الخميني وابن عربي

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسله، وعباده الصالحين، لا سيما محمد وآله الطاهرين..

وبعد..

هل كان الخميني «قدس سره» يتابع ابن عربي في العرفان؟! لأني قد قرأت في كتابه الأربعون حديثاً يسمي ابن عربي بـ «الشيخ المحقق» و «الشيخ الأكبر» وهذا الكلام قد أربكني، لأن كتاب السيد جعفر العاملي يسمى «ابن عربي ليس بشيعي»؟!

هل الخميني كان غلطان في هذه القضية؟!

 عفواً إني لا أعرف العربية جيداً..

والسلام عليكم..

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

وبعد..

فإن الله تعالى يقول: ﴿..وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى..([1]).

وآية الله السيد الخميني هو من خيرة علمائنا، ومن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، فلا نتوقع منه إلا إنصاف الآخرين، وعدم الحيف عليهم، حتى لو خالفهم في رأيه، وفي نهجه.

وهذا هو ديدن علمائنا الأبرار «رضوان الله تعالى عليهم»، فإنهم حين يذكرون عالماً بصيراً في أي علم كمعلم الطب مثلاً، أو الفلسفة، أو الفقه، أو النحو، أو غيره، فإنهم يصفونه بما هو أهله فيما يرتبط بمقامه العلمي، فيصفونه مثلاً بالعالم العلامة المتبحر في فنه، البصير في دقائق وحقائق العلم الذي تصدى له..

ولا تحملهم مخالفتهم له في المذهب، أو في الدين على غمطه حقه، وإنكاره عليه، والإنتقاص منه.

وهذا بالذات هو موقف الخميني من ابن  عربي، إذ لا ريب في أن السيد  ينكر على ابن عربي التزامه بغير مذهب أهل البيت «عليهم السلام» في فقهه، كما أنه يخالفه في كثير من اعتقاداته. ولكنه حين يمارس الفن الذي مارسه ابن عربي، أو غيره، فإنه يمنح الذين مارسوا ذلك الفن الألقاب التي اعتاد أهل ذلك الفن إطلاقها عليهم، ولا يتعداها، ولا بتجاهلها.. حتى لو كان البحث ينتهي به إلى مخالفة أولئك الناس في آرائهم.

وهذا هو ديدن العلماء في التعامل مع جميع العلماء الذين لهم شهرة في أي علم آخر.. فهم يثنون على علماء اللغة، والأدب، والفلسفة، والحساب، والنحو، والطب،  وغيرذلك من العلوم بما يناسب موقعهم ونظرة الناس إليهم في تلك العلوم، أو الفنون..

ويشهد على ما نقول:

أولاً: إن السيد الخميني قدس سره بعد أن مارس فن العرفان عشرات السنين، وبرع فيه، وبلغ أعلى المراتب، قد انتهى أخيراً ليعلن أسفه على عمره الذي صرفه في أمثال هذه الأمور، واعتبره..

فقد قال رحمه الله في رسالة منه كان قد أرسلها لأحدى قريباته في أواخر عمره، وسميت بـ «سبيل المحبة إلى السيدة فاطمة»، بتاريخ ربيع الثاني 1407هـ.  ما يلي:

«..(الأسفار الأربعة) بطولها وعرضها منعتني من السفر إلى المحبوب. لا من الفتوحات (الفتوحات المكية لابن عربي) حصل لي فتح.. ولا من فصوص الحكم (فصوص الحكم لابن عربي) حصلتُ على حكمة.. فضلاً عن غيرهما الذي له قصة محزنة..

..لا تكتفي بهذه الاصطلاحات التي هي الفخ الكبير لإبليس، وكوني بصدد البحث عنه جل وعلا..».

ثانياً: لا مانع من أن يكون الإنسان حسن الظن بشخص في مجال بعينه، فيظن تميزه، أو تفوقه في ذلك المجال، ثم يظهر له عكس ما كان يظنه، فيتراجع عن ذلك. ويعلن عن رأيه، ولو بعد عشرات من السنين. ولعل هذا الذي كبته السيد قدس سره لإحدى النساء قد جاء في هذا السياق.

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.


([1]) الآية 8 من سورة المائدة.

 
 
العودة إلى الرئيسية العودة إلى موقع الميزان منتديات موقع الميزان