اشتقاق اسم فاطمة عليها السلام

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسله، وعباده الصالحين، لا سيما محمد وآله الطاهرين..

وبعد.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لي سؤال حيرني ولقد طرحته في الحقيقة على العديد من كبار رجال
الدين والمراجع، كنت أعتقد أن لديهم جواب لكن وللأسف أقول: إنني لم أجد الجواب الشافي، لأن الإجابة كانت مختصرة للغاية ومبهمة، حتى إن بعضهم لم يجبني أصلاً.

المسألة هي:

استفسار عن الحديث القائل: بأن اسم فاطمة «عليها السلام» مشتق من اسم الله فاطر، وقد اختصها بذلك عن غيرها من النساء.

سؤالي هو: إضافة إلى أني لا أرى الإشتقاق بوضوح بين فاطر وفاطم، وقد سمعت أحد المفسرين عند شرحه للإشتقاق اكتفى بقول: إن هذا اشتقاق لغوي فريد ومعقد ولا مجال لشرحه.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

بالنسبة للسؤال عن اشتقاق  اسم  فاطمة من فاطر، نقول:

أولاً: هناك اشتقاق يقال له: الإشتقاق الكبير، وهو كما فسره العلماء: «الإتفاق في الحروف الأصول دون الترتيب، مثل القمر، والرقم، والمرق». وقد مثَّلوا له بقوله تعالى: ﴿اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ([1]). لأن كلمة أرض ورضيتم من الإشتقاق الكبير.

ونقول:

قد اشتبهوا بالمثال المذكور، فإن كلمة «الأرض» وكلمة «أرضيتم»، وإن اتفقتا في بعض الحروف، ولكنهما من باب الإشتقاق الكبير.. ولعل الأولى هو التمثيل بما ليستا من هذا القبيل([2]).

مثَّل به بعضهم، وهو كلمة «الصلاة»، فإنه ينتظم من حروفها باعتبار الإشتقاق الكبير ـ الذي يعتبره المحققون في علم الحروف «حقائق الإرتباط» ـ ينتظم من حروفها ـ كلمات هي: الوصلة، والصلة، والوصل، والوصال، والصولة، والصلاة. وهذه الحقائق يجمع بينها معنى مشترك هو الجامع المعتبر في هذه التراكيب، وهو معنى الجمع، والتقريب، والإتباع، والتوحيد([3]).

وقالوا أيضاً: إن من جملة أقسام الإشتقاق الكبير: أن المضاعف ـ كما ذكروا ـ يلحقه الإبدال، والحذف مثل: المعتل، ومثل: أحسست، وأحست في أحسست، وأمليت في أمللت، وتقضى البازي وأصله تقضض، فلثقله بالتضعيف أعطي حكم حرف العلة.

قالوا: وأما وجه كون فاطمة من فاطر مع مغايرة المادة، فهو إما من باب الإشتقاق الكبير، مثل: نعب ونعق، ونهق، فتقلب الحروف ويبقى المعنى على حاله، أو بتفاوت يسير.

وفاطر وفاطم من هذا القبيل، فإن الفطر إما بمعنى الشق، أو الإبتداء، أو نحوهما.

أما الفطم، فهو الفصل، وهو مستلزم لهما، ولا يخلو منهما. فيكون هذا إشارة إلى كونها «عليها السلام» قد انفصلت، أو كان ابتداء وجودها من النور المطهر.

وإما من قبيل اشتقاق بكة من البكاء، لبكاء آدم «عليه السلام» فيها.. أو مثل اشتقاق مكة من المكاء، كما قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ([4]).

وكاشتقاق الشيعة من الشعاع، لأنهم خلقوا من شعاع أنوارهم «عليه السلام». وهو المراد من فاضل طينتهم.. وكاشتقاق الطبيب من الطيب، لأنه يطيب نفوس الناس بدوائه..([5]). فهذا الإشتقاق قد تحدث عنه الشيعة والسنة على حد سواء.

فظهر: أن هذا الإشتقاق معروف بين العلماء، وليس هو من مخترعات الشيعة.

ثانياً: ورد في السؤال: أن ثمة حديثاً يصرح: بأن كلمة فاطمة مشتقة من فاطر، ونقول:

ورد في الحديث: فسمانا الله عز وجل بخمسة أسماء من أسمائه، فالله محمود وأنا محمد، والله العلي وهذا علي، والله فاطر وهذه فاطمة، والله ذو الإحسان وهذا الحسن، والله المحسن وهذا الحسين..([6]).

وروي أيضاً: «..يا محمد إني أنا الله لا إله إلا أنا، فاطر السماوات والأرض، وهبت لابنتك اسماً من أسمائي فسميتها فاطمة، وأنا فاطر كل شيء..»([7]).

وفي حديث الخلقة في بيان الأشباح لآدم «عليه السلام»: وهذه فاطمة، وأنا فاطر السّماوات والأرض، فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي، وفاطم أوليائي عمّا يعرَّهم ويشينهم، فشققت لها اسماً من اسمي الخ..([8]).

وفي الأخبار: أن النبي «صلى الله عليه وآله» قال لفاطمة «عليها السلام»: إن الله شق لك يا فاطمة اسماً من أسمائه، وهو الفاطر وأنت فاطمة([9]).

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.


([1]) الآية 38 من سورة التوبة.

([2]) راجع: مختصر المعاني للتفتازاني ص291 وإحقاق الحق (الملحقات) ج2 هامش ص495.

([3]) شرح فصوص الحكم لمؤيد الدين الجندي ص105.

([4]) الآية 35 من سورة الأنفال.

([5]) راجع: اللمعة البيضاء للتبريزي الأنصاري ص103 وقد نقلناه بتصرف..

([6]) راجع: مقتضب الأثر للجوهري ص6 والمحتضر لحسن بن سليمان الحلي ص266  وبحار الأنوار ج25 ص6 وج53 ص124 والعوالم، الإمام الحسين ص5  وتفسير الصراط المستقيم للبروجردي ج3 ص139 والنجم الثاقب ج1 ص466 .

([7]) بحار الأنوار ج24 ص324 والبرهان (تفسير) ج5 ص189 وتفسير كنز الدقائق ج12 ص474  وتأويل الآيات الظاهرة ج2 ص624.

([8]) بحار الأنوار ج11 ص151 وج26 ص327 و 328 و البرهان (تفسير) ج1 ص196 والتفسير المنسوب للإمام العسكري ص220 و التفسير الصافي ج1 ص115 وتفسير الصراط المستقيم للبروجردي ج5 ص247 و 248 وتأويل الآيات الظاهرة ج1 ص45.

([9]) اللمعة البيضاء للتبريزي الأنصاري ص98 ومعاني الأخبار ص55 وبحار الأنوار ج37 ص47 وج43 ص15

 
 
العودة إلى الرئيسية العودة إلى موقع الميزان منتديات موقع الميزان