إضاءات قرآنية
(6)
معاني فعل ( أتى ) :
في ( معجم ألفاظ القرآن الكريم ) طبع مجمع القاهرة :
تأتي ( أتى ) بمعان متعددة ، أحدها بمعنى ( جاء ) . فتأتي بمعنى مرّ ، وبمعنى قرب ، وبمعنى فعل ، وبمعنى وطئ ، وبمعنى هدم . يقول تعالى :
{ هل أتى على الإنسان حينٌ مِنَ الدهر لم يكن شَيْئاً مذكوراً } " الإنسان 1 "، أي قد مرّ به .
{ أتى أمرُ اللهِ فلا تستعجلوه } " النحل 1 "، أي قرب ودنا .
{ ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } " التوبة 54 "، أي يفعلون الصلاة .
{ إنّكم لَتأتونَ الرجال } " الأعراف 81 "، أي تطؤون الرجال .
{ فأتى اللّـهُ بُنيانَهم مِن القواعد } " النحل 26 "، أي هدم بنيانهم .
وأصل الإتيان : المجيء بسهولة ويسر ، وإلى هذا المعنى ترجع كلّ المعاني التي وردت في القرآن لـ ( أتى ) وتصريفاتها .
الفرق بين أتى وجاء :
عند استقراء الآيات نلاحظ أن ( أتى ) تستعمل غالباً للمجيء السهل ، مثل آيات نزول العذاب ، كقوله تعالى :
{ فأتاهمُ اللّـهُ مِن حيث لم يحتسبوا } " الحشر 2 ".
{ قلْ أرأيتُكُم إن أتاكم عذابُ الله أو أتتْكم الساعة } " الآنعام 40 ".
{ أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً ، فجعلناها حَصيداً } " يونس 24 ".
وفي حديث للدكتور فاضل السامرائي مِن قناة الشارقة سأل سائل :
يأتي بعض الأحيان في نفس الآية ( جاء ) و ( أتى ) فهل هناك فرق في المعنى ؟.
أمثلة على ذلِكَ :
{ قالوا : أوذينا مِن قبلِ أن تأتِيَنا ، ومن بعد ما جئتنا } " الأعراف 129 ".
{ أفلم يتدبّروا القول ، أم جاءهم ما لم يأتِ آباءَهم الأولين } " المؤمنون 68 ".
{ فهل ينظرون إلا الساعةَ أن تأتيهم بغتة ، فقد جاء أشراطُها } " محمّد 18 ".
{ يا أبتِ إني قد جاءني مِن العلم ما لم يأتك } " مريم 43 ".
{ ولا يأتونك بمَثَلٍ إلا جئناك بالحقّ وأحسنَ تفسيراً } " الفرقان 33 ".
{ إنْ كنتَ جئتَ بآية ، فأْتِ بها إن كنت مِن الصادقين } " الأعراف 106 ".
قال الدكتور : هناك فرق بين جاء وأتى ، فإنّ ( جاء ) تستعمل عندما يكون المجيء بمشقة ، أما ( أتى ) فبيسر وسهولة . يقول تعالى : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } أي يأتي بيسر مِن الله . بينما يقول سبحانه { فإذا جاء أمر الله قضي بينهم بالحقّ ، وخسر هنالك المبطلون } " غافر 78 ". هذا الأمر الآتي مِن الله فيه صعوبات ، فهنالك حساب وجزاء وخسران . ويقول تعالى : { حتى إذا استيأس الرُّسُلُ وظنّوا أنهم قد كُذِبوا جاءهم نصرنا ؛ فنُجِّيَ مَن نشاءُ ، ولا يُرَدّ بأسنا عن القوم المجرمين } " يوسف 110 ". الاستيئاس أقوى مِن اليأس ، فمجيء النصر هنا يأتي بعد صعوبات ومشقات .
وقال الدكتور السامرائي : هناك ملاحظة وهي أن القرآن لم يستخدم مِن ( جاء ) غير الفعل الماضي ، فلم يستخدم يجيء و جِئْ ، ولا اسم الفاعل ولا اسم المفعول .
ومن جهة أخرى قال الأستاذ رياض المونس : إن ( جاء ) تأتي للأمر الواقعي والحقيقي والمشاهد ، أما ( أتى ) فتأتي للأمر الغيبي وللغير المصدّق ، كما في قوله تعالى : { إنْ كنتَ جئتَ بآية ، فأْتِ بها إن كنت مِن الصادقين } " الأعراف 106 ".
يؤيد ذلِكَ مداخلة على الدكتور السامرائي لأحد الباحثين قال :
وجدت أن الفرق بين جاء وأتى ، أن ( جاء ) تأتي للماضي ، وللأمر الذي حصل وانتهى ، أما ( أتى ) فهي للمستقبل ، كقوله تعالى : { أتى أمر الله فلا تستعجلوه } . كأن يكون الأمر قد أقبل ولم يصل بعد ، فنقول ( أتى ) .
ما الفرق بين ( آتَوُا الزكاة ) و ( آتُوا الزكاة ) ، وبين ( ألقَوا ) و ( ألقُوا ) ؟ :
آتى الزكاة : أي أعطاها ، والجمع ( آتَـوُا الزكاة ) بفتح التاء وضم الواو . هذا بالنسبة للفعل الماضي . أما فعل الأمر منه فهو ( آتُوا الزكاة ) بضم التاء وتسكين الواو ؛ أي اِدفعوا الزكاة .
يقول تعالى حكاية عن الفعل الماضي : { وأقاموا الصلاةَ وآتـَوُا الزّكاةَ } " البقرة 43 " .
ويقول سبحانه حكاية عن الفعل الأمر : { وأَقيموا الصلاةَ وآتـُوا الزكاة واركعوا مع الراكعين } " البقرة 43 " .
وعلى غرار ذلِكَ الفرق بين ( ألقـَوا ) و ( ألقُوا ) .
ألقى الشيءَ يُلقيه : رماه أو طرحه ، جمعه أَلـْـقَوا ، وفي الأمر : أَلْقـُوا .
وقد ورد الفعلان في آية واحدة حكاية عن موسى والسحرة . قال تعالى : { قال ألقـُوا . فلما ألقـَوا سحروا أعين الناس } " الأعراف 116 "؛ الفعل الأول بصيغة الأمر ، والثاني بصيغة الماضي .
... يتبع ..