لا حافـظة لكذوب (تناقض الروايات)

   

صفحة : 83-100  

لا حافـظة لكذوب (تناقض الروايات)

 

بـدايـة:

إن من أمعن النظر في روايات الإفك المتقدمة، وغيرها، يجد التناقض والاختلاف الكثير الكثير فيما بينها واضحاً بيناً.. حتى إنه ليجد طائفة من هذه الاختلافات والتناقضات في الرواية الواحدة.. بل إننا نستطيع أن نؤكد أن كل كلمة فيها قد وقع الاختلاف والتغيير فيها، كما لا يخفى على من يراجع الروايات.

وحيث إن استقصاء ذلك يستدعي إسهاباً في القول، ووقتاً طويلاً، فقد آثرنا أن نقتصر على موارد محدودة من هذه التناقضات والاختلافات لنعرضها على سبيل المثال، لا الحصر.. ونترك بقية ذلك إلى من يهمه الأمر، وتقتضي حاجته الاستقصاء فنقول:

1 ـ اختلفت الروايات فيمن تولى كبر الإفك:

فبعضها يقول: هو عبد الله بن أبي فقط كمجاهد وغيره([1]).

وبعضها يقول: هي حمنة.

وفي رواية أنهم: ابن أُبي، وحسان، ومسطح([2])..

وثالث يذكر: أنهم حسان، ومسطح، وحمنة([3]).

ورابع يذكر ـ وهو قتادة ـ : «أن الذي تولى كبره رجلان من الصحابة، أحدهما من قريش، وآخر من الأنصار»([4]).. ونظن أن المقصود هو: ابن أُبي، ومسطح ـ أو علي ـ .

وخامس يقول: الذي تولى كبره هو حسان، كما في رواية مسروق، عن عائشة.

وعند ابن هشام: أنه ابن أُبي في رجال من الخزرج([5]) ومسطح، أو حسان، ومسطح([6]).

وعند الطبراني هم: ابن أُبي، ومسطح، وحسان، وحمنة([7]).

وبنو أمية يقولون: هو علي «عليه السلام»..

2 ـ واختلفت أيضاً الروايات فيمن جلد الحد:

فبعضها يقول: إنه «صلى الله عليه وآله» أمر برجلين وامرأة فجلدا الحد، وفسر الرجلان بحسان، ومسطح، والمرأة بـ «حمنة».

وورد التصريح بذلك في روايات أخرى، وكتب السير والتاريخ تميل عموماً إلى هذا..

وصرح البعض: بأن ابن أُبي لم يجلد([8]).

ويذكر البعض بدل حمنة: «أم حسنة» بنت جحش([9]). ولربما تكون أم حسنة كنية لحمنة..

وبعضها يقول: إنه ضرب ابن أُبي حدين، وبعث إلى حسان ومسطح وحمنة، فضربهم ضرباً وجيعاً، ووجئ في رقابهم..

وبعضها، وهي رواية أبي اليسر: لا تذكر الوجأ في الرقاب([10]) كما أنها لم تذكر حسان بن ثابت.

وذكر ابن حبيب أسماء من حدّ من قريش، فقال: «حد رسول الله «صلى الله عليه وآله» مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب بن عبد مناف، وهو ابن خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في قذفه عائشة رضي الله عنها بالإفك»([11]).

لكن ذلك لا يعني أنه لم يُحد أحد من الأنصار.

وذكر المفيد: ضرب حسان الحد([12]).

وفي بعضها: أنه أمر برجلين وامرأة، فضربوا حدين.

وبعضهم: يقتصر على ذكر حسان ومسطح، ولا يذكر حمنة([13]).

والبعض يذكر: أنه ضرب الأربعة، حسان، ومسطح، وابن أُبي، وحمنة ثمانين ثمانين([14])..

وبعضها يضيف إليهم: زيد بن رفاعة([15]).

وذكرت رواية أخرى: ثلاثة جلدوا ثمانين، ولم تذكر ابن أُبي([16]).

ويضيف البعض: عبيد الله بن جحش أيضاً([17]).

وأضيف أيضاً: عبد الله بن جحش.

ويقول البعض، والعبارة لابن عبد البر: «..وأنكر قوم أن يكون حسان خاض في الإفك، وجلد فيه».

وروي عن عائشة: أنها برأته من ذلك.. ثم ذكر أنها قالت في حال الطواف لأم حكيم ورفيقتها: «بل لم يقل شيئاً»([18]).

وقال الدياربكري: وفي السمط الثمين، قال أبو عمر: وهذا عندي أصح، لأنه لم يشتهر جلد حسان، ولا عبد الله، ولا من اشتهر من الجميع([19])..

وأخرج البيهقي عن فليح بن سليمان، قال: وسمعت ناساً من أهل العلم يقولون: إن أصحاب الإفك جلدوا الحد، ولا نعلم ذلك فشا([20])..

وصحح الماوردي: أنه لم يجلد أحد([21])..

وقال ابن الأثير عن حمنة: «فقال بعضهم: إنها جلدت مع من جلد، وقيل: لم يجلد أحد»([22]).

وقال الواقدي: «قال أبو عبد الله: ويقال: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يضربهم، وهو أثبت عندنا»([23]).

3 ـ بعض تلك الروايات يقول: إن براءة عائشة، والوحي نزل في حضور عائشة، وإنه «صلى الله عليه وآله» بشرها ببراءتها في نفس ذلك المجلس، بعد أن طلب منها الإقرار به والتوبة..

وفي بعضها عن عائشة: «أنها لم تكن حين نزول براءتها، وإنما أمر النبي «صلى الله عليه وآله» أبا بكر أن يأتيها ويبشرها، فجاء يعدو يكاد يعثر»([24]).

4 ـ وأما من الذي قرأ آية البهتان العظيم، فهو أيضاً غير واضح، فبعضها يقول: إنه أبو أيوب..

وبعضها يضيف: زيد بن حارثة..

وثالثة: تنسب ذلك إلى سعد بن معاذ..

ورابعة: تنسب ذلك إلى رجل أنصاري دون تعيين..

وخامسة: إنه أسامة بن زيد..

وسادسة: إنه أبي بن كعب..

وسابعة: إن قتادة بن النعمان هو الذي قال ذلك..

واحتمال أن يكون كل واحد من هؤلاء قد قرأ هذه الآية، لكن كل راو قد أخبر بما رآه أو بما بلغه.. غير مقبول، لأن ظاهر سياق الروايات هو: أن الذي قال ذلك هو واحد بعينه في حادثة بخصوصها.

5 ـ بعض الروايات يقول: إن زيد بن حارثة كان حياً حينئذٍ، وأنه قال: سبحانك هذا بهتان عظيم..

وبعضها يقول: إنه كان قد توفي..

6 ـ ظاهر طائفة من الروايات كرواية ابن إسحاق: أنها خرجت وحدها في تلك الغزوة، حيث تقول: أقرع بين نسائه فخرج سهمي عليهن.

ويقول مغلطاي، والسمهودي، وفي رواية الواقدي، وحديث ابن عمر([25]): أنها خرجت هي وأم سلمة.

7 ـ رواية تقول: إنها فقدت قلادتها، فحبسها ابتغاءها..

وأخرى تقول: انفرط نظام قلادتها، فاحتبست في جمعها ونظامها.

8 ـ رواية تقول: إنها بعد عودتها من قضاء حاجتها يممت منزلها فمكثت فيه، على أمل أن يعودوا إليها إذا فقدوها..

ورواية ابن عمر تقول: إنها تبعتهم حتى أعيت، فقامت على بعض الطريق، فمر بها صفوان([26]).

9 ـ رواية تقول: إن صفوان ركب، وأردفها خلفه كما في مرسل مقاتل..

وأخرى تقول: ركبت الراحلة، وكان صفوان يقودها..

10 ـ رواية تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» استشار علياً وأسامة، وقرر بريرة، ثم ذهب إلى المسجد، وخطب الناس..

وأخرى تقول: إنه ذهب إلى المسجد قبل ذلك..

11 ـ رواية تقول: إنه صعد المنبر، واستعذر من ابن أبي، قبل أن تعلم عائشة بالأمر([27]).

وبعضها يقول: إنها علمت بالأمر، وذهبت إلى أهلها، وكان ما كان من بكاء أبي بكر، وسائر أهل الدار، فبلغ ذلك النبي «صلى الله عليه وآله» فاستعذر ممن يؤذيه.

ورواية تقول: إنها علمت الأمر قبل ذهابها لبيت أهلها، فاستأذنت بالذهاب إليهم لتستيقن الخبر منهم.

وأخرى تقول: بل علمت بالأمر بعد ذهابها إليهم.

12 ـ وثمة رواية تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» بعد أن استعذر عاد إلى عائشة، وحاول تقريرها، وهذا يتناقض مع استعذاره من ابن أبي، وإظهاره حسن ظنه بصفوان في المسجد.

13 ـ بعض الروايات تقول: إنها لما وصلت إلى أمها وكلمتها في الأمر، سمع أبو بكر، فأقسم عليها أن ترجع إلى بيتها فرجعت.. ونزلت براءتها في بيتها عند النبي «صلى الله عليه وآله».

ورواية مقاتل تقول: إن أباها طردها كما طردها الرسول، فانطلقت تجول لا يؤويها أحد، حتى أنزل الله عذرها([28]).

وتناقضها رواية أخرى تقول: إن أبا بكر رفض إيواءها، فأمره الرسول «صلى الله عليه وآله» أن يؤويها ففعل.

14 ـ ورواية تقول: إنها علمت بالأمر من أم مسطح، ثم ذهبت إلى أمها لتستيقن الخبر.

وأخرى تقول: إن أمها كانت حاضرة حينما علمت بالأمر من المرأة الأنصارية.

15 ـ وواحدة تقول: إن أم مسطح المهاجرية أعلمتها بالأمر في طريقها إلى المناصع ذهاباً، أو إياباً.

وأخرى تقول: علمت بذلك من أنصارية، وأمها كانت عندها.

ومن المضحك المبكي هنا محاولة العسقلاني رفع التنافي بالقول: بأنها علمت أولاً من أم مسطح، فذهبت إلى أمها لتستيقن الخبر، فأخبرتها مجملاً، ثم جاءت الأنصارية، فأخبرتها بمثل ذلك، بحضرة أمها([29]).. فإن ذلك لا شاهد له، ولا سيما بملاحظة: خصوصيات الروايات الأخرى، كما لا يخفى على من راجعها.. وبملاحظة: أن الأنصارية قد أخبرت عائشة بالأمر في بيت النبي «صلى الله عليه وآله»، لا في بيت أمها.. وأنها غشي عليها لما علمت بالأمر من الأنصارية. إلى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه.

16 ـ وعن أحوال مرضها، رواية تقول: إنها مرضت بضعاً وعشرين ليلة([30]).

ورواية الزهري تقول: مرضت شهراً كاملاً.

وثالثة: سبعاً وثلاثين يوماً، كما حكاه السهيلي عن بعض المفسرين، وكذا الحلبي.. وعند ابن حزم: أن مدة المرض كانت خمسين يوماً أو أزيد!!

وجمع العسقلاني: بأن رواية الزهري قد ألغت الكسر الذي في غيرها.. ورواية الخمسين، أو الأكثر: هي المدة التي كانت بين قدومهم المدينة، ونزول القرآن ببراءتها..

وأما التقييد بالشهر: فهو المدة التي أولها إتيان عائشة إلى بيت أبويها([31]).

ولكن قد فاته: أن نزول القرآن بالبراءة قد كان بعد قدومها بيت أبويها بمدة قليلة جداً أي ليلتين ويوماً، كما نصت عليه الرواية الأولى وفي الثانية ليلة واحدة..

ولم يعرفنا العسقلاني: أي الكسرين هو الصحيح؟ هل هو كسر البضع والعشرين؟ أم كسر السبع والثلاثين؟

وقوله في وجه ذكر الخمسين: لم يقم على صحته دليل، بل هو محض تخرص، ورجم بالغيب.

17 ـ وثمة رواية تقول: إنها خرجت بعد أن نقهت، أي برئت من مرضها..

ونفس الرواية تعود فتقول: فازددت مرضاً على مرضي.

ورواية تقول: أنها وعكت ومرضت عندما أخبرتها أم مسطح بالأمر.. ولم تكن قبل ذلك تجد شيئاً.

وواحدة تقول: أخذتها الحمى النافض، عندما أخبرتها أم مسطح، قبل أن تصل إلى بيتها.

وأخرى تقول: أخذتها الحمى في البيت حينما أخبرتها الأنصارية.

18 ـ واحدة تقول: إنها نقهت من مرضها، ثم ذهبت إلى بيت أبيها.

وأخرى تقول: إنها ذهبت، ثم مرضت([32]).

19 ـ وهناك رواية تقول: إن علياً «عليه السلام» أشار على النبي «صلى الله عليه وآله» بسؤال بريرة.

وأخرى تقول: إن الذي أشار بذلك هو: أسامة بن زيد، وعلي أشار بطلاقها([33]).

20 ـ وأيضاً، رواية تقول: إن علياً «عليه السلام» أشار بطلاقها..

وأخرى تقول: إنه أشار ببراءتها، ولم يذكر عن الطلاق شيئاً..

21 ـ رواية تقول: إن أم مسطح عثرت قبل قضاء عائشة حاجتها.. وأنها بعد أن علمت بالأمر رجعت دون قضاء حاجتها، كأن الذي خرجت له لا تجد منه قليلاً ولا كثيراً..

ورواية أخرى تقول: إنها عثرت بعد قضاء الحاجة في حال رجوعها.

22 ـ وأيضاً فإن رواية تقول: إنها أخبرتها من حين العثرة الأولى.

ورواية علقمة([34]): أنها أخبرتها في الثانية..

ورواية ثالثة تقول: بعد الثالثة..

23 ـ وأيضاً رواية تقول: عثرت في مرطها..

وأخرى تقول: وقع السطل من يدها..

وثالثة: إنها وطئت على عظم أو شوكة([35])..

24 ـ وأيضاً رواية: أنها ذهبت إلى المناصع مع أم مسطح من بيت أبي بكر([36]).

وأخرى تقول: من بيت النبي «صلى الله عليه وآله»([37])..

25 ـ هناك رواية تذكر: خروجها مع نساء منهن أم مسطح.

ورواية أخرى: تقتصر على ذكر أم مسطح التي حملت لها الأداوة إلى المناصع.

26 ـ وأما ما جرى بعد رحيل الجيش، فإن ثمة رواية تقول: والله ما كلمني بكلمة، ولم أسمع غير استرجاعه.

وبعضها يذكر: أنه سألها عن سبب تخلفها عن الجيش، فأخبرته بأمر القلادة، وكلاماً غير ذلك.

وثالثة تقول: إنه سألها فلم تجبه.

27 ـ رواية تقول: إن البراءة أتتها وهي في بيت النبي «صلى الله عليه وآله».

وأخرى تقول: أتتها البراءة وهي في بيت أبيها.

وحاول العسقلاني الجمع: بأن أبويها جاءا إليها في المكان الذي هي فيه: وهو بيت أبيها نفسه([38]).

ونحن لا ندري كيف يمكن فهم كلام العسقلاني هذا، فمن فهم منه شيئاً فليتفضل علينا به، وله مزيد الشكر، إذ أننا نجد التصريح في الروايات بأن أباها امرها بالعودة إلى بيتها.

وفي أخرى: أن النبي «صلى الله عليه وآله» أمره بإيوائها.

وكلا الروايتين لا تنسجم مع كلام العسقلاني.

28 ـ رواية تقول: إن صفوان قد عرفها فور رؤيته لها، لأنه كان يراها قبل ضرب الحجاب.

ورواية ابن عباس، وأبي هريرة، تقول: إنه ظنها رجلاً، ولم يعرفها حتى عرفته بنفسها.

29 ـ في رواية ابن عمر: أنها استأذنت الرسول «صلى الله عليه وآله» أن تأتي أهلها فأذن لها وأرسل معها الغلام.

مع أن الرواية نفسها تنص على أنها قالت لأبيها: إن النبي «صلى الله عليه وآله» طردها. فرفض أبو بكر حينئذ إيواءها.

وقال: أؤويك وطردك رسول الله؟! فلم يؤوها.. حتى طلب الرسول «صلى الله عليه وآله» منه ذلك، ففعل.

فإذا كان الرسول «صلى الله عليه وآله» قد طردها حقاً.. فلماذا تقول: إنها استأذنته، فأذن لها، وأرسل معها الغلام؟! وإن كان الرسول لم يطردها، فلا بد من التأمل في الدوافع التي دفعتها لأن تخبر أباها بغير الحقيقة.

30 ـ لقد اختلفت الروايات في من استشارهم الرسول «صلى الله عليه وآله» في أمر الإفك، فذكرت تلك الروايات كلاً أو بعضاً: الأسماء التالية: عمر، عثمان، أم أيمن.

وفي رواية: أنه «صلى الله عليه وآله» سأل زينب بنت جحش عن أمرها.

وفي أخرى: أنه سأل زيد بن ثابت.

ولكننا نجد: أن رواية ابن عمر المتقدمة تصرح بأنه «صلى الله عليه وآله» إذا أراد أن يستشير في أمر أهله لم يعد علياً وأسامة!!

31 ـ وبعضها يقول: إن عائشة سألت أمها عن علم رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالأمر، فأخبرتها.

وأخرى تقول: إن المسؤول والمجيب، هو المرأة الأنصارية بحضور أم رومان.

32 ـ وفي بعضها: أنه قد هجرها القريب والبعيد، حتى الهرة.

وفي بعضها: أن أبويها، ولا سيما أمها، كانا عندها يخففان من مصابها، وأن امرأة من الأنصار كانت تبكي حالها، وكذا أم مسطح..

بل في بعضها: أن الهرة أيضاً كانت تبكي حالها([39])..

33 ـ وثمة رواية تقول: إنها لما خاض الناس في الإفك أرسل رسول الله «صلى الله عليه وآله» إلى عائشة قالت: «فجئت وأنا انتفض من غير حمى»([40]).

فسألها عما يقول الناس: فقالت: إنها لا تعتذر حتى ينزل عذرها من السماء.

وفي رواية أم رومان: أن النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه قد جاء فوجدها قد أخذتها حمى بنافض، لأنهم أخبروها بقول أهل الإفك، فقالت: والله لئن حلفت لا تصدقوني..

إلى أن تقول: وانصرف ولم يقل شيئاً، فأنزل الله عذرها.

34 ـ وفي رواية: أنه لما استعذر رسول الله «صلى الله عليه وآله» ممن أفك على أهله، تثاور الحيان الأوس والخزرج، فلم يزل يخفضهم وهو قائم على المنبر حتى سكتوا وسكت.

وظاهر رواية ابن عمر عن عائشة أيضاً ذلك.

لكن رواية أخرى تقول: إن الأوس والخزرج تواعدوا في الحرة، فلبسوا السلاح، وخرجوا إليها، فأتاهم النبي «صلى الله عليه وآله» هناك([41]).

35 ـ وثمة نص يقول: إنها بكت ليلتين ويوماً.

ونص آخر يقول: إنها بكت يومين وليلتين([42]).

36 ـ وفي رواية: «أنه «صلى الله عليه وآله» دخل عليها وقد اكتنفها أبواها عن يمينها وعن شمالها، فسألها، فأجابته، فنزل الوحي ببراءتها»..

وفي أخرى: «أنه «صلى الله عليه وآله» دخل بيتها، وبعث إلى أبويها، فأتياه، فحمد الله، وأثنى عليه الخ..»([43]).

37 ـ ثم هناك رواية تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» قد فوض علياً «عليه السلام» تقرير بريرة، فقررها.

وأخرى تقول: إنه هو «عليه السلام» والنبي «صلى الله عليه وآله» معاً خليا بجاريتها يسألانها عنها([44]).

ورواية ثالثة تقول: إنه «صلى الله عليه وآله» هو الذي سأل بريرة فبرأتها.


 

ختام:

وحسبنا ما ذكرناه هنا.. فإن استقصاء كل ذلك صعب، ويحتاج إلى وقت طويل، وصبر جميل.. ولا سيما إذا أردنا تتبع الاختلاف فيما يؤثر من الأقوال والأفعال.. فإنك تكاد لا تجد صيغة واحدة متفقاً عليها، حتى في روايات الراوي الواحد.

فإن رواية الزهري من طريق فليح تختلف اختلافاً بيناً عنها من طريق صالح بن كيسان مثلاً.

وعلى كل حال.. فإن الاختلاف لا يكاد يخفى على المتتبع الخبير، والناقد البصير.. وفيما ذكرناه كفاية.


([1]) الدر المنثور ج5 ص33 وراجع: البحار ج20 ص314 والمعجم الكبير للطبراني ج23 ص137 وقد تقدم عن البخاري وغيره في فصل النصوص والآثار.

([2]) جامع البيان ج18 ص70 والبحار ج20 ص314 ومسند أبي يعلى ج8 ص355 ـ 338 وراجع: مسند أحمد ج6 ص60.

([3]) وهو قول الضحاك، تفسير النيسابوري، هامش الطبري ج18 ص62.

([4]) الدر المنثور ج5 ص33 عن عبد بن حميد.

([5]) السيرة النبوية ج3 ص312 والبداية والنهاية ج4 ص161 وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص267 والكامل ج2 ص267.

([6]) المعجم الكبير ج23 ص138.

([7]) المعجم الكبير ج23 ص137.

([8]) تاريخ ابن الوردي ج1 ص165.

([9]) تاريخ ابن الوردي ج1 ص165 والتنبيه والإشراف ص216.

([10]) الدر المنثور ج5 ص29، عن الطبراني، وابن مردويه والمعجم الكبير ج23 ص124 ومجمع الزوائد ج9 ص280.

([11]) المنمق ص495 و 496.

([12]) الجمل (ط سنة1413هـ ) ص218.

([13]) الكشاف ج3 ص221 وتفسير النيسابوري بهامش الطبري ج18 ص66.

([14]) المعجم الكبير ج23 ص152 و 111 ـ 117 ومجمع الزوائد ج7 ص80 وج9 ص236.

([15]) تاريخ الخميس ج1 ص479، وقال: كذا في معالم التنزيل، والإكتفاء.

([16]) مسند أبي يعلى ج8 ص339 وأشار في الهامش إلى المصادر التالية: المصنف لعبد الرزاق برقم 9750 و 9749 وسنن أبي داود برقم 4475 و 4474 وسنن البيهقي ج8 ص250 وسنن ابن ماجة برقم 2567 والجامع الصحيح للترمذي برقم 3180 ومسند أحمد ج6 ص35.

([17]) السيرة الحلبية ج2 ص300.

([18]) الإستيعاب هامش الإصابة ج1 ص340 وأسد الغابة ج2 ص6 والرواية في الأغاني ج4 ص15.

([19]) تاريخ الخميس ج1 ص479.

([20]) سنن البيهقي ج8 ص250 ومسند أبي يعلى ج8 ص334.

([21]) نقل ذلك عن الماوردي في فتح الباري ج8 ص368 و 370.

([22]) أسد الغابة ج5 ص428.

([23]) مغازي الواقدي ج2 ص434.

([24]) الدر المنثور ج5 ص31، عن الطبراني، وابن مردويه والمعجم الكبير ج23 ص120 و 123 و 124 ومجمع الزوائد ج9 ص230 و 237.

([25]) فتح الباري ج8 ص346 ووفاء الوفاء ج1 ص143 والمواهب اللدنية ج1 ص109 وسيرة مغلطاي ص55 والمعجم الكبير ج23 ص125 ـ 129 ومجمع الزوائد ج9 ص240 والدر المنثور ج5 ص28 و 29 عن ابن مردويه، والطبراني.

([26]) فتح الباري ج8 ص349 والمصادر في الهامش السابق.

([27]) كما في رواية علقمة في جامع البيان ج18 ص76 ورواية عروة عن عائشة كما في مسند أبي يعلى ج8 ص335 ـ 338 وراجع مسند أحمد ج6 ص60.

([28]) فتح الباري ج8 ص353، عن الحاكم في الإكليل، وبعض من تأخر عنه.

([29]) فتح الباري ج8 ص356.

([30]) سيرة ابن هشام ج3 ص312 والبداية والنهاية ج4 ص161 عنه، وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج2 ص268 والكامل لابن الأثير ج2 ص196.

([31]) راجع: فتح الباري ج8 ص363.

([32]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص295.

([33]) مغازي الواقدي ج2 ص430. ومصادر أخرى تقدمت في فصل النصوص والآثار.

([34]) جامع البيان ج18 ص76.

([35]) راجع: فتح الباري ج8 ص354.

([36]) السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص312 والبداية والنهاية ج4 ص161 والبدء والتاريخ ج4 ص215.

([37]) راجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص266 والكامل لابن الأثير ج2 ص196.

([38]) فتح الباري ج8 ص363.

([39]) راجع: السيرة الحلبية ج2 ص295.

([40]) المعجم الكبير ج23 ص160 ومجمع الزوائد ج7 ص82.

([41]) المعجم الكبير ج23 ص168.

([42]) المعجم الكبير ج23 ص168 وراجع 72.

([43]) المعجم الكبير ج23 ص111 ـ 117 ومجمع الزوائد ج9 ص230.

([44]) الجمل ص426.

 
   
 
 

العودة إلى موقع الميزان