المناقشة والرد

   

صفحة :   

المناقشة والرد:

والظاهر بطلان ذلك للأمور التالية:

الأول: إن كلام محمد بن هلال، وعطاء الخراساني، وغيرهما لا يدل على مطلوبهم; لأن وجود المسوح على حجرات أزواج النبي «صلى الله عليه وآله»، لا يعني أنها لم تكن لها أبواب من خشب عرعر، أو ساج، أو من جذوع، أو من سعف النخل، وذلك لأمرين:

أولهما: أن المقصود بالعبارات المنقولة عن محمد بن هلال، وعن عطاء، وغيرهما: أن سطوح تلك البيوت والحجر كانت عبارة عن مسوح من شعر، تستر من بداخلها من حر الشمس، وغيره.

ويدل على ذلك: قول الحسن البصري: «..كنت أدخل بيوت رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأنا غلام مراهق، وأنال السقف بيدي، وكان لكل بيت حجرة، وكانت حجره من أكسية من شعر، مربوط في خشب عرعر»([1]).

فقد وصف أمير المؤمنين «عليه السلام» بيوت آل النبي في عهده صلى الله عليه وآله وسلم، فكان مما قاله:

«..ونحن أهل بيت محمد «صلى الله عليه وآله» لا سقوف لبيوتنا، ولا أبواب، ولا ستور إلا الجرائد ([2])، وما أشبهها. ولا وطاء لنا، ولا دثار علينا يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، ونطوي الليالي والأيام عامتنا، وربما أتانا الشيء مما أفاء الله علينا، وصيره خاصة لنا دون غيرنا، ونحن على ما وصفت من حالنا; فيؤثر به رسول الله أرباب النعم والأموال، تألفا منه لهم..»([3]).

فأمير المؤمنين إذن يصف حالة الفقر المدقع الذي كان يعاني منه أهل البيت «عليهم السلام»، ويذكر إيثار رسول الله «صلى الله عليه وآله» حتى أهل النعم والأموال بما يتوفر لديه منها، مع ملاحظة: أن أبواب أهل البيت «عليهم السلام» بيوتهم كانت من جريد النخل الذي هو أصل السعفة بعد جرد الخوص عنها، أما غيرهم «عليهم السلام» فكان لبيوتهم ستائر، وكانت أبوابها من غير جريد النخل أيضاً، ومنها الأخشاب لا مجرد ستائر ومسوح كما يدعون.

ثانيهما: النصوص الدالة على أن الأبواب الخشبية والمصاريع كانت تجعل عليها ستور أيضا وستأتي هذه النصوص.

وقد كانت أبواب حجر أزواج رسول الله «صلى الله عليه وآله» تفتح إلى المسجد، الذي يتواجد الناس فيه في مختلف الأوقات، ويتواجد فيه أهل الصفة أيضاً. ولا يمكن حبس النساء فيه في حجراتهن شتاء وصيفاً ـ والبلاد حارة ـ من دون أن يصل إليهن بعض النسيم الضروري، فإذا فتح الباب، وبقي الساتر المرخى عليه، فإن ذلك سيسمح بتسرب بعض النسيم إلى داخل الحجرات المذكورة، مع بقاء من في داخل الحجرة مستورا عن أعين الناظرين.

الثاني: مما يدل على بطلان قولهم:

إننا نسأل: من الذي قال: إن ما أدركه محمد بن هلال وعطاء، من صفة الحجر هو نفسه الذي كان موجودا في زمن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ـ؟! فقد مر دهر على تلك الحجرات، وتعرضت للبيع والشراء، ولغير ذلك. فلعل الأبواب قد استبدلت، أو اقتلعت، أو ما إلى ذلك!!

الثالث: إن نفس محمد بن هلال قد ذكر في معرض حديثه عن الحجر الشريفة. ما يدل على وجود أبواب ذات مصاريع، واحد أو أكثر، فقد قال في تتمة كلامه الذي نقلناه عنه فيما سبق: «..وكان باب عائشة مواجه الشام، وكان بمصراع واحد، من عرعر أو ساج»([4]).

ويحدثنا أبو فديك عن محمد بن هلال، فيقول:

«..فسألته عن بيت عائشة، فقال: كان بابه من جهة الشام.

قلت: مصراعاً كان أو مصراعين؟!

قال: كان باب واحد.

قلت: من أي شيء كان؟!

قال: من عرعر أو ساج..»([5]).

قال السمهودي: «وهذا مستند ابن عساكر في قوله: وباب

البيت شامي. ولم يكن على الباب غلق مدة حياة عائشة»([6]).

وقال ابن النجار: «..كان لبيت عائشة مصراع واحد من عرعر أو ساج»([7]).

والعرعر هو شجر السرو. والساج شجر يعظم جدا، وخشبه أسود، وزين، لا تكاد الأرض تبليه، ومنبته بلاد الهند فقط([8]).

ونضيف هنا: أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي بنى الحجر لنسائه، في منازل كانت لحارثة بن النعمان([9]). فهل يعقل أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد خصص عائشة بباب من ساج أو عرعر وترك سائر نسائه؟!

مع الإلفات إلى أن السؤال والجواب قد كانا عن خصوص بيتها، وعدم التعرض لسائر الأبواب، إنما كان لعدم تعلق غرض السائل بمعرفة مواصفات أبوابها; وأنها كانت بمصراع واحد أو بمصراعين، أو كانت من عرعر أو ساج أو غير ذلك..

خلاصة ما ذكرناه:

إذن، فلا يدل قول ابن هلال، وعطاء، وغيرهما على عدم وجود مصاريع لأبواب حجر أزواج النبي «صلى الله عليه وآله»، فضلا عن أن يدل على عدم وجود أبواب لبيوت المدينة في زمنه «صلى الله عليه وآله». فإن كان ثمة دليل آخر يدل على ذلك، فليذكره الذاكرون وليتمسك به المتمسكون، لننظر فيه، ونحكم له أو عليه، فالدليل هو الحكم والفيصل. ولن نقنع بما دونه من دعاوى عريضة، أو استعراضات خاوية، من أي جهة صدرت.


 

([1]) وفاء الوفاء: ج 2 ص 541، وراجع ص 463.

([2]) الجريد: الذي يجرد عنه الخوص ولا يسمى جريدا ما دام عليه الخوص. وإنما يسمى سعفا. وراجع لسان العرب ج 2 ص 237. وصحاح اللغة للجوهري.

([3]) البحار: ج 38 ص 175، والخصال ج 2 ص 373 و 374.

([4]) وفاء الوفاء: ج 2 ص 542 و 460.

([5]) راجع: وفاء الوفاء: ج 2 ص 459 و 460 و 542.

([6]) وفاء الوفاء: ج 2 ص 542.

([7]) وفاء الوفاء: ج 2 ص 458 و 540.

([8]) راجع: أقرب الموارد: ج 1 ص 554 و ج 2 ص 262.

([9]) راجع: وفاء الوفاء: ج 2 ص 462 و 463.

 

   
 
 

موقع الميزان