![]() |
كتاب معتقدات الشيعة
نأليف سماحة السيد علي السيد حسين يوسف مكي طبعة اولى2007
نحاول كتابة ماامكننا من فصول هذا الكتاب الذي يتميز بالعمق وسلاسة الاسلوب من هم الشيعة الشيعة هم الموالون للنبي واهل بيته عليهم السلام الشيعة في اللغة هم الاتباع, والاعوان, والانصار, ففي النهاية في مادة شيع (النهاية في غريب الاثر ابن اثير 520-2/519 ) ( واصل الشيعة الفرقة من الناس ... وقد غلب هذا الاسم على كل من يزعم انه يتولى عليا واهل بيته , حتى صار لهم اسما خاصا فاذا قيل فلان من الشيعةعرف انه منهم,وفي مذهب الشيعة ...وتجمع الشيعة على شيع,واصلها من المشايعة, وهي المتابعة والمطاوعة) اه. وقد ورد هذا الاسم في القران الكريم ,قال تعالى( وان من شيعته لابراهيم) يعني ان ابراهيم من شيعة نوحعليه السلام وانه على منهاجه وسنته في التوحيد والعدل واتباع الحق. والشيعة هم من يعتقدون بامامة علي بن ابي طالب عليه السلام بعد النبي (ص)بلا فصل , ويعتقدون بأمامة ابنائه الاحد عشر عليهم السلام واحدا بعد واحد , يوالونهم ويعتقدون بوجوب طاعتهم, ويسيرون على نهجهم في التوحيد والعدل واتباع الحق, وان قولهم وطاعتهم قول رسول الله (ص) وطاعته, وقول رسول الله (ص) وطاعته هو قول الله تعالى وطاعته. فالشيعة هم ( الامامية الاثنا عشرية) ويطلق عليهم هذا الوصف كأسم فيقال شيعة امامية اثنا عشرية وتعبر هذه التسمية عن واقع عقائدي ايماني عند الشيعة , وعن فكريرتبط بايمانهم بالله ورسوله (ص) اذ انهم يرون من خلال هذا الايمان والاعتقاد ان مسؤوليتهم الدينية وبراءة ذمتهم غدا عند الله سبحانه وسعادتهم في الدنيا والاخرة قائمة على هذا الايمان والاعتقاد , وانه بدون هذا الاعتقاد والايمان لايقبل منهم عمل او يثبت لهم أجر فحقيقة (التشيع) وواقع تسميتهم ب ( الشيعة) امر ديني وأيماني صرف, لم يكن العامل السياسي هو الاساس فيه اطلاقا( فلا يصغى الى الافتراءات والاقوال التي تدعي ان مذهب التشيع مذهب سياسي فقط وان الشيعة قد انتهى دورهم وتسميتهم بانتهاء السقيفة , لان هذه الافتراءات لاتستند الى توثيق تاريخي وعلمي , ولا يدعمهال دليل, وانما القصد منها تبرير مواقف لاتخفى على احد) ويؤكد هذه الحقيقة ماسنقف عليه من (تاريخ التشيع ونشأته) |
تاريخ التشيع ونشأته
اول ظهور للتشيع كان في زمن النبي (ص) ويعتبر النبي باذر بذرته والغارس لغرسته الاولى حين نص على خلافة علي بن ابي طالب عليه السلام وعلى الخلفاء من بعده, وحين مدح شيعتهم ومحبيهم , فكان صلى الله عليه واله وسلم يتعهد هذه الغرسة بالعناية التامة بنشرها والتأكيد عليها , مستهدفا من ذلك تعميق مبدأ التشيع لاهل البيت (ع) وربطها بالدين وعدم فصلها عنه , وتعميق الصلة بأهل البيت (ع) الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا,والذين استخلفهم اوصياء من بعده في هذه الامة , كل ذلك تأكيدا على انهم عليهم السلام يمثلون حقيقة الاسلام بكل ابعاده الشرعية والعقائدية كما اراده الله سبحانه, وان مشايعتهم ومتابعتهم حقيقة ايمانية راسخة,حيث لم يكن استخلاف النبي لهم عن رغبة شخصية وانما بوحي من عند الله تعالى. وهذا الواقع_ بأن التشيع نشأفي صدر الاسلام الاول , وان النبي بذر بذرته الاولى_ تؤكده الاخبار الكثيرة,التي رويت في الصحاح والمناقب لاكابر علماء السنة, فضلا عن روايتها في كتب الشيعة, (نذكر منها ) مارواه الخوارزمي في المناقب عن جابرقال (كنا عند النبي صلى الله عليه واله وسلم واقبل علي بن ابي طالب عليه السلام فقال رسول الله (ص) قد اتاكم اخي ثم التفت(ص) الى الكعبة فضربها بيده ثم قال والذي نفسي بيده ان هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ثم قال انه اولكم ايمانا معي , واوفاكم بعهد الله تعالى واقومكم بامر الله , واعدلكم في الرعية, واقسمكم بالسوية , واعظمكم عند الله مزية. قال _ يعني جابر_ ونزلت فيه (ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية)قال فكان اصحاب النبي (ص) اذا اقبل علي قالوا قد جاء خير البرية وما رواه الخوارزمي ايضا عن يزيد بن شراحيل الانصاري كاتب علي (ع) قال ( سمعت عليا يقول حدثني رسول الله (ص) وانا مسنده الى صدري فقال اي علي الم تسمع قول الله تعالى ( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية) هم انت وشيعتك, وموعدي وموعدكم الحوض اذا جئت الامم للحساب تدعون غرا محجلين) وما رواه الزرندي الحنفي عن ابن عباس انه قال ( لما نزلت هذه الاية( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك هم خير البرية)قال لعلي هو انت وشيعتك, تأتي يوم القيامة انت وشيعتك راضين مرضيين , ويأتي عدوك غضابا مقحمين, فقال يارسول الله ومن عدوي؟ قال من تبرأ منك ولعنك) هذه الاخبار وغيرها كثير ( يراجع كتاب الغدير الاميني ج2 ص57-58) تثبت بشكل قاطع ان التشيع قد باركه النبي (ص) وغرس غرسته الاولى من اليوم الاول للاسلام, وهذا الوصف الذي اعطاه النبي (ص) للشيعة ( الفائزون ...الراضون...المرضيون...) اصيل في وجوده وليس وليد الظروف والاتجاهات السياسية |
مايعنيه تأكيد النبي (ص) على فضل علي (ع)
وما رعاية النبي (ص) وتعهده في ابراز فضل علي (ع) ومكانته , وامامته, الا تأكيد على ان التشيع _كما ذكرنا_ حقيقة ايمانية وليس وليد الظروف والاتجاهات السياسية والعاطفية , وقد تناهى خبر ذلك عن النبي (ص) حتى عرفه القاصي والداني , القريب والبعيد, العدو والصديق, فهذه الكتب والصحاح والاسانيد قد امتلات من ذلك كحديث الغدير(1) وحديث الثقلين(2) وحديث المنزلة (3) وحديث الطائرالمشوي(4) والاحاديث الدالة على محبة الله ورسوله له (5) وحديث الراية يوم خيبر(6) وكحديث انا مدينة العلم وعلي بابها (7) والاحاديث التي تضمنت انه اعلم الناس (8) والحديث الذي تمن انه اقضى الناس (في صفحة 17 من كتاب المعتقدات) (1) وحديث انه اول القوم ايمانا وتصديقا بالنبي (ص) (2) وحديث ان الله عهد الي في علي عهدا (3) وانه سيد العرب (4) وانه سيد المتقين(5) وحديث الدار (6) والاحاديث التي تضمنت انه ولي كل مومن ومؤمنة(7) والاحاديث التي تضمنت ان من سب عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله _ رقم 1 من ص18 من كتاب المعتقدات) وما تضمنه قوله (ص) لعلي (ع) انت تبين لامتي مااختلفوا فيه من بعدي(2) وقوله (ص) النجوم امان لاهل السماء واهل بيتي أمان لاهل الارض (3) وحديث مثل اهل بيتي بيتي فيكم مثل كسفينة نوح (4) وغيرها من الاحاديث التي لامجال لسردها فضلا عن حصرها, والتي لامجال للنقاش فيها, والتي رواها أئمة الحديث من الشيعة ورواها ايضا اخواننا السنة. هذا فضلا عما ورد في القران الكريم فب حق علي (ع) وحق اهل البيت عليهم السلام كآية الولاية وآية المودة( قل لااسئلكم عليه اجرا الا المودة في القربى) وآية القربى في الخمس ( واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى) وآية التطهير (أنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) وآية المباهلة ( فمن حاجك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) وآية ( واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين ) وآية ( والنجم اذا هوى) وآية( لنجعلها لكم تذكرة وتعيها اذن واعية) وآية ( أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لايستوون) وآية ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن امن بالله واليوم الاخر وجاهد في سبيل الله لايستوون عند الله والله لايهدي القوم الظالمين) وآية ( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا) وآية ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه) وآية ( هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) وغيرها من آيات الله البينات الكثيرة التي نزلت فيه وفي اهل البيت عليهم السلام وبأتفاق السنة والشيعة أيضا ثبات الشيعة وصبرهم على المحن لوضوح الادلة على احقية علي عليه السلام والعاقل الذي له ادنى مسكة, يدرك ماوراء هذا التاكيد في ايات الله تعالى وفي بيانات النبي (ص) ويدرك ان الشيعة عندما اتبعوا اهل البيت عليهم السلام ووالوهم واعتقدوا بأمامتهم, انطلقوا في ذلك من واقع غير قابل للتكذيب والافتراء, وهو كتاب الله وسنة نبيه (ص) ولولا صراحة مافي الكتاب الكريم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولولا صراحة ووضوح مافي السنة الشريفة المتواترة السند والقطعية في مضمونها ماكان للشيعة ان يثبتوا هذا الثبات على مبدئهم ومذهبهم ( التشيع) ولما صبروا ذلك الصبر الطويل وتحملوا المحن والبلايا والاذى في سبيل هذا المذهب الحق فتأمل ياأخي الكريم فيما بين يديك من آيات الله البينات التي أشرنا اليها والى الاحاديث التي رواها العلماء الثقات على اختلاف مذاهبهم والتي رووها بصدق وأمانة ولم تأخذهم في ذكر الحقيقة ورواية الحق لومة لائم .... وأحكم بعدها بما تشاء |
الشيعة ومناوؤوهم
قال تعالى( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين)فالاسلام جاء رحمة للبشرية كلها. وتتجلى مظاهر الرحمة هذه بوضوح , من خلال الوصايا والاحكام التي شرعها الاسلام, فقد ورد في الشريعة ان من دخل في ذمة الاسلام والتزم باحكام الذمة كان آمنا في بلاد الاسلام. وتتجلى ايضا هذه التشريعات الواردة في علاقة المسلمين بعضهم ببعض,حيث ورد ان من يتقيد بمبادئ الاسلام ويأخذ احكامه وفرائضه ورخصه وعزائمه يكون آمنا على نفسه ودمه وعرضه وماله. وقد وردت الايات والنصوص الكثيرة, مؤكدة على التواصي والتراحم بين المسلمين, ماجعل منها قاعدة واساسا يقوم عليه كيان الامة الاسلامية والمجتمع الاسلامي. فقال تعالى ( انما المؤمنون أخوة) وفال تعالى( واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا) وورد في الحديث ان من شهد الشهادتين , حقن ماله ودمه وعرضه( هذه قاعدة استخلصها الفقهاء من الروايات الواردة في الابواب المتفرقة , فمثلا قال الشيخ الصدوق _ عند ذكر دعائم الاسلام_ في اماليه ص739 ومن شهد الشهادتين فقد حقن ماله ودمه الا بحقهما وحسابه على الله عزوجل الصيرفي عن ابا عبد الله يقول الاسلام يحقن به الدم وتؤدى به الامانة وتستحل به الفروج والثواب على الايمان وروي في كثير من المصادر ان رسول الله (ص) قال من ابغضنا اهل البيت بعثه الله يهوديا , قيل يارسول الله وان شهد الشهادتين؟ قال نعم انما احتجب بهاتين الكلمتين عن سفك دمه او يؤدي الجزية وهو صاغر ...الحديث) وان من دخل الاسلام فله ماللمسلمين وعليه ما على المسلمين( قالها النبي (ص) في عدة مواطن.....) وورد ايضا ( المسلم اخو المسلم, وهو عينه ومرآته ودليله, لايخونه, ولايخدعه, ولايظلمه , ولايكذبه, ولايغتابه) وظاهره انه لايفرق في ذلك بين افراد المسلمين على اختلاف مذاهبهم واعراقهم. وهذه القاعدة التي انطلقت من الايات الكريمة والاحاديث الشريفة, لاتعني وضع قرارات وافكار ومبادئ فقط, وانما ياد منها ايضا ان تكون ايجابية وعملية في حياة كل فرد مسلم لتأكيد الاخوة والوحدة والتضامن والتحابب فيما بينهم وانهم قوة ويد واحدة في قبال اعدائهم واعداء دينهم. وحين نعود الى واقع المسلمين لانجد اعتناء بهذه القاعدة, فالمواقف السلبية التي تظهر من المسلمين تجاه بعضهم البعض, والتعصب البغيض الذي يبرز بين حين واخر _خاصة ضد الشيعة_ وبأساليب مختلفة, بل ولاوهى الاسباب, يؤكد ان هذه القاعدة المنطلقة من القران والسنة, قاعدة مهملة عمليا, وهذا مايولد خطر الفرقة والتباعد والضياع, بل ينذر باشد من هذا على واقع المسلمين,خصوصا في هذه المرحلة التي اصبح فيها اعداء الاسلام يؤكدون انهم المتفردون بالساحات كلها وان القوة الوحيدة التي تقف في وجههم وتتحداهم هي قوة الاسلام, لانه يمثل الواقع, ولانه الدين الذي يقدم للانسان في شؤونه كلها مايتلائم وفطرته وطبيعته, الامر الذي يخشاه اعداء الاسلام, ويضطرهم _ نتيجة الخوف من التوسع الاسلامي_ ان يقفوا في وجهه وان يستعملوا كل الاساليب ضده , ويعتمدوا كل الوسائل التي من شانها ان تضع حدا لتلك القوة الهائلة التي يتمتع بها الاسلام , بل يحاول اعداء الاسلام ان يجهزوا عليه تماما. ومن جملة الوسائل التي يعتمدها اعداء الاسلام سياسة (فرق تسد) واثارة ( العصبيات والنعرات المذهبية) وكل مايؤدي الى التفرقة بين المسلمين وتشتت وحدتهم وقوتهم , وملء القلوب والنفوس بالضغائن والاحقاد. وقد وقعت احداث واحداث مؤلمة لم يكن ينبغي صدورها من مسلم , والتي على راسها التكفير للشيعة , مما سبب ويلات وويلات موقف الشيعة من التحديات الا ان الشيعة كانوا ومايزالون يواجهون هذه الامور من منطلق المسؤولية, لمعرفتهم التامة بما وراء هذه الامور, ومن يقف وراءها, بل وما تستهدفه منذ اليوم الاول, ويعرفون ماتعنيه اثارة الفتن, ومايستهدفه اعداء الاسلام ويخططون له. لذلك كله وقفوا الموقف الملائم في هذه المرحلة وفي كل المراحل وغضوا النظر عن كثير من المظالم التي ووجهوا بها, لتبقى كلمة الاسلام هي العليا, وتكون رايته هي الخفاقة , ولو كان ذلك على حسابهم معاناة الشيعة في العصر الاموي والعباسي في الحلقة القادمة |
معاناة الشيعة في العصر الاموي
قلنا ان الشيعة يعرفون هذه الحرب وما تستهدفه منذ اليوم الاول , فالامويون هم اول من شن هذه الحرب على الشيعة وعلى ائمة اهل البيت (ع) وعلى اتباع الائمة واصحابهم, واعلنوا حربا ضروسا عليهم , فلقد سخروا لها كل مايملكون من قوة وامكانيات ووسائل واساليب, بالمال والسيف والرجال, والفكر والاقلام. لقد قتل الامويون الالاف المؤلفة من رجالات الشيعة, بمختلف الوسائل, ولاوهى الاسباب وابسط الاعذار, بل كانوا ياخذون على الظن والتهمة, ويقطعون الارزاق عن كل من يوالي اهل البيت(ع) ويتشيع لعلي وابنائه, فطردوهم من بيوتهم, ونفوهم من بلادهم, واخافوهم بكل وسيلة. ناهيك عن الحرب الفكرية, فقد جندوا الرواة ورجال الحديث, والعلماء والقضاة والكتاب, والادباء والشعراء, فحرفوا الاحاديث, وزوروا الحقائق, ونسبوا الكثير من التهم والامور الباطلة لاهل البيت(ع) كل ذلك للقضاء على حركة التشيع وعلى فكر اهل البيت (ع) , وهذه كتب التاريخ قد امتلات صفحاتها من هذه الامور المخزية(يضرب سماحة السيد عدة امثلة منها معاوية وسمرة بن جندب وزياد وحجر بن عدي....) قال بعض الكتاب ( لولا ان الله سبحانه له شأن وارادة في اهل البيت (ع) وفي التشيع , لم يبق لهم ذكر مع هذه الحروب الواسعة, (ويأبى الله الا ان يتم نوره ولو كره الكافرون) في العهد العباسي اما العهد العباسي فكان اشد وامر على اهل البيت (ع) وشيعتهم, لقد فعلوا اكثر مما فعله الامويون , قال الشاعر تالله مافعلت امية فيهم معشار مافعلت بنو العباس(حياة الامام الرضا,السيد جعفر مرتضى...) لقد اذاقوا اهل البيت (ع)وشيعتهم صنوف القتل والعذاب والتنكيل, وافرغوا عليهم بأسهم وكيدهم وحقدهم وبغضهم, فلم يسلم منهم لا الصغير ولا الكبير, ولا الرجال ولا النساء, ولا الشبان ولا الشيوخ, حتى غدت مصائب اهل البيت وشيعتهم مضرب المثل لشدة ماعانوا من القتل والتعذيب والنكال( ويضرب سماحة السيد عدة امثلة...) أما على الصعيد الفكري فلقد برع العباسيون في هذا الجانب , اذ اوجدوا فكرة المدارس والآراء الفقهية,كآراء اهل العراق, ومدرسة الحجاز, واهل مكة, واهل المدينة المنورة, وجعلوا مدرسة الرأي في مقابل مدرسة الحديث, واوجدوا المذاهب الاسلامية حتى بلغت عددا كبيرا وجعلوا هذه الحركات الفكرية كلها في قبال مدرسة اهل البيت(ع) ومذهبهم وحركتهم الفكرية,كل ذلك للانتقاص من مكانتهم والحط من قدرهم, ومنزلتهم, وللتضييق عليهم, ولصرف الناس عنهم, واستعملوا كل اساليب الترغيب والترهيب لايقاف مسيرة اهل البيت(ع) والحد من تعلق الناس بهم , والانتماء اليهم ولكن انى لهؤلاء واساليبهم ان تقف في وجه امر الله سبحانه,وارادته تعالى وشأنه ( ويابى الله الا ان يتم نوره) نتيجة الاضطهاد ويتساءل الانسان ماذا كانت نتيجة تلك المواقف العدائية من الامويين والعباسيين ضد اهل البيت (ع) وهل استطاعوا القضاء عليهم وعلى مسيرتهم, مع هذا التنكيل الوحشي والتعذيب الهمجي, والقتل الاجرامي , والابادة الانسانية, وبالتالي الحرب الفكرية؟ هل استطاعوا ان يقضوا على حركة التشيع والانتماء لاهل البيت (ع) وعلى الفكر الشيعي الذي يستمد اصوله ومنابعه من اهل البيت انفسهم, وهل قضي على التشيع والشيعة؟ ان الذي يقرأ التاريخ ويقرء حركته بشكل صحيح , يرى ان تلك القسوة والشدة, وتلك الغلظة والوحشية والهمجية, في القتل والابادة التي تعرض لها اهل البيت(ع) وشيعتهم, انتجت عكس ماكان يتوخاه الامويون والعباسيون فقد تفجرت هذه المواقف في قلوب الناس بينابيع من المودة والرحمة لاهل البيت (ع) وملأت قلوبهم وضمائرهم اسى واسفا للتخلف عن نصرتهم ولوقوف الى جانبهم, وحركت في وجدانهم الحسرة والندامة على تخاذلهم عنهم, وتركت في نفوسهم حزنا وشجا لمصارعهم ومقتلهم, وراح الناس يروون احاديث قصص المأسي التي تعرض لها اهل البيت (ع) وقصص شهادتهم ومظلوميتهم, فترجموا ذلك الحب والمودة والولاء , وكل مايجرى عليهم من المصائب بألوان من الشعر والنثر, حتى صار ذكرهم على كل لسان, وفي كل البلدان, وسطر في الكتب والتاريخ, فكان ان زداد تعلق الناس باهل البيت(ع) أمر لايمكن ان يتخلى عنه الانسان, لانه يوجب التخلي عن الدين والايمان. وأما اولئك الذين جندوا القوى لمحاربة اهل البيت(ع) وفكرهم, فلو قدر لهم ان يروا كم هو حضور اهل البيت (ع) وفكرهم وعلمهم في حياة الناس ايمانا وعملا_ اليوم كما بالامس_ لازدادوا كمدا وغما. لقد امتد هذا التيار المناوئ للشيعة والتشيع عبر الاجيال الى عصرنا الحاضر وايامنا هذه , وكنا نظن ان الناس في هذا العصر وبواسطة الحضارة التي شملت النفوس والعقول والثقافة والتطور , سوف يترفعون عن العصبيات وينبذون الافكار التي تدعو الى الفرقة والتعصب. ولكن الظنون كانت على خلاف مانتوقع, اذ الحملة على الشيعة والتشيع ازدادت شراسة وعنفا , ونفاجأ بين حين وآخر بكتاب يحمل بين طياته التكفير والتشنيع والاتهامات الباطلة التي لاتعتمد الحجة, والتي لادليل عليها ولابرهان لها من الكتاب ولا من السنة , ونفاجأ ايضا بالفتاوى بكفر الشيعة وتحريم ذبيحتهم , التي يطلقها المدعون للعلم والمدعون للحرص على الدين,مايخجل الانسان عن ذكره ويتحرد من مقالته. لماذا كل هذه الامور ضد الشيعة والتشيع بالخصوص؟ والشيعة يعلنون كلمة الاسلام, ويلتزمون بفرائض الاسلام , ويأتمرون بأوامر الاسلام وينتهون عما ينهى عنه الاسلام؟ وهل يمكن ان نجد جوابا مقنعا شافيا لكل هذه الحملات الشيطانية, وهل يمكن ان يحددوا الجناية والجريمة التي تستوجب كل ذلك؟؟؟ لاجواب يقنع لاحديثا ولا قديما, ولن تنتهي هذه القصة مادام الشيعي يوالي عليا وابنائه , بل ستستمر دائما, لان هناك من يريد ان تبقى هذه الامور مستمرة, ومن مصلحته ذلك, بل وانه ليبذل في سبيلها الاموال الطائلة, وفعلا تبذل الاموال بدافع من العصبيات التي لاتنطوي الا على الحقد والجهل , وليت هذه الاموال تصرف فيما ينفع الامة العربية والاسلامية, وبما هو خير لهما. ولست متجنيا ان قلت, بان اعداء الاسلام وراء هذا كله وانهم هم الذين يخططون لكل هذه الامور , وهم المستفيدون منه, اذ لاوسيلة لهم لمحاربة الدين والمسلمين الا من خلال هذه الامور, ومن خلال المفاسد الاخلاقية التي ينشرها العدو بين الناس وعبر الوسائل المتطورة التي تغزو عالمنا, وبهذا يظنون انهم ينهون اطروحة الاسلام. وهم وسخافة في العقول والافكار, بل في التخطيط, بل حتى في الوسائل والاساليب التي تستعمل من اجل ضرب الاسلام والمسلمين, ذلك لان الاسلام ليس اطروحة سياسية, وليس من صنع البشر وانما الاسلام هو الحياة للبشرية وهو الوجود الانساني المطلق , الذي يتلائم مع الفطرة والعقل وكل البراهين. الاسلام من صنع الله تعالى, وهو ارادة الله وهو مشيئةالله, ولايغلب الله على امره( أنما أمره أذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون) فالاسلام لن يغلب , ولن يقهر, مهما بلغت القوة المحاربةله, ومهما كانت الامكانات للقضاء عليه, فعبثا يحاول هؤلاء وغيرهم ضرب الاسلام , وهراء يفكرون,وسخفا يخططون للقضاء عليه. نعم, الذي نخشاه من هذه الحرب , هو تأثيرها على المسلمين الضعفاء, وزوال الروح الايمانية والاخلاقية من نفوسهم التي اثبتها الايمان والاسلام في قلوبهم , ومع ذلك سوف تبقى الكلمة للاسلام. واني لاتمنى على اخواني المسلمين سنة وشيعة,ومن كافة المذاهب الاسلامية,ان ينتبهوا الى خطط اعداء الاسلام ومكرهم, من الغرب وغيره,والى انها مستمرة ولن تتوقف ابدا, وليس أقوى من وحدة الصف ووحدة الكلمة, والتغاضي عن العصبيات والمذهبيات, ونبذ الفرقة والاحقاد والاضغان, والتمسك بأحكام الاسلام بشكل صحيح, ردا على كل المخططات التي يطلقونها, فان هذه الامور هي التي يخشاها ويخاف منها اعداء الدين والعاقبة للمتقين. الفصل القادم فرق الشيعة |
كلمة قالتها الحوراء زينب سلام الله عليها ليزيد عليه لعائن الابد والازل ..كد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك...فوالله لن تمحو ذكرنا...
كلما زاد الظلم على المواليين تعلقت قلوبهم اكثر بالله عزوجل وتوجهت قلوبهم للبحث عن الوسيلة الاعظم للتقرب بها اليه..وهل يوجد اعظم من محمد وآل بيته صلوات الله عليهم..كل انسان يبحث عن مصدرللتقرب به الى الله بالشدة والبلاء..الله سبحانه وتعالى اقرب الينا من حبل الوريد..هذا كلام لاشك فيه...لكنه سبحانه وتعالى قال وابتغوا اليه الوسيلة.. الضعيف دائما يستنصر بالقوي..الطفل مثلا يستنصر بوالديه والتلميذ يبحث عن المعلم..والمتعلم يتجه للاعلم.. وكلنا ضعفاء وتلاميذ امام قدرة الله عزوجل..نتجه لاعلم واعظم وسيلة نلتمسها للتقرب اليه .. نراها في كراماتهم ومعجزاتهم تضيء انفسنا بانوارهم صلوات الله عليهم.. تجعل افئدتنا تهفو اليهم لنستنصر بهم ونبصر طريقنا..طريق النجاة والفوز اخي الفاضل ناصر حيدر شكرا لك لكل ماتقدم لنا.. اجرك على الله عزوجل وعترة المصطفى صلوات الله عليهم.. |
فرق الشيعة
افترق الشيعة الى فرق عديدة كما افترقت بقية المذاهب والملل والنحل الى فرق عديدة, وقد ذكر الباحثون والمؤرخون هذه الفرق وذكروا اعدادها وانتماءاتها واسباب اختلافها. الشيعة هم الامامية الاثني العشرية ولكننا عندما نتكلم عن(( الشيعة)) في هذا الكتاب ونبين معتقداتهم فاننا نقصد بهم فرقة خاصة منهم تلك التي تميزت بتوجهها العقائدي واسلوبها العلمي, أعني التي تعتقد بان محمدا صلى الله عليه واله وسلم نبي ورسول من قبل الله تعالى والتي تصدق النبي (ص) في كل ماجاء به من عند الله سبحانه, والتي تعتقد بان الائمة الاثني عشر هم خلفاء رسول الله (ص) واوصياؤه, واحدا بعد واحد, وهم علي وولداه الحسن والحسين, والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام وتسمى هذه الفرقة ب (( الامامية الاثني عشرية )) فاذا اطلق لفظ الشيعي في هذا الكتاب يقصد به خصوص من كان اماميا اثني عشريا دون غيرهم بل ان غيرهم ممن اطلق عليه الاسم_في نظر الامامية الاثني عشرية_ لايمتون الى التشيع الا من باب التوافق في الاعتقاد بامامة بعض الائمة عليهم السلام كالكيسانية والزيدية والاسماعيلية. بل هناك من اطلق عليه شيعي أو اتهم بالتشيع مع انه لايعتقد بخلافة احد الائمة الاثني عشر وانما لمجرد انه محب للنبي (ص) والائمة عليهم السلام, أو لمجرد انه تكلم بفضائلهم وعصمتهم, خاصة فضائل الامام علي بن ابي طالب عليه السلام وربما قتل لهذه التهمة أمثال العلامة النسائي الذي له كتاب (خصائص امير المؤمنين) (هو احمد بن شعيب النسائي قيل ان بسبب تصنيفه الكتاب( خصائص امير المؤمنين) ضربوه وداسوا بطنه وخصيتيه واخرجوه من المسجد فحمل الى مكة عليلا ومات بها, وقيل ان سبب تصنيفه الكتاب انه دخل دمشق فوجد المنحرف عن علي كثير فأراد ان يهديهم الله تعالى بهذا) والكنجي الشافعي الذي له كتاب ( كفاية الطالب في مناقب علي بن ابي طالب) |
فرق الشيعة
افترق الشيعة الى فرق عديدة كما افترقت بقية المذاهب والملل والنحل الى فرق عديدة, وقد ذكر الباحثون والمؤرخون هذه الفرق وذكروا اعدادها وانتماءاتها واسباب اختلافها. الشيعة هم الامامية الاثني العشرية ولكننا عندما نتكلم عن(( الشيعة)) في هذا الكتاب ونبين معتقداتهم فاننا نقصد بهم فرقة خاصة منهم تلك التي تميزت بتوجهها العقائدي واسلوبها العلمي, أعني التي تعتقد بان محمدا صلى الله عليه واله وسلم نبي ورسول من قبل الله تعالى والتي تصدق النبي (ص) في كل ماجاء به من عند الله سبحانه, والتي تعتقد بان الائمة الاثني عشر هم خلفاء رسول الله (ص) واوصياؤه, واحدا بعد واحد, وهم علي وولداه الحسن والحسين, والتسعة من ذرية الحسين عليهم السلام وتسمى هذه الفرقة ب (( الامامية الاثني عشرية )) فاذا اطلق لفظ الشيعي في هذا الكتاب يقصد به خصوص من كان اماميا اثني عشريا دون غيرهم بل ان غيرهم ممن اطلق عليه الاسم_في نظر الامامية الاثني عشرية_ لايمتون الى التشيع الا من باب التوافق في الاعتقاد بامامة بعض الائمة عليهم السلام كالكيسانية والزيدية والاسماعيلية. بل هناك من اطلق عليه شيعي أو اتهم بالتشيع مع انه لايعتقد بخلافة احد الائمة الاثني عشر وانما لمجرد انه محب للنبي (ص) والائمة عليهم السلام, أو لمجرد انه تكلم بفضائلهم وعصمتهم, خاصة فضائل الامام علي بن ابي طالب عليه السلام وربما قتل لهذه التهمة أمثال العلامة النسائي الذي له كتاب (خصائص امير المؤمنين) (هو احمد بن شعيب النسائي قيل ان بسبب تصنيفه الكتاب( خصائص امير المؤمنين) ضربوه وداسوا بطنه وخصيتيه واخرجوه من المسجد فحمل الى مكة عليلا ومات بها, وقيل ان سبب تصنيفه الكتاب انه دخل دمشق فوجد المنحرف عن علي كثير فأراد ان يهديهم الله تعالى بهذا) والكنجي الشافعي الذي له كتاب ( كفاية الطالب في مناقب علي بن ابي طالب) |
نسبة الشيعة الى الامام الصادق عليه السلام
يطلق على المذهب الامامي الاثني عشري اسم المذهب الجعفري نسبة الى الامام الصادق عليه السلام ولكن الحقيقة والواقع ان الامام الصادق عليه السلام ليس له مذهب ودين يخالف جده الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم , الذي جاء به من عند الله وكذلك الائمة الاطهار أجمع, وانما مذهبهم ودينهم هو الدين الذي جاء به النبي محمد (ص) والذي ارتضاه لعباده شريعة ومنهاجا, وهو دين الاسلام. واما اصل نسبة الدين والمذهب اليه عليه السلام , فمن جهة ان علوم المذهب من فقه وتفسير وحديث , وكلام وحكمة وفلسفة, وفرائض وعبادات ومعاملات, بل وكل احكام الدين الاسلامي , اخذت عن الامام الصادق عليه السلام وانتشرت في زمانه اكثر من زمن غيره من الائمة عليهم السلام فقد عاش عليه السلام في نهاية الدولة الاموية وبداية الدولة العباسية . ففي هذه الفترة الانتقالية , كان عليه السلام يتحرك بحرية مطلقة , فكان نشاطه الفكري والروحي وغيرهما كبيرا وواسعا, اذ كانت الدولتان مشغولتين عنه وعن معارضته بالاوضاع المضطربة التي واجهتهما , فكانت الفرصة سانحة للامام عليه السلام لبث العلوم والمعارف الالهية, ونشر كل مايحتاج اليه الناس مما يصلح شؤونهم وامورهم في حياتهم, وبث كل مايوطد علاقتهم بخالقهم, ويقودهم الى السداد والرشاد في الدنيا والاخرة. وقد توسع الامام الصادق عليه السلام في ذلك الى درجة ان عطائه الفكري والعلمي لم يقتصر على هذه الجوانب فقط, وانما شمل ماهو ابعد من ذلك, فقد شمل الحكمة والطب والكيمياء والفيزياء والفلك والرياضيات وغير ذلك. وليس غريبا ان يكون عطاء الامام بهذه السعة وهذا الشمول , فهو عليه السلام قد ورث علوم جده علي بن ابي طالب عليه السلام كما هو معروف قد ورث علومه من رسول الله (ص) وكانت في سعتها كما قال عليه السلام ( علمني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الف باب من العلم , يفتح لي من كل باب الف باب). واخذ علومه ايضا من القران الكريم , وعلوم القران عندهم عليهم السلام اخذوها من جدهم رسول الله (ص) والقران فيه تبيان كل شئ , فلماذا لايكون له مثل هذا العلم الوافر والعطاء الثر؟ ولماذا لاتختلف اليه العلماء ويتوافد اليه الطلاب من كل حدب وصوب, ينهلون من تلك المعارف , وبأخذون من تلك العلوم, ويستقون من ذلك النمير العذب الصافي؟ تلامذة الامام الصادق عليه السلام قيل انه تتلمذ على يديه اربعة الاف شخص من مختلف الاقطار الاسلامية, ومن مختلف المذاهب والاتجاهات( الارشاد الشيخ المفيد2/179) وقال الشهيد في الذكرى ( حتى ان ابا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام كتب من اجوبة مسائله أربعمائة مصنف لأربعمائة مصنف, ودون من رجاله المعروفين أربعة الاف رجل من اهل العراق والحجاز وخراسان والشام) ( الذكرى الشهيد الاول ت 786ه ص6) والذي يظهر ان تلامذة الامام الصادق عليه السلام ورواة احاديثه اكثر من هؤلاء, وانما هؤلاء الذين عرفوا واشتهروا بين الناس. فنسبة المذهب الى الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام كانت من اجل هذه الناحية التي عرفت, والا فليس للامام الصادق عليه السلام دين ولا مذهب ولا طريق غير الاسلام الذي جاء به النبي محمد بن عبد الله (ص) الخلاصة بعدما قدمناه , يمكننا ان نحصر الشيعة في مذهب واحد فقط, وهم الذين تقدمت الاشارة اليهم والى صفتهم, ومعتقدهم , الذين يؤمنون بالله ورسله, وكتبه وملائكته واليوم الاخر, ويؤمنون بالائمة الاثني عشر كأوصياء وخلفاء لرسول الله (ص) ويتبعون منهجه وطريقته |
بسم الله الرحمن الرحيم
عقائد الاسلام _ جملة وتفصيلا_ هي العقائد الاساسية التي يعتمدها الشيعة. فالشيعة بعتقدون بكل ماجاء به الاسلام وقرره عقائد له , تلك العقائد التي اشار اليها القران الكريم تأكيدا لحكم العقل_ الذي هو الدليل والبرهان على اصول الدين وعقائده _ , أو كان القران دليلا مستقلا عليها. ولم يأت الشيعة بعقائد مخترعة او مدسوسة , وانما اعتمدوا عقائدهم وكونوا ايمانهم المطلق من خلال العقل والقران , والهداة الذين جعلهم الله حجة على العباد. ولابد لنا من ذكر هذه ((المعتقدات)) وايضاحها ولو بشكل سريع , لكي نعرف ان مايبذل لمحاربة الشيعة في معتقداتهم واحكامهم انما هو محض اباطيل وافتراءات وبهتان وترهات, ما انزل الله بها من سلطان, ولنعرف ان من يطلق ذلك ويتصدى لاثارته _ من المسلمين او غيرهم _ يتحمل مسؤولية كل ضرر وخطر يلحق بهم. فصول الكتاب الفصل الاول عقيدتنا في وجوب النظر والمعرفة الفصل الثاني عقيدتنا في الاسلام الفصل الثالث عقيدتنا في التوحيد الفصل الرابع عقيدتنا في العدل الفصل الخامس عقيدتنا في النبوة الفصل السادس عقيدتنا في الامامة الفصل السابع عقيدتنا في المعاد الفصل الثامن عقيدتنا في القران الكريم الفصل التاسع عقيدتنا في التقية الفصل العاشر عقيدتنا في الرجعة ..... ويتضمن كل فصل بحوثا مهمة الخاتمة وفيها بحوث حول الولاية التكوينية للانبياء والاوصياء_ عدالة الصحابة_ مصحف الزهراء_ هل يعلم الائمة عليهم السلام الغيب؟_ الشريعة_ مصدر الاحكام. |
الفصل الاول
وجوب النظر والمعرفة يعتقد الشيعة انه يجب على كل انسان عاقل ان تكون لديه الحجة العقلية الواضحة في امر عقيدته ودينه وايمانه, ولذلك يجب عليه ان يتامل وينظر الى مايحيط به في هذا الكون, ومااودع فيه من اسرار, وقام عليه من نظام واحكام وتدبير واتقان, وما عليه من تلاحم وتقارب وتماسك, وانه لم يوجد عبثا ولم يخلق بلا هدف, ولا اوجد نفسه بنفسه, ولا عملت فيه قوى متضادة ومتعارضة, بل ان هذا الصنع الدقيق , والاتقان الرائع, والتدبير المحكم, ماكان لو لم يكن وراءه صانع مدبر وقادر حكيم وانه خلقه واوجده في ضمن حدود وغاية قررها الخالق سبحانه بمقتضى علمه وحكمته وجوب النظر عقلي فطري واذي يجعل الانسان يدرك هذه الحقيقة ويعيش آفاقها الرحبة , هو العقل والفطرة الذاتية التي فيه, الفطرة قادته الى الهداية المطلقة, والعقل ادركها بما يسمى ب(( نظام العلية)) أو (( الحتمية)) بأعتبار ان مبدأ العلية هو من المبادئ الاولية التي يدركها ويعتمدها العقل البشري بعيدا عن الحس, والذي يعني ان لكل شئ سببا, ولولا هذا المبدأ لما امكن اثبات شئ, ولا الاستدلال على شئ في هذا الوجود اطلاقا, بل حتى رفض مبدأ العلية واعتماد مبدأ الصدفة_ الذي هو باطل جزما_ هو ايضا يعتمد على مبدأ العلية فطرة الخلق على التوحيد فان هذه الامور العقلية الضرورية الفطريةفي الانسان هي التي جعلته يشعر بالهيمنة العظيمة, والقوة الخارقة, والقدرة الفائقة, وهي التي جعلته يتوجه الى ماهو مقدس وكبير فوق التصور وفوق الادراك وفوق التحديد, وجعلته يحس بالحاجة والافتقار اليه, والهدوء والاطمئنان في رحابه, والاستقرار والهدى في حماه, بل يشعر بالعجز المطلق امامه, وانه بدونه لاحول له ولاطول ولا قوة ولا قدرة, ويتأكد انه في ادراكه هذا وافكاره مصيب للحق والواقع, فالفطرة رائده والعقل دليله. ويأتي القران ليؤكد ويثبت هذه الحقيقة التي ادركتها الفطرة , وان للكون خالقا وموجدا وصانعا قال تعالى( واذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم الى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا الا كل ختار كفور) وقال تعالى( هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا انهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) وتتوالى الايات الكريمة في تأييد دليل العقل وما ادركه وما انتهى اليه , بشكل حازم وبشكل واضح. قال تعالى(ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون) وقال تعالى(ان في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولي الالباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ماخلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) اننا حين نتامل هذه الايات الكريمة ونقرأ ماتوحيه ندرك ان الذي دفع الانسان في حالة الشدة والمحنة وانقطاعه حين احيط به , الى ان يدعو الله مخلصا, ويقول (ياالله) ويتوجه اليه صادقا بعد ان كان منغمرا في عالم النسيان والبعد عنه تعالى, انما هو الفطرة (وقد وردت روايات في هذا المعنى , فقد سئل الصادق (ع) عن قوله تعالى( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها) فقال التوحيد راجع الكافي 2/12) الفطرة هي التي قادته الى الواقع وادراك الصانع والعقل هو الذي دله عليه من خلال اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما في الظهور, ومن خلال الموجودات الاخرى التي يراها حوله ويعيش عوالمها, فيعرف تماما انها ليست هي الموجودة لنفسها, والا لما تغيرت وتبدلت واثرت فيها العناصر والتقلبات الكونية, الامرالذي يؤكد ان لها موجدا وصانعا ومدبرا , حكيما قديرا |
اسباب وجوب النظر والمعرفة
حكم العقل بضرورة النظر لمعرفة الخالق والاقرار بوجوده انما هو بدافع الخوف من الوقوع في الضرر في الاخرة, او لاجل شكر المنعم دفع الضرر الاخروي المحتمل فانه بعد العلم اليقيني بتوافد انبياء ورسل مصلحين جاؤوا الى البشرية وعرفوا بالصدق وعدم الكذب, ودعوا الناس الى الايمان بالله سبحانه وبصفاته والى التمسك بشرائعه واحكامهوبالمبادئ التي كلف الله بها عباده, وانهم قد ايدوا اخبارهم ودعواهم بمعاجز خارقة للعادة , فآمن جماعات وامم بنا اخبروا به , وخاصة فيما يتعلق بالعالم الاخر الذي يلي عالم الدنيا , وانه من فعل الحسنى خلد في الجنان , ومن عمل سوءا خلد في النيران. فهذا الواقع اذي نعرفه بمجموعه , يولد في النفس التساؤل عن صحة ماجاء به هؤلاء الانبياء والرسل والمصلحون , وانا اذا تركنا التحقيق والنظر والبحث وطلب المعرفة للحق وما جاؤوا به فهل نتعرض للخطر والضرر؟ الجواب نعم ان احتمال الوقوع في الخطر والضرر واقع, لذلك يدفعنا العقل تفاديا للخطر والضرر المحتمل فضلا عن المتيقن, الى البحث والنظر والمعرفة بوجود الله سبحانه, وعن الدين الذي جاء به , وقد ادرك العقل من خلال ما يحيط به , ان هذا الكون لم يوجد نفسه بنفسه, وانما اوجده صانع مدبر قدير حكيم خبير, وان ما جاء به الانبياء حق وصدق. وجوب شكر المنعم فان الانسان محاط بالنعم في كل شئ, نعم لاتتناهى ولاتعد ولاتحصى, نعم تتعلق بوجوده ككائن حي, وتتعلق بوجود هذا الكون الرحب بما فيه , مما يساعد على استمرار الحياة, وكذلك بما يتعلق بضرورياته واحتياجاته, كوجود الماء والنبات والحيوان والمنافع المتعددة الموجودة على الارض. فهذه كلها نعم انعم بها منعم قادر مدبر حكيم مقدر. وهنا يتساءا الانسان امام هذه النعم ... الا يجب علينا الشكر لهذا المنعم العظيم الذي يوفر لنا كل هذه النعم مما هو في حساب الانسان ومما ليس في حسابه؟ ان العقل يقرر وجوب شكر المنعم , لان شكر المنعم يعني الاعتراف بالنعمة والاحسان , ومع عدم الشكر كانت النعم في معرض الزوال, وكان الانسان في معرض الخطر والعقوبة واذا كان الواجب علينا شكر المنعم فلابد من معرفته معرفة تامة , لكي يكون الشكر شكرا يتلائم ومقامه , واداء لحقه تعالى. ولاجل هذه الامور يجب على كل مكلف عاقل ان يجتهد اجتهادا كاملا في معرفة اصول الدين وسائر الاعتقادات الحقة, وفي معرفة اوامر الله تعالى ونواهيه, ليؤدي واجب الشكر. الغاية من وجوب النظر هو التعرف على اوامر الله ونواهيه يتحصل مما سبق ان العقل انما يحكم بضرورة النظر والمعرفة بما يحيط بالانسان في هذا الكون الرحب الواسع, والاقرار بوجود صانع مدبر قدير حكيم خبير, ليس لمجرد المعرفة والاقرار بوجوده المطلق سبحانه فقط, بل انما يحكم بضرورة المعرفة لاجا الخضوع للصانع, والانقياد والطاعة المطلقة لاوامره ونواهيه التي هي عبارة عن قوانين ذات اهمية في تنظيم حياة الانسان وجعله يعيش في خير وسعادة ويرتقي معها في مراتب الفضيلة والكمال والاخلاق, وهي ما يسمى بالدين والشريعة. فالمعرفة تدعو للدين الذي به انتظام الامور وصلاح العباد باعتبار انه تعالى عالم بحقائق الامور وخفاياها, وهذا مايؤكده الحديث الشريف الوارد عن النبي (ص) ( انما يدرك الخير كله بالعقل , ولا دين لمن لاعقل له) بحار الانوار المجلسي 74/158 حديث143 |
الفصل الثاني
عقيدة الشيعة في الاسلام قال تعالى (ان الدين عند الله الاسلام) وقال تعالى( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) ان الشيعة يعتقدون بما هو منطوق ومضمون هذه الايات الكريمة , ويقرون ان الاسلام هو الدين القويم الذي ارتضاه الله سبحانه لعباده, عقيدة وشريعة ومنهاجا, وانه الوسيلة المقربة اليه, والمبرءة للذمة بين يديه, قال تعالى( ثم جعلناك على شريعة من الامر فأتبعها) الاسلام دين خالد كما ان الشيعة يعتقدون ان الاسلام هو الدين الخالد,الباقي , المستمر الى يوم القيامة,قال تعالى( ماكان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) فخاتمية الرسل دليل على دوام هذا الدين وبقاءه واستمراره, وعلى ان رسالة النبي محمد (ص) لجميع البشرية دون استثناء, قال تعالى( وما ارسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا). وورد في الحديث الشريف عن ابي جعفر الباقر(ع) قال ( قال جدي رسول الله (ص) ايها الناس حلالي حلال الى يوم القيامة, وحرامي حرام الى يوم القيامة,الا وقد بينهما الله عزوجل في الكتاب, وبينتهما لكم في سنتي وسيرتي) ومن هذا المنطلق كانت الرسالات السماوية والاديان التي انزلها الله تعالى على انبيائه السابقين منسوخة بالاسلام , ولايجوز العمل بها, لانه وان اقر بها الاسلام كأديان سابقة الا ان فاعليتها وفعاليتها انتهت ونسخت به. الاسلام دين متكامل الاسلام في قوانينه وتشريعاته دين متكامل اشتمل على كل مافيه الخير والصلاح والفلاح للعباد في الدنيا والاخرة , واستوعب جميع الاحتياجات الانسانية, بحيث لم تبق صغيرة ولاكبيرة في جميع الامور والشؤون والمراحل على اختلافها الا احصاها واحتواها واعتمدها. قال تعالى( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) وقال تعالى( مافرطنا في الكتاب من شئ) فان الذي خلق الانسان في احسن تقويم ويعرف خصائصه ودقائقه, يعرف ايضا مايصلحه, ولذلك كان الاسلام _ عقيدة وشريعة_ الدين الملائم والموافقللانسان في كل عصر وزمان. وبناء عليه , لو كانت الشريعة الاسلامية فاعلة في حياة المسلمين بشكل صحيح, ومعتمدة في كل الشؤون و والمرجع للمسلم في كل الامور, لكانت هذه الامة أعز أمة , واكرم أمة, قال تعالى( كنتم خير امة اخرجت للناس ) وما تأخر المسلمون في عصرنا هذا وما قبله , الا لبعدهم وابتعادهم عن الاسلام وعدم العمل بشريعته واحكامه بشكل صحيح , واختيارهم طريقا او طرقا ظنوا انها توصلهم الى ما يحلمون به من الاهواء والرغبات, ولكنهم مع شديد الاسف لم يحصلوا على شئ ابدا, ولم يحصدوا سوى الخيبة والندم والخسران, وايضا اصبحوا اذلاء ضعفاء مشتتين امام اعدائهم , بعد ان كانوا اعزاء أقوياء موحدين ببركة الاسلام والايمان بالله سبحانه. والادهى والامر, أنا اصبحنا نستجدي العلم والمعرفة من اعدائنا وهم اخذوه من قرآننا وسنتنا , واصبحنا نستجدي العون والقوة وحل مشاكلنا ممن كان يرجونا لمساعدته ومعونته_ وهم اعداؤنا_, وما ادري كيف يؤتمن العدو على العلم والمعرفة, وكيف يرتجى العدو في الشدة والمحنة. الاسلام دين الفطرة في عقيدتنا ان الاسلام هو دين الفطرة, قال تعالى( فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) , فهو الدين الملائم للانسان في كل احواله وتطلعاته, ويرشده الى النظام الانساني والكوني, ويتطابق مع الفطرة والطبيعة الانسانية بما يوصله الى الخير والسعادة, وقد فصلنا الكلام حول الفطرة في الفصل الاول فراجع الاسلام دين العلم فقد حث الاسلام على ضرورة العلم , بل اعتمد (( العلم)) وسيلة ومنطلقا للمعرفة وللوصول الى الحقائق التي يتبناها ويريد العمل بها , والتي هي اساس الصلاح والخير للانسان, وحفظ النظام والانتظام . وقد ورد في الحديث( طلب العلم فريضة على كل مسلم) وورد ايضا ( بالعلم يطاع الله ويعبد, وبالعلم يعرف الله ويوحد, وبالعلم توصل الارحام, وبه يعرف الحلال والحرام). وورد (ان العلم حياة القلوب من الجهل , وضياء الابصار من الظلمة, وقوة الابدان من الضعف) الاسلام دين الحياة |
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته |
الاخت موالية صاحب البيعة شكرا لمروركم الكريم وجزاكم الله خير الجزاء
الاسلام دين الحياة فهو الذي يغذي الانسان بالفضائل والمكارم والمبادئ والاخلاق التي تجعله يسمو في آفاق البر والخير, فيعرف اهمية وجوده وانسانيته وقيمته في الحياة. قال تعالى( ياايها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم ) الاسلام دين العقل قال تعالى ( كذلك يبين الله لكم الايات لعلكم تعقلون) وقال تعالى( أفمن يعلم انما انزل اليك من ربك الحق كمن هو اعمى أنما يتذكر اولو الالباب) العقل يميز بين الحق والباطل, وبين الخير والشر , والعقل يدعو الى الخير , وهو اصل كل خير , ويدعو الى طاعة الله , والاسلام هو الحق والخير والطاعة. ورد في الحديث عن النبي (ص) انما يدرك الخير كله بالعقل, ولادين لمن لاعقل له) فالعقل هو الاداة التي توصل الانسان الى المعارف الحقة, والمدارك السليمة , والعقائد الصادقة الاكيدة, والعقل هو الذي يدرك الحسن والقبح والخير والشر , والمصالح والمفاسد التي تبتني عليها الاحكام . الاسلام عقيدة وشريعة يتقوم الدين الاسلامي بأمرين(( العقيدة)) و((الشريعة)) لانهما ركنان اساسيان في واقع الاسلام, لاينفكان ولاينفصلان. فالاسلام بدون عقيدة كالبناء بلا اساس , والاسلام بلا شريعة كالاساس بلا بناء , فكل منهما يتمم الاخر, وعليهفلا بد منهما معا في الاسلام. وكل من لايرى حقيقة الاسلام قائمة على هذين الاساسين فهو بعيد عن الاسلام وجاهل بواقعه وان كان ممن يشهد الشهادتين. ومن هنا, كان الاخلال ببعض الضروريات في العقيدة أو الشريعة خروجا عن الاسلام, فمن ينكر بعض صفات الله , أو ينسب الى الله شيئا نسبة غير صحيحة كالظلم وفعل القبيح_ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا_ أو ينكر ضروريا من ضروريات الاسلام , كالصلاة أو الصيام أو الحج , فهو ليس بمسلم قطعا وان كان مقرا بالشهادتين. ومن هنا كان البحث _ من وجهة نظر الشيعة_ عن حقيقة الاسلام أو اسس الاسلام أو مبادئ الاسلام, بحثا (( عقائديا وتشريعيا)). وقد اشار القران الكريم الى هذه الحقيقة , وان الاسلام عقيدة وشريعة حيث قرن بين الايمان والعمل, فقال تعالى( ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا* خالدين فيها لايبغون عنها حولا) وقال تعالى ( والعصر* ان الانسان لفي خسر * الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) وغيرهما من الايات الكريمة وكما اكدت الايات على ان الايمان يجب ان يكون مقرونا بالاقرار والعمل فكذلك الروايات. قال مولانا امير المؤمنين (ع) ( الايمان تصديق بالجنان , واقرار باللسان, وعمل بالاركان) فمعنى( التصديق بالجنان) هو تصديق القلب ويقينه واطمئنانه بان عقائد الاسلام كلها اكيدة وحقة وثابتة وصحيحة. ومعنى ( الاقرار باللسان) ان يكون اللسان مترجما ومبينا لما اطمئن به القلب واذعن به وصدقه. ومعنى ( العمل بالاركان) ان يكون العمل مجسدا لهذه المبادئ والمعتقدات, ومبرزا لها بحسب الوجود الخارجي , على نحو يكون منشأ العمل هو الايمان والاعتقاد بالله. ولتتميم الفائدة نشرع بالحديث عن العقيدة والشريعة ماهي العقيدة؟ |
ماهي العقيدة؟
العقيدة تعني الايمان بالله سبحانه , ووحدانيته, وصفاته, وانبيائه, ورسله, وكتبه وملائكته, واوصيائه, واليوم الاخر, وتسمى هذه الامور باصول الدين_ التي يأتي الحديث عنها مفصلا ان شاء الله_ , وقد عرفت انه لابد ان يكون الايمان مقرونا بالعمل. طرق اثبات العقيدة الطريق لاثبات العقيدة امور عديدة , أهمها واكملها العقل ( دليل العقل) فالدليل العقلي المسلم بمقدماته, والذي ينتهي بالانسان الى اليقين الجازم والايمان القاطع بنحو يكون مطابقا للواقع وكاشفا عنه, يحقق الايمان والعقيدة المطلوبة. اهمية الادلة العقلية والعقل هو العمدة والركيزة الاساسية في اثبات اصول الدين الخمسة كلها_ التوحيد, العدل, النبوة, الامامة, المعاد_ لامرين احدهما انه يفيد القطع, ولذا لايصح دليل غيره في الاصول من سماع او نقل او غير ذلك, لان غاية مايحصل منها هو الظن, وقد ورد النهي عن اتباع الظن, قال تعالى( ان الظن لايغني من الحق شيئا) الثاني ان الطرق الاخرى ترجع اليه او تعتمد عليه_ كما ستعرف عند الحديث عن كل واحد من الاصول الخمسة_. ( دليل الحس) يمكن الاعتماد على الدليل الحسي الذي يؤدي الى الجزم والقطع العقلي بوجود الله تعالى, فان من يتفكر في خلق السماوات والارض وما فيهما من عوالم ومخلوقات, سوف يدرك انها من المستحيل ان توجد بلا موجد. فحتى يكون الحس سببا لمعرفة الخالق, لابد ان يضاف اليه ادراك العقل بان لكل شئ سببا , فهو اذن يعتمد على العقل, وبدونه لايكون دليلا كافيا. _ دليل الفطرة) وكذلك يمكن الاعتماد على البرهان والدليل الوجداني والفطري اذا كان ينتهي الى الجزم العقلي. والبرهان الفطري هو الذي تقود اليه الفطرة السليمة ( فطرة الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيم) والفطرة هي الاتجاه التكويني الذاتي القائم في ذات الانسان ووجدانه, وهي التي تفسر النزعة الاصيلة فيه حين ينفلت الانسان من قيود المادة ويتحرر من كل الشكوك والاوهام, فيحس بضرورة الارتباط والالتجاء الى قوة عظيمة كبيرة خارقة في قدرتها وفي سيطرتها على كل شئ, بنحو يذعن ويخضع لها وينقاد ويطيع طاعة مطلقة , مع شعوره بالنقص والعجز في ان يحقق شيئا بذاته , بل يذعن ويقر بالافتقار الى غيره. فيرى عندئذ الحقيقة والواقع باجلى مظاهرهما ويدركهما بابسط اسبابهما ووسائلهما, وانه ليس هناك وجود قائم ومتحقق الا بسبب الفيض الذي وصل اليه من تلك القوة , والمسماة بالعلة, والمبدأ الاول. الحس والفطرة من مقدمات دليل العقل والحقيقة ان هذين الدليلين ( الحس والفطرة) هما من مقدمات الدليل العقلي, ولابد منهما في مقام الاستدلال عقلا على وجود الله تعالى وخلقه وتدبيره لهذا الكون, فهما مرتبطان بالدليل العقلي , ولاجل هذا قلنا ان العقل هو المعتمد في الاعتقاد باصول الدين لااكراه في الدين ومن هنا ندرك ان الايمان بالله تعالى , وبهذا الدين , يتم عن طواعية واختيار, ولاعن اكراه واجبار, لان مفهوم الاجبار يتنافى مع الفطرة والايمان. قال تعالى ( لااكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وقال سبحانه( ولوشاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) بل ان الله تعالى لايحمل الناس على الايمان عن طريق الخوارق الحسية التي تأخذ بمجامع القلوب وتندهش لها الالباب حتى يكونوا مؤمنين اذ يكون ايمانهم حينئذ اقرب للاكراه والالجاء, قال تعالى( ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت اعناقهم لها خاضعين) بل ان الله يريد الايمان بالاختيار والتصديق القلبي الواضح بنحو يرى الواقع كالشمس الطالعة, ويكون منطلقه الدليل والبرهان العقلي, نعم المعجزة الخارقة للعادة انما تأتي مؤكدة لهذا الدليل. القران يؤكد منطق العقل |
القران يؤكد منطق العقل
والقران الكريم جاء مؤكدا ومؤيدا لمنطق العقل في كثير من المجالات, كما في اثبات وجوده تعالى, وفي اثبات وحدانيته ونفي الشريك عنه, واثبات صفاته,فان العقل قد قرر ماهو ثابت لله تعالى,وادركه, وحكم بع بشكل قاطع جازم, وانه الحق والواقع. فقال تعالى( ولئن سألتهم من خلق السموات والارض ليقولن خلقهن العزيز العليم). وقال تعالى(هو الذي يسيركم في البر والبحر, حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا انهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) وقال تعالى( ذلكم الله ربكم لااله الا هو خالق كل شئ فأعبدوه وهو على كل شئ وكيل* لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير) وقال تعالى ( ياايها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون* الذي جعل لكم الارض فراشا والسماء بناء وانزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله اندادا وانتم تعلمون) وقال تعالى( لوكان فيهما آلهة الا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) فالايات الكريمة تأكيد لحكم العقل , وبأن لهذا الكون موجدا ومدبرا وحكيما, وانه واحد لاشريك له , وان الشريك مستحيل في نظر العقل. كما ان هذه الايات اكدت واثبتت ان الله تعالى له صفات الجلال والكمال, كما يرى العقل ذلك, فان الله الله سبحانه له الكمال المطلق وله الغنى المطلق. كما اكد القران على ضرورة التفكر واعمال العقل في الايات الكونية, ليعيش الانسان حقيقة الايمان والعقيدة بشكل صحيح, بعيدا عن الشك والريب والاوهام. قال تعالى (ان في خلف السموات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض من بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون) فعندما ننطلق في عالم التأكيد والاثبات للحق والواقع الذي نريده, يكون ( العقل) هو الدليل الوحيد الذي يثبت الايمان , والطريق الذي يدفع الشبهات والشكوك والريب عن النفوس , ولنا جولة حول ذلك ان شاء الله كفاية الادلة السمعية في بعض العقائد والذي ذكرناه من من ان العقل هو الدليل في العقائد , انما هو فيما يتعلق بأصول الدين. الا ان هناك امور اخرى يلزمنا الايمان والاعتقاد بها , ولاتحتاج الى البرهان العقلي, بل يكفي الاستدلال عليها بالقران الكريم والسنة الشريفة المتواترة أو غيرها , وانما يكفي ذلك انطلاقا من الايمان المطلق بالله تعالى , وبكتابه الكريم وبرسوله (ص) وبما جاء به, وسوف يأتي التعرض لهذه المعتقدات ان شاء الله تعالى ماهي الشريعة |
ماهي الشريعة
الشريعة عبارة عن الاحكام والنظم والمناهج والمبادئ التي شرعها الله سبحانه لعباده لكي يأخذوا بها , وينظموا امورهم وعلاقاتهم بالله سبحانه, وبأنفسهم, ومع بعضهم البعض, وعلاقتهم بالكون والحياة. طرق ثبوت الشريعة( مصادر التشريع) تسمى الطرق التي تثبت بها الشريعة ( مصادر التشريع ) او ( ادلة التشريع), ففي زمان النبي (ص) كانت الاحكام الواقعية تؤخذ منه , فالقران ينزل عليه, والله سبحانه علمه وبين له كل الاسرار والخصائص القرانية, فهو (ص) اعرف بالقران واحكامه وتشريعاته وما فيه, لذلك كان النبي (ص) مصدر التشريع بأذن الله سبحانه. وفي زمان الائمة عليهم السلام , اي بعد وفاة النبي (ص) ترك النبي (ص) للناس مرجعين في كل زمان , هما ( القران) و( العترة الطاهرة) وقد اكد هذه الحقيقة الهامة الحديث الشريف المتواتر والمتفق عليه, والمسمى حديث الثقلين وهذا نصه. ( ايها الناس , يوشك ان يأتي رسول ربي فأجيب , واني تارك فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا بعدي ابدا الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي , وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض....) ( هذا الحديث رواه الخاصة والعامة وبأختلاف يسير في الفاظه انظر محمد (ص) وحديث الثقلين نجم الدين العسكري الغدير الاميني 1/306 بحار الانوار 2/100 سنن الدرامي 2/432 مسند احمد بن حنبل 3/14 وغيرها كثير جدا) ومن هذا نعرف ونستفيد ان مصادر التشريع هي القران الكريم والسنة الشريفة, التي هي قول المعصوم او فعله او تقريره, كما سيأتي بيانه , والمراد بالمعصوم هو النبي (ص) او احد خلفائه وهم الائمة الاثنا عشر (ع) . وبعد النبي (ص) والائمة(ع) اتسعت دائرة الادلة الشرعية ومصادر التشريع , بأعتبار الاحتياجات والمستجدات التي مر بها المسلمون , الظروف التي تلابس قضاياهم, فكان من جملة الادلة التي اعتمدت دليلان آخران هما ( الاجماع ) و ( العقل ) وسوف نتحدث عنهما بشكل يوضح واقعهما. وفي صورة عدم وجود دليل على الواقعة , اعتمدت ( القواعد الاصولية) المجعولة لتحديد وظيفة المكلف الشرعية في صورة ( عدم الدليل ) أو في صورة ( الشك في الحكم) والبحث عن مصادر التشريع هذه و انما هو بأعتبار انه ما من واقعة من الوقائع التي يتحرك الانسان باتجاهها أو يريد ان يتعامل معها , الا ويجب عليه ان يعرف حكمها الشرعي , لانه مامن واقعة الا ولها حكم في الشرع, وهذا المعنى يؤكده الحديث الوارد عن ابي عبد الله الصادق (ع) ( ما من شئ الا وفيه كتاب وسنة) وخلاصة القول ان مصادر التشريع في المذهب الجعفري هي اربعة القران , والسنة, والاجماع , والعقل فلنشرحها فيما يلي (1) القران الكريم |
(1) القران الكريم
وهو مصدر التشريع الاساسي, باعتبار انه كلام الله تعالى, انزله سبحانه علىنبيه محمد(ص) معجزة ومنهاجا ودستورا للناس اجمعين. وهو فطعي الصدور بالفاظه ومعانيه واسلوبه وجميع اياته, وبما هو بين الدفتين من دون زيادة ولا نقيصة. فالقرآن منبع الاسلام , ومصدر تشريعه, ووعاء احكامه وقوانينه , وقيمه, ومفاهيمه, فهو يرفد البشرية بالتشريع والانظمة الكاملة التي تحفظهم من الفوضى والاضطراب في اوضاعهم , وبالتربية والتوجيه لما فيه الخير والصلاح والهدى والاطمئنان, وبالاخلاق التي ترتقي وترتفع بالانسان الى الكمال والانسانية الحقة, وبالفكر الشامل الواسع الذي يخوله تحقيق آماله وطموحاته وبناء اسس حياته الدنيوية والاخروية. القران حي لايموت ان ماورد في القران الكريممن تشريعات انما كانت في الغالب لبيان اصل التشريع, وكذلك ماورد فيه من القضايا العامة, فانها كانت بنحو العموم من دون تحديد بمكان او زمان , ومن دون ارتباط بشئ او تقيده بقيد, الا مانص القران الكريم عليه. ومن هنا ورد عن اهل البيت (ع) ان القران حي لايموت , فقد ورد عن ابي جعفر الباقر(ع) ( ان القران حي لايموت , والاية حية لاتموت, فلو كانت الاية اذا نزلت في الاقوام, ماتوا ماتت الاية , لمات القران, ولكن هي جارية في الباقين كما جرت في الماضين) (بحار الانوار 35/403) وفي الحديث ايضا ( ان القران حي لم يمت, وانه يجري كما يجري الليل والنهار وكما يجري الشمس والقمر, ويجري على آخرنا كما يجري على اولنا)( المصدر السابق ص404) وعن الصادق (ع) لما سأله عمر بن يزيد عن قوله تعالى ( والذين يصلون ما امر الله به ان يوصل ) انه قال ( هذه الاية نزلت في رحم آل محمد عليه واله السلام , وقد تكون في قرابتك , فلا تكونن ممن يقول للشئ انه في شئ واحدا) ( بحار الانوار 71/130, الكافي الشيخ الكليني 2/156, باب صلة الرحم حديث 28) (2) السنة الشريفة وهي قول المعصوم , أو فعله , أو تقريره. وهي مصدر تشريعي اساسي كالقران, ولولا السنة لم يكن للاسلام معالم , ولتعطل العمل بالقران, بأعتبار ان السنة مفسرة ومبينة للايات الكريمة وخصوصيات الاحكام الواردة فيها, لان القران ورد لبيان اصل التشريع وبيان القواعد العامة_ كما اشرنا آنفا_ فجاءت السنة مفسرة شارحة لكل ماجاء في القران الكريم , وبيان له , وكشفا عن محتواه, لأجل صياغة التشريع وترجمته حكما واضحا في حياة الانسان بتفصيل كامل لالبس فيه , في مختلف المجالات المطلوبة. ولذلك فالسنة ليست اجتهادا من النبي (ص) لان النبي لاينطق عن الهوى , قال تعالى( وما ينطق عن الهوى* ان هو الا وحي يوحى) نعم ترجمة ذلك يكون بالفاظ من النبي (ص) . مثلا القران اوجب الصلاة بشكل عام من دون بيان لكيفيتها وما يعتبر فيها حيث قال ( وان اقيموا الصلاة) وجاءت السنة الشريفة وشرحت كيفية الصلاة وما يعتبر فيها من اجزاء وشروط واعتبارات وغير ذلك , بتفصيل كامل, وبيان شامل لكل شئ. وعلى هذا الاساس لايكون شئ من السنة مخالفا للقران ابدا, والمخالف له يضرب به عرض الحائط كما في بعض الاخبار( رواها الشيخ الطوسي في التبيان في تفسير القران 1/5 راجع ايضا الوسائل ب9 من ابواب صفات القاضي , فقد اورد روايات كثيرة مفادها ان ماخالف كتاب الله فدعوه). وبعد النبي (ص) كان الائمة الهداة, هم الذين يشكلون الامتداد الطبيعي لدور النبي (ص) , واستمرار السنة بانحو الذي كان يقوم به النبي (ص) بتوجيه واعداد منه, وذلك لان الائمة اخذوا علومهم من النبي (ص) فقد استودعهم الرسول (ص) علوم القران وعلوم الشريعة. ويؤكد هذه الحقيقة , حديث الثقلين واحاديث اخرى, ومن هنا كان قولهم قول رسول الله (ص) , وقول رسول الله (ص) قول الله سبحانه,وبالتالي فهم يبلغون عن الله بواسطة الرسول (ص) فقولهم وفعلهم وتقريرهم سنة, على هدى القران وضوء رسالته(ص) (3) الاجماع |
(3) الاجماع
وهو عبارة عن اتفاق العلماء على امر لم يرد فيه قران ولا سنة ولكن الاجماع الذي يكون دليلا على الحكم الشرعي, ومصدرا تشريعيا, ليس مجرد اتفاقهم وانما هو نحو خاص منه , وهو ماكان له علاقة بالسنة, وهو اتفاق العلماء من المسلمين على شئ من احكام الشريعة على ان يكون المعصوم (ع) واحدا منهم , أو يكون اتفاقهم كاشفا عن رأيه (ع) . وبهذا تثبت لهذا الاتفاق القيمة التشريعية, ويصبح دليلا مثبتا للحكم الشرعي. فالعبرة ليست في الاتفاق وانما العبرة في راي المعصوم الذي كشف عنه اجماعهم واتفاقهم. وبهذا يتضح امران الاول علاقة الاجماع بالسنة, وان مايكون حجة على الحكم الشرعي ودليلا عليه, هو خصوص ماله علاقة وارتباط بالسنة وحاكيا عنها, لامجرد اتفاقهم, وان لم يكن مأخذه السنة الشريفة. الثاني ان مرتبة الاجماع_ان تم وتحقق_ متأخرة عن القران والسنة, بمعنى انه ليس دليلا مستقلا في قبالهما, لانه يرجع الى السنة الشريفة. (4) العقل ان كل الادلة الشرعيةوالقواعد المتبعةفي عملية استنباط الحكم الشرعي, تبني على ( الجزم) بنتائجها, اذ بدون الجزم بها تفقد تلك الادلة قيمتها ولا تكون طريقا لتحصيل ((العلم)) بالحكم الشرعي او بالوظائف العملية. ومن الواضح ان حصول القطع بالحكم الشرعي وان كان نابعا من قوة الدليل ووضوح دلالته_ كنصوص القران, والسنة المتواترة, وظواهرهما المسلمة_ , الا ان وجوب متابعة القطع ثابت بحكم العقل, لانه هو المتبع في هذا الشأن. وايضا , فأن للعقل دخالة في ادراك تبعية الاحكام الشرعية لمصالح ومفاسد في نفس الاحكام أو في متعلقاتها. وله دخالة ايضا في ادراك الملازمة بين حكم العقل المستقل وحكم الشرع, وبمعنى ان كل ماحكم به العقل يحكم به الشرع, وغير ذلك من المسائل . ومن هنا كان للعقل دورا واضحا في مواكبة عملية استنباط الاحكام, الا ان ذلك لايجعل من العقل دليلا مستقلا في التشريع في قبال الله سبحانه _ على نحو ماذكرنا في الاجماع_, فأن هذا المعنى لم يعرف القول به من احد ابدا , بل لم يذهب اليه احد, بل _ وعلى مدى السنين والاحقاب التي مرت بها عملية استنباط الاحكام الشرعية _ لاتجد حكما شرعيا يستقل به العقل اطلاقا, بل ان التشريع واصدار الاحكام والتكاليف واقرارها كقوانين , بيد الله سبحانه. والسبب في ذلك, ان العقل ليس له وظيفة اصدار الاحكام الالزامية, بل تقتصر وظيفته على الادراك والتعقل والتفهم في هذه الموارد, فهذا هو المقصود بحكم العقل. وعلى هذا الاساس يمكن تقسيم مايدركه العقل مما يرتبط بالحكم الشرعي الى اقسام ثلاثة ( القسم الاول( موارد وجود الحكم الشرعي, فان العقل يدرك حينئذ لزوم طاعة الشارع المقدس والانقياد له فيما جزم به وعرفه من احكام شرعية او وظائف عملية, ولزوم التحرز عن مخالفته, خوفا من العقاب او طمعا في الثواب او نحو ذلك , لان العقل هو المتبع في شؤون الطاعة. ولكن ادراكه هذا يتوقف على وجود الموضوع_ اي الحكم_ ووضوحه, بمعنى توقفه على ثبوت الحكم الشرعي من ادلته, فيدرك العقل بعد ذلك حسن المتابعة واستحقاق الثواب, ويدرك قبح المخالفة واستحقاق العقوبة عليها, اما اذا لم يكن الحكم محرزا بشكل كامل فلايكون للعقل الموقف نفسه, بل قد يحكم بالاحتياط او البراءة او غير ذلك حسب اختلاف الموارد. ( القسم الثاني) موارد الحسن والقبح العقليين, وما يرجع اليهما. ومعنى ادراكه حسن شئ , او قبحه , هو تطابق آراء العقلاء على ان هذا الشئ مما يجب ان يفعل ويمدح عليه أو انه مما يجب ان يترك ويذم على فعله, فيدرك العقل في الاول حسنا وفي الثاني قبحا. ويترتب على ذلك فوائد جليلة لها ارتباط وثيق بعالم الاستنباط. فمن ذلك ان العقل يدرك ان وراء كل حكم من احكام الشارع ملاكا, بمعنى ان وراء حكمه بايجاب شئ مصلحة , ووراء تحريمه شيئا مفسدة, ولذلك لانه يدرك ان مقتضى العدل صدور الاحكام عن مصلحة في متعلقاتها او فيها نفسها. ومن ذلك ايضا معرفة راي الشارعوموقفه من بعض القضايا , وذلك لان حسن هذه الامور او قبحها , هو كونها مما تطابق آراء العقلاء على انه مما يجب ان يفعل او يترك, وحيث ان الشارع المقدس هو سيد العقلاء , فالعقل يقطع نتيجة ذلك بأن للشارع حكما او موقفا معينا فيها, والقطع حجة لابد من العمل على طبقه_ فأن نفس الحسن والقبح أو نفس العدل او الطلم ليسا حكمين شرعيين, بل ماقد يكون حكما شرعيا ماهو من مصاديقهما_كما في الاحسان, ورد الامانة والوديعة, والمحافظة على اليتيم وماله, فأنها من مصاديق العدل, وكما في الزنا والسرقة والكذب والخيانة, فأنها من مصاديق الظلم. فتكون النتيجة ان مايدركه العقل في هذه الموارد غير كاف وحده, بل لابد من حصول القطع الوجداني بوجود حكم للشارع فيها, اذ العقل لم يستقل بالحكم فيها بالوجوب او الحرمة, بل استكشف حكم الشارع وفهمه , ومن هنا قلنا بأن العقل ليس مشرعا في قبال الله سبحانه ( القسم الثالث) موارد الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل. اذ قد يتدخل العقل في الدلالة على الحكم الشرعي ولكن بمعونة ادلة شرعية اخرى , كما في الموارد التي يكون للعقل فيها حكم تبعا لحكم الشرع. مثاله حكم العقل بوجوب المقدمة تبعا لحكم الشرع بوجوب ذي المقدمة,كالسفر بالنسبة للحج,لادراك العقل ان الاتيان بالواجب يتوقف على الاتيان بمقدماته, اذ لولا وجوب ذي المقدمة لم يكن للعقل حكم بوجوب المقدمة, ومن هنا لم يكن حكم العقل بوجوب المقدمة مستقلا, بل بعد توسط حكم الشارع بوجوب ذي المقدمة وتابعا لها. والخلاصة ان موارد حكم العقل ثلاثة الاول بعد وجود موضوعه بشكل كامل ولايكون فيه ادنى شك الثاني في الحسن والقبح العقليين الثالث في موارد الملازمة بين حكم الشرع وحكم العقل وما عدا ذلك لامورد لحكم العقل. فعلى سبيل المثال لامورد لحكم العقل في صورة وجود النص الشرعي من القران والسنة, او في مورد جريان القواعد الشرعية او الاصول العملية. فأتضح بما قدمناه ان المقصود بحكم العقل في مثل هذه الموارد هو ادراكه للحكم الشرعي المجعول من قبل الله والتعرف عليه, وليس مشرعا في قبال الله تعالى, فأن تشريع الاحكام بيد الله سبحانه يقررها ويصدرها على لسان نبيه الكريم (ص). انحصار ادلة التشريع بالقران والسنة |
انحصار ادلة التشريع بالقران والسنة
نستنتج من مجموع مااشرنا اليه امورا الاول ان ادلة التشريع هي (( القران)) و(( السنة)) أما ((الاجماع )) و (( العقل)) فلا مجال لهما مع القران والسنة اطلاقا. الثاني ان مرتبة دليل العقل _ بالمعنى الذي ذكرناه والبيان الذي اوضحناه_ متأخرة عن القران والسنة, لانه لاسبيل للاعتماد عليه الا بعد فقدهما, لان العقل انما يكون منتجا لحكم شرعي اذا كان مرتبطا بالسنة الشريفة. الثالث ان مايذكرهبعض العلماء والفقهاء واهل المذاهب الفقهية الاجتهادية من مصادر اخرى للتشريع, كالاولوية والاستحسان والقياس والمصالح المرسلة ونحو ذلك مما يأتي بعد القران والسنة _ اي في حال فقدهما_فلا يمكن الالتزام بها الا بقدر ما تثبت للتحقيق العلمي الموافق للقران والسنة, بحيث تكون رصانة تلك الادلة مستقاة من طريق الكتاب والسنة, وليست خارجة عنهما, اذ لا دليل على الحكم الشرعي في قبال القران والسنة ولا بعدهما كما عرفت. وقد تعرضنا في آخر الكتاب الى تفصيل مااجملناه هنا, تحت عنوان (مصادر الاحكام) فراجع المبحث السادس من الخاتمة. خاتمة الاجتهاد عند الشيعة اود ان اشير عقيب ذكر ادلة التشريع الاسلامي الى فكرة الاجتهاد التي يراها الشيعة , وكيف تتم فنقول تعريفه عرف الاجتهاد , بانه عبارة عن بذل الجهد في تحصيل الحجة الشرعية ( اي الدليل القطعي) على الحكم الشرعي او تعيين الوظيفة الشرعية عملية استنباط الحكم وتتم عملية استنباط الحكم هذه بتطبيق الادلة والقواعد الاصولية على القضية التي تريد اثبات الحكم لها, واذكر مثالا مبسطا وعملية سهلة للمراحل التي يتم من خلالها الحكم الشرعي قوله تعالى ( وان اقيموا الصلاة واتقوه وهو الذي اليه تحشرون) فالقاعدة الاصولية تقول ان الامر ظاهر في الوجوب او يدل على الوجوب . فنقول في الاية (أقيموا) أمر , والامر يدل على الوجوب, فأقيموا تدل على الوجوب وايضا القاعدة الاصولية المثبتة بالبراهين تقول ان ظاهر القران يمكن الاعتماد عليه, فنقول هنا( اقيموا) ظاهر قراني في الوجوب, والظاهر القراني حجة يجوز الاعتماد عليه, فاقيموا تدل على الوجوب. ونستخلص بعد ذلك ان النص القراني_ وهو الاية الكريمة_ يدل على وجوب الصلاة, حيث تعلق الامربها. هذه العملية وان كانت بسيطة جدا في طرحها , الا انها عملية معقدة في اعتبارها وحجيتها , أما غيرها من العمليات التي تستخدم في الاستنباط فهي اشد تعقيدا. شروط لابد توفرها في المجتهد ولاجل دقة العمليات المستخدمة في الاستنباط, كان على المجتهد الذي حاز رتبة الاجتهاد , ان يكون ملما بكثير من العلوم والمعارف التي توفر له ملكة الاجتهاد , وبواسطتها يستطيع استنباط الاحكام الشرعية من ادتها التفصيلية.( وللاطلاع على مايعتبر في الفقيه من العلوم والمعارف’ تراجع الموسوعات الفقهية التي تعرضت لما يعتبر في القاضي, ومن تلك الموسوعات ( شرح اللمعة الدمشقية) للشهيد الثاني ج3 ص62) هذا مضافا الى توفر ملكات اخلاقية عالية عنده ومجاهدات عظيمة خاصة لنفه, فقد ورد عن ابن عباس قال سمعت امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) يقول ( طلبة العلم ثلاثة اصناف)... الى ان قال (واما صاحب الفقه والعقل تراه ذا كآبة وحزن وقد قام الليل في حندسه, وقد انحنى في برنسه, يعمل ويخشى خائفا وجلا من كل احد, الا من كل ثقة من اخوانه, فشد الله من هذا اركانه, واعطاه يوم القيامة امانه)بحار الانوار2/47 وهناك روايات اخرى تؤكد الناحية الاخلاقية في العالم المجتهد , لان العلم ليس وحده الاساس في عملية الاستنباط, وانما التأكيد كل التأكيد على هذه النواحي, لانها حواجز مهمة له من الانزلاق في مهاوي الاهواء والشهوات, وحب الرياسة, والتهالك عليها, والغرور بالعام, وتزوده بالحذر والتحرز والاحتياط منها. ومرحلة العدالة التي هي شرط في المجتهد الذي تؤخذ فتواه ويعمل بها, تتسامى في اعتبار هذه الامور الروحانية العالية, ليصدق عليه حقا انه النائب عن الامام الحجة (عج), لانه مع هذه الشروط تصبح فتواه في الاحكام , وحكمه في القضايا حجة قطعا, وتثبت له الولاية على الاموال والايتام وبعض الشؤون الاخرى_ لامطلقا_. وانما كنا نعتبر هذه الشروط الصعبة في الفقيه , لاننا نطمئن بل نقطع الى ان الامام الحجة ( عج) لايرضى بنائب عنه لم تتوفر فيه هذه الامور التي تحدثنا عنها الفصل الثالث عقيدتنا في الله سبحانه |
عقيدتنا في الله سبحانه
من الامور البديهية , ومن الامور التي تدعو اليها الفطرة والضرورة, اي لاتحتاج الى برهان ودليل, هو ان لهذا الكون الرحب الواسع موجدا وصانعا وخالقا ومكوناز فان من نظر الى السماوات وما فيها من الشمس والقمر والنجوم والكواكب, واختلاف الليل والنهار, والسحاب المسخر بين السماء والارض, ومن نظر الى الارض وما جعل فيها من جبال وبحار واشجار , وما فيها من غرائب الموجودات وغرائب المخلوقات, وغير ذلك مما يعجز الانسان عن معرفته فضلا عن وصفه والحديث عنه, لعلم واستيقن بان وراء هذا الكون وهذا الخلق وهذه الموجودات خالقا وصانعا, وانه عليم قدير حكيم ليس كمثله شئ. القران والسنة يؤكدان ماتدركه الفطرة وقد تحدث القران الكريم عن ذلك قال تعالى( ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون) . وكذلك تحدثت الاخبار والروايات الشريفة الواردة عن اهل بيت العصمة عليهم السلام بذلك, منها ماروي عن امير المؤمنين (ع) حين سئل عن اثبات الصانع , فقال (ع) ( البعرة تدل على البعير, والروثة تدل على الحمير, وآثار القدم تدل على المسير, فهيكل علوي بهذه اللطافة, ومركز سفلي بهذه الكثافة, كيف لايدلان على اللطيف الخبير) ( بحار الانوار المجلسي 3/55 ح27). وهناك اخبار اخرى كثيرة تعرض لها العلماء, يمكن لمن اراد الاطلاع عليها ان يراجع مثل كتاب البحار, وكتاب حق اليقين, وغيرها من الكتب. وقد سئلت عجوز عن الدليل على وجود الصانع, فقالت (دولابي هذا , فأني ان حركته تحرك, وان لم احركه سكن) . الادلة العقلية على وجود الصانع اما الادلة العقلية, فنحن نذكرها للتأكيد على امر الفطرة واقامة الحجة, ودفعا لكل شك وريب. وقد اعتمدت ثلاث طرق لاثبات واجب الوجود (( دليل الحدوث)) و (( دليل الامكان )) و (( دليل النظام)) 1- دليل الحدوث ويتضح ببيام امرين ( الامر الاول) بيان معنى الحادث والازلي, فنقول الحادث هو الشئ المسبوق بالعدم , اي لم يكن موجودا من قبل, ثم وجد. الازلي هو الذي لم يكن مسبوقا بالعدم ( الامر الثاني) ان كل موجود, اما ان يكون حادثا او ازليا , فالمتصف بالحدوث لايمكن ان يتصف بالازلية اطلاقا, والمتصف بالازلية لايمكن ان يتصف بالحدوث اطلاقا, وذلك لانهما نقيضان ,والنقيضان لايجتمعان ولايرتفعان. وبعد هذا نقول ان العالم ليس ازليا, وذلك لان العالم متغير بالوجدان , وكل متغير حادث,فالعالم حادث, اي لم يكن موجودا من قبل, ووجوده لابد ان يستند الى علة وسبب, فان كان علة وجوده حادثة مثله فلابد لها من علة اخرى , وان كانت العلة الاخرى حادثة ايضا احتاجت الى علة اخرى..... وهكذا تبقى السلسلة الى مالانهاية, وهذا مايسمى بالتسلسل, وهو باطل. ومن الواضح والاكيد ان العالم معتمد على علة غيره , وهي العلة الازلية الغنية عن كل حاجة وافتقار الى غيرها , وهي ليست سوى واجب الوجود, وهو الله تعالى. 2- دليل الامكان |
عقيدتنا في الله سبحانه
من الامور البديهية , ومن الامور التي تدعو اليها الفطرة والضرورة, اي لاتحتاج الى برهان ودليل, هو ان لهذا الكون الرحب الواسع موجدا وصانعا وخالقا ومكونا فان من نظر الى السماوات وما فيها من الشمس والقمر والنجوم والكواكب, واختلاف الليل والنهار, والسحاب المسخر بين السماء والارض, ومن نظر الى الارض وما جعل فيها من جبال وبحار واشجار , وما فيها من غرائب الموجودات وغرائب المخلوقات, وغير ذلك مما يعجز الانسان عن معرفته فضلا عن وصفه والحديث عنه, لعلم واستيقن بان وراء هذا الكون وهذا الخلق وهذه الموجودات خالقا وصانعا, وانه عليم قدير حكيم ليس كمثله شئ. القران والسنة يؤكدان ماتدركه الفطرة وقد تحدث القران الكريم عن ذلك قال تعالى( ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فأحيا به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون) . وكذلك تحدثت الاخبار والروايات الشريفة الواردة عن اهل بيت العصمة عليهم السلام بذلك, منها ماروي عن امير المؤمنين (ع) حين سئل عن اثبات الصانع , فقال (ع) ( البعرة تدل على البعير, والروثة تدل على الحمير, وآثار القدم تدل على المسير, فهيكل علوي بهذه اللطافة, ومركز سفلي بهذه الكثافة, كيف لايدلان على اللطيف الخبير) ( بحار الانوار المجلسي 3/55 ح27). وهناك اخبار اخرى كثيرة تعرض لها العلماء, يمكن لمن اراد الاطلاع عليها ان يراجع مثل كتاب البحار, وكتاب حق اليقين, وغيرها من الكتب. وقد سئلت عجوز عن الدليل على وجود الصانع, فقالت (دولابي هذا , فأني ان حركته تحرك, وان لم احركه سكن) . الادلة العقلية على وجود الصانع اما الادلة العقلية, فنحن نذكرها للتأكيد على امر الفطرة واقامة الحجة, ودفعا لكل شك وريب. وقد اعتمدت ثلاث طرق لاثبات واجب الوجود (( دليل الحدوث)) و (( دليل الامكان )) و (( دليل النظام)) 1- دليل الحدوث ويتضح ببيام امرين ( الامر الاول) بيان معنى الحادث والازلي, فنقول الحادث هو الشئ المسبوق بالعدم , اي لم يكن موجودا من قبل, ثم وجد. الازلي هو الذي لم يكن مسبوقا بالعدم ( الامر الثاني) ان كل موجود, اما ان يكون حادثا او ازليا , فالمتصف بالحدوث لايمكن ان يتصف بالازلية اطلاقا, والمتصف بالازلية لايمكن ان يتصف بالحدوث اطلاقا, وذلك لانهما نقيضان ,والنقيضان لايجتمعان ولايرتفعان. وبعد هذا نقول ان العالم ليس ازليا, وذلك لان العالم متغير بالوجدان , وكل متغير حادث,فالعالم حادث, اي لم يكن موجودا من قبل, ووجوده لابد ان يستند الى علة وسبب, فان كان علة وجوده حادثة مثله فلابد لها من علة اخرى , وان كانت العلة الاخرى حادثة ايضا احتاجت الى علة اخرى..... وهكذا تبقى السلسلة الى مالانهاية, وهذا مايسمى بالتسلسل, وهو باطل. ومن الواضح والاكيد ان العالم معتمد على علة غيره , وهي العلة الازلية الغنية عن كل حاجة وافتقار الى غيرها , وهي ليست سوى واجب الوجود, وهو الله تعالى. 2- دليل الامكان |
2- دليل الامكان
اممكن هو الذي يتساوى فيه الاتصاف بالوجود والعدم بالنسبة لذاته, مع حاجته الى علة توجده. والممكن انما يترجح وجوده او عدمه بسبب وعلة, وكذلك استمرار وجوده او عدمه يحتاج الى استمرار وعلة , والا _اذا استغنى وجوده عن العلة_ لم يعد ممكنا. وبعد هذا نقول اذا تأملنا العالم ومافيه , نجد انه يتصف بصفات الممكن, لانه مؤلف من اجزاء بانضمام بعضعها الى بعض, فلابد له من مركب ولابد له من علة توجده, وهذه العلة اذا كانت ممكنة مثله , لزم ان يكون لها علة اخرى وهكذا فيلزم التسلسل, وهو باطل حتما لانه لاينتهي الى نتيجة, وان لم تكن ممكنة, كانت ازلية, لانها تكون غنية غير محتاجة ولامفتقرة الى علة اخرى, وهو المطلوب, لان الغني عن الغير هو واجب الوجود, وهو الله سبحانه 3- دليل النظام والمقصود بدليل النظام هو ملاحظة ان هذا الترتيب والتناسق والانسجام والتدبير المحكم في هذا الكون وفي الموجودات التي تحيط بنا, من الشئ الصغير الى اكبر شئ في هذا الوجود, يدل على انه يبتني على نظام وضوابط في منتهى الدقة والاحكام والتدبير تؤثر فيه, وانه اوجده ورتبه خالق عظيم قادرحكيم. وليس لغيره من ذوي العقول والقدرة ان يقوموا بمثله, فكيف بالمادة الصماء والصدفة العمياء التي يدعون انها تأتي بمثله. فالموجودات التي نشاهدها كلها تدل على وجود اللطيف الخبير وانها من صنعه وتقديره وتدبيره, وبقوته وارادته وامره وجدت( انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون) صفات الله فالله سبحانه وتعالى , هو الله الواحد الاحد الفرد الصمد , الذي لم يلد ولم يولد , ولم يكن له كفوا احد. وهو واجب الوجود لايعتمد في وجوده على موجد ولاعلة سابقة له, وانما هو العلة لوجود كل شئ مقدور _ ممكن الوجود_ والخالق له, والمدير له, لاشريك له ولاشبيه,ولاضد له ولانظير. والله قديم ازلي, دائم سرمدي, قادر عليم,حي, مدرك, مريد كاره,متكلم صادق, غني , سميع بصير, له جميع صفات الكمال والجمال كما سنشير الى ذلك في الحديث عن صفاته تعالى. كيف تثبت صفات الجمال والكمال صفات الجمال والكمال تسمى بالصفات الثبوتية, وهناك صفات تنزيهية تسمى بالصفات السلبية, ولابد من الحديث عنهما, كل واحدة على حدة الصفات الثبوتية لابد ان يتصف المولى بكل صفات الجمال والكمال, لانه تعالى وجود محض, وجود صرف, اي لايدخل فيه شئ من النقص, لان النقص عدم, اي عدم الكمال , ولكزنه وجودا محضا لابد ان يكون له الكمال واعلى صفات الكمال, بل لايمكن ان يكون مجردا عنها اطلاقا, بل هي نفس الوجود, فالله تعالى هو القدرة, وهو الاختيار, وهو العلم, وهو الارادة, وهكذا بقية الصفات. ولنذكر هذه الصفات ببعض التفصيل والاستدلال ازلي قديم القديم بمعنى المتفدم للاشياء كلها, وكل متقدم يسمى قديما مبالغة في الوصف, وهو تعالى قديما لنفسه, لانه لااول له ولانهاية له, وهو الذي لايسبقه العدم. وقد وردت هذه الصفة في القران الكريم, قال تعالى( هو الاول والاخر) وقد ورد في تفسيرها ( الاول لاعن اول قبله, ولا عن بدء سبقه, وآخر لا عن نهاية كما يعقل من صفات المخلوقين, ولكن قديم اول آخر لم يزل ولايزال بلا بدء ولانهاية,لايقع عليه الحدوث, ولايحول من حال الى حال, خالق كل شئ) ومما يستدل لذلك انه لو لم يكن تعالى قديما , لم يكن وجوده واجبا , لانه يكون محتاجا الى مايوجده, والله تعالى هو الغني عن الحاجة, وموجود بلا اول له , كما لانهاية له. وقال امير المؤمنين (ع) ( الحمد لله الدال على وجوده بخلقه, وبحدوث خلقه على ازليته) واذا ثبت انه سبحانه قديم ازلي , ثبت انه غني غني ومعنى الغنى استغناؤه الذاتي وعدم احتياجه الى شئ والى غيره, فلايحتاج في افعاله الى الالة, ولايحتاج الى الاستعانة باحد. قال تعالى( واعلموا ان الله غني حميد) والعقل يؤكد هذه الصفة, لانه لما ثبت انه تعالى قديم, فهو متقدم على الكل, والكل محتاج اليه ولايحتاج الى واحد , وهذا معنى الغنى الثاني ان الحاجة تقص , والله تعالى كامل لانقص فيه واذا ثبت انه تعالى غني , ثبت انه قادر على كل شئ قادر |
قادر
ومعنى القدرة, نفي العجز عنه فيما يشاء ويريد , أو كما قيل هو الموجد للشئ اختيارا من غير عجز ولا فتور. والقدير الذي قدرته لاتتناهى, قال تعالى( ان الله على كل شئ قدير) والمستفاد من هذا ان الله تعالى له القدرة المطلقة النافذة في جميع الاشياء, لايعجز عن شئ ولايعجزه شئ , قادر على كل شئ. قال تعالى( وما كان الله ليعجزه من شئ في السماوات ولا في الارض انه كان عليما قديرا). اما العقل فهو يحكم بقدرة الله تعالى وعدم عجزه بشكل مطلق , وذلك (1) ان العجز نقص , ولايكون واجب الوجود ناقصا (2) ان التأمل في نظام الكون والتدبير الكامل القائم في الموجودات دليل على القدرة الفائقة التامة. قال امير المؤمنين عليه السلام( وعجبت لمن شك في الله وهو يرى خلق الله). (3) انه من المستحيل ان يكون الصانع والخالق غير قادر, والا لقلنا بصحة الفعل من العاجز. واذا ثبت ان الله قادر على كل شئ , ثبتت له الحياة الحياة ومعنى الحياة انه الفعال المدبر, ولايجوز عليه الموت والفناء. وحياته تعالى بلا حياة حادثة , وانما حياته صفة يكون معها العلم والقدرة, لانه تعالى يكون قوام الاحياء, فكونه واجب الوجود وهو الوجود المحض لابد ان يكون حيا, لانها من صفات الكمال المطلق, ولذلك قلنا انه لاتكون هذه الصفة زائدة , فالوجود هو الحياة, والحياة هي الوجود. والعقل يحكم بذلك عندما نشاهد الكون وحركته والتغيير الذي يكون فيه من الاحياء والاماتة, ونمو الاشجار , وهطول الامطار, ودوران الافلاك وسير الكواكب وحركة الشمس والقمر, وان وراء هذا كله مدبرا وخالقا وعليما حكيما, وانه حي دائم ابدي قائم على جميع الموجودات. واذا ثبت انه حي , ثبت انه عالم , سميع بصير عالم سميع بصير (عالم) يعني انه عالم بكل معلوم, ولايجهل شيئا, عالم بالاشياء قبل حدوثها وبعد حدوثها ويعلم سرها, وعلانيتها, وظاهرها وباطنها, الى درجة لايشذ عنها معلوم, وهو عالم بنفسه تعالى. والدليل على ذلك ( اولا) انه لو لم يكن عالما كذلك لزم الجهل ولو في بعض الاشياء , وواجب الوجود لايمكن ان يكون جاهلا, لان الجهل نقص وهو تعالى كامل الذات منزه عن النقائص. ( وثانيا) انه تعالى موجود في كل مكان ولايخلو منه مكان من الازل الى الابد, ولايحيط به المكان ولا الزمان فلابد ان يكون محيطا بكل الامور في كل مكان وزمان فكيف لايعلم كل شئ, ولايعلم حقائق الامور وما تكنه الضمائر والقلوب وما تحتويه العقول والنفوس والخواطر والسرائر وغير ذلك مما هو اخفى وادق من ذلك ومن كل شئ. فالعقل يقطع بالذات المقدسة عالمة بكل شئ ومحيطة بكل شئ , وكل شئ حاضر لديه تعالى( وسع كل شئ علما) ( وثالثا) ان من يشاهد التدبير والاحكام والدقة المدهشة في الموجودات والمخلوقات على اختلافها, لايشك ابدا في ان خالقها قدير حكيم خبير, قال تعالى( سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) ( سميع بصير) سميع بغير جارحة, وبصير بغير آلة, بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه, وليس معنى انه يبصر بنفسه ويسمع بنفسه ان السمع شئ والبصر شئ آخر, بل هو بمعنى لايمتنع ان يعلم بكل المسموعات وما يبصر , فلا اختلاف في الذات وهذه الصفات. واذا ثبت انه عالم ثبت انه مريد مريد فمن صفاته انه مريد , ومعنى الارادة هي فعله تعالى, أو هي نفس الفعل, ولذلك كانت صفات الفعل كالخالقية والرازقية وغيرها من الافعال التكوينية, وهي قطعا افعال اختيارية له, فالعقل يرى ان مثل هذه الافعال المنتظمة والتي هي في غاية التدبير والاحكام , ان فاعلها أوجدها بأرادته, وصنعها بقدرته, ولم تصدر عفوا عنه ولا اعتباطا بغير قصد ولا ارادة. قال تعالى( ان الله يفعل ما يريد) وقال تعالى( ان ربك فعال لما يريد) وورد في الحديث عن الاصبغ بن نباتة قال ( قال امير المؤمنين عليه السلام اوحى الله الى داوود عليه السلام فقال ياداوود تريد واريد , ولايكون الا مااريد, فان أسلمت لما اريد , أعطيتك ماتريد, وان لم تسلم لما اريد أتعبتك فيما تريد , ثم لايكون الا ما اريد) ( التوحيد الشيخ الصدوق ص337 ح4) ثم ان ارادته تعالى تطلق على الحتمية التي هي فعله وايجاده واحداثه للاشياء, والتي لايقدر العباد على مخالفة ارادته, ولايتخلف مراده عن ارادته. كذلك تطلق ارادته على امره ونهيه ,أمره بالطاعات ونهيه عن المحرمات, فأرادته لافعال عباده انه اراد ايقاع الطاعات منهم على وجه الاختيار, وكراهته لافعالهم, انه تعالى نهاهم عن فعل المعاصي المفسدة لهم وبما يخل بصلاحهم على وجه الاختيار منهم. والمشيئة هي نفس الارادة, فقد ورد عن الامام الرضا(ع) ( واعلم ان الابداع والمشيئة والارادة معناها واحد , واسماؤها ثلاثة)( بحار النوار10/314 جواب مسائل عمران الصابئ) وفي حديث الفضيل بن يسار قال سمعت ابا عبد الله يقول ( شاء واراد , ولم يحب ولم يرض , شاء ان لايكون شئ الا بعلمه, واراد مثل ذلد , ولم يحب ان يقال له ثالث ثلاثة, ولم يرض لعباده الكفر)(التوحيد الصدوق ص339) واذا ثبت انه مريد ثبت انه تعالى مدرك المدرك |
المدرك
ومعنى الادراك له تعالى, انه سبحانه عالم بالمدركات فهو عالم بما يدرك بالحواس, ولكن ادراكه ليس بحاسة لانه تعالى منزه عن الحواس, فهو لايمتنع عليه شئ من المدركات, لانه عالم الغيب والشهادة, وعالم السر واخفى, بل ان الامور كلها لما كانت حاضرة لديه كان عالما بها ومدركا لها. واذا ثبت انه مدرك ثبت انه متكلم. متكلم من الثابت والاكيد لدى الشرائع والملل كلها انه تعالى متكلم. ومعنى المتكلم , انه تعالى اوجد الكلام المؤلف من حروف واصوات في جسم من الاجسام , كما حدث ذلك في تكلم شجرة موسى (ع) , أو الملك , وكاللوح المحفوظ,, فالكلام أمر حادث لانه مؤلف من اجزاء تتعاقب في الوجود واصوات تتوالى, وهو تعالى منزه عنها. وكونه تعالى موجدا للكلام فهو أمر ثابت لانقاش فيه. قال تعالى( وكلم الله موسى تكليما). وقال تعالى( وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بأذنه مايشاء) فأن الاية بينت انواع ثلاثة من التواصل مع الانبياء, منها التكلم معه من وراء حجاب كما حصل لموسى(ع). وفي حديث ابي بصير, قال ( سمعت ابي عبد الله (ع) يقول لم يزل الله جل اسمه عالما بذاته ولامعلوم, ولم يزل قادرا بذاته ولا مقدور , قلت جعلت فداك, فلم يزل متكلما؟ قال الكلام محدث, كان الله عزوجل وليس بمتكلم ثم احدث الكلام) ( بحار الانوار المجلسي 4/68 ح11). وصفة التكلم يقرها العقل, وذلك لان الخطابات الالهية والتكلم مع النبيين والمرسلين والملائكة, لايمكن ان يكون الا بالتكلم الذي ذكرناه والذي هو من صفات الفعل , فأيجاد الكلام ناشئ من قدرته الخاصة سبحانه وتعالى, الا ان نفس كلامه حادث ومحدث ومن صفات الفعل , وكما قال تعالى( مايأتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه وهم يلعبون) واذا ثبت انه متكلم ثبت انه صادق صادق معنى انه صادق في وعده , لايبخس ثواب من يفي بعهده, ولان الكذب أمر قبيح ومن النقائص, والله تعالى منزه عن ذلك, لان له الكمال المطلق وغير محتاج الى ذلك؟ قال تعالى( وأتيناك بالحق وانا لصادقون) وقال تعالى(ومن أصدق من الله حديثا) وقال أمير المؤمنين(ع) ( الذي صدق في في ميعاده وارتفع عن ظلم عباده) هذا استعراض للصفات الثبوتية _ على ماذكر_ وانما سميت ثبوتية لانها صفات كمال للذات المقدسة, حيث لايمكن ان تخلو الذات عن الكمال, لان الخلو منها نقص, هو تعالى كامل, ولذلك كانت هذه الصفات تنفي اضدادها, فقولنا انه تعالى قادر عالم, اي ليس بعاجز ولا جاهل, لان العجز والجهل نقص لايليق بالكامل. صفاته عين ذاته الصفات الثبوتية التي اشرنا اليها والتي هي للذات المقدسة, هي عين الذات وليست زائدة عليها, فالعلم والقدرة هما عين الذات المقدسة, فالله هو العلم , والعلم هو الله, والقدرة هي الله والله هو القدرة, وهكذا بقية الصفات. ولو كانت هذه الصفات زائدة على الذات كما لو قلنا بان الله سبحانه ذات وله صفة العلم ,بأن كان العلم غيره وزائدا على ذاته, لزم من ذلك تعدد الذات, ومع ذلك تكون الذات مركبة من اجزاء , الذات والصفة, والتركيب بالنسبة الى الله تعالى غير ممكن أطلاقا لان التركيب من صفات الممكن, والذات المقدسة ذات بسيطة, صرف الوجود, وصرف الوجود لاتركيب فيه. فالصفات الثبوتية لله تعالى تأكيد على الكمال المطلق لله سبحانه والغنى المطلق لله, وهما يستدعيان ان تكون هذه الصفات غير زائدة على الذات ولا مغايرة لها مفهوما. وقد قال امير المؤمنين(ع)( فمن وصف الله فقد قرنه, ومن قرنه فقد ثناه, ومن ثناه فقد جزأه, ومن جزأه فقد جهله)( شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 1/72-73). بمعنى ان من وصف الله بصفة مغايرة لذاته وتكون زائدة على ذاته فقد حعله مقارنا لغيره, وهو الصفة, ومن جعله مقارنا ومغايرا لغيره فقد ثناه, بمعنى انه اول وهو الموصوف, وثاني وهو الصفة, ومن ثناه فقد جزأه, اي جعله ذا جزء مركب من ذات وصفة. وقد قال امير المؤمنين(ع) ( أول الدين معرفته, وكمال معرفته التصديق به, وكمال التصديق به توحيده,وكمال التوحيد الاخلاص له, وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه)( نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده 1/14_15 , تصنيف نهج البلاغة د. لبيب بيضون ص74) صفات الفعل ثم ان هناك صفاتا اخرى ثابتة لله سبحانه تسمى ب (( صفات الفعل)) مثل الرازقية والخالقية , والاحياء, والاماتة, وهي تلاحظ من خلال الفعل وهي من صفات الكمال, وكمالها بلحاظ قيوميته تعالى. الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل , ان صفات الذات لايمكن ان يتصف المولى بضدها, فعندما نقول الله عالم, لايمكن ان نقول انه عالم بكذا وغير عالم بكذا, أو عندما نقول الله قادر, لايمكننا ان نقول قادر على كذا وغير قادر على كذا..... الصفات السلبية |
الصفات السلبية
في مقابل الصفات الثبوتية والتي هي صفات كمال الله تعالى, هناك صفات تسمى بالصفات السلبية, وهي صفات تستدعي تنزيه المولى عن كل نقص وعجز وحاجة, لأن اثبات الكمال لله لايتم الا بنفي النقص عنه, وتسمى ب (( صفات الجلال والاكرام)) كما قال تعالى( تبارك اسم ربك ذي الجلال والاكرام) قد ذكر ان الصفات السبية ثمانية الاولى أنه ليس بمركب وذلك لانه ليس له اجزاء خارجية , وكذلك ليس له اجزاء ذهنية, كالانسان المركب من حيوان وناطق, فانه اذا كان مركبا لزم احتياجه الى تلك الاجزاء, لان المركب لايكون الا بأجزائه, والاحتياج من خواص الممكن, والله تعالى ليس كسواه من الممكنات, وليس كمثله شئ , ولايدرك بالحواس. الثاني انه ليس بجسم لان الجسم هو مايقبل ويستلزم الابعاد الثلاثة الطول والعرض والعمق, وما كان كذلك فهو يشغل حيزا من الفراغ والمكان مخلوق وممكن, والله يستحيل عليه ذلك لانه خالق المكان وليس كمثله شئ. ورد عن الصادق(ع) ( ان الله لايشبه شيئا ولايشبهه شئ, وكل ماوقع في الوهم فهو بخلافه)(التوحيد الصدوق ص80) والمقصود بالوهم الفكر والعقل وورد عنه (ع) ايضا ( ان الله تبارك وتعالى لايوصف بزمان ولامكان ولاحركة ولا انتقال ولاسكون, بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون والانتقال, تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا)( بحار الانوار المجلسي 3/309) الثالث ليس بمرئي لاتراه العيون ولاتدركه الحواس , لافي الدنيا ولا في الاخرة ويستحيل عليه ذلك, لان المرئي بحاسة البصر لابد ان يكون جسما وفي جهة مقابلة للرائي وذا صورة ومكان, والله سبحانه وتعالى منزه عن ذلك, فالرؤية بالعين والحاسة المدركة ممتنعة عليه لما ذكرنا, وقد قال تعالى( لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار) وقال تعالى( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب ارني انظر اليك قال لن تراني) وقد قال امير المؤمنين(ع) ( لم تره العيون بمشاهدة الابصار, ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان) وقالت فاطمة عليها السلام ( الممتنع عن الابصار رؤيته , ومن الالسن صفته, ومن الاوهام كيفيته) الرابع انه تعالى ليس محلا للحوادث والحوادث مثل الحركة والسكون, واليقظة والنوم, والقيام والقعود, والفرح والحزن, والرضى والسخط. وانما كان سبحانه منزها عنها , لان هذه الامور من لوازم الجسم والله تعالى منزه عن الجسمية, اي ليس بجسم, ولان هذه الامور دليل العجز والنقص, لانها تستدعي الانفعال والتأثر والتغيير , وهو تعالى منزه عنها, ولأن هذه الامور عوارض حادثة مخلوقة لله سبحانه, ويستحيل اتصاف الخالق بها, وقد قال تعالى ( لاتأخذه سنة ولا نوم) وما ورد في الايات والروايات من وجود مثل هذه الامور , مثل قوله تعالى ( رضي الله عنهم ورضوا عنه) ومثل ( فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم اجمعين) ومثل ( غضب الله عليهم) , ليس ناظرا الى نفس الرضا والغضب, وانما هي ناظرة الى آثار الرضا والغضب ونتائجهما, فمعنى ( رضي الله عنهم) اي اكرمهم واحسن اليهم, ومعنى( غضب عليهم) عاقبهم وعذبهم , وهكذا بقية الايات , فالنظر فيها الى نتائجها لا الى مباديها. الخامس انه تعالى لايحل في غيره ولايتحد مع غيره وذلك لان الحال يحتاج الى محل يحل فيه , والاحتياج من خواص الممكن, فلايمكن ان يتصف به واجب الوجود..... هذا اولا وثانيا ان الحلول في مكان يستلزم خلوه من مكان اخر , والله سبحانه موجود في كل مكان لابمداخلة وامتزاج , ولا يخلو منه مكان لابمفارقة. وثالثا ان الحلول في شئ يقتضي ان يكون جسما , والله سبحانه منزه عن الجسمية, واما الاتحاد وهو صيرورة شيئين شيئا واحدا بلا زيادة او نقيصة , فهو محال ايضا للمغايرة بين المخلوق والخالق. وايضا المتحدان ان بقيا بعد اتحادهما فهما اثنان لا واحد, وان عدما فلا اتحاد ابدا, وان عدم احدهما وبقي الاخر يتحقق الاتحاد , لان المعدوم لايتحد مع الموجود , ومنه نستخلص بطلان الاتحاد , فكيف ذلك لله تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وقد ورد عن ابي عبد الله (ع) ( ان الله تبارك وتعالى خلو من خلقه وخلقه خلو منه) ( بحار الانوار 3/263 ح 20) السادس انه ليس بمحتاج الى شئ ليس بمحتاج الى شئ , لا في ذاته ولا في صفاته, بل هو الغني . ومعنى الغني هو عدم الحاجة, وانه غني بنفسه عن غيره, ولذلك لايستعين بأحد ولا بآلة او غيرها, ولايشاركه احد , بل له الغنى المطلق عن كل شئ, فلا علاقة له بصفاته ابدا لافي ذاته ولا في صفاته, وايضا الحاجة مختصة بمن يجوز عليه الضرر والنفع, والله تعالى لايصح عليه ذلك , وايضا هو تعالى قديم , والقديم هو المتقدم على كل شئ, فيثبت انه غني عن الكل . السابع انه تعالى لايفعل القبيح لان فعل القبيح نقص, والنقص محال على الله تعالى, ولايليق به من اي وجه من الوجوه, تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. الثامن انه تعالى لايشبهه شئ من مخلوقاته وهذا امر بديهي , لان كل صانع مغاير لمصنوعه, والخالق مغاير لمخلوقه ولو بالخلق والصانعية, قال تعالى( ليس كمثله شئ) من خلال هذا الاستعراض للصفات السلبية , ندرك انه تعالى ليس بجوهر لان الجوهر جسم , وهو ايضا ليس بعرض لان العرض هو ما يتقوم بغيره, مثل الضحك والبكاء وامثال ذلك , وعلى هذا الاساس لا كم له ولا كيف ولارتبة ولا اضافة , لانها كلها من خواص الجسم. وخلاصة القول انه تعالى لاتدركه العقول , ولاتحيط به الاوهام والافكار والخواطر, ولايوصف بوصف يؤدي الى تحديده لاداعي لحصر الصفات في عدد |
لاداعي لحصر الصفات في عدد
من خلال ماذكرنا من ذكر الصفات الثبوتية للذات المقدسة, يطهر ان ماذكره العلماء رضوان الله عليهم من ان عددها ثمانية, وبعضهم جعلها اكثر من ذلك, محل تأمل وكلام, فان هناك من يذكر غير ذلك , ومحصله اولا ان هذه الصفات هي اعتبارات تدركها عقولنا بالنظر الى آثارها الصادرة عنه, ومرجعها الى اثبات الكمال للذات المقدسة, وانه تعالى له الكمال المطلق والغنى المطلف, فكل ماهو كمال ثابت له تعالى ومتصف به , الا ان هذه الصفات ليست زائدة على ذاته بل لايوجد في الوجود الا ذات واحدة واجبة الوجود , وكما قال امير المؤمنين (ع) ( وكمال توحيده الاخلاص له , وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه, لشهادة كل صفة انها غير الموصوف, وشهادة كل موصوف انه غير الصفة)( نهج البلاغة شرح محمد عبده 1/15) وثانيا انه لاداعي لحصر الصفات بعدد, كما اوضحنا واشرنا الى هذا المعنى , ولا تنافي ايضا في اختلاف العبارات في تعداد الصفات وارجاع بعضها الى بعض, مادام القصد هو معرفة الخالق وتقريب الاغهام الى ذلك. والحال بالنسبة الى الصفات السلبية لايختلف عن الصفات الثبوتية,فان كل ماهو موجب للنقص والعجز فهو منفي عنه تعالى, وكل مايستوجب تنزيهه تعالى عن النقائص والعجز والحاجة فهو ثابت له , ولذلك ذكرنا انه لايعرض عليه التغيير والتبديل , والحركة والسكون, والصفات المتجددة كالطول والعرض, والانفعالات التي هي من عوارض الاجسام كاللذة والالم والحزن والفرح وغير ذلك. هذه عقيدة الشيعة في الاعتقاد بالله سبحانه وتعالى وصفاته. والاعتقاد بخلاف ماذكرنا من الصفات الثبوتية والسلبية خروج عن الاعتقاد الصحيح السليم, ثبتنا الله بالقول الثابت, وهدانا الى الحق المبين والصراط المستقيم. عود على بدء (1) ان مااشرنا اليه في مبحث الصفات هو خلاصة ماينبغي ان يقال . (2) ان الكلام فيها انما هو بحدود عقولنا ومعرفتنا, فانه من الممتنع علينا والمستحيل معرفة الذات المقدسة على حقيقتها, وكذلك من الممتنع علينا معرفة حقيقة الصفات’ لما اشرنا اليه من ان صفاته عين ذاته, وما نذكره من الوصف انما هو على قدر عقولنا وادراكنا. (3) كما ان مايذكر من الصفات له تعالى في حدود ماوصف به نفسهوما ورد في القران الكريم والسنة الشريفة ولانتجاوز ذلك. (4) ان الصفات التي يمكن ان تطلق على الخالق وعلى المخلوقات بمعنى واحد, وانما تطلق على الخلق باعتبار المبادئ التي توجب العلم والغضب والرحمة, واما بالنسبة الى الخالق والموجد فتطلق عليه وتنسب باعتبار غاياتها, فتطلق الرحمة او ( رحيم) على الخالق باعتبار الثواب والاحسان الى المخلوق, والغضب _ مثل ( غضب الله عليهم)_ باعتبار العقاب والعذاب للعباد , وهكذا وقد تقدمت الاشارة الى ذلك عقيدتنا في التوحيد |
عقيدتنا في التوحيد
يعتقد الشيعة بوحدانية الله المطلقة, اي انه تعالى واحد احد فرد صمد لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا احد, فهو واحد في الذات وواحد في الصفات, وواحد في الافعال, وواحد في العبادة. واحد في الذات واحد لاشريك له ولاضد له ولا ند له. واحد في الصفات صفاته عين ذاته وليست زائدة عليها_ كما تقدم_ واحد في الافعال فهو الخالق والرازق, القيوم على كل شئ. واحد في العبادة لارب يعبد سواه, ولاتصح العبادة لغيره, ولانعبد الا اياه مخلصين له الدين وقد تكلم القران الكريم في التوحيد بشكل صريح بآيات بينات , كما ان السنة الشريفة أشارت الى التوحيد كذلك بما يتلائم والفطرة والعقل ويحكي الواقع الذي يرتقي الى الكمال في الايمان واليقين بالله ووحدانيته. واحد في الذات قال تعالى(والهكم اله واحد لا اله الا هو الرحمن الرحيم) وقال تعالى( لو كان فيهما آالهة الا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون) وقال تعالى( ياايها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والارض لا اله الا هو فأنى تؤفكون) وقال تعالى( قل انما انا بشر مثلكم يوحى الي أنما الهكم اله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولايشرك بعبادة ربه احدا) اما السنة فقد تحدثت عن ذلك بشكل واسع , وهي في نفس الوقت تحكي منطق العقل ودليل العقل. قال امير المؤمنين(ع) لولده الحسن(ع) (واعلم يابني, انه لو كان لربك شريك لاتتك رسله , ولرأيت آثار ملكه وسلطانه, ولعرفت افعاله وصفاته, ولكنه اله واحد كما وصف نفسه , لايضاده في ملكه احد, ولايزول ابدا ولم يزل, اول قبل الاشياء, بلا اولية, واخر بعد الاشياء بلا نهاية)( شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 16/77) وقد ورد في جواب الامام الصادق(ع) للزنديق ( ثم يلزمك ان ادعيت اثنين - الهين- فلا بد من فرجة بينهما- اي فاصل- حتى يكونا اثنين, فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما, فيلزمك ثلاثة, وان ادعيت ثلاثة لزمك ماقلنا في الاثنين حتى يكون بينهما فرجتان فيكونوا خمسة , ثم يتناهى في العدد الى مالانهاية في الكثرة) (بحار الانوار المجلسي 3/230 ح 22 ) واما العقل , فقد اشار العلماء الى الدليل العقلي على التوحيد مضافا الى ما ورد في الدليلين المتقدمين في السنة الدليل الاول مايعرف بدليل الاثر وحاصله انه لو كان شريك لله شريكا لعرف هذا الشريك بأثره , كأن يخلق خلقا غير ماخلقه الله, أو يرسل رسولا ينبىء عنه ويدل عليه, أو يكون له ملائكة, لأن وجود الاثر دليل على وجود المؤثر, وعدمه دليل على عدمه. وقد حصل لنا بالتتبع والآثار أنه ليس هناك أثر لغير الله سبحانه ولا جاء رسول واخبر عن وجود اله أو آلهة غير الله, فنعرف من هذا عدم وجوده. وكما قال أمير المؤمنين (ع) لولده الحسن(ع) ( لو كان لربك شريك لاتتك رسله, ولرأيت آثار ملكه وسلطانه). الدليل الثاني أنه لو كان لله شريك لزم وجود مايمتاز به احد الالهين عن الاخر يعرف به ويشار به اليه, فيكون كل منهما محتاجا الى هذا المائز, والاحتياج ليس من شان وصفات واجب الوجود , وانما هو من صفات الممكن , فكل ممكن محتاج , والله تعالى هو الغني. الدليل الثالث انه لو كان لله شريك , فلا يخلو الامر فيهما من احد امور ثلاثة ( أما ) ان يكونا قادرين على اقامة النظام ( واما ) ان يكونا غير قادرين معا على ذلك ( واما) أن يكونا مختلفين في ذلك, بأن يكون احدهما قادرا, والاخر عاجزا, فان كانا قادرين معا, كان احدهما لغوا لاحاجة له. وان كانا عاجزين معا عن ذلك, كان كلاهما عبثا. وان كان احدهما قادرا والاخر عاجزا, تثبت الالوهية للقادر وتنتفي عن العاجز. قتثبت الالوهية لله الواحد القهار من دون شريك. هذا... والادلة كثيرة على وحدانية الله سبحانه, ويكفي مااشرنا اليه وما تقدم من كلام الائمة عليهم السلام , كما قال الامام الصادق عليه السلام في جوابه للزنديق( فلما رأينا الخلق منتظما, والفلك جاريا, واختلاف الليل والنهار والشمس والقمر, دل صحة الامر والتدبير وائتلاف الامر على ان المدبر واحد)( بحار الانوار 3/230 باب التوحيد ونفي الشريك عنه, حديث 22 , توحيد الصدوق ص244 ب 36 الرد على الثنوية والزنادقة ح1) فأن من يرى التناسق والاحكام والاتقان والتدبير في الموجودات , في وضعها, وفي مسيرتها, وفي حركتها وسكونها,وفي السماوات كيف حفظت وقامت دون عمد ترونها, وفي الارضين كيف سطحت, وفي الجبال كيف قامت وفي الانهار كيف تدفقت وجرت مياهها, وفي البحار كيف هي, وكيف بقيت وكيف تحركت فيها السفن تمخر عبابها, وكيف تعيش فيها الاسماك والحيوانات الاخرى..... ولو نظرت الى الترابط القائم بين هذه الموجودات وكأنها جهاز واحد ووجود واحد....... واذا كررت النظر والتأمل في هذا النظام الكوني العجيب والواسع , وجدت انه - بالاضافة الى ترابطه مع بعضه- بعيد عن الفساد وليس فيه خلل , وانما هو يسير بكامل الدقة ويتحرك من خلال نظام معين له ومحسوب له........ كل هذا يدل على ان الخالق له والموجد له واحد لاشريك له, كما قال تعالى( لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا) وكما قال سبحانه( ما أتخذ الله من ولد وما كان معه من اله اذا لذهب كل اله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون) وسأل هشام بن الحكم الامام الصادق عليه السلام ( ما الدليل على ان الله واحد؟ قال عليه السلام اتصال التدبير , وتمام الصنع , كما قال الله عزوجل ( لو كان فيهما آاهة الا الله لفسدتا) فالتوحيد امر فطري يعيش في وجدان الانسان وتوجه اليه تلقائيا كما حكته الاية الكريمة( واذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون الا اياه فلما نجاكم الى البر أعرضتم وكان الانسان كفورا) فالايات الكريمة اكدت ذلك, والروايات الشريفة الواردة عن اهل بيت العصمة عليهم السلام اثبتت ذلكووالقران كتاب ينطق بالحق عن الحق, واهل بيت العصمة عليهم السلام هم معدن الحكمة وترجمان الوحي. وبهذا يتأكد انه تعالى واحد في الذات واحد في الصفات |
واحد في الصفات
بمعنى ان صفاته تعالى , عين ذاته لانها اذا لم تكن عين ذاته كانت زائدة عليها, واذا كانت زائدة يلزم من ذلك التعدد, لان الموصوف غير الصفة, والصفة غير الموصوف. وقد قال امير المؤمنين عليه السلام ( فمن وصف الله فقد قرنه, ومن قرنه فقد ثناه, ومن ثناه فقد جزأه, ومن جزأه فقد جهله, ومن جهله فقد أشار اليه, ومن أشار اليه فقد حده, ومن حده فقد عده). ( شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 73-1/72 ) فمعنى عينية الصفات وانها عين الذات, هو انه تعالى ليس ذاتا مع زيادة هي الصفة كالانسان والموجودات الاخرى, والا لزم التعدد والاثنينية, اي ذات وصفة, وهو محال على الله تعالى , لانه يلزم التركيب والاشراك. فصفاته تعالى هي نفس الذات , وهي مفاهيم عقلية تنطبق في الواقع على الذات وهي عينها ومتحدة معها, بلا زيادة ولا مغايرة ولاتركيب ولاتكثر فيها, فالله هو الحي, والحي هو الله, وهذا نظير قولنا الوجود موجود , والضوء مضيء , فالوجود هو عين الموجود ونفسه, والموجود هو الوجود وعينه, والضوء هو المضيء, والمضيء هو الضوء ذاته وعينه. وقد ورد عن الامام الصادق عليه السلام انه قال ( لم يزل الله جل وعز ربنا, والعلم ذاته ولامعلوم, والسمع ذاته ولا مسموع, والبصر ذاته ولامبصر , والقدرة ذاته ولا مقدور). ( الكافي , الكليني 1/107 صفات الذات ح 1 توحيد الصدوق ص 139 ب 11 صفات الذات ح 1) فالحاصل ان صفاته عين ذاته , وكل كلام غير هذا ,أو توجيه غير هذا , يؤدي الى ان نقول ان الله سبحانه جسم , وهو نقص ومحال عليه, تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وعلى هذا الاساس , فما ورد في السنة الشريفة من اسمائه الحسنى وتعددها, فهي لاتعني تعددا في الذات , وانما الذات المقدسة واحدة, وهذه اسماء تعبر عنها من دون اختلاف ولا حدود بينها , فهو تعالى القادر , وهو الحي, وهو العالم, وهو القيوم , وهو المختار, وهو المريد, وهو لاند له ولا ضد له...... وهكذا. واحد في الافعال لان الله تعالى قادر, والقادر لايحتاج الى عون في افعاله وتصرفاته, فهو يخلق ويرزق, ويحيي ويميت, ويعطي ويمنع, من دون معاونة احد ولامشاركة احد, ولا افتقار الى احد, والا فاذا لم يكن قادرا ولم يكن له تمام القدرة على كل شئ كان عاجزا , والعجز نقص وافتقار, والله تعالى هو الغني غنى كاملا. واحد في العبادة فلا تجوز عبادة غير الله تعالى ابدا, ولا التوجه الى سواه في شيء من الاشياء, ولايجوز اشراك احد معه في العبادة بأي شكل من اشكال العبادة وانواعها, وبأي شكل من اشكال الاشراك , ومن اشرك بعبادة ربه فهو مشرك كافر خارج عن الاسلام وحكمه حكم الكافرين بعض الافتراءات على الشيعة فيما يتعلق بالتوحيد ومن هنا نقول ان الشيعة لايعبدون الا الله وحده لاشريك له , ولا يؤلهون احدا غير الله تعالى وما يتهم به الشيعة من انهم يعبدون الائمة ويتوجهون اليهم ويستجيرون بهم , فهو قول باطل وافتراء واضح, وبهتان عليهم في غير ما يعتقدون , وزور عليهم في غير ما يؤمنون به , وحقد وعداوة يبثها عليهم الطغاة المردة والمستكبرون من اهل الشقاق والنفاق, وممن خافوا على مراكزهم ودنياهم, وباعوا حظهم ودينهم بالثمن البخس والدنيا الزائلة. بل الائمة عليهم السلام بشر, والبشر لايعبدون, والعبادة انما هي لله وحده , الواحد الاحد الفرد الصمد, الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوا احد. زيارة القبور واما زيارة القبور, فلا تعني العبادة ابدا , والشيعة عندما يزورون قبور الائمة والاولياء لايقصدون العبادة, وانما قصدهم نوع من انواع التقرب الى الله سبحانه, كما في زيارة الاخ لاخيه المؤمن, وزيارة المريض المؤمن, وتشييع جنازة المؤمن, فان فيها تقربا الى الله سبحانه, فكما ثبت في الشرع الحنيف ان هذه الامور مستحبة, ويتقرب بها الى الله تعالى, كذلك ثبت بالدليل الشرعي ان زيارة قبور الائمة عليهم السلام ويتقرب بها الى الله تعالى. واذا كانت زيارة القور من الباطل عند بعض المذاهب, فهذا لايلزم كونه كذلك عند غيرهم, اذ لايلزم مما هو باطل في بعض المذاهب ان يكون باطلا في بقية المذاهب الاخرى. كما ان من لايملك دليلا على استحباب شئ او وجوبه , لايصح له ان يفترض البطلان في راي وطريقة من لديه الدليل على احدهما. وكذلك فأن من لايملك الدليل والحجة والبرهات على شئ , أو كان لديه دليل على العكس , لايصح له ان يكفر من يرى الجواز أو الرجحان بالحجة والبرهان, فأن ذلك ليس من موارد الحكم بالكفر, بل هو من التكفير بدون دليل, بل ان التكفير في هذا الحال من القول بلا علم , بل جهل وجرأة على الله تعالى وضلال كبير, وقد ورد في بعض الاخبار ان من يكفر الناس هو الكافر. وما هذه الامور التي نسمعها والتي يطلقها البعض , من تكفير الناس , وابطال أعمالهم , واجبارهم على طريقتهم, الا تحجر وتشنج وسفاهة رأي . على ان زيارة القبور ليست من مختصات الشيعة, فغير الشيعة لديهم من الاحاديث والاراء والطرق في زيارة القبور ماليس عند الشيعة ولا يقولون به ابدا, فليراجع من اراد الاطلاع على هذا الامر راي غيرنا, وكتب غيرنا, وطريقة غيرنا في زيارة القبور, وخاصة قبور الاولياء والصالحين, ثم ليتكلم بعدها بما شاء. ان الشيعة يعتقدون في الائمة الاثني عشر انهم بشر وعباد مكرمون ( لايسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) ليسوا بآلهة حتى يعبدوا , بل الاله هو الله وحده لاشريك له ولامعبود غيره, ولاتصح العبادة لسواه, فليتق الله من يرمي الشيعة بغير هذا, ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. واخيرا فأن ماذكرناه من صفات الله سبحانه وتعالى قد لايكون واضحا تماما ولكنه محاولة للتأكيد على ان الله سبحانه له الكمال المطلق والغنى المطلق , ويتصف بكل صفات الكمال والجمال. لذلك تبقى هذه المحاولة قاصرة, لمحدودية الانسان في واقعه من جميع الجهات, ولقصور اللغة في الوصول الى ذلك ايضا , ولذلك فأن اهم نقطة نعرف فيها صفاته وتؤكد الكمال المطلق له والغنى المطلق له , هو ان نعرف انفسنا معرفة تامة, عندئذ نعرف الله من صفاته وكماله. انه تعالى غيرنا تماما, فنحن محدودون في الوجود, وفي الصفات, وفي الزمان, وفي المكان, وفي الحاجة والافتقار, وفي كل شئ , والله سبحانه ليس كذلك , فهو غير محدود بشئ ابدا. وخير مايعتمد عليه في هذاهم اهل البيت عليه السلام يقول امير المؤمنين عليه السلام ( من عرف نفسه , فقد عرف ربه)( شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 20/292) وورد عنه عليه السلام قوله( ليس لصفته حد محدود, ولانعت موجود, ولاوقت معدود, ولااجل ممدود)( شرح نهج البلاغة 1/57) وعن الامام ابي جعفر الباقر عليه السلام انه قال ( كل ماميزتموه باوهامكم في ادق معانيه, مخلوق مصنوع مثلكم, مردود اليكم, ولعل النمل الصغار تتوهم ان الله تعالى زبانتين( الزباني هو الاداة التي تلسع بها النملة عدوها) , فان ذلك كمالها, وتتوهم ان عدمهما نقصان لمن لايتصف بهما , وهذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به)( بحار الانوار 66/ 293 , الانوار النعمانية ج 1 ص 9 ) العدل |
العدل
يؤمن الشيعةايمانا جازما قاطعا بالعدل الالهي , ويعتقدون به عقيدة راسخة ثابتة, وانه من صفات الله سبحانه. قال تعالى( ان الله لايظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظيما) وقال تعالى(ان الله لايظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون) وقال امير المؤمنين عليه السلام( التوحيد ان لاتتوهمه, والعدل ان لاتتهمه)( نهج البلاغة شرح الشيخ محمد عبده 4/108 رقم 470) وقد ورد في حديث مرفوع الى الامام الصادق عليه السلام انه سأله رجل فقال له ( ان اساس الدين التوحيد والعدل , وعلمه كثير, ولابد من للعاقل منه, فاذكر ما يسهل الوقوف عليه ويتهيأ حفظه؟ فقال عليه السلام عليه السلام اما التوحيد فأن لاتجوز على ربك ماجاز عليك, واما العدل فأن لاتنسب الى خالقك مالامك عليه) ( بحار الانوار المجلسي 4/ 264) معنى العدل ومعنى العدل ان الله سبحانه لايفعل القبيح اطلاقا, ولايظلم احدا ابدا,وذلك لعموم القدرة على ذلك وغناه عنه. توضيح ذلك ان القادر على كل شئ لايمكن ان يظلم احدا, والغني غير محتاج الى الظلم, وقد قال الامام زين العابدين عليه السلام في بعض ادعيته( وقد علمت انه ليس في حكمك ظلم ولا في نقمتك عجلة, وانما يعجل من يخاف الفوت, وانما يحتاج الى الظلم الضعيف, وقد تعاليت ياالهي عن ذلك علوا كبيرا) ( الصحيفة السجادية الكاملة ص-284-285, من دعائه عليه السلام يوم الاضحى ويوم الجمعة). فالذي يخاف فوت الفرصة يسارع لاغتنامها ويعمل على استيفائها, ومن يخش الموت يستبق الامور, والذي يفتقر الى غيره هو الناقص, والذي يحتاج الى الظلم هو الضعيف, والله تعالى منزه عن ذلك كله, فهو القوي القادر القاهر, وبيده الامور والاسباب, غني عن كل احد , فكيف يظلم؟. لايفعل القبيح مع قدرته عليه ثم ان ماذكرناه من انه لايفعل القبيح اطلاقا, ليس معناه انه غير قادر عليه وممتنع عليه ذاتا, وانما هو قادر عليه ولكن لايفعله ( اولا) لانه غني عن القبيح, ولعدم احتياجه اليه, ولكماله المطلق (ثانيا) لان مقتضى العدل ان تكون افعاله كلها وفق الحكمة ووفق الاغراض والمصالح السامية التي فيها صلاح البشر وكمالهم, ولا حكمة في القبيح, وكذلك لاحكمة في الافعال الخالية من الاغراض الخالية من الاغراض السامية والمصالح للعباد , ولاجل ذلك لايامر الله الا بما هو حسن , ولاينهى الا عما هو قبيح , ولايصدر منه العبث وما لافائدة فيه, لانه حكيم ولا يفعل شيئا الا لغرض ومصلحة, ولكن الغرض وتلك المصلحة تعود على العباد, ولاتعود عليه لانه تعالى غني عن كل شئ. الحاصل ان من موجبات العدل ان تكون افعاله تعالى اختيارية لانها واقعة وفق الحكمة والمصلحة للعباد. فاتضح لنا ان العدل هو تنزيه الله تعالى عن كل نقص وقبيح, ولذلك لايظلم ربك احدا, ولايظلم مثقال ذرة في الارض ولا في السماء. اهمية العدل وما يترتب عليه ثم ان العدل اساس واصل مستقل من اصول الدين عند الشيعة, وانما اعتبر كذلك لتوقف امور عديدة عليه منها النبوة والامامة والمعاد. فان هذه الامور مما يقتضيها العدل الالهي , فان حفظ البشر في كافة شؤونهم والسير بهم الى مافيه الصلاح والسداد في الدنيا, وما فيه الخير والسعادة لهم في الاخرة, وايصال التكاليف المتعلقة بذلك يتوقف على هذه الامور, وهذه الامور وجدت بالعدل , وبه اثبتت, لتكون لله سبحانه الحجة البالغة, ولاهمية هذه الامور عقدنا لها فصولا مستقلة. ويترتب على القول بالعدل والاعتقاد به امور اخرى مهمة ايضا منها التكليف باحكام الشريعة, لان فيه صلاح الناس وسعادتهم وانتظام امورهم. ومنها كون افعال العباد اختيارية غير مجبرين عليها ولامفوضين فيها, وانما هم يتصرفون ويوجدون اعمالهم وافعالهم بمحض ارادتهم واختيارهم, وان كان تمكينهم منها بقوة الله ومشيئته. وغير ذلك كالبداء والقضاء والقدر ونشرع الان بالحديث عن بعض مقتضيات العدل بشئ من التفصيل بعض مقتضيات العدل الالهي (1) مايقتضيه العدل في التكليف نعتقد ان ( تكليف الناس) لطف من الله تعالى, وانه من مقتضيات العدل الالهي والحكمة البالغة لله سبحانه , وذلك لانه يقبح على الله تعالى ان يترك العباد هملا بلا تكليف ولا تعليم كالبهائم مع مامنحهم من العقل والاختيار, ولتكون لله الحجة البالغة على عباده. التكليف ضرورة ففي التكليف صلاح الناس وسعادتهم وانتظام امورهم, لتجنيبهم ارتكاب القبائح والوقوع في المفاسد, وبه ايضا تحقيق الغاية السامية التي من اجلها وجدوا, الا وهي عبادة الله والخضوع له, قال تعالى ( وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون). فالتكليف ضرورة لازمة , لان صلاح العباد وسعادتهم وانتظام امورهم وشؤونهم لايتم الا به, وذلك لان الانسان - الذي هو اشرف المخلوقات والذي يدرك انه لم يخلق عبثا, ولم يوجد بلا غاية- يسعى بطبيعته الى التكامل في وجوده, ولايمكنه الوصول الى الكمال والى تحقيق الهدف والغاية التي من اجلها كان ايجاده , لقصور عقله عن ادراك مافيه خيره وصلاحه وسعادته, ولعجزه عن الوصول الى الغاية السامية بذاته, ولو كان في عقله الغنى والقدرة على ادراك الصلاح والفساد لما وقع الخلاف والاختلاف بين الناس , ولذلك كان لابد من وضع القوانين والتشريعات له, وان يكلف بما يحقق له الخير والصلاح ويمنعه عن الشر والفساد من طريق الوحي والرسالات السماوية. ومن هنا كان التكليف ضرورة, وكان لطفا ورحمة للعباد, فحاجة الانسان للتكليف كحاجة النبات الى الماء , فبدون التكليف لايمكن ان يصل الانسان الى الكمال, ولايمكن ان يحقق آماله وطموحاته في الدنيا والاخرة, وحتى تكون الكلمة التامة والحجة البالغة لله سبحانه على العباد, كان التكليف. لابد في التكليف من اقامة الحجة ثم ان لابد في التكليف الذي تلزم طاعته وينهى عن تركه ومخالفته, ان يكون ضمن شروط احدها ان لايكون التكليف الا بعد اقامة الحجة والحجة قائمة وهم الانبياء والرسل والاوصياء والعقل. ثانيهما ان يكون التكليف متقدما على الفعل زمانا كي يتمكن المكلف من ايقاعه فيه ثالثهما ان لايكون التكليف فوق الجهد والطاقة, فما لايطيقونه لم يكلفهم به الله ( لايكلف الله نفسا الا وسعها) ويقبح تكليف العاجز عقلا. رابعها ان يكون التكليف واصلا الى المكلف وعلوما ومعروفا لديه, والا فلا تكليف. خامسها ان تتوفر شرائط التكليف لدى المكلف , وهي البلوغ والعقل والقدرة , فلا يكلف الصبي , ولايكلف المجنون, ولايكلف العاجز (2) مايقتضيه العدل في افعال العباد |
(2)
مايقتضيه العدل في افعال العباد لاجبر ولاتفويض من مقتضيات العدل الالهي ان تكون افعال العباد اختيارية لهم غير مجبرين عليها , ولا فوض الله اليهم امرها , بل كما ورد عن اهل البيت عليهم السلام في شان هذه المسألة التي شغلت بال الفلاسفة والمتكلمين من المسلمين ردحا طويلا من الزمن ( لاجبر ولاتفويض , ولكن امر بين امرين)( بحار الانوار المجلسي 5/17 ب 1 من ابواب العدل ح 27 , الكليني 1/ 160 باب الجبر والقدر والامر بين الامرين ح 13) هذه الحقيقة التي بينها الائمة الطاهرون عليهم السلام هي وسط بين القولين . نظرية الامر بين الامرين وحاصل هذه الحقيقة ان الافعال التي تصدر عن العبد هي فعل له , وصادرة منه , ومقصودة له , وتحت ارادته واختياره وقدرته,ولذلك ينسب الفعل له فيقال ( ضرب وقتل فلان فلانا) ( اكل فلان) وهكذا... والله سبحانه وتعالى هو الذي ملكنا ومكننا من هذه القوة والقدرة والارادة والاختيار, لان الوجود والايجاد منه تعالى, ومنه تفيض كل القوى المودعة في الانسان, وهذا امر طبيعي وواضح في وجود الانسان وافعاله وضوح الشمس. وبعبارة اخرى ان قانون العلية والمعلولية قائم حتى في هذا الامر , فان افعال العباد لابد في وجودها من علة تستند اليها , وتلك العلة هي ارادة العبد واختياره, فان للانسان وصفاته الذاتية واخلاقيلته وارادته واختياره اثرا في ذلك. وهكذا اراد الله سبحانه بان يخلق الانسان فاعلا مختارا وله الحرية في اعماله. بطلان القول بالجبر الا ان هذا الاقدار والاختيار من الله للعبد لم يجعل الله جابرا للعباد على افعالهم, والا لما صح بيانه وامره لما يريد , ومعه ونهيه عما لايريد, ولابد من الامر والنهي منه تعالى, لتكون الحجة البالغة لله على العباد , وليتحرك العبد في اطار مايصلحه ويسعده. وايضا لو لم يكن العمل فعل العبد ومنسوبا له لما صح لله تعالى ان يثيبه على الطاعة وان يعاقبه على المعصية, بل يستحيل على الله ذلك اذا كانت الطاعة والمعصية فعله سبحانه, وكان العبد مجبرا عليهما ولادخل له فيهما ابدا, لانه خلاف العدل. ولقد فسر الشيخ المفيد ( الامر بين الامرين) بقوله ( ان الله تعالى اقدر الخلق على افعالهم, ومكنهم من اعمالهم , وحد لهم الحدود في ذلك, ورسم لهم الرسوم ونهاهم عن القبائح بالزجر والتخويف, والوعد والوعيد, فلم يكن بتمكينهم من الاعمال مجبرا لهم عليها, ولم يفوض اليهم الاعمال , لمنعهم من اكثرها) ( تصحيح اعتقادات الامامية الشيخ المفيد ص 47) وخلاصة القول اما ان نقول بان العبد مختار في افعاله ومنسوب اليه الفعل - اي هو الذي فعل- فلا بد من مدحه على الطاعة وذمه على المعصية, لان الفعل فعله والعمل عمله, ولاجبر من المولى ابداو وهذا هو العدل. واما ان نقول بان الفعل هو فعل الله , وان العبد مثله مثل الالة الصماء , وحينئذ فلا معنى للثواب له على الطاعة ولامعنى للعقاب له على المعصية , وهذا هو الجبر , سبحانه اعز واكرم وارفع من ان يجبر العبد على الفعل ثم يعاقبه عليه. بل القول بالجبر فيه ظلم لله سبحانه, لانه عبارة عن نسبة ماهو باطل اليه, تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فانه سبحانه منزه عن كل ماهو قبيح وباطل. بطلان القول بالتفويض واما التفويض , فلا يعقل قبحا عن القول بالجبر , فان من ادعى- كما قال اليهود- انه تعالى فوض افعال العباد اليهم يتصرفون حسب مايريدون , ورفع قضاءه وتقديره وقدرته عن هذه الافعال , فقد ادعى باطلا, ونسب اليه العجز والنقص , وابطل امر الله ونهيه. واوجه في بطلان هذا القول اولا انه يلزم خروج الله عن سلطانه وتنازله عن ملكه وثانيا يلزم ان يكون لله شركاء في الخلق والحكم, وهو ظلم كبير ( ان الشرك لظلم عظيم) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. الاحاديث الواردة في بطلان التفويض والجبر وقد اوضح الائمة الاطهار هذه المسألة بشكل يزيل الشك والشبهة عن النفوس والعقول ويجعلها تعيش حقيقة الواقع الذي اراده الله لنا. وهذه جملة من الاحاديث الشريفة التي تؤكد هذا المعنى فعن الامام الرضا عليه السلام انه قال ( خرج ابو حنيفة ذات يوم من عند الامام الصادق عليه السلام فاستقبله موسى بن جعفر عليه السلام فقال له ياغلام ممن المعصية؟ قال عليه السلام لاتخلو من ثلاثة,اما ان تكون من الله وليست منه - اي من العبد- فلا ينبغي للكريم ان يعذب عبد بما لم يكتسبه. واما ان تكون من الله عز وجل ومن العبد , فلا ينبغي للشريك القوي ان يظلم الشريك الضعيف. واما ان تكون من العبد , وهي منه, فان عاقبه الله فبذنبه, وان عفا عنه, فبكرمه وجوده) (بحار الانوار المجلسي 5/4 ب 1 من ابواب العدل ح2) وفي حديث اخر , ان ابا جعفر الباقر عليه السلام قال للحسن البصري ( اياك ان تقول بالتفويض , فان الله عزوجل لم يفوض الامر الى خلقه وهنا منه وضعفا, ولا اجبرهم على معاصيه ظلما) ( بحار الانوار 5/17 الباب السابق ح 26 ) وعن المفضل , عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام قال ( لاجبر ولا تفويض , ولكن الامر بين امرين. قال قلت ما امر بين امرين ؟ قال عليه السلام مثل ذلك مثل رجل رايته على معصية فنهيته فلم ينته فتركته, ففعل تلك المعصية, فليس حيث لم يقبل منك فتركته, كنت انت الذي امرته بالمعصية) ( المصدر السابق ح 27 الكافي الكليني 1/ 160 باب الجبر والقدر والامر بين امرين ح 13) توضيحات الجبر والتفويض يستلزمان نسبة الظلم والعجز الى الله من يقول بالجبر بمعنى ان الله تعالى امرنا بالمعصية وعاقبنا عليها, فقد ظلم الله بذلك, حيث جعل المعصية منه تعالىو والله يقول ( ولايظلم ربك احدا) ( ذلك بما قدمت يداك وان الله ليس بظلام للعبيد) ( ان الله لايظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون) والله يكذب من يقول بالجبر, حيث يقول ( بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون) ( ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزا حكيما ) ومن قال بالتفويض فقد نسب الى الله العجز, واوجب على الله قبول كل ما عملوا من خير أو شر, وابطل امر الله تعالى ونهيه بذلك, وكانوا شركاء لله في ذلك , للاهمال الذي وقع منه , تعالى الله عن ذلك كله علوا كبيرا. بل الله سبحانه له الامر والقوة والقدرة والتدبير, والسلطان المطلق في كل شيء , خلق الخلق فامرهم بطاعته , ونهاهم عن معصيته, واحتج عليهم برسله , وقطع عذرهم بكتبه, ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون , ويستوجبون بطاعتهم الثواب , وبمعصيتهم العقاب . فالعبد هو الذي يفعل العمل الصالح الذي امره الله به, ويرتكب العمل السيء الذي نهاه عنه , بالقدرة والاختيار يعمل الخير الذي امر الله به, ويعمل الشر الذي نهاه عنه. والله سبحانه ماامره بسيء الا وهو يعلم انه يستطيع فعله , وما نهاه عن شيء الا وهو يعلم انه يستطيع تركه , لانه ليس من صفته تعالى الظلم والجور, ولا العبث وتكليف العباد بما لايطيقون . هذه حقيقة افعال العباد الله سبحانه لايفعل القبيح اتضح مما سبق بطلان مايقال من انه يجوز على الله سبحانه فعل القبيح , أو ان الله سبحانه مريدا لما يجري في هذا الوجود من ظلم وجور واعتداء وقتل, وسلب ونهب , وتشريد ومعاصي, وشرور ومفاسد, وغير ذلك من القبائح والمفاسد والشرور, او ان الكفر انما فعله الكافر بارادة الله سبحانه. هذه الاقوال ليست باطلة فحسب, بل هي كفر ايضا, اذ يلزم منها ان يكون العاصي مطيعا لله في عصيانه, والظالم مطيعا لله في ظلمه, والكافر مطيع له بكفره, وهكذا... فيكون الله تعالى اسمه- حيث نهى عن الظلم والمعصية- قد نهى عما يريد واراد مانهى عنه, وهذا الامر لايمكن ان يصدر من البشر العاديين , فكيف يصدر عن الله تعالى, الخالق العليم, القدير الحكيم. واي رب يفعل هذا القول ان تكون له الايات الواردة في القران الكريم التي تدل على تنزيه الله سبحانه عما هو قبيح وظلم , والتي قرأت بعضها في اول البحث, كلها على خلاف الواقع, ان هذا لظلم عظيم لله , نبرأ منه ويبرأ منه كل مسلم, ولا يقول به الا كل افاك مهين الخلاصة ان افعال العباد اختيارية غير مجبرين عليها ولا مفوضين فيها, وانما هم يتصرفون وبوجدون اعمالهم وافعالهم بمحض اختيارهم بقوة الله ومشيئته, الا ان الاقدار منه تعالى لايستدعي الجبر , لانه اثابهم واعقبهم الحسنى والاجرعليها, ولامعنى للثواب والعقاب مع الجبر. وكذلك لم يفوض الله سبحانه لهم الامور , لانه تعالى منعهم عما هو شر وفاسد, وعاقبهم على مايتصرفونه على خلاف مراده وامره, ولامعنى للعقاب ولا للامر اذا كان التفويض موجودا , وهذا معنى ماورد عن اهل البيت عليهم السلام ( لاجبر ولا تفويض , ولكن الامر بين امرين) (3) مايقتضيه العدل في القضاء والقدر |
(3)
مايقتضيه العدل في القضاء والقدر ومن خلال ماعرفناه في افعال العباد , وانها امر بين الامرين, نعرف ان القضاء داخل في هذا الامر ايضا, وليس فيه جبر ولاتفويض. وعلينا ان لانخوض في هذه المسألة بأكثر من حدود ادراك الانسان وما قرره الائمة عليهم السلام في ذلك, لان المسألة من اخطر المسائل وادقها, فالمتكلمون والفلاسفة وغيرهم خبطوا فيها خبط عشواء , وليس ادق مما ذكره الائمة الاطهار في تحديدها , وهو (( الامر بين الامرين)). الاحاديث الشريفة سأ ل رجل امير المؤمنين عليه السلام بعد انصرافه من صفين فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟ قال عليه السلام ( الامر بالطاعة, والنهي عن المعصية, والتمكين من فعل الحسنة وترك المعصية, والمعونة على القربة اليه, والخذلان لمن عصاه , والوعد والوعيد والترغيب والترهيب, كل ذلك بقضاء الله في افعالنا وقدره لاعمالنا) ( بحار الانوار المجلسي 5/96 ب 3 القضاء والقدر ح 20 , الارشاد المفيد 1/ 226) وفي كلام آخر له عليه السلام لما سأله , أكان مسيرنا الى الشام بقضاء الله وقدره ؟ قال عليه السلام ( ويحك لعلك ظننت قضاءا لازما وقدرا حاتما, لو كان ذلك كذلك, لبطل الثواب والعقاب, وسقط الوعد والوعيد , ان الله سبحانه امر عباده تخييرا, ونهاهم تحذيرا, وكلف يسيرا, ولم يكلف عسيرا, واعطى على القليل كثيرا, ولم يعص مغلوبا, ولم يطع مكرها, ولم يرسل الانبياء لعبا, ولم ينزل الكتاب للعباد عبثا, ولا خلق السماوات والارض وما بينهما باطلا ( ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار ) (4) مايقتضيه العدل في البداء عقيدة الشيعة بالبداء ومواجهتهم بذلك يعتقد الشيعة بالبداء في التكوينيات بمعنى الاظهار بعد الاخفاء , لابمعنى الظهور بعد الخفاء. وهذه المسألة من المسائل المهمة التي وقع الكلام فيها بيننا وبين السنة, فانهم ذهبوا الى استحالة البداء على الله سبحانه لاستلزامه الجهل على الحكيم, ولكنهم نسبوا الى الشيعة القول به بمعناه الممتنع, فأدعوا اننا نجوز على الله الجهل , تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ونحن نبرأ من هذا القول المفترى علينا براءة الذئب من دم يوسف, ونقول ان اخواننا السنة لم يفهموا مانريده من البداء, ولك يطلعوا على حقيقة قولنا ورأينا في هذه المسألة, مما ولد الفجوة الكبيرة بيننا وبينهم, وسبب ذلك انهم ينسبون لنا اشياء غير موجودة عندنا ولا نقول بها ابدا, من دون ان يطلعوا على راينا او يعرفوا واقع عقائدنا, مع انها في كتناول اليد , حيث اننا لانخفي شيئا مما نعتقد, ولانقول الا بما هو واضح وصريح بما نؤمن . ولبيان الحقيقة في هذه المسألة سأوضح النقاط التالية ماهو البداء؟ البداء في اللغة مشتق من بدا بمعنى ظهر يقولون بدا الشيء يبدو بداءا, وبدا له بداء اي نشأ له راي اخر ( لسان العرب ابن منظور 14/65 مادة بدا) وظهر له استصواب شيء غير الاول, وفلان ذو بداوة اي لايزال يبدو له راي جديد ( مجمع البحرين الطريحي 1/ 167 مادة بدو) . فمعنى البداء لغة التبدل في الرأي الى راي آخر لم يكن محتسبا سابقا, ويترتب على ذلك تبدل عزمه من حيث العمل نتيجة حدوث ماغير رايه, ومن الواضح انه يكون نتيجة الجهل وناشئا عنه اقسامه البداء البداء عند المتكلمين ذو معنيين الاول بمعنى( الظهور بعد الخفاء) الثاني بمعنى ( الاظهار بعد الاخفاء) البداء الممتنع البداء بالمعنى الاول ( الظهور بعد الخفاء) ممكن في حق الانسان , اما بالنسبة الى الله سبحانه فهو ممتنع عقلا , لانه يستلزم الجهل اليه وهو منزه عنه, والشيعة لاقول بالبداء بهذا المعنى. البداء الممكن هو اظهار وابداء واما بالمعنى الثاني ( الاظهار بعد الاخفاء) فهو ممكن بالنسبة الى الله تعالى ولا قبح فيه , بل فيه فوائد يأتي الاشارة لها, وتسمية هذا النوع بداء ليس على وجه الحقيقة , بل هو من ضروب المجاز. فالبداء الذي ننسبه الى الله تعالى انما هو بهذا المعنى , اي ان الله تعالى يظهر لمن يشاء من خلقه ماكان قد اخفاه عنهم وعلى خلاف مايحسبون , وهذا ما يقتضيه العقل ويسمى اظهارا وابداء. علمه سبحانه تعلق بكل شيء من الازل ان الله سبحانه عالم , وعلمه ازلي ( وقد احاط بكل شيء علما) ( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين). وفي رواية منصور بن حازم قال ( سألت أبا عبد الله عليه السلام هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالامس ؟ فقال لا , من قال هذا فأخزاه الله . قلت أرأيت ماكان وما هو كائن الى يوم القيامة, أليس في علم الله عزوجل؟ قال بلى , قبل ان يخلق الخلق) ( الكافي الكليني 1/ 148 باب البداء ح 9-11) فالله سبحانه قدر جميع الممكنات على اختلافها واشكالها قبل ان توجد وتخلق, وكتبها بمشيئته وارادته في اللوح المحفوظ الذي هو أم الكتاب. فكل شيء في هذا اللوح له تعين في علمه الازلي, وهذا مايسمى ب (( قضاء الله)) ولكن مع ذلك , فوجود ماتعلق به قضاؤه مرتبط بارادة الله ومشيئته, فكل ما تعلق به القضاء والتقدير لابد في وجوده من الارادة الالهية حسب اقتضاء الحكمة والمصلحة. فيكون معنى تقدير الله للاشياء وقضاؤه فيها , ان وجودها مشروط بأن تتعلق مشيئته بها, حسب ماتقتضيه المصلحة والحكمة التي تختلف باختلاف الظروف, والتي يحيط بها سبحانه , فعلمه سبحانه انما تعلق به منوطا بمشيئته شاء اوجده وان لم يشاء لم يوجده. مابدا لله كان في علمه وبارادته حيث ان علمه سبحانه تعلق بكل شيء, فهو سبحانه يعلم في الازل كل شيء, ومن ذلك علمه سبحانه بما يبدو له وما لا يبدو له , فان مايبدو لله سبحانه , لايبدو له عن جهل ابدا كما اشرنا ويأتي مفصلا . وفي الحديث عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه السلام قال ( مابدا لله في شيء الا كان في علمه قبل ان يبدو له) قضاء الله على اقسام دلت الاخبار على ان القضاء محتوم وغير محتوم والقضاء المحتوم هو الذي يكون التقدير الالهي فيه مبرما, وقضاؤه قطعي لايرد ولايبدل ولايتغير , اقتضت حكمته وسنته ذلك منذ الازل , كخلق الخلق واعطاء الاختيار للانسان ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وانتقال الانسان الى النشأة الاخرى ونحو ذلك. وهذا النوع من القضاء قسمان قسم اطلع عليه ملائكته وانبياءه واخبرهم به, وقسم استأثر به سبحانه لنفسه. واما القضاء غير المحتوم , فهو القضاء والتقدير الالهي الذي علقه سبحانه على شيء, كأن يقضي ويقدر لانسان عمرا معينا ولكنه يكون معلقا على عدم بره بوالديه أو عدم صلته لرحمه, فأن فعل ذلك تبدل قضاؤه فيه يتضح مما سبق ان قضاء الله سبحانه على اقسام العلم المخزون |
العلم المخزون
القسم الاول القضاء والتقدير الذي لم يطلع عليه احد من خلقه حتى الانبياء وحتى نبينا محمد (ص) الذي هو اشرف الموجودات والمخلوقات. ويسمى هذا النوع بالعلم المخزون الذي استأثر به تعالى لنفسه, ويعبر عنه باللوح المحفوظ وبأم الكتاب. ومن الواضح ان هذا العلم وهذا القضاء لابداء فيه ابدا, بل يستحيل فيه ذلك, وانما ينشأ منه البداء بمعنى انه يكون سببا له, فان علمه المخزون هذا يبديه سبحانه ويظهره ان شاء. روى الصدوق باسناده عن ابي بصير وسماعة, عن ابي عبد الله عليه السلام انه قال ( من زعم ان الله يبدو له في شيء اليوم لم يعلمه امس فأبرؤوا منه) ( كمال الدين وتمام النعمة الصدوق ص 170 بحار الانوار المجلسي 4/111) وروى العياشي عن ابن سنان عن ابي عبد الله عليه السلام يقول ( ان الله يقدم ما يشاء , ويؤخر ما يشاء , ويمحو ما يشاء , ويثبت ما يشاء , وعنده ام الكتاب, وقال , فكل امر يريده الله فهو في علمه قبل ان يصنعه , ليس شيء يبدو له الا وقد كان في علمه, ان الله لايبدو له من جهل) ( بحار الانوار 4/121) القسم الثاني القضاء الحتمي الذي اطلع واخبر به سبحانه الانبياء والرسل وملائكته. فالخلاصة ان القضاء الحتمي , المعبر عنه باللوح المحفوظ , وبأم الكتاب , والعلم المخزون , عند الله يستحيل ان يقع فيه البداء , وكيف يتصور فيه البداء والله سبحانه عالم بجميع الاشياء منذ الازل( وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الارض ولا في السماء ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين). لوح المحو والاثبات القسم الثالث القضاء غير المحتوم , وهو الذي يخبر الله به انبياءه ورسله وملائكته بوقوعه, ولكن لا بنحو الحتم والجزم, بل مشروطا ومعلقا على ان لا تتعلق مشيئته على خلافه, اي يكون وجود ذلك الشيء او رفعه مشروطا بشرط معين. مثال ذلك مارواه العياشي عن الحسين بن زيد بن علي عن الامام الصادق عليه السلام عن ابيه الباقر عليه السلام انه قال ( قال رسول الله (ص) ان المرء ليصل رحمه وما بقي من عمره الا ثلاث سنين فيمدها الله الى ثلاث وثلاثين سنة, وان المرء ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة فيقصرها الله الى ثلاث سنين او ادنى) ( المجلسي بحار الانوار 4/121) فلو ان الله تعالى قدر عمر انسان ب ( خمسين عاما ) مشروطا ومعلقا , بمعنى انه سبحانه يزيد في عمره الى ( المائة) اذا بر والديه مثلا, أو وصل أرحامه, أو لم يقصر في اداء الفرائض والواجبات , او لم يتوان في اعطاء الصدقات للفقراء والمساكين, حسب مااقتضته حكمته سبحانه بالنسبة لذلك الانسان. فتقدير العمر بالخمسين المثبت في لوح المحو والاثبات يسمى بالاجل المخروم. فلو ان الله تعالى اطلع ملائكته أو انبيائه على العمر الاول لرجل من غير اعلامهم بالشرط, ثم لم يمت ذلك الرجل على الخمسين , فلأنه كان معلقا على عدم اتيانه ببعض ضروب البر مثلا وقد اتى بها, فيقولون بدا لله فيه. فهنا لم يحصل اي تغيير او تبديل في علم الله ابدا حين وقع الشرط بل الموت والحياة وكل شيء من امور الانسان باق تحت سلطانه تعالى وقدرته وعلمه لم يتغير ولم يتبدل اطلاقا , لانه يعرف حال الانسان ويعرف كيف سيتصرف, وارادته تعالى ومشيئته نافذة في الحياة والموت. فاذا لم يحدث الموت في الوقت المخروم , فلأن الله تعالى كتبه عليه وقدره في أم الكتاب مشروطا ومعلقا على احد الامور السابقة التي ذكرناها, وكما قال تعالى( يمحو الله مايشاء ويثبت وعنده ام الكتاب ) فأين نسبة الجهل الى الله تعالى , واين النقص الذي حدث له تعالى , فانه لا بداء اطلاقا , وانما هو ابداء واظهار للواقع الذي سيكون عليه الانسان مع القيود والاعتبارات والشروط. البداء سبب لتمجيد الله والالتجاء اليه حيث ان كل شيء تحت سلطان الله تعالى وتقديره وتدبيره وقدرته , حتى قلم المحو والاثبات , يمكننا ان نقول ان في البداء تمجيدا وتعظيما لله سبحانه, فانه لما كان الله سبحانه وتعالى يمحو ما يشاء ويثبت , كان ذلك سببا لان يتوسل اليه العبد ويدعوه بفنون الدعوات, ويتقرب اليه بالاعمال والمستحبات والصدقات وانواع البر والطاعات, ليكون مشمولا لرعاية الله سبحانه ولطفه ورحمته, فلعل الله بكرمه يمحوه من ديوان الاشقياء , ويكتبه في السعداء كما ورد في الادعية المأثورة عنهم عليهم السلام ولعله سبحانه يرفع عنه الفقر او المرض ونحو ذلك من بلاءات الدنيا ويصلح امره. كل ذلك بسبب البداء الذي يقع منه سبحانه( يمحو الله مايشاء ويثبت وعنده ام الكتاب) وقد ورد في الاخبار الشريفة المعتبرة مايؤكد هذا الواقع, ففي رواية هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه السلام قال ( ما عظم الله عزوجل بمثل البداء) ( الكافي الكليني 1/146 باب البداء ح1) وعن مالك الجهني قال سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول ( لو علم الناس مافي القول بالبداء من الاجر مافتروا عن الكلام فيه) ( المصدر السابق ح 12 بحار الانوار المجلسي 4/ 107-108) والايات الكريمة تؤكد هذا الواقع ايضا وما اكثرها قال تعالى( وما يعمر من معمر ولاينقص من عمره الا في كتاب) ( ولو ان اهل القرى امنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض) (فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا* يرسل السماء عليكم مدرارا* ويمددكم باموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا) وغيرها مما يظهر ويؤكد ماذكرناه في معنى البداء وحقيقته, وانه يكون فيما كان مشروطا في التقدير والقضاء, وليس فيما هو في العلم المخزون. (5) مايقتضيه العدل في احكام الدين تشريع الاحكام لمصلحة العباد , ونابع من علة وسبب ومن مقتضيات العدل الالهي , ان احكام الشريعة باجمعها انما هي لمصلحة العباد ولضمان واقعهم وانتظام امورهم بما يحقق لهم الخير والسعادة. وهذه الاحكام ايضا منطلقة من مبدأ المصلحة والمفسدة , بمعنى ان مافيه المصلحة امر به المولى , وان مافيه المفسدة نهى عنه . وتسمى هذه المصالح والمفاسد ب (( العلة)) و (( الملاك)) وفائدتها ونفعها تعود الى المكلف , ولايعود شيء منها الى الله تعالى لانه غني غنى مطلقا , فلا حاجة لان يامر بشيء لمصلحته ومنفعته. وعلة الحكم انما تأكيد لحكمته تعالى, وانه لم يكلف عبثا, ولاحكم لغوا, ولااراد شططا, فانا نستقبح من البشر العاديين ان تصدر اعمالهم بلا غاية ولاهدف, فكيف بالله الحكيم العليم الغني القوي ان تكون احكامه غير صادرة عن حكمة وعلة , ومن هنا كانت المصالح امورا بديهية في تشريع الاحكام. لله في كل واقعة حكما كما نؤمن بان لله تعالى في كل واقعة حكما , بمعنى انه ما من قضية تكون موردا يتعامل معه الانسان أو فعل من افعاله أو شأن من الشؤون بشكل عام يتعلق بالانسان وبهذا الوجود الا وله حكم معين - من الوجوب او الحرمة او الاستحباب او الكراهة او الاباحة , أو غيرها من الاحكام الاخرى الوضعية, كالصحة والفساد والطهارة والنجاسة ونحو ذلك- . كل ذلك حفاظا على الحياة الانسانية وحماية لها من الفوضى والخلل, وحفاظا على المسؤوليات والحقوق والمصالح من الضياع والتهاون, وكذلك يربي في نفس المكلف روح المسؤولية والانضباط والالتزام والانقياد لله في كل شيء, بحيث يشعر بان الاحكام هي الحياة. وهذا الامر مصدره القرآن الكريم والسنة الشريفة قال تعالى( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) وعن ابي عبد الله الصادق عليه السلام ( مامن شيء الا وفيه كتاب او سنة) ( الكافي الكليني 1/59 باب انه ما من شيء الا وفيه كتاب وسنة ح 2-4 وغيرهما) فكل شيء موجود في الكتاب والسنة, نأخذه منهما ونستدل عليه بهما. الفصل الخامس النبوة |
الفصل الخامس
النبوة النبوة لطف يعتقد الشيعة ويؤمنون بانه يجب على الله تعالى- من باب اللطف- ان يرسل للبشر انبياء , يعلمونهم الكتاب والحكمة , ويبلغونهم اوامر الله تعالى ونواهيه , ويرشدونهم الى طريق الخير والحق والصلاح والفلاح, لانه من القبيح ان يخلق الله الناس ويتركهم هملا, وخلاف الحكمة ان يدعهم لانفسهم. هذا مع ان الله سبحانه قد اودع في البشر قوى ترشدهم الى الحق والخير, وتردعهم عن الشر والباطل , كالعقل والضمير والفطرة , ولذلك ورد ان لله نعالى حجتين ظاهرة وباطنة .( ففي وصية الامام الكاظم عليه السلام لهشام وصفته للعقل ( ياهشام ان لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة, فأما الظاهرة فالرسول والانبياء والائمة , واما الباطنة فالعقول) انظر بحار الانوار المجلسي 75/301. الا ان قوى الخير هذه لاتكفي وحدها لتمييز الحق من الباطل والخير من الشر , لان في الشر ايضا من العواطف والميول والغرائز مايحركهم نحو الاهواء والشهوات ومحبة الدنيا والمال. فأذن يوجد عند الانسان نوازع الخير والشر والصلاح والفساد والهدى والضلال, كلها موجودة فيهم, ولكن ليس في قدرتهم تمييز ذلك بأنفسهم لجهلهم بهذه الامور وعدم احاطتهم بالواقع. فرب خير قد يراه الانسان شرا, ورب شر قد يراه الانسان خيرا, حسب ادراكاته وحسب ماتزينه له نفسه الامارة بالسوء, وتقوده اليه ميوله وعواطفه. وقد يعرف الخير والحق , ولكن تغلبه الاهواء والنفس الامارة تلبس له الحق بالباطل , فيعمل خلاف الحق جاهلا بما يحيق به من ضرر وخطر نتيجة ذلك. فعوامل الصراع بين العقل والعاطفة والغرائز دائما محتدمة في نفس الانسان , فحتى تقوى عوامل وجنود العقل عند الانسان , وحتى يستطيع ان يتحكم في مواقفه في حالة الصراع هذه , احتاج الى من يقوي في نفسه العزيمة ويرشده الى الطريق السوي, ليحقق ماتهفو اليه نفسه ويعيش الحق والصدق والخير والصلاح, ويتجنب اسباب الشر والفساد والباطل والسوء. الله تعالى يختار الرسل واختيار النبي وتعيينه دائما يكون من قبل الله تعالى, وذلك لان النبي سفير الله ويبلغ عن الله, ويعمل بأوامره وينهى عن نواهيه, فلا يتم اختيار الرسل والانبياء الا من قبله تعالى, وليس للبشر حق الاختيار في ذلك , فهو تعالى يعلم حيث يضع رسالته. معنى وجوب ارسال الانبياء قلنا انه يجب على الله سبحانه ارسال الانبياء, ولكن ليس معنى ذلك ان احدا يأمره بذلك أو ان العقل يلزمه به , تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا, فأنه سبحانه حاكم غير محكوم. بل بمعنى ان كمال الله المطلق وغناه المطلق وعدله المطلق يكون بارسال الرسل والانبياء الى البشر لطفا بالعباد, لحاجتهم الى ذلك ولانه سبب خيرهموصلاحهم وانتظام وجودهم , فان اللطف مناسب لكماله المطلق. المعجزات ويعتقد الشيعة انه لابد لكل نبي مرسل من قبل الله تعالى من معجزة قاهرة تقترن بدعوى النبوة, وتكون دليلا على نبوته وحجة بين يديه على دعوته, وملزمة للعباد في تصديقه. وتكون تلك المعجزة بحيث يعجز البشر عن الاتيان بمثلها, وتكون فوق مقدورهم مهما بلغوا من العلم والمعرفة والقدرة في كل الازمان والادوار, وتستوجب تصديقه, لانه يعلم من خلالها ووجودها ان صاحبها فوق مستوى البشر في صلته بالله سبحانه وفي دعوته الى الله عزوجل , وان الله سبحانه اراد ذلك ,فأنه يستحيل عليه تعالى تأييد الكاذب . ولقد ظهرت المعجزات الكثيرة على ايدي الانبياء والمرسلين الذين ارسلهم الله سبحانه الى البشر , وكانت كل معجزة تتناسب مع عصر ذلك النبي وحالة مجتمعه والمعارف الموجودة عندهم والعلوم التي لديهم معجزة موسى عليه السلام كما في معجزة موسى عليه السلام التي كانت العصا , والتي تلقفت كل ما يأفكون , حيث كان السحر شائعا وفنا رائجا وقوة قاهرة في ذلك الوقت , فأبطل ماكانوا يصنعونه من السحر بعصاه التي تلقفت حبالهم وعصيهم , وبطل كل ماكانوا يعملون ويأفكون , وعلى اعين الناس وبمسمع ومراى منهم. ولم تكن العصا المعجزة الوحيدة, بل كانت له معاجز اخرى جرت على يديه وقهرت عدوه, مثل الايات التي جاء بها والتي ذكرها القران الكريم ( وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء ) وقوله تعالى( واوحينا الى موسى اذ استسقاه قومه ان اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشر عينا ) . فعرف السحرة ان ماجاء به موسى عليه السلام ماكان سحرا , وانما هو معجزة قاهرة باهرة, عجزوا ويعجز غيرهم عن الاتيان بمثلها , ولذلك آمنوا وانصاعوا واذعنوا للحق. معجزة عيسى عليه السلام. ومثل معجزة عيسى عليه السلام التي كانت في ابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى, حيث كان الطب شائعا ومزدهرا بين الناس , وكان ابرز مايعرف به ذلك الزمان, فعجز الطب بكل نشاطاته واتساع معارفه وعلومه ومواضيعه ان يقف امام ما جاء به عيسى عليه السلام , أو يجاريه في شيء مما جاء به. معاجز نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم القران الكريم ومثل معجزة النبي محمد (ص) التي هي القران الكريم , الذي جاء باسمى ومنتهى الفصاحة والبلاغة , حيث كانت البلاغة فنا متأصلا ومعروفا, وكانت الفصاحة اسلوبا متميزا مألوفا, وكان الفصحاء والبلغاء هم السادة والقادة للناس بحسن بيانهم ومنتهى فصاحتهم, فجاء القران باسلوبه السهل الممتنع بفصاحته وبلاغته , فأذهل الناس بفصاحته وبلاغته وعجزوا عن مجاراته, وقد تحداهم على ان يأتوا بمثله او بسورة من مثله , فلم يتمكنوا , قال تعالى( قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القران لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)( وهذه الاية الكريمة تخاطب اهل ذلك الزمان , بل وغيره من الازمنة التي يمكن ان تأتي ويفكر اهلها بمعارضة القران الكريم , ويسمى هذا التحدي بالتحدي الكبير , ثم يأتي التحدي الاوسط , وهو ان يأتوا بعشر سور مثله, حيث قال تعالى( ام يقولون افتراء قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين ) , ثم يأتي التحدي الثالث وهو تحد ابسط من سابقيه وذلك بان ياتوا بسورة واحدة من مثله, قال تعالى( وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين) وينتهي التحدي باظهار واقع المتحدي , وانه عاجز عن ان ياتي باقل من سورة. وذلك لان القضية ليست قضية الفاظ يسطرها الانسان , ولا قضية معان تحكيها أو تحكي عمقها الالفاظ بتراكيبها الجميلة, وانما الامر اكبر من ذلك , فان القران في قضاياه ابعد من حدود الانسان وطاقاته, وضعت اياته في ضمن هذه الالفاظ والتراكيب التي يتصور انها تعني شكلا متشابها لما يأتيه الانسان , ولكنها في حقيقتها تدل على ان كل حرف منه له حركة وبعد في احتواء قضايا هذا الكون , وعطاء غير محدود في حركة الانسان والحياة, وهذا سر الاعجاز في القران الذي فيه تبيان كل شيء( أفلا يتدبرون القران أم على قلوب اقفالها). القران معجزة من جميع الجهات هذا وان اعجاز القران الكريم ليس في اللغة والبيان والفصاحة والبلاغة فحسب- وان كفى ذلك في الاعجاز- وانما اعجازه ابعد من ذلك لمن تدبر في اياته وما تضمنها مما كان او يكون الى يوم القيامة مما يحتاج اليه البشرز فأعجازه ليس لزمان دون زمان , ولا لجيل دون جيل , بل للاجيال كلها , فكل جيل يقرؤه ويعيشه, يقر بأن القران جاء لعصره ومشمول بآياته ومطالبه, ويعجز عن الاتيان بمثله. ويشهد بذلك المعارف والعلوم التي تحدث عنها القران واكدتها التطورات العلمية الهائلة والتقنية الدقيقة والانجازات والاكتشافات الواسعة في عصرنا الحاضر - حيث لم تكن موجودة في عصر نزول القران , ومع ذلك تحدث عنها القران-, فهذا دليل مهم وكبير على الاعجاز الباهر الصادق , وان القران هو المعجزة الخالدة. الشريعة |
الشريعة
والشريعة من اهم المعاجز التي جاء بها النبي (ص) فقد احتوت هذه الشريعة على كل مايحتاج اليه البشر الى يوم القيامة, من احكام مختلفة, من عبادات ومعاملات, واخلاق واجتماع, واقتصاد , وصحة, وادارة, وسلوك وروحانيات وقضاء وجزاء , وحدود وقصاص وغير ذلك. وهي تتلائم مع كل عصر وجيل, وتستوعب كل التطورات والمستجدات الهائلة التي تشهدها البشرية في كل مجالاتها وتتعايش معها, ولم تنس الاخرة وعوالمها , فان الاخرة هي دار القرار. ومن المؤسف جدا ان المجتمع الانساني لم يدرك هذه الحقيقة, لان الناس لم يعيشوا الاسلام ولم يعرفوا احكامه, فلم تطبق شريعة الاسلام, عمليا كي يعرف أثرها وواقعها في الحياة الانسانية. بل يمكننا ان نقول ان المسلمينأنفسهم- وان عرفوا شريعة النبي (ص) - الا انهم لم يعيشوها عمليا, وخاصة في اخلاقياتها, وبذلك لم يكونوا دعاة الى الاسلام , ولم يؤكدوا للاخرين ان دينهم هو افضل الاديان. معاجز اخرى للنبي صلى الله عليه واله وسلم وهناك معاجز اخرى كثيرة للنبي محمد (ص) تحدث عنها المؤرخون واهل السير, وذكرت في مجاميع خاصة( راجع مثلا بحار الانوار المجلسي فانه عقد لمعجزاته (ص) ابوابا كثيرة , ابتداء من الجزء 17 من ص 159 الى الجزء 18 ص 144). عصمة الانبياء ويعتقد الشيعة بان الانبياء باسرهم واوصياؤهم معصومون عن ارتكاب السيئات والمعاصي, الصغيرة والكبيرة, بل هم معصومون في كل احوالهم واوضاعهم عن الخطأ والنسيان, بل هم منزهون عن كل مايتنافى مع المروءة والتبذل بين الناس, وكل مايستهجن فعله عند عامة الناس وان لم تكن معصية. معنى العصمة العصمة هي قوة قدسية ونورانية يتلطف بها المولى الحكيم على المعصوم, ويجعلها في قلبه, تحجبه وتمنعه من الوقوع في المعاصي والقبائح والموبقات , وهي نوع من العلم يؤثر هذا التأثير بنحو لايتنافى مع الاختيار. فهذه القوة القدسية النورانية وهذا العلم القدسي, هبة من الله سبحانه للمعصوم, كما وهب وخلق غيرها من الصفات والقوى في الانسان, كالقوة والقدرة والعقل والارادة والاختيار. وهذا العلم الذي عنده سبحانه علم قطعي لايتغير ولا يتبدل ولايغلب اطلاقا, فان حقائق الامور بهذا العلم تكون مكشوفة لديه. وقد دلت على ذلك الاية الكريمة( وانزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم ) فقسمت الاية العلم الى قسمين 1- ( كتاب ) و ( حكمة) وهذا متعلق بشؤون المكلفين ونظامهم. 2- و( علم خاص بالمعصوم ) ( وعلمك ما لم تكن تعلم) , فأن اثره ومتعلقه انصراف المعصوم عما يضاد هذا العلم , بشكل قطعي للقوة الموجودة فيه والرادعة له. وهذا العلم لايتنافى مع الاختيار, لان الانسان فاعل بالعلم والارادة والاختيار, ومثله مثل الذي يعلم بالسم وخطر السم, فانه يمتنع عنه وعن شربه باختياره وارادته, لعلمه بخطره وضرره, وهكذا امتناع المعصوم عن المعاصي والموبقات بالاختيار لا بالجبر والالجاء , والا لم يكن علم ولا ارادة ولا اختيار ولا تكليف. الادلة على العصمة دليلنا على العصمة العقل والنقل الدليل العقلي على ضرورة العصمة العصمة في النبي امر ضروري يتلائم ومنطق العقل والرسالة السماوية التي جاء بها النبي من عند الله تعالى, لان النبي سفير الله في الارض للعباد, يبلغ احكام الله ويدبر شؤون العباد بما فيه خيرهم وصلاحهم وانتظام امورهم بأحسن وجه واكمل حال. فالعقل يرى - من خلال ادراكه لمقام النبي ووظيفته- ان النبي ليس كسائر الناس في عقله وكمالاته وملكاته وفي كل اوضاعه, وانه ينبغي ان يكون في قمة الكمال والفضائل , لايدانيه في ذلك احد, وان يكون بعيدا عن النقائص والرذائل والمعائب في الخلق والخلق والعقل والروح والنفس, وعن التصرفات المبغوضة التي تؤثر في اوضاعه ومنصبه كنبي وسفير من قبل الله تعالى. لذلك يجزم العقل بضرورة كون النبي معصوما عن كل مايخل بذلك لكي يطمئن الناس الى واقع مايبلغهم اياه وينقله اليهم من قبل الله سبحانه وتعالى, ولكي يتحقق الهدف الاسمى الذي اراده الله لعباده , اذ لاطريق لذلك سوى العصمة التي تفضل بها المولى عليه, والتي امتاز بها عن سائر الخلق. والا لكان ارسال من لاعصمة له خلاف الحكمة الالهية من ارسال الانبياء, وكان ايضا نقصا في المرسل , وخلاف علمه سبحانه بما يحيط بالرسالات السماوية من ظروف قد تعيق تحقيق اهدافها , تعالى الله عن ذلك كله , فانهسبحانه قادر على تزويد رسله بما يحفظ الرسالات ويحقق الاهداف منها العصمة ضرورية مطلقا في التبليغ وغيره والادلة على ذلك هنا سؤال وهو ان العقل حين يحكم بضرورة العصمة هل يحكم بضرورتها في بعض الشؤون - كالتبليغ فقط مثلا كما يدعيه البعض-؟ او انه يحكم بضرورتها في كل الشؤون في التبليغ وغيره, وحتى بالنسبة للخطأ والنسيان وكل ما ينافي المروءة وغير ذلك؟ والصحيح الذي يعتقد به الشيعة هو ان العقل حين يحكم بضرورة العصمة انما يحكم بها بشكل مطلق وفي كل الشؤون , في التبليغ وغيره, عن الخطأ والنسيان, بل عن كل ماينافي المروءة والكمال وغير ذلك. فما يقال بان النبي معصوم في التشريع والتبليغ فقط , فهو قول خاطئ وباطل , عقلا ونقلا كما سيتضح ان شاء الله تعالى. الدليل الاول ان العقل -كما ذكرنا سابقا- لايحكم الا بعد ان يتحقق موضوعه ويستوفي تمام شروطه وما يعتبر فيه بحيث لايكون هناك ادنى شك فيه, وحينئذ يكون حكمه حكما قطعيا جازما, لانه يكون قد ادرك الحقيقة كالشمس الطالعة. وذكرنا هنا ان العقل يحكم بضرورة عصمة النبي والرسول والوصي , لانه اذا لم يكن معصوما لايمكن ان يتحقق الهدف الاسمى الذي اراده الله للعباد, وان الرسالات السماوية- التي جعلها الله المنطلق والدستور- لايمكن ان تصل الى تحقيق الاهداف السامية بشكلها الصحيح الا بعصمة مبلغيها, وكذلك لايمكن ان يتعامل البشر مع رسول لايتميز عنهم بشيء من الخصائص والكمالات والفضائل القدسية التي توجب الثقة والاطمئنان به, وهذا يعني انه لابد ان يكون معصوما في كل احواله واوضاعه. فالنتيجة انه لابد من ان يكون النبي والوصي معصومين في كل الاوضاع والاحوال, لان حكم العقل بضرورتها غير قابل للتخصيص والتجزئة والتبعيض مادام انه لايجوز بنظره ان تصدر منه المعصية او الخطأ, فحين يحكم بضرورة العصمة يحكم بها بشكل مطلق وفي كل الشؤون , في التبليغ وغيره, وعن الخطأ والنسيان , وكل ما ينافي المروءة. الدليل الثاني ان العصمة من الامور البسيطة غير المركبة , فهي اما ان تكون موجودة او غير موجودة. وعليه فاذا امكن في حقه الخطأ والنسيان , كان معنى ذلك امكان وقوع الخطأ والنسيان في كل شيء يفعله حتى التبليغ, لان امكانية الخطأ عندما تكون موجودة , يكون وجودها ممكنا في كل شيء. مع ان مجرد احتمال وقوع الخطأ والمعصية منه يكفي في عدم وجوب اتباعه, وفي التشكيك بما يبلغه, وعلى هذا يصبح شأنه شأن بقية الناس لا قيمة لكلامه, ولا اهمية لتبليغه, ولاوزن لفعله, ولاطاعة لاوامرهو ولاانزجار عن نواهيه, مع انه غير ذلك قطعا , لانه معصوم مطلقا وفي كل شيء كما اسلفنا. الدليل الثالث ان النبي لو كان يفعل المعصية ويصدر منه الخطأ والنسيان , فأما ان نقول بوجوب اتباعه في هذا الحال , أو بعدم وجوب اتباعه؟ ( فان قلنا ) بوجوب اتباعه حتى لو كان يفعل المعصية او يخطئ وينسى فمعناه قد انه قد اجيز اتباع من يخطئ برخصة من الله سبحانه, بل معناه انه قد اجيزت المعصية نفسها وانه لامانع منها ومن فعلها ومن فعلها برخصة من الله سبحانه وتعالى. وهذا باطل بالضرورة والعقل .... لانه من القبيح, ومن غير المعقول ان يكلفنا المولى باتباع من فعل المعصية, وباتباع من يخطئ وينسى في امور الدين والشريعة , بل في كل الامور. ( وان قلنا) بانه لايجب اتباعه في هذا الحال , اي حال المعصية وحال الخطأ والنسيان. فهذا يعني انه ليس بنبي , وبذلك تنتفي فائدة البعثة والنبوة, وذلك لانه في حالة ارتكابه للمعصية تنتفي الثقة في افعاله , ولايحصل التصديق في اقواله, لاحتمال الخطأ والمعصية عندئذ, ومعه تضيع الاحكام وتختل الموازين العقلية والعرفية. من هنا نقول بشكل قاطع جازم ان النبي معصوم ومطيع دائما وابدا, ولايخطئ ولاينسى في كل الاوضاع والاحوال. حياة المعصوم كلها تبليغ فظهر ان العصمة مطلقة وليس خاصة بالتبليغ, ومن يدعي غير ذلك فهو لايعرف مقام النبوة , ولايعرف ان حياة النبي والوصي كلها تبليغ, وان كل شيء يفعله ويقوله ويقرره ويتحرك معه منطلق من الشريعة واحكامها وواقعها, ومن طاعة الله المطلقة, ومنطلق من القران وموافق لايات الله البينات التي لايأتيها الباطل ابدا الدليل النقلي على عصمة الانبياء استدل على العصمة للانبياء والاوصياء من القران الكريم بآيات بينات , ومن السنة بروايات ( فمن الايات) قوله تعالى( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) ودلالة الاية على العصمة واضحة وجلية لمن تأمل فيها , فان المقصود من الرجس , الذنوب والقبائح والموبقات التي تخل بمقام النبي والامام , والحصر ب ( انما) تأكيد على الطهارة من الرجس والمعاصي واقعة حتما , كقوله سبحانه( انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون) ولايمكن في هذا المقام ان يتخلف مراده عن ارادته, فان ارادته تعالى هي العلة التامة بالنسبة لمخلوقاته, وتخلف المعلول عن علته مستحيل, وهذا من المسلمات ان لم يكن من البديهيات. ولما كان الله سبحانه وتعالى يعلم ماذا سيختار العبد في افعاله قبل ان يوجد العبد, وقد علم الله سبحانه من اهل البيت عليهم السلام انهم لايختارون الا الطاعة ورضى الله سبحانه , فاراد لهم العصمة, فارادته تعالى لهم العصمة لانهم هم يريدون الطاعة واختاروها, فارادته تعالى مشروطة بعلمه, فلا تخلف في مراده عن ارادته. فالاية تدل على ان العصمة بالاختيار وليست بالجبر والالجاء ( ومنها) قوله تعالى( واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين) فقد تضمنت الاية الكريمة سؤال ابراهيم عليه السلام ربه ان يجعل الامامة في ذريته, لمكانة هذا المنصب وشرفه وعظمته. فأجابه المولى عزوجل ان ( عهدي) وهو الامامة لايناله ظالم, وليس من المعقول ولا المتصور ان يسأل ابراهيم هذا المنصب لظالم أو لعاص مهما كان ظلمه , لنفسه أو لغيره, وسواء كان الظلم دائما ومستمرا منه, أو كان لحظة من الزمن, فمن كان يجري عليه اسم الظالم لايمكن ان ينال عهد الله وهو الامامة. فالاية تدل على ضرورة العصمة في النبي , وكذلك في الوصي. الامامة منصب الهي والذي يستفاد من الاية ايضا ان مقام الامامة مجعول من الله سبحانه وان الامامة ليست بالاختيار والانتخاب, لقوله سبحانه( اني جاعلك للناس اماما) ولقوله ( قال لاينال عهدي الظالمين)ولقوله تعالى( وجعلنا منهم ائمة يهدون بامرنا لما صبروا) ( ومن الروايات ) قول ابي عبد الله عليه السلام للزنديق عندما سأله من اين اثبت الانبياء والرسل ( ... وهم الانبياء عليهم السلام وصفوته من خلقه , حكماء مؤدبين بالحكمة, مبعوثين بها, غير مشاركين للناس, على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب , في شيء من احوالهم , مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة ....) ( الكافي الكليني كتاب الحجة 1/168 ح1) صفات النبي ويعتقد الشيعة ان النبي يجب ان يكون متصفا بافضل الصفات ومتميزا في قواه العقلية والايمانية والجسدية والنفسية , ويكون في قمة الكمالات والفضائل والمميزات التي تتناسب مع مقامه الذي يمثله بين الله وبين عباده. فيجب ان يكون - مضافا الى العصمة التي تحدثنا عنها- افضل الناس في جميع الجهات , بحيث لايكون احد افضل منه ايمانا وعقلا , وعلما وتقوى, وشجاعة وعفة, وعدالة وحكمة, وزهدا واخلاقا, وامانة وصدقا, وتدبيرا وسياسة, وغير ذلك. وكذلك يجب ان يكون النبي سليما معافى في بدنه من العاهات والافات, كالعمى والعرج والزمانة- اي العاهة- والبرص والجذامة وغيرها من المعائب الجسدية. كما يجب ان يكون طاهر المولد , ولايكون في آبائه من تولد من زنى. كل ذلك لكي تطمئن القلوب والنفوس اليه, وترتاح القلوب والعقول لكلامه وما يلقيه, وتتوجه اليه بكل ثقة وقناعة, وانه اهل لهذا المقام والمنصب الخطير. وكذلك يلزم ان يكون جميع آبائه مؤمنين بالله سبحانه, لان لوثة الكفر تؤثر كما تؤثر كما يؤثر الزنا في النسب , فلا ترتاح اليه النفوس ولاتطمئن اليه القلوب. اما العلم , فعلمه يكون من الله سبحانه( وما ينطق عن الهوى* ان هو الا وحي يوحى) ولذلك اذا سئل لايقول ( لا اعلم) , لانه- كما ذكرنا- علمه من الله وليس بالتكسب , فهو يمد دائما بما هو الحق والواقع من الله آباء الانبياء والاوصياء كلهم مؤمنون |
آباء الانبياء والاوصياء كلهم مؤمنون
يعتقد الشيعة اعتقادا جازما بان جميع آباء النبي والائمة وكذلك الانبياء والاوصياء السابقين عليهم السلام, كلهم على الايمان والتوحيد, والعفة والنزاهة وطهارة المولد, من لدن آدم عليه السلام اليهم , هذه السلسلة التي حملتهم , بأجمعها على الايمان والعفة والطهارة , لم تدنسهم الجاهلية بانجاسها , ولم تلبسهم من مدلهمات ثيلبها( هكذا ورد في زيارة الامام الحسين عليه السلام , والمدلهم مبالغة من ادلهم , يقال ادلهم الظلام اي كثف واسود) ويستدل على ذلك بالعقل والنقل أما حكم العقل بايمان آباء الانبياء فلأن العقل يرى ان عدم وجود هذه الصفات في المولد- الايمان والتوحيد والنزاهة والطهارة- وهو بحكم العقل نقص, والنبي منزه عنه لان له الكمال المطلق بعد الله, والوصي ايضا له الكمال المطلق بعد النبي , فان لهم الكمال من جميع الجهات حتى في هذه الناحية, والا فقد الافضلية. وايضا النطفة تتأثر بالمحضن والجو الذي تعيش وتكبر فيه, وقد ورد في الاخبار الشريفة في كتاب النكاح ما يؤكد هذا الواقع, مثل قولهم عليهم السلام ( اختاروا لنطفكم فان الخال احد الضجيعين) ( وسائل الشيعة ( آل البيت) 20/48 باب 13 من ابواب مقدمات النكاح ح 2) ومثل قوله (ص) ( اياكم وخضراء الدمن , قيل يارسول الله وما خضراء الدمن؟ قال المرأة الحسناء في منبت السوء) ( الكافي الكليني 5/332 وقريب منه كنز العمال 16/ 496) بل ان المؤثرات الخارجية مثل الاكل والشرب تؤثر في النطفة ايضا, وقد ورد ان ولد الانسان من رزقه و وعليه فان اي لوثة من الشرك وغيره تؤثر في النطفة. هذه المعاني تأكيدات لمنطق العقل , وان عالم النبوة والامامة لما كان يمتاز بانه طهر ونزاهة وقدسية وواقعية, فيجب ان يكون كذلك في جميع مراحل حياته من بدايتها حتى نهايتها. واما السنة الشريفة فالاخبار كثيرة جدا في هذا الموضوع ورد في الحديث ان رسول الله (ص) قال (... حتى اذا اراد الله عزوجل ان يخلق صورنا , صيرنا في عمود نور , ثم قذفنا في صلب آدم , ثم اخرجنا الى اصلاب الاباء وارحام الامهات, ولايصيبنا نجس الشرك ولاسفاح الكفر , يسعد بنا قوم , ويشقى بنا آخرون , فلما صيرنا الى صلب عبد المطلب اخرج ذلك النور فشقه نصفين ..... الحديث) ( علل الشرائع الصدوق 1/209 حديث 11 , وعنه بحار الانوار المجلسي 35/34 ح 32) وقال النبي (ص)( ياعلي كانت الطينة في صلب آدم ونوري ونورك بين عينيه , فما زال ذلك النور ينتقل بين اعين النبيين والمنتجبين حتى وصل النور والطينة الى صلب عبد المطلب فافترق نصفين... الحديث)( بحار الانوار 25/3 ح 5) وقال (ص) ( ياعلي انت زوج سيدة النساء فاطمة ابنتي, وابو سبطي الحسن والحسين , ياعلي ان الله تبارك وتعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه , وجعل ذريتي من صلبك, ياعلي من احبك ووالاك احببته وواليته, ومن ابغضك وعاداك ابغضته وعاديته, لانك مني وانا منك, ياعلي ان الله طهرنا واصطفانا ولم يلتق لنا ابوان على سفاح قط , من لدن آدم ..... الحديث)( امالي الصدوق ص 450 وعنه بحار الانوار 38/ 103) والاخبار في هذا المعنى مروية من السنة والشيعة ( كنز العمال المتقي الهندي 11/428 و 12/ 427 وتاريخ دمشق ابن عساكر 3/ 408 , البداية والنهاية ابن كثير 2/ 318 وغيرها) وقوله (ص) في الرواية المتقدمة ( فما زال ذلك النور ينتقل بين اعين النبيين والمنتجبين) تأكيد على الايمان والطهارة. ويوضح هذه الحقيقة صراحة الحديث المروي عن ابن عباس في قوله تعالى( وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا) قال ( خلق الله نطفة بيضاء مكنونة, فجعلها في آدم ثم نقلها من صلب آدم الى صلب شيث, ومن صلب شيث الى صلب أنوش, ومن صلب أنوش الى صلب قينان , حتى توارثتها كرام الاصلاب من مطهرات الارحام , حتى جعلها الله في صلب عبد المطلب , ثم قسمها نصفين , فالقى نصفها الى صلب عبد الله , ونصفها الى صلب ابي طالب, وهي سلالة - اي خلاصة- , فولد من عبد الله محمدا ومن ابي طالب عليا.... الحديث) ( تفسير فرات الكوفي ص292 وعنه بحار الانوار 43/145) وحين نتتبع مابين ايدينا من تاريخ الانبياء والاوصياء نجد انهم كما ذكر الحديث الشريف , سلسلة كرام ومؤمنين وموحدين ومنزهين وطاهرين لايشوبهم شيء ابدا من دنس الشرك والجاهلية. ايمان آباء الانبياء في القران الكريم اما القران فهو يؤكد هذه الحقيقة ايضا قال تعالى( واذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين) فالمستفاد من الاية الكريمة ان ذرية ابراهيم عليه السلام منهم ظالم ومنهم غير ظالم , ولكنالعهد الالهي لايناله الظالم منهم ابدا. ويؤكد هذا التقسيم- اي تقسيم الناس الى ظالم وغير ظالم- قوله تعالى( وباركنا عليه وعلى اسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين) فالمحسن وغير الظالم لنفسه هو الذي تكون فيه النبوة والامامة , وتستمر على عهد الله وميثاقه, لانها ذرية مؤمنة. وهذا المعنى تفسره الاية الكريمة, قال تعالى( ولقد ارسلنا نوحا وابراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون) فالنبوة مجعولة في ذريتهما , الا انه لاينالها الظالم منهم ابدا , لان آية( واذ ابتلى ابراهيم...) تكون مخصصة لها , لان العهد الالهي من المستحيل ان يحمله ظالم ابدا, بل الذي يحمله هو خصوص المحسن , والذي له صفات الهدى والايمان ) ويوضح هذه الحقيقة قوله ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء) فان من آيات وعلائم النبوة استجابة الدعاء , وقد طلب ابراهيم عليه السلام ان يكون هو ومن ذريته من يقيمون الصلاة , وهذا تأكيد على ان من يكون من الذرية حاملا للنبوة يجب ان يستمر على الهدى والصلاة , واما غيره فلا. وكما قال تعالى ( فمن تبعني فأنه مني ومن عصاني فانك غفور رحيم) وقال تعالى مخاطبا نوحا عليه السلام ( قال يانوح انه ليس من اهلك انه عمل غير صالح ) وقال تعالى ( ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه) فقد اخرج تعالى العصاة والسفهاء والظالمين وغير المهتدين من ذرية ابراهيم حكما, فهؤلاء لايمكن ان يحملوا النبوة والامامة ويمونوا سببا وواسطة فيها ابدا, لانه خلاف العهد والميثاق الالهي في النبوة والامامة , وخلاف الطلب الذي طلبه ابراهيم ان يكون مقيم الصلاة ومن ذريته, وان يكون مستمرا عليها. وكذلك في قوله تعالى ( واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم* ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم ) فانه تاكيد على ان تكون الذرية منهما عليهما السلام مسلمة ومستمرة في ايمانها واسلامها وفي اقامتها الصلاةو وهذا ماكان في ذريتهو وهم آباء النبي (ص) وامهاته , والائمة وامهاتهم. كما اكدته السنة الشريفة التي وقفت على ماورد فيها , فهذه كلها تؤكد ايمانهم ودليل عليهو وخاصة قوله (ص) في الروايات المتقدمة ( ياعلي ... ولم يلتق لنا ابوان على سفاح قط من لدن آدم ). وكذلك استغفار نوح عليه السلام لوالديه واستغفار ابراهيم لوالديه ( رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات) حيث لايصح الاستغفار لغير المؤمن ابدا. وكذلك قوله تعالى( وتقلبك في الساجدين) اي تنقلك في اصلاب الساجدين وارحام الساجدات, فان الالف واللام في ( الساجدين) للاستغراق, اي كل الساجدين , الاباء والامهات. ومهما يكن من امر , فان القول بطهارة وايمان آباء الانبياء من اهم الامور و وليس لدى الشيعة ادنى شك في ايمانهم ابدا, ولم ينكر ذلك الا من كان في قلبه مرض او قصر باعه في التحقيق والتدقيق في هذا الامر ايمان ابي طالب عليه السلام |
ايمان ابي طالب عليه السلام
وبالمناسبة اود ان اذكر بالخصوص ايمان ابي طالب عليه السلام , الذي لعبت السياسة الاموية دورا كبيرا في تشويه صورته الايمانية, وانه مات على الشرك. ولاشك ان هذا المعتى كان مقصودا بحيث سخرت له الاقلام , وبذلت من اجله الاموال الطائلة , ولم يكن عداء ابي طالب عليه السلام بمقدار ما كان القصد منه النيل من الامام علي عليه السلام والعداوة له , ومع ذلك لم يفلح الامويون في تأكيد ذلك, لان ماوقعوا فيه من الخطأ, ومن ارتداد التكفير عليهم, اكبر من تكفيرهم لابي طالب عليه السلام, فأرتد مكرهم عليهم, فقد وقعوا في تكذيب النبي (ص) في هذا الموضوع كما ستعرف من خلال الكلام على تأكيد ايمان ابي طالب. واختصر موضوع ايمان ابي طالب في عدة نقاط تدل وتؤكد ايمانه- واما البحث المفصل فله محل آخر-. 1- ترحم النبي (ص) عليه واستغفاره له بعد موته لو كان ابو طالب كافرا لما صح للنبي (ص) ان يستغفر له , قال تعالى ( ماكان للنبي والذين امنوا ان يستغفروا للمشركين ولو كانوا الوي قربى من بعد ماتبين لهم انهم اصحاب الجحيم) , واستغفار النبي (ص) له ثابت في الروايات( قال العلامة المجلسي في بحار الانوار 35/163 ( قالوا وقد جاءت الرواية ان ابا طالب لما مات داء علي عليه السلام الى رسول الله(ص) فآذنه بموته , فتوجع عظيما وحزن شديدا ثم قال امض فتولى غسله, فاذا رفعته على سريره فأعلمني , ففعل, فأعترضه رسول الله (ص) وهو محمول على رؤوس الرجال فقال له وصلتك رحم ياعم, وجزيت خيرا, فلقد ربيت وكفلت صغيرا, ونصرت وآزرت كبيرا, ثم تبعه الى حفرته فوق عليه وقال أما والله لاستغفرن لك ولأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان) وقال ايضا ص167 ( وورد في السيرة والمغازي ان عتبة بن بيعة - او شيبة - لما قطع رجل عبيدة ابن الحارث بن عبد المطلب يوم بدر أشبل عليه علي وحمزة -اي عطفا عليه- فأستنقذاه منه وخبطا عتبة بسيفهما حتى قتلاه, واحتملا صاحبهما من المعركة العريش فألقياه بين يدي رسول الله (ص) وان مخ ساقه ليسيل فقال يارسول الله لو كان ابو طالب حيا لعلم انه قد صدق في قوله كذبتم وبيت الله نخلي محمدا ولما نطاعن دونه ونناضل وننصره حتى نصرع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل فقام رسول الله (ص) واستغفر له ولابي طالب يومئذ. 2-دعاء النبي (ص) له لما توفي ابو طالب دعا له النبي (ص) وقال ( وصلتك رحم ياعم , وجزيت خيرا)( نفس المصدر السابق) ولو كان ابو طالب مشركا لما صح من النبي (ص) ان يدعو له , ولما صح له ان يطلب له الخير. 3- حزنه عليه من المعلوم ان ابا طالب لما توفي وتوفيت معه خديجة عليها السلام في عام واحد , سمى النبي (ص) ذلك العام عام الحزن (راجع مناقب آل ابي طالب , ابن شهر آشوب 1/150 بحار الانوار المجلسي 19/15 وغيرهما) ولو كان ابو طالب مشركا لما صح ان يحزن عليه ابدا 4- اشعاره اشعار ابي طالب التي طبقت الخافقين, لهي اكبر دليل على ايمانه وتوحيده منها قوله رضوان الله عليه ألم تعلموا انا وجدنا محمدا نبيا كموسى خط في اول الكتب( بحار الانوار 35/92) وقوله ايضا والله لن يصلوا اليك بجمعهم حتى اوسد في التراب دفينا فأصدع بأمرك ماعليك غضاضة وابشر وقر بذاك منك عيونا ودعوتني وذكرت انك ناصحي ولقد نصحت وكنت قبل امينا وذكرت دينا قد علمت بأنه من خير اديان البرية دينا ( الغدير الاميني 7/351 بحار الانوار 35/124 وروي من مصادر اخرى باختلاف يسير , راجع مثلا مناقب آل ابي طالب ابن شهر آشوب 1/53 بحار الانوار 35/147 تاريخ اليعقوبي 2/31) وقوله عليه السلام وايده رب العباد بنصره واظهر دينا حقه غير باطل بحار الانوار 35/166 وهي القصيدة المشهورة التي يقول فيها وابيض يستسقى الغمام بوجهه****** ثمال اليتامى عصمة للارامل وشعره كثير جدا , ويثبت ايمانه الصادق ويقينه الواضح 5- ابقاء فاطمة بنت اسد عنده وفاطمة بنت اسد رضي الله عنها من السابقات الى الاسلام, وهي ثاني امراة آمنت برسول الله (ص) ولو كان ابو طالب كافرا لما صح للنبي (ص) ان يبقيها عنده( روي ان الامام علي بن الحسين سئل عن ايمان ابي طالب فقال , واعجبا ان الله تعالى نهى رسوله ان يقر مسلمة على نكاح كافر , وقد كانت فاطمة بنت اسد من السابقات الى الاسلام ولم تزل تحت ابي طالب حتى مات ) بحار الانوار 35/157 6- وصيته رضوان الله عليه فقد ذكر اصحاب السير ان ابا طالب لما حضرته الوفاة, اجتمع اليه اهله, فأنشأ يقول أوصي بنصر نبي الخير مشهده عليا ابني وشيخ القوم عباسا وحمزة الاسد الحامي حفيفته وجعفرا ان يذودوا دونه الناسا كونوا فدى لكم امي وما ولدت في نصر احمد دون الناس اتراسا( بحار الانوار 35/175) فقد اقر بنبوته, ومن قبل اقر بالرسالة عندما نزلت هذه الاية( وانذر عشيرتك الاقربين) تقول الرواية الواردة عن ابن عباس عن علي عليه السلام في تفسير هذه الاية( فلما كان من الغد قال لي (ص) ياعلي اصلح لي مثل ذلك الطعام والشراب قال فأصلحته ومضيت اليهم برسالته قال فأقبلوا اليه فلما اكلوا وشربوا قام رسول الله ليتكلم , فأعترضه ابو لهب لعنه الله قال فقال له ابو طالب رضي الله عنه اسكت يااعور ما انت وهذا؟ قال ثم قال ابو طالب رضي الله عنه لايقومن احد قال فجلسوا ثم قال للنبي (ص) قم ياسيدي فتكلم بما تحب, وبلغ رسالة ربك فانك الصادق المصدق)( الطرائف ابن طاووس الحسني ص300 بحار الانوار 35/145) 7-شهادة الائمة بايمانه ويكفي شهادتهم عليهم السلام بايمانه وانزالهم اياه منزلة اهل الكهف , ومنزلة حزقيل مؤمن آل فرعون , لان اهل البيت عليهم السلام ادرى واعرف بابي طالب وبحاله من غيرهم. فقد ورد عن العباس بن عبد المطلب انه سأل النبي (ص) قال قلت يارسول الله ماترجو لابي طالب ؟ قال (ص) كل الخير ارجو من ربي عزوجل ( الغدير الاميني 7/386 بحار الانوار 35/109 تاريخ مدينة دمشق ابن عساكر 66/336 وقريب منه شرح نهج البلاغة 14/68) وروي ان رجلا من الشيعة كتب الى الامام الرضا عليه السلام ( جعلت فداك اني شككت في اسلام ابي طالب فكتب اليه ( ومن يشاقق الرسول من بعد ماتبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) انك ان لم تقر بايمان ابي طالب مصيرك الى النار) ( شرح نهج البلاغة 14/68 بحار الانوار المجلسي 35/156)ز افتراءات على ابي طالب عليه السلام |
افتراءات على ابي طالب عليه السلام
قولهم في ضحضاح من نار (روت السنة ان النبي (ص) ذكر عنده عمه ابو طالب فقال ( لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبه يغلي منه دماغه) وتناقلت مضمون هذا الخبر كثير من كتبهم راجع على سبيل المثال لا الحصر مسند احمد بن حنبل 3/9 صحيح البخاري 4/247 صحيح مسلم النيسابوري 1/135 وتاريخ دمشق ابن عساكر 66/ 340) وورد عن الامام الباقر عليه السلام انه سئل عما يقوله الناس ان ابا طالب في ضحضاح من نار فقال عليه السلام ( لو وضع ايمان ابي طالب في كفة ميزان , وايمان هذا الخلق في الكفة الاخرى , لرجح ايمانه .... الحديث) ( بحار الانوار المجلسي 35/ 156 وشرح النهج ابن ابي الحديد 14/68, وعنه الغدير الاميني 7/381) وخبر الضحضاح المشار له خبر موضوع يرويه المغيرة بن شعبة , والمغيرة معروف بعداوته لبني هاشم ولعلي خاصة . ( في شرح النهج ابن ابي الحديد بعدما نقل الحديث ذكر ان الامامية قالوا ان حديث الضحضاح انما يرويه الناس كلهم عن رجل واحد , وهو المغيرة بن شعبة, وبغضه لبني هاشم وعلى الخصوص لعلي عليه السلام مشهور وعلوم , وقصته وفسقه أمر غير خاف). ( وقريب منه ماذكره العلامة المجلسي في بحار الانوار 35/112 حيث قال واحاديث الضحضاح جميعها تستند الى المغيرة بن شعبة وهو رجل ضنين في حق بني هاشم لانه معروف بعداوته) والضحضاح في اللغة, الماء القليل, يقال ضحضاح من ماء , ولا يقال ضحضاح من نار ؟ ولكنهم مع ذلك ذكروا انه استعير للنار في الحديث المشار له انك لاتهدي من احببت واما ماورد في قوله تعالى ( انك لاتهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء) وانه انزل في ابي طالب ( فان العامة روت انه حين حضرته الوفاة قال له النبي (ص) ( قل لااله الا الله اشفع لك يوم القيامة قال يا ابن اخي لولا ان تعيرني قريش لاقررت عينك بها فنزلت ( انك لاتهدي.... الاية) وروي بهذا اللفظ او بمضمونه في , السنن الكبرى النسائي 1/655 ومسند ابي يعلى 11/39 والمعجم الكبير الطبراني 20/349 وغيرهم) فهو غلط فاحش فان الاية مدنية , وابو طالب توفي في مكة قبل نزولها. والاية عند التدقيق-لو سلمنا كل الايرادات- تكون مدحا لابي طالب , لانها دالة على ايمانه لا على كفره, وذلك لان ايمان ابي طالب كانت من الله تعالى, فيكون معنى الاية ان ابا طالب الذي تحبه يامحمد ذلك الحب الشديد, هدايته من الله سبحانه. ثم انا نجد ان الناس في هذا الامر قد تحدثوا كثيرا واطنبوا مما يشعر بما ذكرناه من انهم اتبعوا في كلامهم العداوة, وحملهم على ذلك مافي نفوسهم لعلي عليه السلام من الشحناء والبغضاء. مع اننا نجد من يدعي الاسلام بالقول ولم يؤمن قلبه ولاصدر منه مايحكي الاسلام والايمان , يصدق ولايكذب, كأبي سفيان ومروان واعلام النفاق والكفران , أليس هذا من اعجب الاعاجيب. واخيرا وليس آخرا ,ان ابا طالب كتم ايمانه ليتمكن من نصرة النبي (ص) ومن نشر الاسلام بين العرب, ولو اظهر اسلامه وايمانه لما تمكن من ذلك, ولذلك ورد في الحديث المعتبر عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام ( ان مثل ابي طالب مثل اصحاب الكهف , اسروا الايمان واظهروا الشرك, فآتاهم الله اجرهم مرتين) ( الكافي الكليني 1/448 حديث 28 , ابو طالب حامي الرسول , نجم الدين العسكري ص205 بحار الانوار 35/78 وسائل الشيعة آل البيت الحر العاملي 16/225 باب جواز التقية في اظهار الكفر حديث 1) وفي حديث آخر عن ابي عبد الله عليه السلام ( ان جبرئيل نزل على رسول الله (ص) فقال يامحمد ان ربك يقرؤك السلام ويقول لك , ان اصحاب الكهف اسروا الايمان واظهروا الشرك فآتاهم الله اجرهم مرتين , وان ابا طالب اسر الايمان واظهر الشرك , فآتاه الله اجره مرتين , وما خرج من الدنيا حتى اتته البشارة بالجنة)(وسائل الشيعة الحر العاملي 16/231 باب جواز التقية في اظهار الكفر حديث 17) وقول النبي (ص) ( انا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) انما عنى به ابا طالب (بحار الانوار 35/117 حديث 58 , شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 14/69 تفسير ابن كثير 4/544 المصنف الصنعاني 11/229) هذا ابو طالب كان ويبقى منارة الهدى والعلم , للحق والدين , والمؤمن الذي نصر الله ونصر دينه , فسبقت له من الله الحسنى, وتمت له الكلمة الخالدة بالخير والايمانو وما قول المترين الافاكين الذين لم يؤمنوا بالله ورسوله وتسلطوا على دين الله بالباطل الا كما قال تعالى ( فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث) كلمة ختامية والنتيجة انه لاشك عندنا في ايمان آباء الانبياء وامهاتهم , وكذلك آباء الائمة وامهاتهم اجمع و وهذا ما نعتقده عقيدة جازمة لاشك فيها ولا ارتياب . وان ابا طالب عليه السلام يتردد ذكره بذكر مولانا امير المؤمنين عليه السلام في الافاق وعند مطلع كل شمس ومغيبها, وعلى مر الدهور والايام و بل وكلما ترددت كلمة ( اشهد ان لا اله الا الله , واشهد ان محمدا رسول الله ) على المآذن وفي كل مكان وافق, بمواقفه الفذة التي وقفها في وجه الشرك والكفر , ومكن النبي (ص) من ان يدعو الى الله بكل قوة. انها النعمة الكبرى التي انعم الله سبحانه بها على ابي طالب , ان يكون من اركان الدعوة الى هذا الدين , حتى قيل , لم يقم الاسلام الا بثلاث , نصرة ابي طالب ومال خديجة و وسيف علي عليه السلام. تلك كانت عظمة الاسلام وعظمة النبي (ص) ان يبذل الناس انفسهم ودماؤهم في سبيل الله , والحمد لله رب العالمين عقيدتنا بالنبي محمد صلى الله عليه واله وسلم |
عقيدتنا بالنبي محمد صلى الله عليه واله
يعتقد الشيعة ان محمد بن عبد الله (ص) هو النبي الذي ختم الله به الانبياء , وان رسالته كانت خاتمة الرسالات السماوية, وانه سيد الانبياء والمرسلين , بل هو سيد البشر اجمع من الاولين والاخرين, وهو افضلهم فلا يوجد على وجه الارض افضل منه في شأن من الشؤون اطلاقا, وله الكمال المطلق بعد الله سبحانه وتعالى في كل ادوار حياته , قبل البعثة وبعدها. ولذلك كان معروفا قبل البعثة بين قومه بأنه افضل قومه حسبا ونسبا ومروءة, واحسنهم اخلاقا, واكرمهم مخالطة, واعظمهم حلما وامانة, واصدقهم حديثا, وابعدهم عن الفحش والاذى , ولقد سماه قومه بالصادق الامين. واعظم مايعتمد عليه في هذا المقام وفي بيان فضله وعظم شأنه ورفيع صفاته- مضافا الى مايستفاد من القران الكريم- هو ماورد عن امير المؤمنين عليه السلام حيث يقول ( حتى افضت كرامة الله سبحانه الى محمد صلى الله عليه , فأخرجه من افضل المعادن منبتا, واعز الارومات مغرسا ومن الشجرة التي صدع منها انبياءه, وانتخب منها أمناءه....). الى ان يقول( فهو امام من اتقى , وبصيرة من اهتدى, سراج لمع ضوؤه, وشهاب سطع نوره, وزند برق لمعه, سيرته القصد, وسنته الرشد, وكلامه الفصل, وحكمه العدل) ( شرح نهج البلاغة ابن ابي الحديد 7/62 بحار الانوار 16/379) مما ادب الله به نبيه وتخلق به ولقد مدحه الله تعالى في كتابه المجيد بقوله ( وانك لعلى خلق عظيم) فكانت اخلاقه القران, وادابه القران , فمما ادب الله به نبيه قوله تعالى( خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين) وقوله تعالى( ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي) وقوله تعالى( ادفع بالتي هي احسن السيئة) وقوله تعالى( بالمؤمنين رؤوف رحيم) وقوله نعالى( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين) وقوله تعالى( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم) وغير ذلك من الايات الكريمة التي تضمنت الاخلاق والاداب القرانية التي تأدب بها النبي الاكرم (ص) وتخلق بها ومااكثرها عصمته (ص) وكان (ص) معصوما , وعصمته واجبة مطلقة في كل شؤونه واموره, حتى بالنسبة الى الخطأ والنسيان , ومعصوم في جميع ادوار حياته, قال تعالى ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا) وقد اشرنا الى لزوم عصمة النبي (ص) والى دلالة الاية على عصمته (ص) وعصمة اله عليهم السلام. علمه (ص) وان علمه من الله سبحانه وتعالى, وعلمه القران الذي فيه تبيان كل شيء , فهو لم يأخذ من غيره شيئا من العلم وغيره, والا لما كان أفضل من غيره. النبي الامي وكان (ص) اميا لايقرأ ولا يكتب, وفي هذا حكمة بالغة لسد ابواب الشبهات والافتراءات بأنه قرأ كتب الاوائل أو انه اخذ من الاديان الاخرى, فكل مااطلق كن هذه الاقاويل والافتراءات هو اباطيل واكاذيب محضة, لايقصد بها الا زرع الشبهات في نفوس افكار البسطاء والضعفاء. ولو تأملوا في ( القران الكريم) معجزة النبي (ص) وما فيه من علوم وغرائب , لادركوا كذب هذه الدعاوى, بل ان في تطابق مااكتشفه العلم اليوم ويعيشه من غرائب العلوم والتطور العلمي, مع ماتحدث عنه القران قبل الف واربعمائة عام , يؤكد ان الذي يقوله المرجفون زخرف من القول وزور, والنبي محمد (ص) اسمى من ان يأخذ من احد شيئا, علما او غيره, والله مؤيده ومعلمه وهاديه ومعطيه وناصره. وعلى ماذكرناه من افضلية النبي (ص) على غيره في كل شيء , يكون الذي جاء به من عند الله افضل الاديان السماوية قاطبة, ويتضح هذا من بشارة الانبياء السابقين عليهم السلام, من كل الاديان, فقد بشروا به (ص) وبرسالته, واكدوا عليهم السلام على أمههم على لزوم الايمان به , واتباعه ونصرته ان ادركوه. وقد صرح القران الكريم على بعض تلك البشارات , كقوله تعالى(الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل) وقوله تعالى( واذ قال عيسى بن مريم يابني اسرائيل اني رسول الله اليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه احمد ) وغيرها من الايات. عدد الانبياء يعتقد الانبياء بان الله سبحانه وتعالى ارسل الى البشر انبياء كثيرون توالوا في مجيئهم اليهم, لتعليمهم شرائع الله واحكامه وما فيه خيرهم وصلاحهم, وسعادتهم في الدارين الدنيا والاخرة, وقد توالت هذه المسيرة المباركة من لدن آدم عليه السلام حتى نبينا محمد (ص) وقد بلغ عدد الانبياء الذين توافدوا الى البشرية على ماروي مائة واربع وعشرين الف نبي, أولهم آدم عليه السلام وآخرهم محمد (ص) وذكر اكثر من هذا العدد ( بحار الانوار ج 11 ص32 وما بعدها) وقد اشار القران الكريم الى ذلك ( ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك). وقد اشار القران الكريم الى عدد من الانبياء , وذكرهم بأسمائهم, وهم خمسة وعشرون نبيا. قال تعالى ( انا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح والنبيين من بعده واوحينا الى ابراهيم واسماعيل واسحاق ويعفوب والاسباط وعيسى وايوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا* ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما) وقال تعالى ( ووهبنا له اسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وايوب ويوسف وهارون وكذلك نجزي المحسنين* وزكريا ويحيى وعيسى والياس كل من الصالحين* واسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين) وقال تعالى( والى عاد اخاهم هودا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره أفلا تتقون) وقال تعالى( والى ثمود اخاهم صالحا قال ياقوم اعبدوا الله مالكم من اله غيره ) وقال تعالى ( والى مدين اخاهم شعيبا) وقال تعالى ( ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين* ذرية بعضها من بعض) وقال تعالى( واذكر في الكتاب ادريس انه كان صديقا نبيا) وقال تعالى ( واسماعيل وادريس وذا الكفل كل من الصابرين) وقال تعالى ( وما كان محمدا ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ) وهناك من لم يذكره القران ولم يقصصه على النبي (ص) قال تعالى( اولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة) اولو العزم والانبياء على قسمين ( القسم الاول) من كانت نبوته عامة شاملة لجميع البشر , ويسمى هؤلاء بأولي العزم , وهم خمسة نوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ومحمد (ص) , وهؤلاء كانت رسالاتهم عامة لجميع البشر. فكل واحد في زمانه لابد للبشر جميعا من ان يأخذوا بشريعته ويعملوا بها الى وقت النبي الاخر الذي ياتي بعده, فينتهي العمل بالرسالة الاولى ويؤخذ بالرسالة الجديدة . ففي زمان نوح عليه السلام ,عمل برسالته الى ان بعث ابراهيم عليه السلام , فانتهى العمل برسالة نوح عليه السلام, وعمل برسالة ابراهيم عليه السلام. وهكذا الى جاء النبي محمد (ص) , فانتهت كل الرسالات بأجمعها واصبح العمل برسالته (ص), وبه ختم الله النبوة, وختم الاديان, ولذلك قال تعالى ( ان الدين عند الله الاسلام) وقال تعالى( ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه) الروايات في اقسام الانبياء وقد اشار الامام زين العابدين عليه السلام الى اقسام الانبياء حيث قال عليه السلام (.... منهم خمسة, اولو العزم من الرسل , قلنا من هم؟ قال نوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ومحمد (ص) , قلنا له مامعنى اولو العزم؟ قال عليه السلام بعثوا الى شرق الارض وغربها , جنها وأنسها) ( بحار الانوار المجلسي 11/33) وفي رواية الامام الرضا عليه السلام ( انما سمي اولو العزم أولي العزم, لانهم كانوا اصحاب العزائم والشرائع, وذلك ان كل نبي كان بعد نوح عليه السلام كان على شريعته ومنهاجه وتابعا لكتابه, الى زمن ابراهيم الخليل عليه السلام , وكل نبي في ايام ابراهيم وبعده كان على شريعة ابراهيم ومنهاجه وتابعا لكتابه, الى زمن موسى عليه السلام, وكل نبي كان في زمن موسى عليه السلام وبعده كان على شريعة موسى ومنهاجه وتابعا لكتابه, الى ايام عيسى عليه السلام, وكل نبي كان في ايام عيسى وبعده كان على شريعة عيسى ومنهاجه وتابعا لكتابه , الى زمن نبينا محمد (ص) فهؤلاء الخمسة اولو العزم , وهم افضل الانبياء والرسل)( بحار الانوار المجلسي 11/33) قال تعالى ( فاصبر كما صبر اولو العزم من الرسل ) ( القسم الثاني) من كان دوره محدودا في اطار الرسالات الاربع السابقة على الاسلام, فمن وجد من الانبياء في عهد نوح عليه السلام كان يعمل برسالة نوح عليه السلام , وكذا من كان في عهد ابراهيم عليه السلام من الانبياء, عليه ان يعمل برسالة ابراهيم عليه السلام و وكذلك من كان في عهد موسى وعيسى عليهما السلام . وهؤلاء الانبياء على اقسام فمنهم من كان نبيا الى مدينة , ومنهم من ارسل الى قوم , ومنهم من ارسل الى عشيرة , وهكذا. التفاضل بين الانبياء ويظهر ان مراتبهم مختلفة , والتفاضل بينهم موجود, وقد اشار القران الكريم الى ذلك , قال تعالى( وربك اعلم بمن في السمماوات والارض ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا) لكنهم كلهم رسل الله وانبياؤه, يوحي اليهم, ويعملون بامره سبحانه. وحدة الرسالات السماوية هدف الرسالات السماوية الالهية هو توجيه الانسان الى الحق والخير , لان الانسان هو المخلوق المنظور من بين المخلوقات الذي يمتاز بالعقل والادراك, والذي توجد فيه نوازع الخير والشر , والذي انتخب لخلافة الارض وعمارتها, قال تعالى ( اني جاعل في الارض خليفة ). ولكي يتسامى الانسان مع الهدف الرفيع, ويتكامل مع الغاية السامية, ويرتقي الى الحياة الاكمل والاكمل في رحلة الوجود, ولكي ينال الزلفة والعاقبة الحسنة عند الله تعالى في الاخرة... كان لابد ان يوجه الانسان الى الخير ويعلم ويرشد الى مافيه صلاحه, ليحقق غايته وهدفه, ولذلك كانت الرسالات السماوية سنة الهية في حياة الانسان, وتوالت عليه امة بعد امة , وجيلا بعد جيل, وكلها تستهدف هدفا واحدا , وهو اقامة الدين, قال تعالى( شرع لكم من الدين ماوصى به نوحا والذي اوحينا اليك ماوصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان اقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه). فالرسالات السماوية واحدة في العقيدة , وواحدة في الهدف والغاية. أما في الشريعة , فهي وان اختلفت احكامها حسب الظروف والازمنة والامكنة والاستعدادات البشرية, الا انها جاءت لتنظيم شؤون الانسان والمحافظة على علاقته وصلته بالله سبحانه من خلال الطاعة له في الاحكام , والمحافظة على دوره في الحياة الدنيا والاخرة , من خلال الالتزام بما يريده , لان احكامه كلها فيها الحياة الكاملة في الدنيا والاخرة. يقول تعالى( ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا ان الله يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون) الفصل السادس الامامة |
الساعة الآن »02:56 PM. |