أبو طالب

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد..

كيف يمكن القول: إن أبا طالب «عليه السلام» أبطن الإيمان وأظهر الكفر مع القرائن الواضحة الدالة على إسلامه وإيمانه مثل:

1 ـ  أشعاره المتواترة التي يصرح فيها بإيمانه واتباعه لدعوة النبيِّ «صلى الله عليه وآله»؟!

2 ـ ما يعرفه المجتمع القرشيّ عامة من أنَّ عبد المطلب وأبا طالب لم يكونا من عبدة الأصنام في الجاهلية، بل كانا يعبدان الله ويؤمنان به ويدعوانه جهراً؟!

ولم يكن جميع الناس في الجاهلية يعبدون الأصنام بل كانت الآلهة متعددة، ومنها الله جلَّ جلاله فقد كان معبوداً معروفاً؟!

3 ـ  ما ذكره المؤرخون من أنَّ علي بن أبي طالب «عليه السلام»  كان يعيِّر معاوية بكفر آبائه وأجداده فلو كان معاوية يعلم أن  أبا طالب كافراً لرد على عليٍّ قوله بأن أباك أنت أيضًا كان كافراً.

وهذا واضح، فكيف يقال بعد هذا كله إن أبا طالب كان يكتم إيمانه؟!

وكيف يمكن تفسير الأحاديث الآتية:

أخبر أبو الفضل بن شاذان ـ يرفعه إلى الشيخ الصدوق ابن بابويه القمي «رحمهم الله»، مرفوعاً عن الإمام الحسن بن علي العسكري «عليه السلام» في حديث طويل ـ يذكر فيه: أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله»: إني قد أيدتك بشيعتين: شيعة تنصرك سراً، وشيعة تنصرك علانية.

فأما التي تنصرك سراً، فسيدهم وأفضلهم عمك أبو طالب.

وأما التي تنصرك علانية، فسيدهم وأفضلهم ابنه علي بن أبي طالب «عليه السلام».

ثم قال: وإن أبا طالب كمؤمن آل فرعون يكتم إيمانه.

ومن ذلك قول الإمام الصادق «عليه السلام»: إن جبرئيل «عليه السلام» أتى النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال: يا محمد، إن ربك يقرئك السلام، ويقول لك: إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك، فآتاهم الله أجرهم مرتين، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك، فآتاه الله أجره مرتين.

وجزاكم الله خيراً عن الإسلام وأهله، آمين والسلام..

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

فإن ما ذكرتموه من قرائن ترونها دالة على إعلان أبي طالب وجهره بإيمانه واعتبرتموها مبرراً للشك، أو لرد الروايات التي ذكرت أنه كان يكتم إيمانه تفرض علينا توضيح بعض الأمور على النحو التالي:

1 ـ إن أبا طالب كان على دين إبراهيم، ولم يشك بالله طرفة عين.. فهو مؤمن ملتزم بشرائع الله تعالى. أما أبو سفيان، فكان يعبد الأصنام التي هي مجرد أحجار، يحكم على عابدها بالكفر والضلال والسفه. ولكن أبا طالب لم يكن يعلن بتسفيه أحلام قومه، أو يشنع عليهم في عبادة الأصنام، كما فعل رسول الله «صلى الله عليه وآله»، لأن تكليف أبي طالب كان هو المداراة لقومه حفظاً لرسول الله «صلى الله عليه وآله».

2 ـ حين كان أمير المؤمنين «عليه السلام» يحتج على معاوية إنما كان يقصد أن الناس كلهم كانوا يعرفون أن أبا طالب «عليه السلام» كان مؤمناً بالله، ويعبده على دين الحنيفية ـ دين إبراهيم ـ وأنه لم يشرك بالله طرفة عين.. وكان الآخرون مشركين يعبدون الأصنام.

3 ـ إننا نقول هذا، ولكننا نقول أيضاً: ربما استمر «عليه السلام» على هذا النهج برهة طويلة، ثم أعلن اتباعه لرسول الله «صلى الله عليه وآله» في آخر حياته، ولاسيما حين أجمعت قريش على منابذتهم وحصرتهم بالشعب، وأرادت أن تهلكهم جوعاً..

4 ـ يبدو: أن الكثير من الناس في الجزيرة العربية يفرقون بين الإله وبين الأرباب. أي أنهم يرون الأصنام وسواها أرباباً تمارس دوراً في التدبير، كالرزق، والشفاء، والعطاء والنصر على العدو، وغير ذلك.. فكانوا يعبدونها ويطلبون منها أمثال هذه الأمور..

وربما زاد تعلقهم بها، وتوجههم لها نسوا الله سبحانه، فاستغرقوا فيها، وفي التعبد والتبتل والخشوع لها.. ولذلك لم يكن هناك حرج على بني هاشم في عبادتهم لله، ما داموا لا يتعرضون لتلك الأصنام بسوء.

ولكن مشكلة قريش قد بدأت مع الرسول «صلى الله عليه وآله» منذ لحظة بعثته لهم، حيث إنه منذ تلك اللحظة بدأ يعلن على الملأ بذكر الأصنام بما يسقطها عن صلاحية التدبير، ويظهر نقصها، ويجاهر برفضها، ويصرح بعجزها، وفقدانها للعقل، وللشعور، والإحساس.. وكل ما من شأنه أن يسلب احترامها من القلوب والعقول، فضلاً عن أن تعبد، ويركع لها ويسجد، أو أن تطلب منها الحاجات، وحل المشكلات، ودفع البليات، وما إلى ذلك..

فأثار ذلك حفائظهم، ونابذوه، ثم حاربوه كما هو معلوم.

5 ـ فظهر أن المراد بكتمان أبي طالب لإيمانه: هو كتمانه ما يعتقده في أصنامهم من عيب ونقص، وعجز، وسقوط، فإنه لا يختلف عما جاء به رسول الله «صلى الله عليه وآله». كما أنه لم يكن يصر على إثبات نبوة أخيه لهم، وكان يداريهم، فلا يصرح بالتزامه بكل ما جاء به، ودعا إليه.. ولا يقول لهم: أنا من أتباعه.

6 ـ إن هذا السكوت عن عيب الأصنام، وهذه السياسة بمجملها، ورضا المشركين منه بذلك، اعتبرته الرواية عن الإمام الصادق «عليه السلام» تقية، لما فيه من موافقة ظاهرية على الشرك.

7 ـ أما الرواية عن الإمام العسكري «عليه السلام»، فهي ـ بغض النظر عن اختلال سندها المنقول في السؤال، فإنما تحدثت عن نصر أبي طالب لرسول الله «صلى الله عليه وآله» سراً، من حيث إنه كان يدافع قريشاً، ويسوف معهم الأوقات، ليعطي الفرصة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» لينشر دعوته بين القبائل، يقوي بذلك شوكته.. وليزيد من إحراج قريش، ويصعِّب الأمور عليها إلى أن يقضي الله تعالى أمراً كان مفعولاً.. وهكذا كان.

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

 
 
 
العودة إلى الرئيسية العودة إلى موقع الميزان منتديات موقع الميزان