أم فروة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

سماحة العلّامة السيّد جعفر مرتضي العامليّ حفظه اللَّه تعالى..

السلام عليکم و رحمة اللَّه و برکاته..

إنّي أنظر في کتاب لأحد المحقّقين الکرام حفظه اللَّه تعالى، المسمّي بـ «صاحب الغار أبو بکر أم رجل آخر» الهامش4 من الصفحة13: أنّه يقول «وجدَّة الامام الصادق «عليه السلام» لأمه كانت بنتاً لمحمد بن القاسم بن أبي حذيفة، ولم تكن بنتاً للقاسم بن محمد بن أبي بكر». وأنّي لم أقف علي مستنده في هذا الکلام.. ممکن أن تقولوا لنا أدلّة على هذا المقال.. هل يريدون من جدّة الإمام الصادق سلام الله عليه أمّ فروة بنت القاسم بن محمّد المذکورة في الکافي الشريف؟!

نتمنّى الإجابة وشكراً لوقتكم الثمين.

کلب الزهراء عليّ بن محمّد العزيز بوريان البروجرديّ عفي اللَّه عن جرائمه.


 

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله..

وبعد..

فإننا لم نجد اسم محمد بن القاسم بن أبي حذيفة في كتب التاريخ والتراجم، ولا يمكن قبول الكلام من مدعيه إن لم يكن له أي مصدر على الإطلاق، كما لا يمكن قبول دعاوى هذا الرجل المشار إليه حول أن الذي كان في الغار هو رجل آخر غير أبي بكر، فإن أدلته في غاية السقوط، والوهن، فلا يلتفت إليها، فكيف يعول عليها؟!

ومع ذلك نقول:

لقد ورد في مصادر أهل السنة حديث عن حفص بن غياث، يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول: ما أرجو من شفاعة علي شيئاً إلا وأنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله. لقد ولدني مرتين([1]).

وذكروا هنا أيضاً حديثاً آخر عن الإمام الصادق «عليه السلام» يقول: أبو بكر الصديق جدي، وهل يسب أحد آباءه؟! لا قدمني الله إن لا أقدمه([2]).

وقد حاول البعض الإستدلال بهذا الحديث على إبطال ما يقوله الشيعة في أبي بكر([3]).

وقد رد عليهم علماء الشيعة، فمن أراد الإطلاع على ما قالوه، فليراجع كلماتهم([4]).

غير أننا نقول:

إن الحديث المذكور عن الإمام الصادق «عليه السلام» عن ولادة أبي بكر له يحتاج إلى تمحيص، وبيان.. وذلك كما يلي:

أولاً: إن ما نقلوه عن الحاكم، من أن الإمام الصادق «عليه السلام» يستدل على عدم سبه لأبي بكر: بأنه جده نقول: إن هذا الحديث موضع ريب، لما يلي:

ألف: إن الإمام «عليه السلام» لم يكن متهماً بسب أبي بكر، أو غيره، كيف وقد كان ينهى أصحابه عن السب، ويقول لهم: نزهونا عن السب، ولا تكونوا قوماً سبابين.. حتى يقال: رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما كان يؤدب به أصحابه([5]).

ب: إنه «عليه السلام» لم يكن ليخالف النص القرآني الذي يمنع حتى من سب الكفار، فما بالك بغيرهم. كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ([6]).

ج: إن التعليل الذي ذكرته الرواية: بأن الإنسان لا يسب آباءه، تعليل عجيب، وقد كان الأولى أن يعلل امتناعه عن ذلك: بأنه لا يسب من كان مسلماً.. وأما مجرد كونه جداً، أو أباً، فلا يصلح لأن يكون علة لذلك..

د: إن رواية هذا النص منحصرة برجل واحد، وهو الحاكم، وهو من فريق بعينه، يسعى لتأييد نهجه في مقابل الآخرين..

ثانياً: قد فسروا حديث ولدني أبو بكر مرتين: بأن أم الإمام الصادق «عليه السلام» هي أم فروة واسمها فاطمة([7])، أو قريبة([8]) بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر.. وهذه هي الولادة الأولى، وأم فروة هذه هي أسماء بنت عبد الرحمان، وهذه هي الولادة الثانية([9]) كما قاله الأعلمي.

وقال الأعلمي أيضاًَ: «أم فروة هي أم أبي جعفر الباقر «عليه السلام» أمها أسماء بنت أبي بكر..».

وهذا يعني أن أسماء بنت أبي بكر هي والدة أم الباقر «عليه السلام».. وهي أيضاً والدة عبد الرحمن والد أم فروة زوجة الإمام الباقر «عليه السلام»..

غير أننا نقول:

1 ـ إننا نجد: أن القرماني يقول: إن أم الإمام الصادق «عليه السلام» هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي سمرة([10]).

وعدم ورود اسم القاسم بن محمد بن أبي سمرة في كتب التراجم، لا يعني أنه شخصية موهومة، إذ ما أكثر الأشخاص الذين لم ترد أسماؤهم في كتب التاريخ والتراجم لأسباب مختلفة..

إلا أن يجاب عن هذا: بأن من المحتمل أن تكون كلمة أبي سمرة مصحفة عن أبي بكر، ولكنه احتمال لا شاهد له، فلا  يعتد به.

ولعل هذا هو السبب في أن بعض الأعلام اكتفى بالقول: بأن أمه هي: «أم فروة بنت القاسم بن محمد» حسبما ورد في البحار([11]).

ولعل شهرة القاسم بن محمد بن أبي بكر تجعل اسمه يتبادر إلى الأذهان بمجرد سماعه.. فلعل بعضهم كان يضيف كلمة بن أبي بكر بصورة عفوية، جرياً منه على الإلف والعادة ـ كما أن البعض حين يتحدث عن أسماء يتبادر إلى ذهنه بنت عميس، فقد يضيفها بصورة عفوية أيضاً..

2 ـ إن الإمام الصادق «عليه السلام» لم يكن بحاجة إلى الشفاعة ليرجوها من أبي بكر..

3 ـ ولو احتاج «عليه السلام» الشفاعة، ولو لأجل البركة، ورفع الدرجة، فإن الشفاعة التي ترتجى لذلك هي شفاعة رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وشفاعة الساقي على الحوض، والذي لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز منه.. أعني جده علياً «عليه السلام» حسب النص الوارد عن النبي «صلى الله عليه وآله».

4 ـ إن مقام القاسم بن محمد بن أبي بكر عند أهل البيت «عليهم السلام»، ومقام أبيه محمد كان عظيماً، ولاسيما عند أمير المؤمنين «عليه السلام»، فلماذا لا يكرمه الله تعالى بجعل الإمام الصادق «عليه السلام» من نسله، وهو الذي حزن وبكى عليه أمير المؤمنين «عليه السلام» وأثنى عليه خيراً؟!

وأما ما جرى بين أبيه أبي بكر وبين علي والزهراء «عليهما السلام» حتى ماتت واجدة عليه. فلا يؤاخذ هو به، ولا يلام عليه، ولا شك في أنه رحمه الله لم يكن راضياً على ما صدر من أبيه تجاه الزهراء «عليها السلام».

وبعد.. فإن في التاريخ شواهد لا تحصى على مخالفة الأبناء لآبائهم، والزوجات لأزواجهن، والإخوة مع بعضهم بعضاً حتى في الدين والمذهب، فتجد هذا موالياً، وذاك معارضاً، وهذا قوياً، وهذا ضعيفاً، وهذا مؤمناً وهذا كافراً، وتجد  هذا تقياً وهذا فاسقاً منحرفاً وهلم جراً. وهناك من عادى أباه، وقتل أخاه، ونابذ زوجته، وتبرأ من أقرب الناس إليه..

ولا نشك في أن الإمام الصادق «عليه السلام» لا يطلب الشفاعة ولا البركة، ولا يفتخر بمن ماتت أمه الزهراء «عليها السلام» وهي واجدة عليه..

والحمد لله والصلاة والسلام على محمد وآله.

 


([1]) تهذيب الكمال ج5 ص81 و 82 وراجع: سير أعلام النبلاء ج2 ص259 وطبقات الحفاظ ج1 ص167 وعن تاريخ مدينة دمشق ج44 ص455 والتحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ج1 ص410 وراجع: إحقاق الحق (الملحقات) ج1 ص31 وص64 ـ 67 ودلائل الصدق ج1 ص76 و82 و83 والصوارم المهرقة ص253 وبحار الأنوار ج29 ص651 و 652 وراجع: راجع: تهذيب التهذيب ج2 ص103 وتذكرة الحفاظ ج1 ص166 وعمدة الطالب (مطبعة الصدر سنة 1417هـ قم) ص176 وغاية الإختصار ص100 وكشف الغمة (المطبعة العلمية قم المقدسة ط سنة 1381 هـ.) ج2 ص161 عن الجنابذي، وعن جواهر الكلام لابن وهيب ص13 وسير أعلام النبلاء ج6 ص255 والصواعق المحرقة ص84 وأورده السيد الخوئي في مستند العروة كتاب الخمس ج1 ص317 وتنقيح المقال ج3 ص73 وعن الدر المنثور ج1 ص240 ولم أجده.

([2]) إحقاق الحق (الملحقات) ج1 ص30 ودلائل الصدق ج1 ص76 عن الحاكم النيسابوري.

([3]) راجع: الصواعق المحرقة (ط سنة 1408 هـ. دار الكتب العلمية) ص84 وما ذكره ابن روزبهان ـ كما في كتاب دلائل الصدق ج1 ص76 وفي إحقاق الحق (الملحقات) ج1 ص64 ـ 67.

([4]) راجع: الصواعق المحرقة (ط سنة 1408 هـ. دار الكتب العلمية) ص253 ودلائل الصدق ج1 ص82 و 83 وإحقاق الحق (الملحقات) ج1 ص64 ـ 67.

([5]) من لا يحضره الفقيه ج1 ص383 ووسائل الشيعة (آل البيت) ج8 ص430 و (الإسلامية) ج5 ص477 وج8 ص310 و 312 ومستدرك الوسائل ج6 ص508 وجواهر الكلام ج22 ص53 والذكرى للشهيد الأول ج4 ص370 والوافي ج8 ص1220 ودعائم الإسلام ج1 ص57 و 66

([6]) الآية 109 من سورة الأنعام.

([7]) تراجم أعلام النساء للأعلمي ج1 ص295 وبحار الأنوار ج47 ص1 و  5 عن الدروس، ومناقب آل أبي طالب ج3 ص399 ودلائل الإمامة ص248 والدر النظيم ص622.

([8]) كشف الغمة (ط سنة 1426هـ.) ج3 ص163.

([9]) راجع: تراجم أعلام النساء ج1 ص295 وكشف الغمة (ط سنة 1426هـ.) ج3 ص163 وبحار الأنوار ج47 ص1 والكافي ج1 ص472 ودلائل الإمامة ص248 والدر النظيم ص622 وإحقاق الحق (الملحقات) ج 19ص505 عن الأنوار القدسية ص36.

([10]) أخبار الدول وآثار الأول (بهامش الكامل في التاريخ ط سنة 1302 هـ.) ج1 ص234.

([11]) بحار الأنوار ج47 ص1.

 
 
 
العودة إلى الرئيسية العودة إلى موقع الميزان منتديات موقع الميزان