شبهات حول المهدي

بسم الله الرحمن الرحيم

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين..

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

نحن كإمامية اثني عشرية نستدل بحديث: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» على وجود الإمام المهدي وحياته «عجل الله فرجه»، ولكن هناك شبهة للزيدية أثارها الشريف أبو الحسن الرسي في مجموع رسائل حول الزيدية، وهي: أن هذا الحديث يشهد للزيدية وليس للإمامية، ويستدل بروايات من كتبنا على ذلك، فيقول: والحقّ أنّ رأي أئمة أهل البيت «عليهم السلام»، يُخالفُ ما فَهِمَهُ الإماميّة من هذا الحديث، عندما استدّلوا به على الغيبة، لأنَّ أهل البيت يقولون: بأنّ الإمام الذي يجبُ مَعرفته، إمامٌ حيٌّ، ظاهرٌ وليسَ غائباً!!

أنظر قولَ أئمة الجعفريّة «عليهم السلام» أنفسهُم:

1 ـ قال الإمام الصادق «عليه السلام»: «مَن مَاتَ وَلَيسَ عَليهِ إمِامٌ حَيٌّ ظَاهِرٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِليّة، قِيلَ: إمِامٌ حَي؟!

 قَال : إمِامٌ حَيٌّ ، إمِامٌ حَيّ»..

وهذه الرواية موجودة في الاختصاص، والبحار، ومستدرك الوسائل. ويعلق قائلاً: تأمّل لفظةَ (ظَاهر) ، وهل الظهورُ إلاّ عكس الغياب والخفاء، يا معشر الجعفريّة!!

2 ـ عن يعقوب السراج قال : قُلتُ لأبي عبدالله : تَخلُوا الأرضُ مِن عَالِمٍ مِنكُم حَيٍّ ظَاهِر! تَفزَعُ إليهِ النَّاس فِي حَلالِهِم وحَرَامِهِم؟!

فَقَال «عليه السلام»: لا، إذاً لا يُعبَدُ الله يَا أبا يوسف.

الرواية في: بصائر الدرجات ص487 وعلل الشرائع ج1 ص195 ودلائل الإمامة ص229.

ويعلق قائلاً: وهُنا تصريحٌ بأنَّ إمام كلّ زّمان لا بُدَّ أن يكونَ حيّاً ظاهراً، يفزعُ إليه النّاس في حلالِهِم وحرامِهِم، فيما اشتبهَ والتبسَ عليهم من الدّين.

ثمّ يقول الإمام جعفر روحي له الفداء، إذاً لا يُعبدُ الله، بغيرِ هذا الإمام الظاهر.

والسؤالُ للجعفرية، هل تستطيعون أن تفزعوا إلى إمامِ زمانِكُم، فتخبروهُ بأمورِ دينكم، وما التبسَ عَليكُم فيه، يفزعُ إليه النّاس في الحلال والحرام؟

 يفزعُ إليه النّاس في التخلّص من الظلم والطُغاة وكيفية التعامل مع الجورِ والجائرين؟

 فإن قلتم : لا نستطيع ـ ولن تقولوا إلاّ هذا ـ فأعيدوا التدبّر في رواية الصادق السابقة، وابحثوا عن الإمام الظاهر كيلا تموتوا ميتة أهل الجاهلية، والعياذُ بالله.

3 ـ وعن عمر بن يزيد عن أبي الحسن الأول قال: «مَن مَاتَ بِغيرِ إمامٍ مَاتَ مِيتةً جَاهلية ، إمِامٌ حيٌّ يُعرَف!

فَقلتُ : لَم أسمَع أبَاك يَذكُرُ هَذا، يَعنِي إمِامَاً حَيّاً ، فَقال : قَدْ والله قَالَ ذَلك رَسُولُ الله: مَن مَاتَ وَلَيسَ لَه إمِامٌ يَسمَعُ لَه ويُطِيع! مَاتَ مِيتَةً جَاهلية».

ثم علق قائلاً: تأمّل لفظة : (يسمعُ لهُ ويُطيع)، فإن كانَ غائباً فكيفَ أسمعُ لهُ وأطيعُ..

السؤال: كيف ندفع هذه الشبهة؟!

وشكراً لكم.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

فأولا: ما ذكره الرسي غير دقيق، ولا هو بالإهتمام من أهل التدقيق والتحقيق حقيق.. لأنه لم يلتفت إلى المراد من كلمة ظاهر، فإنها تحتمل أكثر من معنى.. ويتعين المراد بقرينة الحال، أو المقال. فإن الظاهر تارة يكون في مقابل الغائب، وأخرى يكون في مقابل المبهم والخفي.

والمعنى الأول: هو ما نحا إليه الرسى.

والثاني: هو المراد بالرواية.

فيراد بالظاهر: المعروف والمعلوم أمره لكل أحد، فيكون في مقابل من يقول: بأنه «عليه السلام» سيولد، ولعله قد ولد دون أن نعرف من هو أبوه، ومن أي قوم أو عشيرة سوف يكون.

وإمامنا بحمد الله قد ظهر وعرف، ورآه الناس، وعاش معهم قبل غيبته سنوات عديدة، ثم كان قريباً منهم، وله سفراء يجتمعون به، ويبلغون عنه، ولا يوجد أي شبهة أو إبهام في أمره، بل أمره، بل هو أظهر من الشمس، وأبين من الأمس..

ثانياً: يشهد لما نقول: أنه لا يجب في الإمام ولا بالنبي أن لا يغيب عن قومه أو عن أكثرهم.. فقد غاب موسى «عليه السلام» عن قومه بعد بعثته، كما أنه قد فر من قومه بعد قتله القبطي، وخرج من المدينة خائفاً يترقب، فهل من مات من قومه حال فراره وغيبته منهم مات ميتة جاهلية، وكفر؟!

وغاب أيضاً يونس في بطن الحوت، فهل بطلت نبوته لهم، وهل بطلت معرفته ورؤيته لمن بلغ سن التكليف منهم، ورؤيتهم له؟! ومن مات ولم يتعرف عليه ويراه، هل تكون ميتته ميتة جاهلية؟!

بل إن نبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله» هو نبي هذه الأمة إلى قيام الساعة كان في أيام حياته غائباً عن أكثر الناس الذين آمنوا به، وبعضهم لم يره طيلة حياته حتى مات.. بسبب بعد المسافات، وعدم إمكان السفر إليه، ولغير ذلك من أسباب، فهل يصح أن يقال: إن كل من لم يره سوف يدخل النار؟!

بل إن نبوة نبينا لا تنحصر بالناس في زمانه «صلى الله عليه وآله»، بل هو مبعوث للأمم التي ولدت وستولد بعده إلى يوم القيامة، وكذلك أئمتنا «عليهم السلام»، بل كل نبي وكل إمام في كل زمان لا يتمكن أكثر الناس من رؤيته، وقد يمنع الطواغيت الناس من الإئتمار بأمره، والإنتهاء بنهيه، ومن الوصول إليه، كما هو الحال في كل أمة وشعب، فهل يدخل هؤلاء الناس النار؟! وتكون ميتتهم ميتة جاهلية؟!

وقد يسجن إمام الحق كموسى بن جعفر «عليه السلام»، أو يسجن النبي، كما هو الحال بالنسبة لنبي الله يوسف ـ ولا يعود هناك مجال لطاعة أوامره، ولا يمكن الرجوع إليه للشكوى من الظالمين، ولعرض أمورهم عليه، كما أن أكثر الناس في زمانه قد لا يتمكنون من الوصول إليه لبعد المسافات، وعدم توفر الإمكانات للسفر إليه، فهل يدخل الناس النار، وتكون ميتة من يموت من المؤمنين به جاهلية؟!

والحقيقة هي: أنه يكفي أن يكون بعض الناس وإن قلوا، بل حتى لو كان رجل واحد منهم قادراً على رؤيته، أو الاتصال به، كما هو حال كل إمام العصر في أيام غيبته الصغرى، وكما هو حال كل نبي، في كثير من الحالات، كفى ذلك في صحة إيمان الناس.. وفي عدم كون ميتتهم ميتة جاهلية.

ثالثاً: بالنسبة للحديث الأخير نقول:

إن المقصود بقوله: «يسمع له ويطيع»: هو أن يضع الإنسان نفسه في موقع السمع والطاعة، لكل أمر يأتيه من قبله ولو بواسطة سفرائه، إن أتاه ذلك الأمر، وتوفرت الشروط المناسبة للطاعة.. فربما لم يصدر له منه أمر أصلاً. لأن الظروف لا تسمح بإصدار الأوامر، أو قد يكون هناك ما يمنع من امتثال الأوامر كما هو الحال في حكومات الطواغيت والجبارين..

نعم.. إن ذلك يكفي في دفع ميتة الجاهلية عن هذا الذي هو في موقع السامع والمطيع..

رابعاً: إن كلمة يعرف في الرواية الأخيرة تكفي لتكون قرينة على المراد من كلمة ظاهراً في الرواية التي سبقتها.. فإن للمعرفة درجات، وليس المقصود بها المعرفة الشخصية، والرؤية البصرية المباشرة من كل فرد فرد. فقد تمنع الموانع من ذلك، وقد تكون  الغيبة في السجن، أو في غيره إحدى هذه الموانع، كما أن طول الغيبة وقصرها لا يضر في حصول الدرجة المطلوبة من المعرفة والظهور.. وفق الظروف  المحيطة، والإمكانات المتوفرة.

خامساً: لو بطل إيمان الناس بغيبة إمامهم لبطلت رسولية الرسول إذا غاب هو أيضاً عن الناس، لأن غيبته عنهم تمنع من تواصله مع من بعث إليهم أيضاً، وها هو الخضر «عليه السلام» نبي من الأنبياء، وهو رسول إلى قومه، وله وظائف ومهمات، وقد شرب من ماء الحياة.. وهو غائب، فهل أبطلت غيبته نبوته.. أو أبطلت آثارها المطلوبة منها؟!

سادساً: من الذي قال: إن الإمام الغائب لا يجتمع ببعض الناس الذين يمكن أن يجتمع بهم.. ويجعل لهم وظائف، ويوكل إليهم مهمات ترتبط بالشؤون التي يمكن له تدبيرها في غيبته بنحو أو بآخر؟!

فقد ورد: أنه يجتمع بالخضر «عليه السلام» ويؤنس وحشته([1]).

وفي الروايات الكثير من الموارد التي تتحدث عن لقاء الإمام المهدي لأشخاص([2]). كما أن ثمة أحاديث عن لقاء بعض الأشخاص للخضر، ومنهم إبراهيم بن هاشم، الذي تعلم من الخضر أعمال مسجد السهلة، ومسجد زيد([3]).

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.


 

([1]) راجع: بحار الأنوار ج13 ص 299 وج52 ص 152.

([2]) وقد ذكر ذلك العلماء في كتبهم ومجاميعهم، فراجع بحار الأنوار وغيره.

([3]) راجع: بحار الأنوار ج13 ص 320 وج97 ص443.

 
 
 
العودة إلى الرئيسية العودة إلى موقع الميزان منتديات موقع الميزان