علة الوجود

لماذا فضل الله آل محمد؟!

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

سماحة السيد جعفر مرتضى العاملي دام ظله

هناك روايات تقول: إن الله تعالى خلق الكون بأكمله من أجل محمد وآل محمد «صلوات الله عليهم أجمعين».

سؤالي هو: لماذا اختارهم الله تعالى، ولم يختر أحداً غيرهم؟!

ولماذا فضلهم على الناس أجمعين؟!

شكرا لكم ونسألكم الدعاء

نادية ضاهر ـ هولندا.

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

وبعد..

فإن الله سبحانه إنما يعطي الحق لأهله.. ويفضل أهل الفضل، لأجل فضلهم، وبملاحظة أعمالهم وتضحياتهم التي اختاروها بملء إرادتهم.. ولم يكونوا مثل غيرهم من الذين تركوا الفضائل، وجروا خلف الشهوات والرذائل بملء إرادتهم، واختيارهم أيضاً..

وما ذلك، إلا لأن الله تعالى قد فتح أبواب الدلالات والهدايات أمام جميع البشر. بما في ذلك الهدايات التكوينية، والفطرية، والعقلية، والتشريعية، وغيرها.. ولم يؤثر الله أحداً على أحد بشيء في هذا السياق، بل ساسهم بنفس السياسة، وطبق عليهم نفس السنن، وطالبهم بنفس الأحكام، ووجه إليهم نفس الأوامر والزواجر..

فالذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم، ونوه بأسمائهم، ورفع من شأنهم.. والذين اختاروا طريق الضلال جازاهم بأعمالهم.. ولو انعكس الأمر فاختار المهتدون طريق الضلال، والضالون طريق الهداية لانعكست المعاملة، ونال المهتدون الحظوة والفوز عنده، والضالون الخزي والخسران.

وقد روي في الحديث: « خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن، ولو كان عبدا حبشيا ، وخلق النار لمن عصاه ولو كان ولدا قرشيا»([1]).

وقد علم الله تعالى ـ وهو علام الغيوب ـ أنه حين يخلق الكون والخلق، ويأمرهم وينهاهم، فسيكون هناك من يطيع ومن يعصي.. وسيصل فريق من الناس إلى أعلى قمم الفضل والطهر، وسيكونون المهتدين المطيعين العاملين..

ولأجل هؤلاء خلق الله الكون بأكمله، لكي تتجلى فيهم عظمة الله، وعلمه وحكمته، وقدرته وتدبيره، وذلك بظهور هذه الكمالات السامية في هذه الصفوة الطاهرة، لتكون هي الدليل عليه سبحانه، وسبيل الوصول إليه.

وهذا يجعل خلق الكون والبشر عملاً مرضياً ومقبولاً، ومعقولاً ومبرراًَ، لأن هدف الخلق هو إظهار قدرة وعظمة وحكمة الله وسائر صفاته، وتجليها في هذه الصفوة التي سوف تبلغ أعلى درجات الكمال.. حتى تصبح بما تستنزله من فواضل وكرامات إلهية قادرة على التصرف في كثير من الكائنات، وعلى اجتراح أعظم المعجزات، وسيظهر لها الله كرامات جميلة، ومقامات جليلة لا يمكن لكثير من الخلق تصورها، أو حتى توهمها، وإنما ينالها هؤلاء بجهدهم وجهادهم، لأنهم منذ خلقهم الله كانوا وما زالوا في طاعة الله، ورهن عبادته، وخدمته، والكدح إليه، بل هم كذلك منذ أخرجهم الله تعالى من عالم الخزائن، فاستحقوا بهذا أن يجعلهم مطيفين بعرشه. ومفضلين على جميع خلقه.

أما لو كان الكون سينتهي بعد أن يخلقه الله إلى أن لا يوجد فيه إلا الفساد والنقص، والتلاشي.. فلا مبرر لوجوده والحال هذه، ولا حاجة إليه، بل يكون خلقه من العبث الذي يجل الله تعالى عنه.

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.


 

([1]) بحار الأنوار ج46 ص82 وميزان الحكمة ج4 ص3257 وكنز الدقائق (تفسير) ج9 ص226 وتفسير الميزان ج15 ص75 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج41 ص359 والمستطرف للأبشيهي ج1 ص230.

 

 
 
العودة إلى الرئيسية العودة إلى موقع الميزان منتديات موقع الميزان