|
عضو مميز
|
|
|
|
الدولة : العـــــــــــــراق
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
المنتدى :
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
القيادة في القرآن
بتاريخ : 26-Feb-2010 الساعة : 12:58 AM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
لقد خلَّفَ(الموروث التفسيري) الذي حوته المكتبة الإسلامية نقصاً ملحوظاً في مستوى الفهم القرآني للحقائق التي يقدمها القرآن العظيم على صعيد الكم وعلى صعيد النوع أيضاً . فقد خلَّف هذا الموروث الذي لا شكَّ أن السلطات الحاكمة وعلى مرِّ تاريخ المسلمين تدخَّلت كثيراً بترسيخ مادَته في أذهان المسلمين وغير المسلمين رعاية لمصالح الحاكمين،خلَّف نظرة مُفادها أن القرآن كتابٌ يحكي قصص الأولين للتسلية بمفهومها البسيط الساذج،كما يعكس حالة العقاب الأخروي لأهل المعاصي،أو الثواب الأخروي لأهل الطاعة،وبالقدر الذي لا يخدش مشاعر القائمين أو يُزعزع عروشهم التي أقاموها بالحديد والنار على أنهم خلفاء الحق سبحانه وتعالى .على هذا فالقرآن عندهم محمولٌ من لدن طائفة من المسلمين لا يحقُّ لغيرهم من أبناء الأمّة تداوله إلاّ بما يُقرره لهم أولئك الذين جعلوا أنفسهم(حَمَلَة) لهذا الكتاب العزيز،وهو لا يعدو كونه كتاب مقدّس من كتب التراث مخصصٌ للتغني به بأصوات جميلة،وحفظ نصوصه عن ظهر قلب وإعراب جُمَلِهِ العربية على النحو الذي تُعرب فيه النصوص الشعرية ،كالمعلقات وغيرها،ودراسة الجوانب البلاغية التي تظهرها الآيات المباركات بنحو أكاديمي فيه من الجمود وعدم الحركة الشيء الكثير،وإغراق هذه الدراسات بحشد هائل من المصطلحات الفنية المغلقة التي يضعها أرباب كل فنٍّ من هذه الفنون،ولعلَّ الغاية من وراء هذا الإقحام هو إبعاد القرآن عن ساحة المسلمين خوفاً من أن يطلع المسلمون على ما في هذا الكتاب العظيم من مفاهيم أخر كالسياسة والإدارة والحكم والتجارة والاقتصاد والعلاقات الدولية وما إلى ذلك من أمور تتعلق بحاضر ومستقبل المسلمين في شتى أقطارهم.
ومن نتاج هذا الإبعاد والتحييد لهذا القرآن ظهور عقيدة فصل الدين عن السياسة التي ظهرت في أوربا أول الأمر،ثم انتشارها كمسلَّمة منَ المسلمات في أذهان الملايين من المسلمين المغيَّبين عن الحقائق،وهو ما سأتحدث فيه بمناسبة أخرى .
أننا نجد أن القرآن يتحدَّث بوضوح تام عن جملة من القضايا التي تهم المسلمين في كل عصر لم يذكرها المفسّرون في مصنَّفاتهم إما خوفاً من حكام الجور أو طاعة لهم باعتبار أنهم ولاة الأمر عندهم ،واقتصروا في خوضهم على مثل ما ذكرته،مشيعين في نفس الوقت تفسيراً منحرفاً لأحاديث المنع من تفسير القرآن بالرأي؛ذلكم التفسير الذي أراده الحكّام أن يسود في أذهان الرعية،ممّا جعل القرآن كتاباً مخيفاً وخفيف الوزن يستعملونه في مطالب رخيصة بعيدة كلّ البعد عمّا قرره القرآن نفسه في مواضع كثيرة كقوله تعالى في الآية9من سورة الإسراء: (إنَّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)،وإلاّ لا يُعقل أنَّ مفسري المسلمين لا يعرفون هذه الحقائق الجوهرية الحسّاسة أنْ يُظهروها في كتبهم؛إذْ لو أظهروها فانه تلصق بهم تهمة (الزندقة) التي تعني الخروج على الخليفة بدعوى أنه وليُّ الأمر .حتى كادت أن تستقر فكرة حرمة توغل (رجل الدين) بالسياسة عند الكثيرين من أبناء الأمة، فانقسمت الأمّة -فيما انقسمت إليه- إلى ثلاث طوائف هي: طائفة رجال السياسة،وطائفة رجال الدين التي من أبرز واجباتها التصفيق لرجال السياسة والحكم،وطائفة الرعية التي واجبها القبول بالواقع الفاسد دوماً !
بعد هذه المقدمة نقرأ قوله تعالى في الآية143 من سورة البقرة المباركة:(وكذلك جعلناكم أمَّة وسطا لتكونوا شهداءَ على الناس ويكونَ الرسولُ عليكم شهيداً) وعند التأمل في هذا النص المبارك نجد أنَّ الآية أرست ما قد يصحُّ أن نسميه (هيكلاً تنظيمياً) داخل الكيان الاجتماعي للمسلمين يمارس القائد فيه وظيفة(الحفز)من خلال عمليات الإشراف على مرؤوسيه وذلك بقرينة إيراد حرف الجرّ(على) الذي يفيد في المقام الاستعلاء والمغالبة - بحسب تصنيف أرباب اللغة والأدب - .
والقيادة في مقام الآية قيادتان:
القيادة الأولى:- القيادة العليا وهو (الرسول- ص) وذلك من قوله : ليكون الرسول عليكم شهيداً،فالشهادة في البَين إنما تعني المبالغة في الرقابة على المرؤوسين خلال تأديتهم لعملهم اليومي وبشكل تفصيلي،وهو المستفاد من إيراد صيغة المبالغة(شهيد). قال تعالى في الآية105 من سورة التوبة( وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُهُ) ولا شك أن غاية الرؤية في هذه الآية هو إحكام الرقابة على الأداء بحسب التعبير العصري باعتبار أن من وظائف القائد إجراء الرقابة على الأداء .
القيادة الثانية:- وهي قيادة مجعولة من لدن الباري سبحانه وتعالى. على هذا لا يجوز لأحد أن يدَّعي أنه منَ الأمّة الوسط بمحض رغبته وهواه. وتجد أن ضمير الخطاب في الآية(كم) يؤول إلى هذا المستوى منَ القيادة لا غير وهي القيادة الوسطى التي يمكن أن تكون (قيادة ظل) بحسب التعبير العصري السائر،وهذا النمط من القيادة يمارس وظيفة (الحفز) وهي من وظائف القادة داخل المجتمع بنحو من التماس المباشر (لتكونوا شهداء على الناس) . على هذا نحن نفهم الناس أنهم الرعية فلا يصح – بحسب هذا الفهم- أنَّ الله تعالى نصب جميع الأمة شاهدة على باقي الأمم وفيها مَن قد تعرف بالاتكاء على ما تهافت من روايات(سبب النزول)، ذلك التهافت الذي جعل المفسرين يعتبرون أن هذه الآية تتحدَّث عن مشهد من مشاهد يوم القيامة الكبرى، وهو غير سديد كما ترى . وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربّ العالمين
الباحث القرآني
|
|
|
|
|