يقول السيد محمد حسين فضل الله:

كانت الزهراء كما أشرت كما يروي المؤرخون أن أبا بكر وعمر استأذنا علياً في أن يزورا الزهراء في بيتها ليتحدثا معها لأنهما سمعا أنها غاضبةًُ عليهما واستأذنها علي في ذلك وقالت البيت بيتك وجاءا وجلسا إليها وتحدثا معها وتحدثت معهم بشكل طبيعي [ للإستماع إضغط هنا]

ونقول:

نبدأ أولاُ بالرواية التي تكذب ما ادعاه السيد فضل الله على أن الزهراء عليها السلام روحي لها الفدى قد رضيت عن الشيخين بتلميحه أنها عليها السلام تحدثت معهم بشكل طبيعي ونسأله ما دليلك على ذلك وهو القائل أنه كما أن الإثبات يحتاج إلى دليل فالنفي يحتاج إلى دليل أيضاً.

قال عمر لأبي بكر : إنطلق بنا إلى فاطمة فانا قد أغضبناها ، فانطلقا جميعاً فاستأذنا على فاطمة فلم تأذن لهما فأتيا علياً فكلماه فأدخلهما عليها فلما قعدا عندها حولت وجهها إلى الحائط ، فسلما عليها ، فلم ترد عليهما السلام فتكلم أبو بكر فقال : يا حبيبة رسول الله والله إن قرابة رسول الله أحب الى أن اصل من قرابتي وإنك لأحب إلى من عائشة ابنتي ، ولوددت يوم مات أبوك أني مت ولا أبقي بعده ، أفتراني أعرفك وأعرف من فضلك وشرفك ، وأمنعك حقك وميراثك من رسول الله إلا أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يقول نحن معاشر الأنبياء لا نورث وما تركناه فهو صدقة فقالت أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أتعرفانه وتعقلانه ؟ قالا نعم ، فقالت نشدتكما الله بالله ألم تسمعا من رسول الله( صلى الله عليه واله وسلم) يقول: رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة من سخطي ، ومن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني ، ومن أرضا فاطمة فقد أرضاني ، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟ قالا : نعم ، سمعنا من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قالت : فاني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطماني ، وما أرضيتماني ولئن لقيت النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لاشكوكما اليه ، قال أبو بكر : عائذاً بالله من سخطه وسخطك يا فاطمة ، ثم انتحب أبو بكر باكياً يكاد نفسه تزهق!! وهي تقول : والله لادعون عليك في كل صلاة أصليها ، ثم خرج باكياً !! فاجتمع اليه الناس ، فقال لهم يبيت كل رجل منكم معانقاً حليلته مسرورا بأهله وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في بيعتكم ، أقيلوني بيعتي. بحار الأنوار ج-28 ص357 ،  الغدير ج-7 ص229 ، فدك في التاريخ للسيد محمد باقر الصدر ص118 ،  الامامة والسياسة ج-1 ص31 ،  بيت الأحزان ص 84  ، الإمام جعفر الصادق (ع) لعبد الحليم الجندي ص33 ، عمر ابن الخطاب لعبد الرحمان احمد البكري 88

1 ـ إن طلب المسامحة يدل على أنهم لم يراعوا مكانتها، ولا قيمتها في المجتمع المسلم حيث إنهم آذوها، وأهانوها إلى درجة احتاجوا معها إلى طلب المسامحة..

2 ـ إن قيمة رسول الله في المجتمع المسلم اعظم من قيمة الزهراء، وقد آذوه إلى حد أنهم قالوا عنه: إنه ليهجر، وقد قذفوا زوجته، ونفروا به ناقته، وعصوا أمره بتجهيز جيش اسامة، وما إلى ذلك..

كما أنهم لم يراعوا حرمته بعد وفاته فاعتدوا على ابنته وهددوها بإحراق بيتها وهي فيه ـ وضربوها، وكسروا ضلعها، واسقطوا جنينها، وأحرقوا بابها، وكشفوا دارها. وندموا على ذلك ندامة ظاهرية، حيث لا ينفع الندم. وقلنا: "ظاهرية" لأنهم لم يصلحوا شيئاً مما أفسدوه، ولا أعادوا الحق الذي اغتصبوه، كما أن الذين جاؤا بعدهم قد هتكوا حرمة الكعبة، ورموها بالعذرة، وبالمنجنيق، وقتلوا الحسين عليه السلام ومن معه، وسبوا عياله.. و و الخ..

نعم، هذه هي قيمة الزهراء في المجتمع المسلم التي اضطرت القوم إلى طلب المسامحة، وذلك ليزيلوا الآثار السلبية لعدوانهم عليها.. وهذه هي قيمة سيد رسل الله وخير خلقه عند هؤلاء القوم..

3 ـ ولماذا لم يقل السيد محمد حسين فضل الله: إن استرضاءها (ع) كان صورياً.. وليس واقعياً.. بدليل أنهم لم يتخذوا أية خطوات عملية لإزالة آثار عدوانهم الآثم عليها.. ولا تراجعوا عن قرارهم بغصب ارض فدك، واغتصاب الخلافة من علي.. وأصروا على عدم معاقبة الجناة الذين قتلوا محسناً..

4 ـ إن تعظيم الزهراء واحترامها لم يمنعهم من اقتراف ما يعترف به السيد محمد حسين فضل الله ـ مثل غصب فدك ـ والتهديد بإحراق بيتها عليها بمن فيه، ولا من هتك حرمة ذلك البيت والدخول إليه عنوة ـ.

5 ـ إن الحب والاحترام لا يمنع حتى الأب من قتل ولده في سبيل الملك، بل يقال: إن بعض النساء في العصر العباسي قد قتلت ولدها من اجل ذلك.. فلا يصلح ما ذكره السيد محمد حسين فضل الله دليلاً على النفي، بل هو لا يصلح حتى مبرراً للتشكيك بما جرى على الزهراء..

إن إصرار الزهراء على أن تدفن ليلاً، ولا يحضر هؤلاء جنازتها، دليل على أن القضية لم تنته في حينها..

وقد صرح البخاري وغيره: أن الزهراء ماتت مهاجرة لأبي بكر.. كما أن خفاء موضع قبرها إلى يومنا هذا يبقى هو الشاهد الحي على أن الزهراء لم ترض عنهما حينما جاءا لاسترضائها..

إذ من غير المعقول.. أن ترضى عنهما، ثم تمنعهما من حضور جنازتها. وتمنعهما حتى من معرفة قبرها خوفاً من أن يتظاهرا بالحزن عليها، حينما يأتيان إلى قبرها، ويظهران التفجع والأسى عليها أمام الناس. فأرادت عليها السلام أن تفوت عليهما حتى فرصة الشائعة بأنها قد رضيت عنهما.. أو حتى أن يتمكنا من إظهار الحزن عليها بعد وفاتها.

2 ـ إن هناك روايات تصرح بأنها لم ترض عنهما حينما جاءا لاسترضائها.. بل قررتهما فأقرا بما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حقها، بأن من آذاها فقد آذاه، ثم أخبرتهما أنها لا ترضى عنهما حتى تلقى أباها رسول الله، فتخبره بأفاعيلهما، ويكون هو الحكم بينها وبينهما.

وقد روي هذا المعنى في كتب الشيعة والسنة على حد سواء فراجع. كتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ج2 ص869 ، جلاء العيون ج1 ص212 و213 ،  البحار ج43 ص197 و203و170 و171 وج28 ص357 وج36 ص308 وج78 ص254 ، علل الشرايع ج1 ص186 و187 و189 ، الإمامة والسياسة ج1 ص14 و15 ، عوالم العلوم ج11 ص411 و445 و498و499 و500 ، كفاية الأثر ص64 و 65 ، البرهان (تفسير) ج3 ص65 ، الشافي ج4 ص213 ، الجامع الصغير للمناوي ج2 ص122 ، الرسائل الاعتقادية ص448 ، مرآة العقول ج5 ص323 و322 ، ضياء العالمين (مخطوط) ج2 ق3 ص85ـ87 ، أهل البيت لتوفيق ابي علم ص168 و169 و174.

وأما رواية بعض محبي أولئك القوم ـ وهو الشعبي ـ: أنها رضيت عنهما، فيكذبها ما رواه البخاري بأنها ماتت وهي مهاجرة لهما.. وكذلك سائر الروايات الأخرى، بالإضافة إلى أنها رواية موقوفة لا مجال للاعتماد على سندها. دلائل النبوة للبيهقي ج7 ص281 ، الرياض النضرة: ج 1 ص 176 ، سير أعلام النبلاء: ج 2 ص 121 ، تاريخ الخميس ج 2، ص 174، عن الوفاء، وعن السماني في الموافقة ، السنن الكبرى: ج 6 ص 301 ، السيرة الحلبية: ج 3 ص 361 ، طبقات ابن سعد: ج 8 ص 27 ، البداية والنهاية: ج 5 ص 289 ، حياة الصحابة: ج 2 ص 473 ، شرح نهج البلاغة للمعتزلي: ج 6 ص 19 و 49 و ج 2 ص 57، فتح الباري: ج 6 ص 139 ، نزهة المجالس: ج 2 ص 183.

3 ـ ان مما لا شك فيه: أنه لم يكن في مصلحة القوم أن يظهر للناس أن السيدة الزهراء عليها السلام كانت غاضبة عليهما، لأن ذلك معناه أن يراهما الناس في جملة من آذى رسول الله (ص) وأغضبه. فكان من الطبيعي أن يسعيا لاسترضائها. ولكنهما لم يقدما أي تنازل، ولم يتراجعا عن أي شيء مما اقترفاه في حقها.

إنها مجرد توبة صورية هي بمثابة السخرية بالطرف الآخر، والاستخفاف بعقله.. وهي ستكون أوجع للقلب، واقبح من ذنب.

فهما لم يرجعا فدكاً، ولا غيرها مما اغتصباه من إرث رسول الله (ص) وغيره، ولم يقرا بجريمتهما النكراء في حق الله والأمة باغتصابهما الخلافة من صاحبها الشرعي.

ولم يظهرا الاستعداد لتقديم من ارتكب جريمة هتك حرمة بيتها، وجريمة ضربها، ومن قتل ولدها محسنا، وأحرق بابها، وكسر ضلعها، للقصاص، أو للاقتصاص منه.. فلم يعاقب أبو بكر قنفذاً، ولا المغيرة، ولا عمر بن الخطاب، ولا غيرهم ممن هتك حرمة بيتها، ولا حاول حتى أن يلومهم، أو يظهر العبوس في وجوههم، بل كان هو الراعي والحامي لهم، والمدافع عنهم، وقد أشار علي عليه السلام إلى أنه كان راضياً بفعلهم أيضاً. فراجع ما رواه المفيد في أماليه حول هذا الموضوع وراجع غير ذلك من مصادر عدّة.

وكذلك لم يظهر من قال لرسول الله (ص): إن النبي ليهجر.. أي ندامة على قوله، فضلاً عن إظهار الاستعداد للتكفير عن هذا القول الشنيع..

بل كان الذين فعلوا ذلك وسواه هم أركان الحكم وأعوانه، وكانت سيوفهم مسلولة على كل من يعترض أو يشكو..

كما أنهم إلى آخر لحظات حياتها لم يسمحوا لها حتى بالبكاء على مصائبها، وما ألم بها بعد وفاة أبيها.

بل إنهم قد كافأوا من أساء إليها، وهي الصديقة الطاهرة المعصومة، بإعفائهم من أي إجراء كانوا يتخذونه تجاه الآخرين، فولوهم الولايات وأعطوهم المناصب، ولم يشاطروا حتى قنفذاً في أمواله التي كدسها في ولاياته لهم. وكان ذلك منهم كما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام مكافأة له على ما صنعه بسيدة نساء العالمين.

بل إنني أكاد اجزم أن لو حاولت الزهراء استعادة ما اغتصبوه منها، فإنهم سوف يضربونها من جديد، ربما اشد من ضربهم السابق لها، فقد أصبحوا يشعرون بالهيمنة والسيطرة وبالقوة. هذا إن لم نقل: إنهم سوف يصدرون عليها حكمهم بالقتل بصورة علنية وظاهرة.

4 ـ إن استرضاء الزهراء على النحو الذي أسلفناه، ثم رضاها ـ لو أنها رضيت ـ سوف يفهمه الناس على أن المسألة قد كانت مسألة حنق شخصي، دون أن يكون للزهراء أي حق فيما كانت تدعيه.. بل كان الحق كله لهما، وهي الظالمة والمعتدية، والطالبة لما ليس لها حق فيه.

ويصبح ضربها من قبلهم مجرد تسرّع هي التي استدرجتهم إليه، وحملتهم عليه، حيث فرضت عليهم أجواء ظالمة، دفعتهم لبذل المحاولة لحفظ الحق.. ولربما يكون تسرّع الزهراء، وإثارتها لهم في كلماتها، أو بغير ذلك هو الذي أثار حفيظتهم، وأخرجهم عن خط التوازن والاعتدال.

إذن.. فما على الزهراء إلا أن تسمح وتسامح، وذلك هو ما تفرضه تعاليم الدين، وتقتضيه القيم الأخلاقية والإنسانية في حالات كهذه، بل إن طلبهما المسامحة لم يكن لأجل ذنب اقترفاه، بل كان كرم أخلاق منهما، وتواضعاً وأريحية..

وبذلك تكون عليها السلام قد أعطت صك الشرعية للعدوان، ولاغتصاب الحق، والاستئثار بإرث الرسول، وتكون هي وعلي (عليهما السلام) مصدر الخطأ، والتقصير، والعدوان.. نعم.. إن ذلك قد يكون هو أو بعض ما كانا يرميان إليه من محاولتهما استرضاءها عليها السلام.

ولكن إصرارها على عدم قبولهما، ورفضها حضورهما جنازتها، وعدم تعريفهما حتى بموقع قبرها. قد أحبط خطتهما هذه. وأفهمت كل أحد، إلى يوم القيامة: أن القضية لم تكن شخصية، وإنما هي قضية الإسلام كله.. ولا تملك هي أي حق في التفريط في هذه القضية، ولذلك فانها قد قامت بواجبها في هذا المجال، على أفضل وجه، وأتمه وأكمله..

وبعدما تقدم يبقى السؤال ، يا ترى لم يطلع على الأحاديث المتواترة؟  ومن أين أتى لنا بالحديث المزعوم ان الزهراء روحي لها الفدى انها جلست معهم وتحدثت معهم بشكل طبيعي ؟ ومن المستفيد  من كل ذلك ؟ خصوصا أنه يتهم المراجع العظام أنهم يعملون لصالح المخابرات بمجرد أنه ردوا على شبهاته المفضوحة ، وهل يريد تبرئة ابو بكر وعمر، أم ماذا أسالة كثيرة بحاجة الى أجوبة ؟؟؟

العودة