صفحة : 61-80   

إعتراضات على إحراق ابن سبأ:

وقد اعترض بعض العلماء على هذا الإجراء الذي اتخذه علي «عليه السلام» في حق ابن سبأ بأمور عديدة، نذكر منها ما يلي:

لا غلاة ولا إحراق لأحد:

قال العلامة العسكري «رحمه الله»: «لم يكن يوم ذاك غلاة، ولا عباد صنم في الجزيرة العربية، ولم يحرق الإمام أحداً. ويجوز وجود زنادقة، أو من ارتد إلى النصرانية، قتلهم الإمام، ثم أحرق جثثهم، خشية أن يتخذ قبورهم وثناً»([1]).

ونقول:

1 ـ لا نستطيع أن نوافق على هذا الحكم الصارم من هذا الباحث، فقد قلنا في هذا الكتاب: إن علياً «عليه السلام» قد أحرق اثنين كانا يصليان للصنم..([2]).

وروى في الكافي بسند صحيح عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال: أتى قوم إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، فقالوا: السلام عليك يا ربنا..

فاستتابهم فلم يتوبوا، فحفر لهم حفيرة، وأوقد فيها ناراً، وحفر حفيرة أخرى إلى جانبها، وأفضى ما بينهما، فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة، وأوقد في الحفيرة الأخرى ناراً حتى ماتوا([3])..

2 ـ تقدم أيضاً: أنه «عليه السلام» قد قتل المنكر لنبوة رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالدخان أيضاً([4]). فلماذا لا نصدق روايات إحراق الغلاة مباشرة، أو بالدخان أيضاً؟!

3 ـ وأما نفي وجود الغلاة في ذلك الزمان فهو مجازفة لا مجال للإغضاء عنها.. كيف، وقد روي عنه «عليه السلام»: أنه قال: يهلك في اثنان، محب غال، ومبغض قال..([5]).

إلا أن يقال: إن هذا جاء على نحو القضية الحقيقية التي لا نظر فيها إلى الواقع الخارجي.

وعنه «عليه السلام»: «اللهم إني بريء من الغلاة كبراءة عيسى بن مريم من النصارى، اللهم اخذلهم أبداً، ولا تنصر منهم أحداً»([6]).

وعن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أنه قال: لعلي «عليه السلام»: لولا أن يقال فيك ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالةً لا تمر بملأ من المسلمين إلا أخذوا تراب نعليك، وفضل وضوئك يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون مني وأنا منك، ترثني وأرثك([7]).

4 ـ إن الروايات التي رواها الكشي، وروايات أخرى ذكرها المؤرخون تؤكد وجود هؤلاء الغلاة بالفعل.. وإن كان يحتمل: أن يكون أمرهم قد ضخم حتى أظهروهم أنهم على درجة من الكثرة والتأثير للتغطية على النواصب ودورهم.

هذا فضلاً عن الروايات المروية عن النبي «صلى الله عليه وآله» من أنه سيجري على أمته ما جرى على الأمم السابقة، كبني إسرائيل، أو كاليهود والنصارى.. ولا يخفى أن من جملة ما جرى من تلك الأمم ادعاء ألوهية عزير وعيسى.

وما اعتبره العلامة العسكري مانعاً من قبولها لا يصلح للمانعية، كما سنوضحه.

5 ـ كيف جاز للعلامة العسكري: أن ينفي وجود عباد أصنام في الجزيرة العربية في عهد أمير المؤمنين «عليه السلام».. فلعل بعض من تظاهر بالإسلام كان يتكتم على كفره، وعلى عبادته لصنمه؟!

ونحن نعلم: أن المنافقين كانوا كثيرين جداً بين المسلمين. وأن أكثر الذين أظهروا الإسلام كانوا في الأصل عباد أصنام.

مضامين روايات الكشي:

لقد حاول بعض الباحثين أن يقول: إن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية. وحين وصل إلى روايات الشيعة ذكر خمس روايات رواها الكشي، حول عبد الله بن سبأ ـ منها روايات ثلاث صحاح السند ـ وقال:

«لم نجد في كتب الشيعة غير رجال الكشي طريقاً لهذه الروايات.

ومن الغريب أن أصحاب المجاميع الحديثة المعتبرة عند الشيعة، لم تخرج الروايات الخمس المذكورة، فلا نجدها في الكافي للكليني المتوفى سنة 329هـ وكتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق المتوفى سنة 381هـ والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي. ويدل هذا على أنهم لم يعتمدوا تلك الروايات، مع شهرة رجال الكشي عندهم.

كانت الروايات الخمس السابقة مصدر تأليه ابن سبأ للإمام علي في كتب رجال الشيعة، وكتب حديثهم. وكان ذلك مبلغ الاعتماد على الخبر مدى القرون لدى العلماء خريتي الفن»([8]).

ونقول:

أولاً: إن الكليني سابق على الكشي، فلا نتوقع أن يأخذ منه أو عنه، وأما الصدوق فلعله لم يحصل على كتاب الكشي، ليأخذ عنه، ولم تصل إليه الروايات من طريق آخر.

ثانياً: إن هذا الباحث نفسه الذي صرح بوفاة الكشي حدود سنة 340هـ. قد ذكر أن مضامين روايات الكشي موجودة في كتب أهل الملل والنحل الذين سبقوا عصر الكشي أو عاصروه، فقد وردت في كتاب المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري المتوفى سنة 310هـ وفرق الشيعة للنوبختي المتوفى سنة310هـ

ومقالات الإسلاميين لعلي بن إسماعيل المتوفى سنة 330هـ

غير أن هؤلاء أوردوها بسياق واحد، وبلا سند والكشي أوردها موزعة على روايات مسندة([9]).

فإذا كان مضمون الرواية موجوداً في مصادر سبقت عصر الكشي أو عاصرته، فذلك يقوي روايات الكشي، ويؤكد صدقها وصحتها.

واعتماد العلماء عليها وأخذها عن الكشي إنما هو لقوة أسانيدها عندهم، ولاعتضادها بهذه المضامين التي سبقت عصر الكشي.

واختيار العلماء للرواية المسندة هو الغاية في الاحتياط، ويعد إسداء خدمة جليلة للعلم وأهله يشكرون عليها.

ثالثاً: إن هذا الباحث نفسه بالرغم من أنه يذكر أن ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588هـ عاد فقد نقل إحدى هذه الروايات التي ذكرها الكشي، ولم يشر إلى مصدرها، فقال: «وعلى ما ذكرنا رجع الجميع في نقل هذه الرواية إلى الكشي».

فكيف علم أن ابن شرآشوب أخذ روايته من الكشي لا من غيره؟!

رابعاً: إن عدم إيراد الكافي ومن لا يحضره الفقيه، والتهذيب والاستبصار لهذه الروايات لا يدل على عدم اعتمادهم عليها.. إذ قد يكون السبب: هو أنهم لم يروها داخلة في أغراضهم التي دعتهم إلى تأليف كتبهم تلك.

أو لأنهم لم يعثروا عليها حين تأليفهم لتلك الكتب، وما أكثر الروايات التي لم ترد في تلك الكتب، ولم يسقطها ذلك عن الاعتبار..

خامساً: من أين علم هذا الباحث: أن مصدر تأليه ابن سبأ للإمام علي «عليه السلام» في كتب رجال الشيعة وكتب حديثهم هو الروايات التي ذكرها الكشي فقط؟! ولم لا يكون مصدرهم هو كتب المقالات والفرق التي سبقت الكشي أو عاصرته؟! أو لماذا لا يكون كلاهما مصدر ذلك؟! ولم لا يضاف إليها بعض ما ذكره الطبري عن ابن سبأ، وما جرى له على يد أمير المؤمنين «عليه السلام»؟! ولم؟! ولم؟!

الكشي لا يعتمد عليه:

وبعد أن كرس ذلك الباحث رجال الكشي كمصدر اعتمد عليه العلماء في تأليه ابن سبأ للإمام «عليه السلام»، بادر إلى إثبات عدم صحة الاعتماد على رجال الكشي.

وعمدة ما ذكره سبباً لذلك:

قول النجاشي: «الكشي أبو عمر، وكان ثقة عيناً، روى عن الضعفاء كثيراً وصحب العياشي، وأخذ عنه، وتخرج عليه، له كتاب الرجال، كثير العلم، وفيه أغلاط كثيرة»([10]).

وغاية ما أخذوه على كتابه: أنه خلط رجال العامة برجال الخاصة. وأن فيه تصحيفات كثيرة. وفيه خلط أخبار ترجمة بأخبار ترجمة أخرى، وخلط طبقة بأخرى.

وذكروا: أن السبب في ذلك هو رداءة خطه، وعدم إقبال معاصريه على اقتنائه..([11]).

ونقول:

إن ذلك كله لا يجدي في إسقاط اعتبار الكتاب، خصوصاً بالنسبة للروايات الخمس التي ترتبط بابن سبأ، إذ لم يذكر العلماء أنها وقعت فريسة للتصحيف أو التحريف، الموجب لسقوطها عن الإعتبار، كما أن هناك قرائن تؤيدها وهي وجود مضامينها في كتب أهل المقالات المعاصرين للكشي أو المتقدمين عليه.

كما أن شهادة النجاشي بأن في كتاب الكشي علماً كثيراً تكفي لتأييد اعتبار مضامينه، لا سيما مع تأكيدها بالقرائن المشار إليها.

يضاف إلى ذلك: أن العلماء ـ كالمحقق التستري وغيره ـ قد بينوا مواضع التصحيف والتحريف وخلط التراجم ببعضها. ولم تكن هذه الروايات الخمس من بين ما ناله من ذلك ما يضر بحجيته.

روايتان تناقضان روايات التأليه:

وقد اعتبر ذلك الباحث: أن هناك رواية تناقض الروايات الصحيحة التي ذكرها الكشي عن تأليه ابن سبأ علياً «صلوات الله وسلامه عليه»، فعن أبي عبد الله «عليه السلام»: أن أمير المؤمنين «عليه السلام» قال:

إذا فرغ أحدكم من الصلاة، فليرفع يديه إلى السماء، ولينصب في الدعاء.

فقال ابن سبأ: يا أمير المؤمنين، أليس الله في كل مكان؟!

قال: بلى.

قال: فلم يرفع يديه إلى السماء؟!

قال: أما تقرأ في القرآن ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾؟!([12]). فمن أين طلب الرزق إلا من موضعه؟! وموضع الرزق وما وعد الله السماء([13]).

وعن المسيب بن نجبة: أنه جاء إلى أمير المؤمنين «عليه السلام» متلبباً بعبد الله بن سبأ. فقال: ما شأنك؟!

فقال: يكذب على الله، وعلى رسوله.

قال: فما يقول؟!

قال الراوي: فلم أسمع مقالة المسيب، وسمعت أمير المؤمنين يقول: «هيهات، هيهات، العصب [لعل الصحيح: الغضب] ولكن يأتيكم راكب الذعلبة، يشد حقوها بوضينها، لم يقض تفثاً من حج ولا عمرة، فيقتلونه، يريد بذلك الحسين بن علي([14]).

فقد دلت هذه الرواية: على أن ابن سبأ ينزه الله تعالى عن المكان، وروايات التأليه لعلي مفادها: أن لله تعالى مكاناً يمشي ويجلس فيه.

وعند النعماني: عن المسيب بن نجبة قال: قد جاء رجل إلى أمير المؤمنين «عليه السلام»، ومعه رجل، يقال له «ابن السوداء»، فقال: «إن هذا يكذب على الله وعلى رسوله ويستشهدك.

فقال «عليه السلام»: لقد أعرض وأطول، يقول ماذا؟!

فقال: يذكر جيش الغضب.

فقال: خل سبيل الرجل، أولئك قوم يأتون في آخر الزمان إلخ..([15])

فإن الإمام «عليه السلام» قد برَّأ ابن سبأ من الكذب الذي نسب إليه، وأمر بإخلاء سبيله، وليس إنسان كهذا من قبيل من يؤله بشراً، ويكابر عليه حتى يحرق عليه([16]).

ونقول:

أولاً: إن هاتين الروايتين غير قادرتين من حيث السند على معارضة تلك الروايات الخمس الصحاح سنداً. لا سيما مع وجود شواهد تؤيد مضمون الروايات الخمس، حسبما تقدمت الإشارة إليه..

ثانياً: مع غض النظر عن ذلك. لا مانع من أن يكون ابن سبأ غير ظاهر الانحراف في تلك الفترة، أو كان على خط الاستقامة بالفعل، ثم ظهر نفاقه، أو أنه ارتد لاحقاً..

ثالثاً: إن صدق الرجل في بعض ما ينقله لا يعني سلامة اعتقاده، بل صدقه يعني سلامة نقله..

ونحن نرى الناس ينقلون عن أعدائهم، وعن الذين يخالفوهم في الاعتقاد، حين يثقون بصدقهم، فكيف إذا صدق نقله نفس المنقول عنه. وهو علي «عليه السلام»؟!

رابعاً: إن رواية رفع اليدين بالدعاء قد صرحت: بأن الله تعالى في كل مكان، وهذا إثبات للمكان، وليس تنزيهاً له تعالى عنه. إلا أن يكون المراد أنه في كل مكان بقدرته وعلمه وتدبيره. فكان ينبغي لفت النظر إلى ذلك..

روايات القتل تعارض روايات الإحراق:

وقد أورد ذلك الباحث طائفة من الروايات التي ذكرت حرق أمير المؤمنين للغلاة، ولعباد الصنم، وغير ذلك. ثم قال:

«الغريب أن أحداً من فقهاء المسلمين لم يعتمد هذه الروايات، ويفتي بأن حكم المرتد الحرق. بل افتوا جميعاً بأن حكم المرتد القتل، استناداً إلى الروايات المعارضة لها. والمروية عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» والأئمة من أهل بيته «عليهم السلام».

ثم ذكر: أن السنة أيضاً اتفقوا على أن المرتد يقتل»([17]).

ثم ذكر روايات الشيعة التي تقول: إن المرتد يستتاب ثلاثة أيام، ثم يقتل في اليوم الرابع.

وقد روي ذلك عن أمير المؤمنين([18])، وأبي جعفر، وأبي عبد الله([19])، وأبي الحسن الرضا([20]). و.. و..

وقال: إن هذه الروايات تعارض الروايات التي تقول: إن علياً «عليه السلام» حرق ناساً من المرتدين. لأنها تنص على أن حد المرتد القتل. والقتل إماتة بآلة، كالسيف، أو الرمح، أو الصخر أو الخشب، أو بالسم. في مقابل الحرق الذي هو إماتة بالنار، والصلب الذي هو إهلاك الشخص برفعه على خشبة الصليب([21]).

ونقول:

أولاً: إن الروايات غير متعارضة، لاختلاف موردها، لأن للارتداد مصاديق كثيرة، ومراتب متعددة، فالارتداد عن ملة أهون من الارتداد عن فطرة، كما أن الارتداد إلى الشرك أعظم من الارتداد إلى بعض الأديان السماوية كاليهودية والنصرانية. والحكم بكفر منكر الضروري ليس على حد كفر الشرك، أو الكفر بإنكار النبوة، والارتداد عن الإسلام إلى دين آخر.. وهكذا..

فلعل حكم من يؤله البشر من الغلاة هو الحرق، وكذا حكم من يعبد الصنم، أما حكم من يرتد إلى النصرانية، أو اليهودية فهو القتل بما هو أدنى من ذلك، كالقتل بالسيف مثلاً..

ثانياً: إن التفريق بين الحرق والقتل غير ظاهر الوجه، فإن القتل كما يكون بالحديد، والخشب والحجر، يكون بالخنق، والإغراق والإحرق بالنار. فلماذا فصل هذا الباحث بين موجبات إزهاق الروح بهذه الطريقة؟! ولماذا لا يكون الحكم هو مطلق القتل، ثم للإمام أن يختار كيفيته، بحسب ما يراه رادعاً للغير، ومناسباً لطبيعة الجرم، ومرتبته في القبح، أو في الفساد، أو الإفساد؟! تماماً كالذي يعمل عمل قوم لوط الحكم فيه هو التخيير بين الضرب بالسيف، والإلقاء من شاهق، والحرق بالنار..

والخلاصة: إذا كان القتل هو الإماتة بآلة كما قال، فالآلة قد تكون خشباً، أو حديداً، أو سماً وقد تكون ناراً أيضاً. وما الدليل على استثناء هذه الآلة دون تلك.. مع احتمال أن يكون إجراء عقوبة الإحراق على مدعي ألوهية البشر، أو ألوهيته «عليه السلام» حقاً خاصاً بالإمام، ولا يحق لغير المعصوم إجراء عقوبة الإحراق بالنار في مثل هذا الذنب على أحد.

ثالثاً: إن الارتداد إلى اليهودية أو النصرانية، أو إلى الشرك وعبادة الأصنام كان متوقعاً، ولعله كان يحدث بين الحين والآخر، وإن كان قليلاً..

أما الارتداد بالغلو في أمير المؤمنين «عليه السلام» فكان قليلاً ونادراً، ولعله لم يحصل إلا بعد أن استخلف أمير المؤمنين «عليه السلام»، وظهرت عجائب أفعاله، وغرائب أقواله، وهو يصنع للناس الكرامات، والمعجزات، ويخبرهم بالمغيبات، ليثبت لهم إمامته الإلهية، فغلا بعضهم فيه.

وأما الغلو فيه «عليه السلام» في زمان الخلفاء، فإن كان قد حدث منه شيء، فإن علياً «عليه السلام» لم يكن هو المسؤول عن معاقبة فاعليه، بل كان مناوئوه هم المسؤولون عنه، المطالبون بمعالجته. ولعلهم كانوا لا يهتمون له. أو أنه لم يظهر لهم في عهدهم إلى حد يدعوهم إلى التصدي والمواجهة..

الكذب على أمير المؤمنين :

وروى الكشي عن ابن سنان، عن الإمام الصادق «عليه السلام» أنه قال: إنَّا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا، فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس. كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» أصدق البرية لهجة. وكان مسيلمة يكذب عليه..

وكان أمير المؤمنين «عليه السلام» أصدق من برأ الله بعد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وكان الذي يكذب عليه، ويعمل في تكذيب صدقه بما يفتري عليه من الكذب عبد الله بن سبأ لعنه الله، وكان أبو عبد الله الحسين بن علي «عليه السلام» قد ابتلي بالمختار إلخ..([22]).

وقد ناقش أحد الباحثين هذه الرواية بما حاصله: أن الإمام الحسين «عليه السلام» قد استشهد قبل أن يظهر المختار. فمتى ابتلي الحسين بالمختار؟!

وكيف يكون قتل المختار لقتلة الحسين «عليه السلام» ابتلاء للحسين؟!

وكيف يكون ذلك من المختار عملاً منه في تكذيب الحسين «عليه السلام»؟!

وهل وضع هذا الحديث انتصاراً لقتلة الحسين «عليه السلام»؟!

ثم كيف تكون عقيدة ابن سبأ في علي «عليه السلام» عملاً في تكذيب علي «عليه السلام»؟!

وهل روى أحد عن ابن سبأ: أن علياً «عليه السلام» أمر أحداً بأن يعبده؟! ليكون ذلك افتراء منه على علي «عليه السلام»([23]).

غير أننا نقول في جوابه:

أولاً: إن الكذب على النبي «صلى الله عليه وآله»، أو على الإمام لا يختص بمن يعاصر النبي «صلى الله عليه وآله» والإمام «عليه السلام»، فقد يكذب عليه في حال حياته، وبعد موته أو استشهاده «عليه السلام».

ثانياً: إن المختار كان معاصراً للإمام الحسين «عليه السلام»، فلا مانع من أن يبتلى به، قبل استشهاده، وبعده.. وربما يبتلى به قبل استشهاده، ثم يتوب بعد الاستشهاد، ولعل قضية المختار من هذا القبيل.

ثالثاً: ليس في الرواية أن ابتلاء الإمام الحسين بالمختار كان بنفس قتل المختار لقتلة الإمام الحسين «عليه السلام»، ولا دلالة فيها على أن أخذه بثاره من مفردات الكذب عليه..

رابعاً: إن الرواية لم تذكر أن عقيدة ابن سبأ من مفردات تكذيب أقوال علي «عليه السلام».. بل قالت: إنه كان يكذب على أمير المؤمنين «عليه السلام»، فلعله كان يكذب عليه في أمور أخرى غير غلوه فيه، وإن كانت أكاذيبه لم تصل إلينا..

وكذلك الحال بالنسبة للمختار، فلعله كان في حال حياة الإمام الحسين يكذب عليه ـ ولم تنقل تلك الأكاذيب إلينا ـ ولعله تاب عن ذلك بعد استشهاده «عليه السلام» كما قلنا.

خامساً: إن ما عاناه الرسول «صلى الله عليه وآله» والإمام علي والإمام الحسين «عليهم السلام» من الكذب عليهما في حياتهما من أناس آخرين يهون عنده ما ظهر من مسيلمة ومن عبد الله بن سبأ، ومن المختار، إن لم نقل: إن المختار قد أقحم لغاية في أنفسهم.

هذا إن لم نقل: إن الرواية يشتم منها رائحة الصناعة والوضع. وفي أحسن الأحوال: يحتمل صدور بعضها تقية. فضلاً عن أنه لا مصلحة لأعداء الإمام علي والإمام الحسين «عليهما السلام» في إخفاء ما كُذب به عليهما، بل الدواعي إلى نقله أكثر.

من هي العنزية؟!:

وهناك الرواية التي تقول: «بينا أمير المؤمنين عند امرأة له من عنزة، وهي أم عمرو، إذا أتاة قنبر فقال: إن عشرة بالباب يزعمون أنك ربهم..

ثم تذكر الرواية: أنه «عليه السلام» أحرقهم بالنار»، فيقول أحد الباحثين:

«من هي أم عمرو العنزية زوجة الإمام؟! وكيف لم يعرفها أحد غير هذا الراوي»؟!

ونقول:

يذكر المؤرخون: أن علياً «عليه السلام» قد تزوج بالعديد من النساء.. وقد ذكر المؤرخون أسماء تسعة منهم، وهذه العنزية، التي ذكرت بكنيتها «أم عمرو» تكون هي العاشرة كما أنه «عليه السلام» قد ترك «عليه السلام» تسع عشرة أو سبع عشرة سُرِّية([24])، بعضهن أمهات ولد..

والسُرِّية هي: الأمة التي بوأتها بيتاً([25]).

ونحن لا نعرف أسماء أكثرهن، فضلاً عن أن نعرف شيئاً عن حياتهن. فلم لا تكون هذه العنزية ـ أم عمرو ـ كانت إحدى زوجاته، أو إحدى سرِّياته.. فإن التاريخ قد جمع من روايات آحاد وغير آحاد..


([1]) عبد الله بن سبأ (ط  دار الزهراء سنة 1427هـ) ج2 ص172.

([2]) من لا يحضره الفقيه ج3 ص91 و (ط مركز النشر الإسلامي بقم) ص151   = = وتهذيب الأحكام ج10 ص138 و 140 والأمالي للطوسي ج2 ص275 وبحار الأنوار ج76 ص226 و 227 ووسائل الشيعة  (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص339 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص556 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص75.

([3]) الكافي ج7 ص257 و 259 والإستبصار ج4 ص254 وتهذيب الأحكام ج10 ص138 ووسائل الشيعة  (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص334 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص552 والأمالي للشيخ الطوسي ص662 وبحار الأنوار ج40 ص300 وج42 ص161 وج76 ص227 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص64 و 65.

([4]) الكافي ج4 ص181 ـ 183          ووسائل الشيعة  (ط مؤسسة آل البيت) ج10 ص249 و 250 و (ط دار الإسلامية) ج7 ص179 و 181 وبحار الأنوار ج38 ص60 و 61 وج40 ص288 و 289 وجامع أحاديث الشيعـة ج26 = = ص16 و 17 وموسوعة أحاديث أهل البيت «عليهم السلام» للنجفي ج4 ص289 وتفسير نور الثقلين ج5 ص462 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص6 وقضاء أمير المؤمنين «عليه السلام» للتستري (ط مؤسسة الأعلمي) ص231 و 232.

([5]) راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) ج4 ص28 و 108 وبحار الأنوار ج25 ص285 وج34 ص307 و 336 وج39 ص295 وج47 ص167 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص105 وج5 ص4 وج18 ص282 وخصائص الأئمة ص124 وشرح الأخبار ج1 ص160 ومعدن الجواهر للكراجكي ص26 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص227 والعمدة لابن البطريق ص212 وعيون الحكم والمواعظ ص511 وغوالي اللآلي ج4 ص87 وكتاب الأربعين للشيرازي ص159 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص324 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص297 ونهج الإيمان ص490 وينابيع المودة ج1 ص328.

([6]) راجع: الأمالي للطوسي ج2 ص264 و (ط دار الثقافة ـ قم) ص650 وبحار الأنوار ج25 ص266 و 284 وج76 ص226 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص226 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج8 ص165.

([7]) راجع: بحار الأنوار ج25 ص284 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص227 ونهج الإيمان ص479 و 487 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص295 وج22 ص358 عن أرجح المطالب (ط لاهور) ص448 وعن الوسيلة لعمر بن الخضر الموصلي (ط حيدر آباد الدكن) ص172.

([8]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص178 ـ 180.

([9]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص176.

([10]) رجال النجاشي ص288 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص372 وراجع: خاتمة المستدرك ج3 ص286 وعبد الله بن سبأ ج2 ص178 و 413 وخلاصة الأقوال ص247.

([11]) لخصنا ذلك من كتاب: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص180 ـ 183.

([12]) الآية 22 من سورة الذاريات.

([13]) من لا يحضره الفقيه ج1 ص213 و (ط مركز النشر الإسلامي) ج1 ص325 والخصال (حديث الأربع مئة) ج2 ص628 وتحف العقول ص118 وتهذيب الأحكام ج2 ص322 ووسائل الشيعة  (ط مؤسسة آل البيت) ج6 ص487 و (ط دار الإسلامية) ج4 ص1057 ومستدرك الوسائل ج5 ص184 و 185 وبحار الأنوار ج10 ص106 و 107 وج82 ص318 وج90 ص308 والوافي ج5 ص118 والحدائق ج8 ص511 وجامع أحاديث الشيعة ج5 ص363 وج17 ص45.

([14]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص184 و 185 عن بحار الأنوار (ط كمپاني) ج9 ص635 ولسان الميزان ترجمة عبد الله بن سبأ. والأمالي للشيخ الطوسي ص230 ومدينة المعاجز ج2 ص180 وبحار الأنوار ج42 ص146.

([15]) الغيبة للنعماني 167 و 168 و (ط أنوار الهدى سنة 1422هـ) ص325 وبحار الأنوار ج52 ص247 وقاموس الرجال للتستري ج11 ص615.

([16]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص186.

([17]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427 هـ) ص2 ص194 ـ 196.

([18]) راجع: الكافي ج7 ص258 و 257 وتهذيب الأحكام ج10 ص138 و 139 والاستبصار ج4 ص254 و 255 والوافي ج9 ص70 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص91 و 548 والغارات ج1 ص230 و 231 ووسائل الشيعة  (ط مؤسسة آل البيت)ج28 ص325 و (ط دار الإسلامية) ج18 ص545 وغوالي اللآلي ج3 ص495 والفصول المهمة للحر العاملي ج2 ص520 وصفين (ط مصر) ص43 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص15 .

([19]) الكافي ج7 ص256 وتهذيب الأحكام ج10 ص137 و 138 والإستبصار ج4 ص253 و 254 والوافي ج9 ص70 ووسائل الشيعة  (ط مؤسسة آل البيت) ج28 ص331 ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج18 ص550.

([20]) الكافي ج7 ص256 وتهذيب الأحكام ج10 ص139 والإستبصار ج4 ص254 والوافي ج9 ص70 وجامع أحاديث الشيعة ج26 ص20.

([21]) عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427هـ) ج2 ص198.

([22]) رجال الكشي ص305 وراجع ص108 ومستدرك الوسائل ج9 ص90 وبحار الأنوار ج2 ص217 وج25 ص263 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص580 وإختيار معرفة الرجال ج2 ص593 والرسائل الرجالية للكلباسي ج3 ص289 وقاموس الرجال للتستري ج9 ص600.

([23]) راجع: عبد الله بن سبأ (ط سنة 1427 هـ) ج2 ص198 و 199.

([24]) دعائم الإسلام ج2 ص192 وجامع أحاديث الشيعة ج20 ص208 ومستدرك الوسائل ج14 ص294 وراجع: تاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص652 والبداية والنهاية ج7 ص333 و (ط دار إحياء التراث العربي ـ بيروت) ج7 ص368 وتفسير الثوري ص29 وفيض القدير ج5 ص538 وتفسير السمعاني ج6 ص49 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج32 ص677.

([25]) تاج العروس ج6 ص514.

 

 

   
 
 

العودة إلى موقع الميزان