عائشة في حديث الإفك

توطئة، وبيان:
إن عائشة هي بطلة حديث الإفك،
ويبدو لكل متأمل:
أن ثمة عناية ظاهرة بإزجاء الإطراء، والمديح،
وتسطير الفضائل الكثيرة لها في هذه المناسبة.
وقد حفلت فصول هذا الكتاب بالكثير من الدلائل على
ذلك.. وفي فصول أبواب حديث الإفك دلائل كثيرة ايضاً..
غير أن ذلك لا يغني عن عقد هذا الفصل الذي نورد
فيه بعض الأمور التي احتاجت إلى بعض البيان لوجه الحق فيها،
بالإضافة إلى التذكير بأمور تضمنها حديث الإفك بالذات..
مع العلم بأن في هذا الكتاب مناقشات قوية، تؤكد
بصورة قاطعة وجازمة عدم صحة كل تلك الفضائل المدعاة..
ونحن نجمل ما أوردنا تفصيله أو إجماله في هذا الفصل
مما يرتبط بحديث الإفك على النحو التالي..
إن قضية الإفك التي نتحدث عنها قد كانت في غزوة
المريسيع بالإجماع.
وقد تقدم:
أن هذه الغزوة قد كانت سنة ست([1])،
وقيل:
سنة خمس،
وقيل:
أربع..
وقد ذكرنا تفصيل ذلك كله، ومن قال بهذا أو بذاك،
وأثبتنا:
أن القول الأول هو الصحيح في الجزء السابق من هذا الكتاب([2])
فأغنى ذلك عن إيراده هنا.
قد ذكرت روايات الإفك:
أن عائشة كانت حين قضية الإفك جارية حديثة السن، لا تقرأ كثيراً من
القرآن، وأنها كانت تنام عن عجين أهلها حتى تأتي الداجن فتأكله.
ونقول:
إن ذلك لا يمكن قبوله، فقد ذكرنا في مجلد سابق من
هذا الكتاب: أنها لم تكن جارية حديثة السن حين قضية الإفك، بل كان
عمرها حين تزوجها الرسول حوالي عشرين سنة، إن لم يكن أكثر من ذلك
بكثير، بدليل أنها أسلمت في أول البعثة، بعد ثمانية عشر إنساناً
فقط، بالإضافة
إلى أمور أخرى ذكرناها هناك، فراجع..
ثم إنهم من أجل التأكيد على حداثة سن عائشة،
ادّعوا:
1 ـ
إنها كانت في ذلك الوقت لا تقرأ كثيراً من القرآن..
2 ـ
إنها كانت تنام عن عجين أهلها حتى تأتي الداجن
فتأكله، على حد التعبير المنسوب إلى بريرة.
ولنا مع هذا الكلام وقفات وتساؤلات، نوجزها كما
يلي:
أولاً:
إن من كان عمرها حوالي عشرين سنة، وقد مضى على
وجودها في بيت الرسول «صلى الله عليه وآله» حوالي خمس أو ست سنوات،
كيف لم تقرأ حتى الآن كثيراً من القرآن؟!
ثانياً:
إذا كانت في قلة الفطنة والوعي بحيث تنام عن عجين
أهلها، حتى تأتي الداجن فتأكله، وهي بهذه السن العالية فمتى تجاوزت
هذا الدور الطفولي الساذج يا ترى؟!
وكيف روت عن النبي «صلى الله عليه وآله» ذلك القدر
العظيم من الروايات، حتى لا يضارعها أحد في ذلك كثرة، اللهم إلا إن
كان أبو هريرة؟!.
ثالثاً:
هل كانت الجارية حديثة السن، التي تنام عن عجين
أهلها، تحسن القيام بذلك الدور التي تنسبه لنفسها في حديث الإفك؟
ثم التكلم بتلك الكلمات القوية، ذات المغزى العميق التي يقال: إنها
واجهت النبي بها وغيره؟!
هذا كله..
عدا عن مواقفها وأفعالها الذكية مع أم سلمة، وزينب
بنت جحش، وسائر أزواج النبي
«صلى الله عليه وآله»
بعد قضية الإفك وقبلها.
واحتمل العسقلاني:
أن يكون قولها: وكنت جارية حديثة السن، يراد به:
الإشارة إلى إقامة عذرها في حرصها على العقد، وتركها إعلامها
أهلها، ولذا أعلمت النبي «صلى الله عليه وآله» بضياع عقدها في
حادثة التيمم([3]).
ولقد فات العسقلاني:
أولاً:
أن سياق الكلام ظاهر في أنها تقيم العذر على عدم
التفاتهم لخفة الهودج، بسبب صغر حجمها الناشئ عن صغر سنها.
ثانياً:
إن حادثة التيمم، كانت في نفس هذه السفرة أيضاً كما
سيأتي. فكيف انتبهت هناك، وغفلت هنا، مع أنها في كلتيهما كانت لا
تزال جارية حديثة السن؟!
ما ورد في الرواية:
من أنهم رحلوا هودجها، ولم يشعروا بأنها لم تكن فيه بسبب هزالها
وخفتها،
يرد عليه:
أولاً:
قد روي عن عائشة نفسها أنها قالت:
«أرادت أمي تسمنني لدخولي على رسول الله «صلى الله
عليه وآله» فلم أقبل منها بشيء
مما تريد حتى أطعمتني القثاء والرطب، فسمنت عليه
أحسن
السمن»([4]).
ثانياً:
إننا نجد التصريح في الروايات: بأنها كانت في هذه
الغزوة سمينة، فقد روى في الإمتاع،
وروى الواقدي وغيرهما: أنه «صلى الله عليه وآله» تسابق في هذه
الغزوة ـ المريسيع ـ مع عائشة، فتحزمت بقبائها، وفعل هو كذلك، ثم
استبقا، فسبقها رسول الله، وقال لها: هذه بتلك التي كنت سبقتني،
يشير إلى مسابقة أخرى سابقة([5]).
وينص ابن الجوزي:
وأبو
داود، وغيرهما: أنها كانت في الغزوة التي سبقها فيها النبي قد سمنت
وحملت اللحم([6]).
إذن،
فكيف تكون مهزولة تارة، حتى لا يحس بها حاملوها،
وسمينة تحمل اللحم أخرى، حتى يسبقها النبي «صلى الله عليه وآله»؟!!
ثالثاً:
مهما فرض فيها من ضعف البنية، وحتى لو فرضناها
هيكلاً عظمياً فقط، فإن وزنها لا بد أن يكون 30 كيلو غراماً على
الأقل..
وعلى هذا..
فكيف لا يشعر الذين يحملونها في هودجها، بأنها ليست
فيه؟! إن ذلك لعجيب حقاً! وأي عجيب!!
ويتأكد العجب والغرابة.. حينما
نجدهم يقولون:
إن الذين
كانوا يحملونها في هودجها لا يزيدون على رجلين، أحدهما أبو موهبة([7])
أو أبو مويهبة وحده([8]).
حدث العاقل بما لا يليق له، فإن لاق له، فلا عقل
له.
ومن الطريف هنا قولهم:
إن عائشة نفسها قد شعرت بعدم معقولية ولا مقبولية
دعوى أن لا يشعر بها حاملوها، بسبب هزالها، وضعفها، فعللت ذلك بأن
النساء كنّ يأكلن العلقة من الطعام.
ثم ادَّعت:
أنها جارية حديثة السن لأجل ذلك ولغيره..
ولكن.. وبعد ما قدمناه، هل يصلح العطار ما أفسد
الدهر؟!
تنص الرواية على:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يحب عائشة، ولها حظوة عنده،
وكانت حسناء جميلة.. وأن لها ضرائر حسدنها، فقلن فيها، وأكثرن
عليها..
ونحن نقول:
قد تقدم أن
جمال عائشة، ومحبة النبي
«صلى الله عليه وآله» لها وغيرة زوجات النبي «صلى الله عليه وآله»
منها، وحسدهن لها لهو من الأمور التي لا يمكن أن تصح، والصحيح هو
العكس تماماً، وهو الحقيقة التي كانت تؤلم عائشة، وكانت تسعى
لإشاعة ما يناقضها.
وقد تقدم الحديث عن ذلك في بعض
أجزاء هذا الكتاب([9])،
فلا مجال لإعادته هنا.
فلا معنى لما تدَّعيه لنفسها من جمال ووضاءة، ولا
لما يُدَّعى لها: من بياض، فإنها كانت سوداء أو أدماء، وكانت أشبه
الناس بأبيها، الذي لم يكن له حظ في الجمال، كما يظهر من وصفهم له.
أما تسميتها بالحميراء، فلعله كان لأجل صفرة
أو حمرة في شعرها، فإذا انضم ذلك إلى أدمة الوجه، أو السواد فيه،
فإن الأمر يصبح أكثر مجانبة للحالات الجمالية، لأنه يكون بعيداً كل
البعد عن التناسق والانسجام.. ويصبح وصف الجمال له أشبه بالنكتة
والدعابة.
وأما حظوتها، فقد عرفنا:
أنها أيضاً بعيدة عن الحقيقة، وأن غيرتها من سائر
نسائه «صلى الله عليه وآله»، ومن مارية لخير شاهد على ما نقول..
فلا وقع لدعواها: أن زينب بنت جحش وحدها هي التي كانت تساميها من
بين سائر نسائه «صلى الله عليه وآله».
وقد ذكرت روايات الإفك التي رويت عن عائشة، وعن ابن
عباس:
أن عائشة قد اختصت بخصال: أربع، أو تسع، أو عشر، مثل:
أن الملك نزل إلى النبي «صلى الله عليه وآله»
بصورتها.
وكان يأتيه «صلى الله عليه وآله» الوحي، وهو معها
في لحاف واحد.
وأنها رأت جبرائيل.
وأنه «صلى الله عليه وآله» قبض في بيتها، ولم يله
أحد غيرها وغير الملك.
وأنها كانت أحب الناس إليه.
وأنه تزوجها لسبع، وبنى بها لتسع.
وأنها نزل عذرها من السماء، أو نزلت فيها آيات كادت
الأمة تهلك فيها.
وأنه «صلى الله عليه وآله» لم يتزوج بكراً غيرها.
وأنه كان يصلي وهي معترضة بين يديه.
وأنها، وأنها..
فراجع:
فصل: النصوص والآثار، الحديث
رقم4 لتجد مصادر حديث خصائص عائشة هذه، والتي تضمنت الإشارة إلى
حديث الإفك أيضاً.
ونقول:
قد تحدثنا في هذا الكتاب وفي غيره عن موضوعات عديدة
تعرضت لها هذه الروايات.. وأثبتنا عدم صحتها.
فقد ظهر مثلاً عدم صحة قولها:
إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد تزوجها
لسبع، وبنى بها لتسع.
وعدم صحة قولها:
إنها كانت أحب الناس إليه، وأحظى نسائه عنده.
وعدم صحة قولها:
إنها رأت جبرائيل، فإن من يرى جبرائيل يصاب بالعمى،
كما هو معلوم.
وقد تحدثنا عن هذا الأمر فيما سبق([10]).
وقد أثبتنا أيضاً عدم صحة
قولها:
إن النبي «صلى الله عليه وآله» مات في بيتها، بل هو
قد توفي في بيت فاطمة
«عليها
السلام»،
ودفن فيه.
وقد أثبت علماؤنا الأبرار عدم
صحة قولها أيضاً:
إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد مات في حجرها، بل
هو قد مات في حجر علي.
وأما أنه «صلى الله عليه وآله» كان يصلي وهي معترضة
بين يديه، فهذا
من موجبات ذمها، لأن هذا سوء أدب منها معه
«صلى الله عليه وآله».
هذا بالإضافة إلى ما أثبتناه في هذا الكتاب من عدم
صحة حديث الإفك الذي نسبته إلى نفسها، وبالتالي فلا يصح قولها: إن
الله قد أنزل عذرها من السماء، أو أنزل في حقها آيات من القرآن
كادت الأمة تهلك فيها.
وتقصد بها الآيات التي تحدثت عن الإفك.
وأما دعوى:
أن الملك قد نزل بصورتها للنبي «صلى الله عليه
وآله»، فهي دعوى من تجرّ النار إلى قرصها، ولا تستطيع أن تجد من
يشهد لها بصحتها، رغم: أن خديجة وغيرها من نساء النبي «صلى الله
عليه وآله» اللواتي لم يظهر منهن أي شيء يؤذيه «صلى الله عليه
وآله»
أو
يعكر عليه صفو حياته، ولم يظهر منهن أي بغض وأذى له، ولا خرجن على
وصيه، ولا أظهرن الكره لسبطيه، إن هؤلاء أولى بهذا الإكرام وأحق
بهذه العناية الإلهية، وقد كن جميعاً محسودات من قبلها كما عرفنا،
من كل حدب وصوب، ونحسب أن ذلك كله يكفي لإثبات عدم صحة روايات
الإفك، وكذلك الحال بالنسبة لروايات خصائص عائشة.
بقي أن نشير إلى الشك الكبير الذي يراودنا فيما
ذكرته روايات الإفك من أنه «صلى الله عليه وآله» لم يتزوج بكراً
غير عائشة.. وهو الأمر الذي لم نزل نسمعها تردده
على مسامع الناس، ويتبجح به محبوها؛ مع أن ذلك موضع شك وريب، كما
يظهر من ملاحظة ما يلي:
أولاً:
قد تقدم في هذا الكتاب ما يدل على أن السيدة خديجة
قد تزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» وهي بكر، إذ قد ظهر عدم
صحة ما يدَّعونه
من أنها قد تزوجت قبل النبي «صلى الله عليه وآله» بأحد من الناس.
فلا تصح دعوى عائشة:
أنه لم يتزوج بكراً غيرها.
وربما يجد الباحث في حرص عائشة على إتحاف نفسها
بهذا الوسام، وبغيره من أوسمة ثبت بطلان نسبتها إليها، وحرمان سائر
نساء النبي «صلى الله عليه وآله» من أية ميزة ثبتت لهن، ربما يجد
في ذلك ما
يبرر الشك في أن تكون عائشة نفسها ومحبوها وراء الشائعات الباطلة
عن زواج خديجة
«عليها
السلام»
بغير رسول الله
«صلى الله عليه وآله».
ثانياً:
قال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي،
حدثنا عبد الله بن عمر بن
أبان،
حدثنا أبو أسامة، عن الأجلح، عن ابن أبي مليكة، قال:
«خطب النبي «صلى الله عليه وآله» عائشة إلى أبي
بكر، وكان أبو بكر قد زوجها جبير بن مطعم، فخلعها منه، فزوجها رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، وهي ابنة ست سنين الخ..»([11]).
فهو يصرح في هذا النص:
بأنها كانت متزوجة برجل آخر قبل رسول الله «صلى الله عليه وآله»..
وإذا كان النبي «صلى الله عليه وآله» لا يمكن أن يقدم على خطبة
امرأة متزوجة فإن هذا يعطينا: أن أبا بكر قد خلعها من زوجها، ثم
عرضها على رسول الله «صلى الله عليه وآله».
وأما أن عمرها كان آنئذٍ ست سنين، فقد أثبتنا أنه
غير صحيح، بل كان عمرها حين تزوجها الرسول «صلى الله عليه وآله»
حوالي عشرين سنة، أو أكثر.
ثالثاً:
قال ابن سعد: أخبرنا عبد الله بن نمير، عن الأجلح،
عن ابن أبي مليكة، قال:
خطب رسول الله «صلى الله عليه وآله» عائشة إلى أبي
بكر الصديق، فقال: يا رسول الله، إني كنت أعطيتها مطعماً لابنه
جبير، فدعني حتى أسلها
منهم فاستسلّها منهم، فطلقها، فتزوجها رسول الله
«صلى الله عليه وآله»([12]).
فهذا النص يصرح أيضاً بحدوث طلاقها بسبب: أن أبا
بكر قد استسلها منهم.. وهو نص صريح لا مجال للمناقشة فيه.
وهو يدل على:
أن الحديث عن خطبة النبي «صلى الله عليه وآله» لها،
ما هو إلا تزوير أريد
به إعطاء امتياز لعائشة، إذ لا يمكن أن يقدم النبي «صلى الله عليه
وآله» على خطبة امرأة متزوجة، أو لا يعلم أنها خلية..
فالحديث عن طلاقها، ثم زواج النبي «صلى الله عليه
وآله» منها، يدل على ما ذكرناه: من أن هذا الطلاق كان سابقاً على
تلك الخطبة، ويؤيد ذلك:
ألف ـ
ما روي عن
ابن عباس: قال: خطب رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى أبي بكر
الصديق عائشة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، قد كنت وعدت بها، أو
ذكرتها لمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، لابنه جبير، فدعني حتى
أسلها منهم، ففعل، ثم تزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» وكانت
بكراً([13]).
ويظهر من هذا النص وهو قوله:
«ذكرتها لمطعم بن عدي.. لابنه جبير»
أن أبا بكر هو الذي كان قد عرضها على مطعم، لابنه جبير..
الأمر الذي يجعلنا نظن ـ كما
سيأتي ـ:
أن أبا بكر أيضاً هو الذي سعى بطلاقها من جبير، ليزوجها من رسول
الله «صلى الله عليه وآله». وربما
يجد في نفسه أكثر من سبب ومبرر لذلك.
ب ـ
إن نصوصاً أخرى تتحاشى التعبير بكلمة
«تزوجها»،
وتلجأ إلى التعبير بأنها كانت مسماة له، فسلها أبو بكر سلاً
رفيقاً([14]).
وبعضها يكتفي بالقول:
بأنها كانت تذكر لجبير بن مطعم، وتسمى له([15]).
قال ابن الجوزي:
«كانت مسماة لجبير
بن مطعم، فخطبها رسول الله
«صلى الله عليه وآله»، فقال أبو بكر: دعني حتى أسلها من جبير سلاً
رفيقاً. فتزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» بمكة الخ..»([16]).
ج ـ
والنص الآنف الذكر مقتبس من الرواية التي تقول:
إن خولة بنت حكيم جاءت إلى النبي «صلى الله عليه
وآله»، فعرضت
عليه التزوج بعائشة، وبسودة بنت زمعة، فقال لها:
فاذهبي
فاذكريهما علي، فأتت أم رومان، فأخبرتها بذلك، فقالت أم رومان:
وددت.
ثم إنها لما كلمت أبا بكر قال
لها:
«وهل تصلح له؟! إنما هي ابنة أخيه؟! فرجعت إلى الرسول فأخبرته،
فقال «صلى الله عليه وآله»: ارجعي إليه
فقولي
له: أنت أخي في الإسلام، وأنا أخوك، وابنتك تصلح لي.
فأتت أبا بكر فأخبرته، فقال
لها:
انتظريني حتى أرجع.
فخرج، حتى أتى المطعم بن عدي، وإذا امرأته عنده،
فقالت العجوز له: لعلنا إن زوجنا ابننا ابنتك أن تصبئه، وتدخله في
دينك!!
فقال أبو بكر لزوجها:
ما
تقول هذه؟!
فقال:
إنها تقول ذاك.
فخرج أبو بكر وقد أذهب الله العدة التي كانت في
نفسه من عدته التي وعدها إياه فرجع، وقال لخولة: ادعي لي رسول
الله، فدعته فجاء، فأنكحه([17]).
د ـ
عن ابن أبي مليكة: «قال أبو بكر: كنت قد أعطيتها مطعماً لابنه جبير،
فدعني حتى أسألها منهم،
فاستلبثها»([18]).
(لعل الصحيح: حتى أسلها منهم فاستلها).
وفسر البعض كلمة «مسماة على
جبير»:
بأنها كانت مخطوبة لابنه من أبيها([19]).
ونستطيع أن نستفيد من النصوص المتقدمة عدة أمور،
هي:
1 ـ
لا ندري: كيف يبادر رجل لعرض ابنته على رجل مشرك، وقد قاطع
المشركون المسلمين وحصروهم عدة سنوات، ومنعوا من التزوج منهم
والتزويج لهم. فحتى لو لم يكن قد نزل من الله نهي عن إنكاح
المشركين، وهو قوله تعالى:
{..وَلاَ
تُنكِحُواْ المُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ
خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ..}
([20])،
فإن طبيعة الأمور تقضي بالترفع عن القبول بذلك، فضلاً عن قولهم: إن
أبا بكر هو الذي ذكرها لهم، وعرضها عليهم!!.
فما معنى أن نقرأ في الروايات
المتقدمة:
أنه ذكرها لمطعم ليزوجها بابنه جبير، أو كانت مسماة
له، أو أنه أعطاها له،
أو
وعده بها أو نحو ذلك؟!.
2 ـ
هل كان من عادات أهل ذلك الزمان حقاً خطبة بناتهم
سنوات، ثم يكون العقد، ثم يكون الزواج؟!! أم أن ذلك من خصوصيات
عائشة التي يُدَّعى:
أنها كانت صغيرة السن، وبعمر ست سنوات فقط!!
مع أن الصحيح هو:
أن عمرها كان حوالي عشرين سنة أو اكثر من ذلك، حسبما حققناه في هذا
الكتاب.
كما أننا نشك في:
أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد تزوجها فور وفاة
خديجة
«عليها
السلام»،
لوجود ما يدل على أنه قد تزوجها بعد موت خديجة بثلاث سنين([21]).
بل قال بعضهم:
إن هناك
رواية تقول: إنه تزوجها في السنة الثانية أو الثالثة من الهجرة([22]).
3 ـ
إذا كانت مسماة لجبير، أو معطاة له، أو أنه قد وعده
بها، أو أنه كان قد تزوجها.. فكيف يخطب رسول الله «صلى الله عليه
وآله» امرأة هذه حالها، ويرضى بأن
تطلّق، أو بأن تخلع امرأة من زوجها؟!
بل كيف يرضى بأن يسلها أبو بكر حتى من خطيبها،
المسماة له؟!..
وقد حاول البعض أن يعتذر عن ذلك: بأن النبي «صلى
الله عليه وآله» قد خطبها، لأنه لم يعلم بالخطبة، أو
كان قبل
النهي([23]).
ولكنه اعتذار بارد، ورأي فاسد.. فإن النصوص قد
ذكرت: أنه قد أخبره بأنه وعد بها، أو ذكرها لفلان، ثم استمهله
ليسلها منهم.
أضف إلى ذلك:
أن نفس هذا التصرف مما تدرك الناس خروجه عن حدود
اللياقات على الأقل، فهو مرفوض حتى لو لم يرد نهي عنه.
4 ـ
إن الروايات تصرح:
بأن أبا بكر هو الذي عرضها على الزواج الأول، ثم تصرح:
بأنه كان يسعى لاستلالها منهم، ويصرح بعضها:
بأنه خلعها، أو طلقها.. مما يعني:
أن أبا بكر كان شديد الحرص على التفريق بينها وبين جبير.
فإذا ضممنا ذلك إلى قولهم:
إن أم رومان قد عبرت عن فرحتها بقولها:
«وددت»
ثم قول بعضهم: «وفي رواية : أن أبا بكر استلها منهم
قبل أن تخطبها خولة بنت حكيم السلمية امرأة عثمان بن مظعون لرسول
الله (صلى الله عليه وآله)»([24]).
فإذا ضممنا بعض ذلك إلى البعض الآخر، فإننا نسمح
لأنفسنا بأن نحتمل: بأن أبا بكر كان هو الذي أرسل خولة بنت حكيم
إلى رسول الله.. وبأنه قد خلعها من ذاك وطلقها منه، ليفرضها على
رسول الله
«صلى الله عليه وآله» لحاجة في نفسه قضاها.
5 ـ
إن تلك الروايات تقول: إن أبا بكر قد تعجب من خطبة
النبي لها، لتوهمه أنها لا تحل له لكونها ابنة أخيه.
ويرد عليه النبي «صلى الله عليه
وآله»:
أن المراد بلا شك هو الأخوة في الإسلام والإيمان.
وحينئذ نقول:
هل كان أبو بكر يظن: أنه لا يجوز للنبي «صلى الله
عليه وآله» أن يتزوج ابنة رجل مسلم.. لأن المؤمنين إخوة؟!
وإذا صح ذلك فهو يعني:
أن لا يجوز زواج أي مسلم من أي مسلمة، لنفس السبب..
أو هل كان يظن:
أنه
أخ للنبي
«صلى الله عليه وآله» بما هو أبعد من أخوة الإسلام؟! وكيف؟!
6 ـ
إن ظاهر الروايات المتقدمة تارة هو:
أن النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه قد جاء لخطبة عائشة.
وتارة أخرى:
أنه أرسل خولة بنت حكيم، فقامت بالمهمة، ثم هيأ أبو
بكر الأمر وطلب منها
أن
تدعو الرسول «صلى الله عليه وآله» فدعته، فزوجه..
7 ـ
إن هناك نصاً آخر يتحدث عن كيفية زواجه «صلى الله
عليه وآله» بعائشة يفيد: أن النبي «صلى الله عليه وآله» رأى عائشة
على أرجوحة، فأعجبته، فأتى منزل أبي بكر، ولم يكن حاضراً، فقالت له
أم رومان: ما حاجتك يا رسول الله؟
قال:
جئت أخطب عائشة.
قالت:
إن
عندنا يا رسول الله من هي أكبر منها.
قال:
إنما أريد عائشة.
ثم خرج. ودخل أبو بكر. فأخبرته أمها بما قال رسول
الله، فخرج، فزوجها إياه([25]).
ويستوقفنا في هذا النص عدة أمور:
منها:
مناقضته لسائر النصوص في أمور عديدة، تظهر
بالملاحظة.
ومنها:
أنه يكذب قولها: إن الملك قد جاء بصورتها إلى رسول
الله «صلى الله عليه وآله» بسرقة من حرير.
رابعاً:
ومما يدل أيضاً على أن عائشة كانت متزوجة قبل رسول
الله «صلى الله عليه وآله» برجل آخر،
ما يلي:
1 ـ
لقد روى
أبو داود وغيره بالأسانيد الصحيحة([26])
عن عائشة: أنها قالت: يا رسول الله، كل صواحبي (أو كل نسائك، أو
كنيت نساءك فاكنني، أو) لهن كنى.
قال:
فاكتني بابنك عبد الله.
قال الراوي:
يعني عبد الله بن الزبير، وهو ابن أختها أسماء بنت
أبي بكر.
وكانت عائشة تكنى بأم عبد الله حتى ماتت.
أضاف أحمد والصنعاني، وأبو
نعيم:
قوله: ولم تلد قط([27]).
2 ـ
وفي نص
آخر: أنه قال لها: اكتني بابنك، يعني عبد الله بن الزبير، فكانت
تكنى أم عبد الله([28]).
3 ـ
وعنها
قالت: كناني النبي «صلى الله عليه وآله» أم عبد الله، ولم يكن ولد
لي قط([29]).
4 ـ
وقد حددت وقت تكنيتها بذلك، حيث روي عنها: لما ولد
عبد الله بن الزبير أتيت به رسول الله «صلى الله عليه وآله»، فتفل
في فيه، فكان أول شيء دخل في جوفه، وقال: هو عبد الله، وأنت أم عبد
الله.
أضاف ابن حبان قولها:
فما زلت أكنى بها، وما ولدت قط([30]).
5 ـ
وفي نص
آخر عنها: أنها قالت: يا رسول الله، كل نسائك لها كنية غيري، قال:
أنت أم عبد الله([31]).
6 ـ
وحسب نص الحلبية: أنه «صلى الله عليه وآله» قال
لعائشة: «هو عبد الله، وأنت أم عبد الله.
قالت:
فما زلت أكتني به، أي وكان يدعوها أماً،
لأنه
تربى في حجرها»([32]).
7 ـ
وروي تكنيها بأم عبد الله عن الإمام الصادق
«عليه
السلام»
أيضاً([33])
فراجع.
فقد دلت هذه النصوص على:
1 ـ
أنه قد كان لعائشة ابن.
2 ـ
أن اسم هذا الابن هو عبدالله. وقد كناها النبي «صلى
الله عليه وآله» به.
3 ـ
ثم جاء الرواة وقالوا: إن عائشة، حسب أقوالها هي،
وأقوال محبيها كانت حين زواجها برسول الله «صلى الله عليه وآله»
صغيرة السن.
4 ـ
وقال الرواة أيضاً: إن رسول الله «صلى الله عليه
وآله» تزوجها بكراً، مستندين في ذلك أيضاً إلى أقوال عائشة نفسها،
وإصرارها الشديد على ذلك.
ونقول:
إننا نسجل على ما تقدم الملاحظات التالية:
ألف ـ
قد عرفنا في أجزاء هذا الكتاب السابقة:
أن دعواها:
أن عمرها قد كان حينما تزوجها رسول الله «صلى الله
عليه وآله» ست سنين أو سبع.. غير صحيحة بل كان عمرها حوالي عشرين
سنة، إن لم يكن أزيد من ذلك.
ويتأكد هذا الإشكال:
إذا أخذ بنظر الاعتبار قولها: إن تكنيتها بأم عبد الله كان حين
ولادة ابن الزبير، أي في أوائل الهجرة، فإنه «صلى الله عليه وآله»
لم يكن قد تزوج سوى
سودة بنت زمعة،
وخديجة ولا تُعرَف لهن أية كنية.
ب ـ
قد عرفنا هنا أن دعواها: أن رسول الله «صلى الله
عليه وآله» قد تزوجها بكراً لا تصح أيضاً..
ج ـ
إن دعواها: أنها لم تتزوج أحداً غير رسول الله «صلى
الله عليه وآله»، لا تصح، بل هي كانت متزوجة برجل آخر هو جبير بن
مطعم. وقد طلقت منه.
وفي نصوص أخرى:
سلها أبو بكر منه سلاً رفيقاً..
د ـ
إننا لم نجد لأي من نساء النبي «صلى الله عليه
وآله» أية كنية سوى لـ «أم سلمة، وأم حبيبة، وزينب بنت خزيمة، أم
المساكين»، فكيف تقول عائشة: إن جميع نسائه «صلى الله عليه وآله»
لهن كنى.
هـ ـ
إنه قد كان لها ابن اسمه عبد الله.
و ـ
إنها لم تلد من رسول الله «صلى الله عليه وآله» قط.
كما زعمت، وسيأتي:
أننا نشك في ذلك كله، وأن ما ذكرناه فيما تقدم يدلنا على:
أنه كان لها ابن من ذلك الذي كان زوجها وطلّقها، ثم تزوجها رسول
الله «صلى الله عليه وآله» بعده.
ز ـ
إن حصيلة ذلك
هي:
أن تطبيق كلمة
«ابنك عبد الله»
على ابن الزبير، ما هو إلا اجتهاد من الرواة، كما ظهر مما تقدم تحت
رقم 1 حيث قال الراوي: «يعني عبد الله بن الزبير»، وقوله رقم 2،
اكتني بابنك يعني عبد الله بن الزبير.
كما أن بعض النصوص المتقدمة قد ذكرت تكنية النبي
«صلى الله عليه وآله»
لها بأم
عبد الله من دون إشارة لابن الزبير كما في رقم 3 و 5.
وأما الرواية رقم 4 وكذلك رقم 6 فلا دلالة فيهما
على وجود ربط بين تسمية المولود الذي جاءت به للنبي
«صلى الله عليه وآله»
بعبد الله، وبين تكنيتها بهذا الاسم، سوى تشابه
الاسمين.
وبناء على ما تقدم نقول:
لقد أصبح واضحاً:
أنه لا مجال لقبول الروايات التي جعلت كلمة ابن
الزبير من تتمة كلام الرسول، ولذلك فلا مجال لقبول روايتهم عن رسول
الله «صلى الله عليه وآله»، أنه قال:
أ ـ
اكتني
بابنك عبد الله بن الزبير([34]).
زاد الصالحي الشامي قوله:
إن السبب في ذلك هو «أنها كانت استوهبته من أبويه، فكان في حجرها،
يدعوها أما»([35]).
ب ـ
أو: اكتني
بابنك عبد الله، فإن الخالة والدة([36]).
ج ـ
أو: تكني
بابن أختك عبد الله([37]).
د ـ
قال بعض
المؤرخين: «كنيتها: أم عبد الله. كناها النبي «صلى الله عليه وآله»
باسم ابن أختها عبد الله بن الزبير»([38]).
فإن زيادة كلمة
«ابن
الزبير»
في النص الأول، وكلمة: «فإن الخالة والدة»
في النص الثاني.. قد جاءت من قبل الرواة، إما جرياً
على ما ارتكز في أذهانهم.. وإما تبرعاً عمدياً بهدف دفع الإشكال،
لاقتناعهم بالروايات التي تتحدث عن صغر سن عائشة، وعن أنها كانت
بكراً لم تتزوج قبله «صلى الله عليه وآله».
وأما الرواية الأخيرة:
التي أقحمت كلمة «ابن أختك» فهي موضع شك كبير، بل
إننا نرفضها ونردها، استناداً إلى الروايات الصحيحة المتقدمة التي
صرحت:
بأن التفسير قد جاء من الراوي، أو جاءت بكلمة: «يعني» حسبما
أسلفنا.
وإذا أردنا أن نحسن الظن، فإننا
نقول:
إننا نحتمل احتمالاً قوياً أن يكون ثمة تصحيف لكلمة
«جبير»
بكلمة «زبير»..
بسبب التشابه بين الكلمتين في مقام النطق، فيقع الخطأ في سماع
الصوت بسبب اختلاط الحروف.
فلا معنى لإطلاق القول:
بأن النبي قد كناها بأم عبد الله بابن أختها ابن الزبير، كما فعله
ابن الأثير مثلاً([39]).
وخلاصة الأمر:
أن الرواية واحدة في نصوصها وفي أسانيدها.. وقد
جاءت نصوصها الصحيحة بدون هذا التفسير. وصرحت:
بأنه تفسير من قبل الرواة ولم يرد على لسان النبي «صلى الله عليه
وآله».
وأما ما ذكره الدياربكري وغيره، فهو لا يخرج عن
السياق الذي أشرنا إليه، ولذا
فإنه ليس له أية قيمة علمية، أو تاريخية.
والذي يحتاج إلى التنبيه عليه
والإشارة إليه هنا:
هو ذلك النص المتقدم، الذي تقول فيه: كناني النبي «صلى الله عليه
وآله» أم عبد الله، ولم يكنِّ ولد لي قط([40]).
وعن هشام بن عروة، عن بعض
أصحابه قال:
كنى رسول
الله
«صلى الله عليه وآله» عائشة، ولم يولد لها قط([41]).
وعلى أي تقدير، فإن دعوى أنها لم يولد لها قط،
والتي جاءت من قبلها ومن قبل محبيها([42])،
تحتاج إلى مزيد من التأمل والتدقيق، ونكتفي هنا بالإلماح إلى ما
يلي:
أولاً:
إن النفي المطلق لأن تكون قد ولدت يقابله قولهم:
«وقيل: إنها ولدت من رسول الله «صلى الله عليه وآله» ولداً مات
طفلاً.
ثم قالوا:
وهذا غير
ثابت. والصحيح الأول، لأنه قد ورد عنها من طرق كثيرة»([43]).
وفي نص آخر:
إنها
أسقطت من النبي سقطاً، يسمى عبد الله، كانت تكنى به. وهذا مروي
عنها أيضاً بطرق كثيرة([44]).
فهم إذن، يستندون إلى نفيها هي لهذا الأمر عن
نفسها، وهو نفي يبقى موضع شبهة وريب، حيث يظن قوياً: أنها ومحبيها
يسعون لإثبات الفضائل لها، وقد ظهر:
أن تلك الفضائل غير قادرة على الصمود أمام البحث العلمي الموضوعي
والرصين.
وقول السهيلي:
إن ذلك لم
يثبت، لأنه يدور على داود بن المحبر، وهو ضعيف([45])..
يقابله القول:
إن الروايات الأخرى أيضاً تدور على عائشة، ومن يدور
في فلكها كعروة بن الزبير وأمثاله.. وهي تجر النار إلى قرصها، وما
أكثر الفضائل التي أثبتتها لنفسها، وأثبتها لها هذا الفريق الذي
يهمه أمرها، ثم ثبت عدم صحتها.. وليس حديث الإفك إلا واحداً من هذه
الأحاديث الموهومة.
ثانياً:
إن قولها لم يولد لها قط ـ لو صح ـ فلا بد من حمله
على أنها لم يولد لها من رسول الله «صلى الله عليه وآله».. وبذلك
يتم الجمع بين النصوص، ويرتفع التكاذب أو احتماله فيما بينها..
وعلى هذا تُحمَل النصوص التالية:
الأول:
أن
ابن عباس قال لها بعد حرب الجمل: «إنا جعلناك للمؤمنين أماً، وأنت
بنت أم رومان. وجعلنا أباك صديقاً، وهو ابن أبي قحافة، حامل قصاع
الودك لابن جدعان إلى أضيافه».
فقالت:
يا ابن عباس، تمنون علي برسول الله؟
فقال:
ولم لا
يمنُّ عليك بمن لو كان منك قلامة ظفر منه، مننتنا به، ونحن لحمه
ودمه، ومنه وإليه. وما أنت إلا حشية من تسع حشايا خلفهن بعده، لست
بأبيضهن لوناً، ولا بأحسنهن وجهاً، ولا بأرشحهن عرقاً، ولا بأنضرهن
ورقاً»([46]).
ويستفاد من هذا النص الأمور التالية:
1 ـ
إنه يدل على وضاعة حال أبي بكر قبل الإسلام.. وأنه
لم يكن له نصيب من المجد والسؤدد، لا في نفسه، ولا من خلال أبيه..
وكذلك كان حال أم رومان.
2 ـ
إنه ينفي أن يكون لعائشة أي سبب من قبل رسول الله،
يعطيها الحق بالمن به على الآخرين، لا من حيث ولادة الأولاد، ولا
من أي جهة أخرى، لكنه لا ينفي حدوث سقط منها.
3 ـ
إن عائشة لم تكن هي المميزة على نساء النبي في حسن
الوجه..
4 ـ
إنها لم تكن أبيضهن لوناً.
5 ـ
إنها لم تكن أنضرهن.
الثاني:
إنها حين وقعت في خديجة وذكرتها بسوء، وأن الله قد
أبدله خيراً منها،
قال «صلى
الله عليه وآله»: ما أبدلني الله خيراً منها، لقد آمنت بي حين كفر
بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني
الناس، ورزقني الله ولدها، وحرمني ولد غيرها، أو حرمني أولاد
النساء([47]).
الثالث:
إنها حينما تجرأت على خديجة فتنقصتها أمام فاطمة
«عليها السلام»، فبكت، فسألها النبي «صلى الله عليه وآله»، فذكرت
له سبب
بكائها
«عليها
السلام»،
قال:
«مه
يا حميرا، فإن الله تبارك وتعالى بارك في الولود الودود، وإن خديجة
رحمها الله ولدت مني طاهراً، وهو عبد الله، وهو المطهر. وولدت مني
القاسم، وفاطمة، ورقية، وأم كلثوم،
وزينب، وأنت ممن أعقم الله فلم تلدي شيئاً»([48]).
ويلاحظ:
أنه لم يعش
له أحد من ولده من خديجة سوى فاطمة
«عليها
السلام».
وأما رقية وأم كلثوم، وزينب،
فقد قلنا:
إن الظاهر هو أنهن قد متن في حال الصغر أيضاً، أما زوجتا عثمان،
وزوجة أبي العاص فهن ربيبات له «صلى الله عليه وآله» على الظاهر
ولسن بناته «صلى الله عليه وآله» على الحقيقة.
([1])
المعجم الكبير ج23 ص162 و 163 عن ابن إسحاق، وعن العصفري،
وراجع: مجمع الزوائد ج9 ص143.
([2])
راجع: البداية والنهاية ج4 ص180 ومصادر كثيرة أخرى ذكرناها في
هذا الكتاب (الباب الرابع: غزوة المريسيع.. أحداث وقضايا) ج12
ص233 وما بعدها.
([3])
فتح الباري ج8 ص348.
([4])
كنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج1 ص696 وسيرة ابن إسحاق ص255
والمعجم الكبير ج23 ص27 وفي هامشه عن أبي داود رقم 3885 وعن
سنن ابن ماجة رقم3342 وعون المعبود ج10 ص397.
([5])
مغازي الواقدي ج2 ص427 والسيرة الحلبية ج2 ص290.
([6])
راجع: سنن أبي داود ج3 ص530 وصفة الصفوة ج1 ص176 وقال: رواه
الإمام أحمد، وأخرجه أيضاً النسائي وابن ماجة.
([7])
مغازي الواقدي ج2 ص427 و 428.
([8])
السيرة الحلبية ج2 ص292.. ثم احتمل الحلبي: أن يكون معه غيره
يعاونه، وقال البلاذري: شهد أبو مويهبة غزوة المريسيع، وكان
يخدم بعير عائشة، راجع: فتح الباري ج8 ص347 وإرشاد الساري ج4
ص391 والبداية والنهاية ج5 ص324.
([9])
راجع: هذا الكتاب ج4 ص285 ـ 288.
([10])
راجع: هذا الكتاب ج11 ص86 و 87.
([11])
المعجم الكبير ج23 ص26.
([12])
الطبقات الكبرى ج8 ص59 وزوجات النبي لسعيد أيوب ص47.
([13])
الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص58 والمحبر ص80 و 81.
([14])
أنساب الأشراف ج1 ص409.
([15])
راجع: شرح النهج للمعتزلي ج9 ص190 وج14 ص22.
([16])
صفة الصفوة ج2 ص15 والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج14 ص164.
([17])
راجع المصادر التالية: المعجم الكبير للطبراني ج23 ص23 و 24
وتاريخ الأمم والملوك (ط مطبعة الاستقامة) ج2 ص411 و 412
والمنتظم ج3 ص16 و 17 ومسند أحمد ج6 ص210 و 211 ودلائل النبوة
للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص411 و 412، وراجع: مجمع
الزوائد ج9 ص225 و 227 و 226 عن الطبراني وتاريخ الخميس ج1
ص305 والسيرة الحلبية ج1 ص348 وشرح الزرقاني على المواهب
اللدنية ج4 ص381 و 382 عن أحمد والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص139
و 140 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص142 و 143 و 14 عن أحمد
والبيهقي والبداية والنهاية ج3 ص131 و 132 و 133 وسبل الهدى
والرشاد ج11 ص165 و 166.
([19])
راجع شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص381.
([20])
الآية 221 من سورة البقرة.
([21])
شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص22.
([22])
زوجات النبي «صلى الله عليه وآله» لسعيد أيوب ص47.
([23])
راجع: شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص381.
([24])
زوجات النبي «صلى الله عليه وآله» لسعيد أيوب ص47.
([25])
أنساب الأشراف ج1 ص411.
([26])
الأذكار النووية ص295.
([27])
سنن أبي داود ج4 ص294 بعدة أسانيد، والأذكار النووية ص295
والمعجم الكبير للطبراني ج23 ص18 بعدة أسانيد، وكنز العمال ج16
ص424 ومسند أحمد ج6 ص107 و 213 و 151 وذكر أخبار إصبهان ج1
ص315 و 93 والمصنف للصنعاني ج11 ص42 وسبل الهدى والرشاد ج11
ص18 وراجع: الغدير ج6 ص315 وطبقات ابن سعد ج8 ص64 و 63.
([28])
الأدب المفرد ص125 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص164 وصفة الصفوة ج2
ص15 ومسند أحمد ج6 ص186.
([29])
المعجم الكبير ج23 ص18.
([30])
سبل الهدى والرشاد ج11 ص164 والإحسان في تقريب صحيح ابن حبان
ج16 ص54 و 55 وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص392 و
393، عن ابن سعد، وابن حبان، وقال: وله طرق كثيرة عنها، وراجع:
معرفة علوم الحديث ص190.
([31])
مسند أحمد ج6 ص186.
([32])
السيرة الحلبية ج3 ص314.
([33])
راجع: الخصال (ط سنة 1389هـ طهران) ص419 والبحار ج22 ص194
والوسائل ج14 ص182 وتفسير نور الثقلين ج4 ص298.
([34])
راجع: مسند أبي يعلى ج7
ص473 و 474 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج16 ص424 وج13 ص693
عن ابن سعد، والبيهقي، والحاكم، وأحمد، والطبراني، والآحاد
والمثاني ج5 ص388 و 389.
وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص190 وج14 ص22 ومسند أحمد
ج6 ص260 ومسند ابن راهويه ج2 ص310 والإستيعاب (بهامش الإصابة)
ج4 ص358 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص164 وطبقات ابن سعد ج8 ص66
وشرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص393 وزوجات النبي «صلى
الله عليه وآله» لسعيد أيوب ص47 و 48.
([35])
راجع: سبل الهدى والرشاد ج11 ص18 وراجع: شرح المواهب للزرقاني
ج4 ص393 عن ابن إسحاق وغيره.
([36])
الأدب المفرد ص125 وسبل
الهدى والرشاد ج9 ص363 عنه وطبقات ابن سعد ج8 ص66 وشرح
الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص393 عن الروض.
([37])
معرفة علوم الحديث ص190.
([38])
تاريخ الخميس ج1 ص357.
([39])
راجع: أسد الغابة ج5 ص502. وغيره.
([40])
المعجم الكبير ج23 ص18.
([41])
المعجم الكبير ج23 ص19.
([42])
راجع على سبيل المثال: فيض القدير للمناوي ج1 ص90 (ط سنة
1391هـ بيروت) والبداية والنهاية ج5 ص315 ومسند أحمد ج6 ص151.
([43])
سبل الهدى والرشاد ج11 ص164.
([44])
كذا قال الصالحي الشامي، فراجع: سبل الهدى والرشاد ج11 ص164 و
18 عن ابن الأعرابي في معجمه، والأذكار النووية ص295 و 288
وراجع: البداية والنهاية ج5 ص315 وج8 ص99 وشرح الزرقاني على
المواهب اللدنية ج4 ص392 وتاريخ الخميس ج1 ص358 والسيرة
الحلبية ج3 ص314 والإصابة ج4 ص360.
([45])
راجع: شرح الزرقاني على المواهب اللدنية ج4 ص392.
([46])
بحار الأنوار ج32 ص270 ورجال الكشي (ط جامعة مشهد) ص59
والدرجات الرفيعة ص109 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص229
ومعجم رجال الحديث ج11 ص249 ووسائل الشيعة ج20 هامش ص240
وجواهر المطالب في مناقب علي «عليه السلام» ج2 ص25 ومجمع
النورين ص266 ومواقف الشيعة مع خصومهم ج1 ص169 وج2 ص40 وأحاديث
أم المؤمنين عائشة ج2 ص249.
([47])
راجع: الإستيعاب (مطبوع بهامش الإصابة) ج4 ص287 و 286 وإسعاف
الراغبين (مطبوع بهامش نور الأبصار) (ط العثمانية) ص85 و (ط
السعيدية بمصر) وص90 ومسند أحمد ج6 ص118 وراجع: الإصابة ج4
ص283 وأسد الغابة ج5 ص438 وقاموس الرجال ج10 ص332 والبحار ج16
ص12 عن كشف الغمة.
([48])
الخصال ص404 و 405 والبحار ج16 ص3 وشجرة طوبى ج2 ص233 ومستدرك
سفينة البحار ج2 ص396.