ما روي عن رسول الله:
2 ـ
روى سليم بن قيس، عن عبد الله بن العباس، أنه حدثه ـ
وكان جابر بن عبد الله إلى جانبه ـ : «أن النبي «صلى الله عليه وآله»
قال لعلي، بعد خطبة طويلة:
إن قريشاً ستظاهر عليكم، وتجتمع كلمتهم على ظلمك وقهرك،
فإن وجدت أعوانا فجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فكف يدك، واحقن دمك، أما
إن الشهادة من ورائك، لعن الله قاتلك.
ثم أقبل «صلى الله عليه وآله» على ابنته «عليها
السلام»، فقال: إنك أول من يلحقني من أهل بيتي، وأنت سيدة نساء أهل
الجنة، وسترين بعدي ظلماً وغيظاً، حتى تضربي، ويكسر ضلع من أضلاعك، لعن
الله قاتلك الخ..»([1]).
3 ـ
وروى إبراهيم بن محمد الجويني الشافعي، بسنده إلى علي
بن أحمد بن موسى الدقاق وعلي بن بابويه أيضاً، عن: علي بن أحمد بن موسى
الدقاق، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن
النوفلي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن
ابن عباس، قال: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان جالساً، إذ أقبل
الحسن «عليه السلام»، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي إلي يا بني.. ثم أقبل
الحسين.. ثم أقبلت فاطمة.. ثم أقبل أمير المؤمنين. فسأله أصحابه..
فأجابهم، فكان مما قاله لهم:
«وأما ابنتي فاطمة، فإنها سيدة نساء العالمين..
إلى أن قال:
وإني لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي. كأني بها وقد دخل الذل بيتها،
وانتهكت حرمتها، وغصب حقها، ومنعت إرثها، وكسر جنبها، وأسقطت جنينها،
وهي تنادي: يا محمداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، فلا تزال بعدي
محزونة مكروبة، باكية..
إلى أن قال:
ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة..
إلى أن قال:
فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم علي محزونة
مكروبة، مغمومة، مغصوبة، مقتولة، يقول رسول الله «صلى الله عليه وآله»
عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وذلل من أذلها، وخلد في
نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها. فتقول الملائكة عند ذلك: آمين..»([2]).
وقد قال شيخ الإسلام العلامة المجلسي عند إيراده هذه
الرواية:
«روى الصدوق في الأمالي بإسناد معتبر عن ابن عباس
الخ..»([3]).
ووصف البعض هذا السند بقوله: كأنه كالموثق وذلك
للاختلاف في توثيق وتضعيف: «عبد الله بن عبد الرحمن الأصم»([4]).
4 ـ
قال العلامة المجلسي «رحمه الله»: «وجدت بخط الشيخ محمد
بن علي الجبعي ـ جد والد الشيخ البهائي ـ نقلاً عن خط الشهيد رفع الله
درجته، نقلا عن مصباح الشيخ أبي منصور طاب ثراه قال: روي أنه دخل النبي
«صلى الله عليه وآله» يوما إلى فاطمة «عليها السلام» فهيأت له طعاما من
تمر وقرص وسمن، فاجتمعوا على الأكل هو وعلي وفاطمة والحسن والحسين
«عليه السلام»، فلما أكلوا سجد رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأطال
سجوده، ثم ضحك، ثم بكى، ثم جلس وكان أجرأهم في الكلام علي «عليه
السلام»، فقال: يا رسول الله، رأينا منك اليوم ما لم نره قبل ذلك؟!
فقال «صلى الله عليه وآله»: إني لما أكلت معكم فرحت
وسررت بسلامتكم واجتماعكم فسجدت لله تعالى شكراً.
فهبط جبرئيل «عليه السلام» يقول: سجدت شكراً لفرحك
بأهلك؟!
فقلت: نعم.
فقال: ألا أخبرك بما يجري عليهم بعدك؟!
فقلت: بلى يا أخي يا جبرئيل.
فقال: أما ابنتك فهي أول أهلك لحاقا بك، بعد أن تظلم،
ويؤخذ حقها، وتمنع إرثها، ويظلم بعلها، ويكسر ضلعها، وأما ابن عمك
فيظلم، ويمنع حقه، ويقتل، وأما الحسن فإنه يظلم، ويمنع حقه، ويقتل
بالسم، وأما الحسين فإنه يظلم، ويمنع حقه، وتقتل عترته، وتطأه الخيول،
وينهب رحله، وتسبى نساؤه وذراريه، ويدفن مرملا بدمه، ويدفنه الغرباء.
فبكيت، وقلت: وهل يزوره أحد؟!
قال: يزوره الغرباء.
قلت: فما لمن زاره من الثواب؟!
قال: يكتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة، كلها معك، فضحك»([5]).
5 ـ
وسأل عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان عن قول النبي «صلى
الله عليه وآله» في الفتنة التي تموج بالناس كموج السفينة في البحر.
قال حذيفة: «تلك الفتنة التي بينك وبينها باب (مغلق).
قال عمر: الباب يا حذيفة يفتح أو يكسر؟!
قال حذيفة: بل يكسر.
قال عمر: إن كسر الباب، فذلك أحرى (أجدر) ألا يسد إلى
يوم القيامة»([6]).
ثم نسبوا إلى حذيفة قوله في تأويل الرواية: أن المقصود
بالباب الذي يكسر هو قتل عمر بن الخطاب، وفتح باب الفتنة بتولي عثمان([7]).
ونقول:
لو صحت نسبة ذلك إلى حذيفة، فإن هذا اجتهاد غير دقيق بل
خاطئ، وذلك لأن الشورى التي ابتكرها عمر، كانت ستأتي بعثمان، سواء مات
عمر بن الخطاب قتلاً، أو مات حتف أنفه. على أنه إنما ابتكرها بعدما
طعنه الطاعن في بطنه.
ولم يكن استخلاف عثمان هو سبب الفتنة التي بقيت إلى
يومنا هذا، وإلى يوم القيامة، بل كانت هي قضية الإمامة التي اغتصبت
بطريقة العنف الذي تجلى بالهجوم على بيت فاطمة وكسر بابها، واستخراج
علي «عليه السلام» ليبايع مقهوراً. ومعروف: أن أعظم خلاف بين الأمة هو
خلاف الإمامة، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على
الإمامة في كل زمان، على حد تعبير الشهرستاني وغيره.
([1])
كتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري): ج 2 ص 907.
([2])
فرائد السمطين: ج 2 ص 34 و 35 والأمالي للشيخ الصدوق ص 99 ـ
101 وإثبات الهداة: ج 1 ص 280 و 281، وإرشاد القلوب: ص 295،
وبحار الأنوار: ج 28 ص 37 و 39، وج43 ص 172 و 173، والعوالم: ج
11 ص 391 و 392، وفي هامشه عن غاية المرام ص 48 وعن: المحتضر ص
109، وراجع: جلاء العيون للمجلسي: ج 1 ص 186 و 188 وبشارة
المصطفى ص 197 / 200 والفضائل لابن شاذان: ص 8 و 11، تحقيق
المحدث الأرموي (ط جامعة طهران سنة 1393 ه. ق.).
([3])
جلاء العيون: ج 2 ص 186 ـ 188.
([4])
راجع: معجم رجال الحديث: ج 10 ص 342.
([5])
بحار الأنوار: ج 98 ص 44.
([6])
بدء الإسلام وشرائع الدين لابن سلام الإباضي: ص 107 وصحيح
البخاري: ج 1 ص 67 و 164 و 212 (ط سنة 1309). وسنن ابن ماجة: ج
2 ص 1306، ودلائل النبوة للبيهقي: ج 6 ص 386.
([7])
بدء الإسلام وشرائع الدين لابن سلام الإباضي: ص 107 وصحيح
البخاري: ج 1 ص 67 و 164 و 212 (ط سنة 1309). وسنن ابن ماجة: ج
2 ص 1306، ودلائل النبوة للبيهقي: ج 6 ص 386.
|