![]() |
الفصل السادس
الامامة يعتقد المسلمون اجمع - سنة وشيعة-بوجوب الامامة, الا ان اخواننا السنة يقولون بوجوبها بالاجماع والانتخاب, والشيعة يقولون بانها حق الهي وليس للبشر حق التعيين والاختيار والامام , وانما ينص عليه من قبل الله سبحانه وتعالى. ويترتب على هذا القول الذي يراه الشيعة ان الامامة اصل من اصول الدين, لايكتفى بالاعتقاد بها الا من طريق العقل ودليل العقل, وان الادلة النقلية الدالة عليه انما هي تأييد و تأكيد لدليل العقل. واما التقليد فيها للاباء والاجداد والعلماء - مهما كانت مرتبتهم ومنزلتهم- فانه لايكفي في براءة الذمة , فلا يصح ان يقول المرء ابي قال ان الامامة واجبة, او يقول ورثنا هذا الاعتقاد عن آبائنا او عن غيرهم من المعلمين والعلماء. وغدا يوم القيامة يسأل المرء عن هذا الاصل كما يسأل عن بقية اصول الدين الاخرى, لان وجوب الاعتقاد بالامامة كوجوب الاعتقاد بتلك الاصول ومن منطلق واحد. فوجوب الامامة بشكل عام اصل يجب اقامة الدليل العقلي عليه . واما الادلة النقلية -من الايات والسنة الشريفة- , فهي مؤكدة لدليل العقل كما ذكرنا, نعم لما كان الشيعة يعتقدون بان الامامة انما هي بالنص من الله على لسان رسوله او على لسان الامام المنصوب بالنص, تكون تلك الادلة النقلية دالة على ثبوت هذا النص الالهي في حق الامام وتعيينه, وتكون دالة ايضا على عدد الائمة الذين استخلفهم النبي (ص) وعلى مايشترط في الامام . فالادلة النقلية تتكفل تعيين الامام وعدد الائمة وصفاتهم, وهذه النقاط هي ما سنعرضه فيما يأتي الادلة على وجوب الامامة بالنص القران ينص على ان الامامة حق الهي مما يدل على الامامة حق الهي, وانه ليس للبشر حق اختيار الامام او انتخابه او الاجماع عليه , هو الايات الكريمة. فمن ذلك قوله تعالى ( واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين) وقوله تعالى( وقال لهم نبيهم ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا انى يكون له الملك علينا ونحن احق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم) وقوله تعالى ( قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي امري* واحلل عقدة من لساني* يفقهوا قولي* واجعل لي وزيرا من اهلي* هارون اخي) فان هذه الايات الكريمة نص على ان الامامة حق الهي, وان الله سبحانه هو الذي يختار ويجعل ويصطفي الامام بعد النبي. الامامة استمرار للنبوة عقلا وتكميل للغرض. لما كان الغرض من بعث الانبياء عليهم السلام هو تكميل العقول وتزكية النفوس بالعلم والمعرفة والاعمال الخيرة الصالحة,كما قال الله تعالى ( هو الذي بعث في الاميين رسولا منهم يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) كان لابد من تكميل ذلك الغرض بعد وفاة النبي (ص) لان الناقص لايكون مكملا لغيره , وفاقد الشيء لايعطيه , ولايعرف الكامل والعارف والقادر الا الله سبحانه. الامامة لطف الهي ايضا ومن هنا نقول ان الامامة لطف الهي , بمعنى انه يجب على الله تعالى - من باب اللطف - ان يجعل للناس اماما يعلمهم الاحكام ويرشدهم الى مافيه الخير والصلاح ومافيه سعادتهم وراحتهم , لقصورهم الذاتي عن معرفة مايصلحهم ويسعدهم في دنياهم واخرتهم. وقد تقدم منا معنى الوجوب على الله , وانه ليس هناك من يوجب على الله شيئا , ولكن الكمال المطلق والغنى المطلق والعدل الالهي المطلق يقتضي بان ينصب الله للناس الامام الكامل العارف القادر على ادارة شؤون الناس. وجوب النظر لمعرفة الامام وقد سبق منا ايضا القول بلزوم النظر والمعرفة للانسان والتعرف على مايتعلق بأمور دينه وعقيدته, لتكون لديه الحجة الواضحة على ذلك بين يدي الله سبحانه. ونضيف هنا ان مايلزم النظر فيه ومعرفته , هو امر الامام بعد النبي , لان الامامة استمرار للنبوة كما عرفت. صحة الاستدلال على الامامة بأدلة النبوة يتضح مما سبق ان مايذكر دليلا على وجوب النبوة يكون دليلا على الامامة ايضا. فان حاجة البشر الى الدين والى تكليفهم بما يقودهم الى صلاحهم وخيرهم وانتظام امورهم وشؤونهم, وما يكمل نفوسهم ويقودهم الى العدل والهدى, هي حاجة ضرورية لهم, وبما ان البشر قاصرون عن معرفة كل ذلك كان لابد لهم من نبي يعرفهم ذلك, وكان لابد لهم بعد النبي من امام ووصي له يفوم بنفس الدور , تكون له القدرة- مع الكمال- على امداد الناس بما يحتاجون اليه في صلاحهم وانتظام امورهم , لتكون الحجة البالغة لله تعالى على عباده في كل شيء. فضرورة وجود الامام بعد النبي وحاجتهم اليه لاتقل عن ضرورة وجود النبي وحاجتهم اليه. الروايات تؤكد حاجة الناس للامام يقول الامام الباقر عليه السلام ( ان الحجة لاتقوم لله عزوجل على خلقه الا بامام حي يعرفونه)( بحار الانوار المجلسي 23/47 باب الاضطرار الى الحجة ح 47) وسئل عليه السلام ايضا عن علة احتياج الناس الى النبي والامام , فقال عليه السلام ( لبقاء العالم على صلاحه, وذلك ان الله عزوجل يرفع العذاب عن اهل الارض اذا كان فيها نبي او امام ) ( المصدر السابق نفس الجزء والباب ص19 ح14 ) وقال عليه السلام ( بني الاسلام على خمس , على الصلاة, والزكاة , والصوم, والحج, والولاية, ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية) ( المصدر السابق 65/ 329 باب دعائم الاسلام والايمان ح 1 وبمضمونه ح 8- 21- 22 وغيرها كثير) وفي حديث للامام الرضا عليه السلام في علل جعل اولي الامر( ومنها انه لو لم يجعل لهم اماما قيما امينا حافظا مستودعا, لدرست الملة, وذهب الدين, وغيرت السنة والاحكام , ولزاد فيه المبتدعون, ونقص فيه الملحدون, وشبهوا ذلك على المسلمين, لانا قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين , مع اختلافهم واختلاف اهوائهم وتشتت انحائهم, فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول , فسدوا على نحو مابينا, وغيرت الشرائع والسنن والاحكام والايمان ) ( المصدر السابق 23/ 32 ح 52) وورد عن النبي (ص) قوله ( من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية) ( وهو حديث متواتر روته العامة والخاصة , راجع بحار الانوار المجلسي ج 23/ 76 باب من مات ولم يعرف امام زمانه , المصنف ابن ابي شيبة الكوفي 8/ 598 ح 42 , مسند ابي يعلى الموصلي 13/ 366, كنز العمال المتقي الهندي 1/208 وغيرها كثير) وعن ابي جعفر الباقر عليه السلام ( ان من دان الله بعبادة يجهد فيها نفسه بلا امام عادل من الله , فان سعيه غير مقبول , وهو ضال متحير ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها فتاهت ... الحديث) ( بحار الانوار المجلسي 23/ 86 حديث 29) ولذلك لابد من الامامة للناس في كل عصر وزمان, ولايمكن ان يخلو منها زمان ابدا , سواء شاء البشر ام ابوا , وسواء ناصروه ام لم ينصروه, اطاعوه ام لم يطيعوه, ولافرق بين ان يكون حاضرا او غائبا عن اعين الناس , قال تعالى( وان من امة الا خلا فيها نذير ) وقال تعالى ( انما انت منذر ولكل قوم هاد ) خاتمية نبوة محمد (ص) تستدعي وجود خليفة قال تعالى ( ماكان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) دلت الاية الكريمة على خاتمية الاسلام للرسالات السماوية, وعلى خاتمية نبوة محمد (ص) للنبوات , فلا نبي بعد محمد (ص) ابدا, ولا دين غير الاسلام ابدا, ( ان الدين عند الله الاسلام) ( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) وكون الاسلام هو الدين الخاتم للاديان السماوية , وكون محمد (ص) هو النبي الخاتم للنبوة, انما يتم ويتوافق مع الحكمة الالهية في اهداف النبوة وغاياتها السامية وعطاءاتها الفاضلة اذا كانت عوامل البقاء والاستمرار للدين الخاتم وللشريعة الخاتمة واستمرار الهداية الالهية متوفرة ومضمونة. ومن اهم عوامل هذا البقاء والاستمرار واهم ضمانة لذلك هو وجود الامام والخليفة من بعده , والذي يلزم ان يكون كالنبي (ص) في جميع الخصائص والجهات والاعتبارات, ماعدا النبوة والرسالة. بالامام يرتفع الخلاف بين المسلمين لقد ضمن الله سبحانه وتكفل بحفظ الدين والقران بقوله تعالى( انا نحن نزلنا الذكر واما له لحافظون) وبما ان القران وارد لبيان الاحكام العامة وليس في مقام بيان كل التفاصيل والدقائق, بل قد اوكل امر التفاصيل الى النبي (ص). الا انه ومع ذلك وقع الاختلاف والخلاف في فهم هذه التفاصيل كما هو واضح وجلي , لذلك كان لابد للتأكيد على دور الاسلام واهميته كدين خالد باق يتكفل بجميع احتياجات البشر , من خلال وجود خليفة للنبي (ص) وامام يكون وجوده امتدادا للنبوة. الخلاصة من جميع ماسبق في تفسير الايات الكريمة التي تؤكد وتؤيد ضرورة وجود الامام وان تعيينه حق الهي, يظهر اهمية وضرورة وجود الامام بعد النبي عقلاو وبذلك نكون قد اقمنا الدليل العقلي على وجود الامام . ويترتب على ضرورة وجود الامام بعد النبي , لكونه استمرارا للنبوة وكملا للغرض , امور احدهما انه يعتبر في الامام من الشروط مايعتبر في النبي , ماعدا النبوة والرسالة والوحي , اذ لايوحى اليه. الثاني انه يعتبر الامام مصدرا تشريعيا , لان علمه من رسول الله (ص) ومن القران , بل علم القران عنده , ولذلك يكون قوله قول رسول الله (ص) , وقول رسول الله (ص) قول الله سبحانه , ولذلك كان قوله وفعله وتقريره سنة , كما هو الحال بالنسبة لرسول الله (ص) فهو لايتوقف في قول ولا في راي ولا في شيء , ولايقول في شيء ( لا اعلم ) ابدا. الثالث ان الائمة الذين نصبوا خلفاء لرسول الله (ص) واوصياء من بعده, عددهم محدود , حيث وردت نصوص خاصة بأسمائهم وعددهم, وان النبي (ص) قام بتعيينهم بأمر من الله سبحانه, وسماهم بأسمائهم واحدا بعد واحد , بأمر من الله سبحانه وتعالى الادلة على تعيين الامام من قبل الله سبحانه |
الادلة على تعيين الامام من قبل الله سبحانه
النصوص التي وردت في تعيين الامام واكدت الحق الالهي للوصي والخليفة الذي ياتي بعد وفاة النبي (ص) عديدة وكثيرة, منها ماورد في القران الكريم و ومنها ماورد في السنة الشريفة. فمن الايات التي وردت في تعيين الامام اية الولاية قوله تعالى( انما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) فقد دلت الاية على حصر الولاية في الله تعالى ورسوله والمؤمنين المتصفين بصفة التصدق وهم راكعون , ولم يكن سوى علي عليه السلام الذي تصدق بخاتمه وهو راكع كما هو ثابت باتفاق السنة والشيعة. وبما ان هذه الولاية الثابتة لله ولرسوله ولعلي من سنخ واحد - كما جعلها الله- وهي ولاية الامر بمقتضى الحصر والعطف, فقد ثبت لامير المؤمنين علي عليه السلام انه ولي الامر, وانه الامام بعد رسول الله (ص) بالنص. فان الثابت ان الله سبحانه له الولاية التكوينية والتشريعية بكل جهاتها, والمناسب للرسول (ص) هو الولاية التشريعية التي تشمل ولاية التصرف وغيرها, كما قال الله تعالى ( النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم) وبمقتضى العطف تثبت هذه الولاية لعلي عليه السلام ايضا. ومنها اية ( اني جاعلك للناس اماما) قوله تعالى ( واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فاتمهن , قال اني جاعلك للناس اماما , قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين) ودلالة الاية واضحة, فقد اعطى الله سبحانه لابراهيم عليه السلام الامامة وجعلها له , فكانت النبوة له والخلة -اي انه خليل الله - والامامة. ولما راى عليه السلام عظم هذا المنصب - اي الامامة- طلبها لذريته من بعده, فأشار المولى عزوجل بأن هذا المنصب لايناله الظالم( لاينال عهدي الظالمين) فمن ظلم نفسه ولو لحظة من الزمن بحيث يطلق عليه انه ظالم لايمكن ان ينال الامامة التي هي عهد الله, فمن عبد غير الله ولو لحظة من الزمن كان ظالما لنفسه , حتى لو اسلم بعد ذلك. فالامامة عهد الله , لايناله الظالم, ولاتكون له حتى لو ادعاها لنفسه وشايعه وبايعه عليها الناس , فهي غير ممضاة ولا نافذة عند الله تعالى. والذين لم يظلموا انفسهم في كل ادوار حياتهم, هم الانبياء والاوصياء والائمة عليهم السلام , فان هؤلاء لم يعرف عنهم ذنب ولا معصية , ولاتصرفوا تصرفا خلاف المروءة والمعروف ابدا, فهم احق بالامامة والخلافة. فالاية واضحة الدلالة على التعيين من قبل الله تعالى. الروايات الدالة على تعيين علي عليه السلام واما ماورد من الادلة من السنة على التعيين في خصوص علي عليه السلام, فأحاديث كثيرة, كحديث الغدير , وحديث المنزلة, وحديث الثقلين , وغيرها. حديث الغدير وهو حديث مشهور معروف متواتر ( عند الفريقين)لاينكره السنة ولا الشيعة , وكانت بيعة الغدير بعد حجة الوداع وفي طريق عودة الحجيج الى المدينة, هناك امر الله نبيه (ص) ان يبلغ الناس بما فيه تمام الدين, فقال تعالى( ياايها الرسول بلغ ماانزل اليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) وبلغ النبي (ص) ماامره الله به , فحين وصل الى موضع يقال له (( غدير خم )) , نادى مناديه الصلاة جامعة, ثم امر بنصب منبر له من احداج الابل , وصعد (ص) على المنبر وعلي عليه السلام معه, فقال (ص) مخاطبا المسلمين ألست اولى بالمؤمنين من انفسهم ؟ قالوا اللهم بلى. قال (ص) من كنت مولاه , فهذا علي مولاه , اللهم وال من والاه , وعاد من عاداه, وانصر من نصره, واخذل من خذله , وادر الحق معه كيفما دار ( راجع انساب الاشراف البلاذري ص108 , الدر المنثور جلال الدين السيوطي في تفسير سورة المائدة ج3 ص259 , تفسير القرطبي 1/266 وج18 ص278 في تفسير قوله تعالى ( سأل سائل بعذاب واقع) المعارج , ورواة هذا الحديث كثيرون , راجع اسماءهم في كتاب الغدير 1/6 ) وهذا صريح في الدلالة على خلافة علي عليه السلام بعد النبي (ص) فانه (ص) افتتح كلامه بأخذ اقرارهم وشهادتهم على انفسهم بانه (ص) اولى بهم من انفسهم في كافة الامور والشؤون , وبعبارة اخرى ليس لهم مع النبي (ص) أمر ولا شأن ابدا ان اراد ذلك, كما قال تعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ). وبعد ان اقروا بذلك على انفسهم جعل (ص) هذه الولاية وهذه السلطة وهذه السلطنة المطلقة لعلي عليه السلام من بعده , على النحو الذي له (ص) لاي شيء استوقفهم في ظهيرة يوم شديد الحر؟ ليس من المعقول ان يقف النبي (ص) مثل هذا الموقف في حر الظهيرة وفي تلك الصحراء المحرقة التي تلتهب رمالها نارا وتتأجج لهيبا, ويوقف تلك الجموع الغفيرة من المسلمين لامر عادي وشأن متعارف , كأن يريد مثلا ان عليا وليه ووصيه على قضاء ديونه وانجاز عدته ووصيته الخاصة. ألم يكن لديه متسع من الوقت لان يصرح بذلك في المدينة ويكفي المسلمين متاعب هذا الموقف ومزعجاته؟ فمن كان ليشكك في كونه وصيا على قضاء ديونه فيما لو صرح النبي (ص) بذلك في المدينة امام المسلمين , بل من كان لينازع عليا ذلك حتى لو ادعى ذلك بعد وفاة الرسول (ص) ؟ ولكن الامر كان اهم من هذا كله , واخطر من ان يتهاون به, خصوصا وانه امر يخص و يهم جميع المسلمين, ويتعلق بهم وبالوجود الاسلامي, وبالدين الاسلامي, كما تؤيده الاية الكريمة( وان لم تفعل فما بلغت رسالته) بمعنى ان تمام الرسالة وكمالها في كل شؤونها ومضامينها يكون بهذا التبليغ ولم يتم امر الرسالة ابدا. والمسلمون بما انهم مجتمعون في غدير خم من كل حدب وصوب, وبما ان النبي (ص) في مقام اكمال الدين واتمامه- وحجة الوداع مؤشر لذلك- فالموقف يتطلب من النبي (ص) ان يضع المسلمين في اطار هذه المرحلة , ويبلغهم مابه تمام دينهم حيث امر بذلك, وهو تنصيب الخليفة من بعده على مسمع ومرأى من كل المسلمين , حتى لايشك في ذلك احد , وحتى لايقع في الشبهة احد , وحتى لايتصرف احد على هواه وعلى خلاف مايريده الله سبحانه. وهكذا نصب النبي (ص) عليا عليه السلام خليفة من بعده , صراحة, وباقرار المسلمين, حيث بايعوه باجمعهم على ذلك , وبحيث لم يتخلف عن ذلك احد . ولكن اين حديث الغدير ؟ وما كان اثره؟ لقد نسي حديث الغدير , وكأنه لم يكن , وكأن واقعة الغدير كانت خيالا في خيال ؟... حديث المنزلة ومن الادلة من السنة على تعيين علي عليه السلام حديث المنزلة قال النبي (ص) لعلي عليه السلام ( انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لانبي بعدي) ( وهو مروي في الكثير من كتب الفريقين راجع مثلا بحار الانوار ج8 ص1 وصحيح البخاري باب غزوة تبوك 5/129 وصحيح مسلم 7/120 ومسند احمد بن حنبل 3/32 وغيرها كثير) وهذا الحديث معتبر , بل من اصح الاحاديث سندا, كما اعترف بذلك اكابر علماء المسلمين وثقات الرواة من السنة والشيعة. وقد صدر الحديث منه (ص) في غزوة تبوك لما استخلف النبي (ص) عليا عليه السلام على المدينة , وكذلك صرح به في غير موطن.( قالها يوم نزل قوله تعالى( وانذر عشيرتك الاقربين) بحار الانوار 18/163 وقالها ايضا لام سلمة المعجم الكبير الطبراني 12/15 ولصخر بن حرب وغيرها من المواطن) ودلالة الحديث واضحة جدا عندما نعرف منزلة هارون من موسى عليهما السلام , لقد كان هارون اخا لموسى من امه وابيه , وشريكه في النبوة ووزيره على نبوته وتبليغ رسالته, وان الله شد به ازره وكان خليفته على قومه , قال تعالى ( وقال موسى لاخيه هارون اخلفني في قومي واصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ) وجعلت طاعته مفروضة كما هي طاعة موسى مفروضة. هذا مايستفاد من القران الكريم في شأن هارون والنبي محمد (ص) قد جعل جميع المنازل التي هي لهارون من موسى, جعلها لعلي عليه السلام , ولم يستثن الا النبوة , واستثناؤه النبوة قبل الموت , ناظر الى جعله خليفة واماما بعد مماته, كما استخلفه في حياته. فالحديث دليل واضح وقطعي على جعل علي عليه السلام اماما للناس من بعد النبي (ص). الروايات الدالة على تعيين الائمة عليهم السلام |
الروايات الدالة على تعيين الائمة عليهم السلام
هناك احاديث كثيرة وردت في شأن امامتهم عليهم السلام , وعددهم, وذكر اسمائهم و وهي كثيرة جدا ومتواترة , نقتصر على بعضها حديث الثقلين فمن الادلة على التعيين للامام حديث الثقلين , وهو حديث معتبر سندا ودلالة, بل هو متواتر بلحاظ رواته من الطرفين - السنة والشيعة- ومن مختلف طبقات الرواة. والحديث برواية زيد بن ارقم , قال ( قال رسول الله (ص) اني مخلف فيكم الثقلين , كتاب الله وعترتي اهل بيتي , ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا, وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) ( بحار الانوار المجلسي 2/226 ورواه اخرون باختلاف في لفظه السنن الكبرى النسائي 5/45 كنز العمال 1/172 وغيرهما ) شرح الفاظ الحديث وبيان معناه والحديث واضح الدلالة على التعيين , فان قوله (ص) ( تارك فيكم ) او ( مخلف فيكم ) يعني انه (ص) استخلف هذين الشيئين العظيمين في امرهما وشأنهما في هذه الامة, فالقران خليفة على هذه الامة يلزم اتباعه , والعترة خليفة على هذه الامة يلزم اتباعها , فهو (ص) قد عين للامة الطريق الذي يحفظها في وجودها وفي ايمانها وفي احكامها وفي مختلف شؤونها. ( القران) هو الكتاب المنزل على نبيه محمد (ص) , والذي هو المعجزة والدستور والهادي للامة في كل شؤونها. ( والعترة) هم اهل البيت عليهم السلام الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا, وهم علي وفاطمة وابناؤهما عليهم السلام , وهو امر معروف لدى المسلمين اجمع من حين ورود النص الى زماننا هذا . وقوله (ص) ( ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا) فان (ان) تأكيد على التعيين , لان الدعوة الى التمسك بهما تأكيد على ان تركهما والذهاب الى غيرهما واتباعه فيه الضلال وفيه الخروج عن الدين الصحيح . وقوله (ص) (بهما) يؤكد على ان التمسك باحدهما دون الاخر غير منج من الهلاك والضلال , وغير كاف في براءة الذمة مما كلف الله به العباد. وقوله (ص) ( لن يفترقا) تأكيد ايضا على التعيين, فان عدم افتراقهما عن بعضهما وتلازمهما معناه انهما مستمران في الوجود بما هما القران والعترة, حيث جعلهما سببا للحق والخير ولتحقيق اهداف الدين وغاياته. ومن جهة اخرى دل الحديث على اقتران العترة بالكتاب الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفهو وبهذا تثبت لهم منزلته , فكما ان الكتاب فيه الهداية والنور, فهم فيهم الهداية والنور, وكما ان الكتاب لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, كذلك هم معصومون من كل سوء وباطل ومعصيةز وامر بالتمسك بهما للتأكيد على عدم الضلال بذلك , وانه لانجاة من الغي والضلال الا بهما معا مجتمعين. وقوله (ص) ( لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) دلالة وتأكيد على ان الكتاب والعترة متلازمان لايفترقان ابدا في جميع هذه الامور , لا في اقوالهم ولا في افعالهم ولا في وجودهم. (1) اما في اقوالهم فلأنها موافقة للكتاب في كل شيء فيه, وذلك لعلمهم بما في القران , حيث اودعت علوم القران وخصائصه عندهم, ولولا هذا العلم لحدثت المخالفة بينهما , فيحدث الافتراق الذي نفاه النبي (ص) بشكل قاطع. (2) واما في افعالهم فلأنها موافقة للكتاب تماما , وذلك لانهم عملوا به بعد علمهم بما فيه وفهمهم لمقاصده , ولذلك طبقوا مافيه في جميع احوالهم وشؤونهم , ولم يخالفوه لافي الصغير ولا في الكبير , ولا عن عمد ولا عن سهو , ولا عن خطأ ولا عن غفلة. (3) واما في وجودهم فلأنه لايمكن ان يفارقوا الكتاب في الوجود, اذ لايخلو زمان من اهل البيت علبهم السلام , ففي اي زمان وجد القران لابد ان يكون معه واحد من عترة اهل البيت عليهم السلام الى قيام الساعة , والا لانتقص وانتفى الاستخلاف الثابت بقوله (ص) ( اني مخلف فيكم الثقلين) النص على الائمة واحدا بعد واحد بأسمائهم |
النص على الائمة واحدا بعد واحد باسمائهم
فالذي يراه ويعتمده الشيعة ويعتقدونه , هو ان الامام معين من قبل الله تعالى, عقلا ونصا , وان النبي (ص) قد نص على علي عليه السلام بالخلافة, ونص علي عليه السلام على الحسن بالخلافة, ونص الحسن على الحسين عليه السلام , ونص الحسين على ولده علي بن الحسين عليه السلام , وهذا نص على ولده الباقر عليه السلام, وهذا نص على ولده جعفر الصادق عليه السلام , وهذا نص على ولده موسى الكاظم عليه السلام, وهذا نص على ولده علي الرضا عليه السلام , وهذا نص على ولده محمد الجواد عليه السلام , وهذا نص على ولده علي الهادي عليه السلام , وهذا نص على ولده الحسن العسكري , وهذا نص على ولده الامام الحجة المهدي عليه السلام . ومما يؤكد التعيين ويثبته, الايات والروايات الكثيرة التي وردت في الدلالة على امامة علي عليه السلام وعلى فضله ومكانته, التي استعرضنا في بداية الكتاب قسما منها , فان مايربو على مائة اية وردت في فضائلته ومكانته, ويستفاد منها العصمة ايضا , واحاديث كثيرة كلها تأييد وتأكيد على ان لعلي عليه السلام ميزة خاصة, وان لابنائه الغر الميامين ايضا ميزة ليست لاحد من البشر, حيث فضلهم الله تعالى على غيرهم واكرمهم على من سواهم من الناس, وما ذلك الا لانهم اصفياء الله وخلفاؤه , واوصياء رسول الله (ص) , وان طاعتهم مفروضة, وولايتهم واجبة ولازمة, والا فما معنى هذا التأكيد الواسع الشامل وبهذا النحو الذي فيه اثبات الجهات الكمالية المتعددة, مما يسترعي الانتباه والتساؤل عن ذلك. وهل من المعقول ان المولى الحكيم يقصد من هذا التأكيد في كتابه المجيد مجرد اظهار فضليتهم ولزوم محبتهم واكرامهم واحترامهم ؟ من المستبعد ذلك , لان هذا المعنى لايتلائم ابدا مع حجم ماورد من الايات والروايات في حقهم وفضلهم, فلو لم يرد المولى اثبات انهم الخلفاء والاوصياء, ويحث على طاعتهم ولزوم اتباعهم وملازمة منهجهم وطريقتهم التي هي نهج الله وطريقه, لما اكد وبهذا النحو , فانه لامعنى لكونهخليفة ووصيا اذا لم تكن متوفرة فيه هذه الفضائل والمزايا, فان من القبح عقلا ان يتقدم المفضول على الفاضل , والجاهل على العالم. فالخليفة هو الطاهر من الدنس والرجس , والخليفة هو الذي يكون نفس الرسول (ص) وهو الذي يكون اعلم الناس , وعلمه من رسول الله (ص) وهو الذي يدورمع الحق ويدور الحق معه كيفما دار ( وهو قول رسول الله (ص) ( علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار) ( راجع بحار الانوار 10/432 وبمضمونه تاريخ مدينة دمشق 42/449 والامامة والسياسة ابن قتيبة 1/98 وغيرها) ) وهو الذي يكون عدل القران, ويكون وجوده امانا ونجاة لهم. هذا هو الخليفة الحق فالذي نستفيده من هذه التاكيدات انها دلالة على الخلافة والامامة لهؤلاء النفر من اهل بيت النبوة, والبرهان على ذلك , لان الامامة سنة الهية تكوينية, ليس للبشر دخل فيها , وانما امرها لله وحده . عدد الائمة من هذا العرض الذي ذكرناه, وان كل امام نص على من يليه, تأكد لدينا ان عدد الائمة الذين استخلفهم النبي (ص) واوصى ان يكونوا اوصياء من بعده , يستوعبهم الزمان باجمعهم الى ان تقوم الساعة , هم اثنا عشر اماما, وقد عرفت اسمائهم عليهم السلام , ونستعرض الان الادلة والروايات التي ذكرت عددهم واسمائهم للتاكيد على هذا الواقع الايماني. منها ماذكر ان النبي (ص) قال للحسين عليه السلام ( ابني هذا الحسين , امام ابن امام , اخو امام , ابو ائمة تسعة, تاسعهم قائمهم يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا)( النكت الاعتقادية الشيخ المفيد ص43 , الرسائل العشرة الشيخ الطوسي ص98, وروي باختلاف في لفظه في العدد القوية علي بن يوسف الحلي ص 84-85 ح146 , الخصال الشيخ الصدوق ص 475 وغيرها) ومنه ماورد عن رسول الله (ص) ( يكون بعدي اثنا عشر خليفة , كلهم من قريش) ( بحار الانوار المجلسي 36/ 238 باب نصوص الرسول عليهم ح 34 , وروي بمضمونه في الباب السابق من البحار احاديث كثيرة, وفي الخصال الشيخ الصدوق ص 472 باب الاثنى عشر ج26, ومسند احمد 5/89 , صحيح مسلم 12/201 , عون المعبود 11/245, مسند ابي يعلى 13/457 وغيرها من المصادر) وقال (ص) ( ياابن مسعود , ان علي بن ابي طالب امامكم بعدي , وخليفتي عليكم, فاذا مضى فالحسن, ثم الحسين , ابناي اماماكم بعدي , وخليفتي عليكم, ثم تسعة من ولد الحسين, واحدا بعد واحد , ائمتكم وخلفائي عليكم, تاسعهم قائمهم , قائم امتي (ائمتي) يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا) ( بحار الانوار المجلسي 36/246 ح 59 , الاحتجاج 1/88) وفي حديث قال رسول الله (ص) ( ياعلي , الائمة الراشدون المهتدون المعصومون , من ولدك احد عشر اماما, وانت اولهم , واخرهم اسمه على اسمي, يخرج فيملأ الارض عدلا كما ملئت جورا وظلما ) ( بحار الانوار المجلسي 36/281 حديث 101 ) وفي حديث عن ابن عباس قال ( قلت يارسول الله , فكم الائمة من بعدك؟ قال بعدد حواري عيسى واسباط موسى , ونقباء بني اسرائيل , قلت يارسول الله , فكم كانوا؟ قال كانوا اثني عشر , والائمة بعدي اثنا عشر , اولهم علي بن ابي طالب عليه السلام , وبعده سبطاي الحسن والحسين, فاذا انقضى الحسين فابنه علي فاذا علي فابنه محمد , فاذا انقضى محمد فابنه جعفر, فاذا انقضى جعفر فابنه موسى, فاذا انقضى موسى فابنه علي , فاذا انقضى علي فابنه محمد , فاذا انقضى محمد فابنه علي , فاذا انقضى علي فابنه الحسن , فاذا انقضى الحسن فابنه الحجة.( بحار الانوار 36/286 حديث 107) وفي حديث اخر عن سلمان قال ( خطبنا رسول الله (ص) فقال معاشر الناس , اني راحل عنكم عن قريب , ومنطلق الى المغيب , اوصيكم في عترتي خيرا, واياكم والبدع , فان كل بدعة ضلالة , وان كل ضلالة واهلها في النار , معاشر الناس من افتقد الشمس فليتمسك بالقمر , ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين , ومن افتقد الفرقدين فليتمسك بالنجوم الزاهرة بعدي...) الى ان قال ( أما الشمس فأنا واما القمر فعلي , فاذا افتقدموني فتمسكوا به بعدي , واما الفرقدان فالحسن والحسين , فاذا افتقدتم القمر فتمسكوا بهما , واما النجوم الزاهرةفالائمة التسعة من صلب الحسين عليهم السلام , والتاسع مهديهم...) ثم قال (ص) ( انهم هم الاوصياء والخلفاء بعدي , ائمة ابرار , قلت فسمهم لي يارسول الله ؟ قال اولهم وسيدهم علي بن ابي طالب , وسبطاي, وبعدهما زين العابدين علي بن الحسين, وبعده محمد بن علي باقر علم النبيين, وجعفر بن محمد , وابنه الكاظم سمي موسى بن عمران , والذي يقتل بارض الغربة علي ابنه , ثم ابنه محمد , والصادقان علي والحسن , والحجة القائم المنتظرفي غيبته) ( بحار الانوار المجلسي 36 /289 حديث 111) وغير هذه الاخبار كثير من الاحاديث المتواترة , ومن اراد الاطلاع يجد الكثير منها , بحيث لايبقى له ادنى شك في عدد الائمة واسمائهم. وهذا مايعتقده الشيعة في عدد الائمة في جميع الادوار , ومن اللحظات الاولى, والى ان تقوم الساعة , ولذلك لم يكن احد من الشيعة ينكر واحدا من الائمة عليهم السلام , بل كانوا يرون ان الاعتقاد والايمان بهم قبل وجودهم جزء من الايمان , وكانوا يموتون على الاعتقاد بهم عليهم السلام واحدا بعد واحد . صفات الامام |
صفات الامام
العصمة يعتقد الشيعة بان الامام المنصب من قبل الله خليفة للنبي (ص) ووصيا له , يجب ان يكون معصوما من الذنوب بجميع انواعها, بل عن كل ما ينافي مقام الامامة, بل ما ينافي المروءة, عمدا وخطأ في الصغير والكبير , وان يكون معصوما عن الخطأ والنسيان والسهو في كل الامور الشرعية وغيرها من الامور العادية, من اول حياته حتى اخرها , فهو في العصمة كالنبي (ص). الدليل على وجوب عصمته والدليل على وجوب عصمته هو نفس الدليل على عصمة النبي (ص) فان الامامة امتداد للنبوة, والامام رئيس للمسلمين بعد النبي (ص) , وهو القائم بكل الشؤون التي فيها خيرهم وصلاحهم وانتظام امرهم في الدنيا والاخرة , فاذا لم يكن مثل النبي (ص) في جميع الامور - عدا النبوة والوحي - فلا ميزة له على غيره من الناس ولا فضل له على غيره . مناقشة القول بعدم لزوم العصمة وما قيل بانه لاتلزم العصمة للامام لان الامة في حال اجتماعها تكون معصومة , لاستحالة اجتماع الامة على الخطأ, لما ورد في الحديث ( لاتجتمع امتي على ضلالة ) ( بحار الانوار 2/225 في خبر رواه عن ابي الحسن علي بن محمد العسكري , كشف الخفاء العجلوني 1/65 , احكام القران الجصاص 2/37 , المحصول الرازي 4/80 , تاريخ مدينة دمشق 59/7 وغيرها)( وروي بمضامين اخرى , مثل ( لاتجتمع امتي على خطأ) أو ( لم يكن الله ليجمع امتي على الخطأ) راجع الفصول المختارة للمفيد ص 239 , المحصول للرازي 4/80-81 , نهج الايمان ابن جبر ص 618 وغيرها) هذا القول برغم انه اقرار بالعصمة وضرورتها, وان الامور لايمكن ان تكون بلا مصدر وثيق وموثوق نعتمد عليه , الا ان مثل هذه العصمة لايمكن ان تتحقق من خلال اجتماع الامة , لان الامة عبارة عن الافراد , فاذا كان الفرد ممن يخطئ كيف يمكن اذا انضم غيره اليه ان يكون رايه صحيحا ومعصوما, وهل هذا الا تكريس للخطأ؟ هذا مضافا الى المناقشة في المقصود من الحديث , بعد التأكد من تمامية سنده. الخلاصة فاعتبار العصمة امر مفروغ منه بالنسبة للامام , ويقتضيه ويدل عليه العقل والايات والروايات , مثل آية التطهير , واية ( لاينال عهدي الظالمين ) وآية المباهلة , وحديث الثقلين وغير ذلك كثير. وقد تقدم الكلام في هذا الموضوع في عصمة النبي (ص) فراجع الاتصاف بالفضائل والكمالات ومما يعتقده الشيعة ان الامام بعد النبي يجب ان يكون متصفا بصفات الكمال , منزها عن العيوب والنقائص والرذائل , وعن كل مايخالف المروءة, وان يكون افضل الناس في جميع الجهات, ايمانا , وعقلا , وشجاعة , وعدلا , وعفة , وحكمة , واخلاقا , وجهادا و وصدقا , وسخاء , وحلما , وصبرا , وبأسا , واقداما , ورأفة , ورحمة , وتدبيرا , وسياسة , ونشاطا , وغير ذلك من الفضائل والكمالات , بحيث لايدانيه احد ولايجاريه احد. وهذا هو الثابت للائمة اجمع عليهم السلام , فان اخلاقهم القران , وادابهم القران, وحديث الثقلين - الذي تضمن انهم لم يفارقوا القران ولا فارقهم القران لحظة- تأكيد ودليل على ذلك . والرسول (ص) هو من ادبهم وخلقهم بما تخلق هو وتأدب به عن الله تعالى , وهو (ص) القائل ( انا اديب الله , وعلي اديبي ) ( بحا رالانوار المجلسي 16/231 , مكارم الاخلاق الطبرسي ص 17 ) فأي مكرمة لاتوجد عندهم , واي فضيلة لايذكرون بها , واي خلق لايمجدون به؟ بل ان المكارم والفضائل والاخلاق بهم عرفت ومنهم اخذت , ولماذا لايكونون كذلك , وهم اهل الله ؟ واذا لم يكونوا كذلك فما هو الفرق بينهم وبين غيرهم ؟ الا يصبح تقدمهم على غيرهم من دونها ترجيحا بلا مرجح السلامة من العيوب الخلقية والخلقية يقول امير المؤمنين عليه السلام ( وقد علمتم انه لاينبغي ان يكون الوالي على الفروج و والدماء والمغانمو والاحكام , وامامة المسلمين البخيل فتكون في اموالهم نهمته, ولا الجاهل فيضلهم بجهله , ولا الجافي فيقطعهم بجفائه , ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم , ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع , ولا المعطل للسنة فيهلك الامة ) ( بحار الانوار المجلسي 25/167 شرح نهج البلاغة , ابن ابي الحديد 8/ 263 تصنيف نهج البلاغة د لبيب بيضون ص331 9 ويلزم ان يكون الامام طاهر المولد , غير متولد من زنا ولا من شبهة , ولا احد من آبائه كذلك و بل يكون طاهرا زكيا نقيا. ويلزم ان يكون آباؤه مؤمنين , واجداده كذلك , وقد تقدم في مبحث النبوة الاشارة اليه . يقول الامام الصادق عليه السلام ( ان الامام لايستطيع احد ان يطعن عليه في فم ولا بطن ولا فرج , فيقال كذاب او يأكل اموال الناس , وما اشبه ذلك ) ( الكافي الكليني1/284 باب الامور التي توجب حجة الامام , بحار الانوار المجلسي 25/ 166) ويقول الامام الباقر عليه السلام في تبيين علامة الامام ( طهارة المولد , وحسن المنشأ, ولايلهو ولايلعب )( الكافي الكليني 1/285 , بحار الانوار المجلسي 25/166) كما يلزم ان يكون معافى , سليما من العيوب الجسدية , من العمى والبرص والجذام, والعاهات الخلقية من العرج وغيرها , فان ذلك مؤثر في قربه من النفوس وسكون القلب واطمئنانها اليه. علم الامام |
علم الامام
يعتقد الشيعة ان الامام يجب ان يكون مجمعا للعلوم والمعارف على اختلاف انواعها , فضلا عن علوم الشريعة. ولذلك يجب ان يكون اعلم اهل زمانه , بحيث اذا سئل عن مسألة يجب ان يجيب عليها , واذا سئل عن امر لايتوقف فيه , ولاينبغي له ان يقول ( لااعرف) والا لانتفى التفاضل بينه وبين الناس. مصدر علم الامام ومصدر علم الامام هو الرسول (ص) ولايجوز ان يأخذ من غيره بأي طريق كان , والا لانتفى كونه حجة على العباد وانه الافضل بينهم. ولاشك ان علم رسول الله (ص) من الله سبحانه وتعالى, وعنده علوم القران, والقران فيه تبيان كل شيء , والرسول (ص) عنده علوم الانبياء السابقين اجمع وما انزل عليهم. وهذه العلوم وغيرها اودعها الرسول الاكرم عند الائمة بأمر من الله سبحانه وتعالى, وذلك لكي تتم الحجة البالغة على عباده في نبيه وفي الوصي الذي عهد الله للنبي (ص) ان يجعله من بعده. ولذلك لاحرج ولامشكلة لدى الشيعة في علوم الائمة عليهم السلام وفي سعتها لتشمل آفاقا أبعد من حدود الانسان , مادامت هذه العلوم مأخوذة من رسول الله (ص) عن الله تعالى , ومن القران الكريم وعلوم الانبياء السابقين, ومادامت هذه الامور تدور في فلك الايمان بالله وبالانبياء والرسول (ص) , وانه كله بأمر من الله. فما لنا والاستغراب من أمر الله سبحانه, وما اراده في سعة علومهم أو في كيفية وراثة هذه العلوم من رسول الله (ص). فما دامت مسيرة الحق الالهي مستمرة ومستديمة, فلابد ان تكون كل الاعتبارات المقومة لهذا الحق مستمرة كذلك, والاختلاف انما هو في الوسيلة التي هي في الانبياء (( الوحي)) وفي الائمة (( الاخذ من رسول الله (ص) )) و (( الالهام )) و (( الالقاء في القلوب)). فأي غرابة بعد هذا , والله سبحانه يخاطب رسوله ويقول له ( وعلمك مالم تكن تعلم ) ويقول لابراهيم عليه السلام ( وكذلك نري ابراهيم ملكوت السماوات والارض) , والله سبحانه وتعالى يقول ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا * الا من ارتضى من رسول فأنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) الروايات في علومهم عليهم السلام ولا يدعي الشيعة في علوم الائمة اكثر من هذا الذي ذكرناه , والذي يؤكد هذه الحقيقة الاحاديث التالية 1- قول النبي (ص) ( انا مدينة العلم وعلي بابها) ( راجع بحار الانوار 10/120 , الخصال الصدوق ص574 , كنز العمال المتقي الهندي 13/148, والمعجم الكبير الطبراني 11/55 وغيرها , وتتمته في بعض الروايات ( فمن اراد العلم فليأته من بابه) 2- قول امير المؤمنين عليه السلام ( ان رسول الله (ص) علمني الف باب من العلم , يفتح لي من كل باب الف باب ) ( بحار الانوار 31/33 ح 2, وروي بهذه الالفاظ وما يقرب منها روايات كثيرة جدا و ج 22 منه ص 511 ح 10 , وغيره من الاجزاء , بصائر الدرجات الصفار ص 325 ح 11 , روضة الواعظين الفتال النيسابوري ص 75 , المراجعات شرف الدين ص 145, ميزان الاعتدال الذهبي 2/ 482-483) 3- ورد عن الفضيل عن ابي جعفر الباقرعليه السلام قال ( انا لو حدثنا برأينا ضللنا كما ضل من كان قبلنا , ولكنا حدثنا ببينة من ربنا , بينها لنبيه , فبينها لنا ) ( بحار الانوار المجلسي 2/ 172 ح 2) 4- وفي حديث آخر ( أنا على بينة من ربنا, بينها لنبيه, فبينها نبيه لنا , فلولا ذلك كنا كهؤلاء) ( بصائر الدرجات الصفار ص321 ح9 بحار الانوار المجلسي 2/173 ح 7) 5-وفي حديث عن جابر , قال ( قال ابوجعفر عليه السلام ياجابر والله لو كنا نحدث الناس أو حدثناهم برأينا , لكنا من الهالكين , ولكنا نحدثهم بآثار عندنا من رسول الله (ص) يتوارثها كابر عن كابر , نكتنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم) ( بحار الانوار المجلسي 2/173 ح4) 6- وفي حديث عن سماحة , عن ابي الحسن عليه السلام قال ( قلت له كل شيء تقول به في كتاب الله وسنته, أو تقولون برأيكم ؟ قال بل كل شيء نقوله في كتاب الله وسنته) ( بحار الانوار المجلسي 2/173-174 ح 8 ) 7- وفي حديث عن سورة بن كليب , قال ( قلت لابي عبد الله عليه السلام بأي شيء يفتي الامام ؟ قال بالكتاب قلت فما لم يكن في الكتاب؟ قال بالسنة. قلت فما لم يكن في الكتاب والسنة؟ قال ليس شيء الا في الكتاب والسنة. قال فكررت مرة او اثنتين قال يسدد الله ويوفق , فأما ماتظن فلا ) ( بحار الانوار المجلسي 2/175 ح15) فقوله ( يسدد الله ويوفق) اي ان الله سبحانه يلهم الى الحق واما قوله ( فأما تظن فلا ) اي لانعمل بالرأي والاجتهاد ان مفاتيح العلوم التي اودعها رسول الله (ص) عندهم هي التي تمكنهم من ان يقولوا الحق والواقع الذي ينطوي عليه القران في سعة علومهم وآفاقه ومعارفه, وفيما أخذوه من رسول الله (ص) واذا احتاجوا الى شيء فهناك الالهام من الله سبحانه , ومعه فلا حاجة للرأي ولا حاجة للاجتهاد ( الاجتهاد لايصح من النبي أو الامام , لان وظيفتهم بيان الواقع أو الامر الواقعي , وقد اطلع الله نبيه على ما هو الواقع وما هو المراد , ولا يعقل ان يقول النبي برأيه اطلاقا , وذلك لقوله تعالى ( وما ينطق عن الهوى * ان هو الا وحي يوحى) أما الاجتهاد فهو عملية يقوم بها المجتهد في حال عدم وجود الواقع بين يديه , أو عدم أصابته الواقع والشك فيه , حيث يرى انه مكلف من الله تعالى بالتكاليف الشرعية , وحيث انه لايمكن ان يصل اليها , فلا بد له من بذل جهده من خلال ما وضع بين يديه من القران والسنة , فيجتهد ليصيب أو يرى يبرئ ذمته من التكليف الشرعي المطلوب والذي نعتقد بوجوده. ولذلك فاطلاق الاجتهاد على النبي والائمة في غير محله , بل هو تسوية لهم بغيرهم , وقطعا هذا القول ناظر الى ان الرسول كغيره من الناس لايمتاز عنهم الا بالتبليغ , وهنا الغلط الكبير والبون الشاسع بيننا وبين غيرنا ,ممن يقول بان النبي أو الائمة يجتهدون , حاشاهم ذلك , فهم على علم ويقين بما يبينونه للناس , انه من الرسول عن الله تعالى) ويؤيد هذا مارواه في ( منية المريد ) عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيرهما , قالوا ( سمعنا ابا عبد الله عليه السلام يقول حديثي حديث ابي , وحديث ابي حديث جدي , وحديث جدي حديث الحسين , وحديث الحسين حديث الحسن و وحديث الحسن حديث امير المؤمنين عليه السلام , وحديث امير المؤمنين حديث رسول الله (ص) وحديث رسول الله (ص) قول الله عزوجل ) ( بحار الانوار المجلسي 2/178-179 ح28) أما الالهام وغيره من الامور التي تحصل للانسان من فراسة , فاذا كنا نتقبله من البشر , وتقبلناه في كثير من الامور منهم لانه موجود وواقع , كما نشاهده في كثير من الناس , يتحدثون ويتنبؤون بأمور غيبية وتصدق , أفنستكثر على اهل البيت عليهم السلام ان يكون لديهم الالهام , وهم على ذلك الجانب العظيم من الصفاء والقدسية والروحانية والكمال الخلقي والنفسي والادبي , الذي يجعلهم يعيشون الافاق الواسعة في دنيا العلم والمعرفة. هذا وروي ( ليس العلم في السماء فينزل اليكم , ولا في تخوم الارض فيصعد اليكم , وانما جبل في جبلتكم , فتخلقوا باخلاق الله يظهر لكم ) ( اللمعة البيضاء في شرح خطبة الزهراء عليها السلام التبريزي الانصاري ص 158) هذا اشارة الى القدرات النفسية العالية والاخلاقية الجليلة والفضائل والمكارم والتقوى تمكن النفس كثيرا من ادراك العلوم والمعارف, وتمكن كذلك العقول من السير في آفاق العلم والمعارف الى ابعد من الحدود الطبيعية للانسان , لان الحدود الطبيعية هي الافاق المادية والكون الظاهر , واما مايكتنفه الكون وما يبتني عليه وما هو في حناياه وحنايا حناياه , فليس في مقدور الانسان ان يصل الى ابعاده الا من طريق النفس والعقل , النفس الحقيقية المعصومة الزكية الطاهرة التي لا تشوبها شوائب المادة والشهوة . فليس كثيرا على الائمة ان قلنا بانهم يلهمون , وهم المعصومون الذين لم تعرف العصمة لاحد سواهم , ولذلك قلنا ان من مصادر علم الائمة الالهام ايضا قولهم حجة |
قولهم عليهم السلام حجة
ومما ذكرنا نعرف ونعتقد ان قولهم يكون مصدرا تشريعيا , لانهم لما كانوا يقولون ويأخذون من رسول الله (ص) في كل امورهم العلمية والتشريعية, ورسول الله (ص) لايقول الا عن الله سبحانه, فقولهم ايضا عن الله سبحانه بواسطة الرسول , فهم لاينطقون الا بما يريده الله سبحانه. فقولهم او فعلهم او تقريرهم يكون سنة كسنة الرسول (ص) لايجوز تركه ولا مخالفته ولا الرد عليه , لان الراد عليهم يكون رادا على رسول الله (ص) , والراد على رسول الله راد على الله تعالى. وبالجملة فالاحكام الشرعية هي احكام الله تعالى شأنه, والشريعة شريعته, والامر أمره, والنهي نهيه, وقد وجهها تعالى الى البشر وخاطبهم بها وكلفهم بها بواسطة النبي (ص) لانه المبلغ عن الله تعالى. فكل ماجاء به النبي وقاله أو فعله واقره من الاحكام الشرعية, طريق الى احكام الله وبيان لها, وهكذا الحال بالنسبة للائمة الطاهرين. فقولنا ان قولهم مصدر تشريعي ليس الا لأنهم طرق الى احكام الله وبيان لها , بعد ان اخذوها من النبي (ص) وانها عين ماجاء به القران وما جاء به النبي , كما تقدم بيانه في حديث الثقلين , فهم لايخبرون الا عن الله وعن واقع القران والسنة , السنة الكاشفة للقران والمفصلة له تفصيلا كاملا . وهم يعلمونه علما فعليا لايتوقف على نظر واستدلال بقاعدة أو أصل أو اجتهاد , كاجتهاد المجتهدين العاملين بالظن, واذا احتاجوا الى شيء فالله سبحانه يلهمهم بما فيه صلاح العباد هذه عقيدتنا فيهم وهي واضحة كالشمس طاعة الامام واجبة |
طاعة الامام واجبة
من خلال ماذكرنا من ان الامام منصب من قبل الله تعالى بالتعيين والنص كما امر الرسول بذلك , وان الامام معصوم , وانه افضل الناس واكمل الناس واعلم الناس , تلزم طاعته وتجب مبايعته والاخذ بقوله, لاننا نعتقد بان الائمة هم اولوا الامر الذين امر الله بطاعتهم , كما نصت على ذلك الايات الكريمة, قال تعالى ( ياايها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم). وطاعتهم تصبح طاعة لله ولرسول الله , ومعصيتهم معصية لله ولرسوله , فهم السبيل الى الله , وهم الحجج من الله على العباد , وخزان علمه ووحيه , وهم الفلك الجارية في اللجج الغامرة , يأمن من ركبها , ويغرق من تركها وتخلف عنها , المتقدم لهم مارق , والمتأخر عنهم زاهق, واللازم لهم لاحق-كما ورد في ادعية الصحيفة السجادية- (ص72) وكما قال رسول الله (ص) ( ان مثل اهل بيتي فيكم كسفينة نوح , من ركبها نجا , ومن تخلف عنها غرق) ( وهو مروي بأسانيد متعددة وبأختلاف يسير في الفاظه, راجع كمال الدين وتمام النعمة الصدوق ص 239 ح 59 بحار الانوار 23/ 120 ح 40 , وفي اجزاء اخرى منه , مكارم الاخلاق الطبرسي ص 459 , المعجم الضغير الطبراني وغيرها كثير جدا ). ويترتب على هذا امور احدها ان السنة تثبت بقولهم وفعلهم واقرارهم , كما اشرنا اليه. الثاني ان براءة الذمة من التكاليف الشرعية مطلقا تحصل بالالتزام والاخذ منهم والرجوع اليهم في كل الشؤون. هو امام وان منع من القيام بوظيفته الثالث ان امامة الامام وطاعته لاتسقط اذا منع من القيام بوظيفته كامام منصب من الله تعالى في كل الشؤون , كما حدث للامام علي عليه السلام والائمة المعصومين من ولده عليهم السلام , حيث منعوا من اداء وظيفتهم وضايقهم سلاطين زمانهم مضايقة تامة, وحجبوهم عن الناس بالسجن وغيره. فلما لم يكن المانع منهم بل من الناس ومن ملوك ازمنتهم , فانهم باقون على امامتهم , ووجوب الطاعة لهم ثابت. ويؤكد هذا المعنى ما جرى لهارون عليه السلام لما استخلفه موسى عليه السلام في قومه, ثم خالفوه باتخاذهم العجل , ونصحهم فلم ينتصحوا , ووعظهم فلم يتعظوا , فلم تسقط بذلك وزارته وخلافته وطاعته. واذا لم تاخذ الامة به فلا يوجب ذلك انتهاء دوره , اذ ليس لهم امكانية التخلي عنه باعتبار انه معين ومنصب من قبل الله سبحانه, والمانع من عدم العمل بقوله ليس لعجز فيه بل لامتناع الناس و حيث اختاروا الهوى على الهدى. بالحكمة يصان الاسلام لا بالقوة الرابع انه اذا توقف قيام الامام بوظيفته وجر الناس الى الطاعة والانقياد على ان يواجههم بالشدة , فلا يجب عليه ذلك و لان حفظ الدين وصيانة الاسلام وامور المسلمين لاتكون بالقوة والسيف في مثل هذه الامور وفي مثل هذا الحال , خصوصا اذا لم يمكنه ذلك, وعورض اشد المعارضة من الناس وتألبوا عليه كما حصل لعلي عليه السلام بعد وفاة النبي (ص) والائمة من بعده. فلا يلزم قهر الناس والمجابهة على ذلك , لما يلزم من ذلك من توهين للدين وانشقاق المسلمين وتفرقهم , بل قد يؤدي الى ترك الدين كلية. ولذلك سكت الامام علي والائمة عليهم السلام عن حقهم الشرعي , الا ان هذا السكوت لم يوجب ابدا سقوط الامامة عنهم , وكما قال النبي (ص) عن الحسنين ( الحسن والحسين امامان , قاما أو قعدا) ( بحار الانوار المجلسي 43/ 291 , الارشاد في معرفة حجج الله المفيد 2/30 , روضة الواعظين الفتال النيسابوري ص 156) ولم يسقط عن الناس وجوب الطاعة والانقياد لهم وجوب طاعته لايتوقف على اخذ البيعة الخامس انه لاتسقط امامة الامام ووجوب طاعته والانقياد له و اذا لم يكن بينه وبين الناس بيعة أو عقد بيعة 1-لاننا بذلك ننفي التعيين الالهي له, كما اسلفنا ذكره و وكما نصت عليه الايات الكريمة والاحاديث المعتبرة. 2- لانه لو وجب عقد البيعة بينه وبين الناس لوجب ذلك في النبوة , والنبوة تعيين الهي لايمكن فيها الاختيار ابدا , ولم يوجب فيها البيعة ولن يوجب وكذلك الامامة. واما ماجرى من بيعة الانصار للنبي والنساء منهم , فانما كانت البيعة على النصرة. 3- لو قلنا باعتبار البيعة , فانها لم تتم لاحد من الخلفاء المسلمين الا لعلي عليه السلام في موطنين الاول يوم الغدير - وان انكرها من انكرها بعد النبي (ص) - , والثاني يوم بايع كل الناس عليا بالخلافة في المدينة بعد مقتل عثمان , والتاريخ اصدق شاهد وبينة على هذا الواقع. الائمة عليهم السلام هم الملجأ في المهمات ان الامامة من يومها الاول وطوال تاريخها لم تفقد اثرها وموقعها حتى عند من انكرها , فان الذين يرون ان الامامة حق الهي ينقادون للامام ويتعاملون معه على اساس انه صاحب الحق والمنصب من قبل الله سبحانه, نافذ الكلمة والقول ويطبق ماهو ملزم به ومسؤول عنه . وهذا المعنى استمر طوال المدة التي وجد الائمة فيها و ولذلك كان الناس يلجؤون اليهم في المهمات والملمات وفي القضايا التي لايجدون لها حلا ولا جوابا عند احد سواهم . والشواهد والامثلة على ذلك وفي مختلف الادوار كثيرة وكثيرة جدا , ولم يكونوا اهل الحق مارجعوا اليهم ولا لجؤوا اليهم في حل المعضلات والصعاب وفي اخذ الاجوبة التي لاتصدر الا عنهم ولايعرفها غيرهم. لكنه الملك , والملك عقيم دفع الحكام لصرف الحق عن اهله , فأزالوهم عن مراتبهم التي رتبهم الله فيها , وترؤوا على نقض عهود الله ومواثيقه , فكان السكوت من اهل الحق عليه السلام حفاظا على الاسلام انما منع الائمة عليهم السلام من الرآسة الدنيوية ولذلك فما منع منه الائمة الطاهرون هو الخلافة الدنيوية ورآسة الناس فقط , اما القيام بمهمات الامامة الدينية وحفظ الدين وحفظ الشريعة وما يحتاجه الناس منهما فلم يمتنعوا عنه ولامنعوا منه ابدا و وما سقط ذلك الحق عنهم, لان الامامة حق جعلي من الله ووظيفة الهية غير قابلة لتدخلات البشر واسقاطهم لها. ومن هنا كان الحكام وبرغم مواقفهم من الائمة الواضحة في التنكر لهم وابعادهم عن ساحة السلطة , كانوا دائما حذرين منهم و وعلى خوف دائم منهم و لانهم يعرفون هذا الواقع ويعرفون انهم اهل الحق , ويعرفون ميل الناس اليهم . ومن اجمل القصص التي تعبر عن هذا المعنى أنه لما حج الرشيد سعي بالامام موسى الكاظم اليه وقيل له ان الاموال تحمل اليه من كل جانب , حتى انه اشترى ضيعة بثلاثين الف دينار , فاجتمع به الرشيد عند الكعبة في الحج , وقال له انت الذي يبايعك الناس سرا ؟ قال أنا امام القلوب , وانت امام الجسوم ) ( ينابيع المودة لذوي القربى القندوزي 3/120 , حياة الامام الرضا عليه السلام السيد جعفر مرتضى ص323 , الاتحاف بحب الاشراف للشبراوي ص 150) وانما اطلت في سرد هذا الموضوع برغم اني لم اشبعه بحثا وتدقيقا, لان هذا الموضوع بالذات يتعرض لهجمات شرسة من مختلف الجهات , وخاصة ممن يدعي انه من اتباع اهل البيت عليهم السلام والذين يعملون على المحافظة عليه كما يدعون , فلأجل الرد عليهم وعلى غيرهم ذكرت هذه الكلمات , لان اساليبهم التي يطرحونها خطيرة جدا على هذا الدين , فضلا عن المذهب. ( ومن جملة ما يطالعنا به هؤلاء , وفي كل يوم لهم جديد في حرب المذهب والتشيع , قول بعضهم ان من الضلال القول بان عليا نصبه النبي من قبل الله تعالى , بل كان تنصيبه ترشيحا من النبي (ص) . ان هذا القول ليس غريبا فقط بل فيه تكذيب لله ولرسوله , تكذيب لله حيث يقول تعالى في حق نبيه ( وما ينطق عن الهوى * ان هو الا وحي يوحى ) وتكذيب للنبي (ص) حيث امر الله نبيه بتنصيب علي عليه السلام خليفة في قوله ( ياايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك ) ومن المعلوم عند الناس اجمع حكم من يكذب الله ورسوله في الشريعة الاسلامية). حب اهل البيت عليهم السلام وائمتهم |
حب اهل البيت عليهم السلام وائمتهم
يعتقد الشيعة بوجوب محبة اهل البيت عليهم السلام وولايتهم ومودتهم , وانها من ضروريات الدين و فان محبتهم علامة الايمان , وبغضهم علامة النفاق , بل ان بغضهم هو بغض لله ولرسوله (ص). قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ( سمعت رسول الله( ص) يقول انا سيد ولد بني آدم و وانت ياعلي والائمة من بعدك سادات امتي , من احبنا فقد احب الله , ومن ابغضنا فقد ابغض الله , ومن والانا فقد والى الله , ومن عادانا فقد عادى الله , ومن اطاعنا فقد اطاع الله و ومن عصانا فقد عصى الله ). ( بحار الانوار المجلسي 27/88 حديث 38 , الامالي الصدوق ص 563 ح 16 , وباختلاف في لفظه ونقص بعض فقراته , شرح الاخبار القاضي النعمان 3/56 ح 975 , المعجم الكبير الطبراني 3/98 , شرح نهج البلاغة 9/170 وغيرها كثير ) وليس المقصود من المودة والمحبة والولاية, الولاية العاطفية التي تقوم في القلب ,وتوجب ميلا وتوجها عاطفيا خاصا كحب الوالد والام لولدهما مثلا , وانما المقصود من محبتهم ومودتهم وولايتهم و الطاعة والانقياد لقولهم والالتزام بهم. وبمعنى اوضح , ان ولايتهم هي الاعتقاد بان طاعتهم طاعة لله ولرسوله و ومعصيتهم معصية لله ولرسوله , لان الله اختارهم خلفاء لرسوله (ص) واركانا لشريعته واعلاما لدينه , والطاعة والانقياد والاعتقاد بهم كذلك يستوجب المحبة القلبية ايضا. فمحبتهم القلبية مع طاعتهم هي المنطلق والاساس الذي يقوم عليهحب اهل البيت عليهم السلام وبذلك يتحقق الايمان الكامل , والا فمجرد المحبة القلبية لاينكرها احد من المسلمين و الا من نصب لهم العداوة أو كان منافقا و أو ابن حيضة - كما هو وارد في بعض الروايات- ( راجع النص والاجتهاد السيد شرف الدين ص 100 , رواه عن ينابيع المودة للقندوزي واحقاق الحق , والمناقب الرضوية , راجع ايضا الغدير 4/ 322 فانه رواه بالفاظ مختلفة راجع الاحاديث 6 و 10) ومن المعلوم ان من ينصب العداوة والبغضاء فهو منكر لضروري من ضروريات الاسلام , كانكار الصلاة والصيام و ومنكر الضروري خارج عن الاسلام موقف الشيعة من الغلو فيهم عليهم السلام الائمة عليهم السلام بشر الائمة الاثنا عشر الذين نعتقد انهم خلفاء رسول الله ( ص) واوصياؤه بالنص والتعيين من الله و هم بشر كغيرهم من الناس , لهم في البشرية ما للناس وعليهم ما على الناس , يأكلون ويشربون وينامون ويتزوجون , ويعبدون الله حق عبادته , ويعملون بما امرهم الله وينتهون عما نهاهم الله عنه. نعم ... هم فوق البشر في كمالاتهم وفضائلهم وعلومهم وتقواهم وورعهم وخوفهم من الله ولجئهم اليه وخشيتهم منه وخشوعهم وخضوعهم له , وفي عقولهم وفي خصائصهم التي جعلها الله لهم . وليس لنا اعتقاد فيهم باكثر من هذا , ولذلك كان الغلو فيهم والتفويض اليهم وادعاءات اخرى فيهم , كلها عندنا باطلة , بل هي كفر محض , لانقول بها ولايقول بها شيعي امامي اثني عشري ابدا , وقدقال الائمة عليهم السلام , نزهونا عن الربوبية , وقولوا فينا ماشئتم, ( هذا هو المشهور عنهم عليهم السلام وهو مأخوذ عن المروي عنهم عليهم السلام , فمن تلك الروايات ماورد في المتن , ومنها ما عن الصادق عليه السلام انه قال لكامل التمار ( ياكامل اجعلوا لنا ربا نؤوب اليه وقولوا فينا ماشئتم قال فقلت نجعل لكم ربا تؤوبون اليه ونقول فيكم ما شئنا ؟ قال فاستوى جالسا فقال ما عسى ان تقولوا والله ماخرج اليكم من علمنا الا الف غير معطوفة ) ( مختصر بصائر الدرجات الحسن الحلي ص 59 ) ( ومنها مارواه اسماعيل بن عبد العزيز قال ( قال لي ابو عبد الله عليه السلام ضع لي في المتوضأ ماء فقمت فوضعت له فدخل قال فقلت في نفسي انا اقول فيه كذا وكذا ويدخل المتوضأ فلم يلبث ان خرج , فقال يااسماعيل بن عبد العزيز , لاترفعوا البناء فوق طاقتننا فينهدم , اجعلونا عبيدا مخلوقين وقولوا فينا ما شئتم , قال اسماعيل كنت اقول فيه واقول حدثنا ) بصائر الدرجات الصفار ص 261 ) ( راجع هذه الروايات في الثاقب في المناقب ابن حمزة الطوسي ص 402 , الخرائج والجرائح قطب الدين الراوندي 2/735 , بحار الانوار المجلسي 25/ 279-283, الغدير الشيخ الاميني 7/34) اي لاتقولوا فينا انا أرباب وآلهة ولنا صفات الربوبية, فنحن لسنا اربابا , ولايمكن ان يكون ذلك , ولا لنا صفات الربوبية من الخالقية والرازقية والتفويض ابدا , ومن يقول فينا ذلك فهو كافر , واما صفات الكمال فقولوا فينا ما تشاؤون, لانا اهل لذلك. وقال الامام الصادق عليه السلام ( ماجاءكم عنا مما يجوز ان يكون من المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه , فلا تجحدوه وردوه الينا , وما جاءكم عنا مما لايجوز ان يكون من المخلوقين فاجحدوه ولاتردوه الينا ) ( مختصر بصائر الدرجات الحلي ص 92 , بحار الانوار 25/364 باب غرائب افعالهم واحوالهم ح1 , مستدرك سفينة البحار 1/199) وقد ورد في حديث عن امير المؤمنين عليه السلام قال ( أنا عبد الله وخليفته على عباده , لاتجعلونا اربابا , وقولوا في فضلنا ما شئتم , فانكم لاتبلغون كنه مافينا ولا نهايته ) ( بحار الانوار المجلسي 26/2 باب نادر في معرفتهم ح 1 , مستدرك سفينة البحار 7/52) اي من الفضل ونهاية الفضل , لان لهم الكمال المطلق بعد رسول الله (ص) وقال امير المؤمنين عليه السلام ( لاتتجاوزوا بنا العبوديو , ثم قولوا ماشئتم ولن تبلغوا , واياكم والغلو كغلو النصارى) ( مستدرك سفينة البحار 7/53 باب نفي العبث والنقص عنه تعالى ) وقال عليه السلام ( اياكم والغلو فينا , قولوا انا عبيد مربوبون , وقولوا في فضلنا ما شئتم) ( بحار الانوار المجلسي 10/92 مستدرك سفينة البحار 7/52) موقف الائمة من اهل الغلو وورد ان أبا الخطاب ( هو محمد بن ابي زينب مقلاص , ابو الخطاب البراد الاجدع الاسدي ) لعنه الله لما قال في الامام الصادق عليه السلام ما قال وانه اله , بلغ ذلك الامام الصادق عليه السلام قال الراوي ( فقلت له جعلت فداك , لقد ادعى ابو الخطاب واصحابه فيك امرا عظيما , انه لبى ب (لبيك) جعفر لبيك معراج ...) الى ان قال ( فرأيت أبا عبد الله عليه السلام قد ارسل دمعة من حماليق عينيه - اي من باطن اجفانه- وهو يقول يارب برئت اليك مما ادعى في الاجدع عبد بني اسد , خشع لك شعري وبشري , عبد لك , ابن عبد لك, خاضع ذليل و ثم اطرق ساعة في الارض كأنه يناجي شيئا, ثم رفع راسه وهو يقول أجل أجل , عبد خاضع خاشع ذليل لربه , صاغر راغم من ربه , خائف وجل , لي والله رب اعبده لااشرك به شيئا , ماله اخزاه الله وارعبه ولا آمن روعته يوم القيامة, ماكانت تلبية الانبياء هكذا ولا تلبية الرسل ولا تلبيتي , انما لبيت بلبيك اللهم لبيك , لبيك لاشريك لك .)( بحار الانوار المجلسي 47/378). وقد كانت جمهرة من الكذابة والغالين لعنهم الله , لعنوا على لسات الائمة لكذبهم وافترائهم , حيث اذاعوا وقالوا ونسبوا الى الائمة مالاينبغي ولايرضونه لانفسهم , وقد برئوا منهم. ومما ورد في المغيرة بن سعيد , وكان من المغالين والكذابة , وكان الامام الصادق عليه السلام يلعنه ويصرح بانه كذاب ومفتر وكافر , فقال عليه السلام يوما لاصحابه ( لعن الله المغيرة بن سعيد , لعن الله يهودية كان يختلف اليها , يتعلم منها السحر والشعبذة والمخاريق , ان المغيرة كذب على ابي عليه السلام فسلبه الله الايمان , وان قوما كذبوا علي , مالهم اذاقهم الله حر الحديد , فوالله مانحن الا عبيد الذي خلقنا واصطفانا , مانقدر على ضر ولا نفع الا بقدرته , ان رحمنا فبرحمته , وان عذبنا فبذنوبنا ) وقال عليه السلام ( لعن الله من قال فينا مالانقوله في انفسنا , ولعن الله من ازالنا عن العبودية لله الذي خلقنا واليه مآبنا ومعادنا وبيده ناصيتنا) ( بحار الانوار المجلسي 25/299 اختيار معرفة الرجال الطوسي ج 2 ص 489 وص 491) وقال عليه السلام ( انا اهل بيت صادقون و لانخلو من كذاب يكذب علينا ويسقط صدقنا بكذبه علينا عند التاس...)ثم ذكر المغيرة بن سعيد , وبزيع , والسري, وأبا الخطاب , ومعمر , وبشار الشعيري, وحمزة البربري, وصائب الهندي, فقال (لعنهم الله أنا لانخلو من كذاب يكذب علينا أة عاجز الرأي , كفانا الله مؤونة كل كذاب واذاقهم حر الحديد )( بحار الانوار المجلسي 2/217 ح 12) وروى هشام بن الحكم انه سمع ابا عبد الله الصادق عليه السلام يقول ( كان المغيرة يتعمد الكذب على ابي عليه السلام , ويأخذ كتب اصحابه وكان اصحابه المتسترون باصحاب ابي عليه السلام يأخذون الكتب من اصحاب ابي عليه السلام فيدفعونها الى المغيرة و فكان يدس فيها الكفر والزندقة ويسندها الى ابي عليه السلام , ثم يدفعها الى اصحابه فيأمرهم ان يبثوها في الشيعة , فكل ماكان في كتب اصحاب ابي عليه السلام من الغلو , فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم ) ( بحار الانوار المجلسي 2/250 ح 63) موقف الشيعة من المذاهب التي يشوبها الغلو |
موقف الشيعة من المذاهب التي يشوبها الغلو
وكما يبرأ الشيعة من هذه الافكار المغالى بها, كذلك يبرأ الشيعة من الافكار الاخرى المستوردة باجمعها, فلا يؤمن الشيعة بالبهائية( هي صورة متطورة من البابية اختلفت عنها في اهدافها واساليبها , تنحت تقليد الغلاة السابقين واعلنت نفسها ديانة جديدة. طور هذه الديانة عن الديانة البابية الميرزا حسين بن ميرزا علي محمد ميرزا حسين علي المازندراني 1817-1892 وهو ايراني مستعرب اصله من بلدة نور ب( مازندران ) واليها نسبته , فسمى نفسه (الباب) اي أنه الطريق الوحيد الذي يتصل الانسان بواسطته بالخالق عزوجل, فسميت هذه الفرقة بالبابية تبعا لذلك , وسمى نفسه ايضا ببهاء الله. ومن عقائد هذه الديانة الايمان بوحدة الوجود , وعدم الايمان باليوم الاخر , نسخ الجهاد, واتخاذ كتب مقدسة بديلة عن القران , ونسخ دين الاسلام وابطال جميع مذاهبه , انكار الخاتمية ودعوة النبوة بل الالوهية لزعيمهم حسين علي البهائي . راجع رسائل ومقالات الشيخ جعفر سبحاني ص 109 , الغدير الشيخ الاميني 3/266 , مقارنة الاديان اليهودية الدكتور احمد الشلبي ص 329). ولا يعترفون بها لان من يخرج عن الايمان بالله ويدعي غير مايقوله الشيعة فهو خارج عن الدين , فكيف يحسب منهم, وكذلك لايقرون ولايعترفون بالبابية , ولا الفرق التي اخذت منها او انفصلت عنها. وكذلك لايقر الشيعة ولايعترفون بأي مذهب فيه شائبة الغلو . فأهل البيت عليهم السلام هم بشر بكل معنى الكلمة , وعقيدتنا فيهم لن تتغير ولن تتبدل ابدا, والشيعة هم من عرفت صفته ونعته في اول الكتاب. هذا ويتأكد موقف الامام الصادق عليه السلام من هؤلاء وبراءته منهم بقول الباقر عليه السلام ( يامعشر شيعة آل محمد , كونوا النمرقة الوسطى , يرجع اليكم الغالي , ويلحق بكم التالي , فقال له رجل من الانصار يقال له سعد جعلت فداك , ماالغالي ؟ فقال عليه السلام قوم يقولون فينا مالانقوله في انفسنا , فليس اولئك منا ولسنا منهم. قال فما التالي ؟ فقال , المرتاد يريد الخير يبلغه الخير يؤجر عليه )( الكافي الكليني 2/75ح 6 بحار الانوار المجلسي 67/ 101) فكل من ينسب لاهل البيت عليهم السلام شيئا من هذه الاقوال فهو ضال كافر بعيد عن الاسلام , وذلك مثل نسبة بعضهم الى علي أنه هو الله ظهورا واتحادا - كما يذهب الى ذلك بعض اهل التصوف والطرق- فهو افتراء وكذب وزور ةبهتان , فعلي عليه السلام عبد لله , ومخلوق لله , أوجده الله وكونه وصوره خلقا بعد خلق , وهو يطيع الله , وقد مات علي كما مات محمد (ص) وكما مات غيره من الانبياء والاوصياء, وكذلك مات الائمة من ولده , ماعدا المهدي من ولده , وسيظهره الله ثم يموت بعد ذلك. وتجلي قدرة الله وظهورها في علي عليه السلام لاتوجب كونه الها وربا يعبد من دون الله , لان قدرة الله تتجلى في كل هذا الكون وفي كل هذه الموجودات , وفي كل حيوان وانسان , فهي كلها مظاهر وآثار لقدرة الله تعالى. عبد الله بن سبأ شخصيةخيالية قد يقال ان هذه الافكار كلها , من افكار عبد الله بن سبأ وهذا تجن اكبر على الشيعة , فأن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية لاحقيقة له, ولاواقع له يذكر , ولم يذكره سوى الطبري ( المتوفى 310 هجري) , وكل من ذكر عبد الله بن سبأ اخذ عن الطبري , والطبري اخذ هذا القول عن سيف بن عمير, (راجع كتاب ( عبد الله بن سبأ) مرتضى العسكري . سيف بن عمر التميمي ( القرن الثاني الهجري) هو الذي اختلق شخصية ( عبد الله بن سبأ) فانه وضع كتابين الاول ( الفتوح والردة) والثاني ( الجمل ومسير عائشة وعلي )وحشاهما بختلاق الحوادث وتحريف الثابت منها , واختلق لرسول الله (ص) اصحابا لاوجود لهم مثل سعير والهزهاز , وأط, وحميضة, وغيرهم وكما ابتدع رجالا من التابعين وغير التابعين , ووضع على لسانهم الاخبار والاحاديث, ومن هؤلاء الذين اخترعهم عبد الله بن سبأ الذي اعتمد عليه كل من نسب الى الشيعة ماليس لهم به من علم , واول من خدع بسيف من المؤرخين ممن نهلوا من هذين الكتابين دون فحص وتمحيص هو الطبري , ثم نقل عن الطبري ابن الاثير وابن عساكر وابن كثير وغيرهم ) وهو اكذب خلق الله , افترى هذا القول بدافع من السلطة في وقته , لتشويه صورة التشيع , وللنيل من اهل البيت عليهم السلام ومن كرامتهم ومقامهم , والتقليل من اتباعهم. وما قيل من ان اصحاب النبي (ص) اخذوا عن عبد الله بن سبأ, كسلمان , وابي ذر , والمقداد , وعمار , وحذيفة بن اليمان , وذي الشهادتين خزيمة بن ثابت, وابي ايوب الانصاري , وخالد بن سعيد بن العاص, وقيس بن سعد بن عبادة, وابن التيهان, وصعصعة بن صوحان العبدي , وغيرهم ... فالقول بان هؤلاء كلهم اخذوا عن عبد الله بن سبأ ليس كذبا فقط , وانما فيه جرأة وافتراء على رسول الله (ص) لهؤلاء , واين تعليم النبي وعلي لهؤلاء! واين جهاد النبي لامثال هؤلاء!. وكيف يجوز للنبي (ص) ان يقول في سلمان ( سلمان منا اهل البيت) ( بحار الانوار المجلسي 1/123 المستدرك الحاكم النيسابوري 3/598 مجمع الزوائد الهيثمي 6/130 المعجم الكبير الطبراني 6/213 وغيرها كثير ) وهو قد اخذ من هذا الضال الكافر اليهودي - ان صح وجوده وهو غير صحيح - ؟!. وكيف يصح للنبي (ص) ان يقول في ابي ذر الكلمة الخالدة المشهورة المأثورة( مااقلت الغبراء , ولا اضلت الخضراء , من ذي لهجة أصدق من ابي ذر) ( وهو حديث مشهور راجع بحار الانوار المجلسي 22/417 الاختصاص المفيد ص 13 كتاب الغيبة النعماني ص 82 شرح الاخبار القاضي النعمان 2/168 وغيرها كثير ) وكيف يصح للنبي ان يقول في عمار ( عمار جلدة بين عيني) ( بحار الانوار المجلسي 33/12 اختيار معرفة الرجال الطوسي 1/129 المسترشد الطبري ص 675 مناقب امير المؤمنين عليه السلام الكوفي 2/572 وغيرها) كبف يصح ذلك كله منه (ص) وهو (ص) يعلم انهم سيأخذون من هذا الكافر ؟ ! أليس هذا في هذا تكذيب لرسول الله (ص) وجرأة على الله في نبيه ؟!. هكذا كانت السطات آنذاك تفعل ولا تبالي فيما يؤدي اليه القول والفعل من امور وكفر وبغي على الله وعلى رسوله , مادام الامر يؤدي الى تثبيت سلطانهم والمحافظة عليه . انهم يعلمون علم اليقين ان سلمان وابي ذر والمقداد وعمار وغيرهم ممن ذكرناهم , هم الذين اسسوا وارسوا اركان الاسلام في ذلك العهد , وجاهدوا من اجل بقائه , وهؤلاء ماوصلوا الى السلطة الا بفضل ذلك الجهاد من هؤلاء وبفضل ماقدموه من اجل ان ترفع راية الاسلام , وبدماء اولئك النفر الذين ضمخوا تربة البلاد الاسلامية بدمائهم. على ان مالدى الشيعة من معتقدات وامور تتعلق بدينهم , كلها موافقة لكتاب الله وسنة رسوله , وهي من جوهر ماجاء به الرسول (ص) ونطق به القران , فاين صحة هذه النسبة مع ماعرفت من ان نسبة هذه الامور الى هؤلاء الصحابة تستلزم تكذيب الرسول , وتكذيبه يستلزم كفر القائل؟!. ان العداء عندما يستحكم في النفوس تطيش العقول وتطير الاحلام , ولايبقى لها الا خيبة الامل والسوء والخسران عند الله سبحانه. ان الشيعة يبرؤوم من هذه الافتراءات والاقاويل ومن هذا البهتان , ولكن لن توقف هذه الافتراءات مسيرة الحق والهدى والايمان التي يتبناها التشيع ويقوم بها الشيعة , فان التشيع هو الدين الحق , ومسيرته مسيرة الدين الحق. وهذه الف واربعمائة عام مضت , والمسيرة مستمرة , والافتراءات متواصلة, والاعتداءات على التشيع والشيعة بأشد مايتصور , ومع ذلك لم يستطع احد ان يغير منها ومنهم شيئا , أو يؤثر عليهم في شيء , بل هم على ازدياد , بل لهم من المواقف التي رفعت راية الاسلام خفاقة بشكل لم يتمكن غيرهم منها. فليذهب الذاهبون الى حيث يشاؤون وحيث مايريدون , وليقولوا مايشاؤون , وليشرقوا وليغربوا يابى( الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون) وهذه عقيدة الشيعة في الائمة الاثني عشر , وانهم بشر فوق البشر وانهم ( عباد مكرمون لايسبقونه بالقول وهو بأمره يعملون ) عقيدتنا في الامام المهدي عليه السلام |
عقيدتنا في الامام المهدي عليه السلام
يعتقد الشيعة بان الامام المهدي عليه السلام هو الامام الثاني عشر , وهو من خلفاء رسول الله (ص) واوصيائه الذين ثبتت امامتهم وخلافتهم بالنص الالهي كما اشرنا الى ذلك تحت عنوان ( عدد الائمة عليهم السلام ) وانه من ولد فاطمة الزهراء عليها السلام , , ومن ولد الحسين عليه السلام , وانه حي موجود , يخرج في آخر الزمان ليملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا. والاعتقاد بأنه يخرج في آخر الزمان ليملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا , لايقتصر على الشيعة فقط , بل ان جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم يعتقدون به , وانه يخرج في آخر الزمان ليصلح الاوضاع المتردية وما فسدمن امور المسلمين. وقد وردت الروايات العديدة التي تؤكد البشارة بخروجه وظهوره عليه السلام , وقد بلغت هذه الروايات حد التواتر , حيث احصيت بالمئات ان لم تكن اكثر من ذلك, ولا نجد قضية وردت فيها مثل هذه الكثرة من الاحاديث كهذه القضية, بحيث اصبحت بديهية غير قابلة للتشكيك الا ممن في قلبه مرض , فهذه القضية من المسلمات في الاسلام. فكرة المهدي حاجة ملحة لاصلاح المجتمعات اذا ما تعمقنا في احوال المجتمعات الانسانية وما تصاب به من حالات الاحباط في المشاكل الانسانية التي تتراكم بلا حلول, وما تعانيه من الانحراف والانحطاط الخلقي والاجتماعي , ومن الشر والفساد والظلم والجور والويلات حتى اصبحت لاتجد امامها سوى هذه المحن والويلات يوميا ... كل ذلك يجعل تلك المجتمعات تتطلع الى من يخلصها من ذلك. من هنا كانت هذه الفكرة - فكرة المهدي - اصيلة في الوجدان البشري والاوضاع والمعتقدات الانسانية . ان الطغيان الفردي والاجتماعي والدولي يطل على الانسانية كل يوم بجديد من الظلم والشر والفساد , وقد عجزت القوى والامكانات والوسائل والاساليب من ان توقف هذه الامور وتبدلها الى الافضل , بل حتى مايسمى بالقوى العظمى عجزت عن ان تدفع الشر والفساد , بل اصبحت هي تتبنى ذلك وتسوقه وتشجع عليه من اجل استمرار مصالحها وبقاء سيطرتها على الشعوب, كما نجده الان واضحا في امريكا التي اتخذت من الارهاب وسيلة جديدة للسيطرة على العالم ولضرب المعارضين لها وللاستيلاء على الاموال وسرقتها وقتل النفوس وازهاقها زتخريب البلاد , مع انها هي راس الارهاب والشر والفساد في العالم كله. بل حتى الدين اصبح يستغل للمآرب والمصالح ويسخر للوصول الى المقاصد والغايات الشخصية والفاسدة, والناس اصبحوا يعيشون حالة اليأس من الاصلاح وحالة اليأس من المنقذ , بل المنقذ هو الظالم كما أشرنا. وكل يوم تزداد الامور سوءا ,خصوصا على صعيد المسلمين الذين أخذوا بالابتعاد عن دينهم تدريجيا , وتعطيل احكامه في اغلب الامور, ولجؤوا الى القوانين الوضعية , بحيث اصبح البديل عن الاسلام وعن احكام الدين وحكومته في جميع امورهم وشؤونهم , ولم يبق لهم الا مراسم من العبادات يتقيدون بها ويحتاطون فيها , ليبقى لهم اسم الاسلام . واله سبحانه وتعالى حين جعل الاسلام هو المنهج القويم العادل للبشرية, ما كان ليجعله الا وهو في اعز مايكون واقوى مايكون , ويكون هو السائد والقائد والفاعل في كل الجهات وعلى كل الجبهات . وحين يكون الوضع الاسلامي او وضع المسلمين او وضع الانسانية يمثل الحالة التي ذكرنا , لايمكن ان يعود الى فاعليته الا على يد مصلح قوي عظيم , له القدرة الفائقة على تلبية تطلعات وآمال الناس وتحقيق ما هو الحق, ولذلك اصبح الناي يتطلعون الى قوى اخرى بعيدة عن عالمهم تنجدهم وتخلصهم من هذا الظلم والجور المحيق بهم. انه نداء الفطرة في النفوس وفي الضمائر والعقول , ونداء الايمان الذي يملأ القلوب بالعقائد الحقة , والدين القويم الذي جاء ليحرر الانسان من الخرافات والسخافات ومن عبودية الانسان للانسان , ومن ظلمه وجوره , ويعطي للانسان العدل في كل شيء. ولايمكن ان يقوم هذا الايمان والدين على وعود فقط , وعلى الترغيب فقط, بل انه يلبي حاجة الانسان بحقيقة عملية, ولذلك يتحرك الدين مع الانسان في كل شيء ويحقق له العدل في كل شيء - لو تعامل معه معاملة صحيحة وجدية - ومن ذلك مايكون في آخر الزمان , فان حركة الدين المستمرة باتجاه الاحداث كلها , تساعد على اظهار ولي الله صاحب العصر والزمان الامام المهدي عليه السلام ليملأ الارض بالعدل والقسط بعد ان ملئت بالظلم والجور , وتعلو كلمة الحق ويزهق الباطل ( ان الباطل كان زهوقا). وهذا امر واقع لابد منه , وما بيننا وبينه الا ان يأذن الله سبحانه وتعالى ( انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون). ولقد ورد عن رسول الله (ص) قوله ( لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد , لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج رجلا من اهل بيتي , يملأ الارض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا) ( بحار الانوار المجلسي 51/74 ح 26 , روضة الواعظين الفتال النيسابوري ص 261 , مناقب امير المؤمنين عليه السلام , الكوفي 2/173, شرح الاخبار النعمان 3/32) وعن الامام الرضا عليه السلام عن آبائه عن امير المؤمنين انه قال للحسين عليه السلام ( التاسع من ولدك ياحسين هو القائم بالحق , المظهر للدين , الباسط للعدل, قال الحسين عليه السلام فقلت ياامير المؤمنين وان ذلك لكائن ؟ فقال عليه السلام اي والذي بعث محمدا بالنبوة واصطفاه على جميع البرية , ولكن بعد غيبة وحيرة , لايثبت فيها على دينه الا المخلصون المباشرون لروح اليقين ) ( بحار الانوار المجلسي 51/110 ح2) وفي حديث عن الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام عن جده عليه السلام , قال ( قال رسول الله (ص) القائم من ولدي , اسمه اسمي , وكنيته كنيتي , وشمائله شمائلي , وسنته سنتي, يقيم الناس على ملتي وشريعتي , ويدعوهم الى كتاب الله عزوجل , من اطاعه اطاعني , ومن عصاه عصاني , ومن انكره في غيبته فقد انكرني , ومن كذبه فقد كذبني , ومن صدقه فقد صدقني) ( بحار الانوار المجلسي 51/73 ح 19) لماذا الغيبة؟ لم يرد الله لوليه ان يغيب عن عباده , لان الله بمقتضى عدله ولطفه اكد على ان لايخلو زمان ولا مكان ولا امة من وجود الامام , لان وجوده لطف وحافظ لجهات الخير والصلاح للعباد. اذا فالامام موجود بين الناس ولاتخلو الارض منه , الا ان وجوده المباشر بين الناس بحيث يراهم ويرونه ويقوم بما هو من شؤونه عمليا مباشرة ومعهم هذا المعنى غير موجود الان , فقد احتجب الامام المهدي عليه السلام عن الناس بما يسمى ( الغيبة) لضرورات عديدة لم يكن له فيها اختيار , وانما كانت لضرورة نشأت من قبل الناس والعباد انفسهم , حيث ارادوا قتل الامام واستئصال وجوده خوفا منه على شلطانهم وملكهم , وظنا منهم انهم ان فعلوا ذلك بقي لهم الملك ولاعقابهم البقاء والسلطان . وعندما يكون المكلف سببا لمنع وحجب الخير والصلاح والتكليف عن نفسه, خصوصا بعد اقامة الحجة عليه , مع علمه ومعرفته بضرورة الانقياد والطاعة لما يسمى تكليفا , وعندما يسد على نفسه جميع منافذ الوصول الى ما يبرئ ذمته بين يدي الله سبحانه , ويرفع عنه المسؤولية التي يقطع بترتبها على ذمته وكاهله من دون عذر ومبرر مقبول , يكون هو المسؤول عن هذا المنع وعن اسبابه وعن كا مايترتب عليه من تقصير وتفريط في حقه وحق غيره من الناس , لانه كان بأختياره , وما كان بالاختيار لاينافي الاختيار. ولايلزم من ذلك سقوط التكليف عن ذمة المكلفين , وان تسبب الغير في حجب الحجة عنهم , لان التكليف واصل اليهم ومعلوم لديهم . وان كان من امر يتعلق بوجوده عليه السلام فانما هو من الامور الحادثة والمستجدات التي تشهدها الحياة الانسانية وما يتعلق بوجود الامة وكيانها واعتبارها ومواقفها من خصومها وما يتعلق بذلك , فهذه الامور وان حجبت عن الامة ولم تسعد ببركة وجوده عليه السلام وموقفه تجاهها , الا ان الائمة عليهم السلام وقد وضعوا لهذه الفترة ما يكفي من احكام , وارجعوا الناس الى العلماء الابرار الامناء على الدين والدنيا. ولذلك يلزم المكلف ان يسلك الطرق والاسباب التي تحقق براءة الذمة له في ذلك. كما لايلزم من غيبته عليه السلام انتفاء الامامة وانتفاء اعتبارها , فان شيئا من الامور الموجبة لاصل الامامة وضرورة وجودها لم يتغير , فلا تنتفي , بل كون وجوده لطفا الهيا , قائم حتى في حال غيبته , والمنع من هذا اللطف استند الى المكلف وليس من الله , وما تغير هو ظهوره بين الناس اذ لايمكن ظهوره لمانع اوجده الناس. وهذا الموضوع واسع ودقيق , وقد بحثه العلماء والمتكلمون واطالوا فيه فلا نطيل. غيبة بعض الانبياء والاوصياء وغياب الامام المهدي عليه السلام ليس اول غياب حدث في في هذه الامة او بين البشر , فهناك عدة امثلة تحكي غياب عدد من الانبياء عليهم السلام , فالنبي محمد (ص) اختفى في الشعب ثلاث اعوام , واختفى في الغار ثلاثة ايام , وذلك لانهم ارادوا ان يقتلوه ,( اقام النبي (ص) في الشعب ثلاث سنين الا شهرا واشار لذلك في بحار الانوار 19/16 واقام في الغار ثلاثة ايام بعد خروجه من مكة وقبل دخوله المدينة , راجع بحار الانوار ايضا 15/370), والنبي صالح عليه السلام غاب عن قومه مدة من الزمن , وموسى عليه السلام غاب عن قومه ثمان وعشرين سنة. ولا فرق - اذا كان في الغيبة مصلحة - بين طول المدة وقصرها. من هو المهدي عليه السلام ؟ ثم ان الامام المهدي كما اسلفنا من ابناء رسول الله (ص) وابناء فاطمة الزهراء عليها السلام , وهو من اولاد الامام الحسين عليه السلام , فانه ابن الامام الحسن العسكريعليه السلام . ولد سنة 255 هجرية وحجب عن الانظار سنة 260 هجرية حيث عمل سلاطين زمانه وحكامه على قته بعد ان عرفوا انه هو الذي يزيل ملكهم ويستأصل شأفتهم , وانما غيب لعلة الحفظ والانتصار للدين , لان الارض لايمكن ان تخلو من حجة ومن بركة وجوده, ولايمكن ان لاترى العدل والقسط والحق يملأ آفاقها وشعابها وسهولها ووديانها وجبالها وكل شبر منها , لان الله تعالى عدل, وخلق كل شيء بالعدل واراد له العدل , وان يستمر وجوده بالعدل , وسيتحقق كل ذلك على يد صاحب الامر الحجة محمد بن الحسن عليه السلام . فالمهدي عليه السلام موجود حي موجود , ولايمنع من ذلك طول الغيبة وطول الانتظار , وما دام الامر متعلقا بأمر وتدبير الواحد القهار , وان استبعد البعض بقاءه وامتداد عمره هذه المدة الطويلة , فقد اطال الله اعمار جماعة من اليشر الى فترة زمنية اطول من هذه , مما يكشف عن ان الانسان باستعداده الذاتي يمكن ان يعيش آلاف السنين ولا تطرأ عليه التغيرات , فأذا أضفنا الى ذلك العناية الالهية والقدرة والتدبير الالهي في هذا الموضوع , فما هو الاشكال في بقاء الامام عليه السلام مدة طويلة من الزمن تقدر بآلاف السنين .( مع العلم من ينكر وجود الامام المهدي عليه السلام فقد اثبت بقاء جماعة لايزالون احياء ويخرجون مع الامام المهدي عليه السلام منهم الخضر عليه السلام والخضر ولد قبل التبي (ص) بمئات السنين فقد ذكروا انه لايزال حيا وذكروا ايضا ان معمر ابا الدنيا علي بن عثمان بن الخطاب الهمداني حي موجود من زمان النبي (ص) الى خروج المهدي عليه السلام واثبتوا ايضا ان الاعور الدجال موجود ويقتله المهدي عليه السلام عند خروجه ..... أليست هذه الاشكالات في بقاء الامام المهدي عليه السلام ماهي الا عناد صرف وتخرصات على الغيب وسفسطة لاتعني شيئا). الانتفاع منه عليه السلام في غيبته |
الانتفاع منه عليه السلام في غيبته ؟
وقد يتساءل الانسان طالما ان وجود الامام خير وصلاح ورحمة وبركة ومنفعة للانسان , فكيف يمكن الانتفاع منه وهو غائب؟ والامام الصادق عليه السلام يجيب على هذا السؤال ( كما ينتفعون بالشمس اذا سترها السحاب) ( بحار الانوار المجلسي 52/2 ح 6 , الامالي الصدوق ص 253 , ينابيع المو[/html]دة القندوزي 1/76 ح 11 ) انها القوة الخفية الموجودة في الشمس التي ترسلها , والطاقة العالية التي تنبعث منها برغم احتجابها عن الارض بسحب كثيفة. واليوم حيث يعيش الانسان عصر وعالم التقنية العالية وعالم الالكترونيات الفائقة, نرى ان الاجهزة المعقدة ذات الانتاج العالي والطاقة العالية تدار بواسطة لمسة بسيطة منفصلة عن الاجهزة تماما , أليس هذا من جهة ان للطاقة تأثيرها الخاص حتى لو كانت محجوبة !. ونحن حين ندرك ونعرف تماما ان وجود المعصوم ضرورة حتمية في الكون وفي الوجود الانساني , وأن المعصوم مطلقا - نبيا كان او وصيا - له اثره في ذلك من جهة الحفظ والعطاء , ندرك تماما ان المعصوم هو ضمير هذا الكون وقلب هذا الوجود , شاء الله تعالى ان يكون وجوده من الاسباب الحافظة لهذا الكون ولهذا الوجود , فوجوده كوجود غيره من الاسباب الفاعلة والمعطاءة , بل المعصوم هو الرابطة لاستمرار الهداية الالهية بين الخلق , وجعلها باقية وحية في نفوس وضمائر الخلق . ( من هنا نقول ان الامام لايمكن ان يجاور الظالمين في مكان , فما اختاره الله له من مكان لايعلمه الا الله , الا ان غيبة الامام ليست بمعنى انقطاعه عن الناس في مكان لايمكن الوصول اليه ولايعرف, وانما غيبته بمعنى عدم معرفته بشخصه , فهو مع الناس ويرى الناس ويراه الناس , ولكن لايمكن معرفته وتشخيصه بانه الامام , كما حدث هذا لنبي الله يوسف عليه السلام فقد كان موجودا بين الناس ويعرفونه ب ( العزيز) ولايعرف بانه النبي يوسف الى ان اذن الله له ان يكشف عن نفسه , فعرف اخوته بحاله من خلال سؤاله اياهم عنه. ومن هنا ورد في بعض النصوص ان غيبته عليه السلام كغيبة يوسف عليه السلام فعن سدير الصيرفي قال سمعت ابا عبد الله الصادق عليه السلام يقول ( ان في صاحب هذا الامر لشبها من يوسف , فقلت فكأنك تخبرنا بغيبة او حيرة ؟ فقال ماينكر هذا الخلق الملعون اشباه الخنازير من ذلك ! ان اخوة يوسف كانوا عقلاء ألباء اسباطا , اولاد انبياء دخلوا عليه فكلموه وخاطبوه وتاجروه , وراودوه, وكانوا اخوته وهو اخوهم لم يعرفوه حتى عرفهم نفسه , وقال لهم انا يوسف , فعرفوه )( كتاب الغيبة محمد بن ابراهيم النعماني ص 163-164) علامات خروج المهدي عليه السلام ذكر اهل الاثر والحديث والرواة انه تسبق قيام القائم عليه السلام وخروجه حوادث وايات ودلالات , وقد بلغ الحديث عن هذه العلامات من الكثرة حد التواتر, مما يؤكد حدوثها ووقوعها , وهي امور عديدة منها ماروي عن رسول الله (ص) ( الاسلام بدء غريبا وسيعود غريبا كما بدء فطوبى للغرباء)( كتاب الغيبة للنعماني ص 2-1-320) ومنه ماقاله (ص) ( سيأتي زمان على امتي , لايبقى من القران الا رسمه , ومن الاسلام الا اسمه , يسمون به وهم ابعد الناس منه , مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى , فقهاء ذلك الزمان شر فقهاء تحت ظل السماء , منهم خرجت الفتنة واليهم تعود ) ( بحار الانوار المجلسي 52/191 ح 21 , الكافي الكليني 8/308 ح 479, وروي عن الامير عليه السلام باختلاف يسير في لفظه , شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 19/ 299) ومن جملة العلامات الحتمية ( راجع الغيبة للنعماني ص 247 , باب 14 في ذكر العلامات التي تكون قبل قيامه عليه السلام راجع ايضا بحار الانوار ج 52 ص 181 الباب الذي عقده لعلامات ظهوره عليه السلام ) 1- خروج السفياني , يخرج من وادي اليابس بفلسطين 2- خروج اليماني من اليمن لنصرة المهدي عليه السلام 3- الصيحة بين السماء والارض , وهي نداءان الاول اول النهار نداء الحق , والثاني آخر النهار نداء الباطل 4-قتل النفس الزكية بين الركن والمقام , وهو سيد هاشمي يبعثه المهدي عليه السلام الى اهل مكة لنصرته فيقتلونه. 5- طلوع الشمس من المغرب 6-خسف بالمشرق , وخسف في حرستا , وهي قرية في شرق دمشق 7- خسف بالبيداء , وهو يحصل بالجزيرة العربية بين المدينة ومكة 8- نار بالمشرق , تخرج من قعر عدن وهناك علامات اخرى عديدة , من اراد التعرف عليها فليراجع الموسوعات التاريخية التي تتحدث عن الامام المهدي عليه السلام تذكير ولفت نظر ان غياب الامام الحجة عليه السلام عنا وانقطاعه عنه , هذا الانقطاع الذي حرمنا بركة وجوده والمنافع العظيمة الجليلة التي تصدر عنه في الدين والاخلاق وامور الدنيا والاخرة بشكل عام , ونحن ننتظر خروجه , والفرج للمؤمنين بهذا الخروج , ونرجو من الله ان يجعنا ويكتبنا من انصاره ومقوية سلطانه. هذا المعنى يجب ان لايجعلنا نتقاعس عن اداء وظائفنا وواجباتنا تجاه ديننا وتكليفنا , ونتخلى عنها بحجة غياب الامام عنا , وعدم تمكننا من القيام بهذه الواجبات من دونه , بل على العكس فان الواجب علينا في هذه المرحلة بالذات ان نكون دعاة للدين وانصارا له , ونعمل بكل وسيلة على ان يكون الدين واحكام الشريعة متجسدة وفاعلة في كل الشؤون وامور الحياة الدينية والدنيوية , وان لانتواكل في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر , بل يكونان منهجا عمليا في حياة المسلم تجاه المسلمين , لانه بالامر بالمعروف تعمر الارض وتصلح الامور وتموت البدع وتحيا السنن ويتحقق العدل ويكثر الخير , كما ان علينا ان ننشر تعاليمه واحكامه ونربي العقول والنفوس والضمائر على الحق والهدى. كما يجب علينا ان نواجه كل المواقف والسلبيات التي يحاول اعداء الدين بثها واستغلالها ضد الدين والحد من فعاليتها بين المسلمين بالمواقف الايجابية والتعامل مع احكام الدين بشكل موضوعي. واهم شيء لمحاربة العدو في هذه المرحلة هو تجسيد الدين بكل شؤونه في حياة الانسان المسلم وجعله فاعلا ومهيمنا عليه , كما ان علينا ان ننطلق في وظائفنا الدينية من خلال علمائنا الاعلام الذين استخلفهم الائمة الاطهار والذين يشكلون الامتداد الطبيعي لمنهج اهل البيت وعلومهم وآثارهم , لانهم نوابه ووكلاؤه, ومأذون لهم من قبلهم عليهم السلام في ادارة شؤون المسلمين , كما تنص ذلك الروايات والاحاديث, ولكن ليس من خلال كل عالم , بل العالم الذي يكون صورة ونسخة عن الامام في احواله واخلاقه وروحانيته وقدسيته, وبأختصار يكون في اعلى درجات العدالة والوثوق , بل يكون قريبا من العصمة , العلماء الامناء على الدين والدنيا , وليس الاشخاص الذين ينهالون على الرئاسة والزعامة والمرجعية المزيفة, ويتخذونها وسيلة لتحقيق امجادهم ورغباتهم وشهواتهم , ومع ذلك يدعون الناس يعيشون الشك والحيرة في افكارهم وعدم الوضوح في عقائدهم , ويتعاملون مع الناس من خلال بهرجة الالفاظ وتزويقها , فان هؤلاء اخطر على الدين والعقيدة من العدو. ان مراجعنا الاعلام الذين عرفوا بالورع والتقوى ومخالفة الاهواء , والذين اتعبوا انفسهم واجسادهم في طاعة الله وخدمة دين الله, والمحافظة على اسسه وثوابته من كل تحريف وزيغ وباطل, ودافعوا عنه , هؤلاء هم نواب الامام عليه السلام ووكلاؤه في حال غيبته , الذين يلجأ اليهم الناس في طلب الحق والهدى, وعليهم يعتمد الناس في كافة شؤون دينهم ودنياهم , حفظهم الله وصانهم من كل سوء و والحمد لله رب العالمين . فاطمة الزهراء عليها السلام |
فاطمة الزهراء عليها السلام
عقيدتنا في الزهراء عليها السلام انها البضعة البرة الكريمة الطاهرة للنبي (ص) وزوجة وصي رسول الله علي عليه السلام , وام الحسن والحسين عليهما السلام. ولدت فاطمة عليها السلام في مكة المكرمة , سنة خمس من البعثة النبوية الشريفة , واقامت مع ابيها بمكة ثماني سنين , ونشأت في ذلك لبيت الطاهر الكريم في رعاية الاب العظيم محمد (ص) , والام الكريمة خديجة بنت خويلد عليها السلام , ام المؤمنين , ووزيرة صدق في الاسلام , والتي كانت ممن ارسى دعائم الاسلام واسسه بسبقها في الاسلام وبذلها المال في سبيل الله , فنشأت الزهراء على الفضائل والمكارم والاخلاق النبوية. صفاتها عليها السلام كانت الزهراء عليها السلام أشبه الناس برسول الله (ص) واكرمهم عليه واحبهم اليه, وبلغ من حبه لها , انه (ص) كان يكنيها ( ام ابيها) ( كما هو مروي عن الصادق عليه السلام بحار الانوار المجلسي 43/19 ح 19) , اذ كان يجد من فرط حنانها وحبها له مايجعله يذكر امه آمنة بنت وهب , ويذكر مربيته فاطمة بنت اسد ( رضي الله عنها ) التي احتضنته وربته وكانت له بمنزلة الام , حتى قال فيها ( انت امي بعد امي ) (مجمع الزوائد الهيثمي 9/256 , سبل الهدى والرشاد الشامي 11/287, المعجم الاوسط الطبراني 1/67 , كنز العمال المتقي الهندي 12/147) ولفاطمة عليها السلام مكانة عظيمة ومنزلة جليلة عند الله وعند رسوله (ص) , حتى ورد في ذلك العديد من الاحاديث. ففي ( الخصائص ) للشيخ المفيد , عن المسور بن مخرمة , ان النبي (ص) قال ( فاطمة بضعة مني , من اغضبها اغضبني ) ( الطرائف ابن طاووس ص267 , شرح الاخبار القاضي النعمان 3/31 , السنن الكبرى النسائي 5/97, المعجم الكبير الطبراني 22/404 وغيرها كثير ) , وورد ايضا قوله (ص) ( يؤذيني ما يؤذيها ) ( بحار الانوار المجلسي 22/236 , الطرائف ابن طاووس ص 262 , صحيح مسلم النيسابوري 7/141 , مسند احمد بن حنبل 4/5 , سنن الترمذي 5/360 , تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر 3/ 156), . وورد ايضا قول رسول الله (ص) لها ( يافاطمة , ان الله عزوجل يغضب لغضبك , ويرضى لرضاك ) (بحار الانوار المجلسي 43/20 , وروي باختلاف يسير في البحار ايضا 43/53 , مجمع الزوائد الهيثمي 9/203 , الآحاد والمثاني الضحاك 5/ 363 , تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر 3/156). وهي سيدة النساء , فقد ورد في صحيح مسلم ومسند احمد , في حديث مسارة النبي (ص) فاطمة عليها السلام , انه قال لها ( الا ترضين ان تكوني سيدة نساء العالمين , أو سيدة نساء هذه الامة ) ( الطبقات الكبرى ابن سعد 2/27 و 8/27 , بحار الانوار 37/68.) ( وروي قوله (ص) ( سيدة نساء العالمين ) في عدة مصادر , منها ذخائر العقبى الطبري ص 43 فضائل سيدة النساء , عمر بن شاهين ( 385 هجرية) ص 25, تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر 42/134) ( وروي قوله (ص) ( سيدة نساء هذه الامة ) في عدة مصادر منها الامالي الصدوق ص 692, شرح الاخبار النعمان 3/24 , الطرائف ابن طاووس ص 263 , سنن ابن ماجة القزويني 1/518) وروى الصدوق في ( الامالي ) بسنده عن النبي (ص) انه قال في فاطمة ( وانها لسيدة نساء العالمين , فقيل يارسول الله أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال (ص) ذاك لمريم بنت عمران و فأما ابنتي فاطمة , فهي سيدة نساء العالمين و من الاولين والاخرين) ( الامالي الصدوق ص 575 , وروي باختلاف يسير راجع بحار الانوار 14/206 , دلائل الامامة الطبري ص149 , شرح الاخبار القاضي النعمان 3/520 , روضة الواعظين الفتال النيسابوري ص 149) وهذا مايؤيده قوله تعالى ( كنتم خير امة اخرجت للناس ) فقد ورد في ( الدر المنثور ) للسيوطي قال اخرج ابي حاتم عن ابي جعفر عليه السلام في قوله تعالى ( كنتم خير امة اخرجت للناس ) قال ( اهل بيت النبي (ص) ) ( الدر المنثور السيوطي 2/64 , وعنه تفسير الميزان السيد الطباطبائي 3/381) . وكما ورد عن النبي (ص) ان سيدات النساء اربع , قال (ص) ( خير نساء العالمين اربع , مريم بنت عمران , واسية بنت مزاحم , وخديجة بنت خويلد , وفاطمة بنت محمد (ص) ( بحار الانوار 43/36 , كنز العمال المتقي الهندي 12/143 , تفسير ابن كثير 1/371 تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر 70/111 عصمتها عليها السلام |
عصمتها عليها السلام
وفاطمة سلام الله عليها معصومة عصمة مطلقة كعصمة الائمة عليهم السلام ويدل على ذلك قوله ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا ) . وقد تقدم وجه دلالة الاية على عصمتهم عليهم السلام في باب عصمة الائمة عليهم السلام , والمقصود باهل البيت عليهم السلام في الاية هم النبي (ص) وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهما السلام حصرا, وفي ذلك روايات متواترة من الطرفين ( الروايات الواردة في تفسير اية التطهير تنص ان الاية نزلت في هؤلاء الخمسة عليهم السلام , وتجد انها تستثني منها نساء النبي (ص) بل في بعضها ان النبي (ص) جذب الرداء من يد ام سلمة كما في رواية احمد وان النبي (ص9 فسرها بهؤلاء الخمسة , واحاديث الكساء من طرق السنة التي صححها ائمتهم كثيرة وصريحة فيما ذكرنا , فراجع على سبيل المثال مسند احمد 6/292 , صحيح مسلم 7/130 , سنن الترمذي 5/30, مستدرك الحاكم 2/416 , معجم الطبراني 55-54-3/53 , مصنف ابن ابي شيبة 527-7/501 وغيرها كثير جدا ) كما يدل على عصمتها ماتقدم ذكره من ان الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها , فان هذه الاحاديث وغيرها مما يدل على ان لفاطمة خصوصية وفضلا ومكانة عند الله وعصمة. وحديث الثقلين يؤكد عصمتها ايضا , لانها من العترة الطاهرة ومن اهل البيت عليهم السلام , والحديث نص في ان القران لم يفارقهم , وانهم لم يفارقوا القران في شيء ابدا . علمها عليها السلام والزهراء عليها السلام عالمة غير معلمة , علمها من ابيها (ص) وفي خطبتها التي خطبتها عند وفاة ابيها (ص) وعند منع ابي بكر لها من استلام ارض فدك واخذها منها , تنبئ تلك الخطبة عن فصاحة متناهية و وبلاغة عالية , وعلم وافر , واحاطة تامة باحكام الله وكتابالله , مضافا الى مافيها من قوة الحجة والدليل القاطع والبرهان الساطع فيما القته على ابي بكر ومن معه من حجة لها ,مما هو من القران والسنة. وقد اظهرت هذه الخطبة ظلامتها وما جرى عليها من حيف واذى, وانها رجعت مغاضبة للقوم ومتألمة منهم , والنبي (ص) يقول بصريح القول ويعلن اعلانا لالبس فيه ولامجال للتأويل ( فاطمة شعرة مني , فمن آذى شعرة مني فقد آذاني , ومن آذاني فقد آذى الله , ومن آذى الله لعنه الله ملء السماوات والارض) ( بحار الانوار المجلسي 43/54 , اللمعة البيضاء التبريزي الانصاري ص 133). وفاتها عليها السلام خرجت من الدنيا بعد ان كسر ضلعها , واسقط جنينها , وقد نبت المسمار في جنبها , واحرق عليها دارها. هذا مالاقته هذه الصديقة الطاهرة بنت رسول الله (ص) من القوم , وهذا ماهو ثابت بنصوص كثيرة وعديدة من قبل الطرفين (انظر الغدير الشيخ الاميني ج 7 ص 77 وما بعدها فانه اورد بعض ماجرى على الزهراء موثقا بالمصادر) , بما لايقبل الشك والارتياب , ولايشك فيها الا من خالط قلبه الريب . وبقيت غاضبة على القوم حتى خرجت من دار الدنيا بعد وفاة البيها (ص) بثلاثة اشهر (اختار العلامة المجلسي بحار الانوار 43/215 وهناك اقوال كثيرة في ذلك , فقيل انها مكثت بعده خمسا وتسعين يوما , وهو مختار المحدث القمي في منتهى الامال 1/267 , وقيل انها مكثت بعده خمسا وسبعين يوما , وقيل اربعين يوما كما اختاره ابن شهر آشوب في المناقب 3/132 , وقيل بعده بستة اشهر وهو مروي عن عائشة كما في المستدرك للحاكم النيسابوري 3/162 وقيل غير ذلك ), ودفنت ليلا سرا بعد ان اوصت بذلك , كما اوصت ان لايحضر جنازتها احدا منهم .(بحار الانوار 43/192). وقيل دفنت بالبقيع (مناقب آل ابي طالب , ابن شهر آشوب 3/132) , والاشهر انها دفنت بالروضة النبوية (اختاره ابو جعفر الطوسي , راجع بحار الانوار 43/185 ح 17), وما ورد من قوله (ص) ( بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة )( بحار الانوار المجلسي 43/185 , مسند ابي يعلى 2/496 , تاريخ مدينة دمشق 22/177) اشارة الى قبر فاطمة عليها السلام . هذه لمحة سريعة عن الزهراء عليها السلام تبين عقيدتنا فيها الفصل السابع ( المعاد) |
الفصل السابع ( المعاد)
يعتقد الشيعة ان الله تعالى لابد ان يعيد الانسان بعد الموت وفناء الجسد الى الحياة من جديد , يبعثه بروحه وجسده الذي كان عليه في دار الدنيا خلقا جديدا , ليحاسب على اعماله التي سلفت منه في دار الدنيا , ويجزيه عليها , انخيرا فخير وان شرا فشر . فمرحلة الحياة الدنيويةتنتهي لتبدأ مرحلة جديدة من الوجود. وقد اشار القران الكريم الى هذا المعنى بقوله ( كل نفس ذائقةالموت ثم الينا ترجعون ). وهذا الامر- اي المعاد - مما اتفقت عليه الاديان السماوية باجمعها , والاعتقاد بع عند المسلمين يعتبر من الضروريات الدينية والعقائد الاسلامية , ويعتبر منكره من الخارجين من الاسلام , وانه من الكافرين , وقد صرح يذلك القران الكريم , قال تعالى ( اليه مرجعكم جميعا , وعد الله حقا, انه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط). وقال سبحانه ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه وله المثل الاعلى في السماوات والارض وهو العزيز الحكيم ) وقال تعالى ( وقالوا أاذا كنا عظاما ورفاتا أنا لمبعوثون خلقا جديدا , قل كونوا حجارة أو حديدا , أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم اول مرة). وغير ذلك من الايات القرانية التي تؤكد بشكل قاطع جازم العودة بعد الموت الى الحياة للحساب والجزاء. وهذا امر مفروغ منه لدى المسلمين, فان من يعتقد بالله سبخانه وتعالى ربا , ويعتقد بالنبي محمد (ص) رسولا, ويعتقد بالاسلام دينا جاء به النبي الاكرم و ويصدق بكل ماجاء به واخبر به من عند الله , لابد ان يؤمن بما اخبر به بالنسبة للمعاد والبعث والحشر والثواب والعقاب. المعاد من مقتضيات العدل ويدل على ذلك - اي ضرورة المعاد - ان العدل الالهي يقتضي المعاد وعودة الاجساد الى الحياة للحساب,فليس من العدل ان يترك الله سبحانه عباده بلا حساب على اعمالهم وافعالهم التي امرهم بها , أو على اعمالهم وافعالهم التي نهاهم عنها , والتي قاموا بها واجترحوها في احوالهم المختلفة , ولايجازي المحسن على احسانه , والمسيء على اساءته. وكذلك ليس من العدل مساواة المحسن والمسيء في الجزاء , اذا لم يكن معاد ولم يكن حساب , والا لانتفت الاهداف القيمة من الخلق والايجاد , وضاعت الحكمة من ذلك. والحكمة البالغة في هذا الخلق والايجاد تتجلى في عالم الاخرة وما بعد الموت, كما هو واضح واكيد في عالم الدنيا , اذ ليس من المعقول ان تنتهي الحكمة والغاية والاهداف كلها بموت الانسان , ولايمكن ان تضيع جهود الانسان وآماله بالموت. فالذي يعمل الخير والاحسان ويتفانى في سبيل الخير والصلاح ويبذل جهوده وسخر امكانياته ليل نهار في سبيل ذلك, وتنتهي هذه كلها بالموت ولا شيء له ولا ثواب, وكذلك من يدمر البشرية بالفساد والسوء وكل اعمال الشر , وينتهي امره بالموت ولاعقاب ولاشيء عليه , امر غير مقبول وغير معقول ان يصدر من اله حكيم عادل قادر وهو الله سبحانه. فهذا الوجود لابد ان يتكامل مع الغايات السامية الرفيعة , ولن يكون ذلك الا بالمعاد والحساب على الاعمال , لتكمل صورة الحكمة الالهية , وهذا اولا .. وثانيا ان الاثار الجليلة من القران الكريم والاخبار الشريفة الواردة عن اهل بيت العصمة عليهم السلام تؤكد هذه الحقيقة ( أما الايات ) فقوله تعالى ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون * وخلق الله السماوات والارض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لايظلمون ) وقوله تعالى ( يوم تجد كل نفس ماعملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا) ( واما الاخبار الشريفة ) فقد قال رسول الله(ص) ( يابني عبد المطلب ان الرائد لايكذب اهله , والذي بعثني بالحق لتموتن كما تنامون , لتبعثن كما تستيقظون , وما بعد الموت دار الا جنة او نار , وخلق جميع الخلق وبعثهم على الله عزوجل كخلق نفس واحدة وبعثها, قال تعالى ( ماخلقكم ولابعثكم الا كنفس واحدة) )( بحار الانوار المجلسي 7/47) وقال الباقر عليه السلام ( كان فيما وعظ لقمان ابنه ان قال يابني ان تك في شك من الموت فارفع عن نفسك النوم , ولن تستطيع ذلك , وان كنت في شك من البعث , فارفع عن نفسك الانتباه , ولن تستطيع ذلك , فانك اذا فكرت في هذا علمت انك بيد غيرك , وانما النوم بمنزلة الموت , وانما اليقظة بعد النوم بمنزلة البعث بعد الموت )( بحار الانوار المجلسي 7/42 ح13) وعن النبي (ص) ( ماخلقتم للفناء يل خلقتم للبقاء , وانما تنتقلون من دار الى دار )(بحار الانوار المجلسي 6/249ح 87) وقال الامام علي عليه السلام ( ايها الناس انا خلفنا واياكم للبقاء لا للفناء , ولكنكم من دار ( الى دار ) تنتقلون فتزودوا لما انتم صائرون اليه وخالدون فيه ) ( بحار الانوار المجلسي 68/265 ح6 , الارشاد المفيد 1/238, الامالي الطوسي ص 216) ان رحلة الوجود لن تنتهي بالموت , والموت ليس عدما وفناء , وانما هو تبدل صورة , لان الانسان لما خلق من تراب - وهذا اصله - يعود الى التراب ثم يخرج من التراب , وهذا مانصت عليه الاية الكريمة ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى ). وقال امير المؤمنين عليه السلام ( حتى اذا تصرمت الامور , وتقضت الدهور , وازف النشور , اخرجهم من ضرائح القبور , واوكار الطيور , واوجرة السباع , ومطارح المهالك , سراعا الى امره , مهطعين الى معاده ) ( بحار الانوار 7/112 , شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 6/249, تصنيف نهج البلاغة ص 254) وما اكثر ماورد في المعاد من الايات والاخبار والاقوال التي تؤكد ضرورته ولزومه للانسان بعد الموت , تمشيا مع الحكمة الالهية والعدل الالهي المناسب والملائم للخلق والايجاد والتكليف , فالمعاد لابد منه وهو امر ثابت عقلا ونقلا , والفطرة تؤكده وكفى بذلك دليلا على ثبوت هذا الاصل , الذي هو الاصل الخامس من اصول الدين المعاد الجسماني |
المعاد الجسماني
المعاد الذي تحدثنا عنه واكدنا ضرورته عقلا ونقلا في حياة وكيان الانسان , انما هو المعاد الجسماني , اي ان الله سبحانه وتعالى يعيد كل جسم كما كان عليه في دار الدنيا بروحه وجسده وصورته , وهذا من ضروريات الدين الاسلامي , وتدل عليه الايات الكريمة قال تعالى ( أولم ير الانسان أنا خلقناه من نطفة فأذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي انشأها اول مرة وهو بكل خلق عليم ). وقال تعالى ( ويقول الانسان أأذا مامت لسوف اخرج حيا * أولا يذكر الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ) وقال تعالى ( أيحسب الانسان ألن نجمع عظامه * بلى قادرين على ان نسوي بنانه). وقال تعالى ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ). وقال تعالى ( حتى اذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وابصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون * وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شيء) قصص تؤكد المعاد الجسماني وقد اشار القران الى عدة قصص تؤكد هذا الواقع منها قصة عزير قال تعالى ( أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم , قال بل لبثت مائة عام فانظر الى طعامك وشرابك لم يتسنه , وانظر الى حمارك ولنجعلك آية للناس , وانظر الى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم ان الله على كل شيء قدير ) ومنها قصة الزنديق وورد عن هشام بن الحكم ان الزنديق قال للامام الصادق عليه السلام ( انى للروح بالبعث, والبدن قد بلي , والاعضاء قد تفرقت , فعضو في بلدة تأكلها سباعها , وعضو بأخرى تمزقه هوامها , وعضو قد صار ترابابني به مع الطين حائط؟ قال عليه السلام ان الذي أنشأه من غير شيء وصوره على غير مثال كان سبق اليه , قادر ان يعيده كما بدأه ) ( بحار الانوار المجلسي 7/37 ح 5 ). ومنه قصة ابراهيم عليه السلام في حديث عن ابي عبد الله عليه السلام ( أن ابراهيم نظر الى جيفة على ساحل البحر تأكلها سباع البر وسباع البحر , ثم يثب السباع بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا , فتعجب ابراهيم عليه السلام فقال ( واذ قال ابراهيم رب ارني كيف تحيي الموتى ) فقال الله له ( أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن اليك ثم أجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم ). فأخذ ابراهيم صلوات الله عليه الطاووس والديك والحمام والغراب , قال الله عزوجل ( فصرهن اليك ) اي قطعهن ثم اخلط لحماتهن ( لحمهن ) وفرقها على (كل) عشرة جبال , ثم خذ مناقيرهن , وادعهن ياتينك سعيا . ففعل ابراهيم ذلك , وفرقهن على عشرة جبال , ثم دعاهن فقال اجيبيني بإذن الله تعالى , فكانت يجتمع ويتألف لحم كل واحد وعظمه الى رأسه , وطارت الى ابراهيم , فعند ذلك قال ابراهيم , ان الله عزيز حكيم )( بحار الانوار المجلسي 7/36) هذه كلها تأكيدات على ان هذه الاجساد ستعود الى الحياة يقدرة الله تعالى كما خلقها اول مرة , فما دام الانسان يدور في عالم الامكان , ويخضع في كل خصوصياته وشؤونه للقدرةالالهية البالغة التي تتحكم فيه وفي هذا الوجود , وما دام غير قادر على ان يدرك سر الامور الغيبية التي منها المعاد , ولكنه يدرك تماما ان القدرة الالهية ليست لها حدود ولايمكن ان يتطرق اليها الشك,فليترك الامر كله لله , وهكذا يعود الانسان بعد الموت ليجد عمله حاضرا ليحاسب عليه ويثاب عليه أو يعاقب ان خيرا فخير , وان شرا فشر . انكار المعاد ضلال ولذلك كان من ينكر المعاد الجسماني عندنا خارج الاسلام , لانه ينكر قدرة الله ويشكك في ان الله قادر على اعادة الاجسام الىما كانت عليه من قبل أ/ لا , وهذا عين الكفر والضلال , أعاذنا الله من مزالق الاقدام . واعتقد ان ماذكرناه فيه الكفاية للاستدلال علىالمعاد وعلى عودة الاجساد بارواحها , وعلى عدم لحوق هذه الارواح باجساد اخرى , وانما هي خالدة وباقية في عوالمها , ولكل جسد روح , ولكل نفس جسد , هكذا خلق الله الخلق وكونه . عوالم مابعد الموت |
عوالم مابعد الموت
عالم مابعد الموت غيبي, ومن الصعب جدا ان يكون للعقل فيه مجال, لقصوره عن ادراك الغيبيات, ولذلك لاطريق لنا الى هذه العوالم الا ماتحدث به القران الكريم وورود عن النبي واهل البيت عليهم السلام , وما ذكره القران في هذا الشأن وتحدث به النبي واهل البيت عليهم السلام قطعي , لان القران كلام الله , والنبي (ص) واهل البيت عليهم السلام مصدقون في كل مايخبرون به لعصمتهم. عوالم القبر هناك عوالم تبدأ من حين رحلة الموت , ويواجهها الانسان تباعا ويعيشها بمفرده من دون ان يكون معه احد , لا من اهله ولا من اولاده ولا من اصدقائه ولا الاخلاء والاحباء, ينفرد بعمله, ويسأل عن هذا العمل الذي هو الاساس في حياته الدنيا والاخرة, فما يواجهه الانسان في القبر امور 1- عودة الحياة للميت وهذا من الامور الثابتة والاكيدة عند المسلمين , للمحاسبة على اعماله , وقد تحدث القران عن هذه العودة , قال تعالى ( قالوا ربنا امتنا اثنتين واحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل الى خروج من سبيل) فقد ثبت بنص القران ان للانسان حياتين ومماتين قبل يوم القيامة , ان الحياة الاولى في الدنيا , والحياة الثانية في القبر, والموتة الاولى في الدنيا , والموتة الثانية في البرزخ. فالثابت يقينا وعلى كل الاقوال أنه لابد من حياة في القبر يحياها المرء بعد نزوله فيه , هي حياة البرزخ. يقول امير المؤمنين عليه السلام للتأكيد على العودة الى الحياة في القبر ( حتى اذا انصرف المشيع ورجع المستفجع , اقعد في حفرته نجيا, لبهتة السؤال , وعثرة الامتحان )( خطب نهج البلاغة محمد عبده 1/145 شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 6/270 في خطبة له في صفة خلق الانسان بحار الانوار 6/243 ح 69) 2- سؤال منكر ونكير ومن الامور التي يواجهها الميت في القبر, سؤال الملكين المسمين بمنكر ونكير , والسؤال يكون بعد عودة الحياة اليه , ويكون السؤال عن دين الانسان , وعقيدته وايمانه , وعن نبيه وامامه , وعن القران , وقد يسأل عن بعض الاعمال الاخرى. يقول الامام زين العابدين عليه السلام في هذا المقام ( وكأن قد اوفيت اجلك , وقبض الملك روحك, وصرت الى منزل وحيدا , فرد اليك فيه روحك , واقتحم عليك فيه ملكاك منكر ونكير لمسائلتك , وشديد امتحانك , ألا وان أول ما يسألانك عن ربك الذي كنت تعبده وعن نبيك الذي ارسل اليك, وعن دينك الذي تدين به , وعن كتابك الذي كنت تتلوه , وعن امامك الذي كنت تتولاه , ثم عن عمرك فيما افنيته , ومالك من اين اكتسبته وفيما اتلفته , فخذ حذرك وانظر لنفسك , وأعد الجواب قبل الامتحان , والمسألة قبل الاختبار )( بحار الانوار المجلسي 6/223 ح 24). فالسؤال لابد منه في القبر , والحساب لابد من ان يجري ويكون لمن محض الايمان , ومن محض الكفر محضا , واما غيرهما فقد يلهى عنه , وان القبر بعد ذلك اما روضة من رياض الجنة اذا جاء الجواب بالحق والصواب , واما حفرة من حفر النار اذا جاء الجواب على خلاف الحق 3- عذاب القبر |
3-عذاب القبر
وعذاب القبر ثابت ايضا لمن محض الكفر محضا , واكد هذا المعنى القران الكريم بقوله تعالى ( النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب )وورد في الحديث عن البراء بن عازب قال ( خرجنا مع رسول الله (ص) على جنازة رجل من الانصار , فانتهينا الى القبر ولم يلحد بعد , قال فقعدنا حول النبي (ص) فجعل ينظر الى السماء , وينظر الى الارض وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثا , ثم قال اللهم اني اعوذ بك من عذاب القبر ) ( المستدرك الحاكم 1/37 وروي عن البراء ايضا بالفاظ مختلفة , انظر مسند احمد 4/287 , سنن ابي داوود , السجستاني 2/254 , وغيرهما ) وقيل اكثر مايكون عذاب القبر من سوء الخلق ( فقد روي ان سعد بن معاذ على جلالته اصابته ضمة القبر , وحين سئل النبي (ص) عن ذلك قال انه كان في خلقه مع اهله سوءا , انظر بحار الانوار 8/220 ح 14 ), ومن النميمة , ومن الغيبة , ومن الاستخفاف بالبول ( بحار الانوار المجلسي 6/245 ح 72) 4- ضغطة القبر والميت يضغط في القبر ضغطة قوية , يقول امير المؤمنين عليه السلام ( وقبل بلوغ الغاية ما تعلمون , من ضيق الارماس , وشدة الابلاس , وهول المطلع , وروعات الفزع , واختلاف الاضلاع ) ( خطب نهج البلاغة الشيخ محمد عبده 2/130 , بحار الانوار المجلسي 6/244 ح 70 , الارماس القبور , الايلاس حزن في خذلان ويأس). واختلاف الاضلاع , كناية عن ضغطة القبر , اذ يحصل بسببها تداخل الاضلاع واختلافها . هذا وقد دلت على هذه النقطة اخبار كثيرة وعديدة . فقد روي ان النبي (ص) - لما توفيت فاطمة بنت اسد - نزل في قبرها , وفرش قبرها بثوبه , ليأمن على فاطمة من ضغطة القبر. ( كنز العمال المتقي الهندي 12/147 , المعجم الكبير الطبراني 24/352 , سبل الهدى والرشاد الشامي 11/287). وقال ابو بصير سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول ( ان رقية بنت رسول الله (ص) لما ماتت , قام رسول الله (ص) على قبرها , فرفع يده تلقاء السماء ودمعت عيناه , فقالوا يارسول الله انا قد رايناك رفعت راسك الى السماء , ودمعت عيناك ؟ فقال اني سألت ربي ان يهب لي رقية من ضمة القبر ). وفي حديث قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول ( خاطب رسول الله (ص) قبر سعد , فمسحه بيده واختلج بين كتفيه , فقيل له يارسول الله , رايناك خاطبت واختلج بين كتفيك , وقلت سعد يفعل به هذا ! فقال انه ليس من مؤمن الا وله ضمة ) ( كتاب الزهد , الحسين بن سعيد الكوفي , ص 88 ح 234 و ح 235, وعنه بحار الانوار المجلسي 6/127 ح 10 و ص 221 ح 19 ). وقال رسول الله (ص) ( ضغطة القبر للمؤمن كفارة لما كان منه في تضييع النعم ) ( امالي الصدوق ص 632 ح2 , المجلس 80 , وعنه بحار الانوار 6/221 ح 18 ). وهذه الامور متسالم عليها بيم المسلمين عامة , ولا ينكرها احد منهم , ولا حاجة للاطالة فيما يتعلق بها , اذ يكفي الاعتقاد الاجمالي. البرزخ |
البرزخ
من عوالم مابعد الموت البرزخ يؤمن الشيعة بعالم البرزخ , وهو العالم بين الدنيا والاخرة , ويكون البرزخ بعد الدفن بالقبر , وقد دلت الاية الكريمة عليه قال تعالى ( حتى اذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون) وقال تعالى (كيف تكفرون بالله وكنتم امواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم اليه ترجعون) فان ذكر الرجوع الى القيامة بين حياتين يشير الى عالم البرزخ قبل يوم القيامة. وتوجد آيات اخرى تؤكد على عالم البرزخ . أما الروايات فهي عديدة , وكلها تشير الى هذا العالم وما يكون فيه فعن عمرو بن يزيد , قال ( قلت لابي عبد الله عليه السلام اني سمعتك وانت تقول , كل شيعتنا في الجنة على ما كان فيهم ! قال صدقت , كلهم والله في الجنة , قال قلت جعلت فداك , ان الذنوب كثيرة كبار؟ قال أما في القيامة فكلكم في الجنة بشفاعة النبي المطاع أو وصي النبي , ولكني والله اتخوف عليكم في البرزخ , قلت وما البرزخ ؟ قال القبر منذ حين موته الى يوم القيامة ) ( الكافي الكليني 3/243 ح 3, بحار الانوار المجلسي 6/267 ح 116) ويقوا امير المؤمنين عليه السلام ( سلكوا في بطون البرزخ سبيلا , سلطت الارض عليهم فيه فأكلت من لحومهم ) ( شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 11/150 , بحار الانوار 74/433, من كلام له عليه السلام بعد تلاوة سورة الكوثر) فعالم البرزخ عالم خاص يبدأ بما بعد الموت , لان الميت قد لايكون له قبر ومع ذلك يكون له برزخ , وهذا امر ثابت بين المسلمين. وهو عالم يتعلق بالارواح كما يستفاد من بعض الروايات , وفيه عالم الثواب والعقاب, حيث تنتقل ارواح المؤمنين الى جنات يتنعمون فيها , وهناك ارواح تعذب حيث تنتقل الى اماكن العذاب , وليس من الضروري ان نعرف كيفية النعيم والعذاب في هذا العالم وان كانت هناك اخبار تذكر شيئا عنه, فقد روي انه سئل الصادق عليه السلام عمن مات في هذه الدار أين تكون روحه؟ فقال (من مات وهو ماحض للايمان محضا أو ماحض للكفر محضا نقلت روحه من هيكله الى مثله في الصورة , وجوزي باعماله الى يوم القيامة, فاذا بعث الله من في القبور انشأ جسمه ورد روحه الى جسده وحشره ليوفيه اعماله) ( بحار الانوار المجلسي 6/253) أما الانبياء والاوصياء عليهم السلام فيظهر ان لهم عالما خاصا وحياة خاصة ,فأجسادهم وارواحهم تنقل الى المكان الذي يتنعمون فيه . وقد ورد عن النبي (ص) انه قال ( من صلى علي عند قبري سمعته, ومن صلى علي من بعيد بلغته) وانه (ص) قال ( من صلى علي مرة صليت عليه عشرا , ومن صلى علي عشرا صليت عليه مائة, فليكثر امرؤ منكم الصلاة علي أو فليقل ) ( بحار الانوار المجلسي 6/254) ولاشك ولاريب انه لو لم تكن له حياة , فكيف يسمع وكيف يرد الجواب , وقد قال هو (ص) ((سمعته)) (( بلغته )) وهذا دليل انه (ص) حي عند الله تعالى,وهكذا حال الائمة عليهم السلام وقد قال تعالى ( ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون ) فالحياة للانبياء والاوصياء والشهداء حياة خاصة , جعلها الله سبحانه لهم, واما غيرهم من البشر , فالمؤكد من الاخبار ثبوت عالم البرزخ لهم. وقد ثبت ان النبي (ص) وقف على قليب بدر , وقد القي فيه قتلى المشركين وخاطبهم قائلا ( لقد كنتم جيران سوء لرسول الله , اخرجتموه من منزله وطردتموه, ثم اجتمعتم عليه فحاربتموه , فقد وجدت ماوعدني ربي حقا , فقال له عمر يارسول الله ما خطابك لهام قد صديت - اي ماتت _ ! فقال له (ص) مه يا ابن الخطاب , فو الله ماانت باسمع منهم, وما بينهم وبين ان تأخذهم الملائكة بمقامع الحديد , الا ان اعرض بوجهي هكذا عنهم ) ( بحار الانوار المجلسي 6/254 المقامع جمع مفمعة وهي خشبة او حديدة يضرب بها الانسان ليذل) وهكذا فعل امير المومنين عليه السلام بقتلى البصرة يوم الجمل مع الذين خرجوا لقتاله , فقد أقعد كعب بن سورة - وكان قاضيا على البصرة, وقد خرج لقتال علي عليه السلام يوم الجمل باهله وولده وقد علق القران في عنقه يقاتل امير المؤمنين عليه السلام فقتلوا باجمعهم -, فوقف عليه امير المؤمنين وهو صريع بين القتلى فقال ( أجلسوا كعب بن سورة , فأجلس بين نفسين , فقال ياكعب بن سورة, قد وجدت ماوعدني ربي حقا , فهل وجدت ماوعدك ربك حقا ؟ ثم قال اضجعوا كعبا , وسار قليلا فمر بطلحة بن عبد الله صريعا , فقال اجلسوا طلحة , فأجلسوه , فقال ياطلحة قد وجدت ماوعدني ربي حقا فهل وجدت ماوعدك ربك حقا ؟ ثم قال اضجعوا طلحة , فقال له رجل من اصحابه يا امير المؤمنين ماكلامك لقتيلين لايسمعان منك ؟ فقال يارجل فوالله لقد سمعا كلامي كما سمع اهل القليب كلام رسول الله (ص) )( بحار الانوار المجلسي 6/255) ان الامر في هذه القضايا التي ذكرنا , ما كان لنا ان نؤمن بها الايمان القطعي لولا اخبار الله سبحانه وتعالى بها في كتابه المجيد , ولايمكن ان يخبرنا القران عن وهم وخيال , وانما يخبرنا عن حقائق ثابتة في عالم الانسان والوجود , وكذلك اخبار النبي (ص) , فالنبي (ص) معصوم مصدق في كل مايخبر به لانه لاينطق عن الهوى , ان هو الا وحي يوحى النفخ في الصور |
النفخ في الصور
قال تعالى ( ونفخ في الصور فاذا هم من الاجداث الى ربهم ينسلون ) وقال سبحانه ( ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الارض الا من شاء الله ثم نفخ فيه اخرى فاذا هم قيام ينظرون) وهذا يكون بعد فناء كل شيء في هذا الوجود فناء كاملا , لايبقى شيء على طبيعته - كما يستفاد ذلك مما ورد في القران الكريم - وقدرة الله تعالى هي المتحكمة والفاعلة في كل شيء. قال تعالى ( يوم تبدل الارض غير الارض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار ) وقال تعالى ( يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) وقال تعالى ( اذا السماء انفطرت* واذا الكواكب انتشرت*واذا البحار فجرت* واذا القبور بعثرت ) ويقول امير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة ( هو المفني لها بعد وجودها, حتى يصير موجودها كمفقودها, وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها, بأعجب من انشائها واختراعها) ويقول عليه السلام ( ثم هو يفنيها بعد تكوينها , لا لسأم عليه في تصريفها وتدبيرها, ولا لراحة واصلة اليه, ولا لثقل شيء منها عليه , لايمله طول بقائها فيدعوه الى سرعة افنائها, ولكنه سبحانه دبرها بلطفه, وامسكها بأمره, وأتقنها بقدرته , ثم يعيدها بعد الفناء من غير حاجة منه اليها, ولا استعانة بشيء منها عليها) (شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 125 -2/124 تصنيف نهج البلاغة ص 148) الحشر تحدث القران عن الحشر , فقال تعالى ( اليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط) وقال ( وان ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم ) وقال ( وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا ) وغيرها من الايات الميزان نص القران على ميزان الاعمال قال تعالى ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وان كان مثقال حبة أتينا بها وكفى بنا حاسبين) وقال تعالى ( فأما من ثقلت موازينه* فهو في عيشة راضية* وأما من خفت موازينه* فأمه هاوية) وقال تعالى ( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون* ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا انفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) ماهو الميزان ؟ فأصل الميزان لاكلام فيه ابدا , وانما الكلام في ان الميزان هل هو مادي , اي ميزان له كفتان توزن فيه الاعمال , أم انه ميزان غير مادي بل شيء آخر؟ الظاهر من الاخبار أنه ليس ماديا , والمستفاد منها ان الميزان هو العدل بين الاعمال بحيث يرجح هذا العمل على غيره. روي هشام بن الحكم أنه الزنديق سأل الامام أبا عبد الله عليه السلام فقال ( أو ليس توزن الاعمال ؟ فقال عليه السلام لا , ان الاعمال ليست بأجسام , وانما هي صفة ماعملوا , وانما يحتاج وزن الشيء من جهل عدد الاشياء ولا يعرف ثقلها وخفتها , وان الله لايخفى عليه شيء. قال فما معنى الميزان ؟ قال عليه السلام العدل , قال فما معناه في كتابه ( فمن ثقلت موازينه) قال فمن رجح عمله )( بحار الانوار المجلسي 249-7/248 ح3) وقال الشيخ المفيد ( والموازين هي التعديل بين الاعمال والجزاء عليها , ووضع كل جزاء موضعه, وايصال كل ذي حق الى حقه (.....) والمراد بذلك ان ما ثقل منها هو ماكثر واستحق عليه عظيم الثواب , وما خفت منها ما قل قدره ولم يستحق عليه جزيل الثواب ) ( تصحيح اعتقادات الامامية الشيخ المفيد ص 114) ويؤيده ماورد عن رسول الله (ص) قال ( ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق ) ( بحار الانوار المجلسي 7/249 ح 7 ) ومهما يكن من امر فليس من الضروري ان نعرف حقيقة الميزان ولا كيفية الوزن , فأن الاعتقاد بأصل الميزان كاف تطاير الكتب |
تطاير الكتب
المقصود بالكتب كتب الاعمال , فان لكل انسان كتابا تحصى وتدون فيه أعماله باجمعها , الصغير والكبير , الجليل والحقير , حتى النفخة في الرماد , ورمشة الجفن - خاصة اذا كانت تحكي شيئا وتشير الى مقصود يصدق عليه انه عمل - , بل ان الخواطر قد تسجل ايضا حين تحكي ايمانا واعتقادا. وحين يقدم الانسان على ربه للحساب يعطى كتاب الاعمال , فيجد كل هذه الامور التي فعلها في دار الدنيا مسجلة ومدونة فيه . قال تعالى ( ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا ) فالنصوص القرانية على هذا الامر ثابتة - كما يستفاد من هذه الاية وغيرها- , قال تعالى ( وكل انسان الزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا* أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) وقال تعالى ( فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا * وينقلب الى أهله مسرورا* وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبورا * ويصلى سعيرا) تكلم الجوارح الجوارح هي أعضاء الانسان من اليد, واللسان , والعين , والاذن, والجلود , فكلها تشهد غدا على الانسان بما عمل بها من اعمال , فينطق الله هذه الجوارح , وتكون شاهدة عليه في افعاله واعماله , لان شهادة الانسان بنفسه على نفسه , وشهادة جوارحه عليه , أبلغ وآكد في الزامه الحجة , فهو اقرار منه بما فعل , هذا أولا .. وثانيا ليتأكد للانسان انه غير مهمل ولا متروك في شأن من شؤونه. وقد نص القران الكريم على شهادة الجوارح على الانسان ونطقها. قال تعالى ( اليوم نختم على افواههم وتكلمنا ايديهم وتشهد ارجلهم بما كانوا يكسبون ) وقال تعالى ( اليوم تشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يعملون ) وقال تعالى ( حتى اذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وابصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون * وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي انطق كل شيء وهو خلقكم اول مرة واليه ترجعون ) الحوض وهو حوض النبي (ص) وقد وصفه النبي (ص) كما في الحديث المروي عن الاصبغ بن نباتة عن ابي ايوب الانصاري ( ان رسول الله (ص) سئل عن الحوض فقال أما اذا سألتموني عنه فسأخبركم , ان الحوض اكرمني الله به ,وفضلني به على من كان قبلي من الانبياء, وهو مابين ايلة وصنعاء, فيه من الآنية عدد نجوم السماء , يسيل فيه خليجان من الماء , ماؤه اشد بياضا من اللبن , واحلى من العسل , حصاه الزمرد والياقوت , بطحاؤه مسك أذفر , شرط مشروط من ربي , لايرده اخد من امتي الا النقية قلوبهم , الصحيحة نياتهم , المسلمون لوصي من بعدي , الذين يعطون ماعليهم في يسر , ولا يأخذون مالهم (عليهم ) في عسر ... الحديث ( بحار الانوار المجلسي 22-8/21 ح 14 ) والروايات في الحوض ووصفه كثيرة جدا , ومفادها انه حوض للنبي (ص) والساقي فيه هو علي بن ابي طالب عليه السلام يسقي منه المؤمنين , ويذود عنه المنافقين الشفاعة |
الشفاعة
الشفاعة من الامور الثابتة , والتي اتفق عليها العلماء من الشيعة والسنة ايضا, ويعتقد بها الشيعة اعتقادا جازما. فقد اجمع علماء الاسلام على ان النبي (ص) أحد الشفعاء , أما الامامية , فقد اتفقت كلمتهم على انها للنبي (ص) والائمة عليهم السلام وبعض المؤمنين. ومعنى الشفاعة هي طلب النبي او احد الائمة عليهم السلام الذين ثبت لهم الشفاعة في غفران ذنوب العاصين وأهل الكبائر والعفو عنهم والتجاوز عنهم, فهي تكون للعصاة, والشافع هو النبي (ص) والائمة عليهم السلام , وتكون للمؤمنين ايضا. فعن النبي (ص) ( الشفاعة لأهل الكبائر من أمتي )( مسند ابي داوود الطيالسي ص270 المستدرك الحاكم النيسابوري 1/69) ولا مانع من ذلك عقلا , فانه تعالى ولي الامور , وله الامر والشأن في كل شيء يتعلق بأمور العباد , الدنيوية والاخروية , والتي منها الصفح والعفو والتجاوز منه ابتداء. الشفاعة في القران الكريم ورد في الكتاب العزيز قوله تعالى ( ان الله لايغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقوله تعالى ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفو عن كثير) فالله سبحانه وعد بالمغفرة والعفو عن الذنوب , ثم جعل سبحانه لذلك اسبابا عديدة فمن اسباب العفو والصفح التوبة قال تعالى ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات) ومن جملة اسباب العفو ايضا الشفاعة فانه تعالى اقرها وجعلها من الاسباب للرحمة والعفو بواسطة النبي (ص) كما قال تعالى ( ولو انهم اذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ) هذا في الدنيا , وكذلك تكون الشفاعة من الرسول (ص) موجبة للعفو والرحمة والصفح في الاخرة , وقد اقرها القران الكريم وتحدث عنها بشكل واسع , مما لامجال للنقاش فيها أو التوقف في أمرها. فقال تعالى ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون * لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون* يعلم مابين ايديهم وما خلفهم ولايشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ) وقال تعالى ( يومئذ لاتنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ) وقال تعالى( لايملكون الشفاعة الا من أتخذ عند الرحمن عهدا ) وغيرها من الايات كثير الشفاعة في الاخبار أما الاخبار في الشفاعة فكثيرة جدا , مما يوجب اليقين والايمان بثبوتها ووقوعها , وأنها ثابتة لأقوام معينين , وهم من كانوا مؤمنين يقرون بالاسلام والايمان و ولايخرجون عن الايمان بذنوبهم , فتكون الشفاعة لهم وسيلة للنجاة من العذاب ودرء العقاب عنهم. والشفاعة تكون من النبي (ص) والائمة الاطهار الذين ارتضى الله لهم الشفاعة, وكذلك يمكن أن يأذن الله سبحانه للمؤمنين في الشفاعة لأهل المعاصي. في الحديث عن أمير المؤمنين أنه قال ( قال رسول الله (ص) من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي , ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي)...ثم قال (ص) ( إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي , فأما المحسنون فما عليهم من سبيل ) ( الامالي الصدوق ص 56 ح 4 , بحار الانوار 8/19 ح49 وقال (ص)( لاشفيع انجح من التوبة , والشفاعة للانبياء والاوصياء والمؤمنين والملائكة, وفي المؤمنين من يشفع مثل في ربيعة ومضر...) ثم قال ( والشفاعة لاتكون لاهل الشك والشرك , ولا لأهل الكفر والجحود , بل تكون للمؤمنين من أهل التوحيد ) ( الاعتقادات المفيد ص66 , بحار الانوار 8/58) وعلى هذا فما ورد من الايات الكريمة التي تنفع الشفاعة انما هي خاصة بغير أهل الايمان من الكفار والمشركين , اذ لامجال للشفاعة لهم , لانهم ماتوا على الكفر والشرك, وخرجوا من الدنيا بلا ايمان , فكيف تنالهم الشفاعة. خلاصة القول ان الشفاعة التي قلنا بثبوتها لاتستلزم خروج الله عن سلطانه ولا ابطال مولويته , ولا خروج العبد عن العبودية , ولاتستلزم تغيير قانون العبودية والمجازاة على الافعال ابدا و وانما الشفاعة ثابتة مع بقاء كل الاعتبارات المولوية , ومع بقاء الاحكام التي تصدر في حق المشفع له , تنطلق من ان المولى يتفضل على عبده الذي عرضه للعقاب والثواب , باللطف والعفو والرحمة , كما هو شأنه مع عباده . فالله سبحانه له ان يبدل عملا بعمل كما قال تعالى ( فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) وله ان يجعل الموجود معدوما كما قال تعالى ( وقدمنا الى ماعملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) كما ان له تكثير العمل كما قال تعالى ( من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ) وكما قال تعالى( مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ) وله ان يجعل المعدوم موجودا كما قال تعالى ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بايمان الحقنا بهم ذريتهم وما التناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ) كذلك يتفضل الله سبحانه على عبده بواسطة شفاعة من رضي له الشفاعة, ويبدل ذنبه - بالعفو والرحمة_ الى لاشيء ةيدخله الجنة. فالله سبحانه هو الولي يفعل مايشاء ويحكم مايريد , وهو الشفيع على الاطلاق, ( قل لله الشفاعة جميعا) ( مالكم من دونه من ولي ولا شفيع ) فلا مانع من الشفاعة خصوصا اذا كانت بأذنه ( ولا تنفع الشفاعة عنده الا لمن أذن له ) وكانت لمثل الانبياء والاوصياء , أو كانت من محمد (ص) وآله الطاهرين عليهم السلام اظهارا لفضله (ص) وفضلهم عليهم السلام واكراما له (ص) ولهم عليهم السلام كل ذلك من فضل الله ولطفه ورحمته. هذه عقيدة الشيعة في الشفاعة , وانما اطلت الكلام فيها لما لها من أهمية وللكلام الكثير حولها. الصراط |
الصراط
ورد في القران الكريم ذكر الصراط , وكذلك في الروايات قال تعالى ( اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) وقال تعالى ( وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الايات لقوم يذكرون ) وقد ورد عن امير المؤمنين عليه السلام انه قال (واعلموا ان مجازكم على الصراط ومزالق دحضه , واهاويل زلله , وتارات أهواله)( خطب نهج البلاغة الشيخ محمد عبده 1/141 , بحار الانوار 8/67 تصنيف نهج البلاغة د . لبيب بيضون ص 255) وقد ورد ان الصراط جسر على جهنم يمر عليه جميع الخلائق , فالمطيع يمر عليه ويجوز كالبرق الخاطف الى الجنة , والعاصي يمر عليه ولاتثبت له قدم فيهوي الى النار .(انظر الخبر الاتي عن المفضل بن عمر) وورد انه ادق من الشعر وأحد من السيف وان عليه قناطر ومواقف ( الكافي الكليني 8/312 بحار الانوار 8/64 ح1) كما ورد عن الصادق عليه السلام في تفسير قوله تعالى ( ان ربك لبالمرصاد ) انه قال ( قنطرة على الصراط لايجوزها عبد بمظلمة )( الكافي الكليني 2/331 ح2 بحار الانوار 8/66 ح6) وورد في الحديث عن المفضل بن عمر , قال ( سألت أبا عبد الله عن الصراط؟ فقال هو الطريق الى معرفة الله عزوجل, وهما صراطان , صراط في الدنيا , وصراط في الاخرة , فأما الذي في الدنيا فهم الامام المفترض الطاعة , من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه , مر على الصراط الذي هو جسر جهنم في الاخرة , ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الاخرة , فتردى في نار جهنم )(بحار الانوار المجلسي 8/66 ح3) وقد ورد في الصحيفة السجادية للامام زين العابدين عليه السلام في دعائه عند ختم القران ( وارحم بالقران في موقف العرض عليك ذل مقامنا , وثبت به عند اضطراب جسر جهنم يوم المجاز عليها زلل اقدامنا ) (الصحيفة السجادية ص 197) والحاصل من هذا كله , ان الثابت هو ان الصراط جسر على جهنم , وهو طريق الى الجنة يعبر عليه جميع الناس , المؤمن وغير المؤمن , فمن كان صراطه مستقيما في الدنيا تثبت اقدامه على الصراط , ويجوز الى الجنة كالبرق الخاطف, ومن لم يكن صراطه مستقيما , تزل اقدامه على الصراط ويهوي الى قعر جهنم خالدا في النار. ولاية علي عليه السلام جواز على الصراط ويعرف اهل الصراط المستقيم بأيمانهم وبولائهم لعلي عليه السلام , كما ورد عن النبي (ص) انه قال عليه السلام ( ياعلي اذا كان يوم القيامة أقعد أنا وأنت وجبرائيل على الصراط , فلا يجوز على الصراط الا من كانت معه براءة بولايتك ) ( بحار الانوار المجلسي 8/70 ح 19) وقال النبي (ص) لعلي عليه السلام ( ما ثبت حبك في قلب امرئ مؤمن , فزلت قدمه على الصراط الا ثبتت له قدم , حتى أدخله الله بحبك الجنة ) ( بحار الانوار المجلسي 8/69 ح17) وقد ورد عن ابي عبد الله عليه السلام ( اذا كان يوم القيامة , وقف محمد وعلي صلوات الله عليهما على الصراط ) الى ان قال عليه السلام ( ويناد مناد يامحمد , ياعلي < ألقيا في جهنم كل كفار عنيد > لعلي بن ابي طالب عليه السلام )( بحار الانوار 36/70 ح23 ) وورد عن النبي (ص) ( اذا كان يوم القيامة ونصب الصراط على جهنم , لم يجز عليه الا من كان معه جواز فيه ولاية علي بن ابي طالب عليه السلام , وذلك قوله تعالى ( وقفوهم انهم مسؤولون ) الحساب |
الحساب
الحساب يوم القيامة حق, كما نطق به التنزيل الحكيم , قال تعالى( إن الينا ايابهم * ثم ان علينا حسابهم ) وقال تعالى ( وان تبدو مافي انفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير) والحساب هو مقابلة الاعمال بالجزاء عليها , فحين يبعث الله العباد ويحييهم بعد الموت, يحاسبهم على اعمالهم التي عملوها في دار الدنيا, يجزي المحسن على احسانه ويجزي المسيء على اساءته( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) ورد عن ابي جعفر عليه السلام أنه قال ( قال رسول الله (ص) لاتزول قدما عبد مؤمن يوم القيامة بين يدي الله حتى يسأله عن اربع خصال , عمرك فيما أفنيته , وجسدك فيما أبليته , ومالك من أين كسبته وأين وضعته, وعن حبنا أهل البيت ) ( بحار الانوار 7/259 ح3) دخول الجنة بغير حساب هناك من يدخل الجنة بلا حساب , كما نص عليه القران الكريم , قال تعالى ( أنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) وهم الذين صبروا على طاعة الله وأداء فرائضه, والذين صبروا عن معاصي الله ومحارمه , وكذلك صبروا على ماينزل عليهم من بلاء , فلا يصيبهم جزع ولا تذمر, ولايخرجون بذلك عن الحق. والمتتبع يجد اقساما أخرى تدخل الجنة بغير حساب , فمنهم من يدخلها بلا حساب لجليل اعمالهم واحسانهم (فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابا يسيرا* وينقلب الى اهله مسرورا) على ان منهم من يحاسب حسابا عسيرا ( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبورا * ويصلى سعيرا) وقوله تعالى ( وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا ) كيفية الحساب وأما كيفية الحساب , فأمره الى الله سبحانه , فهو الذي يتولى حساب عباده , وقد ذكر هذا الامر أمير المؤمنين عليه السلام حين سئل ( كيف يحاسب الله الخلق على كثرتهم ؟ قال كما يرزقهم على كثرتهم , قيل فكيف يحاسبهم ولا يرونه ؟ قال كما يرزقهم ولا يرونه) ( شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 206/19 بحار الانوار المجلسي 271/7 ح37) وروي أنه يحاسبهم كلهم في مقدار لمح البصر ( وما أمر الساعة الا كلمح البصر أو هو أقرب , ان الله على كل شيء قدير ) هذه عقيدتنا في الحساب......... الجنة والنار يعتقد المسلمون اجمع - سنة وشيعة - أن الجنة والنار هما دار الثواب والعقاب , الجنة لمن أطاع الله وأتى بما فرضه الله عليه , وعمل بالحسنى في كل ماكلفه الله به , والنار لمن عصاه وخالف ما أفترض الله عليه ولم يعمل بالحسنى , وأنما كانت اعماله كلها سوءا وضلالا. والمحسن يخلد في الجنة , والكافر يخلد في النار. وأما أهل المعاصي من المؤمنين فلا يخلدون في النار , وانما يدخلون النار لمدة يطهرون فيها من أثر المعاصي والذنوب, ثم يدخلون الجنة طاهرين , لأن الجنة لايدخلها الا طاهر نقي. ومدة التطهير بالنار لهؤلاء تختلف بالايام والاشهر والسنين حسب مشيئة الله في عبده , هذا اذا لم تنله الشفاعة , وأيام الآخرة تختلف عن أيام الدنيا , قال تعالى ( وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ) وقد تحدث القران الكريم عنهما بشكل واضح ومفصل وبما فيهما وبأوصافهما الجنة قال تعالى ( وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الانهار , كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها , ولهم فيها ازواج مطهرة , وهم فيها خالدون ) وقال تعالى ( أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتهم الانهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق متكئين فيها على الارائك نعم الثواب وحسنت مرتفقا) وقال تعالى ( يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب , وفيها ماتشتهيه الانفس وتلذ الأعين , وانتم فيها خالدون ) والآيات كثيرة جدا , نقرأ فيها صفة الجنة ومافيها من نعيم ولذائذ, ويكفي التعبير عنها بقوله سبحانه وتعالى ( وفيها ماتشتهيه الانفس وتلذ الاعين ) حيث ترتقي هذه الاية في نعيم الجنة الى ابعد من حدود الانسان , لينال حظه ويتلاءم مع سعيه وجهده , ويؤكد عظمة عطاء الله وفيضه على العباد , وسعته وعدم تناهيه وعدم محدوديته , لان عطاء الله يجب ان يكون اكبر , وفيضه أشمل. وقد ذكر أمير المؤمنين عليه السلام وصف الجنة , فقال ( فلو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك منها لعزفت نفسك عن بدائع ما أخرج الى الدنيا من شهواتها ولذاتها وزخارف مناظرها , ولذهلت - اي النفس - بالفكر في اصطفاق أشجار غيبت عروقها في كثبان المسك على سواحل أنهارها .....)( خطب نهج البلاغة محمد عبده 2/76 تصنيف نهج البلاغة د. لبيب بيضون ص 261 اصطفاق الاشجار تضارب اوراقها بالنسيم حتى يسمع لها صوت ) والحاصل أنا نعتقد أن الجنة هي دار البقاء ودار السلامة , ودار النعيم , ليس فيها شيء من عوارض الدنيا و من الموت والهرم والسقم والمرض والآفات , ولا غم ولا هم ولاحاجة ولافقر ولانصب ولاتعب , لهم فيها ماتشتهيه الانفس وتلذ الاعين , وهم فيها خالدون , يتنعمون فيها بما جعله الله فيها من لذائذ مادية محسوسة كما تحدث عنها القران الجنة مخلوقة ونعتقد ايضا ان الجنة مخلوقة وموجودة , يستفاد ذلك من الايات الكريمة , كقوله تعالى ( أعدت للمتقين ) ( وأزلفت الجنة للمتقين ) بقرينة قوله أعدت , وأزلفت . ولما ورد في قصة المعراج من دخول النبي (ص) اليها ومشاهدته لها وما فيها ومن فيها ( فمن ذلك ماروي أن النبي (ص) قال لما أسري بي الى السماء دخلت الجنة , فرأيت فيها ملائكة يبنون لبنة من ذهب ولبنة من فضة وربما أمسكوا.... الخبر) ( وقوله(ص) في خبر آخر دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا من ياقوت أحمر _ الخ) ( وروايات اخرى كثيرة , انظر بحار الانوار المجلسي ج8 ص 123 ح19 , وص 176 وص 177 وغيرها ) وتصريح القران بذلك , قال تعالى ( ولقد رآه نزلة أخرى , عند سدرة المنتهى , عندها جنة المأوى ) وقصة المعراج ثابتة , وحقيقة واقعة , نؤمن بها كما نؤمن بالنبي (ص) , هذا مضافا الى ماورد تحقيقا من أن النبي (ص) أكل من ثمارها وكانت نطفة الزهراء عليها السلام من تفاحة من الجنة ( بحار الانوار المجلسي 18/43 ح17) النار |
النار
أعاذنا الله منها ومن عذابها , وقد ذكر القران الكريم في حشد كبير من الايات الكريمة التي تجسد واقعها , وأهوالها, وعذابها, ومافيها, ومن يدخلها, وصفاتها, وطعامها, وشرابها, وألوان أخرى من مشاهدها, وهي أعدت وسائل لعذاب الكافرين والظالمين والمشركين والعاصين والمعاندين للحق. بعض الايات التي ذكرت النار وأذكر بعضا من هذه الايات قال تعالى( بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون) وقال تعالى ( فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فأتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين) وقال تعالى ( وإن جهنم لموعدهم أجمعين * لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم ) وقال تعالى ( إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار ) وقال تعالى ( والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب اليم بما كانوا يكفرون ) وقال تعالى ( فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر به مافي بطونهم والجلود* ولهم مقامع من حديد ) وقال تعالى ( إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لايموت فيها ولايحيى ) وقال أمير المؤمنين في وصفها ( واتقوا نارا , حرها شديد , وقعرها بعيد , وحليتها حديد , وشرابها صديد ) ( شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 288/7) وقال عليه السلام ( واعلموا انه ليس لهذا الجلد الرقيق صبرا على النار , فارحموا انفسكم , فانكم قد جربتموها في مصائب الدنيا , أفريتم جزع احدكم من الشوكة تصيبه , والعثرة تدميه , والرمضاء تحرقه! فكيف اذا كنا بين طابقين من نار , ضجيع حجر وقرين شيطان , أعلمتم ان مالكا اذا غضب على النار حطم بعضها بعضا لغضبه , واذا زجرها توثبت بين ابوابها جزعا من زجرته )( شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 122/10 , تصنيف نهج البلاغة د. لبيب بيضون ص262 ) فاعتقادنا في النار أنها دار الهوان ودار الانتقام من اهل الكفر والعصيان , لايخلد فيها الا الكافر والمشرك , أما أهل التوحيد فلا يخلدون في النار , فقد تدركهم الرحمة والشفاعة فلا يعذبون , وقد يعذبون للتطهير لمدة وأمد ومعدود , ثم يخرجون بلطف الله ورحمته الى جنته كما أشرنا فيما سبق . وأهل النار هم أهل المسكنة ( لايقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) ( لايذوقون فيها بردا ولا شرابا* إلا حميما وغساقا ) وطعامهم من شجر من زقوم ( لآكلون من شجر من زقوم ) ( وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) ينادون من مكان بعيد ( ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ) فيقال لهم بعد مدة ( إخسؤوا فيها ولا تكلمون ) ( ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال انكم ماكثون ) الثواب والعقاب |
الثواب والعقاب
مسألة الثواب والعقاب من المسائل المهمة عند الشيعة, واعتقادهم بهما أنهما يترتبان على العمل, فالعمل الذي يعمله المكلف إن كان طاعة لله سبحانه وامتثالا لأمره تعالى , أثابه الله عليه بالاحسان وجزاه عليه الخير , أما إذا كان العمل على خلاف ماأمر الله سبحانه ومعصية له عز أسمه , كان له سبحانه أن يعاقبه عليه , فالعمل ان كان خيرا كان عليه الثواب , وان كان معصية كان عليه العقاب, وهذا لاكلام فيه . وإنما الكلام في أن الثواب والعقاب هل هو بالاستحقاق , بمعنى أن العبد هل يستحق الثواب على الطاعة , والعقاب على المعصية , أم لا؟ العقاب استحقاق لاشك ولاريب في أن العقاب يكون بالاستحقاق , أي اذا عمل المعصية يستحق العقوبة عليها من المولى , وذلك لأنه اذا فعل الذنب والمعصية بأختياره ومحض ارادته , يكون بحكم العقل متمردا , وخارجا عن زي الرقية ورسم العبودية, فأن القوى التي أودعها الله وأوجدها في الانسان من العقل والقوة والارادة والاختيار وغيرها , كان بأمكان المكلف أن يستعملها في الطاعة , إلا أنه بسوء اختياره تمرد وأستعملها في المعصية ومخالفة المولى , فاستحق بذلك سخطه وعقابه . الثواب تفضل وأما الثواب , فلا أشكال في أنه تفضل من الله سبحانه ورحمة منه , لأن العباد مهما فعلوا لايمكن أن يؤدوا حق المولى في الطاعة والانقياد , ولو قيست أعمال العباد بمقياس العدل لما كان لأحد عمل ابدا , فأن اعمالهم تقصر عن ان تكون في مقابل ابسط نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى , ولكن الله سبحانه بمقتضى عدله شاء أن يتفضل على عباده بالثواب ويجزيهم عى الطاعة الحسنة بل الحسنات , ووعدهم بذلك , والعقل يدرك حسن التفضل بالثواب بمقتضى الوعد , والله صادق الوعد , كما تنص على ذلك الايات الكريمة . قال تعالى ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) وقال تعالى ( وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا) فلا أشكال في ان الله سبحانه بإعطائه الثواب على الطاعات والحسنات والأعمال الصالحة متفضل على عباده, إذ ليس لهم عليه سبيل في الاستحقاق , لما سلف لله تعالى عندهم من النعم والفضل والاحسان مايوجب عليهم إداء شكره وطاعته وترك معصيته , فلو لم يثبهم لما كان ظالما لهم , ولكن بوعده الصادق بجعل الثواب تفضلا استحقوا الثواب , ولذلك نسميه استحقاقا تفضليا. مرتكب الكبيرة المسلم المرتكب لكبيرة , هل هو كافر أم لا ؟ وهل هو مخلد في النار أم لا ؟ كلام طويل بين أهل المذاهب الاسلامية في هذا الموضوع . والذي يعتقده الشيعة في مرتكب الكبيرة هو أنه مادام على الاسلام والايمان بالله ربا واحدا لاشريك له , والايمان بمحمد رسولا ونبيا من عند الله , ومصدقا بكل ماجاء به من عند الله , لايمكن الحكم بكفره اطلاقا , وانما هو عاص وفاسق ويستحق العقاب اذا لم يبادر الى التوبة , كما قال تعالى ( ان الله لايغفر ان يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد أفترى إثما عظيما ) . فالذنوب مكفرة ومغفورة بأجمعها , ولو لم يكن باق على الاسلام والايمان فلا معنى للمغفرة , وكذلك لامعنى للتوبة, بل لايكون هناك محل وموضوع للتوبة, كما ورد في القران الكريم حيث يقول تعالى ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم ) وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا توبوا الى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ) فمع الاسلام والايمان - وهما من أعظم الطاعات والقربات - لايحكم بالكفر, كما لايحكم بالخلود في النار , لما ورد من أن أهل التوحيد لايخلدون في النار , هذا اذا لم تدركه الشفاعة ,فأنها حق , فقد ورد أن النبي (ص) قال ( إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ) ( الامالي الصدوق ص 56 ح 4 بحار الانوار 19/8 ح 4) فالحاصل أن عذاب مرتكبي الكبائر بالنار إن لم تسبق منهم التوبة للتطهير , لأن الجنة لايدخلها الا طاهر نقي زكي , فيطهر اهل التوحيد بالنار ليخلصوا من غش الذنوب ويدخلوا الجنة بصفاء ونقاء وطهارة . المعصية وأقسامها المعصية هي الخروج عن مراسم العبودية لله سبحانه وتعالى بمخالفة أوامره وعدم أمتثالها , وعدم الانتهاء عن نواهيه وارتكابها , وقد يستفاد من بعض الايات أن الذنوب والمعاصي تقسم الى كبيرة وصغيرة , قال تعالى ( إن تجتنبوا كبائر ماتنهون عنه نكفر عنكم سيائتكم ) وقال تعالى ( والذين يجتنبون كبائر الأثم والفواحش ). وكذلك يستفاد هذا المعنى من بعض الاخبار والاحاديث ورد في الحديث عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال ( لاصغيرة مع الاصرار , ولا كبيرة مع الاستغفار ) ( الكافي الكليني 288/2 ح1 ) وعن جابر , عن ابي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى ( ولم يصروا على مافعلوا وهم يعلمون ) قال ( الاصرار هو أن يذنب الذنب فلا يستغفر منه , ولا يحدث نفسه بتوبة, فذلك الاصرار )( الكافي الكليني 288/2 ح 2 ) كما يستفاد هذا ما ظاهر الحديث الشريف ( لاتنظر الى صغر الخطيئة , ولكن انظر الى من عصيت ) ( من وصية النبي (ص) لابي ذر انظر بحار الانوار 77/74) الا أن تحديد الصغيرة بشكل مستقل غير مذكور , بل صعب جدا ولذلك قيل , أن الصغيرة هي الذنب بالاضافة الى مافوقه , والكبيرة هي الذنب بالاضافة الى مادونه , فالشرك أكبر الكبائر , فهو كبيرة , والغيبة بالنظر الى الشرك صغيرة , والزنا كبيرة , والسب والشتم بالنظر الى الزنا صغيرة. ولكن الحقيقة في هذا الموضوع هو النظر الى أصل المعصية , وأنها خروج عن مراسم العبودية والتعدي على حرمات الله سبحانه, فإنه مما يستوجب للعبد البعد عن الله والعقاب , سواء أكان الذنب صغيرا أو كبيرا . والمسألة دقيقة جدا , لاينبغي للمرء أن يتهاون في أمر المحرمات والمعاصي , لأن فيها جرأة وتعديا على الله , وتعرضا لسخط الله , وسخط الله قد يؤدي الى عواقب وخيمة , أعاذنا الله من الزلل وسوء الخطل الملائكة |
الملائكة
يعتقد الشيعة بوجود الملائكة , وانهم خلق من خلق الله تعالى , وعالم غير منظور , ولايدرك بالحواس , وهم عالم نوراني متمحض للخير واعمال الخير , ولهم قدرة فائقة وخلاقة, وهم عقول مجردة , ولذلك ليست لهم صفات البشرية من الشهوات والميول النفسية , وهم بعيدون عن الاثام والخطايا والمعاصي , ولا يأكلون ولايشربون و وهم ينامون , ولكن كيفية نومهم غير معلومة لنا , كما انهم لايتصفون بصفات الانوثية أو الذكورية وغيرها, ولهم القدرة على ان يتشبهوا بصورة البشر وغيرهم الا الكلب والخنزير , كما نص عليه القران الكريم قال تعالى ( ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث ان جاء بعجل حنيذ ) فهم اذا كانوا بصورة البشر للملائكة أحوال ووظائف شتى ( أنظر بحار الانوار ج56ص 206-207) فمنهم من يبلغ الوحي , وهو جبرئيل عليه السلام ومنهم صاحب الصور وهو اسرافيل ومهم ذو الجاه وهو ميكائيل ومنهم ملك الموت وهو عزرائيل ومنهم خازن الجنان وهو رضوان وسدنة الجنان ومنهم حملة العرش ومنهم من يسأل في القبر , وهما منكر ونكير ومنهم الحافظان يكونان مع الانسان يكتبان اعماله وما يصدرعنه ومنهم أعوان ملك الموت , وهم على قسمين ( قسم ) ملائكة الرحمة , وهم الذين يقبضون أرواح أهل الطاعة ( وقسم ) ملائكة النقمة , وهم الذين يقبضون ارواح اهل المعصية وقد أشار القران الى ذلك في بعض الايات الكريمة كما ان الامام زين العابدين عليه السلام أشار الى ذلك في ادعية الصحيفة السجادية في الصلاة على حملة العرش وكل ملك مقرب , قال عليه السلام ( اللهم وحملة عرشك الذين لايفترون من تسبيحك , ولايسأمون من تقديسك....) الى ان قال ( واسرافيل صاحب الصور, الشاخص الذي ينتظر منك الاذن , وحلول الامر, فينبه بالنفخة صرعى رهائن القبور, وميكائيل ذو الجاه عندك , والمكان الرفيع من طاعتك , وجبريل الامين على وحيكو المطاع في أهل سماواتك , المكين لديك, المقرب عندك, والروح الذي هو على ملائكة الحجب , والروح الذي هو من أمرك , فصل عليهم , وعلى الملائكة الذين من دونهم , من سكان سماواتك , واهل الامانة على رسالاتك )( الصحيفة السجادية تحقيق الابطحي ص 40-41) عصمة الملائكة والملائكة معصومون , وعصمتهم مما لااشكال فيها, فقد صرحت الايات الكريمة بذلك قال تعالى ( عليها ملائكة غلاظ شداد لايعصون الله ماأمرهم ويفعلون مايؤمرون ) وقال تعالى 0 لن يستنكف المسيح ان يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ) والايمان بالملائكة والتصديق بوجودهم بأعتبار أنهم أجسام نورانية وعقول مجردة , ولايرون ولايظهرون للعيان ولاتراهم الابصار الا من أذن له , وكل ذلك من الامور الغيبية , ولاسبيل لنا من معرفة ذلك سوى القران الكريم واخبار النبي (ص) , فالقران الكريم كتاب الله وكلامه المنزل والحق المبين الصادق في كل مااخبر به , والنبي (ص) صادق مصدق في كل ماجاء به من عند الله سبحانه , ولاحاجة للخوض في أكثر مما جاء به القران الكريم في شأنهم , وما ورد في السنة الشريفة عن أحوالهم ز الجن ومن الامور الثابتة التي لامجال لانكارها ( الجن ) فهم خلق من خلق الله تعالى , سمي الجن من الاجتنان , بمعنى الاستتار والاختفاء, لاستتارهم عن الابصار , وهم أجساد نارية لطيفة نفاذة حية . قال تعالى ( والجان خلقناه من قبل من نار السموم ) وقال تعالى ( وخلق الجان من مارج من نار ) والجن ذوو نفوس قوية غالبة على اجسادها, قادرة على التمدد والانقباض , وعلى التشكل بأشكال مختلفة , مما يوجب سهولة النفوذ في المنافذ الضيقة والقدرة على الاعمال الشاقة , كما وردت الاشارة الى ذلك في قصة سليمان عليه السلام , قال تعالى ( ومن الجن من يعمل بين يديه بأذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير * يعملون له مايشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات اعملوا آل داوود شكرا وقليل من عبادي الشكور ) وللجن علوم وادراكات من جنس علومنا وادراكاتنا الوهمية واوائل المعقولات , كما قال تعالى ( وإذ صرفنا اليك نفرا من الجن يستمعون القران فلما حضروه قالوا انصتوا فلما قضي ولوا الى قومهم منذرين * قالوا ياقومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي الى الحق والى طريق مستقيم * ياقومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب اليم ) ولذلك فهم مكلفون بتكاليف الاسلام كلأنس , كما دلت الاية المتقدمة , وكما قال تعالى ( يامعشر الجن والانس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا ) الجن مؤمن وكافر ولذلك فهم على أقسام , مؤمن وكافر , قال تعالى ( وإنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا * وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ) ولما لم يكن لنا طريق لمعرفة الجن والتعرف على حقيقته وحقيقة وجوده الا القران الكريم والسنة , فلا بد من القطع بوجوده , لأن القران كلام الله المنزل , والنبي (ص) صادق مصدق في كل مايخبر به , وفي كل ماجاء به وقاله , وفي هذا غنى وكفاية في دحض الشبهات والافتراءات الزائفة التي لم تبن على اسس سليمة حول خلق الجن وحقيقة وجودهم , وإنما هي تخرصات واقوال لاتستند الى واقع , وهي من قبيل الظن والتخمين في قبال النصوص الواردة في القران الكريم , والظن لايغني من الحق شيئا . الايمان بالكتب السماوية ويعتقد الشيعة اعتقادا جازما , ويؤمنون ايمانا قاطعا , بأن الله تبارك وتعالى أنزل علىانبيائه ورسله كتبا وصحفا ورسالات من عنده , وان هذه الكتب والصحف تضمنت مافيه الخير والصلاح للعباد في عقائدهم وصلتهم بالله تعالى , وفي نظام حياتهم ومعادهم . وهذه الكتب والصحف عددها مائة واربعة (104) ( أنظر بحار الانوار المجلسي 59/12) وقد ذكر منها القران الكريم , صحف أبراهيم عليه السلام, وتوراة موسى عليه السلام, وزبور داوود عليه السلام , وانجيل عيسى عليه السلام , وقرآن محمد (ص). والايمان بهذه الكتب عنصر من عناصر الايمان والاسلام , وبه يكون تمام الايمان وتمام الاسلام للانسان المسلم , فقد أقرها الاسلام واعترف بها اعترافه بالانبياء السابقين وعددهم. والقران طريق من طرق الايمان , وكذلك تصديق النبي (ص) بذلك, فإنه (ص) صدق بالرسالات كلها وأقر بوجودها . نسخ الرسالات بالاسلام إلا أن هذه الكتب والصحف نسخت , حيث نسخ الاسلام الرسالات السماوية أجمع , بمعنى أن العمل بهذه الرسالات السماوية منذ ان بعث النبي محمد (ص) لم يعد صحيحا , وان اللازم والواجب هو العمل بدين الاسلام ورسالة الاسلام و دينا وشريعة ومنهاجا ودستورا وعقيدة و وكل الرسالات السابقة أوقف العمل بها , قال تعالى ( إن الدين عند الله الاسلام ) وقال تعالى ( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه ). فالتصديق بالرسالات السابقة شيء , والعمل بها شيء آخر كما نعتقد ونؤمن بأن هذه الكتب الاصلية التي أنزلت على الانبياء من الله تعالى غير موجودة الآن عند أهل الديانات , والنسخ الموجودة منها محرفة وفيها زيادات واضافات وضعت متأخرة حسب الظروف , خصوصا مع تزايد النسخ وتغايرها في الاسلوب والالفاظ , وخصوصا بالنسبة للتوراة والشروح التي عليها , فهي لاتمثل شيئا من واقع التوراة , وهي من وضع السياسة , ولاتعكس بعدا حقيقيا عن الجو الديني والايماني الذي أراده الله على لسان موسى عليه السلام بل تؤكد الوحشية والعنصرية البغيضة التي أشتهر بها اليهود . الفصل الثامن عقيدتنا في القران الكريم |
الفصل الثامن
عقيدتنا في القران الكريم يعتقد الشيعة ان القران الكريم هو كتاب الله المنزل على نبيه المرسل محمد (ص) وهو معجزته الخالدة, وهو دستور المسلمين وأساس تشريعهم ونظامهم , وهو يشتمل على الحقائق والمعارف السامية في كل شيء , قال تعالى ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة ) . ولذلك فقد اشتمل القران على الاحكام , والحكم والمواعظ والعبر, والاخلاق والاداب , وفيه احوال العباد ونظامهم وانتظامهم , وفيه اصول المبدأ والمعاد , وفيه اخبار الماضين. بل فيه الكثير من العلوم والاسرار , فان القران كلام الله سبحانه ومراداته, أودعه اسراره , فجعل بعض تلك الاسرار في متناول الناس حتى لايكونوا بعيدين عنه , ولكنه سبحانه وتعالى جعل البعض الاخر مما لايدرك بسهولة, بل يحتاج فهمه الى الرجوع للنبي (ص) والائمة عليهم السلام صيانة له من العبث والاجتهادات الخاطئة, وصيانة للاسرار والعلوم التي يشتمل عليها مما لاتجد مجالا لفهمها الا عن طريق أهل البيت عليهم السلام , لأنهم الأعرف بها والابواب اليها بتعليم من النبي (ص) . فكون القران تبيانا لكل شيء لايعني أنه كذلك لكل احد من الناس وان بلغ من العلم والكمال العقلي والفكري مابلغ, بل هو لخصوص النبي (ص) وأهل بيته عليهم السلام و فالمطلوب منا هو بذل الجهد لفهمه بالاستعانة بما ورد عنهم عليهم السلام. سلامة القران من الزيادة والنقصان ويعتقد الشيعة ان القران هو مابين الدفتين بألفاظه ومعانيه وأسلوبه وصياغته وكل شؤونه , وهو من عند الله تعالى وليس للنبي (ص) دخل في الفاظه وصياغته كما يزعم بعض المنحرفين والمحرفين. وليس فيه زيادة ولا نقيصة ولا تحريف ولا تشويه , والقول بالزيادة فيه والنقيصة , قول خاطئ ومشبوه, فيه هدم للدين ومحق للشريعة , لأنه يتنافى تماما مع مبادئ الاسلام من ان القران هو المعجزة الاساسية للنبي (ص) ولاثبات نبوته , وهو مصدر تشريع الاحكام والحجة لنا في كل شيء , فلا بد ان يكون سالما من الزيادة والنقيصة, والا لاتتم حجيته ولامعجزته ولا دستوريته , ولايمكن ان يعتمد عليه في شيء, لأنه على تقدير طرو الزيادة أو النقيصة عليه , تختل البلاغة والمعجزة والحكمة التي أمتاز بها القران الكريم , ويصبح الموجود لا أثر له , فهذا القول باطل. ولو تأملنا في قوله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون ) لوجدنا أن القول بالزيادة والنقيصة هو خلاف الحفظ من الله تعالى , وحاشا لله تعالى أن يقول قولا لاواقع له , أو يقول قولا يمكن ان يقع ما ينافيه حتى في المستقبل. وكذلك لو تأملنا في قول الرسول (ص) في حديث الثقلين (إني مخلف فيكم الثقلين , كتاب الله وعترتي اهل بيتي , ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا, وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) (انظر بحار الانوار 2/226 ورواه آخرون باختلاف في لفظه انظر السنن الكبرى النسائي 45/5 كنز العمال 1/172) فأن ادعاء الزيادة والنقيصة وفرض وجودهما في القران يتنافى مع قوله (ص) ( مخلف فيكم الثقلين) إذ الناقص أو الزائد ليس مما يريده الله تعالى , فكيف يخلفه النبي (ص) بين أظهر المسلمين ويأمر بالرجوع اليه ؟ ! وكيف لايكون التمسك بالكتاب مع الزيادة والنقيصة ضلالا ؟ ! بل يكون ضلالا. فالنبي (ص) حين يقول هذا القول , فلابد أنه (ص) يعرف حقيقة وواقع القران , وأن ماخلفه واستخلفه بين المسلمين هو هذا الذي بين الدفتين من دون زيادة ولانقيصة . فدعوى الزيادة والنقيصة لاواقع لها , والذين أثاروها هم الذين يحاولون هدم الدين وإبعاد المسلمين عن دينهم وواقعهم الايماني , وهم من داخل البيت الاسلامي ومن خارجه , والتقت المصالح , فكانت هجمة شرسة على المسلمين في هذا الادعاء وغيره. اتهام الشيعة بالتحريف وأما اتهام الشيعة بالقول بالزيادة في القران والنقيصة فيه , فهو باطل وزور وبهتان عليهم لامبرر له , ولايعتقد به الشيعة ابدا , لاعلماؤهم , ولا عقلاؤهم, ولاعوامهم . وتتأكد هذه الحقيقة بمراجعة آراء العلماء الثقاة وأكابرهم الذين تتبعوا هذه المسألة بدقة فائقة , فقد ذكروا بأجمعهم سلامة القران من الزيادة والنقصان , والتحريف والتزييف, حتى في الحروف. نذكر منهم الشيخ الصدوق ( الاعتقادات الصدوق ص 84) , والشيخ المفيد ( اوائل المقالات المفيد ص81و 82), والسيد المرتضى (أنظر مجمع البيان الشيخ الطبرسي 1/43 , فقد نقل كلام السيد المرتضى حول ذلك عن كتابه ( جواب المسائل الطرابلسيات )), والشيخ الطوسي (التبيان في تفسير القران الشيخ الطوسي 3/1), بل إجماع العلماء القدماء على هذا , وكذلك العلماء المتأخرين , منهم السيد الامين (أعيان الشيعة السيد محسن الامين 41/1) , والسيد شرف الدين (أجوبة مسائل جار الله السيد عبد الحسين شرف الدين ص 37), والشيخ البلاغي , والسيد حسين يوسف مكي ,بل كل العلماء على هذا ايضا , بل لايمكن لأحد من علماء الشيعة أن يقول بهذا القول , فالشيعة يبرؤون من هذا القول براءة الذئب من دم يوسف. روايات التحريف مهملة وما ورد من الروايات التي تذكر مثل هذا القول , فهي روايات ضعيفة وغير ثابتة ولامعتبرة , لاسندا ولامضمونا , ولم يأخذ بها أحد منهم. والحقيقة أن الذين يتهمون الشيعة بالقول بزيادة القران ونقصانه هم أنفسهم يقولون بالزيادة والنقيصة , وهذه كتبهم طافحة بهذا القول , فقبل ان يتهموا الشيعة به ويشنوا حملاتهم العدوانية عليهم - التي لامبرر لها ولادليل عليها - فلينزهوا أنفسهم عن مثل هذا القول وغيره , ثم ليتكلموا بما يشاؤون. ولكن هذا شأنهم في كثير من المسائل والامور الاعتقادية والشرعية , وهو إلصاق التهمة بلا دليل , افتراء وبهتانا , وكم لهم من المخالفات التي لايرضى بها العقلاء , فضلا عن ان تكون مرضية عند الله تعالى ومبرئة للذمة بين يديه. ( وصفوة القول ) إن القران الذي بين ايدينا ويقرؤه الناس من عهد الرسول الى يومنا هذا , وتوالت نسخه , واستمر الناس في حفظه والعناية به , والاهتمام بعلومه وتفسيره , وهو الذي بين الدفتين , وهو من يومه الاول الى يومنا هذا بلا زيادة ولا نقيصة ولاتحريف, ولا أريد التوسع في هذا الموضوع بأكثر مما ذكرت. ومن أراد المزيد من المعرفة والاطلاع على هذا الموضوع , فليراجع الموسوعات العقائدية التي كتبها علماؤنا الابرار , فإنها متوفرة في كل المكتبات , وفيها مايزيل كل شبهة. حلاوة القران وطراوته ومن إعجاز القران أنه لايزيد على الايام الا طراوة وحلاوة , اي هو جديد , كلما قرأته وكلما تعمقت به تجد أفكاره ونظرياته وعلومه جديدة وثابتة لاتتغير, بل تتأكد وتزداد القلوب والعقول بها يقينا وإيمانا وتسليما يقول الشاعر احمد شوقي جاء النبيون بالآيات فانصرمت ---- وجئتنا بجديد غير منصرم آياته كلما طال المدى جدد ------يزينهن جمال العتق والقدم حقوق القران من حقوق القران على المسلمين , ملازمته ومتابعة القراءة فيه دائما وبشكل مستمر, والتأمل والتدبر في آياته والاستفادة منها والعمل بها في مختلف الشؤون. ويجب احترام القران وتوقيره , وعدم اهانته بوضعه في اماكن غير لائقة به , كوضع شيء فوقه فإنه غير لائق به ولايناسبه , ويحرم هجره بمعنى تركه وإهماله , وترك القراءة فيه , ويحرم لمس آياته بدون طهور , ويحرم تنجيسه. كما يحرم تفسير آياته بالرأي وبدون علم , وبدون مستند الى قول أو رواية معتبرة , فعن النبي (ص) ( من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار )( بحار الانوار المجلسي 30/512). وكذلك يحرم تأول آيات القران وصرفها الى غير واقعها بدون دليل ولابرهان ولا مايثبت ذلك , لأنه كذب على الله تعالى وإفتراء عليه , لأن القرآن مرادات الله ولايعلم مايريده الله الا هو ومن أودع الله عندهم علوم كتابه وهم أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم و فأنى لغيرهم أن يدعي علوم القران ومعرفته اذا لم يكن قد أخذ منهم . ودعوى ان الانسان يستطيع ان يستوحي من القران كما يستوحي أهل البيت عليهم السلام فهو قول جاهل مغرور , ينفث الشيطان على لسانه ليضله ويبعده عن الهدى والرشاد . الفصل التاسع عقيدتنا في التقية |
الفصل التاسع
التقية ماهي التقية ( التقية) هي إظهار خلاف ما يعتقده ويؤمن به الانسان , وذلك لدفع الضرر والخطر عن نفسه أو عرضه أو ماله , أو عن غيره - إذا كانت التقية تدفع ذلك -. وهي من الامور الفطرية عند البشر , وتدعو اليها العقول وتؤكدها, وتوجبها الادلة الشرعية, ولذلك كانت التقية معتبرة في كل الشرائع السماوية, وفي الاديان الوضعية ايضا , ويستعملونها في أمورهم الدينية والعادية والمالية, ومنهم من يستعملها حتى لو لم يكن هناك ضرر أو خطر عليه , بل مراعاة للمصلحة أو المنفعة, كما هو شائع بين كثير كمن الناس. والشيعة وان عرفوا بالتقية حتى صارت شعارا لهم , وصارت من الامور اللازمة واللصيقة بهم, إلا أنهم لايستعملونها إلا في حالات الضرر والخطر على أنفسهم وعلى أموالهم وأعراضهم ودمائهم بسبب إظهار معتقداتهم وإيمانهم وتشيعهم لأهل البيت عليهم السلام, لأن خصومهم أوسعوهم ظلما وقهرا وأذى واعتداء , وقد لاقوا منهم أنواع المحن والبلاء والتنكيل والقتل والتشريد واستحلال الاموال والاعراض والدماء , ولايزالون لحد الان يتعرضون للمحن والاعتداء , كما نشاهد من عديد من الناس في أكثر من قضية وواقعة , وخاصة في استحلال الاموال والاعراض , الى درجة أنه لايفعل باليهودي مثله . وفي مثل هذا الوضع ,ألا يحق للشيعي أن يستعمل التقية حفاظا على نفسه ودينه وماله وعرضه وذريته وكافة شؤونه ؟ ! . الفرق بين التقية والنفاق وأود هنا ان أشير الى ناحية هامة في هذا الموضوع , وهي الفرق بين التقية والنفاق. ( التقية) أن يظهر المؤمن خلاف إيمانه وعقيدته , مع ثباته على الحق والايمان , كما أشارت إليه الآية الكريمة ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) أما ( النفاق) فهو عكس ذلك , أن يظهر الانسان الايمان والدين والالتزام بالحق , والقلب مطمئن بالكفر والضلالة. ومن معرفة الفرق بين الامرين يظهر الفرق في العمل والتعاطي مع التقية عقلا وشرعا وعرفا. أما الدليل على شرعية التقية فهو من القران والسنة الشريفة الدليل على شرعية التقية من القران الكريم فقد حكى القران الكريم أكثر من قصة وردت في التقية (منها) قصة حزقيل مؤمن آل فرعون , قال تعالى ( وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ) ومؤمن آل فرعون - كما عبر عنه القران - يكتم إيمانه ويظهر الكفر وأنه ظاهرا على ملة فرعون ودينه , وقد مدحه الله سبحانه وتعالى ب (( الايمان )) على فعله هذا , ولو لم تكن التقية مستحسنة منه في مثل هذا المقام , أكان يمدحه الله تعالى بما ذكره في كتابه الكريم ؟ ! . _ ومنها ) قصة أهل الكهف , الذين كتموا إيمانهم وأظهروا الكفر وعملوا مع ملكهم مدة طويلة , ثم تركوا قومهم وملتهم وآووا الى الكهف , وقد مدحهم الله تعالى بقوله ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى) فلو لم تكن التقية مستحسنة منهم شرعا أكان يمدحهم الله تعالى بما مدحهم به , حتى سمى السورة المباركة باسمهم - سورة الكهف-. ( ومنها) قصة آسيا بنت مزاحم زوجة فرعون , وكانت تعبد الله سرا , قال تعالى في مدحها ( وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ) ( ومنها ) قصة عمار بن ياسر , فقد أجبر الكفار جماعة من المسلمين على الكفر وفتنوهم عن دينهم , ومنهم عمر بن ياسر , إذ اجبروه على الكفر وإلا قتلوه , فأظهر كلمة الكفر بلسانه وقلبه كان مطمئنا بالايمان , فنزل قوله تعالى ( من كفر بالله من بعد ايمانه إلا من أكرهوقلبه مطمئن بالايمان ) وقال له رسول الله (ص) ( ياعمار إن عادوا فعد , فقد أنزل الله عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا) ( بحار الانوار المجلسي 91/19 ح46) ( ومنها ) قوله تعالى ( لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ) تأكيدا على إباحة التقية وجوازها. وأما ماورد في التقية من السنة الشريفة , فروايات عديدة وكثيرة , وهي روايات صحيحة ومعتبرة , مثل ( التقية ديني ودين آبائي ) (بحار الانوار المجلسي 74/2 ح 41) وسوف نذكرها بالتفصيل التقية عند السنة أما التقية عند السنة , فهي كما عند الشيعة بل هي عندهم أشد وأكثر وأوسع مما عند الشيعة - كما يذكرها علماؤهم - , وهي مباحة الى درجة أنهم يجوزون إظهار المودة والمحبة والمدح للكافر , أو للظالم ( المسلم وغيره) , أو لكل من يخاف منه , ولكن على ان يكون قلبه مملوءا بالكراهية لذلك . يقول الشيخ المراغي في تفسير الاية ( إلا ان تتقوا منهم تقاة ) (( فقد استنبط العلماء من هذه الاية جواز التقية , بأن يقول الانسان أو يفعل مايخالف الحق , لأجل التوقي من ضرر يعود من الاعداء الى النفس أو العرض أو المال , فمن نطق بكلمة الكفر مكرها وقاية لنفسه من الهلاك , وقلبه مطمئن بالايمان , لايكون كافرا, بل يعذر, كما فعل عمار بن ياسر حين اكرهته قريش على الكفر , فوافقها مكرها , وقلبه مطمئن بالايمان , وفيه نزلت الاية ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ) )). وقال في تفسير الاية السابقة ( من كفر بالله من بعد إيمانه ) (( ويدخل في التقية مداراة الكفرة والظلمة والفسقة وإلانة الكلام لهم , والتبسم في وجوههم وبذل المال لهم , لكف أذاهم وصيانة العرض منهم , ولايعد هذا من الموالاة المنهي عنها , بل هو مشروع , فقد أخرج الطبراني قوله (ص) ( ماوقى المؤمن به عرضه فهو صدقة ) )) انتهى ( تفسير المراغي 137-3/136 و 1/173 ط2 وعنه ايضا الشيخ جعفر السبحاني , الاعتصام بالكتاب والسنة ص 325-324 وص 327) وهكذا تجد أن اغلب المفسرين السنة بالاضافة الى الشيخ المراغي يقولون بجواز التقية , مثل الرازي , والنسفي , والقاسمي , بالاضافة الى الشيخ المراغي المتقدم ذكره , وغيرهم (انظر الاعتصام بالكتاب والسنة السبحاني ص 323 وص 324 فانه حكى ذلك عن الرازي مفاتيح الغيب 13/8 وعن النسفي - التفسير بهامش الخازن 1/277 , وعن الجمال الدين القاسمي - محاسن التأويل 4/82 وغيرهم ) وقد روى في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال ( لم يكذب أبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات , ثنتين في ذات الله , قوله ( اني سقيم ) وقوله ( بل فعله كبيرهم هذا ) , وواحدة في شأن سارة , فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة , وكانت أحسن الناس , فقال لها إن هذا الجبار أن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك فإن سألك فأخبريه أنك أختي فإنك أختي في الاسلام , فإني لا أعلم في الارض مسلما غيري وغيرك .... الحديث) ( روي في صحيح مسلم 7/98 , وصحيح البخاري 4/112, باب ( وأـخذ الله ابراهيم خليلا ) هذا مايرويه السنة في التقية , وأنها جائزة في شرع الانبياء السابقين , كإبراهيم وموسى وعيسى ويوسف عليهم اليلام من قبل , وفي الاسلام ايضا ... فلماذا هذا التحامل على الشيعة إن استعملوا التقية , ولماذا هذا التشنيع عليهم بها , بما هو مخالف لله ولرسله وأنبيائه , ولكتاب الله - القران الكريم - وسنة رسوله (ص) ؟ ! . هذا مع العلم أن الشيعة لم يمدحوا ظالما ولا كافرا , ولم يكذبوا نبيا, ولاحملوا كلامه على الكذب ابدا , وخاصة ابراهيم ويوسف عليهما السلام , وانما وجهوا كلامهم بالتوجيه اللائق لمقامهم وللحادثة التي وردت الايات فيها. وبحق أقول إن الشيعة يفخرون بالتقية , لأنهم يعملون بما أراده الله وشرعه , ويعملون بقول رسول الله (ص) وهم أهل السنة الشريفة حقيقة , فقد سلكوا بالتقية مسالك أنبياء الله , وعملوا بما به حجج الله على الخلق. وهل يستطيع اسنة الذين يشنعون على الشيعة بالتقية أن يقولوا إن الانبياء كان عملهم بالتقية غير صحيح ؟ فإن قالوها , فهم يعرفون ماذا يترتب عى هذا القول من الكفر , وإن أقروا بها , فلماذا هذا التجني على الشيعة والتحامل البغيض والقول بأن الشيعة ينافقون في دينهم ويخفون الكثير من آرائهم التي فيها الغش والكيد للدين والمسلمين ! ؟ بل يظهر أن الذي يكيد وكاد للدين وغش المسلمين في دينهم وعقادهم و هو من ينتقد التمسك بشرع الله وشرع الانبياء , وهذا هو النفاق بعينه موارد جوازها وحرمتها |
موارد جوازها وحرمتها
ثم ان التقية عند الشيعة - وكما يروون في شأنها ويستفيدونه من الكتاب والسنة - تختلف بأختلاف الظروف والاوضاع التي يمر بها الانسان , فقد تكون التقية واجبة كما في الحالات التي استعرضناها واستعرضنا أسبابها ودوافعها , فإن الهدف منها في هذه الاحوال حفظ الدين والنفس والمال والعرض. وقد تكون التقية محرمة , كما اذا استلزم منها اراقة الدماء وازهاق الارواح والنفوس , وإشاعة الباطل وترويجه , وكما اذا كانت تؤدي الى الاضرار بالدين بحيث تكون التقية سببا لزواله وإضعافه أو أهانته , ففي مثل هذه الموارد لاتقية أبدا بل الواجب نصرة الدين وإعلاء كلمته, والمحافظة على أرواح المسلمين . لاسرية ولا أعمال منافية للقران والحاصل أن التقية التي يعمل بها الشيعة ليست كما يصورها الخصوم وأعداء الشيعة ومن يريدون تشويه صورة التشيع , وأتباع أهل البيت عليهم السلام , وأنها عمل خاص ومذهب سري يتكتم به الشيعة على مذهبهم لهدم الدين !. وإنما التقية كما أشرنا عمل شرعي , منطلقه القران والسنة الشريفة , وكانت في تشريع الانبياء السابقين , والشيعة اتبعوا أمر الله فيها , وأخذوا بما ورد فيها عن الرسول والمعصومين من خلفائه الطاهرين عليهم السلام . واتأكيد هذه الحقيقة أود أن أقول بكل صراحة وكما هو قائموموجود في كتبنا وعملنا , أن لاسرية في المذهب عندنا , ولا أعمال منافية للقران أبدا ولا للسنة الشريفة . بل أقول بصراحة أكثر , أنه لايوجد مذهب من المذاهب الاسلامية أكثر صراحة ووضوحا وموضوعية وأبعد عن التكتم والسرية من المذهب الامامي الاثني عشري , في كل شؤون المذهب , في عقائده واحكامه , وافكاره , وأخلاقياته, ومواقفه. واذا كان من يتهم الشيعة أن يفهموا , ولا أن يتفهموا هذا الواقع , ولايريدون ان يتنازلوا عن الموروثات والمكنونات التي تنطوي على الحقد والبغضاء والضغينة والكذب والزور والبهتان , فما الذي يمكننا أن نفعله لهم , وليس من المناسب لنا الرد عليهم بنفس الاسلوب , لأن ذلك يؤدي الى السفاهة واضاعة الحق, وليقولوا ماشاؤوا مادمنا - نحن - على نهج الكتاب الكريم , وأتباع السنة الشريفة , وأتباع أهل الحق - الائمة الاطهار عليهم السلام - . الدليل على شرعية التقية من السنة الشريفة أما الروايات الواردة في التقية ومشروعيتها فهي عديدة فقد ورد في الصحيح عن زرارة عن ابي جعفر عليه السلام ( التقية في كل ضرورة , وصاحبها أعلم بها حين تنزل به ) وعن محمد بن مسلم وزرارة , قالا ( سمعنا ابا جعفر عليه السلام يقول التقية في كل شيء يضطر اليه ابن آدم فقد أحله الله له ) ( الوسائل ( مؤسسة آل البيت ) 16/246 , باب 25 من ابواب الامر والنهي ح 1-2) وعن الصادق عليه السلام أنه قال في حديث ( ... فكل شيء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقية مما لايؤدي الى الفساد في الدين فأنه جائز ) ( الكافي الشيخ الكليني 2/168 حديث 1) وعنه عليه السلام أنه قال ( وان التقية لأوسع مما بين السماء والارض ) ( مشكاة الانوار , علي الطبرسي ( القرن السابع ) ص 89 وعنه بحار الانوار المجلسي 72/412) وفي حديث الرفع عن النبي (ص) أنه قال ( رفع عن أمتي تسعة أشياء الخطأ والنسيان, وما أكرهوا عليه , ومالايعلمون , وملايطيقون , وما اضطروا اليه ) ( الوسائل ( مؤسسة آل البيت )15/369 باب 56 من أبواب جهاد النفس ح1 ) فان من فقراته ( وما اضطروا اليه ) , ومعنى ذلك أن أثره مرفوع عنهم . ولعلي لست أبالغ إن قلت ان الشيعة برغم استعمالهم للتقية , وبرغم معروفيتهم بالتقية , ومع ذلك فهم في مقام التطبيق العملي للدين وأحكامه يتجاهرون بالحق ويدافعون عنه , ويظهرون معتقدهم بكل صراحة و وما الآلاف المؤلفة التي أراق معاوية وأتباعه دماءهم من شيعة علي وأهل البيت عليهم السلام إلا لهذا الواقع , ولو كانوا يتبعون التقية لما كان هذا القتل , بل لما كان هذا الواقع الايماني الصادق الذي يجسد الدين والايمان وحفظ الاسلام . فأقرأ- إن شئت - قصص الاوائل الذين أراق دماءهم - ظلما - معاوية بن ابي سفيان وغيره من الحكام الامويين والعباسيين , أمثال حجر بن عدي الكندي , ورشيد الهجري , وميثم التمار , وسعيد بن جبير , وغيرهم , وغيرهم , وانظر الى حديث التاريخ عن هؤلاء الاتقياء الافذاذ , والى حديث التاريخ عن قتلهم , أولئك ارتقوا الى منازل الابرار وأصبحوا أركان الحق والدين , وأما قتلتهم فلا يذكرهم التاريخ الا بالسب والطعن واللعن . هذه عقيدتنا في التقية , واضحة نيرة , وهدى الله الخصوم لما فيه صلاحهم وخيرهم , والله من وراء القصد. الفصل العاشر عقيدتنا في الرجعة الرجعة هي ان الله سبحانه وتعالى يرجع قبل يوم القيامة بعض الاموات في دولة الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف. والرجعة ليست عامة , بل إنما تكون لبعض الناس ممن كانت أعماله كثيرة وكان في أعلى درجات الايمان , أو كان في قمة الضلال , فهؤلاء يريهم الله دولة الحق. ثم أن الايمان بالرجعة والاعتقاد بها ويتبع قيام الدليل عليها , فمن عنده الدليل على ثبوتها لزمه الايمان بها, من لم يقم عنده الدليل عليها فلا يحكم بكفره. وإذا كان الشيعة يؤمنون بها , فلأجل قيام الدليل عندهم عليها من القران والسنة . قال تعالى ( ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا ) فقد دلت الاية على أن الحشر هنا خاص ببعض دون بعض , لأن الحشر يوم القيامة عام شامل كما قال تعالى ( وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا ) . هذا آخر ما أردنا إيراده , ,أسأل الله سبحانه أن أكون قد توصلت لأيضاح ما هو ضروري عندنا ونعتقد به فيما بيننا وبين الله تعالى . نعم بقي هناك بحوث كنا أشرنا الى بعضها فيما سبق , ولكننا رأينا من المناسب التعرض لها مفصلا إتماما للفائدة فجعلناها خاتمة لهذا الكتاب. الخاتمة وفيها مباحث المبحث الاول الولاية التكوينية للانبياء والاوصياء المبحث الثاني عدالة الصحابة المبحث الثالث مصحف فاطمة عليها السلام المبحث الرابع هل يعلم الائمة عليهم السلام الغيب؟ المبحث الخامس الشريعة المبحث السادس مصادر الاحكام |
المبحث الاول
الولاية التكوينية للانبياء والاوصياء هذا الموضوع من المواضيع المهمة التي وقع البحث فيها , والذي يعرف مقام النبوة والامامة في الحياة الانسانية وفي الواقع الايماني يدرك مدى ضرورتها ولزومها , ويدرك أهمية وضرورة الاعتقاد بها للانسان المؤمن. وهي مستفادة بشكل واضح وصريح من الايات الكريمة والاحاديث الشريفة كما سنستعرض ذلك. وقبل الحديث عنها والاستدلال عليها لابد من الاشارة الى بعض الامور المتعلقة بها . ماهي الولاية التكوينية ؟ الولاية التكوينية هي أقدار الله سبحانه وتعالى للانبياء والاوصياء على التصرف في أمور كونية وغيرها, خارقة للعادة , وخارجة عن قدرة البشر , أي ان الله تعالى يعطيهم القدرة ويمكنهم من التصرف في مثل هذه الامور , ويكون ذلك نتيجة العلم الذي يفيضه الله تعالى عليهم ويطلعهم عليه , للنبي (ص) بالوحي وغيره من الاسباب , وللأئمة عليهم السلام بتعليم الرسول (ص) وبواسطته و وبالالهام وغيره من الاسباب التي هي للأئمة. الولاية التكوينية ليست تفويضا الولاية التكوينية التي تحدثنا عنها وقلنا بأن الله تعالى أعطاها للنبي (ص) وللأئمة عليهم السلام , ليست تفويضا منه تعالى لهم , لأن التفويض هو أن يوجد الله تعالى الخلق , ثم يتركه ويدع أموره لهم , يختارون لأنفسهم ما يشاؤون , وهذا المعنى مرفوض عندنا وباطل , قولا واحدا , وبشكل قاطع , فإن الله سبحانه لم يتخل عن ملكه ولم يشأ أن يترك الامر للعباد يتصرفون كما يشاؤون وكيف يريدون , وإنما أقدرهم على الفعل ووجههم الى الطريق الصحيح , ونهاهم وتوعدهم على المعصية والشر كله, وكان ذلك في ضمن سلطانه وتحت إرادته ومشيئته. فهي اذا إقدار لهم على التصرف بعد اطلاعهم على الاسباب الممكنة لهم من التصرف فقط , قال تعالى ( وما كان لرسول ان يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون ). الولاية التكوينية مظهر عام في الموجودات الولاية التكوينية التي ذكرناها , هي مبدأ عام في الموجودات , فجميع الموجودات حركتها نحو أفعالها وتصرفاتها - وخاصة ممن له إمكانية التصرف والفعل أو له الاختيار في تصرفاته وأفعاله كالإنسان والجن والملائكة - إنما هي بالقدرة التي أعطاها الله تعالى لهم ومنحهم إياها , وهذا هو مايسمى بالولاية التكوينية. فجميع تصرفات الانسان وأفعاله , حتى في الامور العقلية والفكرية , والتي بها استطاع ان يقوم بالأعمال الصعبة والفائقة والمعقدة في وضعها , إنما هي بالولاية التكوينية التي منحها الله له. والجن , هذا الخلق الذي له القدرة الغريبة على فعل الامور الخارقة كما وصفهم القران المجيد , والذين سخروا لسليمان عليه السلام , قال تعالى ( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ) , وغير ذلك من الآيات التي تؤكد أن لهم الاعمال والافعال العجيبة الغريبة مما يعجز عنه البشر , قال تعالى ( وأنه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) هؤلاء , أعمالهم كلها , بالولاية التكوينية التي أعطوها. والملائكة , الذين يتصرفون تصرفات فوق قدرة البشر , ولايمكن أن يصل إليها أحد , حتى من الجن , تصرفاتهم كلها بالولاية التكوينية التي قلنا بأنها الاقدار على التصرفات , وهي من الله سبحانه , ومظهر من مظاهر قدرته تعالى , وليس تفويضا ابدا. توافق الولاية التكوينية مع مبدأ العلية والمعلولية الولاية التكوينية التي نتحدث عنها لاتتنافى ولاتتعارض مع مبدأ العلية والمعلولية, أي ان الاختراقات التي نشاهدها في نظام الكون من قبل الانبياء والاوصياء , ليست بعيدة عن نظام العلية والمعلولية , بل هي في اطارها , لأ، نظام العلية والمعلولية نظام ثابت , قام عليه الوجود بأكمله , فلا يمكن إلغاؤه , ولا يمكن القول بتغييره. كل ما هنالك أن مايدركه الانسان من أمور في هذا الكون يتصور أنه إدراك للعلل الموجودة والقائمة , بينما إدراكاته هي عبارة عن إدراك للعلاقات والارتباطات القائمة بين الاشياء بعضها مع بعض , ولذلك نراه يكتشف في كل حين شيئا جديدا , ثم مايلبث أن يغير ما اكتشفه سابقا , وعبر هذه الاكتشافات الجديدة المتواصلة من الانسان , لو كانت هي العلل الواقعية لما غير وبدل , وهذا يؤكد أن مالدى الانسان من معرفة للأشياء محدود جدا . وبالجملة , فالولاية التكوينية هي في اطار العلية والمعلولية وليست خارجة عنها. يبقى هذا التقديم لهذه العلة على غيرها أو تبديلها , يكون من مخزون العلم الذي أفاضه الله سبحانه على النبي أو الامام ومكنه منه , لأن العلة شيء حادث ولايمكن أن تكون له صفة الازلية , وإلا لزم القول بالشرك , تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا , وعلى هذا الاساس نقول بأن هذه العلة قابلة للأختراق. الولاية التكوينية ضرورة لازمة |
الولاية التكوينية حقيقة قرآنية
بعد كل هذه الامور , لو تأملنا في الولاية التكوينية , لوجدنا أنها من الامور التي يقرها العقل والقران الكريم , بل هي من ضرورات للنبي والامام ايضا . وأية غرابة فيها مادامت منطلقة من العلوم التي أودعها الله عندهم وأفاضها عليهم !! وأية غرابة في أن يجعل الله لهم هذه الولاية -مع ماذكرنا من الاعتبارات الموجودة في النبي والامام -!! وأية غرابة في ان تصدر منهم هذه الاعمال , بل قد صدرت منهم فعلا أشياء خارقة للعادة ومخترقة للنظام الكوني والسببي للأشياء . فإبراهيم عليه السلام يطلب من الله أن يريه كيف يحيي الموتى , وإحياء الموتى عملية كونية أو تكوينية , وهي لم توضع تحت أختيار الانسان أبدا , هذا الطلب من أبراهيم عليه السلام يوحي بهذه الحقيقة , والله سبحانه حين أمره بأخذ أربعة من الطير وتقطيعهن وخلطهن , وأمره بأستدعائهن , هذا الامر بالاستدعاء جعل له الولاية التكوينية على الاحياء وإعادة الموتى , وليست شيئا غير هذا , أي أقدره الله تعالى على أعادتهن , ولن تتم العملية إلا بإقدار الله تعالى . أما كيف تمت هذه العملية ؟ وما هو العلم الذي أعطاه الله لابراهيم ؟ فهذا من مخزون العلم الذي تفرد به النبي عليه السلام. قال تعالى ( وإذ قال أبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن اليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم ان الله عزيز حكيم ). وهكذا الحال بالنسبة لموسى عليه السلام , قال تعالى ( وأن ألق عصال فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب , ياموسى أقبل ولاتخف أنك من الآمنين ) وهكذا الحال بالنسبة لعيسى عليه السلام , قال تعالى ( إذ قال الله ياعيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني ) وهذه الامور - وان تمت بأمر الله سبحانه , وغيرها كثير , كما في أمر موسى أن يضرب الحجر فأنبجست منه اثنتا عشرة عينا , وأمره بضرب البحر فكان كل فرق كالطود العظيم - إلا أن هنالك ماكان يحكي الولاية التكوينية من دون أمر من الله , بل باعتبار ما أعطاه الله من الاقدار والعلم , وما تقتضيه المصلحة , كما في إتيان سليمان بعرش بلقيس , قال تعالى ( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين * قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد اليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر ) فسليمان عليه السلام أتي له بالعرش ابتداء ( قال ياايها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ) وكذلك فهمه عليه السلام منطق النملة عندما مر على واد النمل ( قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لايحطمنكم سليمان وجنوده وهم لايشعرون * فتبسم ضاحكا من قولها ) وكذلك تكليمه للهدهد , وكذلك استعماله للريح. وهناك أمثلة كثيرة , لو أن ان نذكرها بأجمعها لخرجنا عن الاختصار . فأي غرابة فيما أعطاه الله للانبياء كما ذكرنا , بل وللأوصياء كما في رد الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام ( راجع كتاب رسائل في رد الشمس المحمودي ) , وغيرها من الامور التي قام بها علي عليه السلام , وأن يخترقوا نظام الكون بأمور ليست في مستوى البشر , ولا في مقدورهم وإمكانهم أن يأتوا بمثلها . هذا مع العلم أنا نقرء في الاحاديث الشريفة التي تؤكد على لزوم الطاعة لله سبحانه والانقياد له , وإرتقاء العبد بها الى ان يقول للشيء كن فيكون , ففي الحديث القدسي ( ياابن آدم , أنا أقول للشيء كن فيكون , أطعني فيما أمرتك أجعلك تقول للشيء كن فيكون ) ( بحار الانوار المجلسي 376/90) فإذا كان الانسان العادي يرتقي بالطاعة الى مثل هذه المراتب , والتي فيها اختراق للنظم الكونية , فلماذا نستغرب من الولاية التكوينية للانبياء والائمة عليهم السلام وهم أشد الناس طاعة , وأعمقهم انقيادا لله , بل هم دائما وابدا في خدمة الله , فلماذا لانريد أن نصدق هذا الواقع الذي تحدث عنه القران الكريم بشكل واسع ومسهب ! هذا مع العلم أنا لم نتحدث عما جعله الله تعالى في كتابه المجيد من الآثار التي تؤكد هذه الحقيقة . قال تعالى ( لو أنزلنا هذا القران على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) وقال سبحانه ( لو أنزلنا هذا القران على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون ) وقال سبحانه ( ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض أو كلم به الموتى ) ولماذا لانريد التصديق ؟ ألا أن عقولنا لاتتحمل ذلك , فجعلنا هذا الامر من المستحيل تصديقه أو حدوثه ! أو لأنا نعيش الحالة المادية المحسوسة فقط ! أليس هناك غيب يمكن أن يخترق عالم المحسوس ويتحرك فيما هو أبعد منها , ويؤثر فيما هو أعمق منه ؟ قال تعالى ( الم * ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ) إن المشاهد الغيبية في القران كثيرة جدا , وهي تتكلم بمنطق الغيب , وبقدرة أخرى , لم تجعل تحت سيطرة الانسان وإدراكه , مما يؤكد أن القوى المادية التي يراها الانسان ويعلل بها الاشياء أو يظن أنها النهاية في سلسلة القضايا الخارقة , توجد هناك قوة أكبر منها , وقوة أكثر تحكما فيها بعض قصص العالم الغيبي ولنستعرض بعض قصص العالم الغيبي قصة الطوفان |
قصة الطوفان
كيف بدأ( وفار التنور) , وكيف انتهى( وقيل ياأرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضي الامر واستوت على الجودي), في لحظات بسيطة جدا تنتهي قصة أعظم طوفان شهدته الارض , وحين تم أمر الله , انتهى أمر الطوفان بتلك اللحظات السريعة. أليس هذا من الغيب الذي لايمكن ان يخضع للحدود المادية, ولايمنع العلل والمفاييس التي يتحدث عنها القرآن من التأثير؟! قصة أبراهيم والقاؤه في النار ( قلنا يانار كوني بردا وسلاما على ابراهيم ), لم تخرج النار عن كونها نارا أبدا, ولكن عملية الاحتراق وتأثير النار في الاحتراق لم تتم أبدا. أليس هذا ابطالا لقانون الإحراق والحرارة في النار ؟! أليس هذا من الغيب الذي نتحدث عنه؟! رفع الطور فوق بني إسرائيل قال تعالى ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ) والطور جبل عظيم ارتفع فوقهم في الهواء من دون ان يستند الى قاعدة أو شيء يدعمه.( مجمع البيان الطبرسي 1/245) أليس هذا من الغيب الذي يتحكم في القوانين والعلل المادية ويخترقها ويبطلها؟ ذبح البقرة وإحياء الميت ببعضها قصة ذبح البقرة وضرب الميت ببعضها ليعود حيا وينطق بما جرى عليه , فقد حكاه القران المجيد , من قوله تعالى في سورة البقرة ( إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) الى قوله تعالى ( فذبحوها وما كادوا يفعلون ) , ثم قوله تعالى ( فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون) أليس هذا من الغيب الذي لايخضع لموازين العلل المادية وقوانين المادة , أو مافي حساب البشر ؟! إذ أي أثر لضربة على انسان ميت, من قطعة لحم بقرة مذبوحة , حتى ينتفض ذلك الميت حيا ويتكلم بما جرى عليه ويفصح عمن قتله ؟! قصة الاسراء قال تعالى ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله) يعرج النبي محمد (ص) من المسجد الاقصى الى عنان السماء مخترقا المكان والزمان , من دون واسطة وأسباب أخرى.... أليس هذا من الغيب الذي حجب الله علمه عن العباد , وتحكم في عالم العلل التي يسوقها الانسان في مدركاتها العلمية , وفي مواقفه التي يعارض فيها كل شيء يخرج عنها ؟! رد الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام ردت الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام مرتين , مرة حين كان مع النبي (ص) ( أما ردها في زمن النبي , فخلاصته أنه (ص) صلى الظهر بالصهباء , ثم أرسل عليا في حاجة وقد صلى النبي (ص) العصر , فوضع رأسه في حجر علي فنام , ولم يحركه حتى غابت الشمس , فقال (ص) اللهم إن عبدك عليا إنما احتبس نفسه على نبيه فرد عليه الشمس فطلعت الشمس حتى رفعت على الجبال فقام علي فتوضأ وصلى العصر ثم غابت الشمس ) وحديث رد الشمس , رواه جمهرة المحدثين والحفاظ بطرق متواترة , وأرفد بالتأليف , وجمعت فيه طرق واسانيد , عد منهم الشيخ الأميني في غديره ثلاثة وأربعين حافظا , انظر الغدير الاميني ج 3 ص 127 و ص 140 و ص 393 و 411 , ونظمت فيه القصائد أيضا , انظر الغدير 2/293 و 3/29 و57 , انظر ايضا رسائل في رد الشمس المحمودي). والاخرى في احدى حروبه.( وخلاصتها أنه عليه السلام لما اراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من اصحابه بتعبير دوابهم ورحالهم , فصلى عليه السلام بنفسه في طائفة معه العصر , فلم يفرغ الناس من عبورهم حتى غربت الشمس وفاتت الصلاة كثيرا منهم , وفات الجمهور فضل الاجتماع معه , فتكلموا في ذلك , فلما سمع كلامهم فيه سأل الله تعالى أن يرد الشمس عليه لتجتمع كافة أصحابه على صلاة العصر في وقتها , فأجابه الله تعالى في ردها . انظر بحار الانوار 41/168 باب رد الشمس له عليه السلام الباب 109 من ابواب معجزاته). أنه من عالم الغيب الذي جعله الله سبحانه سببا لاختراق نظام الكون ! هذا مع العلم أن الامور كلها خاضعة لقدرة الله , وتجري بأمر الله , وإعانة الله , وإقدار الله ( إنما امره اذا اراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) فأين هي موارد العجب ! وأي دليل يمنع من هذه الولاية وهذا العطاء الالهي والاقدار الرباني ! أليست هذه كلها مظاهر لقدرة الله وعظمة الله ! وأين أشراك الانبياء والاوصياء في هذه الامور , بل هم استعملوا ماأقدرهم الله عليه , ومن دون الله لايتم شيء أبدا. الخلاصة واخيرا وللتأكيد على واقع الولاية التكوينية , نقول 1- الولاية التكوينية هي اقدار من الله سبحانه للانبياء والاوصياء. 20 الولاية التكوينية ليست تفويضا منه تعالى لهم اطلاقا , وإنما أمره وإقداره سبحانه وتعالى له مدخلية فيها. 3- هذه القدرة وهذا العطاء أمر فعلي عند النبي والامام , نظير القوى المودعة عند الانسان , مثل الارادة والاختيار والقوى التي يتحرك بها الانسان متى أراد , وكذلك النبي والامام يستعمل هذه الولاية حين وجود المصلحة لذلك , ووجود الصلاح فيها للعباد والوجود , لاينتظر أن يأتيه الامر بها, كما في الاتيان بعرش بلقيس , حيث إن ( آصف بن برخيا ) الذي عنده علم من الكتاب , لم يأت به إلا لأنه يملك القوة والقدرة على الاتيان به . وكما قال تعالى ( فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب * والشياطين كل بناء وغواص * وآخرين مقرنين في الاصفاد* هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب ) فقد جعل الله تعالى التصرفات موكولة الى سليمان , يتصرف حيث يشاء , وهو بأمر الله واقداره سبحانه , ولكن التصرف لم يعلق على شيء , فالولاية التكوينية فعلية , ولو لم تكن فعلية لما أمكنه التصرف المبحث الثاني عدالة الصحابة |
الولاية التكوينية ضرورة لازمة
هذه المشاركة سقطت سهوا وهي بعد الماركة 71 فنلتمس العذر من القراء الاعزاء ( والعذر عند كرام الناس مقبول) الولاية التكوينية ضرورة لازمة للنبوة والامامة , وذلك لان النبوة والامامة سنة من السنن الالهية , جعلها الله من الاسباب الاكيدة لحفظ الوجود بما فيه , وللوصول الى تحقيق الاهداف والمصالح التي فيها سعادة البشر وخيرهم ونظامهم وانتظامهم , فهي حق طبيعي لهم , والا لايمكن القيام بالمهمات المطلوبة منهم , إذ المطلوب منهم عليهم السلام (( الهداية التشريعية الشاملة )) لتحقيق الاهداف والغايات السامية من الخلق والايجاد . ولأجل ذلك اعتبر في النبي والامام الذي يقوم بهذه المهمة أمور معينة 1- ( الابتلاء والامتحان ) فإن ضرورة الابتلاء والامتحان في اداء هذه المهمة أو المهمات المطلوبة منه كنبي أو إمام لابد منها , لأن المهمو صعبة وشاقة فلابد ان يكون النبي بمستوى المهمة إن لم يكن أكبر وأقدر كي يتمكن من أدائها . قال تعالى ( وإذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين ). وقال تعالى في قصة ذبح اسماعيل عليه السلام وفدائه بالكبش ( قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال ياأبت أفعل ماتؤمر ) الى أن قال تعالى ( إن هذا لهو البلاء المبين ). وقال تعالى ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) . فنعتهم ووصفهم تعالى بالصبر لضرورة الصبر في هذه المرحلة التي لايمكن استواء الناس فيها على الحق والهدى وايصالهم اليه الا بالصبر . 2- ( العصمة ) لأن العصمة تستدعي الوثوق واليقين بأن مايقوله ويفعله النبي أو الامام هو الحق , لابتعاده وتنزهه عن المعاصي والباطل وعدم وجود ميل عنده اليها . 3- ( العلم الواسع عنده ) بما يشمل قضايا التشريع والتبليغ وغيرها من الامور , لأن نبوة النبي وإمامة الامام ليست فقط في هذه الجوانب , وانما هي ايضا فيما يتعلق في حفظ الوجود , ولذلك وردت الروايات العديدة التي تؤكد على أنه لولا الحجة لساخت الارض ( أنظر بحار الانوار المجلسي ج 23 باب ان الارض لاتخلو من حجة , ففيه أحاديث كثيرة تتضمن أنه لولا الحجة لساخت الارض مثل حديث 20 ص21) , نبيا كان الحجو أو وصيا , وقد قال تعالى ( وما كان الله ليعذبهم وانت فيهم ) وما نقرؤه في سورة هود من أنه تعالى لم ينزل العذاب على اقوام الانبياء وهم بينهم , لأنهم اسباب الرحمة , بل كان يخرجهم من بينهم ثم ينزل عليهم العذاب إذا اراد ذلك , فراجع سورة هود مفصلا . وللتأكيد على ضرورة العلم وشموليته قال تعالى ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ). وقال تعالى ( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك مالم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما ) وقال تعالى ( ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين * وورث سليمان داود وقال ياأيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الفضل المبين ) الولاية التكوينية حقيقة قرآنية ( مشاركة 72) |
عدالة الصحابة
هذا الموضوع من المواضيع المهمة التي وقع الخلاف فيها بين الشيعة والسنة , فالسنة يرون أن جميع الصحابة عدول , والوجه في ذلك عندهم أنهم حملة الشريعة والحفّاظ للدين , وباعتبار هذه الناحية يلزم القول بعدالتهم , إذ كيف يعد الله بحفظ دينه بقوله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) , مع كون حفظته وحملته غير عدول , وهناك أدلة أخرى اعتمدوها للقول بعدالتهم , يمكن التعرف عليها من خلال البحث في هذا الموضوع , وان كانت الاقوال والادلة لايمكن أن تثبت للنقاش , فضلا عن أن يتقبلها رأي أو عقل حصيف سليم . وبناء على القول بعدالة الصحابة أجمع , ذهب أخواننا السنة الى عدم الجواز نقد الصحابة والتكلم عليهم وسبهم والجرح فيهم , بل بنوا على اكثر من هذا , أن من سبهم يخرج عن الدين ويستباح دمه . وقبل أن نناقش هذا الموضوع ونوضّح أبعاده , أود أن أعرض بعض النقاط التي تتعلق بعدالة الصحابة ليكون القارئ عارفا بها معرفة تبعده عن الاهواء والتقليد وهي : (1) من هو الصحابي ؟ (2) هل نقل الصحابة شيئا من أحكام الشريعة وأفتوا بها بعد رسول الله (ص) ؟ (3) لماذا أحرق أبو بكر وعمر الروايات التي كانت عند الصحابة وبين أيديهم , يتداولونها كمصدر تشريعي , وسجلوها على عهد رسول الله وأيامه , والتي كانت تعتبر مصدر الشريعة , كما القرآن مصدر التشريع ؟ النقطة الاولى : من هو الصحابي؟ الذي يظهر من كلمات السنة في تحديد الصحابي أنه ( كل مسلم رأى النبي (ص)) هذا الذي ذهب اليه ((النووي )) في شرحه على صحيح مسلم ( شرح صحيح مسلم النووي 1/35 وعنه مروان خليفات في كتابه ( وركبت السفينة ) ص240 ) وإن اعتبرت بعض التفصيلات التي تضاف الى الرؤية مثل ( الرواية عنه ) كما يذكرها البعض . ونحن وإن كان لنا مناقشة في هذا الرأي في تحديد الصحابي , إلا أنا نسلمه ونقول بما قالوه من أن من لقي النبي (ص) مسلما ورآه فهو صحابي. إلا أن الاشكال ليس في لقاء النبي (ص) والصحبة له , ولكن الاشكال المهم في هذا الموضوع , هو أثبات العدالة لهؤلاء الصحابة , وكيف يمكن أن تثبتها لهؤلاء الصحابة بأجمعهم وفيهم المنافق , وفيهم من كفر وارتد عن الاسلام , وفيهم من شرب الخمر , وفيهم من أقيم عليه الحد لمخالفات ومعاص تستوجبه , وفيهم من زنا وثبت عليه الزنا , وفيهم من قتل المسلمين , وفيهم , وفيهم , وفيهم من لايسع الحديث عنه وتعداده في هذا المختصر ..... هذا أولا. وثانيا : هل من المعقول أن يقال بأن صحبة سنة أو ساعة أو أيام , أو لقاء مع النبي (ص) , ترتقي بالانسان الى مراتب الكمال والثقة والاطمئنان , والعدالة , ويصبح بين عشية وضحاها ممن لايمكن أن يخضع للجرح والتعديل ولا للنقد . إلا أن هذا إن قيل , فهو ارتقاء في المفاهيم الى المعجزة , وهذا قطعا لم يقع , وما كان , ولن يكون مادمنا نقرأ عن اختلاف الصحابة في مراتبهم ومواقفهم ما نقرأ . وإذا كانت الصحبة تؤثر هذا الاثر السريع , فلماذا لم تؤثر صحبة أمرأة نوح وأمرأة لوط الصلاح والسداد , ولمّ يصفهما القران بالكفر ( ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط ) . وإذا كانت الصحبة تؤثر هذا الاثر السريع , فلماذا ندد القران الكريم ببعض زوجات النبي (ص) حيث قال ( إن تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير ) فإن قوله تعالى ( إن تتوبا الى الله فقد صغت قلوبكما ) - أي مالت عن الحق - كشف عن وجود استعدادات بعيدة تمام البعد عن الدين والايمان عما كان عليه النبي (ص) من الايمان والتقوى , والتظاهر عليه وضدّه ..... فأين الصحبة! إن مقتضى الصحبة ان يكون أثرها في التلاؤم في سبيل الحق والاستفادة من النبي أكبر وأكبر , الامر الذي يؤكد بأن الصحبة بما هي صحبة لا تقتضي هذا التأثير والتحول السريع في الشخص المصاحب والتغير من كافر الى مؤمن عادل عالم متق متبتل خائف من الله مترقب . إن ارتقاء الانسان في مرتبة العدالة يحتاج الى زمن طويل من الاستمرار على هدى الشريعة وتطبيق الدين ومجاهدة النفس والاهواء , وليست هي مسحة رسول بمجرد لقاء النبي (ص) أو رؤيته سنة أو شهر أو أيام وهكذا .... إن هذا المعنى يجب أن يستوعبه المرء بعقلانية وعلم ومعرفة تتوافق مع أصول الاسلام والعقيدة والشرع , ولانقع في التناقضات التي تؤثر على الفكر الاسلامي وعلى التشريعات الاسلامية , وهذا مانقرؤه في الاسلام ذاته, فليس للصحابي أي ميزة ولاخصوصية تميزه عن بقية الناس في مسألة العدالة , فالناس كلهم سواء في أمر العدالة وفي الحصول على العدالة , وفي شروط العدالة واسبابها والارتقاء بها الى مقامات عالية. المنافقون : وهل يمكننا ان نقول بما قاله (( النووي )) في أمر المنافقين , حيث ذكر أن النبي (ص) ( لم يقتل المنافقين لهذا المعنى - أي للصحبة - ولإظهارهم الاسلام , وقد أمر بالحكم بالظاهر , والله يتولى السرائر , ولأنهم كانوا معدودين في اصحابه ( راجع صحيح مسلم , شرح النووي 16/139) . إن في هذا القول مفارقة غريبة وعجيبة , ومخالفة صريحة لكتاب الله سبحانه في شأن المنافقين , فتجد القران الكريم يتحدث عن المنافقين بأسلوب لايحتمل معه أي تفسير أو تبرير لحسن الظن بهم أو في حملهم على أي محمل من محامل الصحة : ( فتارة ) يؤكد القران الكريم وجود المنافقين بين المسلمين , والاخبار بذلك للحذر والحيطة منهم , وعدم إدخالهم في أي شأن من شؤون المسلمين , قال تعالى ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لاتعلمهم نحن نعلمهم ) . ( وأخرى ) يكذبهم الله في ادعائهم الاسلام وغيره من الامور , قال تعالى ( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) ( وثالثة) يحكم بكفرهم , وهو الحكم النهائي في حقهم , بما لايدع معه مجالا ومحملا لكلمة (( النووي )) وأنهم اظهروا الاسلام , قال تعالى ( يحلفون بالله ماقالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد اسلامهم ) . أما الايات الاخرى التي وردت في حق المنافقين فهي تأكيد لما قلنا , ومعه لابد من اتباع كلام الله سبحانه في شأنهم , وهو أولى من أن نجتهد ونحمل الكلام والرأي على مايخالفه وبما يغري أهل النفاق بالنفاق , وأهل العصيان بالعصيان , ويحرؤهم على التمادي في كفرهم وبغيهم وضلالهم , وما يعرفه المسلمون من مواقفهم العدائية للنبي (ص) وللدين , شاهد على ذلك . ومع هذا الواقع والبيان القراني لحال المنافقين , كيف يمكننا أن نقول بصحبتهم ! وكيف يمكننا أن نقول بعدالتهم ! وأي عدالة هذه التي يقال بها للمنافقين ! وكيف يؤتمن هؤلاء على الدين ! وكيف يقبل قولهم في دين الله سبحانه ! بل كيف يمكن أن يكونوا حفظة لهذا الدين وشريعته وأحكامه , وهم مافتئوا يكيدون له في كل موطن وموقف وشأن. المرتدون : والكلام في شأن المرتدين من الصحابة هو الكلام في شأن المنافقين , وللتأكيد على ذلك يمكن للانسان أن يستعرض الايات الكريمة التي وردت لبيان أفعالهم وأقوالهم ونواياهم التي تحكي وتوضّح مخالفتهم لأحكام الله ودينه . ومادمنا نتحدث عن المنافقين , فليكن الحديث عن غيرهم ممن زنوا وشربوا الخمر وأقيم عليهم الحد وكفروا وارتدوا عن الدين , لننظر هل هناك مجال لعدالتهم ؟ من زنى من الصحابة : |
شكراً اخي على الطرح المميز
|
من زنى من الصحابة
أما من زنى من الصحابة وثبت الزنا عليهم , فهم وان كانوا متعددين , ويتضح ذلك من خلال اقامة الحد عليهم , إلا أنا نذكر حادثتين مشهورتين سجلهما المؤرخون , كان لهما الاثر الكبير في عالم الصحابة بأعتبار موقع من صدر منه الزنا : الحادثة الاولى : قصة خالد بن الوليد , وقتله لمالك بن نويرة , وزناه بزوجت في نفس الليلة التي قتله فيها , ودماء مالك لم تجف بعد ( راجع تاريخ الطبري 2/501 وما بعدها وكنز العمال 5/619 , وتاريخ اليعقوبي 2/131 , وغيرها وعنهم ( وركبت السفينة ) ص 279 - 283 ) هذه الحادثة هي أفظع حادثة جرت بعد وفاة النبي (ص) وكشفت عن الواقع الايماني والالتزام للصحابة بأحكام الدين وشريعة سيد المرسلين . وبرغم مابرر به قتل مالك حيث أدعوا صدور الارتداد منه , فأن الصحابة والمؤرخين لم يستطيعوا أن ينكروا زنا خالد بزوجة مالك , ولاتبريره ابدا , حتى أن عمرا أراد بل أصر على أن يقام الحد عليه , ولكن أبا بكر حماه بقوله ( تأول فأخطأ ) ( كنز العمال المتقي الهندي 5/619 وفيه أن عمر قال لابي بكر ( أن خالد قد زنى فارجمه, قال: ماكنت أرجمه , تأول فأخطأ, قال : فإنه قتل مسلما فاقتله به , قال : ماكنت لأقتله , تأول فأخطأ....) فعمر قد رماه بالزنا , ووصف مالكا بأنه مسلم ) , فأبو بكر لم ينكر الزنا , ولكنه برر عدم أقامة الحد على خالد بأنه اجتهد فأخطأ . فالكلام في الزنا ثابت على خالد , والتبرير غير وارد , بل خطأ فاحش , فأي اجتهاد هذا , ألم يكن حكم الزنا معروفا لخالد ولأبي بكر ؟ ألم يكن يعرف خالد أن المرأة المتوفى عنها زوجها لابد لها من عدة تعتدها ؟ ألم يقرأ القرآن ؟ مع أن عدة المتوفى عنها زوجها من أصرح الاحكام في القران ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) ؟ وكيف يخالفون حكم القران في ذلك , وقد قالوا عند وفاة النبي (ص) ( حسبنا كتاب الله ) . إن قصة التبرير هذه بأنه اجتهد فأخطأ كما أشرنا , عمل سياسي فقط , ومع ذلك نحكم بأن خالد بن الوليد من الصحابة , ومن حملة دين الله ومن المحافظين عليه , بل عدالته فوق كل عدالة , ومن ينال منه فهو مارق عن الدين ويستباح دمه ! جنايتان مهمتان وكبيرتان صدرتا من خالد : الاولى : قتله لمسلم باعتراف المسلمين أجمع وشهادتهم بذلك , مع عدم ارتداده ( اي مالكا ) حيث لم يصدر منه مايوجب الارتداد ابدا , ولم يقف من خلافة ابي بكر موقف المحارب , سوى أنه طلب أن يؤدي زكاة ماله لمن نصبه رسول الله (ص) من بعده . والثانية : الزنا بزوجته التي كانت من النساء الجميلات والفائقة في الجمال , ولذلك قال لها مالك : ( أنت قتلتني ! ) ( الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 5/561 ) أنا لااريد أن أحاكم عدالة خالد وصحبته , ولكني أريد أن أضع هذا الواقع التاريخي المجمع عليه من جميع المسلمين بين يدي القارئ ليرى أنه هل يتقبل مثل هذه الاراء في التقييم وإثبات العدالة بمجرد الصحبة ؟ وهل أنه إذا صدرت من الاغلاط الكبيرة مثل ماذكرنا , فهل يصح لنا أن نبررها بالعدالة ونلجم أفكارنا وعقولنا عن النقد لمجرد قول عار من الدليل . إن حملة دين الله إذا لم يكونوا في أعلى مراتب النزاهة والورع والتقوى كيف يمكن اللجاء اليهم في الدين ؟ الحادثة الثانية : المغيرة بن شعبة , وقصته مع أم جميل بنت الافقم : وزناه بها مشهور ومعروف ( السنن الكبرى البيهقي 8/234 , كنز العمال 5/423, البداية والنهاية ابن الاثير 7/94 وغيرها وعنها وعن غيرها ( وركبت السفينة ) ص 285 ) لم يكذبه التاريخ , حتى أن عمر قال للمغيرة : ( والله ما أظن أن أبا بكرة كذب عليك ) , وابو بكرة أحد الشهود على زنى المغيرة , ثم ينقلب الامر إلى أن يضرب عمر الشهود الحد , حد القذف ( لأن عمر لما جاءه رابع الشهود وهو زياد قال : ( إني لأرى رجلا لن يخزي الله على لسانه رجلا من المهاجرين )[ الاغاني ابو الفرد الاصفهاني 16/107 ] , ( أما أني لأرى وجه رجل أرجو أن لايرجم رجل من اصحاب رسول الله (ص) على يده ولايخزى بشهادته ) ( كنز العمال المتقي الهندي 5/423 ) كما ورد في مختلف المصادر التي نقلت الحادثة [ راجع الغدير الاميني ج6 ص 139 - 140 فإنه نقلها عن كثيرين ] مما يشعر بل يؤكد بأن زيادا عرف ميل عمر الى درء الحد عن المغيرة , وقد شهد زياد شهادة تقارب من شهادة من تقدمه من الشهود إلا أنه لم يشهد بأنه رأى الميل في المكحلة , وإن كانت أقواله كلها تؤكد أن المغيرة زان . وأما قول عمر للمغيرة ( والله ما أظن أن أبا بكرة يكذب عليك ) وله قول آخر ( وما رأيتك إلا خفت أن أرمى بالحجارة من السماء ) ( الاغاني ابو الفرج الاصفهاني 16/109 ) هذا القول من عمر تأكيد واضح على أن المغيرة زان , لأن أبا بكرة كان معروفا بالتقى والصلاح , وكان من خيار الصحابة وأعبدهم , وقول عمر للمغيرة ( ما رأيتك الا خفت أن أرمى بالحجارة من السماء ) ايضا تأكيد على أنه كان مقتنعا بالزنى الذي أتاه المغيرة , وأن الحد الذي أقيم على أبي بكرة وأصحابه لم يكن شرعيا, وأنه ظلم له ولأصحابه , وإلا فما هو الداعي للخوف إن كان قد أقام عمر الحد لله وبشكل صحيح . ترى هل هذه القضية وحدها التي يقف المرء المسلم عندها مستنكرا لما جرى من القوم , أم هناك غيرها ؟! بلى هناك غيرها كثير وكثير لمن يريد أن يفتح هذا الباب وتلك الملفات . لقد كان عمر مقتنعا تماما بأن المغيرة قد أرتكب الزنا , وكان درء الحد عنه بالشكل الذي أشرنا اليه في الهامش اجتهادا منه , أما لماذا هذا الاجتهاد وخاصة في الحدود , فهذا ما يسأل عنه الخليفة نفسه , وإذا كان الخليفة قد درء عنه حد الزنا لعدم تكامل الشهادة لديه , فلماذا لم يقم عليه حد التعزير وقد تطابقت الشهادة من الاربعة على أن المغيرة قد أتى أمرا منكرا قبيحا , وجلس الى أمرأة أجنبية عنه مجلسا فيه كل مايوجب حد التعزير , وخاصة اذا نظرنا في مقالة الشهود الاربعة وكيف كان مجلسه وحاله منها . هذا مع العلم بأن عمر نفسه أقر حد التعزير الذي حكم به عبد الله بن مسعود في رجل وجد مع امرأة في لحاف , حيث ضرب عبد الله كل واحد منهما أربعين سوطا وأقامهما للناس , فذهب أهل المرأة وأهل الرجل فشكوا ذلك الى عمر بن الخطاب , فقال عمر لابن مسعود : مايقول هؤلاء ؟ قال : قد فعلت ذلك . قال : أورأيت ذلك ؟ قال : نعم . فقال : نعم مارأيت . فقالوا : أتيناه نستأذنه فإذا هو يسأله ( الغدير الشيخ الاميني 6/ 141 - 142 وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد ج6 ص 296 - 270 وقال روواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا أن الشعبي لم يسمع من أبن مسعود ) . هذا ... والمغيرة معروف بأنه كان أزنى رجل في الجاهلية , ولما أسلم تقيد قليلا , وكانت له مثل هذه المجالس القبيحة . ورغم هذا كان واليا على البصرة من قبل عمر , وكان من الصحابة الحافظين لدين الله وحماة الدين أيضا !!! فأي دين هذا الذي يكون المغيرة حافظا وحاميا له , وأي عاقل يرضى أن يكون أمر هذا الدين في يد المغيرة بن شعبة وأمثاله , ويؤخذ منه , ألا يكون هذا استهوانا بالدين ! من شرب الخمر |
من شرب الخمر
الوليد بن عقبة : أخ عثمان لأمه , وقد ولاه الكوفة وكان أبوه عقبة من أشد الناس عداوة لرسول الله , حتى قال رسول الله (ص) :( كنت بين شر جارين , بين أبي لهب , وعقبة بن أبي معيط ) ( الغدير الاميني 8/272 , الجامع الصغير 2/ 297 , كنز العمال 9/52 , وغيرها وتتمة الخبر :( وان كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانه على بابي , حتى أنهم ليأتون ببعض مايطرحونه من الاذى فيطرحونه على بابي ) ) , وغير ذلك كثير في حق عقبة , فليراجع من يريد التعرف على موقف هذا الرجل العدائي من رسول الله (ص) . وأما ولده الوليد , فقد ورد في حقه أنه أفسق الناس , بل نعت بأنه الزاني والفاجر والسكير والمدمن الخمر , وهو الذي نزلت فيه هذه الاية ( ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين ) ولما أفتخر على علي عليه السلام نزل فيه قوله تعالى ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لايستوون) فالمؤمن هو علي عليه السلام , والفاسق هو الوليد . وقد ولاه عثمان الكوفة , وقصة شربه للخمر وصلاته وهو سكران , وقيؤه في المحراب , وقد صلى بالناس الصبح أربع ركعات , وقال : ( أزيدكم!!) , أمر ثابت ولاكلام فيه. فقد ذكر صاحب الاصابة : أن صلاته بالناس الصبح أربعا وهو سكران مشهورة مخرّجة. ( الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 6/482 ) وعن السيرة الحلبية :(وصلى بأهل الكوفة أربع ركعات وصار يقول في ركوعه وسجوده : اشرب واسقني , ثم قاء في المحراب , ثم سلم , وقال : هل أزيدكم ؟ فقال له ابن مسعود : لازادك الله خيرا , ولا من بعثك الينا , وأخذ فردة خفه وضرب بها وجه الوليد وحصبه الناس , فدخل القصر والحصباء تأخذه وهو مترنح ) ( الغدير الاميني 8/123, حكاه عن السيرة الحلبية ج2 ص 314 وعن تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 104 ). وكان أهل الكوفة قد شهدوا عليه عند عثمان بسكره وصلاته وهو سكران , فتهددهم عثمان , بل ضرب بعض الشهود , فعطل عثمان بذلك حدا من حدود الله تعالى و وقد لامه المسلمون على ذلك , حتى أقام عليه الحد أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام , ضربه ثمانين جلدة لشربه الخمر. والتاريخ لاينكر أمر الوليد وسكره وأخذه الاموال من بيت المال , ومع ذلك يعتبر من الصحابة ومن أهل الجنة ومن حملة دين الله والمحافظين عليه بنظر من يقول بعدالة الصحابة , وما أدري أي عاقل يقبل مثل هذا القول ويقبل أن يكون الوليد كذلك . أما غيره ممن شرب الخمر وأقيم عليه الحد فكثير : منهم عبد الرحمن بن عمر بن الخطاب شرب الخمر هو وأبو سروعة عقبة بن الحارث فجلدهما عمرو بن العاص , وأما عبد الرحمن فجلده عمر أيضا ( تاريخ المدينة أبن شبة 3/841 راجع ايضا الاصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 5/35 فإنه قال في ترجمة عبد الرحمن بن عمر هو الذي ضربه عمرو بن العاص بمصر في الخمر ثم حمله الى المدينة فضربه أبوه أدب الوالد ثم مرض فمات بعد شهر). وقدامة بن مظعون شرب الخمر وقد حد عليه ( الاصابة لابن حجر 5/323) وأبو محجن الثقفي : جلد أربع مرات على شرب الخمر , وقيل سبع مرات ( الاصابة أبن حجر 7/299) وسمرة بن جندب وكان واليا على البصرة من قبل زياد بن أبيه أيام معاوية , وهو من أخبث خلق الله وأسوئهم , وكان قد باع الخمر أيام عمر , أخرج مسلم في صحيحه : أن ابن عباس قال :( بلغ عمر أن سمرة باع خمرا, فقال قاتل الله سمرة , ألم يعلم أن رسول الله (ص) قال : لعن الله اليهود , حرمت عليهم الشحوم فحملوها وباعوها ) ( صحيح مسلم النيسابوري 5/41) وفي أيام معاوية قتل سمرة الاعداد الكثيرة من المسلمين حتى قيل لايحصى عددهم , وكان أتى الكوفة , فقتل ثمانية آلاف من الناس ( تاريخ الطبري 4/41, تاريخ ابن خلدون 3/10) , وقيل أنه قتل في غداة سبعة واربعين رجلا قد جمع القران ز( تاريخ الطبري محمد بن جرير الطبري 4/176). ومع ذلك يعد سمرة من الصحابة ومن حفظة الشريعة وحماة الدين , ولم ينظر الى شنيع أفعاله وسفكه لدماء المسلمين الابرياء وبيعه الخمر. وبسر بن أرطأة: وله من الافعال الشنيعة الكثير , وقد سفك الدماء البريئة وبلا حق , وخاصة ممن كان يوالي عليا عليه السلام , ولكثرة ماصدر منه من سفك الدماء وإثارة الفتن أعرض (( ابن حجر )) عن ذكرها قائلا (( وله أخبار شهيرة بالفتن لاينبغي التشاغل بها )) ( الاصابة لابن حجر 1/421 حرف الباء رقم 642 ) مما يؤكد على ضخامة وبشاعة ماصدر منه , ومن مساوئه الشنيعة في القتل ذبحه لولدي عبيد الله بن العباس وهما ولدان صغيران ( وهما (عبد لرحمن والقثم ) انظر التاريخ الصغير البخاري 1/111 وكتاب الثقاة لابن حبان 2/301 ) ومع ذلك يعد بسر بن أرطاة صحابيا عادلا وأنه من أهل الجنة , ومن حملة الدين والحفاظ له . فأي دين هذا اذا كان مثل سمرة بن جندب وبسر بن أرطاة من الحافظين له والحماة له !! واها واها لمثل هذه الاقوال!!... ومعاوية بن ابي سفيان شرب الخمر ( راجع مسند أحمد بن حنبل 5/347) وباعها ( راجع تاريخ مدينة دمشق ترجمة عبادة بن الصامت ج26 ص 197 - 198 ان عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة وهو بالشام تحمل الخمر , فقال ماهذه أزيت ؟ قيل : لا بل خمر تباع لفلان , فأخذ شفرة من السوق فقام اليها فلم يذر فيها راوية الا بقرا , وأبو هريرة إذ ذاك بالشام فأرسل فلان الى أبي هريرة فقال : ألا تمسك عنا أخاك عبادة بن الصامت , أما بالغدوات فيغدوا الى السوق فيفسد على أهل الذمة متاجرهم و وأما بالعشي فيقعد بالمسجد ليس له عمل إلا شتم اعراضنا وعيبنا , فأمسك عنا أخاك , فأقبل أبو هريرة يمشي حتى دخل على عبادة فقال : ياعبادة مالك ولمعاوية ذره وماحمل فأن الله يقول ( تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم واكسبتم ) الخ...) هؤلاء صحابة النبي (ص) الذين يرى ويقال بأنهم عدول وأنهم من أصحاب الجنة وإن شربوا الخمر وإن زنوا وإن فعلوا مافعلوا , وقد فعلوا الكثير . فإن حاولنا أن نتتبع سيرتهم وما جرى بينهم من القطيعة والتباعد والقيل والقال , والتجريح ببعضهم البعض , والسب لبعضهم البعض , فضلا عما ذكرناه , ومخالفتهم للنبي (ص) في أقواله , وعدم الطاعة له في الاحكام , وفيما يقرره , وفيما أوحاه الله له , والتقول عليه بما لم ينزل الله به سلطانا , وكذلك محاولة قتله عند رجوعه من غزوة تبوك , وأرادوا أن ينفروا به الناقة ويطرحوه في الوادي , وكان (ص) قد أمر بكتمان أسماء هؤلاء الاشخاص ....( بحار الانوار 21/231) لو أردنا أن نتوسع في البحث عن هذه الامور , لضاق المقام , ولخرجنا بنتيجة ليست المخالفة فقط لرأي أخواننا بل الى أكثر , هذا مع العلم أننا ناقشنا الكثير من هذه الاقوال . والمحصلة أن هالة التقديس والتعظيم بالشكل الذي ذكر للصحابة , أمر فيه من الغلو الفاحش الذي لادليل عليه كما ستعرف ذلك قريبا , ومما لايقبله العقل إطلاقا , فضلا عن الموازين العرفية المتبعة بين الناس . وأقف عند هذا المقدار من الكلام في هذه النقطة , لأن المقام يضيق عن تتبع وذكر الاشخاص الذين عدوا من الصحابة وأنهم من عدول الصحابة مع مالهم من الافعال الغير الصحيحة بل والسقيمة التي يندى لها الجبين خجلا ويتألم لمثلها التاريخ الذي يضم الحديث عن رجال كان من المفروض - نتيجة معشرهم وقربهم من النبي (ص)- أن يكونوا القمة في العدالة والثقة والاطمئنان بهم . وأترك للقارئ الكريم , سواء كان سنيا أو شيعيا , أن يحكّم عقله وأن يقول كلمته بكل حرية فيما بينه وبين الله سبحانه النقطة الثانية: هل نقل الصحابة شيئا من الروايات والاحكام وبلغوها للناس ؟ |
النقطة الثانية:
هل نقل الصحابة شيئا من الروايات والاحكام وبلغوها للناس ؟ في هذه النقطة بالذات , علينا أن نكون موضوعيين لأن أخواننا السنة بنوا رأيهم وقولهم بعدالة الصحابة على أنهم الحفظة للشريعة والمبلغون لها , ومن المستحيل أن يعد الله سبحانه بحفظ دينه بقوله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) , مع كون حملته غير عدول ... فعلينا النظر في هذه الناحية بالذات , أي في مقدار الحفظ للشريعة والدين , والاهتمام بالاحكام ومقدار التبليغ ومقدار ماقدمه الصحابة للأمة الاسلامية حتى يتلائم ويتطابق مع القول بعدالتهم وحفظهم للشريعة وتبليغ أحكامها . من المعروف ان النبي (ص) أقام ثلاثة وعشرين سنة يتلقى الوحي وما يتعلق بالاسلام وأحكامه وشؤونه , والصحابة من حوله يسمعون مايقوله النبي (ص) ويعونه تماما , وما أخفى عنهم شيئا حتى نزل قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) . وبما أن الاسلام هو الدين الخاتم ويجب أن يصل الى كل أنسان , ويتحرك مع كل شيء في هذه الحياة , فالواجب تبليغه وإيصاله الى الجميع . وفي وقت وجود النبي (ص) ومن كان حوله , بلّغ النبي (ص) الاحكام لأمته , وعرّفهم وظائفهم المطلوبة منهم تجاه دينهم , وبعد النبي (ص) كان الصحابة هم الذين ينقلون الدين وأحكام الشريعة للأمة . فما كان موقفهم تجاه ماكان يلقيه النبي على مسامعهم وفي تفهمهم لأحكامه ؟ وما كان موقفهم بعد النبي (ص) في التبليغ والمحافظة عليه ؟ والقراءة التي يسجل من خلالها القارئ ملاحظاته على هذه النقطة وغيرها لا توحي بأن الصحابة كانوا بمستوى الحفظ والتبليغ . وخير مايستشهد به لما نقول هو الاخبار الواردة في ذلك : ينقل عن ابن عباس أنه قال :( مارأيت خيرا من أصحاب رسول الله (ص) ماسألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض , كلهن في القرآن) ( سنن الدرامي 1/51, مجمع الزوائد 1/158, باب السؤال للانتفاع وان كثر , وعنهما كتاب ( وركبت السفينة ) ص 196 ) . ومما يروى عن البراء , أنه قال : ( إن كنت ليأتي عليّ السنة أريد أن أسأل رسول الله (ص) عن الشيء , فأتهيّب , وإن كنا لنتمنى الاعراب ) أي قدومهم ليسألوا فيسمعوهم أجوبة سؤالات الاعراب فيستفيدوها ( فتح الباري ابن حجر 13/224 ( وركبت السفينة ) ص195 ) . وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى :( لقد أدركت في هذا المسجد عشرين ومائة من الانصار , ومامنهم من أحد يحدّث بحديث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث , ولا يسأل عن الفتيا إلا ود أخاه كفاه الفتيا ) ( سنن الدرامي 1/53) . وقال ابن قيبة (وكان كثير من جل الصحابة وأهل الخاصة برسول الله (ص) كأبي بكر والزبير وأبي عبيدة والعباس بن عبد المطلب , يقلون من الرواية عنه , بل كان بعضهم لايكاد يروي شيئا , كسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ) ( أضواء على السنة , محمود ابو رية ص 56 ) وأيضا ذكر ابن القيم : أن الصحابة كانوا يهابون الرواية عن رسول الله (ص) ويعظمونها ويقللونها خوف الزيادة والنقصان , ويحدثون بالشيء الذي سمعوه عن النبي (ص) مرارا ولايصرحون بالسماع ولايقولون قال رسول الله (ص) ( أضواء على السنة , محمود أبو رية ص57 نقلا عن ( أعلام الموقعين عن رب العالمين ) لابن القيم الجوزية 4/128 ) والروايات في هذا المعنى والمضمون كثيرة , وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على الحذر والاحتياط في الرواية ونقلها , إلا أن هذا يتنافى تماما مع كونهم الحفظة والمبلغين , بل يتنافى مع ما هو وارد ومأثور عن رسول الله (ص) قال : ( نضّر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم بلّغها عني , فرب حامل فقه غير فقيه , ورب حامل فقه الى من هو أفقه منه ) ( سنن ابن ماجة 1/86 حديث 236 , وغيره فقد روي بأختلاف يسير في اللفظ من الطرفين , انظر : الكافي, الكليني 1/403 باب ماأمر النبي بالنصيحة حديث 1) . وقرأنا في بعض الروايات المتقدمة أن بعض الصحابة كانوا لايجيبون على مسألة السائل , ويردها هذا إلى هذا !!! والسؤال : لماذا لايجيبون؟ |
والسؤال لماذا لايجيبون؟
فإما أن يكونوا جهلاء بالحكم , وهذا خلاف الادعاء بأنهم حفظة الشريعة. وإما أنهم يعلمون ولايريدون أن يجيبوا خوفا من الخطأ, فحري بهم أن يقولوا ( لانعرف) فإن ذلك خير من السكوت. وإن كان الجواب احتياطا فهو ايضا خلاف الامر بالمعروف والنهي عن المنكر , وإن أخطأ فهو لم يتعمد الخطأ , ويمكن أن يتداركه. وإن كانوا لايجيبون حرصا على العمل بالقران , فليجيبوا بما في القران إن كانوا يعلمون بالقران. وعلى كل حال فهذا التوقف , بل الاقلال من السؤال في عهد النبي (ص) وعدم الجواب بعد النبي (ص) كله لايتلائم مع دعوى أنهم (( صحابة )) وأنهم (( مبلغون عن الله )) و (( حفظة للدين)) , وخلاف ماأمروا به من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر , وما أمروا به من وجوب التعلم ومعرفة الاحكام , وتعليمها الجهّال, كما هو وارد ومؤكد في احاديث السنة والشيعة, فأي تصور يمكن ان يكون عند الانسان عندما يطّلع على هذا الواقع الذي كان عليه الصحابة, وهل من الممكن والمعقول ان يكون هذا الواقع متطابقا مع القران الكريم الذي دأب قادة المسلمين بعد النبي على الاكتفاء به وضربوا بكل الاحاديث عرض الجدار ,بل أحرقوها حتى لم يبق منها شيء من أجل ذلك, ألم يقرؤوا قوله تعالى ( وأنزلنا اليك الذكر لتبين للناس مانزل اليهم ) , وقوله تعالى ( وماأنزلنا عليك الكتاب الا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون). وهل يمكن أن يكون البيان القرآني بعيدا عن السنة التي تحمل كل التفاصيل والخصائص الموجودة في القران, والتي هي الشارحة لآيات الله وهي البيان التفصيلي له , فأين الصحابة عن هذا الواقع القرآني !! ثم أن الاسلام لم ينتشر بين الناس الا من خلال التبليغ , ومن خلال التطبيق العملي له من قبل أتباعه, وما رغب الناس بالاسلام إلا للواقعية التي يتمتع بها الاسلام في أحكامه , وللأنقياد له والتفاني في سبيله, والالتزام به في مختلف شؤونه وأحكامه من قبل المسلمين. والانقلاب الذي حدث , والتغييرات التي وقعت في وضع المسلمين, وعزوف البعض عن الاسلام , كان بسبب السلبيات التي صدرت من بعض المسلمين والتغيير الذي أحدثوه , والانسياق وراء الجاهلية الاولى من جديد و وإلا فالدخول في الاسلام كان رغبة أكيدة في نفوس الكثير من الناس , أفلا تكون هذه الاقوال في علوم الصحابة والإقلاق من قبلهم فيها تحجيم للدعوة الى الاسلام وحرب مبطنة ضد الاسلام !! قلة التلقي من النبي (ص) ومما يتعلق بالموضوع ايضا قلة التلقي من النبي (ص) , واهتمام الناس بالعمل والانشغال بأمور الحياة وغير ذلك , وقد صرحت روايات عديدة بهذا الامر . ورد عن طلحة بن عبد الله , أنه قال ( إنا كنا قوما أغنياء , لنا بيوتات وأهلون وكنا نأتي رسول الله (ص) طرفي النهار , ثم نرجع )(البداية والنهاية ابن كثير 8/117, فتح الباري ابن حجر 7/61 , مسند ابي يعلى 2/10) وقال البراء بن عازب ( ليس كلنا كان يسمع الحديث من رسول الله (ص) , كانت لنا ضيعة وأشغال , ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ, فيحدث الشاهد الغائب ) ( الحد الفاصل الرامهرمزي ص 235 , الكفاية في علم الرواية الخطيب البغدادي ص 424 ), وورد عنه قوله ( ماكل الحديث سمعناه من رسول الله (ص) كان يحدثنا أصحابنا عنه , كانت تشغلنا رعية الابل )( وركبت السفينة 200 , مسند أحمد 4/283 , المستدرك الحاكم النيسابوري 1/95). هذه الاخبار وغيرها تؤكد ان الصحابة كانوا محدودين في مستوام العلمي ومعرفة الاحكام والقضايا الشرعية التي يهتم بها المسلمون عادة والتي تستوعب جل حاجاتهم وأمورهم ومايلزمهم من شؤون. فالصحابة لم يكونوا عارفين بأمور الاسلام وأحكامه , ولالديهم الاطلاع الكامل عليه , بل ولا أقل من ذلك , الامر الذي يجعل الصورة للتعليل الذي يذكر لعدالة الصحابة فيه من الغلو مالايخفى. فالمراجع في الروايات يتأكد لديه هذا الواقع بوضوح , وأن النبي (ص) حين كان يبلغ الاحكام , كان يبلغها لمن حضر منهم, أما باقي الصحابة ممن كان غائبا , ومن كان بعيدا, وغيرهم ممن لم يحضر مجلس التبليغ , فمعرفته للحكم كانت تتم بعد ذلك وعلى مراحل وفترات , هذا اذا لم يلتقوا بالنبي (ص) ويسألوه. هذا حال من كان في زمانه (ص) , وأما بعد وفاته , فمن أراد أن يتعرف على سنة النبي (ص) وعلى الاحكام التي وردت فيها ,فعليه ان يسأل حتى يصل الى الواقع , وقد لايصل . ومن هنا نقول أن الصحابة قد خفي عليهم الكثير والكثير من الاحكام , فكيف يكونون حفظة للشريعة ! وكيف يبلغونها للناس وهم لايعرفون منها الا القليل , وأنى لهذا القليل أن يستوعب المساحات الكبيرة من البلاد الاسلامية التي توسعت توسعا كبيرا, والشعوب الاسلامية التي زاد عددها زيادة بالغة , وتنقل اليها الاحكام بشكل يفي كل احتياجاتها , هذا فضلا عن احتواء المستجدات من الامور التي تتجدد في حال التوسع والتطور . من هنا يتأكد لنا بأن الصحابة لم يكونوا بالمستوى الذي يخولهم أن يحملوا الامانة الكبيرة ز تعليق هذا المعنى الذي ذكرنا , إنما هو بالمنظور العام , ولكن بالمنظور الخاص نقول ان النبي (ص) قد هيأ من الصحابة من بعده من يقوم بهذا الدور العظيم , وحمّله الامانة الكبرى ,إذ لايعقل – والله سبحانه جعل الاسلام خاتمة الاديان , وجعل محمدا خاتم الانبياء والرسل – أن تنتهي رسالته بالقليل الذي فهمه الصخابة وأدركوه , فلابد أن يكون من بعده من يقوم بنفس الدور ويعطي نفس العلوم والمعارف , ويكون لديه ماعند الرسول , بتعليم الرسول. وليس أحد من الصخابة من له هذه الاهلية سوى علي بن ابي طالب عليه السلام وأبناؤه الغر الميامين , الذي جعلهم رسول الله عدل القرآن , وأودع لديهم علومه مضافا الى مالديه من علوم أطلعه الله عليها. لقد كان علي بن ابي طالب عليه السلام هو الشخص الذي رافق النبي (ص) بداية حياته , وأول مراحل الدعوة , وعرف أمور الاسلام وأحكامه وأستوعبها استيعابا كاملا, وهذا أمر لايناقش فيه أثنان فضلا عن أن ينكره أحد إلا من كان في قلبه مرض. النقطة الثالثة لماذا أحرقت الروايات التي جمعت في عهد النبي (ص) |
الساعة الآن »07:39 PM. |