عصمة أصحاب الكساء

لماذا فضل الله آل محمد صلى الله عليه وآله

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

لدي سؤال عقائدي لو سمحتم..

يوجد رواية تقول: إن الله عز وجل خلق في البداية خمسة أنوار، وهم أصحاب الكساء «عليهم السلام». ومن هؤلاء الخمسة «عليهم السلام» خلق الله العرش والسماوات، والكواكب والشمس والقمر.

 سؤالي هو: لماذا أعطى الله كل هذا الفضل لأهل البيت «عليهم السلام»؟!

ما هو السبب الرباني الذي أعطى أهل البيت مقامات شامخة في الدنيا منذ ولادتهم وحتى قبل نزولهم إلى الدنيا؟!

لماذا أعطى الله عز وجل الأربعة عشر المعصومين العصمة ولم يعطها لغيرهم؟!

 وشكراً جزيلاً !

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

بالنسبة للسؤال الأول نقول:

إن الله سبحانه إنما يعطي الحق لأهله.. ويفضل أهل الفضل، بملاحظة أعمالهم وتضحياتهم التي اختاروها بملء إرادتهم.. ولم يكونوا مثل غيرهم من الذين تركوا الفضائل، وجروا خلف الشهوات والرذائل بملء إرادتهم، واختيارهم أيضاً..

مع أن الله تعالى قد فتح أبواب الدلالات والهدايات أمام جميع البشر. بما في ذلك الهدايات التكوينية، والفطرية، والعقلية، والتشريعية، وغيرها.. ولم يؤثر الله أحداً على أحد بشيء، بل ساسهم بنفس السياسة، وطبق عليهم نفس السنن، وطالبهم بنفس الأحكام، ووجه إليهم نفس الأوامر والزواجر..

فالذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم، ونوه بأسمائهم، ورفع من شأنهم.. والذين اختاروا طريق الضلال جازاهم بأعمالهم.. ولو انعكس الأمر فاختار المهتدون طريق الضلال، والضالون طريق الهداية لانعكست المعاملة، ونال المهتدون الحظوة والفوز عنده، والضالون الخزي والخسران.

وقد علم الله تعالى ـ وهو علام الغيوب ـ أنه حين يخلق الكون والخلق، ويأمرهم وينهاهم، فسيكون هناك من يطيع ومن يعصي.. وسيصل فريق من الناس إلى أعلى قمم الفضل والطهر، وسيكونون المهتدين المطيعين العاملين..

فكان هذا هو المبرر لخلق الكون بأكمله، من أجل إظهار عظمة الله وعلمه وحكمته، وقدرته وتدبيره في ظهور هذه الكمالات السامية في هذه الصفوة الطاهرة، لتكون هي الدليل عليه، وسبيل الوصول إليه سبحانه.

وهذا يجعل خلق الكون والبشر عملاً مرضياً ومقبولاً، ومعقولاً ومبرراًَ، لأن هدف الخلق هو إظهار قدرة وعظمة وحكمة الله، وتجليها في هذه الصفوة التي سوف تبلغ أعلى درجات الكمال.. حتى تصبح بما تستنزله من فواضل وكرامات إلهية قادرة على التصرف في كثير من الكائنات، وعلى اجتراح أعظم المعجزات، وسيظهر لها الله كرامات جميلة، ومقامات جليلة لا يمكن لكثير من الخلق تصورها، أو حتى توهمها، وإنما ينالها هؤلاء بجهدهم وجهادهم، لأنهم منذ خلقهم الله كانوا وما زالوا في طاعة الله، وعبادته، وخدمته، والكدح إليه، بل هم كذلك منذ أخرجهم الله تعالى من عالم الخزائن، فاستحقوا بهذا أن يجعلهم مطيفين بعرشه. ومفضلين على جميع خلقه.

أما لو كان خلق الكون سينتهي إلى أن لا يوجد إلا الفساد والنقص، والتلاشي. فلا مبرر لوجوده والحال هذه، ولا حاجة إليه، بل يكون خلقه من العبث الذي يجل الله تعالى عنه.

إعطاء العصمة ليس إجباراً!!

أما فيما يرتبط بالسؤال الأخير الذي يقول:

لماذا أعطى الله عز وجل الأربعة عشر المعصومين العصمة، ولم يعطها لغيرهم؟! نجيب:

إن العصمة ليست أمراً يوجده الله في الشخص بصورة قهرية. بل العصمة هي فعل إختياري يمارسه الشخص نفسه، وهي نتيجة التزام الشخص بالأوامر والزواجر الإلهية بصورة تامة وشاملة..

فمن فعل ذلك فهو معصوم.. وقد قلنا:  إن العصمة أمر مقدور للبشر جميعاً، وهي واجبة عليهم جميعاً، لأن الله تعالى لا يرضى من أي إنسان بارتكاب أية معصية مهما صغرت، ولا يرضى بترك أي واجب مهما كان.. فإن كان الناس لا يقدرون على امتثال بعض هذه التكاليف، فإن التكليف بما لا يقدر عليه المكلف يسقط بسبب العجز.. فإذا سقط التكليف لم يعد هناك معصية بالفعل، ولا بالترك..

غير أن الأدلة القطعية قد دلت على أن النبي والإمام معصوم بلا ريب، لأن الله لا يجعل النبوة والإمامة لمن يعلم أنه سوف يرتكب معصية، ولو مرة واحدة في حياته.. لأن النبي والإمام قدوة وأسوة، ويكون قوله وفعله وسكوته، وكل ما يصدر منه ويأتي عنه حجة ودليلاً على الأحكام.

فظهر أن الله تعالى لا يعطي العصمة، بل هو يعطي النبوة والإمامة لمن يعلم أنه سوف يعصم نفسه..

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

 
 
 
العودة إلى الرئيسية العودة إلى موقع الميزان منتديات موقع الميزان