اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
سنوات العذاب
مضت السنوات ثقيلة وبطيئة تعقبها أخرى مثلها لا تقل عنها ثقلا وتباطؤا، تتمطى كمن استفاق من نومة طويلة، يمد يديه ورجليه ليبعد الكسل والتعب عن جسمه. وبطيئة كقافلة من الجمال تنتقل بصعوبة عبر كثبان الصحراء الرملية، تأن تحت وطأت ثقل حمولتها على ظهورها، وليونة الأرض تحت أقدامها.
مضت السنوات دون تطور أو تقدم يذكر، بل تراجع وتدهور مستمر. فنزعت منه جميع الصلاحيات التي يتحلى بها من هو في منصبه، فأصبح كزير للماء يجلس على حامل خشبي دون حركة.
رئيس يأتي وآخر يذهب، وهو كشبح أو خيال لا يكاد يرى. يتسائل كمخبول يكلم ذاته: هل أنا حقا موجود في هذه الدنيا، أم مت وقبرت تحت تراب الأرض، لذا لا يشعر بوجودي احد. لكن ما بالها روحي تأبى الإذعان لقوانين العالم الآخر والاعتراف بها، وتصر على إثبات وجودها بجوار عالم الأحياء.
إذا اقض مضجعه الصبر ولم يعد يتحمل وضعه المزري، دخل على مسؤولي الإدارة كطير ذبيح يئن ألما تحت سكين جلاده. يكافح ويناضل على الجبهتين المادية والمنصبية، فيكون كمن يحفر قبره بيده وسط رمال متحركة، فكلما حاول إنقاذ نفسه وإخراجها، ازداد قبره عمقا وانحدارا.
فان طالب بزيادة مالية، قيل له بتعجب ملحوظ كمن أقدم على جرم عظيم: انك لا تقوم بأي عمل تستحق عليه الزيادة!
وان طالب بمهام عمل جديدة، ابلغ بتهرب متعمد فيه الكثير من اللؤم والخبث: عليك الانتظار حتى نتمكن من معرفة المهام التي تتمكن القيام بها.
لا يمكن أن يكون الخطأ فيه، فهو يعرف نفسه جيدا ويعرف قدراته. ويرى مهام عمله موزعة بين الإدارات الأخرى، كإرث مسلوب موزع ظلما في غير أهله. فيعض أصابع الندم، ويتجرع آهات وغصص الحسرات والآلام.
يبقى طول نهاره دون عمل يذكر، ينتظر من يدخل عليه مكتبه ليوقظه من سباته، ويخوض معه في موضوع جانبي، لا يوقفه إلا توهمه بغضب الإدارة إذا ما عرفت بأمره.
كما اعتاد الذباب الحوم حوله كما تحلق الطائرات حول ميدان القتال، فلم يعد يهابه، لمعرفته بعدد خطواته.
خلال أول سنتين أحس بطعم الحياة وشعر بوجوده، فأضاء نجمه كعلم في رأسه نار. وأصبح له موقع مرموق بين العاملين، يغبطه عليه من حوله من المدراء، لوجود من يدعمه ويعرف قدراته ويقف لجانبه.
مع تنحي رئيسه عن منصبه، اخذ نجمه بالأفول ونوره بالنضوب وناره بالخبوت، كأنما غمرها الماء وانطفأت جذوتها.
لم يستطع تقبل الوضع كما هو، فأراد القيام بعمل يبقيه على قيد الحياة، ويشعره بالنبض في عروقه، ويمنعه من الإقدام على الانتحار. فقلب الفكر بحثا عن حل.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الاخ حسين نوح مشامع بارك الله بكم واجركم وزادكم الله حلما علما وبيانا رائعا في خدمة آل بيت محمد (ص) واله الاطهار وشكرا للصور الرائعة والتشبيهات الجميلة والذوق الادبي الرفيع
ناصرحيدر