اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
طلب البيعة من الإمام الحسين
لما مات معاوية بن أبي سفيان في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة ، كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - وهو والي المدينة - يأمره بأخذ البيعة على أهلها ، وخاصة من الحسين . الطبري : ثم بعث الوليد بن عتبة إلى الحسين بن علي ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، فدعاهم فأقبل إليهم الرسول ، والرسول عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان .
لم يصب القوم في منازلهم ، فمضى نحو المسجد ، فإذا القوم عند قبر النبى ، فسلم عليهم ، ثم قام وقال : أجيبوا الأمير .
فقال الحسين : نفعل ذلك إذا نحن فرغنا عن مجلسنا ، إن شاء الله .
وفي رواية أنه قال : إنصرف ، الآن نأتيه .
ابن أعثم : فأقبل عبد الله بن الزبير على الحسين بن علي عليهما السلام وقال : يا أبا عبد الله ! إن هذه ساعة لم يكن الوليد بن عتبة يجلس فيها للناس ، وإني قد أنكرت ذلك ، وبعثه في هذه الساعة إلينا ودعاءه إيانا لمثل هذا الوقت ، أترى في أي طلبنا ؟ فقال له الحسين : إذا أخبرك أبا بكر ! إني أظن بأن معاوية قد مات ، وذلك أني رأيت البارحة في منامي كأن منبر معاوية منكوس ، ورأيت داره تشتعل نارا ، فأولت ذلك في نفسي أنه مات .
ابن نما : أنه قال : أظن أن طاغيتهم هلك ، رأيت البارحة أن منبر معاوية منكوس وداره تشتعل بالنيران .
الطبري : أنه قال : قد ظننت ، أرى [ أن ] طاغيتهم قد هلك ، فبعث إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشوا في الناس الخبر .
ابن أعثم : فقال له ابن الزبير : فاعلم يا ابن علي ! أن ذلك كذلك ، فما ترى أن تصنع إن دعيت إلى بيعة يزيد أبا عبد الله ؟ قال : أصنع أني لا أبايع له أبدا ، لان الأمر إنما كان لي من بعد أخي الحسن عليهما السلام ، فصنع معاوية ما صنع وحلف لأخي الحسن أنه لا يجعل الخلافة لأحد من بعده من ولده أن يردها إلى إن كنت حيا ، فإن كان معاوية قد خرج من دنياه ولم يفىء [ لم يف ] لي ولا لأخي الحسن بما كان ضمن ، فقد والله ! أتانا ما لا قوام لنا به ! انظر أبا بكر أني أبايع ليزيد ، ويزيد رجل فاسق ، معلن الفسق ، يشرب الخمر ويلعب بالكلاب والفهود ، ويبغض بقية آل الرسول ! لا والله ! لا يكون ذلك أبدا .
ابن شهر آشوب : أنه قال : أنا لا بد لي من الدخول على الوليد ، وأنظر ما يقول .
ابن أعثم : فبينما هما كذلك في هذه المحاورة إذ رجع إليهما الرسول فقال : يا أبا عبد الله ! إن الأمير قاعد لكما خاصة ، فقوما إليه ، قال : فزبره الحسين بن علي عليهما السلام ثم قال : انطلق إلى أميرك ، لا أم لك ! فمن أحب أن يصير إليه منا فإنه صائر إليه ، وأما أنا فإني أصير إليه الساعة إن شاء الله تعالى .
ثم أقبل الحسين على من بحضرته ، فقال : قوموا إلى منازلكم فإني صائر إلى هذا الرجل فأنظر ما عنده وما يريد .
فقال له ابن الزبير : جعلت فداك ، يا ابن بنت رسول الله ! إني خائف عليك أن يحبسوك عندهم فلا يفارقونك أبدا دون أن تبايع ، أو تقتل ! فقال الحسين : إني لست أدخل عليه وحدي ، ولكن أجمع أصحابي إلي وخدمي وأنصاري وأهل الحق من شيعتي ، ثم آمرهم أن يأخذ كل واحد سيفه مسلولا تحت ثيابه ، ثم يصيروا بإزائي ، فإذا أنا أومأت إليهم وقلت : يا آل الرسول ادخلوا ! دخلوا وفعلوا ما أمرتهم به ، فأكون على الامتناع ، ولا أعطي المقادة والمذلة من نفسي ، فقد علمت والله ! أنه جاء من الأمر ما لا قوام به ، ولكن قضاء الله ماض في ، وهو الذي يفعل في بيت رسوله ما يشاء ويرضى .
الطبري : أنه قال : أجمع فتياني الساعة ، ثم أمشي إليه ، فإذا بلغت الباب احتبستهم عليه ، ثم دخلت عليه .
قال ابن الزبير : فإني أخافه عليك إذا دخلت .
قال : لا آتيه إلا وأنا على الامتناع قادر .
ابن أعثم : ثم صار الحسين بن علي عليهما السلام إلى منزله ، ثم دعا بماء ، فلبس وتطهر بالماء ، وقام فصلى ركعتين ، ودعا ربه بما أحب في صلاته ؛ فلما فرغ من ذلك أرسل إلى فتيانه وعشيرته ومواليه وأهل بيته فأعلمهم بشأنه ، ثم قال : كونوا بباب هذا الرجل فإني ماض إليه ومكلمه ، فإن سمعتم أن صوتي قد علا ، وسمعتم كلامي وصحت بكم ؛ فادخلوا يا آل الرسول ! واقتحموا من غير إذن ، ثم اشهروا السيوف ولا تعجلوا ، فإن رأيتم ما تكرهون فضعوا سيوفكم ، ثم اقتلوا من يريد قتلي .
المفيد : أنه قال لهم : إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ، ولست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيب إليه ، وهو غير مأمون ، فكونوا معي ، فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب ، فإن سمعتم صوتي قد علا ، فادخلوا عليه لتمنعوه عني .
ابن شهر آشوب : أنه قال لمن حوله من أهل بيته : إذا أنا دخلت على الوليد وخاطبته وخاطبني وناظرته وناظرني كونوا على الباب ، فإذا سمعتم الصيحة قد علت والأصوات قد ارتفعت فاهجموا إلى الدار ، ولا تقتلوا أحدا ولا تثيروا إلى الفتنة .
ابن أعثم : ثم خرج الحسين من منزله وفي يده قضيب رسول الله ، وهو في ثلاثين رجلا من أهل بيته ومواليه وشيعته ، حتى أوقفهم على باب الوليد بن عتبة ، ثم قال : انظروا ماذا أوصيتكم ، فلا تعتدوه ، وأنا أرجوا أن أخرج إليكم سالما إن شاء الله .
الطبري : ثم أقبل يمشي حتى انتهى إلى باب الوليد فقال : إني داخل فإن دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فاقتحموا علي بأجمعكم ، وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج إليكم .
وفي رواية : أنه قال : إن سمعتم أمرا يريبكم فادخلوا .