المنع من البكاء على الميت:
لقد بكى النبي «صلى الله عليه وآله» على حمزة، وقال:
أما حمزة فلا بواكي له. وبعد ذلك بكى على جعفر، وقال: على مثل جعفر
فلتبك البواكي. وبكى على ولده إبراهيم، وقال: تدمع العين، ويحزن القلب،
ولا نقول إلا ما يرضي الرب. وبكى كذلك على عثمان بن مظعون، وسعد بن
معاذ، وزيد بن حارثة، وبكى الصحابة، وبكى جابر على أبيه، وبشير بن
عفراء على أبيه أيضاً، إلى غير ذلك مما هو كثير في الحديث والتاريخ([1]).
فكل ذلك فضلاً عن أنه يدل على عدم المنع من البكاء،
فإنه يدل على مطلوبية البكاء، وعلى رغبته «صلى الله عليه وآله» في
صدوره منهم.
ولكننا نجد في المقابل:
أن عمر بن الخطاب يمنع من البكاء على الميت ويضرب عليه، ويفعل ما شاءت
له قريحته في سبيل المنع عنه.
ويروي حديثاً عن النبي «صلى الله عليه وآله» مفاده: أن
الميت ليعذب ببكاء أهله عليه([2]).
بل هو يضرب حتى أم فروة بنت أبي بكر، حينما مات أبوها([3])،
مع إننا نجد: أنه هو نفسه قد أمر بالبكاء على خالد بن الوليد([4])
وقد بكت عائشة على إبراهيم([5])،
وبكى أبو هريرة على عثمان، والحجاج على ولده([6])،
وبكى صهيب على عمر([7])،
وهم يحتجون بما يفعله هؤلاء.
وبكى عمر نفسه على النعمان بن مقرن، وعلى غيره([8])،
وقد نهاه النبي «صلى الله عليه وآله» عن التعرض للذين يبكون موتاهم([9]).
كما أن عائشة قد أنكرت عليه وعلى ولده عبد الله هذا
الحديث الذي تمسك به، ونسبته إلى النسيان، وقالت: يرحم الله عمر،
والله، ما حدث رسول الله: إن الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه، لكن
رسول الله «صلى الله عليه وآله» قال: «إن الله ليزيد الكافر عذابا
ببكاء أهله عليه. قالت: حسبكم القرآن: ولا تزر وازرة وزر أخرى»([10]).
وفي نص آخر:
إنها قالت: «إنما مر رسول الله «صلى الله عليه وآله» على يهودية يبكي
عليها أهلها، فقال: إنهم يبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها»([11]).
وأنكر ذلك عليه:
ابن عباس أيضاً، وأنكره أيضاً أئمة أهل البيت «عليهم السلام» ومن أراد
المزيد، فعليه بمراجعة المصادر([12]).
([1])
راجع: النص والإجتهاد: ص230 ـ 234، والغدير: ج6 ص159 ـ 167،
ودلائل الصدق: ج3 قسم 1 ص134 ـ 136، عن عشرات المصادر الموثوقة،
والإستيعاب (بهامش الإصابة) ترجمة جعفر: ج1 ص211، ومنحة
المعبود: ج1 ص159، وكشف الأستار: ج1 ص381 و 383 و 382،
والإصابة: ج2 ص464، والمجروحون: ج2 ص92، والسيرة الحلبية: ج2
ص89، وراجع ص251، ووفاء الوفاء: ج3 ص894 و 895، وراجع ص932 و
933، وحياة الصحابة: ج1 ص571، وطبقات ابن سعد: ج3 ص396 و ج2
ص313.
([2])
راجع: العقد الفريد: ج4 ص264، وغيره.
([3])
راجع المصادر المتقدمة والغدير وغيره عن عشرات المصادر، وكذا
منحة المعبود: ج1 ص158، وفي ذكر أخبار أصبهان ج1 ص61، عن ابن
موسى، والطبقات لابن سعد: ج3 ص209 و 346 و 362. وراجع: تأويل
مختلف الحديث: ص245.
([4])
التراتيب الإدارية: ج2 ص375، والإصابة: ج1 ص415، وصفة الصفوة:
ج1 ص655، وأسد الغابة: ج2 ص96، وحياة الصحابة: ج1 ص465 عن
الإصابة، والمصنف ج3 ص559، وفي هامشه عن البخاري وابن سعد وابن
أبي شيبة، وتاريخ الخميس: ج2 ص247، وفتح الباري: ج7 ص79،
والفائق: ج4 ص19، وربيع الأبرار: ج3 ص330، وراجع: تاريخ
الخلفاء: ص88، وراجع: لسان العرب: ج8 ص363.
([5])
منحة المعبود: ج1 ص159./
([6])
راجع: طبقات ابن سعد (ط صادر): ج3 ص81، وفي الثاني ربيع
الأبرار: ج2 ص586.
([7])
طبقات ابن سعد: ج3 ص362، ومنحة المعبود ج1 ص159.
([8])
الغدير: ج1 ص164 و 54 و 155، وعن الإستيعاب ترجمة النعمان بن
مقرن والرياض النضرة المجلد الثاني: ج2 ص328 و 329، حول بكاء
عمر على ابن ذلك الأعرابي حتى بل لحيته.
([9])
راجع الغدير عن المصادر التالية: مسند أحمد: ج1 ص237 و 235 و
ج2 ص333 و 408، ومستدرك الحاكم: ج3 ص190 و 381، وصححه هو
والذهبي في تلخيصه، ومجمع الزوائد: ج3 ص17، والإستيعاب ترجمة
عثمان بن مظعون، ومسند الطيالسي ص351، وسنن البيهقي: ج4 ص70،
وعمدة القاري ج4 ص87، عن النسائي، وابن ماجة، وسنن ابن ماجة:
ج1 ص481، وكنز العمال: ج1 ص117، وأنساب الأشراف: ج1 ص157،
وطبقات ابن سعد: ج3 ص399، و 429، ومنحة المعبود: ج1 ص159.
([10])
راجع صحيح البخاري: ج1 ص146 (ط سنة 1039)، ومستدرك الحاكم ج3
ص381، واختلاف الحديث للشافعي هامش الأم ج7 ص266، وجامع بيان
العلم: ج2 ص105، ومنحة المعبود: ج1 ص158، وطبقات ابن سعد: ج3
ص346، ومختصر المزني: هامش الأم ج1 ص187، والغدير: ج6 ص163 عمن
تقدم، وعن صحيح مسلم: ج1 ص342 و 344 و 343، ومسند أحمد: ج1
ص41، وسنن النسائي: ج4 ص17 و 18، وسنن البيهقي: ج4 ص73 و 72،
وسنن أبي داود: ج2 ص95، وموطأ مالك: ج1 ص96.
([11])
صحيح البخاري: ج1 ص147.
([12])
راجع الغدير، ودلائل الصدق، والنص والإجتهاد، وغير ذلك.
|