لألفيتمونا فيه مسمين

السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

تحية طيبة وبعد..

سيدي ومولاي أخاطبكم من بلاد الغربة، وقد حصل جدال بيني وبين شيعي آخر، لكنه قد يكون ضالاً، فأود أن أستفسر عن رواية ما محتواها:

لو تدبرتم بالقرآن حق تدبره لوجدتمونا بأسمائنا (عن أحد الأئمة). هل يمكن أن تزودونا بالصحيح؟! مع المصدر إن أمكن.

ولكم الأجر والثواب..

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد..

فلتلاحظ النقاط التالية:

1 ـ روي عن الإمام الصادق والباقر «عليهما السلام» قولهما: أما والله لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين.

زاد في نص آخر قوله: كما سمي من كان قبلنا([1]).

2 ـ إن الله تعالى أنزل على نبيه محمد «صلى الله عليه وآله»:

أولاً: النص القرآني المعجز.

ثانياً: التأويل كما يدل عليه قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ([2])، فقد سمي التأويل قرآناً، وهذه الآية تفيد: أن النبي كان يود أن يرى تأويل القرآن في آياته ودلالاته، قبل أن يأتيه الوحي الحامل لهذه التأويلات.

ثالثاً: التفسير للآيات، فإنه كان أيضاً ينزل على الرسول كما ينزل القرآن نفسه.

3 ـ روي أيضاً عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»: لو أن الناس قرأوا القرآن كما أنزل ما اختلف اثنان([3]).

وهذا يشير إلى أن معرفة الناس بالتفسيرات التي أنزلها الله سبحانه على رسوله، وبلغها للناس، ومعرفتهم أيضاً في من نزلت الآيات، ومتى نزلت.. وغير ذلك من شأنه أن يدل الناس على أهل الزيغ، ويميزهم عن المخلصين.

وظهور هذا الأمر يزيل الإختلاف الحاصل بينهم، ويمنع من التباين والتشرذم..

4 ـ ويشهد لذلك: أنه قد ورد أيضاً النهي عن قراءة القرآن حسب تنزيله، فعن سفيان بن السمط: سألت أبا عبد الله عن تنزيل القرآن، فقال: اقرؤا كما علمتم([4]).

وقد قال ابن الجزري: «ربما يدخلون التفسير في القراءة إيضاحاً وبياناً، لأنهم محققون لما تلقوه عن النبي «صلى الله عليه وآله» قرآناً، فهم آمنون من الإلتباس، وربما كان بعضهم يكتبه معه».

وذكر السيوطي أمثلة على ذلك([5]).

فجواب الإمام لابن السمط يدل على أن ابن السمط كان يسأل عن قراءة القرآن حسب التفسير التزيلي، فمنعه الإمام «عليه السلام» من ذلك، لأن الجهر بهذه الأمور يحمل معه أخطاراً جساماً ومهالك لا تطاق.

5 ـ قد صرحوا: بأن أمير المؤمنين «عليه السلام» قد أثبت في مصحفه تأويل الآيات وتفسير معانيه، وكانت تلك التفاسير منزلة من قبل الله، ولم تكن من جملة القرآن المعجز.. فهي من قبيل الأحاديث القدسية التي يوحي بها الله إلى نبيه، مع أنها ليست من القرآن([6]).

6 ـ ويشهد لذلك: ما روي عن أبي الحسن الماضي، قال: قلت: ﴿..هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ([7]).

فقال الإمام «عليه السلام»: يعني أمير المؤمنين «عليه السلام».

قلت: تنزيل؟!

قال: نعم([8]).

أي أنه قال له: هل هذا التفسير منزل من عند الله؟!

فقال له «عليه السلام»: نعم.

ويشهد لذلك قوله: «يعني أمير المؤمنين عليه السلام».. فإن كلمة يعني تدل على أن هذه الفقرة: «يعني أمير المؤمنين» ليست جزءاً من القرآن مع أنها تنزيل. فظهر أن التنزيل قد يكون تفسيراً كهذه العبارة، وقد يكون قرآناً معجزاً.

7 ـ ويشهد لذلك أيضاً: أن الامام أبا الحسن الماضي قال لمحمد بن الفضيل في آية: ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ([9]) ـ قال ـ: الهدى الولاية، آمنا بمولانا، فمن آمن بولاية مولاه فلا يخاف بخساً ولارهقاً.

قلت: تنزيل؟!

قال: لا. تأويل.

إلى أن تقول الرواية: ﴿قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ([10]) (في علي).

قلت: تنزيل؟!

قال: نعم([11]). أي أنه تفسير نازل من عند الله.

فظهر: أن التفسير على نحوين: أحدهما نازل من عند الله أيضاً، والآخر ليس كذلك.

والروايات الدالة على هذا الأمر كثيرة ذكرنا عشرات الموارد منها في كتابنا: حقائق هامة حول القرآن ص234 ـ 251.

8 ـ ونخلص من ذلك: إلى أن المقصود بقراءة القرآن كما أنزل هو: قراءة نصه القرآني المنزل من عند الله، وقراءة تفسيره المنزل من عند الله، وقراءة تأويله المنزل من عند الله، فلو قرئ القرآن بهذا النحو، فسيجد الناس أنهم «عليهم السلام» مسمون في هذا القرآن، لا في نصه القرآني المعجز، بل في تفسيراته وتأويلاته المنزلة من قبل الله سبحانه على نبيه «صلى الله عليه وآله».

وليس المراد: أن أسماءهم «عليهم السلام» مذكورة صراحة في النص القرآني المعجز، بدليل:

ألف: أن النبي «صلى الله عليه وآله» والأئمة كانوا يقرأون القرآن المنزل، وليس فيه أسماؤهم «عليهم السلام».

ب: قيل للإمام الصادق «عليه السلام»: فما له لم يسم علياً وأهل بيته في كتاب الله عزّ وجلّ؟!

فقال: قولوا لهم: إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» نزلت عليه الصلاة، ولم يسم لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو الذي فسر لهم إلخ..([12]). والرواية طويلة..

فإن مراده: أنه «عليه السلام» لم يسمِّ في القرآن المعجز، وإن كان قد سمي في تأويله وتفسيره المنزلين.

9 ـ وأما استدلال آية الله الخوئي «قدس سره» على عدم ذكر اسم أمير المؤمنين «عليه السلام» صريحاً في القرآن، بأنه لو كان مذكوراً فيه لم يحتج إلى نصبه «عليه السلام» يوم الغدير، فلا يدل على المطلوب.. إذ قد يعترض عليه: بأنه ليس بالضرورة أن يكون السؤال عن ذكره «عليه السلام» في خصوص موضوع الإمامة، فقد يذكر لأجل أمر آخر..

كما أن ذكره لا ينافي أن تكون هناك حاجة إلى نصبه وأخذ البيعة له..

هذا كله، عدا عن أنه قد يقال: المراد بقوله: «لألفيتمونا فيه مسمين». هو مطلق التسمية والدلالة، ولو بالوصف.

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.


 

([1]) عدة رسائل للمفيد ص 225 المسائل السروية، وتفسير العياشي ج1 ص13 والبرهان (تفسير) ج1 ص22.

([2]) الآية 114 من سورة طه.

([3]) الوافي ج5 ص 274.

([4]) الكافي ج1 ص461.

([5]) النشر في القراءات العشر ج1 ص32 والإتقان ج1 ص77.

([6]) راجع: أوائل المقالات ص55 وبحر الفوائد ص99 عنه.

([7]) الآية 17 من سورة المطففين .

([8]) الكافي ج1 ص358.

([9]) الآية 13 من سورة الجن.

([10]) الآيتان 22 و 23 من سورة الجن.

([11]) الكافي ج1 ص432 ـ 435 والبرهان (تفسير) ج5 ص508 وبحار الأنوار ج24 ص336 وتفسير نور الثقلين ج5 ص438.

([12]) الكافي ج1 ص286 و 287 والوافي ج2 ص63.

 
 
 
العودة إلى الرئيسية العودة إلى موقع الميزان منتديات موقع الميزان