ما روي عن الإمام علي
:
6 ـ
روى سليم بن قيس: أن عمر بن الخطاب أغرم جميع عماله
أنصاف أموالهم، ولم يغرم قنفذ العدوي شيئاً ـ وكان من عماله ـ ورد عليه
ما أخذ منه، وهو عشرون ألف درهم، ولم يأخذ منه عشره، ولا نصف عشره.
قال أبان: قال سليم: فلقيت علياً، «صلوات الله عليه
وآله»، فسألته عما صنع عمر!!
فقال: هل تدري لم كف عن قنفذ، ولم يغرمه شيئاً؟!
قلت: لا.
قال: لأنه هو الذي ضرب فاطمة «صلوات الله عليها» بالسوط
حين جاءت لتحول بيني وبينهم، فماتت «صلوات الله عليها»، وإن أثر السوط
لفي عضدها مثل الدملج([1]).
7 ـ
قال أبان: قال سليم: انتهيت إلى حلقة في مسجد رسول الله
«صلى الله عليه وآله» ليس فيها إلا هاشمي غير سلمان، وأبي ذر،
والمقداد، ومحمد بن أبي بكر، وعمر بن أبي سلمة، وقيس بن سعد بن عبادة،
فقال العباس لعلي «عليه السلام»: ما ترى عمر منعه من أن
يغرم قنفذا كما غرم جميع عماله؟!
فنظر علي «عليه السلام» إلى من حوله، ثم اغرورقت عيناه،
ثم قال:
شكر له ضربة ضربها فاطمة «عليها السلام» بالسوط، فماتت
وفي عضدها أثره كأنه الدملج، الخ..([2]).
8 ـ
عن سليم، عن ابن عباس، قال:
«دخلت على علي «عليه السلام» بذي قار، فأخرج لي صحيفة،
وقال لي: يا ابن عباس، هذه صحيفة أملاها علي رسول الله «صلى الله عليه
وآله»، وخطي بيده([3]).
فقلت: يا أمير المؤمنين، اقرأها علي. فقرأها، فإذا فيها
كل شيء كان منذ قبض رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى مقتل الحسين
«عليه السلام»، وكيف يقتل، ومن يقتله، ومن ينصره، ومن يستشهد معه.
فبكى بكاء شديدا، وأبكاني.
فكان مما قرأه علي: كيف يصنع به، وكيف تستشهد فاطمة،
وكيف يستشهد الحسن. وكيف تغدر به الأمة الخ..»([4]).
9 ـ
روي عن علي «عليه السلام» عند دفن الزهراء قوله: «وستنبؤك
ابنتك بتظافر أمتك على هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من
غليل معتلج بصدرها، لم تجد إلى بثه سبيلاً الخ..»([5]).
فإن كلامه «عليه السلام» هذا وإن كان لا صراحة فيه بما
جرى على الزهراء «عليها السلام»، ولكنه يدل على أن ثمة مظالم بقيت
تعتلج بصدرها «عليها السلام»، ولم تجد إلى بثها سبيلاً. وهذه الأمور هي
غير فدك، والإرث وغصب الخلافة، لأن هذه الأمور قد أعلنتها «عليها
السلام»، وبثتها بكل وضوح، واحتجت لها، وألقت خطبا جليلة في بيانها.
10 ـ
ما ذكره الشيخ الكفعمي المتوفي سنة 905 ه. ق. في كتابه
المصباح الذي جمعه من حوالي مئتين وأربعين كتاباً، وقال: إنه جمعه «من
كتب معتمد على صحتها، مأمور بالتمسك بوثقى عروتها، ولا يغيرها كر
العصرين، ولا مر الملوين.
كتب كمثل الشمس يكتب ضوؤها ومحلها فوق
الرفيع الأرفع([6])
فقد أورد «رحمه الله» في كتابه هذا دعاء عن ابن عباس،
عن علي «عليه السلام»، كان علي «عليه السلام» يقنت به في صلاته. وقد
وصفه في هامش المصباح بقوله: «هذا الدعاء عظيم الشأن، رفيع المنزلة».
وقال فيه علي «عليه السلام»، كما روي عنه: أن الداعي به
كالرامي مع النبي «صلى الله عليه وآله» في بدر وأحد وحنين بألف ألف
سهم..
ومما جاء في هذا الدعاء قوله عن بيت النبوة: «وقتلا
أطفاله، وأخليا منبره من وصيه، ووارث علمه، وجحدوا إمامته..
إلى أن قال:
وبطن فتقوه، وجنين أسقطه، وضلع دقوه([7])
وصك مزقوه الخ..»
([8]).
وقد جاء في تعليقته على المصباح، والمطبوعة في هامش
المصباح نفسه.
ونقله عنه قال العلامة المجلسي صاحب البحار:
«..قال الشيخ العالم أبو السعادات أسعد بن عبد القاهر
في كتابه رشح البلاء:
قوله: فقد أخربا بيت النبوة إلى آخره، إشارة إلى ما
فعله الأول والثاني مع علي «عليه السلام» وفاطمة «عليها السلام» من
الايذاء، وإرادة إحراق بيت علي بالنار، وقادوه كالجمل المخشوش. وضغطا
فاطمة «عليها السلام» في بابها، حتى أسقطت بمحسن، وأمرت أن تدفن ليلا،
ولا يحضر الأول والثاني جنازتها الخ..»([9]).
وقال: «والضلع المدقوق، والصك الممزوق إشارة إلى ما
فعلاه مع فاطمة «عليها السلام»، من مزق صكها، ودق ضلعها»([10]).
11 ـ
محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن أحمد بن إدريس،
ومحمد بن يحيى العطار، جميعا عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن أبي
عبد الله الرازي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، عن ابن عميرة،
عن محمد بن عتبة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب
«عليه السلام».
قال: «بينا أنا، وفاطمة، والحسن، والحسين عند رسول الله
«صلى الله عليه وآله» إذ التفت إلينا فبكى، فقلت: وما ذاك يا رسول
الله؟!
قال: أبكي من ضربتك على القرن، ولطم فاطمة خدها»([11]).
ووصف المجلسي إسناد هذه الرواية بأنه «معتبر» فراجع([12]).
12 ـ
عن أحمد بن الخصيب، عن جعفر بن محمد بن المفضل، عن محمد
بن سنان الزاهري، عن عبد الله بن عبد الرحمان الأصم، عن مديح بن هارون
بن سعد، قال: سمعت أبا الطفيل عامر بن واثلة، عن أمير المؤمنين، أنه
قال لعمر في جملة كلام له:
«..وهي النار التي أضرمتموها على باب داري لتحرقوني
وفاطمة بنت رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وابني الحسن والحسين،
وابنتي زينب، وأم كلثوم الخ..»([13]).
13 ـ
ومما يدل على ممارسة أسلوب العنف ضد علي «عليه السلام»،
والإتيان به للبيعة عنوة، ما كتبه معاوية له «عليه السلام»، وما أجابه
به، فقد قال له معاوية: إنه أبطأ على الخلفاء، فكان يقاد إلى البيعة
كأنه الجمل الشارد حتى يبايع وهو كاره([14]).
وقال له: في جملة ما قال: «لقد حسدت أبا بكر والتويت
عليه، ورمت إفساد أمره، وقعدت في بيتك، واستغويت عصابة من الناس، حتى
تأخروا عن بيعته.
إلى أن قال:
وما من هؤلاء إلا بغيت عليه، وتلكأت في بيعته، حتى حملت إليه قهرا تساق
بخزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش»([15]).
فأجابه أمير المؤمنين «عليه السلام» برسالة جاء فيها:
«وقلت: إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع. ولعمرو الله
لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت. وما على المسلم من غضاضة في
أن يكون مظلوماً، ما لم يكن شاكا في دينه الخ..»([16]).
والرواية تدل على أنهم دخلوا إلى بيته، واستخرجوه منه
بالقوة، الأمر الذي يؤكد عدم مراعاتهم لحرمة الزهراء، التي ستدفعهم عن
ذلك بكل ما تستطيع، وقد فعلت ذلك حسبما صرحت به الروايات.. وإن لم تصرح
هذه الرواية بتعرضهم للزهراء «عليها السلام» مباشرة..
14 ـ
وقد ذكر الديلمي أن الزهراء «عليها السلام» قد ذكرت
بالتفصيل ما جرى عليها، فكان مما قالته «عليها السلام»:
«..ثم ينفذون إلى دارنا قنفذاً، ومعه عمر بن الخطاب،
وخالد بن الوليد، ليخرجوا ابن عمي علياً إلى سقيفة بني ساعدة لبيعتهم
الخاسرة، فلا يخرج إليهم، متشاغلاً بما أوصاه به رسول الله «صلى الله
عليه وآله»، وبأزواجه، وبتأليف القرآن، وقضاء ثمانين ألف درهم وصاه
بقضائها عنه: عدات، وديناً.
فجمعوا الحطب الجزل على بابنا، وأتوا بالنار ليحرقوه،
ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب، وناشدتهم بالله وبأبي: أن يكفوا عنا،
وينصرونا.
فأخذ عمر السوط من يد قنفذ ـ مولى أبي بكر ـ فضرب به
عضدي، فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله، فرده
علي وأنا حامل، فسقطت لوجهي، والنار تسعر، وتسفع وجهي، فضربني بيده،
حتى انتثر قرطي من أذني، وجاءني المخاض، فأسقطت محسنا قتيلا بغير جرم،
فهذه أمة تصلي علي؟!.. وقد تبرأ الله ورسوله منهم، وتبرأت منهم».
فعمل أمير المؤمنين «عليه السلام» بوصيتها ولم يعلم
أحداً بها، فأصنع في البقيع ليلة دفنت فاطمة «عليها السلام» أربعون
قبراً جدداً.
ثم إن المسلمين لما علموا بوفاة فاطمة ودفنها، جاؤا إلى
أمير المؤمنين «عليه السلام» يعزونه بها، فقالوا: يا أخا رسول الله
«صلى الله عليه وآله»، لو أمرت بتجهيزها وحفر تربتها.
فقال «عليه السلام»: ووريت ولحقت بأبيها «صلى الله عليه
وآله».
فقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، تموت ابنة نبينا
محمد «صلى الله عليه وآله» ولم يخلف فينا ولدا غيرها، ولا نصلي عليها!
وإن هذا لشيء عظيم!!
فقال «عليه السلام»: حسبكم ما جنيتم على الله وعلى
رسوله «صلى الله عليه وآله» وعلى آل بيته، ولم أكن ـ والله ـ لأعصيها
في وصيتها التي أوصت بها في أن لا يصلي عليها أحد منكم، ولا بعد العهد
فأعذر.
فنفض القوم أثوابهم، وقالوا: لا بد لنا من الصلاة على
ابنة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ومضوا من فورهم إلى البقيع
فوجدوا فيه أربعين قبرا جددا، فاشتبه عليهم قبرها «عليها السلام» بين
تلك القبور.
فضج الناس ولام بعضهم بعضا، وقالوا: لم تحضروا وفاة بنت
نبيكم، ولا الصلاة عليها، ولا تعرفون قبرها فتزورونه؟!
فقال أبو بكر: هاتوا من ثقاة المسلمين من ينبش هذه
القبور، حتى تجدوا قبرها فنصلي عليها ونزورها.
فبلغ ذلك أمير المؤمنين «عليه السلام»، فخرج من داره
مغضبا، وقد احمر وجهه، وقامت عيناه، درت أوداجه، وعلى يده قباه الأصفر
ـ الذي لم يكن يلبسه إلا في يوم كريهة ـ يتوكأ على سيفه ذي الفقار حتى
ورد البقيع، فسبق الناس النذير، فقال لهم: هذا علي قد أقبل كما ترون
يقسم بالله لإن بعث من هذه القبور حجر واحد ليضعن السيف على غابر هذه
الأمة، فولى القوم هاربين، قطعاً، قطعاً([17]).
15 ـ
ومن الأشعار التي روى المحدثون والمؤرخون أن الزهراء
«عليها السلام» قد رثت بها النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله»:
ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى
الزمان غواليا([18])
صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام
صرن لياليا
فاليوم أخشع للذليل، وأتقي ضيمي، وأدفع
ظالمي بردائيا([19])
فلو كان المقصود بالمصائب هو مصابها بوفاة أبيها فقط،
لكان الأحرى أن تقتصر على التعبير «بمصيبة»،
بصيغة المفرد، ولم يكن محل لذكر الخشوع للذليل، ودفع الظالمين بالرداء.
كما أن قولها «عليها السلام»: «وأدفع ظالمي بردائيا»،
أو «بالراح» الوارد في قولها الآخر المروي عنها:
فاليوم أخضع للذليل، وأتقي ذلي، وأدفع
ظالمي بالراح([20])
يشير إلى أن الظلم لها لم يقتصر على اغتصاب إرثها وفدك،
فإن ذلك لا يحتاج إلى دفع الظالم بالراح والرداء، بل هي ذهبت وطالبت،
واحتجت. وكل ذلك مذكور ومسطور، وهو أيضا معروف ومشهور.
أضف إلى ما تقدم:
إن استعمال الراح والرداء في دفع الظالم يشير إلى جهد جسدي قامت به
«عليها السلام»، ولم يقتصر الأمر على الخطابة والاحتجاج، إلا أن يكون
واردا على سبيل الكناية والمجاز.
([1])
بحار الأنوار: ج 30 ص 302 و 303، وكتاب سليم بن قيس: ج 2 ص 674
و 674، والعوالم: ج 11 ص 413.
([2])
راجع: المصادر المتقدمة.
([4])
كتاب سليم بن قيس، بتحقيق الأنصاري: ج 2 ص 915 والفضائل لابن
شاذان: ص 141، والبحار: ج 28 ص 73.
([5])
الكافي: ج 1 ص 459، ومرآة العقول: ج 5 ص 329، ونهج البلاغة:
الخطبة رقم 202.
([6])
مصباح الكفعمي: ص 4.
([8])
راجع: البحار: ج 82 ص 261، والمصباح للكفعمي: ص 553، والبلد
الأمين: ص 551 و 552، وعلم اليقين: ص 701.
([9])
حواشي المصباح، للشيخ الكفعمي ص 553، والبحار: ج 82 ص 261.
([10])
المصدر السابق ص 555، والبحار: ج 82 ص 261.
([11])
الأمالي للشيخ الصدوق: ص 118، وبحار الأنوار: ج 28 ص 51،
وليراجع ج 44 ص 149 وإثبات الهداة: ج 1 ص 281، وعوالم العلوم:
ج 11 ص 397، وجلاء العيون: ج 1 ص 189، ووفاة الصديقة الزهراء
للسيد عبد الرزاق المقرم: ص 60، والمناقب لابن شهر آشوب: ج 2 ص
209، انتشارات علامة ـ قم.
([12])
جلاء العيون، ج 1 ص 189.
([13])
الهداية الكبرى: ص 163.
([14])
الفتوح لابن أعثم: ج 3 ص 474.
([15])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 15 ص 186، وإحقاق الحق للتستري: ج
2 ص 368، و 369.
([16])
نهج البلاغة الكتاب رقم 28. راجع: نهج السعادة، وإحقاق الحق، ج
2 ص 369.
([17])
بحار الأنوار: ج 30 ص 348 ـ 350، عن إرشاد القلوب للديلمي.
([19])
مصادر هذا الشعر كثيرة في كتب المسلمين، ولذا فنحن نكتفي هنا
بالإشارة إلى: المناقب لابن شهر آشوب ج 1 ص 299.
([20])
المناقب لابن شهر آشوب، ج 1 ص 300 وغيره.
|