اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
كلام جرائد
مع قرب تمام السادسة من عمرها، تهيئة لأمر عظيم. سوف تترك رياض الأطفال، وتلتحق بالعلم عاما بعد عاما. الروضة التي تكرهها، لإرغامها على ترك فراشها، في دفيء الصباح الباكر. فتذهب إليها بالإكراه والوعيد تارة، بالوعود والترغيب أخرى. الوعيد بقطع المصروف يعقبه العقاب، والوعد بالنزهات وتليها الهدايا والهبات.
أضنى أهلها الصبر والترقب، محاولين إقناعها بأهمية الدرس والدراسة لمستقبلها الباهر. يرسمون حياتها أمام ناظريها، كمهندس معمار ماهر، يظهر فن ومواهب. يأخذون بيدها خلال تلك الهندسة والخطوط العريضة، لترى ما سيؤول إليه حالها في نهاية الدراسة. ينضمون الفوائد الوفيرة التي ستجنيها، نضم اللؤلؤ في عقود وأسوار.
حتى غدت لفرط فرحتها، تظن إن ما ستذهب إليه، خروج من نار وجحيم سجرها جبارها لغضبه، إلى جنة ونعيم مقيم خلقها باريها لرحمته. وأصبحت تلح عليهم بأخذها إلى المدرسة، وتطالبهم بتلك الوعود – وذلك المستقبل الزاهر.
انتظروا كما انتظر غيرهم وهم كثر، خروج الإعلان ببدء التسجيل، في الجرائد المحلية. يرقبون الصحف اليومية بفارغ الصبر، ويقرئون اسطرها واحد بعد آخر. يشترون أكثرها، مخافة أن يفوتهم خبرها. ومع صدور الخبر، زف إليها النبأ، وتمنت قرب الفرج. فكانت تجلس كل يوم قبلهم، وتلبس ملابسها دونهم. كجندي محارب - لبس حلته وحمل سلاحه - استعداداً ينتظر الأوامر. تسبقهم في الخروج من باب البيت، وتقودهم في الوصول إلى باب المدرسة.
ولكن التسجيل لم يكن عملية سهلة، ولا نهاية لمعاناتهم ومعاناتها. بل هو بداية الهم، الذي أن لم يكرهها في الدراسة، سوف يزهدها فيها. فكانوا يأخذونها كل يوم، منذ صدور الإعلان، ويرجعونها ثانية، دون أمل يرجى أو وعد يوفى. حتى ملت وأنت، مما أصابها من هم وغم. من طول الانتظار، وكثرة المراجعين. الذين يذهبون ويعودون بخفي حنين، ينفضون أيدهم خالية. فلا حاجة مقضية، ولا كلمة مريحة، ولا وجوه مرحبة. بل وعود وتأجيل، دون قبول وإنهاء.
وعندها بدا ظهور التأفف على شفتيها، والضجر على محياها. فلم يكن هناك بداً من طرح السؤال الذي ليس منه مهرب، للحصول على الجواب، الذي طال تأجيله دون ما سبب. سألهم أولياء الأمور محاولين عدم إغضابهم، لان لا يظهر عليهم الانزعاج فيطردوا شر مطرد: ألم ينشر في الجرائد اليومية خبر التسجيل، والبدء به دون إبطاء أو تأجيل؟!
ضحك المسئولون استهزاءً، وكشروا عن أنيابهم امتعاضا، رافعين قريحتهم: ذلك كلام صحف وجرائد، نصفه حقيقة والباقي اجتهاد كاتب! فصرخ المراجعون من هول ما سمعوا، وانتفضوا من سوء ما قالوا: ما هي كل الحقيقة، التي لم تذكرها تلك الجرائد الموقرة؟! فجاءهم الجواب كريح السموم: نحن لا نعتمد الجرائد، وليست مرجع لنا في الشدائد. بل ننتظر بين آونة وأخرى، وصول القرار من الذي لا يقر بعد قراره قرار. ويبقى الناس على وجل، وأطفالهم في شكوى وملل. ذاهبين قافلين، لحين يتحنن المسئولين، أو نزول رحمة رب العالمين.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف - السعودية