أصول العقيدة(3)في النبوة والرسالة - الصفحة 2 - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: القرآن الكريم والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم :. ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
منوعات قائمة الأعضاء مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
كاتب الموضوع زائر الأربعين مشاركات 13 الزيارات 6050 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 11  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 03-Mar-2013 الساعة : 11:55 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 181 ]-

الفصل السادس
في المبدئية والمثالية التي تحلّى بها حَمَلَةُ الدعوة

من شواهد صدق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : سلوكه (صلى الله عليه وآله وسلم) وسلوك أهل بيته (صلوات الله عليهم) ومثاليتهم وتضحياتهم، حيث يشهد ذلك بمجموعه بأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) صاحب رسالة حقّة مثالية، همُّه نجاح رسالته وتحقيق أهدافه النبيلة، بواقعية وإخلاص وتضحية فريدة، وأنه قد حَمّلَ أهلَ بيته ثقلَ رسالته ومسؤوليتها ورعايتها، فأخلصوا في ذلك تبعاً له وتفاعلاً معه، فحفظوا تعاليمه، ونشروها حيثما وجدوا لذلك سبيلاً، مهما كلفهم ذلك من عناء وتضحية.
فقد عاش (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن يصدع برسالة ربه معروفاً بصدق الحديث وأداء الأمانة، وجاءت رسالته لتؤكد عليهما وعلى المُثُل ومكارم الأخلاق والواقعية والإخلاص وما يجري مجرى ذلك.
وقد انعكس ذلك عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) في أقواله وأفعاله وسلوكه ونهجه حين صدع بتلك الرسالة، وتحمل مسؤولية الدعوة لها ونشرها.
-[ 182 ]-
فكان يتجنب اللف والدوران، ويلتزم بالمواثيق والعهود، ويتجرع الأذى والغصص من المشركين والمنافقين بصبر وحلم ومثالية.
وما مدحه القرآن المجيد بأنه على خلق عظيم لولا أنه كان معروفاً بذلك مشهوراً به.
وقد أدرك (صلى الله عليه وآله وسلم) - بممارسته ومعايشته لأتباعه أو بإعلام مِن الله تعالى أو بالأمرين معاً - ما سيلقاه أهل بيته - وهم أعز الناس عليه - مِن بعده من الظلم والجور والقتل والتشريد، وقد أعلن بذلك (1) إقامةً للحجة، مِن دون أن يخرج عن مثاليته وتعاليم رسالته ويلفّ ويدور، أو يغتال، أو يشرّد، أو يُسْقط الأطراف الذين يخشى منهم، مِن أجل أن يسدّ الطريق عليهم، ويمنعهم مِن الاستيلاء على السلطة ويحكم قبضته على الأمور، من أجل أن يحفظ سلطانه من التلاعب، ويحتفظ به لأهل بيته، ويجنبه ويجنبهم مآسي خروجه عنهم وفجائعه.
وجاء أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) من بعده ليلتزم سلوكه ولا يحيد عنه، فهو يأبى - تَحَرُّجاً أو مثاليةً - أن يترك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جُثَّةً، أو يوكل أمر تجهيزه لغيره من أهل بيته، ويخرج لينازع الناس سلطانه، كما تنازعوه بينهم.
وبعد أن استولى غيره على الحكم اكتفى بامتناعه عن البيعة وإعلان سخطه وإنكاره إقامةً للحجة، مِن دون أن يثيرها فتنةً يخشى منها على
ـــــــــــــــــــــــ
(1) تقدمت مصادره في هامش رقم (2) ص: 160.
-[ 183 ]-
مستقبل الإسلام، كما فَعَل غيرُه في نظير موْقِعه.
ثم لم يبخل بنفسه عن نصيحة المستولين وتسديدهم لصالح الإسلام، وإنْ كان في ذلك قوةً لهم وتثبيتًا لسلطانهم أيضًا.
كما أعمل مبدئيته في الشورى، ولم يعط الشرط الذي أعطاه غيره من أجل الوصول للحكم، لأنه مقتنع بعدم شرعية ذلك الشرط، وليس من شأنه أن يعطي شرطاً ثم ينكث به، كما نكث غيره.
ولما انتهى الأمر له وأرادوا بيعته لم يرض بذلك حتى أعلمهم بأنه لهم وزير خير لهم منه أمير، وأنهم مقبلون على أمر له وجوه وألوان، لا يسهل عليهم تحمله، وأنه إذا وَلِـيَ الأمر سار على ما يعلم مما قد لا يعجبهم، أو لا يصبرون عليه (1).
ولما أصروا عليه وبايعوه تحمّل مسؤوليته بمبدئية ومثالية أتعبته وفرقت عنه أصحابه، وبقى متمسكاً بها وإن كلفته الثمن الباهض.
فهو (عليه السلام) لم يرغم من لم يبايعه على البيعة، وإن كان أسلافهم الذين يوالونهم ويرون شرعية سلطانهم قد أرغموه عليها.
ولم يمنع (صلوات الله عليه) طلحة والزبير من العمرة، وإن كانت بوادر الغدر لائحة في الأفق، بل لوّح هو (عليه السلام) أو صرّح بها.
كما لم يمنع (عليه السلام) معاوية وأصحابه الماء لمّا استنقذه منهم، وإن كانوا قد منعوه وأصحابه الماء حينما سبقوهم إليه.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) شرح نهج البلاغة 7: 33.
-[ 184 ]-
ولما حكّم الخوارج وقطعوا عليه خطبته لم يبادرهم بالعقوبة، بل قال لهم: "لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيء مادامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدؤونا..." (1). وكانت سيرته في جميع حروبه أن لا يبدأ عدوه بالقتال.
كما أنه (صلوات الله عليه) لم يرض لنفسه أن يطلب النصر بالجور فيمن ولي عليه (2)، وأبى أن يصلح رعيته بفساد نفسه (3).
وبعكسه في ذلك خصومُه، حيث استغلوا مبدئيته في سبيل الانشقاق عليه وزرع الأشواك في طريقه وإثارة الفتن ضدّه، حتى تمّ لهم ما أرادوا وخرّ صريعاً في محرابه، كما هو معلوم من سيرته وسيرتهم.
بل لم يترك (عليه السلام) مبدأه ومثاليته حتى مع قاتله، فقد أكدّ (عليه السلام) قبل أن يقتله أنه سوف يقتله (4)، ولكنه (عليه السلام) لم يقتله ولم يحجر عليه، لأنه لا يجوز العقاب قبل الجناية. بل لم يمتنع (عليه السلام) من الخروج ليلة قتله للصلاة تسليماً
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكامل في التاريخ 3: 213 ذكر خبر الخوارج عند توجيه الحكمين وخبر يوم النهر / البداية والنهاية 7: 282 / تاريخ الطبري 3: 114 ذكر ما كان من خبر الخوارج عند توجيه علي الحكم للحكومة وخبر يوم النهر.
(2) شرح نهج البلاغة 2: 203.
(3) شرح نهج البلاغة 6: 102.
(4) المصنف لعبد الرزاق 10: 125 كتاب العقول: باب لا يذفف على جريح / الاستيعاب 3: 1126 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / الطبقات الكبرى 3: 34 ذكر عبد الرحمن بن ملجم المرادي وبيعة علي ورده إياه.. / أنساب الأشراف 3: 261 أمر ابن ملجم وأمر أصحابه ومقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) / كنز العمال 13: 191 رقم الحديث: 36568، ص: 195 رقم الحديث: 36582 / تاريخ دمشق 42: 554 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / الكامل في ضعفاء الرجال 3: 464 في ترجمة سدير ابن حكيم. وغيرها من المصادر.
-[ 185 ]-
لمقادير الله تعالى. ولما ظفر بقاتله وأسَرَه كان يحسن إليه (1)، وأوصى بأن لا يُمثَّل به (2).
قال اليعقوبي عند التعرض لبيعة الناس الإمامَ الحسن (عليه السلام) بعد مقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) : "ودعا بعبد الرحمن بن ملجم، فقال عبد الرحمن: ما الذي أمرك به أبوك؟ قال: أمرني أن لا أقتل غير قاتله، وأن أشبع بطنك، وأنعم وطاءك، فإن عاش اقتصّ أو عف، وإن مات ألحقتك به. فقال ابن ملجم: إن كان أبوك ليقول الحق، ويقضي به في حال الغضب والرضا" (3)... إلى غير ذلك من شواهد التزامه بدينه ومبدئيته ومثاليته، بل هو من الوضوح بحدّ لا يحتاج إلى تكلف جمع الشواهد.
وقام بعده ولده الإمام الحسن السبط (صلوات الله عليه) ليتجرع الغصص بصلحه مع معاوية من أجل الحفاظ على البقية الباقية من صالحي المؤمنين الذين ينتظر منهم أن يحملوا دعوة الحق ويبلغوها الناس، ويشدوهم
ـــــــــــــــــــــــ
(1) السنن الكبرى للبيهقي 8: 56 كتاب الجراح: جماع أبواب تحريم القتل ومن يجب عليه القصاص ومن لا قصاص عليه: باب ما جاء في الترغيب في العفو عن القصاص، ص: 183 كتاب قتال أهل البغي: باب الرجل يقتل واحداً من المسلمين على التأويل أو ممتنعين يقتلون واحداً كان عليهم القصاص / مسند الشافعي 1: 313 كتاب قتال أهل البغي / الطبقات الكبرى 3: 37 ذكر عبد الرحمن بن ملجم المرادي وبيعة علي ورده إياه.. / أنساب الأشراف 3: 256، 261 أمر ابن ملجم وأمر أصحابه ومقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) / تاريخ دمشق 42: 557 في ترجمة علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) / فيض القدير 1: 331. وغيرها من المصادر.
(2) مجمع الزوائد 6: 249 كتاب الحدود والديات باب: النهي عن المثلة، 9: 142 كتاب المناقب باب: مناقب علي بن أبي طالب في باب بعد باب وفاته / المعجم الكبير 1: 100 سن علي بن أبي طالب ووفاته (رضي الله عنه) / نصب الراية 3: 119 / تاريخ الطبري 3: 158ـ159 أحداث سنة أربعين: ذكر الخبر عن سبب قتله ومقتله / الكامل في التاريخ 3: 257 ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
(3) تاريخ اليعقوبي 2: 214 في خلافة الحسن بن علي.
-[ 186 ]-
إليها، وينكروا على الظالمين، كيلا تضيع معالم الحق ولا يسمع صوته، وإن كان ينتظر من معاوية وحكمه كل شرّ عليه وعلى شيعته. كما ينتظر من كثير من الناس اللوم والتقريع بما في ذلك بعض شيعته.
ثم التزم (عليه السلام) هو وأخوه الإمام الحسين السبط (عليه السلام) من بعده بالعهد مع معاوية ولم يحركا ساكنًا، وإن جدّ معاوية في نبذ العهد ومخالفة شروطه، لئلا يدعا لمعاوية مجالاً للتهريج عليهما بنقض العهد، والنيل من دعوة الحق، بتشويه صورة أئمته وحملته (صلوات الله عليهم).
ولما ولي يزيد نهض الحسين نهضته المقدسة، مع المحافظة على المبادئ والمثل والبعد عن اللف والدوران والتحايل، فأعلن من اليوم الأول عن حق أهل البيت في الحكم، وأنه قد غُصب منهم، وأنه يسير في الحكم بسيرة جده (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبيه، مع ما هو المعلوم من أن هذين الأمرين لا يناسبان هوى الكثرة الساحقة من الناس، فيتقاعسون عن نصره.
وأعلن مراراً - كما أعلن مَن قبله مِن أهل بيته (صلوات الله عليهم)أنّ عاقبة أمره أن يُقتَل (1)، وأنه لابد لمَن يخرج معه أن يوطن نفسه على ذلك (2).
كما أعلن في الطريق لمن تبعه من عامة الناس أن أهل الكوفة قد خذلوه، ليعرف الناس على ماذا يقدمون (3). وبقي على ذلك حتى لقي
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكامل في التاريخ 4: 38، 39 / مقتل الخوارزمي 1: 191، 226. وغيرها من المصادر الكثيرة
(2) كامل الزيارات: 175 / بصائر الدرجات: 502 / دلائل الإمامة: 188 / بحار الأنوار 44: 367.
(3) تاريخ الطبري 3: 303 وفي هذه السنة كان خروج الحسين (عليه السلام) من مكة متوجها إلى الكوفة: ذكر الخبر عن مسيره إليها وما كان من أمره في مسيره ذلك / الكامل في التاريخ 3: 404 ذكر مسير الحسين إلى الكوفة / البداية والنهاية 8: 169 صفة مخرج الحسين إلى العراق.
-[ 187 ]-
مصرعه المفجع.
كما بقي هذا الخلق والسلوك ثابتاً في الأئمة من أهل البيت (صلوات الله عليهم) ملازماً لهم.
وقد امتنع الأئمة من ولده (صلوات الله عليهم) عن المطالبة بالحكم والسعي للاستيلاء عليه، بل عُرِض عليهم فَأَبَوْه، وقوفاً عند عهد الله تعالى لهم بعدم تحقق الظرف المناسب لقيام الحكم الصالح الذي يمثل الإسلام بحقيقته وحدوده قبل ظهور قائم آل محمد (عجّل الله فرجه).
مع أنهم لو كانوا أصحاب دنيا ومصالح مادية عاجلة لسارعوا إلى ذلك وانتهزوا الفرص، كما انتهزها غيرهم.

فرْض احترام أهل البيت (عليهم السلام) على المسلمين عامة

وإذا حاول المجادل أن يشكك في الصورة التي يعكسها تاريخ المسلمين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدقه وإخلاصه ومثاليته، لدعوى: أنّ لإيمان المسلمين بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقديسهم إياه أثراً مهماً في عكس تلك الصورة عنه من حيث يشعرون أو لا يشعرون، فإنه لا مجال لذلك في الأئمة من أهل بيته (عليهم السلام).
لِمَا هو المعلوم مِن أنّ الاتجاه العام للمسلمين مخالف لخطّ أهل البيت (عليهم السلام)، فهم لا يعترفون بإمامتهم، ولا يتفاعلون معهم، ويعادون مواليهم وشيعتهم، ويشنعون عليهم، ويرون شرعية خلافة المستولين على السلطة حتى مَن كان منهم يعلن بغض أهل البيت (عليهم السلام) ومقاومتهم،
-[ 188 ]-
ويأتمون بأئمة المذاهب السائرة في ركاب أولئك المتسلطين، المباينة لنهج أهل البيت (عليهم السلام).
ومع كل ذلك فهم يكادون يُجْمعون على صدق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأمانتهم واحترامهم، بل تعظيمهم وتقديسهم.
ولا تفسير لذلك إلا كون صدقهم (صلوات الله عليهم) وقدسيتهم ورفعة شأنهم حقائق ثابتة قد فرضت نفسها على أرض الواقع وألجأت الناس للإذعان بها رغم كل المثبطات والمعوقات.
ومن الظاهر أن كمالهم (عليهم السلام) وواقعيتهم فرْع عن كمال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وواقعيته، فهم حجته الباقية من بعده الشاهدة بصدقه وحقه.
والحاصل: أن من ينظر لواقع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) في أقوالهم وسلوكهم وجهدهم وجهادهم، ويستوعب ذلك كله بإمعان وتبصر، يجدهم أصحاب رسالة ومبادئ سامية قد اقتنعوا بها وتبنوا الدعوة لها والحفاظ عليها وعلى صفائها ونقائها، وضحوا في سبيل ذلك بالنفس والنفيس، وبإصرار وتصميم.
وليس من المعقول أن يكون ذلك منهم نتيجة اختلاق الدعوة والكذب المتعمد على الله تعالى والافتراء عليه، إذ لم ينتفعوا بذلك في دنياهم، بل صار سبباً لتعرضهم للمحن العظام والمصائب الجسام، وصُبّ عليهم وعلى شيعتهم ومحبيهم من أجله البلاء صبًّا.
كما لا يعقل أن يكون ذلك منهم عن حسن نية نتيجة أوهام خاطئة
-[ 189 ]-
وخيالات فارغة، إذ لا ريب في أنهم (صلوات الله عليهم) في القمة من العقل والرشد والنضوج الفكري، حتى استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم على المستوى الإسلامي، بل العالمي.

مواقف أهل البيت (عليهم السلام) تشهد باطلاعهم على حقيقة قطعية

فلابد أن يكون ذلك لحقيقة وصلت إليهم وأدركوها عَيَانًا، بل هو أمر مقطوع به بعد تأكيدهم (عليهم السلام) على أن ذلك عهد معهود قد وصل إليهم من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعد ظهور شواهد ذلك وتصديقه في كثير من الموارد لا يسعنا استقصاؤها، إلا أن هناك بعض النكت يقف الإنسان أمامها مبهورًا ويحسن التعرض لبعضها إيضاحاً للحقيقة وتأكيداً للحجة..

تنبُّؤ الصديقة الزهراء (عليه السلام) بمصير الأمة المظلم

منها: تنبؤ الصديقة الزهراء (صلوات الله عليه) بمصير الأمة المظلم، نتيجة افتتانها بعد رحيل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للرفيق الأعلى، وخروجها بالخلافة عن موضعها الذي جعلها الله تعالى فيه، وتقاعسها عن التغيير وإنكار المنكر.
حيث إنها (عليه السلام) - بعد أن احتجت لاستحقاق أمير المؤمنين (عليه السلام) الخلافة وأولويته بها - قالت: "أما لعمر الهكن لقد لقحت [يعني: الفتنة] فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا طلاع القعب دماً عبيطًا، وذعافاً ممقرًا هناك يخسر المبطلون ويعرف التالون غبّ ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم نفسًا، وطامنوا للفتنة جأشًا، وابشروا بسيف صارم وبقرح شامل واستبداد
-[ 190 ]-
من الظالمين، يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصيدًا، فيا حسرة لكم، وأنى بكم، وقد عميت عليكم، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون" (1).
وما أصدقه وأروعه من إعلان، حيث بدأت المشاكل والمضاعفات، وتطورت الأمور حتى انفجرت بعد خمسة وعشرين عاماً بمقتل عثمان، وما استتبعه من حروب دامية، ثم حكم معاوية بعد خمس سنوات حكماً دام عشرين عاماً وما انتهك فيه من حرمات كان آخرها ولاية يزيد، الذي كان منه ما كان من فظائع وفجائع بدأت بقتل الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته نجوم الأرض من آل عبد المطلب، وأصحابه الصفوة، وانتهاك حرمتهم، وحرمة العائلة النبوية، والتشهير برؤوسهم وبها في البلدان، بنحو تقشعر لهوله الأبدان.
ثم واقعة الحرة الهمجية البشعة بأهل المدينة المنورة، وختمت بانتهاك حرمة الحرم الشريف، وضرب الكعبة المعظمة وهدمها بالمنجنيق.
ثم جاءت خلافة مروان وبنيه فاتخذوا عباد الله خولاً، وماله دولاً، ودينه دغلاً، وتعاقبت الدول وتوالت الحكام على المسلمين ((كُلَّمَا دَخَلَت أُمَّةٌ لَعَنَت أُختَهَا)) (2)، حتى انتهى بهم الأمر إلى ما هم عليه الآن مما هو غني عن البيان وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بلاغات النساء لابن طيفور: 20 في كلام فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) / جواهر المطالب لابن الدمشقي 1: 168 / شرح نهج البلاغة 16: 234.
(2) سورة الأعراف آية:38.
-[ 191 ]-

كتاب الإمام الحسين (عليه السلام) لأخيه محمد بن الحنفية

ومنها: كتاب الحسين (عليه السلام) من مكة لأخيه محمد بن الحنفية.
وفيه: "بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى محمد بن علي ومَن قِبَله من بني هاشم. أما بعد فإنّ مَن لحق بي استشهد، ومَن لم يلحق بي لم يدرك الفتح. والسلام" (1).
فتراه (صلوات الله عليه) وهو في مكة قبل أن يذهب للعراق يعلن أنه ومن معه سوف يستشهدون، ثم يرى أنهم بذلك فاتحون، وأن من لم يلحق به يفوته الفتح المذكور.
وأي فتح هذا بعد القتل؟! لو لم يكن (صلوات الله عليه) صاحب رسالة يرى الفتح في الشهادة، من أجل حفظها من حكام الجور، الذين يقودون حركة الردة ضده، في محاولة تحريفها وطمس معالمها وخنق صوتها. ويعلم بنجاحه في قصده، وتحقق ما يستتبع تلك الشهادة من الفتح العظيم بتجديد حيوية الدين وفاعليته، وسقوط حرمة الظالمين، وما استتبع ذلك من حسن الذكر له (عليه السلام) ولمن معه ولدعوته عموماً في الدنيا، وعظيم الأجر في الآخرة الذي كان (عليه السلام) على بصيرة منه وطمأنينة إليه.
ويشير إلى ذلك حديث ولده الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) مع إبراهيم بن طلحة.. فحينما رجع (عليه السلام) بالعائلة المفجوعة إلى المدينة المنورة استقبله إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله، وقال: "يا علي بن
ـــــــــــــــــــــــ
(1) كامل الزيارات: 157 واللفظ له / بصائر الدرجات: 502 / نوادر المعجزات: 110 / دلائل الإمامة: 188 / الخرائج والجرائح 2: 771ـ772. وغيره.
-[ 192 ]-
الحسين، من غلب؟ وهو مغطى رأسه، وهو في المحمل. قال: فقال له علي بن الحسين: إذا أردت أن تعلم من غلب، ودخل وقت الصلاة، فأذِّن ثم أقم" (1).

خطبة زينب الكبرى (عليه السلام) في مجلس يزيد

ومنها: خطبة عقيلة بني هاشم زينب الكبرى (عليه السلام) وهي أسيرة في مجلس يزيد، حين شمخ بأنفه مسرورًا، وقد أعلن بكفره، متوهماً أنه قد قضى على الحسين (عليه السلام) ودعوته بقتله.
تلك الخطبة التي تجلت فيها عظمتها ورباطة جأشها، وعلمها بثمرة تلك النهضة المقدسة، وسوء عاقبة الظالمين في الدنيا والآخرة، حيث قالت (صلوات الله عليه) في كلام لها طويل:
"فَكِدْ كيْدَك، واسْعَ سعيك، وناصب جهدك. فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك أمدنا. ولا ترحض عنك عارها. وهل رأيُك إلا فَنَدْ، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي: ألا لعنة الله على الظالمين" (2).
وصدقت (صلوات الله عليه) في حديثها، فقد بقي الدين وظهرت دعوته، وانتشر ذكرهم (صلوات الله عليهم) وارتفع في الدنيا شأنهم. وانتهى أولئك الظالمون ولم يبق لهم إلا اللعنة والعار.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) أمالي الشيخ الطوسي: 677.
(2) بحار الأنوار 45: 135 / مقتل الخوارزمي 2: 66.
-[ 193 ]-

حديث زينب الكبرى (عليه السلام) مع الإمام زين العابدين (عليه السلام)

ومنها: حديثها (عليه السلام) مع الإمام زين العابدين (صلوات الله عليه) حينما مرّوا بهم على مصارع القتلى في كربلاء وهم منبوذون بالعراء، في استعراض منها لعهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالواقعة وببعض تفاصيلها، وفي جملته:
"ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات، أنهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة. وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء، لا يدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام. وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه، فلا يزداد أثره إلا ظهوراً وأمره إلا علوّاً" (1).
وبالفعل جهد أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محو قبر الحسين (عليه السلام) وطمس أثره بشتى الوسائل، وفي مختلف العصور، وبمنتهى العنف والقسوة، وباءت محاولاتهم جميعاً بالفشل الذريع والخيبة الخاسرة، وظل قبره الشريف مزاراً ومناراً للدين وكهفاً وملجأ للمؤمنين.
وكلما تقادم الزمن، وتعاقبت العصور، علا نوره وارتفع شأنه بوجه ملفت للنظر.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 28: 57.
-[ 194 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 12  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 05-Mar-2013 الساعة : 05:52 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 194 ]-

حديث سليمان بن هارون

ومنها: حديث سليمان بن هارون عن الإمام الصادق (عليه السلام) حول بعض الفرق المنحرفة عن خط الإمامية، حيث قال (عليه السلام) عن سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منكراً دعواهم:
"وإن صاحبه لمحفوظ محفوظ له. ولا يذهبن يميناً ولا شمالاً، فإن الأمر واضح. والله لو أن أهل الأرض اجتمعوا على أن يحولوا هذا الأمر (يعني الإمامة) عن موضعه الذي وضعه الله ما استطاعوا. ولو أن خلق الله كلهم جميعاً كفروا حتى لا يبقى أحد جاء الله لهذا الأمر بأهل يكونون هم أهله" (1).
وهذا منه (عليه السلام) إخبار قاطع ببقاء دعوة الإمامية وعدم انقراضها، في وقت كانت في مهب الرياح، مستهدفة للقوى المعادية القاهرة، ومع ذلك تعاني من الفتن والمشاكل المعقدة. وكأنه (عليه السلام) يجري في كلامه هذا على غرار قوله تعالى: ((وَإن تَتَوَلَّوا يَستَبدِل قَوماً غَيرَكُم ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أمثَالَكُم)) (2)، ويكون مفسراً له.
وكيف كان فقد صدق هذا الخبر القاطع عيانًا، حيث بقيت هذه الدعوة المباركة هذه المدة الطويلة رغم كل المعوقات والمحن والمصائب والفتن.
ولاسيما محنة الغَيبة وما ترتب عليها من انشقاقات وفتن يفترض
ـــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 26: 204.
(2) سورة محمد آية: 38.
-[ 195 ]-
فيها أن تنسف هذه الدعوة من أساسها، لولا أنها دعوة حق تعهد الله تعالى ببقائها، لتقوم بها الحجة على الناس، وأخبر عن ذلك على لسان أمنائه على وحيه والناطقين عنه جلّ جلاله.

الكتاب المتضمِّن تعيينَ الأئمة (عليهم السلام)

ومنها: الكتاب المنزل من الله تعالى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأسماء الأئمة من أهل بيته وشيء من أحوالهم واحداً بعد واحد، وفيه بعد ذكر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) :
"ثم أُكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين، عليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب. سيذل أوليائي في زمانه ويتهادون رؤوسهم كما تتهادى رؤوس الترك والديلم، فيقتلون ويحرقون، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين، تصبغ الأرض بدمائهم، ويفشو الويل والرنين في نسائهم. أولئك أوليائي حقًّا، بهم أدفع كل فتنة عمياء حِندِس، وبهم أكشف الزلازل وأرفع الآصار والأغلال ((أُولَئِكَ عَلَيهِم صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُم المُهتَدُونَ)) " (1).
وهو - كما ترى - يحكي ما عانت منه شيعة أهل البيت في عصور الغيبة الطويلة، ومنها ما نراه في هذه العصور، حيث ظهرت فتنة المتطرفين الذين يستحلون سفك دمائهم علنًا، كما استحلها كثير مِن قبلهم، وفعلوا الأفاعيل بوحشية مسرفة.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) إعلام الورى بأعلام الهدى 2: 177.
-[ 196 ]-
هذا من جانب ومن جانب آخر بقيت هذه الطائفة هذه المدة الطويلة متماسكة في نفسها محافظة على مفاهيمها الدينية الرفيعة ومبادئها السامية، تعتمد الحوار والبرهان، مسموعة الدعوة.
وبذلك تقوم بها الحجة على الناس في التعريف بالإسلام الحق القريب من الفطرة، بعيداً عن التشويه والتحريف، نتيجة التطرف المرفوض فطريًّا، أو التبعية للحكام التي من شأنها الإغراق في التسامح والتخفيف من قيود الدين والخروج عن ثوابته.
وبهذا حفظت هذه الطائفة للإسلام بهاءه وكرامته، وفرضت احترامه على الناس. وظهر صدق قوله عز وجل في الكتاب المتقدم: "بهم أدفع كل فتنة عمياء حِندِس..."... إلى غير ذلك من شواهد صدقهم (صلوات الله عليهم)، ومعرفتهم بمآيل الأمور، بتعليم من الله تعالى لهم، فضلاً منه سبحانه خصهم به، بعد أن وجدهم أهلاً لذلك، لخضوعهم له، وبخوعهم لحكمه، وفنائهم في ذاته، وجهادهم في سبيله.

تأثير أهل البيت (عليهم السلام) في أتباعهم

وبسبب ظهور صدقهم (عليهم السلام) وإخلاصهم، وتفاعلهم مع الواقع الذي يتحدثون عنه، كان لهم التأثير الملفت للنظر في ذوي المستوى الرفيع من العقل والرشد والإخلاص من أتباعهم، حيث تفاعلوا معهم ومع الحق الذي جاؤوا به.
وكانت نتيجة ذلك الثبات العجيب والتضحيات الجسام، كما ذكره
-[ 197 ]-
أهل الحديث والمؤرخون عن النخبة الصالحة من صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) ومن بعدهم من المؤمنين جيلاً بعد جيل، حيث جاهدوا في سبيل الدعوة بتصميم وإصرار وتحملوا في سبيلها القتل والسجن والتشريد وصنوف البلاء... وهكذا استمرت الدعوة إلى يومنا هذا، وما زالت في قوة وظهور وعلوّ وانتشار، محفوفة بالمحن والمآسي والمتاعب والمصائب.
هذا ما تيسر لنا ذكره من شواهد نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تعرف العاقل المتدبر بصدقه وواقعيته، وتحمله على الإيمان به والإذعان له. وفي مجموعها، بل في كل منها بلاغ للمتبصر المنصف والناقد غير المتعسف.
وهي توضح ما سبق عن الإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي (عليه السلام) في حديثه مع ابن السكيت من أن الحجة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على صدقه هو العقل الذي يعرف به الصادق من الكاذب.
-[ 198 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 13  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 06-Mar-2013 الساعة : 05:40 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 198 ]-

تتميم: في عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

بقي الكلام في العصمة التي أجمع المسلمون على تَحَلِّي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها في الجملة.
ولابد لنا من الكلام..
أولاً: في حقيقة العصمة ومنشئها.
وثانياً: في دليل تحلي نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) بل جميع الأنبياء (صلوات الله عليهم) بها، وحصولها فيهم.
فيقع الكلام في مقامين..
-[ 199 ]-

المقام الأول
في حقيقة العصمة ومنشئها

معنى العصمة لغة

من الظاهر أن معنى العصمة لغة المَنْع. ومنه قوله تعالى: ((وَاللهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)) (1)، وقوله سبحانه: ((وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلاَ تَكُن مَعَ الكَافِرِينَ* قَالَ سَآوِي إلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِن المَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ اليَومَ مِن أمرِ اللهِ إلاَّ مَن رَحِمَ)) (2).

مَنْشأ العصمة في الجهل والخطأ

والعصمة بالإضافة إلى الجهل والخطأ والنسيان لابد أن تبتني على منع الله سبحانه وتعالى للعبد منه، ولو بما يَخْرُج عن اختياره من مميزاته التكوينية الجسدية، أو المنبهات الخارجية، ولو بمثل الوحي والتسديد بروح القدس ونحوهما. ولا محذور في ذلك.

مَنْشأ العصمة بالإضافة إلى المعاصي

أما العصمة بالإضافة إلى المعاصي - في التبليغ أو غيره - فقد يُتَوَهَّم فيه
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة المائدة آية: 67.
(2) سورة هود آية: 42ـ43.
-[ 200 ]-
ذلك أيضاً قياساً على العصمة في بقية الأمور، وربما ينسب ذلك للشيعة، جهلاً بمرادهم، أو تشنيعاً عليهم، مع أنه غريب عليهم.
بل لا يتناسب مع مَبْناهم العام في أفعال العباد، إذ مِن المعلوم أنّ الاتجاهات فيها ثلاثة..

مذهب الجَبْريّين والمُفَوِّضة في أفعال العباد

الأول: اتجاه الجبريين القائلين بِسَلْب اختيار الإنسان، وانفراد الإرادة الإلهية بأفعاله، من دون أن يكون له دخل فيها.
فأفعال الإنسان عندهم كحركة دمه في عروقه، ودقات قلبه، وبقية الأمور التكوينية الخارجة عنه، كهيجان الهواء ونزول المطر.
الثاني: اتجاه المفوضة القائلين بانفراد إرادة الإنسان واختياره بأفعاله، من دون أن يكون للإرادة الإلهية دخل فيها أصلاً.
فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وفوض إليه أفعاله، ولم يُعمِل جلّ شأنه سلطانه فيه، بل اعتزل عنه.

مذهب الشيعة في أفعال العباد

الثالث: اتجاه الشيعة الإمامية التابع لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) والمتمثل في قولتهم (عليهم السلام) المشهورة:
"لا جَبْرَ ولا تَفْوِيض، بل أَمْرٌ بيْن أمْريْن" (1).
ومرْجعُه إلى أن أفعال الإنسان خاضعة لاختياره في طُول خضوعها لتقدير الله تعالى وتدبيره، فهو جلّ شأنه قد مَلَّكَ الإنسانَ وأقْدَره على ما
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 1: 160 / عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 2: 114.
-[ 201 ]-
هو أملك له وأقدر عليه، فقدَّر له أن يفعل ما يفعل ويترك ما يترك مختاراً في ذلك غير مجبور.
وعلى ذلك يكون فعل الإنسان خاضعاً لإرادته واختياره بالمباشرة، ولإرادة الله تعالى وتقديره مِن وراء ذلك.
ولا يخرج فعْلُه عن سلطان الله تعالى - كما يقوله المفوضة - ولا عن اختيار الإنسان نفسه- كما يقوله الجبريون- ومِن ثمّ أمْكَن خطاب الله تعالى به وتكليفه فعْلاً أو ترْكًا، واستحق الإنسان به المدح أو الذم والثواب أو العقاب. على ما يأتي توضيحه في الفصل الرابع عند الكلام في العدل الإلهي.

اخْتيَار المعصوم في فعْل الطاعة وترْك المعصية

إذا عرفت ذلك فكما يكون عادِيُّ الناسِ مختاراً في فعل ما يفعل وترك ما يترك من الطاعات والمعاصي، وإن كانت بتقدير الله تعالى من ورائه، فكذلك حال المعصوم في فعل جميع الواجبات والطاعات، وترك جميع المحرمات والمعاصي.
فهو يفعل جميع الواجبات والطاعات باختياره، ويترك جميع المحرمات والمعاصي باختياره. وليست العصمة إلا بشمولية الطاعة وعموميتها، مِن دون فرق بين المعصوم وغيره في حقيقتها ومنشئها.
وربما أوْهم خِلافَ ذلك أمران:
-[ 202 ]-

التعبير بالعصمة لا يعني الإجبار

الأول: التعبير بالعصمة، التي هي بمعنى المنع لغة، كما سبق. بل قد تنسب لله تعالى، فيقال: عصمه الله تعالى من المعاصي. وفي الزيارة الجامعة الكبيرة: "عصمكم الله من الزلل، وآمنكم من الفتن...".
لكن ليس المراد بها هنا المنع القسري، بل تهيئة أسباب التوفيق لاختيار الطاعة واجتناب المعصية، على طول الخطّ، وفي جميع الأوقات والأحوال، مثل كمال عقل الشخص، وقوة شخصيته وصفاء نفسه، وأعماله الصالحة التي تكون مدعاة للتوفيق، وتذكير الله تعالى له وتسديده إياه، ونحو ذلك مما ينتهي بالآخرة لحسن اختيار الإنسان نفسه.
نظير تهيئة الأسباب المذكورة لاختيار الطاعة واجتناب المعصية لعادِيِّ الناس في بعض الأوقات والحالات وإن لم يستمر على ذلك.
ولذا كان المعصوم أفضل من غيره، بل في أعلى مراتب الفضل والقرب من الله تعالى، لاستقامته على الطاعة وترك المعصية، والتزامه بذلك، بنحْوٍ يكشف عن ارتفاع مستواه وشدة علاقته بالله تعالى وفنائه فيه.
ولو كان مقهوراً في ذلك مجبوراً عليه من دون إرادة ولا اختيار لما كان له في ذلك فضل ولا كرامة عند الله تعالى، بل لا طاعة ولا معصية في حقه، كالآلات الصامتة إذا حركت من أجل تحقيق ما يراد منها.
-[ 203 ]-

وجوب العصمة لا يعني حصولها قسْرًا

الثاني: أنه كثيراً ما يُعبَّر عن النبي أو الإمام بأنه واجب العصمة، حيث قد يتوهم أن وجوب العصمة بمعنى لزومها بنحو لا يمكن التخلص منها، المناسب لكونها قسرية غير اختيارية.
لكن ليس المراد بالوجوب ذلك، بل كون ثبوت العصمة للشخص معلوماً بالضرورة العقلية، بسبب تحقق لازمها - وهو النبوة أو الإمامة - بحيث لا مجال لاحتمال عدمها فيه.
وتوضيح ذلك: أنه بعد أن ثبت - كما يأتي إن شاء الله تعالى - بحكم العقل أنه يقبح على الله تعالى أن يجعل النبوة والإمامة في غير المعصوم، فإذا جعل شخصاً نبيّاً أو إماماً فلابد بالضرورة أن يكون الشخص المذكور قد علم الله تعالى منه أنه لا يقارف ذنباً وأنه معصوم بالمعنى المتقدم، لامتناع صدور القبيح منه تعالى شأنه، ومع علمه سبحانه بذلك فلابد أن يتحقق، لاستحالة الخطأ عليه جلّ شأنه.
وهذا لا ينافي كون العصمة من الذنوب فيه بسبب اختيار الشخص نفسه للطاعة ومجانبة المعصية. بل لا تكون العصمة إلا بذلك، إذ مع الإجبار لا طاعة ولا معصية، كما سبق.
فالمقام نظير ما لو رَشَّح الثقةُ العارف شخصاً لأن يكون إماماً في الصلاة جماعة، فإنه يُعلَم بذلك أن الشخص المرشَّح للإمامة عادِلٌ بنظر الثقة العارف الذي رشحه، من دون أن ينافي ذلك كون عدالة ذلك الشخص
-[ 204 ]-
بسبب اختياره للطاعة ومجانبته للمعصية من دون أن يكون مجبوراً عليهما.
غاية الأمر أن الخطأ على الثقة العارف الذي رشح الشخص للإمامة في الصلاة ممكن عقلاً، والخطأ على الله تعالى في اختيار مَن هو أهل للنبوة أو الإمامة محال ممتنع عقلاً، فتكون عصمة النبي والإمام معلومة بالضرورة العقلية بسبب ذلك، وهو معنى وجوبه.
-[ 205 ]-



زائر الأربعين
عضو مجتهد

رقم العضوية : 8240
الإنتساب : Feb 2010
المشاركات : 94
بمعدل : 0.02 يوميا
النقاط : 186
المستوى : زائر الأربعين is on a distinguished road

زائر الأربعين غير متواجد حالياً عرض البوم صور زائر الأربعين



  مشاركة رقم : 14  
كاتب الموضوع : زائر الأربعين المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 07-Mar-2013 الساعة : 08:47 AM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


-[ 205 ]-

المقام الثاني
في الدليل على عصمة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)

وجوب عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التبليغ

لا ينبغي التأمل في وجوب عصمة النبي في التبليغ عن الله تعالى والأداء عنه، فلا يقع منه تبليغ خلاف الواقع عمداً ولا سهوًا. وربما كان ذلك هو المعروف عند المسلمين.
والوجه فيه ظاهر، ضرورة أن النبي لَمّا كانت وظيفته التبليغ عن الله تعالى، فإذا لم يكن معصوماً في التبليغ، وأمكن أن يبلغ عنه خلاف الواقع عمداً أو خطأ فقد خرج عن وظيفته، ويقبح على الله تعالى - وهو العالم بمآيل الأمور - أن يختار للنبوة مَن لا يؤدي وظيفتها، لأنه نقض للغرض.
ومن هنا كان الاعتقاد بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التبليغ ملازماً للاعتقاد بنبوته، بحيث لا يتم الاعتقاد بنبوته إلا بالاعتقاد بعصمته في التبليغ.
أما الشيعة فقد أوجبوا في النبي العصمة من الذنوب مُطلقًا، حتى في غير التبليغ، بل المشهور بينهم اعتبار العصمة من السهو والخطأ فيه أيضًا. فهنا دعويان..
-[ 206 ]-

وجوب عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مِن جميع الذنوب

الدعوى الأولى: أن النبي معصوم من الذنوب.
والوجه في ذلك: أنه حيث وجبت طاعة النبي - بنص الكتاب المجيد والضرورة من الدين - وكان أسوة لأمته وقدوة لها، ولذا كانت سنّته التي يجب اتباعها هي قوله وفعله وتقريره، فلابد من مجانبته للمعصية وعصمته منها، إذ لو قارف المعصية، فإنْ رخَّص الله تعالى في متابعته والتأسي به لزم ترخيصه تعالى في المعصية، وهو محال، وإنْ لم يرخِّص في متابعته خرج عن كونه أسوة لأمته، ولم يكن فعله سنّة متبعة، وهو خلاف المفروض.
ويؤيد ذلك أمران:
الأول: أن من أعظم المشجعات للناس على القبول من المرشد هو استقامته وموافقة عمله لقوله. قال الله عز وجل: ((أتَأمُرُونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنسَونَ أنفُسَكُم وَأنتُم تَتلُونَ الكِتَابَ أفَلاَ تَعقِلُونَ)) (1). فاللازم تحلي النبي بذلك، ليقبله الناس منه، وإلا نفروا منه ولم يتفاعلوا معه، ولم يتحقق الغرض من بعثته، ولا يكون ذلك إلا بترك الذنوب والمعاصي كلها، وهو عَيْن العصمة.
الثاني: أن من تمام إقامة الحجة من الله تعالى على الناس في تعاليمه وأحكامه - بعد تبليغهم بها وإيصالها إليهم - أن يدركوا أنها قابلة للتطبيق، بحيث يكون فيهم من يطبقها عمليًّا، ويجسدها في الواقع الخارجي المنظور،
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية: 44.
-[ 207 ]-
لئلا يتوهموا أنها فرضيات مثالية لا يقوى الإنسان بما أوتي من غرائز أن يطبقها تطبيقاً كاملاً، ليكون ذلك مبرراً لخروجهم عنها وانفلاتهم منها.
ففي حديث عبد الأعلى مولى آل سام قال: "سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: تؤتى بالمرأة الحسناء يوم القيامة التي قد افتتنت في حسنها فتقول: يا رب حسنت خلقي حتى لقيت ما لقيت، فيجاء بمريم (عليها السلام) فيقال: أنت أحسن أو هذه؟ قد حسّنّاها فلم تفتتن.
ويجاء بالرجل الحسن الذي قد افتتن في حسنه فيقول: يا رب حسّنت خلقي حتى لقيت من النساء ما لقيت، فيجاء بيوسف (عليه السلام) فيقال: أنت أحسن أو هذا؟ قد حسّناه فلم يفتتن.
ويجاء بصاحب البلاء الذي قد أصابته الفتنة في بلائه فيقول: يا رب شددت عليّ البلاء حتى افتتنت، فيؤتى بأيوب (عليه السلام) فيقال: أبليتك أشد أو بلية هذا ؟ قد ابتلى فلم يفتتن" (1).
ومن الظاهر أن أولى الناس بأن يكون متحلياً بذلك هو من يختاره الله تعالى للتبليغ بتلك التعاليم والأحكام، والدعوة لها، ويأمرهم بطاعته والاستماع له والقبول منه، إذ لو كان غيره متحلياً بها دونه كان أفضل منه وأولى منه بأن يطاع ويتبع، لقبح تقديم المفضول على الفاضل، وتبعية الفاضل للمفضول، كما لعله ظاهر.
هذا كله بلحاظ حكم العقل.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 8: 227، حديث: 291.
-[ 208 ]-

الدليل النَّقْلي على عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

أما الأدلة النقلية فهي كثيرة ويكفينا منها قوله تعالى: ((وَإذ ابتَلَى إبرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأتَمَّهُنَّ قَالَ إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّالِمِينَ)) (1)، حيث دلت الآية الشريفة على أن عهد الله تعالى لإبراهيم (عليه السلام) بالإمامة في ذريته لا ينال الظالمَ منهم.
ومن الظاهر أن كل معصية ظلم، ولو لله تعالى، لأنها تَعَدٍّ عليه وخروج عن مقتضى حقه العظيم، وعن مقتضى العبودية له. فلابد من كون الإمام منزهاً عن الظلم والمعاصي، وحيث كان النبي إماماً لأمته يجب عليهم اتباعه، فلابد من كونه منزهاً عنها بمقتضى هذه الآية الكريمة.
ولنكتف بهذا المقدار في إثبات عصمة الأنبياء (صلوات الله عليهم) عمومًا. وهو يكفي في إثبات عصمة سيدهم وخاتمهم نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
ويؤكد ذلك فيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أمران:
الأول: ما يأتي في عصمة أهل بيته (صلوات الله عليهم). فإنه يكفي في إثبات عصمته (صلى الله عليه وآله وسلم) بعمومه له، أو بالأولوية القطعية.
الثاني: إجماع أهل بيته (صلوات الله عليهم) على عصمة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل جميع الأنبياء (صلوات الله عليهم)، فإن ذلك وإن لم يصلح دليلاً قبل ثبوت إمامتهم ومرجعيتهم للأمة في أمر دينها، إلا أنه بعد ثبوت ذلك – كما يأتي - فهو من أقوى الأدلة، لأن الدليل العقلي المجرد قد يتزلزل بالوساوس
ـــــــــــــــــــــــ
(1) سورة البقرة آية: 124.
-[ 209 ]-
والتشكيكات وبالشبهات إذا خفي وجه دفْعِها، وحينئذٍ لا يكفي في تحقيق القناعة وإذعان النفس.
أما الإجماع المذكور فهو أشبه بالدليل الحِسِّي والبداهة التي لا يقف أمامها شيء من الشبهات، ولا مجال معها للوساوس والتشكيكات.

عصمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من السَّهْو

الدعوى الثانية: أن النبي معصوم من السهو. والسهو وإن لم يكن معصية ولا ظلمًا، إلا أنه يمنع مِن كونه قدوة وأسوة، إذ قد يسهو فيفعل المعصية أو يترك الطاعة، فإذا جعله الله تعالى قدوة في ذلك فقد أحلَّ المعصية، وإلا خرج عن كونه قدوة وأسوة للمؤمنين، ولم يكن قوله ولا فعله ولا تقريره سنة متبعة.
إنْ قلت: فما المانع مِن أن يسهو فيما لا دخْل له في الدين، كما لو كلم شخصاً بتخيل أنه زيد، وهو في الواقع عمرو.
قلتُ: ذلك رافِع للوثوق بتبليغه وأفعاله التي تتعلق بالدين، فإنّ عامة الناس لا تدرك الفرق العقلي بين السهو في أمور الدين والسهو في غيره، وإنما يدرك ذلك الخاصة. أما عامة الناس فهم يفسرون الحوادث بالتفسيرات الطبيعية، فإذا رأوا منه السهو في شيء وأمكن عندهم وقوعه منه قاسوا عليه بقية الأشياء، فلم يثقوا بأقواله وأفعاله حتى في أمور الدين، وذلك عائق دون أدائه لوظيفته في بيان دين الله وشرعه، ولا يتم له أداء وظيفته بالوجه الأكمل، بحيث يثق الناس به، ويطمئنون لأقواله وأفعاله
-[ 210 ]-
إلا إذا انسد عندهم باب السهو عليه في كل شيء.
ويؤيد ذلك في نبينا العظيم (صلى الله عليه وآله وسلم) ما ورد عنه في نومه من أنه تنام عينه ولا ينام قلبه (1).
إذ من المعلوم أن النوم حالة طبيعية يعرفها الناس، ولا يشتبهون فيها، ونومه بالوجه الطبيعي بحيث يفقد إدراكه ويتعطل عقله لا يخلّ بمقام تبليغه، ولا بالوثوق بأفعاله وأقواله، فإذا كان مع ذلك قد فاق الناس وتميز عنهم بأن قلبه لا ينام، وأن عقله يؤدي وظيفته المثلى في المعرفة والإدراك حتى حال النوم، فكيف يهبط حال اليقظة إلى مستوى السهو والخطأ بحيث يتخبط عقله في المعرفة والإدراك، وهو الحال الذي يؤدّي به وظيفته في التبليغ، وفي كونه قدوة للمؤمنين وأسوة لهم؟!
ولنكتف بهذا المقدار في بيان عصمة الرسل والأنبياء، ففيه بلاغ، مع إيكال التفاصيل للمطولات.
والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق والتسديد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ـــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري 3: 1308 كتاب المناقب: باب كان النبي (صلى الله عليه وسلم) تنام عينه ولا ينام قلبه / صحيح مسلم 1: 528 كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه / المستدرك على الصحيحين 2: 468 كتاب التفسير: تفسير سورة الصافات / مسند أحمد 1: 278 مسند عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عن النبي (صلى الله عليه وسلم) / الأحاديث المختارة 10: 68، 69 فيما رواه بكير بن شهاب المكي عن سعيد بن جبير / مسند أبي عوانة 1: 266 / السنن الكبرى للبيهقي 1: 122 كتاب الطهارة: باب ما ورد في نوم الساجد / مسند الطيالسي 1: 356 / المعجم الكبير 12: 247 فيما رواه شهر بن حوشب عن ابن عباس. وغيرها من المصادر الكثيرة.
-[ 211 ]-

ما يجب الاعتقاد به هو أصْل النبوة

بقي شيء: وهو أن ما يجب الاعتقاد به والذي هو من أصول الدين هو أصل النبوة، ويكتفى بذلك في حق الغافل عن الخصوصيات الأخر، كما يشهد به موقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صدر الدعوة وسيرة المسلمين من بعده.
ويجب الاعتقاد أيضاً بأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم الأنبياء، وأن شريعته خاتمة الشرايع، لأنّ ذلك من ضروريات الدين التي يكون إنكارها خروجاً عنه، لرجوعه إلى تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما ادعاه وبلغ به.
أما العصمة فهي وإنْ كانت حقّاً ويجب الاعتقاد بها في حقِّ مَن التفتَ إليها، إلا أنها ليست من أصول الدين، ولا يكون إنكارها خروجاً عنه، إلا أن يرجع إلى تكذيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو خطئه في بعض ما بلغ به، فيكون كفْرًا، كما هو ظاهر.
وقد تقدم عند الكلام في العصمة بالتبليغ ما ينفع في المقام.
والحمد لله رب العالمين


إضافة رد



ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc