كلام السيد الخوئي في إيذاء الزهراء

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ما رأيكم في قول السيد الخوئي «رحمه الله»: «لا دليل على حرمة الفعل المباح المقتضي لإيذاء الزهراء»؟!

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

وبعد..

فإن هذه الكلمة قد نسبت للسيد الخوئي «رحمه الله»، وقد راجعنا المصدر الذي نقلت منه، فوجدنا أنه كتاب «المباني في شرح العروة وهو الجزء 32 من موسوعة الإمام الخوئي» والمؤلف لهذا الكتاب ليس هو السيد الخوئي «رحمه الله» نفسه، بل هو تقرير لدروسه بقلم ولده الشهيد السيد محمد تقي الخوئي..

ومن المعلوم: أن المقرر قد لا يكون دقيقاً في نقل كلام أستاذه. وقد يخونه التعبير الدقيق عن مقاصده. وقد يخطئ، وقد يصيب، وقد يقصر، وقد يتجاوز الحدود في البيان..

ونحن إذا تأملنا في العبارة المنسوبة إليه في هذا الكتاب، فإننا نجد فيها بعض ما يحتاج إلى جواب، فنحن نلخص ما نرمي إليه على النحو التالي:

كان الكلام حول جواز أو عدم جواز الجمع بين فاطميتين في بيت الزوجية.. فقيل بجواز ذلك على كراهية. وقيل: بعدم جوازه. والمستند هو رواية عن الإمام الصادق «عليه السلام» تقول: «لا يحل لأحد أن يجمع بين ثنتين من ولد فاطمة «عليها السلام». إن ذلك يبلغها، فيشق عليها.

قلت: يبلغها؟!

قال «عليه السلام»: إي والله»([1]).

وقد حكم السيد الخوئي «رحمه الله» بضعف أسانيد هذه الرواية، وقال: لم يتعرض لهذه المسألة أحد من أصحابنا قبل صاحب الحدائق كما ذكره صاحب الجواهر([2]).

وقال صاحب العروة: إن إعراض المشهور عن هذه الرواية كاف في عدم الأخذ بمضمونها.. قال: «مع أن تعليله ظاهر في الكراهة، إذ لا نسلم أن مطلق كونه شاقاً عليها إيذاء لها «عليها السلام» حتى يدخل في قوله «صلى الله عليه وآله»: من آذاها فقد آذاني»([3]).

فعلق السيد الخوئي ـ حسب نقل المقرر عنه ـ على هذا الحديث بما يلي: «لو كان دالاً على التحريم لكان لازمه القول بحرمة كل ما يلزم منه إيذاء سيدة النساء «عليها السلام» كطلاق الفاطمية، أو الجمع بين الفاطمية وغيرها إذا كان نكاح غير العلوية متأخراً. والحال أنه لا يمكن لفقيه الإلتزام به»([4]).

ولو أنه «رحمه الله» اقتصر على هذه العبارة التي أراد أن يجعل منها من تسالم العلماء على عدم حرمة هذه الأمور قرينة على أنهم فهموا من كلمة «لا يحل» الواردة في هذه الرواية هو الكراهة، لو اقتصر على هذا لم يكن هناك محذور، ولكنه أضاف قوله: «بل حتى ولو فرض كونه إيذاء لها «عليها السلام»، فإنه لا دليل على حرمة الفعل المباح المقتضي لإيذاء المؤمن قهراً، على ما ذكرنا في محله. وحيث إن المقام من هذا القبيل، لأن التزوج بالثانية أمر مباح في حد نفسه، فمجرد تأذي فاطمة «عليها السلام» لا يقتضي حرمته إلخ..»([5]).

ونقول:

1 ـ لا ريب في أن سيدة النساء «عليها السلام» لا تغضب من فعل الحلال والمباح، بل هي تأنس به وترتاح له، وطلاق الفاطمية إذا كان يخفف من حدة المشاكل، ويبعد المتاعب عنها، أو يريح زوجها، فلا يغضبها «عليها السلام».

2 ـ إننا نؤيد نؤكد ما ذكره السيد صاحب العروة من الفرق بين المشقة والأذى والغضب، فإن حصول المشقة بفعل المباح كما لو أن ضيفاً نزل على أهل بيت، فاحتاج إلى الخدمة لا يوجب تحريم نزوله عليهم؛ الذي هو أمر مباح، لأن هذه المشقة لا تعني الأذى النفسي، ولا الغضب من الضيف، بل قد يكون الإنسان مسروراً بضيفه، وإن كان نزوله عليه يتعبه جسدياً، أو يشق عليه لأمر ما لا ربط له بالضيف..

3 ـ لنفترض: أن زوجين لجآ إلى الطلاق، فهذا الطلاق الذي يكون فيه التعب والمشقة، ليس هو الذي يؤذي الزهراء «عليها السلام»، بل الذي يؤذيها هو ما ينشأ عنه من مصائب وبلايا ربما تُقدم عليها تلك المطلَّقة.. وهذا لا ربط له بالزوج الذي انفصل عنها، وإنما هو من فعل تلك المرأة بنفسها، فتأذيها «عليها السلام» يجب أن يكون من المرأة، لا من الزوج.. ولأجل ذلك كان ما فعله الزوج جائزاً، وليس فيه أذى لأحد..

كما أن نكاح غير العلوية إذا كان جائزاً في نفسه، والزواج بغير الفاطمية بعد زواجه أولاً بفاطمية لا يؤذي الزهراء «عليها السلام» من الزواج بما هو زواج، بل يؤذيها غيرة الفاطمية، وعدم رضاها بحكم الله تعالى.. الأمر الذي يدل على أنها بحاجة إلى موعظة وردع عن هذه المخالفة لأمر الله، أو عن الغضب من أمر أحله الله تعالى.

4 ـ إذا صح أن السيدة الزهراء «عليها السلام» تتأذى حقيقة من الجمع بين فاطميتين، فهو يدل على حرمة ذلك بعنوانه الأولي.. لأنه لو كان مباحاً لم تغضب منه الزهراء «عليها السلام» ولو غضبت من المباح لأوجب ذلك توجه الإعتراض عليها، ولدل على عدم صوابية قول الرسول «صلى الله عليه وآله»: «إن الله يغضب لغضبها»، وإذا كان الله تعالى يغضب لغضبها من أمر لا يحق لها أن تغضب منه، لكان ذلك خلاف العدل الإلهي.. وكل هذه الأمور باطلة، ولا يصح التفوه بها لمسلم أو عاقل.

5 ـ قوله: لا دليل على حرمة الفعل المباح إذا كان يوجب إيذاء المؤمن قهراً لا يصح في هذا المورد، لأن قول الرسول «صلى الله عليه وآله» عن الزهراء «عليها السلام»: «يغضبها ما يغضبني» دليل على حرمة كل ما يؤذي الزهراء «عليها السلام»، سواء أكان يوجب ذلك قهراً، أو بدون قهر.

ولا تحتاج حرمة الشيء إلى ورود نهي سابق عنه، بل ولا إلى وجود مفسدة فيه في نفسه، بل هو  يصبح حراماً حتى لو كان مباحاً، أو كان فيه مصلحة من أي نوع كانت.. لأن ملاك الحرمة فيه هو مجرَّد تأذي فاطمة «عليها السلام». وهذه خصوصية لفاطمة «عليها السلام» بما هي فاطمة. لا لمجرد كونها مصداقاً للمؤمن..

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

 


([1]) وسائل الشيعة (آل البيت) ج20 ص503 و (الإسلامية) ج14 ص387 كتاب النكاح أبواب ما يحرم بالمصاهرة باب 40 حكم الجمع بين ثنتين من ولد فاطمة «عليها السلام»، وتهذيب الأحكام ج7 ص463 وعلل الشرايع ص590 والوافي ج21 ص316 وهداية الأمة إلى أحكام الأئمة للحر العاملي ج7 ص188.

([2]) جواهر الكلام ج29 ص392.

([3]) العروة كتاب النكاح فصل في المحرمات بالمصاهرة، مسألة رقم 50.

([4]) مباني العروة (موسوعة الإمام الخوئي) ج32 ص364.

([5]) نفس المصدر.

 
 
 
العودة إلى الرئيسية العودة إلى موقع الميزان منتديات موقع الميزان