عالم الذر

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

1 ـ هل الذين نجحوا في امتحان عالم الذر ينجحون في إمتحان الدنيا؟! وهل الذين فشلوا في امتحان عالم الذر يفشلون في امتحان الدنيا؟!

2 ـ هل كان أكل النبي موسى «عليه السلام» عند فرعون أكل حلال؟!

3 ـ هل الثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً أصحاب الإمام «عليه السلام» هم معصومون؟! وهل يمتلكون الاسم الاعظم؟!

4 ـ لماذا كلم الله الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» في السماء حينما عرج؟! وهل كان الله عز وجل يكلم الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» في الأرض بعض الأحيان؟!

5 ـ هل الإمام المهدي يتكلم مع الله عز وجل بعض الأحيان؟!

6 ـ هل المجنون امتحن في عالم الذر؟!

7 ـ روى زرارة عن الصادق «عليه السلام» قال: قلت لأبي عبد الله «عليه السلام»: جعلت فداك الغشية التي كانت تصيب رسول الله «صلى الله عليه وآله» إذا نزل عليه الوحي؟!

قال: فقال: ذاك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذاك إذا تجلى الله له.

قال: ثم قال: تلك النبوة يا زرارة، وأقبل يتخشع.

سؤالي ما معنى أن الله كان يتجلى؟!

السؤال رقم 1:

هل الذين نجحوا في امتحان عالم الذر ينجحون في إمتحان الدنيا؟! وهل الذين فشلوا في امتحان عالم الذر يفشلون في امتحان الدنيا؟!

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

وبعد..

فإن عالم الذر ليس عالماً افتراضياً، بل هو خطاب للناس في مرحلة من مراحل نشوئهم، التي تحاكي فيها طبائعهم، في خصائصها، وميزاتها، وملكاتها، وقدراتها، وحالاتها، وما تملكه من عقل واختيار، وما تواجهه من مشكلات ومغريات.. وحالات ـ تحاكي ـ واقعهم هذا، الذي يكونون عليه في علم الدنيا..

فإذا اختاروا طريق النجاة في علم الذر، فإنما اختاروه بملء إرادتهم، وباختيارهم، حيث تكون لهم نفس الميزات والحالات والمشاعر و.. و.. التي ستكون لهم في حال الدنيا..

فإذا وصلوا إلى الدنيا، وعاشوا تلك الحالات بالفعل، فلا شيء يمنعهم من الإختيار. وسيتوافق هذا الإختيار مع ما اختاروه في عالم الذر، لأن الحالات والمغريات والموانع والدوافع والزواجر ستكون هي نفسها.

السؤال رقم 2:

هل كان أكل النبي موسى «عليه السلام» عند فرعون أكل حلال؟!

الجواب:

أولاً: بعد أن أخذ فرعون موسى من تابوته الذي كان سابحاً في الماء امتنع من الرضاعة من أي مرضعة كانت حتى انتهى الأمر إلى إرجاعه إلى أمه، فقرت به عينها، وتولت هي تربيته وتنشئته..

وحين  كبر وصار يتواجد في المحيط الفرعوني لم يكن هناك ما يفرض عليه أن يأكل من طعام فرعون.. كما لا شيء يدل على أن ذلك قد حصل بالفعل. فلعله كان يأكل من كد يده، أو من الطعام الذي كانت أمه تهيؤه له.. ولعل.. ولعل..

ثانياً: إن فرعن لم يجعله في مكان معزول عن الناس.. ولم يفرض عليه أن يأكل من هذا الطعام أو ذاك.. ولعله بعيد عن محيط وأجواء فرعون، ولم يعد يراه إلا قليلاً.. وإن رآه فليس بالضرورة أن يراه وقت الطعام. وإن رآه وقت الطعام، فليس بالضرورة أن يكون جميع الطعام مغصوباً، أو حراماً..

السؤال:

هل الثلاث مائة وثلاثة عشر أصحاب الإمام «عليه السلام» هم معصومون؟! وهل يمتلكون الاسم الاعظم؟!

الجواب:

إن الله تعالى لا يرضى من أحد، بارتكاب أية معصية مهما صغرت، ولا بمخالفة أي أمر من أوامره، مما يعني أنه يوجب العصمة على البشر كلهم، فلو لم يكن ذلك مقدوراً لهم لما أوجبه عليهم.. فمن اجتنب جميع المعاصي، وعمل بكل الواجبات، فهو معصوم. ونحن نعلم بالبداهة أن النبي والإمام يجب أن يكونا كذلك..

ولكن ليس لدينا ما يدل على أن غير النبي والإمام معصوم، أو غير معصوم، فقد يكون قد عمل بما يجب عليه، واجتنب ما نهي عنه، فيكون معصوماً، وقد لا يكون قد فعل ذلك، فلا يكون كذلك..

والذي نعلمه عن الثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً أصحاب الإمام «عليه السلام» هو: أنهم في قمة الورع والتقوى، فلا مانع عقلاً من أن يكونوا جميعاً قد عصموا أنفسهم عن أية مخالفة، لأي أمر أو نهي من الله، ومن إمامهم..

ولكن ليس لدي أنا شخصياً دليل قطعي على ذلك.

أما الاسم الأعظم، فإن آصف بن برخيا كان يملك حرفاً منه، فجاء بعرش بلقيس .. وأما امتلاك جميع أو أكثر حروفه،  فذلك لم يحصل حتى للأنبياء أولي العزم، باستثناء نبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله» وعلي «عليه السلام»، الذي عنده علم  الكتاب، وأهل البيت الطاهرين «صلوات الله عليهم مع تفاوتهم فيما بينهم في درجات الفضل والعلم أيضاً..

من أجل ذلك نقول:

إن امتلاك الثلاث مئة وثلاثة عشر رجلاً للإسم الأعظم مما لا سبيل لي إلى معرفته، ولا طريق لدي فعلاً للإلتزام به.

السؤال رقم 4 و 5:

لماذا كلم الله الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» في السماء حينما عرج؟! وهل كان الله عز وجل يكلم الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» في الأرض بعض الأحيان؟!

وهل الإمام المهدي يتكلم مع الله عز وجل بعض الأحيان؟!

الجواب:

لقد حدد الله تعالى لنا كيفية تكليم الله تعالى عباده بقوله: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ([1]).

وليس المراد: أن الله تعالى يظهر لرسوله عياناً، أو يكلمه مشافهة، فإن هذا من التجسيم  الباطل..

بل المراد: أن تكليم الله البشر يكون على ثلاثة أنحاء:

الأول: أن يكون وحياً، والوحي هو الإشارة السريعة، أي أنه تعالى يكلم نبيه بصورة خفية هي بمثابة إشارات خاطفة، وكأنه يلقي الكلام في روعه بصورة سريعة وخفية.

الثاني: أن يرسل ملكاً يكلمه بما شاء الله تعالى أن يكلمه به.

الثالث: أن يبتدئ الوحي إلى النبي من خارج المحيط الذي هو فيه، كما قال تعالى: ﴿وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ([2]).

وهذا كتكليم الله تعالى لنبيه موسى «عليه السلام» في الطور، قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ([3]).

وطرق الوحي هذه لا يختلف الحال فيها بين السماء والأرض..

وأما سبب تكليم الله تعالى لأنبيائه، فلا يحتاج إلى بيان، فإنه من التكرم والإعزاز لهم على أن الله تعالى ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ([4]). وتكليمه لنبيه حينما عرج به لا يعني أنه لم يكلمه مرات ومرات، وهو في الأرض.

وأما الإمام المهدي، فإنه الله تعالى قد جعل الروح معه، والروح هو خلق من خلق الله أعظم من جبرائيل وميكائيل كان مع رسول الله «صلى الله عليه وآله» يخبره ويسدده، وهو مع الأئمة «عليهم السلام» من بعده..

واستغراب بعض الناس هذا الأمر لا يصلح دليلاً على نفي ذلك..

السؤال رقم 6:

هل المجنون امتحن في عالم الذر؟!

الجواب:

إن الإمتحان إنما هو للعقلاء، وكل شخص، بل كل موجود يمتحن بما يناسب حاله، وبما هيأه الله تعالى له من قدرات، وملكات، ومن شعور، مهما كان ضئيلاً وقليلاً، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها..

السؤال رقم 7:

روى زرارة عن الصادق «عليه السلام» قال: قلت لأبي عبد الله «عليه السلام»: جعلت فداك، الغشية التي كانت تصيب رسول الله «صلى الله عليه وآله» إذا نزل عليه الوحي؟!

قال: فقال: ذاك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد، ذاك إذا تجلى الله له.

قال: ثم قال: تلك النبوة يا زرارة، وأقبل بتخشع.

سؤالي: ما معنى أن الله تعالى كان يتجلى؟!

الجواب:

إن موسى «عليه السلام» قد سأل ربه أن يريه عظمته سبحانه برؤية قلبية لا بصرية.. فأظهر الله تعالى بعض آياته، وطرفاً من تجليات قدرته في مخلوقاته، فتقطع الجبل فصار رميماً، ورأى موسى «عليه السلام» هذه الآيات وخر موسى «عليه السلام» صعقاً.. فالتجلي ليس للذات الإلهية، فإنه تعالى لا تدركه الأبصار، بل التجلي إنما هو بظهور بعض الآيات الكبرى.

وقد ورد في بعض الأخبار: أن الله تعالى أبرز من العرش مقدار الخنصر، فتدكدك به الجبل([5]).

فإذا كان الأمر سينتهي إلى هذا الحال، وهو لم يظهر من آيات عظمته وعظيم ملكوته إلا هذا الطرف اليسير، فكيف ستكون الحال لو أظهر تعالى لموسى «عليه السلام» له أكثر من ذلك، مما لا ينتهي ولا يتناهى منها؟!

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

 


([1]) الآية 51 من سورة الشورى.

([2]) الآية 30 من سورة القصص.

([3]) الآية 20 من سورة البروج.

([4]) الآية 23 من سورة الأنبياء.

([5]) بحار الأنوار ج13 ص223 وتفسير مجمع البيان ج4 ص352 وتفسير نور الثقلين ج2 ص64 ومجمع البحرين ج1 ص390.

 
 
 
العودة إلى الرئيسية العودة إلى موقع الميزان منتديات موقع الميزان