الأبد، أو الحالة التي يغيب فيها الزوج في بلاد الإغتراب لمدة
طويلة جداً لا تحتمل عادة، وليس بوسعه أو وسعها الإلتقاء لأسباب مادية
أو غيرها.
إن هذه الحالات التي تتحول إلى مشاكل جنسية خانقة تفرض
على الفقيه التفكير في الحل إذا كان له في الأدلة الشرعية ما يحقق
النتائج الإيجابية، ومن الطبيعي أن للعادة السرية مشاكلها، ولكن يبقى
للتحريم أو للإهمال الشرعي مشاكله الأكثر تأثيراً على حياة المرأة، لا
سيّما المتزوجة التي لا تملك فرصة شرعية للحل من الناحية الجنسية.. هذه
هي الأمور التي دفعتني إلى دراسة المسألة بطريقٍة مسؤولةٍ شرعاً.
سؤال: ألا يمكن اعتبار هذه الأضرار التي تذكرونها سبباً
لتحريم هذه العادة؟
جواب: لا أتصور أنها تؤدي إلى إضرار بحيث يمكن من خلاله
الحكم بالحرمة»([19]).
ونقول:
إن التقرير الذي استند إليه في الحكم بعدم وجود ماء
للمرأة قد ذكره هو نفسه في آخر كتابه: فقه الحياة.. حيث ذكر هناك: أنه
وجّه أسئلة إلى أهل الاختصاص، وإلى الدكتور عدنان مروة، فأجابه هذا بما
يلي:
السلام عليكم، هذه أجوبة مقتضبة للمسائل التي طرحتموها
في رسالتكم:
ـ المسألة الأولى: هل للمرأة مني كمني الرجل، بحيث
يكون من فصيلته، أو مشابهاً له، وذلك عند بلوغ اللذة؟
ـ الجواب: لا مني عند المرأة مشابهاً لمني الرجل،
والسائل الذي تفرزه المرأة مع الإثارة الجنسية هو رشح من جدران المهبل،
ويستمر مع الإثارة الجنسية، سواء تصاحبت هذه الإثارة مع جماع، أو عادة
سرية، أو قراءة كتاب، أو حتى تفكير في أمور مدعاة للإثارة، وبذلك فهو
مشابه للإنتصاب عند الرجل.
بلوغ اللذة أو الرعشة عند الرجل يتزامن مع قذف المني،
بينما عند المرأة فبلوغ الرعشة يتزامن مع تغييرات فسيولوجية أبرزها
التشنج في العضلات، وازدياد في خفقان القلب، وازدياد في سريان الدم في
الجلد، مما يحدث احمراراً وسخونة([20]).
ويذكر هذا البعض نفسه عن الدكتور كرم كرم أنه أجاب:
«عند المرأة السائل يرشح كالعرق، دونما دفع إلى مسافة،
وهذا يحصل في كل مراحل الإستجابة، سواء في البداية عند الإثارة، أو في
الهضبة، أو الإيغاف أي النشوة.
أي أنه ليست هنالك حالة خاصة تتميز برمي سائل، أو
تقيؤه، أو قذفه من عضو إلى مكان آخر..
هو عرق ترشح به أغشية المهبل، منذ بداية الإثارة
الجنسية ليزداد، ويتصبب في المراحل اللاحقة، عند الهضبة، أو الإيغاف في
النشوة»([21]).
ونلاحظ على ما تقدم ما يلي:
1 ـ
إن هناك روايات تعدّ بالعشرات ـ وعدد وفير منها صحيح
سنداً ـ قد ذكرت أن للمرأة ماء..
ولا يعني ذلك:
أن ماء المرأة هو مني ـ كمني الرجل بحيث يكون من
فصيلته، كما يريد هذا البعض أن يدعي.
فإن مني الرجل يشتمل على حيوانات منوية تهاجم البويضة
ويتم التلقيح، فهل يريد هذا البعض أن يشتمل ماء المرأة على حوين منوي
مذكر، من شأنه أن يلقح البويضة ويكون الحمل؟!..
حتى إذا ساحقت المرأة لزم أن تحمل المرأتان معاً !!!
وإذا لم يكن هذا هو المقصود، فماذا يريد إذن بقوله:
«كمني الرجل، بحيث يكون من فصيلته»؟!
وإذا كان هذا هو السؤال، فهل يتوقع عاقل أن يكون الجواب
بنعم؟!.
وإذا كان الجواب هو «نعم»، ألا يسقط المجيب عن مقامه،
ويصير مهزأة الناس، ومسخرة للعالم وللجاهل على حد سواء؟!
فإذا كانت الفتوى قد ارتكزت على هذا الجواب لذلك السؤال
فلا نملك إلا أن نقول:
إنا الله وإنا إليه راجعون..
2 ـ
إن الروايات التي تتحدث عن ماء المرأة ـ وهي تعدّ
بالعشرات ـ ومنها عدد وفير صحيح السند، أو معتبر.. لم يرد التعبير
فيها بكلمة مني إلا في أربع منها فقط، وبعضها لم يرد فيه ذلك على لسان
الإمام «عليه السلام» وإنما على لسان السائل.
وإذا كان الأمر كذلك فإن من الواضح:
أن التعبير في هذه الروايات بكلمة «مني» إنما هو
لمشابهته للمني في أنه يترشح حين الشهوة ويحدث الفتور.
3 ـ
إن كلمة «مني» لا تختص ـ في اللغة بما يقذفه الرجل حين
الجماع، بل معناه الإراقة، حيث يقال: أمنى الدماء: أراقها([22]).
وهو قوله تعالى: ﴿أَلَمْ
يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى﴾([23]).
أي يراق على حد تعبير هذا البعض نفسه([24]).
4 ـ
إن هذا البعض
نفسه يصرح بوجود ماء دافق للمرأة، فهو يقول في تفسير قوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ
الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ﴾([25])
يندفع ويسيل بدفع وسرعة، وهو المني. يخرج من بين الصلب والترائب. أي
صلب الرجل، وهو عظام ظهره الفقارية، ومن ترائب المرأة، وهي عظام صدرها
العلوية.
وفي تفسير قوله تعالى: ﴿خُلِقَ
مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾([26])،
يقول هذا البعض تحت عنوان: الآية والاكتشافات العلمية، ما يلي:
«وقد تحدث بعض المختصين بأن الإكتشافات العلمية لا
توافق أن يكون نشوء هذا الماء الدافق من الصلب في الرجل، والترائب في
المرأة، لأنَّ هناك من ينكر وجود منيِّ للمرأة، فضلاً عن انطلاقه من
ترائبها، وإذا كان المراد بذلك بويضة المرأة التي يفرزها جسدها لتلقحها
النطفة، فإن التعبير لا يلائمها ـ أوّلاً ـ ثم إن مصدرها ليس الترائب
ـ ثانياً ـ فكيف نفسّر ذلك؟!
وإذا كنا لا نملك اختصاصاً في هذا المجال، فلا نستطيع
أن نخوض في حديثٍ علميٍّ تحليليٍّ لهذا الموضوع سلباً أو إيجاباً،
ولكننا قد نلاحظ: بأن الحديث عن إرادة الماء الممتزج من ماء الرجل
والمرأة، من كلمة الماء الدافق، ناشىءٌ من بعض الروايات التي لا تمثل
سنداً قطعياً، في ما هي الحقيقة الشرعية.
كما أنّ هذا الكشف العلمي الناشيء من تأملات تجريبيّةٍ،
لا يفيد إلاّ الظنّ، فلا يمكن لنا أن نتوقف هنا أو هناك، لنتحفظ في
الحقيقة القرآنية التي لا تصدر من تجربٍة ظنيّة، بل هي وحي الله الذي
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد يكتشف الإنسان نظريةً
علميةً جديدةً تقلب موازين هذا الإكتشاف رأساً على عقب، فتثبت بأن
للمرأة ماءً كما هو للرجل، كما تتحدث عن مصدره بما لا يتنافى مع
القرآن.
ومن المحتمل أن يكون المراد من الماء ماء الرجل الذي
يخرج من الصلب والترائب، إذا كانت كلمة الترائب تتسع لعظام الصدر
العلوية للرجل، كما هي للمرأة، والظاهر أن الأمر كذلك، ولذا احتاج
التخصيص بها إلى الإضافة؛ والله العالم»([27]).
5 ـ
إن هذا البعض يقول:
«ليس هناك ماء للمرأة إلا ما يحصل في بداية الشهوة ـ
أما عندما تصل المرأة إلى قمة الشهوة فانه لا يخرج منها شيء..».
مع أن كلام الذين استند إليهم في فتواه يعارض ذلك، فهم
يقولون: إن الماء يبقى يترشح من بداية الشهوة إلى نهايتها.. فراجع كلام
الدكتور كرم كرم الذي نقلناه آنفاً. وكلام الدكتور عدنان مروة أيضاً.
فإنهما قد صرحا بأن هذا الترشُّح يستمر مع الإثارة الجنسية، وأنه
يتزايد ويتصبب في المراحل اللاحقة.
ومع غض النظر عن ذلك، فإن هناك من يصرح بحدوث قذف
للمرأة، وتقول:
«بينما تقوم رعشة الرجل على القذف، ترى رعشة المرأة
تقوم على امتصاص المني. وعندها أيضاً تحدث الإحتكاكات هياجاً في
الأعصاب والعضلات والغدد يصل إلى أعلى درجاته ويضيّق مدخل المهبل ليمنع
خروج المني، فيفرز الرحم حينئذ سائلاً لزجاً ينحدر إلى المهبل ليجذب
المني ويدعوه للإستيطان في جوفه، وحال ما تحصل الرعشة الحاسمة ينقبض
الرحم بكامل قواه العضلية، وينتصب ماداً عنقه نحو الأسفل وتغوص فوهته
الخارجية بالمني، فيأخذ بامتصاصه كما يلثم السمك الشبوط طعامه،
واعتباراً بهذه الوظيفة دعا علماء التشريح الرحم بـ «آكل المني»
SPERMIVORE
وامتصاص المني يجري على طريقة «القطارة»، فكما يوضع أنبوب القطارة في
الماء بعد إفراغها من الهواء فيمتلئ، كذلك يفرغ الرحم من الهواء عند
الإنقباض وبعد الرعشة الكبرى يتراخى ويمتص المني.
والمهبل يكرر انقباضاته كالرحم عند الرعشة الكبرى وتفرز
غدده سائلاً مخاطياً يعتبر «قذف» المرأة.
وهذا القذف الذي لا يلاحظه الرجل إلا عند المرأة
الشهوانية يؤذن بحدوث الرعشة الكبرى وانقباضات الجهاز الجنسي عندها كما
عند الرجل تتصل بعضلات الحوض فيكون هذا بانتفاضات موزونة ويشتد التصاقه
بحوض الرجل ويبتلع ـ إذا صح التعبير ـ قضيبه وهذا الإلتصاق في الجهازين
يمنع إراقة المني في الخارج.
وتماماً كالرجل تفرغ المرأة غددها من الدم وتكف
انقباضات عضلاتها فيمتلكها شعور خفيف لطيف وأحياناً تجعلها الرعشة
الكبرى بحالة الإغماء، ويخيل أن عينيها قد انطفأتا. وفي هذه اللحظات
تضفي عليها الطبيعة فيضاً من اللذة والجمال([28]).
وراجع ما قاله الدكتور كليفورد أدامز([29]).
فضلاً عما قاله آخرون..
6 ـ
إن تعبير الفقهاء بكلمة الإمناء والإستمناء ـ لا يعني:
أنهم يقصدون خروج مني من المرأة يشبه مني الرجل بحيث يكون من فصيلته ـ
على حد تعبير هذا البعض ـ لكي نحتاج إلى تأويل الأخبار التي تتحدث عن
ماء المرأة ـ كما يقول أيضاً.
بل يقصدون خروج الماء المصاحب للشهوة، سواء أكان من
فصيلة ماء الرجل أو من غير فصيلته ـ كما أن عشرات الروايات إنما تحدثت
عن إنزال المرأة، وعن ماء المرأة، ولم يرد التعبير الآخر إلا في عدد
يسير منها.
وقد قلنا: إن ذلك قد جاء على سبيل المجاز والعناية من
حيث الفتور وخروج ماء حين الإثارة والشهوة، من المرأة، كما هو الحال في
الرجل.. فصح التعبير بهذا عن ذاك.. كما يصح التعبير بالخسوفين
والكسوفين، واستعمال كلمة خسوف وكسوف بالنسبة لكل من الشمس والقمر على
حد سواء.
7 ـ
بقي أن نشير إلى أن هذا البعض قد ردّ الإستدلال
بالرواية التي تقول: ولكن لا يستعين بغير جسده عليها..
والرواية التي تقول: «أما ما كان من جسده، فلا بأس..».
ونسأل هذا البعض:
هل يجوز لها أن تمارس هي العادة السرية بوسائل أخرى غير
يدها أيضاً؟! أم أنه يشترط في جواز العادة السرية لها أن تكون بيدها..
إنه لم يشترط ذلك في كل أحاديثه المكتوبة التي اطلعنا عليها..
كما أن أدلته التي استند إليها للحكم بجواز العادة
السرية، وهي أنه ليس للمرأة ماء تقتضي الجواز مطلقاً، أي سواء أكان ذلك
بيدها، هي أم بيد غيرها، أم بأية وسيلة تقع تحت اختيارها، حتى الآلات
المشبهة لإحليل الإنسان.. فان المانع عنده من استعمال العادة السرية هو
خروج المني، ولا مني للمرأة، فلا يبقى مانع يمنع من ذلك..
ويصبح تقييد الإمام «عليه السلام» بأن يستعين عليها
زوجها بجسده، ولا يستعين عليها بغير جسده ـ في غير محله ـ نعوذ بالله
من الزلل في الفكر والقول والعمل..
8 ـ
أما بالنسبة لحجم الأضرار النفسية التي تنشأ من
ممارستها للعادة السرية.. حيث قال:
«لا أتصور أنها تؤدي إلى أضرار بحيث يمكن من خلاله
الحكم بالحرمة».
فلا ندري كيف يمكن قبوله منه.. وهو ليس مطّلعاً على
الغيب لكي يملك تقدير حجم الضرر هنا، فيحكم بأنه لا يوجب الحرمة..
وتقدير حجمه في شرب الدخان ليحكم بالحرمة فيه..
فكيف عرف أن شرب الدخان يكون ضرره أكبر من نفعه.. ولكن
استعمال العادة السرية نفعه أكبر من ضرره؟!
وأين هو الدليل القطعي الذي يشترطه هو في أمثال هذه
الأمور؟!
وأي مقياس حدّد له هذه الأحجام التي هي موضوعات واقعية
للأحكام.
9 ـ
وأما قوله إن التحريم له مشاكله الأكثر تأثيراً على
حياة المرأة.. ولا سيما المتزوجة التي لا تملك فرصة شرعية من الناحية
الجنسية..
فذلك غير مقبول أيضاً، فإن في صورة التحريم يمكن
للعزباء اللجوء إلى الزواج الموقت ويمكن للمتزوجة التي تتعرض للإنقطاع
عن زوجها مدة طويلة أن تلجأ إلى طلاق الحاكم الشرعي، حيث يخاف عليها
الوقوع في الحرام.. إن لم يمكن التحمل والصبر أبداً.
10 ـ
وإلا، فهل يمكن أن يجيز هذا البعض اللواط للمسجونين
الذين يعانون من الجوع إلى الجنس المماثل، وهل يجيز السحاق أيضاً
للواتي تعانين من شذوذ جنسي أو اللواتي في السجن.. حتى لا يقع هؤلاء
وأولئك بأضرار خطيرة وكبيرة؟!..
11 ـ
ثم إن هذا
البعض لم يكن موفقاً، حتى حين تحدث عن وجود ماء للمرأة، وهو يفسر قوله
تعالى: ﴿خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ﴾([30]).
وذلك لأنه وإن اعترف بأنه لا يملك اختصاصاً في هذا
المجال.. لكنه عاد، واعتبر أن إرادة الماء الممتزج من ماء الرجل
والمرأة من كلمة «الماء الدافق». ناشئ من بعض الروايات التي لا تمثل
سنداً قطعياً..
ونقول:
أولاً:
إن ذلك لم ينشأ من الروايات، بل هو ناشئ من أن أهل
اللغة يصرّحون باختصاص الترائب بالنساء.. وشذ منهم من اعتبرها عامة
فيهم وفي الرجال.. ويظهر ذلك من طبيعة تفسيرهم لكلمة الترائب حيث:
يذكرون أنها معلق الحلي على الصدر وموضع القلادة، ونحو ذلك من تعبيرات
تناسب حال المرأة.
وقال الفراء: «يعني صلب الرجل. والترائب المرأة..»([31]).
وعدا ذلك كله،
فإن الزبيدي قال: بأن الترائب خاصة بالنساء، وشذّ من
قال غير ذلك من علماء غريب اللغة. فاستمع إليه يقول:
«.قال شيخنا: والترائب عام في الذكور والإناث وجزم أكثر
أهل الغريب أنه خاص بالنساء، وهو ظاهر البيضاوي، والزمخشري»([32]).
ثانياً:
قوله عن الروايات إنها: «لا تمثل سنداً قطعياً في ما هي الحقيقة
الشرعية» غير مقبول.
وذلك، لأن الروايات ربما تزيد على الثلاثين رواية تصرّح
كلها بوجود ماء للمرأة، وهذا العدد يجعلها متواترة، فكيف إذا عرفنا: أن
عدداً وفيراً منها صحيح السند؟!.
ثالثاً:
إن هذا البعض لا يشترط في «ما هي الحقيقة الشرعية» ـ على حد تعبيره ـ
قطعية السند، بل يكفي عنده كونه معتبراً وحجة شرعية..
رابعاً: إنه يعترف بأن:
«هذا الكشف العلمي الناشىء من تأملات تجريبية لا يفيد
إلا الظن».
فكيف جعله مستنداً لحكمه بجواز العادة السرية للمرأة؟!
مؤكداً على أنها لا ماء لها سوى ما يظهر في أول الشهوة، وأن ذلك بمثابة
الإنتصاب لدى الرجل.
خامساً:
إنه يقول: إن الحقيقة القرآنية لا تصدر من تجربة ظنية.. بل هي وحي
الله.. وقد يكتشف الإنسان نظرية علمية جديدة تقلب موازين هذا الإكتشاف
رأساً على عقب. فتثبت بأن للمرأة ماءً كما هو للرجل. كما تتحدث عن
مصدره بما لا يتنافى مع القرآن..
ونحن نقول له بالنسبة لفتواه بجواز العادة السرية
للمرأة واعتماده على أقوال الدكتور عدنان مروه.. نفس هذا الكلام..
رغم أننا قد عرفنا: أن عدنان مروه لم ينفِ وجود ماءٍ
للمرأة، بل أكّد ذلك وأيّده..
سادساً:
بالنسبة لما ذكره أخيراً من أن الظاهر هو أن الترائب
اسم لمجمع عظام الصدر العلوية، سواء أكانت في الرجل أو في المرأة. قد
عرفت الجواب عنه مما أسلفناه، فإن علماء غريب اللغة، وهم أعرف يؤكدون
ويجزمون ـ إلا شاذاً منهم ـ بأن الترائب تختص بالنساء، ولا تطلق على
الرجل لا من قريب ولا من بعيد.
فلماذا يأخذ بقول شاذ، ويترك قول كل من عداه من علماء
غريب اللغة؟!
أليست اللغة توقيفية سماعية، وليست اجتهادية؟!
سابعاً:
أما بالنسبة لاحتياج تخصيص كلمة ترائب بالمرأة إلى
الإضافة.. فهو غريب وعجيب وذلك لما يلي:
1
ـ إن التخصيص لم يرد في الآية القرآنية..
2 ـ
إن القيد قد يكون احترازياً، وقد يكون توضيحياً، أو
تأكيدياً.
ومن الواضح: أنه هنا قيد توضيحي، فهو من قبيل قولك:
سنام الجمل ـ صوف الأنعام ـ ريش الطير ـ ترائب المرأة ـ وما إلى ذلك..
3 ـ
إن الدليل على أنه قيد توضيحي أو للتأكيد ـ تصريح أهل
اللغة باختصاص الترائب بالمرأة حسبما أشرنا إليه فيما سبق.
1221ـ التأثيرات السلبية للإستمناء على
المرأة أقل خطورة منها على الرجل.
1222ـ إذا لم تبلغ المرأة ذروة الشهوة
من الزوج فيكفيها استعمال الإستمناء.
1223ـ السحاق للمرأة كالإستمناء لها لا
يحقق المعنى الإنساني للجنس.
1224ـ اللواط يشبه الإستمناء للرجل فان
الطرف الآخر لا يشعر باللذة.
ويقول البعض:
«حرّم الإسلام العادة السرية بالنسبة إلى الرجال
باعتبار أنها عملية تفريغ للطاقة، مما يؤدي إلى تبديدها في غير منفعة،
وتعطيل الدافع الطبيعي إلى الزواج وبناء الأسرة.. فالشاب عندما يفكر
بالزواج، يكون الجنس دافعه الأساس إلى ذلك، كذلك الفتاة.
فالجنس هو الحافز الذي يشد الإنسان بقوة إلى دخول
الحياة الزوجية بما فيها من مسؤوليات، فإذا أدمن الشاب العادة السرية،
فقد يمنعه ذلك من الإلحاح في طلب الزواج ويحدّ من اندفاع الرغبة فيه.
لذا حرّم الإسلام العادة السرية للرجل.
أما بالنسبة للمرأة، فإن الموقف الإجتهادي تبعاً للقول
بوجود مني لها أو القول بعدم وجوده. فالقول بوجود مني للمرأة، وهو قول
يتبناه بعض الفقهاء والعلماء الآخرين، يجعل من حكم المرأة حكم الرجل
نفسه في هذا المجال.
أما على القول بأن ليس للمرأة مني لعدم وجود غدة تفرزه
لديها، وعدم حاجتها إليه لعدم تعلق خصوبتها ومقدرتها على التناسل به،
على العكس من الرجل الذي تتعلق خصوبته ومقدرته على التناسل بالحيوانات
المنوية الموجودة فيه، فإن الموقف الفقهي، يقضي بعدم تحريمها على
المرأة حسب رأي البعض، لأن العادة السرية إنما تحرم بعنوان الإستمناء.
وما دامت المرأة لا تملك منياً، فإن ممارستها للعادة السرية لا تحمل
معنى الإستمناء، أي تفريغ الطاقة إلى الخارج.. وإن كانت لا تخلو من
تأثيرات سلبية هي أقل خطورة من التأثيرات السلبية التي تحملها على
الرجل، فهي لا تمنع المرأة من الإقبال على الزواج مهما حققت لها العادة
من لذة؛ لأنها لا يمكن أن تشعر المرأة بالإكتفاء الذي يشعرها به الرجل.
وعلى كل حال، لو قلنا: إن العادة السرية محرمة على
المرأة لاحتمال انطوائها على تأتيرات سلبية على علاقتها بالرجل، فإنها
تبقى حلاً لها بعد الزواج، إذا لم تبلغ كفايتها الجنسية، لجهة تأخر
بلوغها الذروة في الشهوة، إلا بعد بلوغ زوجها ذلك. مما يجعل العادة
وسيلة للوصول إلى تلبية حاجتها الجنسية. وبالتالي يجعلها أمراً مرجوحاً
شرعاً.
ولكن على جميع الحقول، وإن كان بإمكان الرجل والمرأة
تحقيق لذتهما بالعادة السرية، ولكنها مجرد لذة مادية، يعيش فيها
الإنسان لذته مع نفسه، دون أية مشاركة مع الآخر. وهي مجرد عملية آلية
يتم فيها إفراغ المادة إلى الخارج، لذا فان المرأة التي تمارس العادة
السرية لا تحصل على لذة الطمأنينة الجنسية، والسكينة التي يسعى إليها
الإنسان لدى ممارسة الجنس عادة، بل تمارس نوعاً من التنفيس عن احتقان
الشهوة داخل الجسد.
وحالها في ذلك كحال من يفقأ دملة في جسده مثلاً،
ليتخفف من ضغط الألم الذي يحس به»([33]).
وسئل البعض:
ما هو موقف الإسلام من المثليّة الجنسية؟! وهل يختلف
موقفه من السحاق عن موقفه من اللواط؟! وهل يمكن للمثليّة أن تكون
بديلاً عن الزواج الطبيعي؟!
فأجاب:
«السحاق تماماً كاللواط، لا يحقق للذّة الجنسية معناها
الإنساني الكامن في هذا التنوع الطبيعي بين عنصر فاعل وعنصر آخر منفعل،
حيث يعطي كل طرف فيها للآخر شعوراً خاصاً باللذة، والسحاق من هذه
الناحية يشبه العادة السرية بالنسبة للمرأة، وهو وإن كان علاقة بين
امرأة وامرأة، فإن اللذة التي تنتج عنه من نوع واحد ليس فيها نوع من
التفاعل بين خصوصيتين متنوعتين لجهة ما تعطيه إحداهما للأخرى.
وهكذا أيضاً، فإن اللواط يشبه الإستمناء بالنسبة للرجل،
باعتبار أن الطرف الآخر الذي تمارس معه العملية الجنسية، لا يحصل على
أية لذة إلا إذا كان مريضاً، بينما تجعل العملية الجنسية الطبيعية بين
رجل وامرأة كلاً منهما يتفاعل مع الآخر ويعطيه شيئاً من خصوصيته، بحيث
يشعران معاً، إذا استكملا العلاقة الجنسية بشكل طبيعي وخالٍ من
الأنانية التي يعيشها الرجل حيال المرأة في هذا المجال عادة، بالاتحاد
الإنساني في تنوّع اللذّة، تماماً كما هو الاتحاد الإنساني في القضايا
العاطفية الأخرى.
لذلك، فإن من يلجأون إلى مثل هذه الوسائل في تفجير
الطاقة أو التنفيس عنها، لا يمكنهم أن يجدوا في تلك الوسائل بديلاً عن
العملية الجنسية الطبيعية وعن الزواج»([34]).
إن وقفتنا القصيرة السابقة ربما تكون كافية لتوضيح وجوه
الخلل في كلمات هذا البعض هنا، ولكننا بالإضافة إلى ما قدمناه هناك
نذكر القارئ الكريم هنا بما يلي:
أولاً:
إنه اعتبر أن السبب في تحريم العادة السرية على الرجال:
هو أنها عملية تفريغ للطاقة تؤدي إلى تبديدها من غير منفعة، وتعطيل
الدافع للزواج، وبناء الأسرة.
وهو كلام غير صحيح وذلك للإعتبارات الآتية:
ألف:
إنه لو صح لاقتضى تحريم وطء العقيم التي لا رحم لها،
واليائس. وغيرهما ممن يكون إفراغ الطاقة فيهما تبديداً لها في غير
منفعة..
ب:
لو صح ذلك، لكان عليه تجويزها للرجال في صورة عدم
الحصول على زوجة، فإن التبديد في غير منفعة إنما يكون في صورة وجود
الزوجة، وإمكانية الحمل عندها، أو على الأقل إمكانية الإستفادة من
الطاقة، ولو لأجل الجنين، أو لغير ذلك من أسباب.
ج:
لو صح هذا للزم منه الإعتراض على سلامة الخلقة، التي
جعلت الإحتلام وسيلة لتبديد الطاقة، والذي قد يحصل حتى مع وجود زوجة
أيضاً..
د:
لو لزم الإحتفاظ بالطاقة إلى هذه الدرجة للزم تحريم
الإستمناء بيد الزوجة أيضاً. وتحريم التفخيذ، وأي ممارسة جنسية لا تدخل
في نطاق تثمير الطاقة الكامنة في الجسد..
هـ:
وأما بالنسبة لتعطيل الدافع الطبيعي للزواج، فهو مجرد
دعوى. فإن الناس في العالم بأسره، باستثناء قلة قليلة جداً منهم، من
المؤمنين ومن غيرهم ـ يمارسون العادة السرية، ولا يفقدون الدافع نحو
المرأة، وهم يتزوجون، وينجبون الأولاد، ويقيمون علاقات محرمة مع
النساء.
و:
إن دليله أخص من مدعاه، فإن المحرم هو مطلق استعمال
العادة السرية ولو مرة في العمر، مع أن الذي قد يؤدي إلى تعطيل الدافع
الطبيعي هو حسب قوله: «إدمان الشاب للعادة السرية». فيصير المحرم خصوص
هذا الإدمان.
ز:
إن هذا البعض اعتبر تعطيل الدافع نحو الزواج ناشئاً عن
الحد من الدافع الجنسي الناشئ عن العادة السرية.
ونقول:
من الذي قال: إنه يحرم الحد من الدافع الجنسي.. فقد
وجدنا الشارع يحدد سبلاً تؤدي إلى التقليل والحد من الدافع الجنسي..
فيحث مثلاً على الصوم، فإن الصوم له وجاء..
ح:
كما أنه لا دليل على حرمة الحد من الإلحاح في طلب
الزواج، والحد من اندفاع الرغبة فيه.. بل لا يحرم ترك أصل الزواج.. وإن
كان ذلك مرغوبا عنه شرعاً..
ط:
من أين علم أن علة تحريم العادة السرية على الرجال هو
خصوص ما ذكره، فهل أطلعه الله على غيبه، ومن الذي قال له: إن ما ذكره
هو تمام علّة هذا التحريم؟!.. بل من الذي قال له: إن ذلك يدخل في دائرة
العلة أصلاً؟! فإن ذلك كله يدخل في دائرة الإستحسان والقول بغير علم.
وخلاصة القول:
إن التصدي لمعرفة علل الأحكام هو الذي أوقع هذا البعض
في هذه الورطة.. وقد كان يمكنه التسليم لأمر الله سبحانه ونهيه لو لم
يسعَ لاقتحام المسلمات وإصابة دين الله بعقله.. مع علمه بقول الإمام
الصادق «عليه السلام»: إن دين الله لا يصاب بالعقول.
ثانياً:
قد ذكر: أن سبب القول بتحليل الاستمناء للمرأة هو أنها لا مني لها. وقد
ذكرنا في الوقفة القصيرة السابقة إجابتنا على هذه المقولة.. فلا نعيد،
غير أننا نذكر للقارئ الكريم هنا الملاحظات التالية:
1 ـ قوله:
«إن العادة السرية أقل خطورة على المرأة منها على
الرجل».
لم يقدم عليه أي دليل. فلا بد من رده عليه وإليه.
2 ـ
قوله:
«إن العادة السرية لا تمنع المرأة من الإقبال على
الزواج مهما حققت لها من لذة.. بينما الحال بالنسبة للرجل على خلاف
ذلك».
هو الآخر مجرد دعوى بلا دليل، سواء بالنسبة للمرأة، أو
بالنسبة للرجل. حسبما أوضحناه بالنسبة لهذا الأخير آنفاً..
3 ـ قوله:
«إن العادة السرية لا تشعر المرأة بالإكتفاء الذي
يشعرها به الرجل».
وجعل ذلك هو الفارق بينها وبين الرجل، حيث إن العادة
السرية للرجل تشعر بالإكتفاء لا يصح، فإن حال الرجل أيضاً كحال المرأة
في ذلك، والواقع الخارجي أدل دليل على هذا الأمر.
4 ـ
قد صرح هذا البعض بأن ممارسة العادة السرية:
«تبقى حلاً لها، إذا لم تبلغ كفايتها الجنسية من الرجل،
لجهة تأخر بلوغها الذروة الجنسية في الشهوة، مما يجعل هذه العادة وسيلة
لتلبية حاجتها الجنسية».
فهل يجيز لها السحاق أيضاً إذا لم تبلغ حاجتها الجنسية
من الرجل، باعتبار أن المرأة لا ماء لها. وأن ذلك يصلح وسيلة للوصول
إلى حاجتها الجنسية؟!
وقد قال هو نفسه عن السحاق:
إنه «لا يحقق للذة الجنسية معناها الإنساني الكامن في
التنوع الطبيعي، بين عنصر فاعل، وعنصر آخر منفعل، حيث يعطي كل طرف فيها
للآخر شعوراً خاصاً باللذة والسحاق من هذه الناحية يشبه العادة السرية
بالنسبة للمرأة ».
ثم ذكر أن اللواط يشبه الإستمناء للرجل، فقال:
«باعتبار أن الطرف الآخر الذي تمارس معه العملية
الجنسية الطبيعية لا يحصل على أية لذة إلا إذا كان مريضاً بينما تجعل
العملية الجنسية الطبيعية بين رجل وامرأة الخ..»([35]).
فإذا كان السحاق للمرأة كالعادة السرية، فهل يأتي يوم
نسمع فيه أن السحاق أيضاً قد أصبح حلالاًً، كما أصبحت العادة السرية
للمرأة حلالاً؟!
وإذا كان اللواط كالعادة السرية بالنسبة للرجل، فهل
سيأتي يوم نسمع فيه الترخيص به في كل أسبوع مرة في حالات الإحساس
بالحاجة الملحة، وخوف المرض أو الألم في الخصيتين([36])
كما ذكرناه في هذا الكتاب؟!
إننا لا نحب أن نعيش لهذا اليوم الذي نسمع فيه أمثال
هذه الفتاوي.
5 ـ هل كون
المرأة لا تحصل على لذة الطمأنينة الجنسية، وعلى
السكينة يوجب تحليل الإستمناء لها، وإذا أجاز للمرأة أن تمارس نوعاً من
التنفيس عن احتقان الشهوة داخل الجسد ـ دون أن تحصل على الطمأنينة
الجنسية وعلى السكينة.. ويكون حالها في ذلك حال من يفقأ دملة في جسده؛
ليتخفف من ضغط الألم الذي يحس به.. فلم لا يجوّز للرجل أن يمارس هذا
التنفيس ويكون حاله حال من يفقأ دملة ليتخفف من ضغط الألم الذي يحس به،
فيجيز له الإستمناء..
6 ـ
على أن إجابته عن موقف الإسلام حول اللواط والسحاق تبقى
غير قادرة على تأكيد جانب التحريم فإن مجرد أن لا يحقق اللذة للطرف
الآخر، أو للطرفين معاً لا يصلح منشأً للتحريم.. إذ ليس من الضروري
تحقيق اللذة في الاتصال الجنسي المحرم، فضلاً عن لذة أي طرف كان.
7 ـ
وإذا كان أحد الطرفين تتحقق له اللذّة، فإن مقتضى كلامه
أن يكون اللواط حلالاً على الفاعل حراماً على المفعول به لأن اللذة
تتحقق للفاعل على الأقل..
8 ـ
ولا ندري كيف عرف هذا البعض:
«أنه لا توجد لذة لدى طرف بعينه إلا إذا كان مريضاً»!!
فهل عرف ذلك بضرب «المندل»؟!
9 ـ
ولا ندري أخيراً.. ما قيمة هذه القياسات التبرعية،
والإستحسانات في جانب التشريع الإلهي الصائب؟! ولماذا نعلل الأحكام
بأمور قد يقال لنا: إننا لا نحتاج إليها، ولا تمثل ضرورة بالنسبة
إلينا، فيسقطون الحكم الشرعي بذلك عن حيويته، وعن قداسته، وعن تأثيره
في صيانة المجتمع الإنساني من الإنحراف؟!..
([1])
الآية 30 من سورة النور.
([2])
تفسير القمي ج2 ص101.
([3])
الآية 31 من سورة النور.
([4])
الكافي ج2 ص35 ـ 36.
([5])
الخصال ج2 ص585 والكافي ج6 ص17 وتهذيب الأحكام ج7 ص436 ومن لا
يحضره الفقيه ج3 ص365 والوسائل ج21 ص385 وج 20 ص221.
([6])
من لا يحضره الفقيه ج4 ص202 والوسائل ج1 ص299.
([7])
الكافي ج6 ص503 والوسائل ج2 ص56.
([8])
الكافي ج6 ص497 ومن لا يحضره الفقيه ج1 ص66 والوسائل ج2 ص39.
([9])
راجع: تهذيب الأحكام ج1 ص302 والإستبصار ج1 ص207 والوسائل
ج2ص492.
([10])
كتاب النكاح ج1 ص66
([11])
المرشد ص301 و 302.
([12])
فكر وثقافة عدد 3 بتاريخ6/7/1996.
([13])
المسائل الفقهية ج1 ص244.
([14])
حوارات في الفكر والسياسة والاجتماع ص553 و 554 وراجع: فقه
الحياة ص210 فما بعدها..
([16])
فقه الحياة ص33 و 34.
([17])
وسائل الشيعة ج14 ص77 ـ 78.
([18])
وسائل الشيعة ج14 ص77 ـ 78.
([19])
فقه الحياة ص211 و 212.
([22])
راجع: أقرب الموارد ج2 مادة منى.
([23])
الآية 37 من سورة القيامة.
([24])
ومن وحي القرآن (الطبعة الثانية ـ دار الملاك) ط ج24 ص254.
([25])
الآيتان 5 و 6 من سورة الطارق.
([27])
من وحي القرآن ج24 ص184.
([28])
راجع حياتنا الجنسية، مشكلاتها وحلولها ص97 الطبعة الخامسة
عشرة منشورات المكتب التجاري ترجمة الدكتور جان يالزلي.
([29])
المعرفة الجنسية عند الرجل والمرأة ص73 و 74.
([31])
لسان العرب ج1 ص230.
([32])
تاج العروس ج1 ص158.
([33])
دنيا المرأة ص329 ـ 331.
([36])
المسائل الفقهية ج1 ص188.
|