اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مدخل مغارة
لسنين عديدة وهم يعتبرون الحي جزء من ممتلكاتهم، تمتد إليه أيديهم متى ما أرادوا دون رادع. يستغلون الشارع أمام بيتهم وبيوت الجيران، كمخزن خلفي يخزنون فيه حاجياتهم. كما يتحول معرضا موسميا لسياراتهم بمختلف أنواعها وماركاتها وموديلاتها، ومن بينها ناقلات المعدات. فيأخذوا في صيانتها وتنظيفها، فتسد الطرقات والممرات. وتسيل مياه الغسيل انهارا، وتصبح زيوت التشحيم بركا ومستنقعات.
فيعيق خروج ودخول الجيران لبيوتهم، ولا يستطيع أي منهم مهما علا شأنه وجل قدره وكبرت سنه، التصريح باعتراضه أو التلميح باستيائه. ومن يتقدم ليأمر بمعروف أو ينهى عن منكر، فلقد ارتكب جرم دخول حدود دولة أجنبية بدون فيزا أو تصريح. ويجني على نفسه ويلقى آثاما، من أم سليطة اللسان، كلسان ثعبان سامة، أو أيدي أب وأبناء طويلة كمجاديف القوارب.
على عكس الأيام السابقة التي كانت عالية الحرارة وقاسية الرطوبة، وكان الناس يحتمون فيها بمكيفة الهواء طلبا للبرودة، احتماء أهل البراري بالظلال والكهوف وقت الظهيرة. عصر ذلك اليوم كان صحوا مع غيوم خفيفة تقي من حرارة الشمس، وهواء عليل لطيف يقلل من رطوبة الطقس، ويشجع على القيام برحلات جماعية على ضفاف البحر، لذا كان معظم الجيران خارج بيوتهم.
حصل ما لم يكن في الحسبان، هذا مع تردد الجيران من عقد صداقة ود ومحبة معهم، خوف انقلابها لفراق لا يحمد عقباه. فلقد اخذ احد الأبناء بسب الجيران واحدا - واحدا دون تحديد، ويلعن ذلك اليوم الذي اختاروا فيه النزوح لهذا الحي. وكان هدفه الثاني طرق الأبواب بقوة وعنف، بيد تشبه مطرقة تكسير صخور الجبال. ويزعق كغراب على خربة، بصوت يصم الآذان، ويخترق جدار الهواء.
فمن هو موجودا في بيته كان يرتجف خوفا وفرقا، من وقوع صاعقة عليه أو قارعة تحل قرب داره. وهذا يواصل الصراخ من قمة رأسه، كبركان يقذف حمم ونيران، دون تحرج أو مراعاة للجيرة. فكانوا يردونه ردا لطيفا خوف إثارته، قائلين: أولادنا رجال كبار وليس لديهم وقت لمثل هذه الألعاب الطفولية. ويدعونه يدخل بيوتهم ليبحث بنفسه ويفتش حتى يكتفي ويقتنع، ويعود أدراجه خائبا.
ومع إحساسه بالخيبة والفشل، لم يكن يدع التهديد والوعيد إرعابا لقلوبهم. وعينيه تنقلب وتحمر وتقذف بشرر كالقصر كأنها جمالة صفر. يهدد من هو غائبا منهم، بالويل والثبور وعظائم الأمور.
احد الجيران لم يقبل الإهانات، ولم يتحمل الذل والخنوع، لكنه لم يمكنه من دخول بيته ولم يرد الدخول معه في جدال عقيم. فقرر عدم فتح بابه، وعدم إجابته.
فلم يقتنع هذا بما قام به الجار، بل استفزه وجعله أكثر إصرارا على المواجهة. فعاد يدق الباب بعنف، طالبا من الجار فتح الباب، هائجا كالثور ينفخ الريح من خياشيمه ويثير غبار الشارع من حوله، وهو يقول: اخرج من جحرك أيها .....! وأخذ طريقه للباب رافعا رأسه للأعلى، معتزا بالقوة التي وراءه من أخوته ووالديه. وسط حي اقرب لغابة متشابكة الأغصان والفروع، ولكن من الاسمنت والحجارة دون وجود للأوراق أو الظلال. ومع طوله الشاهق لم يكن ممتلئ الجسم، بل رفيع القامة كغصن شجرة قصب. وفي أعلاه رأس أشبه ببطيخة صغيرة، معلقة فوق ذلك الغصن. وفوقه رأسه الحليق شيئ اقرب بطاقية سوداء سميكة قريبة من لون جسمه الأسمر، ومع الاقتراب منه يعرف انه ما بقي له من شعره.
نصفه الأعلى تغطيه ثياب داخلية، ونصفه الأسفل يغطيه سروال رياضة يصل لنصف ساقه. جسمه ولكثرة الماء الذي يتقاطر منه، يخيل لمن يراه إمكانية عصره. وكانت شحوم وزيوت السيارات بقع على بعض أجزاء من جسمه المكشوفة، ومواقع أخرى من ملابسه، كنمر بني تكثر عليه البقع السوداء. مما يجعل منظره قبيحا لا يمكن النظر إليه، ورائحته كريهة صعبة الاحتمال، كمن خرج من زريبة حيوانات.
كان الجار على استعداد تام للذهاب كالآخرين لساحل البحر، ولكن عندما سمع صوته وحس باقترابه، فاضت روحه ولم يتمكن من تمالك نفسه، فخرج إليه وهو مصمم على تأديبه. فأخذه بين يديه كطفل صغير، دون إعطائه فرصة لإبداء أي ردة فعل. وهذا لم يتمكن من الرد لهول المفاجأة وسرعتها، فكانت عينيه على وسعهما، كمن دخل مكان مظلما. فاتحا فمه كمدخل مغارة، لا يعلم ماذا يقول. ثم هزه هزا عنيفا كما تهز الشجر لجني ثمارها، وقذفه للخارج وأغلق الباب خلفه.
علم الجيران بعدها بمدة، بفقد احد الأبناء بطارية شاحنته، فتبادر لذهنه سرقتها من قبل الجيران. بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية