البحث السادس من أبحث التقليد
سيقول لك العقل إن الجواب عندي .
فتقول له ما هو هذا الجواب يا سماحة العقل ؟ .
فيقول لك افرض أنك قادم من الأحساء وذاهب إلى مكة ولا تعرف الطريق وأمامك طريقان هذا الطريق (أ) وهذا الطريق (ب) وسألت أهل الخبرة والبصيرة وكان عددهم (100) شخص مثلاً فقالوا بأجمعهم إن الطريق (أ) مضمون يوصل إلى مكة ، وأما بالنسبة للطريق (ب) اختلفوا فيه فمنهم خمسون قالوا إنّ الطريق (ب) يوصل إلى مكة ، و الخمسون البقية قالوا إنّ الطريق " ب " لا يوصل إلى مكة ، إذاً فالطريق "ب" البيِّنة عليه متعارضة ، والطريق (أ) البيِّنة عليه متفقة ، وإنّك تعلم أنّه لا يهمك لا الطريق (أ ) ولا الطريق (ب) ولكن يهمك الطريق الذي يوصل إلى مكة ، فستأخذ الطريق (أ) لأنه متفق عليه ، ونحن نطبق هذا على التقليد .
حيث إنه أمامك عالم مجتهد أعلم العلماء ، وكل العلماء يقولون إن تقليد المجتهد الأعلم مبرئ للذمة عند الله ، لأنه أقرب للواقع ، بينما تقليد المجتهد غير الأعلم قسم من العلماء يقولون إنّه مبرئ للذمة ، وقسم آخر من العلماء يقول إنّ تقليد المجتهد غير الأعلم غير مبرئ للذمة عند الله ، وأنت الآن هل تريد أن تتعرف على أن الأعلم يـجب تقليده أو لا ، أو الذي يهمك هو أن يكون مبرئ للذمة أم لا ؟ طبعاً يهمك الذي يبرئ للذمة لأنك تريد من التقليد معرفة الحكم الشرعي الموجه إليك والتقليد وجوبه وجوب طريقيّ ليس وجوبه وجوباً شرعيّاً ، و نقول إنّ احترام العالم المجتهد وجعل غبار نعاله على رؤوسنا هذا لا إشكال فيه ، فهذا تقدير واحترام ولكن كلامنا في التقليد وليس في التقدير و الاحترام ، إذاً إذا رجعت للعقل فسيقول لك إن الطريق المتفق عليه سوف نسلكه وذاك الطريق المختلف فيه فإننا لن نتبعه ، إذاً فلا إشكال أنني سألزمك بذلك لا لأن الله يلزمك بذلك ، لأن التقليد وجوبه وجوب عقليّ لا شرعي ، وأنا ألزمك الآن بأن تقلِّد الأعلم لأنه متفق عليه ، ولأنك عامي لا تستطيع أن تعرف أن تقليد غير الأعلم مبرئ للذمة وهذا لا أشكال فيه .
* الكثير من الناس يأخذ كتاب الوسائل ويفتحه على الرواية عن الإمام الحسن العسكري -
-قال :" فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه حافظاً لدينه مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه فعلى العوام أن يقلِّدوه " ويقول إنّ الإمام لم يقل يجب تقليد الأعلم في هذه الرواية ، نقول له : هل تستطيع أن تستدل بروايات أهل البيت كلها في هذا الأمر ؟ إنك لا تستطيع أن تستدل بروايات أهل البيت –
- لأنك عامي ، صحيح أنّ الإمام هنا لم يقل بالأعلم ، ولكن في رواية أخرى والتي قال فيها " ارجعوا إلى افقههِما " فهنا قال فيها بالأعلم فماذا تقول في هذه الرواية ؟ وعليه نقول بما أنك عامي لا تعرف أن تستدل بالروايات ، إذاً لا يوجد لديك مخرج ، إلا أن تقلِّد الأعلم لأنه مبرئ للذمة عند الله تعالى .
فالتقليد تكليف موجه إليك من عقلك وليس هو حكماً شرعياً ( لا من الله ولا من رسوله
وسلم ) الله كلفك بأحكام كالصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس ، والعقل يقول لك تعّرف على هذه الأحكام ويجب أن تتعلمها وتصل إليها ، وأنت رأيت أنّ الطريق الموصل للأحكام الشرعية إمّا الاجتهاد ووجوبه العيني على كل واحد منا منفي ، وإمّا بالاحتياط وهو مختلف فيه فليس عندك إلا التقليد،والتقليد شرائطه مقسّمة بين شرائط متفق عليها وشرائط مختلف فيها ، وليس للإنسان إلا أن يحتاط لدينه ، ويأخذ الشرائط المتفق عليها ، حيث إنّ الإمام علي -
- قال لكميل : " يا كميل أخوك دينك فاحتط لدينك " .
( وللبحث تتمة إن شاء الله في الحلقات القادمة ، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين )