بـدايـة:
وحيث إنهم يذكرون «حديث
الإفك» في مناسبة غزوة المريسيع، فقد آثرنا أن نورده في نفس
هذا المورد أيضاً رغم اعتقادنا بأن الصحيح هو أنه قد حدث بعد ولادة
إبراهيم ابن رسول الله «صلى الله عليه وآله» من مارية.
وإنما ذكرناه هنا، لتيسير الوصول إليه على القارئ
الكريم، فنقول:
إننا قبل أن ندخل في الحديث حول موضوع الإفك نذكر
القارئ بالأمور التالية:
الأول:
إن ما نذكره هنا، وإن كان يعتمد بصورة أساسية
وكبيرة على كتابنا:
«حديث الإفك»،
الذي كان قد صدر قبل أكثر من عشرين سنة.. إلا أن ما أجريناه من
توضيحات، وتصحيحات، واستدراكات.. ثم ما نال مطالبه من تقليم
وتطعيم.. قد جعل هذه الدراسة أكثر فائدة، وأوضح بياناً، وأدق
مضموناً، وأعم فائدة، ولأجل ذلك كان لا بد من إيرادها في سياق حديث
السيرة النبوية الصحيحة.. وهكذا كان.
الثاني:
إن علماءنا الأبرار، وهم جهابذة العلم، والفكر
والتحقيق يلتزمون ويؤكدون بإصرار بالغ على حقيقة: أن زوجة أي نبي
من الأنبياء يمكن أن تكون كافرة كما ذكره الله سبحانه في سورة
التحريم حين تعرض لامرأتي نوح ولوط عليهما وعلى نبينا وآله الصلاة
والسلام. ولكنها منزهة عن الفجور ـ والعياذ بالله ـ بدون أدنى شبهة
أو ريب.
وذلك هو ما نريد أن يجعله القارئ الكريم نصب عينيه،
وأن يلتزم به، ولا يفرط فيه.
فزوجات رسول الله «صلى الله عليه وآله» إذن منزهات
مبرءات من كل تهمة من هذا القبيل.
الثالث:
إنه قد يظهر من كلمات بعض علمائنا الأبرار: أن ثمة
تسالماً على أن الإفك إنما كان على عائشة.
فقد سئل العلامة الحلي «رحمه
الله»:
«ما يقول سيدنا في قصة الإفك، والآيات التي نزلت
ببراءة المقذوفة، هل ذلك عند أصحابنا كان في عائشة، أم نقلوا: أن
ذلك كان في غيرها من زوجات النبي صلى الله عليه وآله»؟!.
فأجاب:
«ما عرفت لأحد من العلماء خلافاً في أن المراد بها
عائشة»([1]).
وقال الشيخ المفيد:
«ولا خلاف أن حسان كان ممن قذف عائشة، وجلده النبي
«صلى الله عليه وآله» على قذفه»([2]).
غير أننا نقول:
أما بالنسبة لكلام العلامة الحلي «رحمه الله»..
فيحتمل أمرين:
أحدهما:
أن يكون «رحمه الله» قد فهم من السؤال: أن الحديث
هو عن خصوص الإفك على زوجاته «صلى الله عليه وآله»، فلا شأن
لسراريه «صلى الله عليه وآله».. فإذا كان يرى أن مارية كانت من
السراري لا الزوجات فيصح له أن يقول: إنه لم يرد حديث سوى عن
عائشة..
الثاني:
وهو الأقرب: أن يكون «رحمه الله» غير مطلع على صنوف الأحاديث حول
الإفك الذي تعرضت له مارية القبطية.. وسيأتي شطر مما رواه الشيعة
والسنة في ذلك..
ولأجل ذلك قال:
«ما عرفت لأحد الخ..». فنفى معرفته بذلك، ولم ينف
وجوده. وهو إنما كان مهتماً بالفقه وعلم الكلام.. وما إلى ذلك كما
يظهر من ملاحظة تآليفه «رحمه الله»..
وأما بالنسبة للشيخ المفيد، فإن من العلماء من
اعتبر كلامه موجهاً لأهل السنة ووفق ما هو متسالم عليه عندهم، وذلك
إلزاماً لهم بما يلزمون به أنفسهم.
ووجود الخلاف الذي ينفيه يحتم اللجوء إلى هذا
الاحتمال، أو الإقرار بأنه هو الآخر
لم يطلع على هذا الخلاف، بسبب عدم تقصيه وتتبعه
للأقوال وللروايات..
وأخيراً نقول:
إنه لا ريب في عدم دقة كلام الشيخ المفيد، فقد
اختلفت الأقوال في ضرب الإفكين وعدمه.. بل لقد أنكر قوم أن يكون
حسان قد خاض في أمر الإفك من الأساس.. فلا معنى لقوله: لا خلاف أن
حساناً كان ممن قذف عائشة الخ.. وستأتي أقوالهم في ذلك في فصل: (لا
حافظة لكذوب) وفي غيره من الفصول إن شاء الله.. فانتظر..