|
عضو مجتهد
|
|
|
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
زائر الأربعين
المنتدى :
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
بتاريخ : 07-Mar-2013 الساعة : 08:47 AM

اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
-[ 205 ]-
المقام الثاني
في الدليل على عصمة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
وجوب عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التبليغ
لا ينبغي التأمل في وجوب عصمة النبي في التبليغ عن الله تعالى والأداء عنه، فلا يقع منه تبليغ خلاف الواقع عمداً ولا سهوًا. وربما كان ذلك هو المعروف عند المسلمين.
والوجه فيه ظاهر، ضرورة أن النبي لَمّا كانت وظيفته التبليغ عن الله تعالى، فإذا لم يكن معصوماً في التبليغ، وأمكن أن يبلغ عنه خلاف الواقع عمداً أو خطأ فقد خرج عن وظيفته، ويقبح على الله تعالى - وهو العالم بمآيل الأمور - أن يختار للنبوة مَن لا يؤدي وظيفتها، لأنه نقض للغرض.
ومن هنا كان الاعتقاد بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التبليغ ملازماً للاعتقاد بنبوته، بحيث لا يتم الاعتقاد بنبوته إلا بالاعتقاد بعصمته في التبليغ.
أما الشيعة فقد أوجبوا في النبي العصمة من الذنوب مُطلقًا، حتى في غير التبليغ، بل المشهور بينهم اعتبار العصمة من السهو والخطأ فيه أيضًا. فهنا دعويان..
-[ 206 ]-
وجوب عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن جميع الذنوب
الدعوى الأولى: أن النبي معصوم من الذنوب.
والوجه في ذلك: أنه حيث وجبت طاعة النبي - بنص الكتاب المجيد والضرورة من الدين - وكان أسوة لأمته وقدوة لها، ولذا كانت سنّته التي يجب اتباعها هي قوله وفعله وتقريره، فلابد من مجانبته للمعصية وعصمته منها، إذ لو قارف المعصية، فإنْ رخَّص الله تعالى في متابعته والتأسي به لزم ترخيصه تعالى في المعصية، وهو محال، وإنْ لم يرخِّص في متابعته خرج عن كونه أسوة لأمته، ولم يكن فعله سنّة متبعة، وهو خلاف المفروض.
ويؤيد ذلك أمران:
الأول: أن من أعظم المشجعات للناس على القبول من المرشد هو استقامته وموافقة عمله لقوله. قال الله عز وجل: ((أتَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أنفُسَكُم وَأنتُم تَتلُونَ الكِتَابَ أفَلاَ تَعقِلُونَ)) (1). فاللازم تحلي النبي بذلك، ليقبله الناس منه، وإلا نفروا منه ولم يتفاعلوا معه، ولم يتحقق الغرض من بعثته، ولا يكون ذلك إلا بترك الذنوب والمعاصي كلها، وهو عَيْن العصمة.
الثاني: أن من تمام إقامة الحجة من الله تعالى على الناس في تعاليمه وأحكامه - بعد تبليغهم بها وإيصالها إليهم - أن يدركوا أنها قابلة للتطبيق، بحيث يكون فيهم من يطبقها عمليًّا، ويجسدها في الواقع الخارجي المنظور،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية: 44.
-[ 207 ]-
لئلا يتوهموا أنها فرضيات مثالية لا يقوى الإنسان بما أوتي من غرائز أن يطبقها تطبيقاً كاملاً، ليكون ذلك مبرراً لخروجهم عنها وانفلاتهم منها.
ففي حديث عبد الأعلى مولى آل سام قال: "سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها فتقول: يا رب حسنت خلقي حتى لقيت ما لقيت، فيجاء بمريم (عليها السلام) فيقال: أنت أحسن أو هذه؟ قد حسّنّاها فلم تفتتن.
ويجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه فيقول: يا رب حسّنت خلقي حتى لقيت من النساء ما لقيت، فيجاء بيوسف (عليه السلام) فيقال: أنت أحسن أو هذا؟ قد حسّناه فلم يفتتن.
ويجاء بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه فيقول: يا رب شددت عليّ البلاء حتى افتتنت، فيؤتى بأيوب (عليه السلام) فيقال: أبليتك أشد أو بلية هذا ؟ قد ابتلى فلم يفتتن" (1).
ومن الظاهر أن أولى الناس بأن يكون متحلياً بذلك هو من يختاره الله تعالى للتبليغ بتلك التعاليم والأحكام، والدعوة لها، ويأمرهم بطاعته والاستماع له والقبول منه، إذ لو كان غيره متحلياً بها دونه كان أفضل منه وأولى منه بأن يطاع ويتبع، لقبح تقديم المفضول على الفاضل، وتبعية الفاضل للمفضول، كما لعله ظاهر.
هذا كله بلحاظ حكم العقل.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 8: 227، حديث: 291.
-[ 208 ]-
الدليل النَّقْلي على عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
أما الأدلة النقلية فهي كثيرة ويكفينا منها قوله تعالى: ((وَإذ ابتَلَى إبرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأتَمَّهُنَّ قَالَ إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ)) (1)، حيث دلت الآية الشريفة على أن عهد الله تعالى لإبراهيم (عليه السلام) بالإمامة في ذريته لا ينال الظالمَ منهم.
ومن الظاهر أن كل معصية ظلم، ولو لله تعالى، لأنها تَعَدٍّ عليه وخروج عن مقتضى حقه العظيم، وعن مقتضى العبودية له. فلابد من كون الإمام منزهاً عن الظلم والمعاصي، وحيث كان النبي إماماً لأمته يجب عليهم اتباعه، فلابد من كونه منزهاً عنها بمقتضى هذه الآية الكريمة.
ولنكتف بهذا المقدار في إثبات عصمة الأنبياء (صلوات الله عليهم) عمومًا. وهو يكفي في إثبات عصمة سيدهم وخاتمهم نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
ويؤكد ذلك فيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أمران:
الأول: ما يأتي في عصمة أهل بيته (صلوات الله عليهم). فإنه يكفي في إثبات عصمته (صلى الله عليه وآله وسلم) بعمومه له، أو بالأولوية القطعية.
الثاني: إجماع أهل بيته (صلوات الله عليهم) على عصمة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل جميع الأنبياء (صلوات الله عليهم)، فإن ذلك وإن لم يصلح دليلاً قبل ثبوت إمامتهم ومرجعيتهم للأمة في أمر دينها، إلا أنه بعد ثبوت ذلك – كما يأتي - فهو من أقوى الأدلة، لأن الدليل العقلي المجرد قد يتزلزل بالوساوس
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية: 124.
-[ 209 ]-
والتشكيكات وبالشبهات إذا خفي وجه دفْعِها، وحينئذٍ لا يكفي في تحقيق القناعة وإذعان النفس.
أما الإجماع المذكور فهو أشبه بالدليل الحِسِّي والبداهة التي لا يقف أمامها شيء من الشبهات، ولا مجال معها للوساوس والتشكيكات.
عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من السَّهْو
الدعوى الثانية: أن النبي معصوم من السهو. والسهو وإن لم يكن معصية ولا ظلمًا، إلا أنه يمنع مِن كونه قدوة وأسوة، إذ قد يسهو فيفعل المعصية أو يترك الطاعة، فإذا جعله الله تعالى قدوة في ذلك فقد أحلَّ المعصية، وإلا خرج عن كونه قدوة وأسوة للمؤمنين، ولم يكن قوله ولا فعله ولا تقريره سنة متبعة.
إنْ قلت: فما المانع مِن أن يسهو فيما لا دخْل له في الدين، كما لو كلم شخصاً بتخيل أنه زيد، وهو في الواقع عمرو.
قلتُ: ذلك رافِع للوثوق بتبليغه وأفعاله التي تتعلق بالدين، فإنّ عامة الناس لا تدرك الفرق العقلي بين السهو في أمور الدين والسهو في غيره، وإنما يدرك ذلك الخاصة. أما عامة الناس فهم يفسرون الحوادث بالتفسيرات الطبيعية، فإذا رأوا منه السهو في شيء وأمكن عندهم وقوعه منه قاسوا عليه بقية الأشياء، فلم يثقوا بأقواله وأفعاله حتى في أمور الدين، وذلك عائق دون أدائه لوظيفته في بيان دين الله وشرعه، ولا يتم له أداء وظيفته بالوجه الأكمل، بحيث يثق الناس به، ويطمئنون لأقواله وأفعاله
-[ 210 ]-
إلا إذا انسد عندهم باب السهو عليه في كل شيء.
ويؤيد ذلك في نبينا العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) ما ورد عنه في نومه من أنه تنام عينه ولا ينام قلبه (1).
إذ من المعلوم أن النوم حالة طبيعية يعرفها الناس، ولا يشتبهون فيها، ونومه بالوجه الطبيعي بحيث يفقد إدراكه ويتعطل عقله لا يخلّ بمقام تبليغه، ولا بالوثوق بأفعاله وأقواله، فإذا كان مع ذلك قد فاق الناس وتميز عنهم بأن قلبه لا ينام، وأن عقله يؤدي وظيفته المثلى في المعرفة والإدراك حتى حال النوم، فكيف يهبط حال اليقظة إلى مستوى السهو والخطأ بحيث يتخبط عقله في المعرفة والإدراك، وهو الحال الذي يؤدّي به وظيفته في التبليغ، وفي كونه قدوة للمؤمنين وأسوة لهم؟!
ولنكتف بهذا المقدار في بيان عصمة الرسل والأنبياء، ففيه بلاغ، مع إيكال التفاصيل للمطولات.
والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق والتسديد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري 3: 1308 كتاب المناقب: باب كان النبي (صلى الله عليه وسلم) تنام عينه ولا ينام قلبه / صحيح مسلم 1: 528 كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه / المستدرك على الصحيحين 2: 468 كتاب التفسير: تفسير سورة الصافات / مسند أحمد 1: 278 مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي (صلى الله عليه وسلم) / الأحاديث المختارة 10: 68، 69 فيما رواه بكير بن شهاب المكي عن سعيد بن جبير / مسند أبي عوانة 1: 266 / السنن الكبرى للبيهقي 1: 122 كتاب الطهارة: باب ما ورد في نوم الساجد / مسند الطيالسي 1: 356 / المعجم الكبير 12: 247 فيما رواه شهر بن حوشب عن ابن عباس. وغيرها من المصادر الكثيرة.
-[ 211 ]-
ما يجب الاعتقاد به هو أصْل النبوة
بقي شيء: وهو أن ما يجب الاعتقاد به والذي هو من أصول الدين هو أصل النبوة، ويكتفى بذلك في حق الغافل عن الخصوصيات الأخر، كما يشهد به موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدر الدعوة وسيرة المسلمين من بعده.
ويجب الاعتقاد أيضاً بأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء، وأن شريعته خاتمة الشرايع، لأنّ ذلك من ضروريات الدين التي يكون إنكارها خروجاً عنه، لرجوعه إلى تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما ادعاه وبلغ به.
أما العصمة فهي وإنْ كانت حقّاً ويجب الاعتقاد بها في حقِّ مَن التفتَ إليها، إلا أنها ليست من أصول الدين، ولا يكون إنكارها خروجاً عنه، إلا أن يرجع إلى تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو خطئه في بعض ما بلغ به، فيكون كفْرًا، كما هو ظاهر.
وقد تقدم عند الكلام في العصمة بالتبليغ ما ينفع في المقام.
والحمد لله رب العالمين
|
|
|
|
|